البدعة

البدعة6%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156149 / تحميل: 9215
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المعصوم عن طريق النص، ليكمل مسيرة النبوة، وشوط الرسالة، ويتحمل اعباءَها بأمانة واخلاص، ولا يصح بحكم العقل أن يترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امته من دون ولي وقيِّم عليها، وقد ورد النص بتعيين الولي من بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن الكريم في عدة مواضع اتفق على شأن نزولها الفريقان وذكروها بالطرق الصحيحة المعتبرة في كتب الحديث، منها قوله تعالى:

( إنّما وَليكمُ اللّهُ وَرسولُهُ وَالذينَ آمنُوا الذِينَ يُقيمُونَ الصَّلاة وَيؤتونَ الزَّكاةَ وَهُم رَاكعونَ ) (١) .

وقوله تعالى:( أطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعوا الرَّسولَ وَاولي الأَمر مِنكم ) (٢) .

وقوله تعالى:( إنمَا يُريدُ اللّهُ لِيُذهبَ عَنكمُ الرّجسَ أَهلَ الَبيتِ ويطهّركُم تطهيراً ) (٣) .

وأما السنة، فقد طفحت الكتب الحديثية منها بالروايات المتواترة والمستفيضة على لسان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقام تعيين الولي من بعده، والوصية الصريحة له بالخلافة،

____________________

(١) المائدة: ٥٥، انظر للاطلاع على سبب نزول الآية: (علي في الكتاب والنسة) لحين الشاكري، ج: ١، ص: ٩٥ - ١٠٣، نقلاً عن السيوطي في تفسير الدر المنثور، ج: ٢٠، ص: ٢٩٣، والرازي في تفسيره، ج: ٢، ص: ٦١٨، والزمخشري في تفسيره، ج: ١، ص: ١٥٤، والبيضاوي في تفسيره، ص:١٥٤، والنيسابوري في تفسير غرائب القرآن، ج: ٢، ص: ٨٢، وغير ذلك من المصادر.

ولمزيد من التفصيل راجع (احقاق الحق)، ج: ٢، ص: (٣٩٩ - ٤٠٨).

(٢) النساء: ٥٩، انظر (علي في الكتاب والسنة)، ج: ١، ص: ٧٩ - ٨٠، نقلاً عن (شواهد التنزيل) للحاكم الحسكاني، ج: ١، ص: ١٤٨ - ١٥٢، وغيره من المصادر.

ولمزيد من التفصيل راجع: (احقاق الحق)، ج: ٣، ص: ٤٢٤، وج: ١٤، ص: ٣٤٨ - ٣٥٠.

(٣) الاحزاب: ٣٣، انظر (علي في الكتاب والسنة)، ج: (١، ص: ٤١١ - ٤٢٤) نقلاً عن الترمذي في (الجامع الصحيح)، ج: ٥، ص: ٣٥١، ح: ٣٢٠٥ و ص: ٣٥٢، ح: ٣٢٠٦، وص: ٦٦٣، ح ٣٧٨٧، وص: ٦٩٩، ح: ٣٨٧١، وفي مسند أحمد بن حنبل، ج: ١، ص: ٣٣٠، و ج: ٤، ص: ١٠٧. والطبراني في المعجم الصغير ج: ١، ص: ٦٥ و ١٣٤، وتاريخ بغداد، ج: ٩، ص: ١٢٦، وفي فتح الباري ج: ٧، ص: ٦٠ وفي الاصابة ج: ٢ ص: ١٦٩ و ٥٠٣، و ج: ٤، ص: ٣٦٦، وغير ذلك من الكتب الحديثية المعتبرة عند ابناء العامة فضلاً عن مصادرنا المتواترة بهذا الشأن.

٢١

وبيان منزلة أهل البيتعليهم‌السلام ، وأنهم أولى الناس بالرسالة، وأجدرهم بحملها، والحث الاكيد على اتباعهم، والتمسك بسيرتهم، والسير على هداهم، وبيَّنت ان هذا الامر من تمام النعمة وكمال الدين، فقرنهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وخلَّفهم شهداء على الامة، وادلاء على الطريق، من خلال جملة كبيرة من الاحاديث التي جاءت بها كتب الفريقين، ونحن نذكر من بين هذه الاحاديث الكثيرة التي دلَّت على تعيين الولي من بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثةَ أحاديث فقط على سبيل المثال، ونشير إلى بعض مصادرها في كتب العامة:

١ - حديث الدار : روى ابن الاثير والطبري وغيرهما من المؤرخين عن عليعليه‌السلام ما مفاده: انّه لما نزل قوله تعالى:( وَأَنذِر عَشيرَتكَ الأَقربِينَ ) (١) أمَرَ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياًعليه‌السلام أن يصنع صاعاً من الطعام، ويجعل عليه رجل شاة، ويملأ عساً من لبن، ويجمع بني عبد المطلب، وهم يومئذٍ أربعونَ رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب.

فاجتمعوا وأكلوا وشربوا، وبعد ان انتهوا أراد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكلمهم إلا انَّ أبا لهب قاطعه، وتفرَّق القوم.

فدعاهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرةً اُخرى، وصنع لهم ما صنع في المرة الاولى، ثم تكلم وقال:

يا بني عبد المطلب اني واللّه ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فايكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟

فاحجم القوم عنها جميعاً، - يقول عليعليه‌السلام - قلت وانّي لأحدثهم سناً، وأرمصهم

____________________

(١) الشعراء: ٢١٤.

٢٢

عيناً، واعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً:

أنا يا نبي اللّه اكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي ثم قال:

إنَّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمركَ أن تسمع لابنكَ وتطيع»(١) .

٢ - حديث الثقلين : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، احدهما أعظم من الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما»(٢) .

٣ - حديث الغدير : روي عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند نزول قوله تعالى:( يَا أيُّها الرَّسولُ بَلِّغ مَا اُنزِلَ إليكَ مِن ربِّكَ وإِن لم تَفعل فَمَا بَلَّغتَ رِسالتهُ واللّهُ يَعصمُك مِن الناس. ) (٣) أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد عليعليه‌السلام عند غدير خم، بعد العودة من حجة الوداع قائلاً أمام حشود المسلمين الذين كانوا يرافقونه المسير:

أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم؟

قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال:

____________________

(١) ابن الاثير، الكامل في التاريخ، ج: ٢ ص: ٦٢ - ٦٣، والطبري، تاريخ الطبري، ج: ٢، ص: ٦٢ - ٦٣.

انظر لمزيد من التفصيل مصادر الحديث في احقاق الحق، ج: ٣، ص: ٥٦٢، و(علي في الكتاب والسنة) للشاكري، ج: ١، ص: ٢٠٤ - ٢٠٦.

(٢) محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، المجلد الخامس، ص: ٦١٢، ح: ٣٧٨٦. المتقي الهندي في كنز العمال، ج: ١، ص: ٣٨١، ح: ١٦٥٧.

وقد أخرج الحفّاظ والمحدّثون هذا الحديث بطرق كثيرة صحيحة، حتى ناهز عدد رواته من الصحابة بضعة وثلاثين صحابياً وصحابية، راجع للتفصيل مجلة (رسالة الثقلين)، العدد الرابع، ص: (١١٢ - ١١٩).

(٣) المائدة: ٦٧.

٢٣

مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، وأدرِ الحقَّ معه كيفما دار.»(١) .

والاحاديث في هذا المجال متواترة وكثيرة، وقد ذكرتها الكتب المختصة بهذا الشأن، وأما الاحاديث التي حدَّدت هوية أهل البيتعليهم‌السلام ، وذكرت عددهم، وشخصتهم من بين المسلمين، فهي مذكورة في مظانها أيضاً، وسنأتي على قسمٍ منها في لاحق دراستنا هذه إن شاء اللّه تعالى.

وبهذا تتظافر نظرة الاسلام إلى جميع جوانب الوجود وأبعاده، ويبقى التشريع الالهي ملازماً لحياة الانسان، ضمن دائرة الغيب، وفي اطار الاستلهام المباشر وغير المباشر من السماء، فالطريق المباشر يتمثل بسنة النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي اختصه اللّه تعالى بالوحي، وتميَّز بذلك دون أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد قال تعالى بشأن نبيه الكريم:( وَمَا ينطقُ عَنِ الهَوى* إن هُوَ إلا وَحي يُوحى ) (٢) .

وقال تعالى على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إن اتَّبعُ إلا مَا يُوحى إليَّ وَمَا أنا إلا نذِير مُّبِين ) (٣) .

والطريق غير المباشر هو سنة أهل البيتعليهم‌السلام فقد جاءَ عن ابي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام أنه قال:

____________________

(١) حديث الغدير أشهر من أن يشار بشأنه إلى مصدر معيَّن، ودونَك موسوعة (الغدير في الكتاب والسنة) للعلامة الاميني، وانظر مدارك الحديث الغفيرة من كتب أبناء العامة في (احقاق الحق)، ج: ٢، ص: ٤١٥ - ٤٦٦، وقد ذكر السيّد محسن الامين في أعيان الشيعة ان مجموع ما اُلف في موضوع الغدير من السنة والشيعة قد بلغ ستاً وعشرين مؤلفاً.

(٢) النجم: ٣ - ٤.

(٣) الاحقاف: ٩.

٢٤

«حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحديث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول اللّه عزَّ وجلَّ»(١) .

وورد عن سماعة أنه قال: قلت لابي الحسن موسىعليه‌السلام : أكلّ شيء في كتاب اللّه وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تقولونَ فيه؟ قالعليه‌السلام :

«بل كلُّ شيءٍ في كتاب اللّه وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٢) .

وعن قتيبة أنه قال: سأل رجل أبا عبد اللّهعليه‌السلام عن مسألةٍ فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيتَ ان كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقالعليه‌السلام له:

«مَه، ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لسنا من: (أرأيتَ) في شيء»(٣) .

وروي عن محمّد بن حكيم أنه قال للامام الصادقعليه‌السلام : جعلتُ فداك أتى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يكتفون به؟ فقالعليه‌السلام :

«أتى رسول اللّه بما استغنوا به في عهده، وبما يكتفون به من بعده إلى يوم القيامة، قال: قلت:

ضاع منه شيء؟ فقالعليه‌السلام :

لا هو عند أهله»(٤) .

____________________

(١) زين الدين العاملي، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، ص: ١٩٤.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الرد إلى الكتاب والسنة، ح: ١٠، ص: ٦٢.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ٢١، ص: ٥٨.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٤٩، ص: ٣٠٥.

٢٥

الخطوط الأساسية لحصانة التشريع

إنَّ ثوابت الشريعة الاسلامية التي بُنيت على أساس كون التشريع امراً توفيقياً ومستمداً من خصوص المصادر الاساسية التي تقدمت الاشارة اليها، لا تسمح مطلقاً بورود أيَّ لونٍ من ألوان التشريع من خارج هذا الاطار، لأنَّ مثل هذا التشريع الدخيل يُعد خرقاً للحصانة المنيعة التي تقف وراء سرِّ ديمومة التشريع، وبقائه واستمراره إلى حيث الشوط الاخير في هذهِ الحياة، مما يؤدّي في النتيجة إلى إحداث فجوات خطيرة، وشروخ عميقة، في هذا الغطاء الذي يؤطّر الاحكام الشرعية المقدسة، ويحيط بها، ويصونها عن نفوذ الرؤية القاصرة التي تسبب حدوث المسخ والتشويه والتحريف.

وقد ضمن المولى سبحانه وتعالى توفير هذه الحصانة لكتابه العزيز، وصيانته من التحريف والتبديل والتغيير، ومخالطة الباطل له، حيث يقول:

( إنّا نَحنُ نَزَّلنا الذِكرَ وإنَّا لَهُ لَحافظُون ) (١) .

ويقول تعالى:( وَانَّه لكِتاب عَزيز* لا يَأتيهِ البَاطلُ مِن بَينِ يَديهُ وَلا مِن خَلفهِ تَنزيل مِن حَكيمٍ حَميدٍ ) (٢) .

كما امرَ المولى سبحانه وتعالى نبيَّه الكريم أيضاً أن يشدد على هذا المعنى، ويؤكّد عليه بشأن السنة النبوية، ويعالج هذا الأمر بما يتناسب مع حجمه وخطورته من تنبيه وتأكيد وتذكير، فورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرينعليهم‌السلام سيل متدفق من

____________________

(١) الحجر: ٩.

(٢) فصلت: ٤١ - ٤٢.

٢٦

الاحاديث، وحشد كبير من التوصيات التي اتجهت مضامينها نحو توفير هذا الضمان، وتهيئة الأجواء الملائمة له، عبر خطوط أساسية أهمها ما يلي:

الخط الأول: شمولية التشريع

يتمثل الخط الاول من خطوط الحصانة للتشريع الالهي ببيان أنَّ الشريعة الاسلامية شريعة خاتمة لجميع الشرائع السماوية السابقة، حيث انَّ تلك الشرائع كانت شرائع مؤقتة ومحدودة ضمن الظرف الذي عاشت فيه، على الرغم من انها كانت تتفق في الخطوط الرئيسية العامة، وتشتمل على قواسم دينية مشتركة في طريق هداية البشرية نحو السعادة والفضيلة، وتسير بالانسان في رحلة تكاملية تهيؤه لاستقبال الشريعة الاسلامية الخاتمة وتعدّه لها.

وبهذا فانَّ الشريعة الاسلامية تتميز عن الشرائع السماوية السابقة بانها شريعة شاملة ومستوعبة لجميع مستجدات الواقع وضروراته واحتياجاته، وان الخطوط العامة الواردة في الكتاب العزيز، والتفاصيل المترامية المذكورة في الحديث الشريف، كافية لأن تغطّي هذه الحاجة مهما تقدَّم الزمن بالانسان وارتقى فيه، فما من واقعة تمرّ بالانسان وتطرأ في حياته المتواصلة إلا ولها حكم في الكتاب العزيز أو سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرينعليهم‌السلام .

وبما انَّ هذه السنة مستلهمة ومستوحاة من عموميات الكتاب الكريم، فيكون الكتاب في النتيجة هو الدستور الذي يشتمل على كل تفاصيل الحياة وأحكامها ضمن اطاراته العامة وأحكامه الكلية، فلا يبقى مع هذا أيّ مجال لورود القوانين الوضعية البشرية في قبال التشريع الالهي المقدس، ما دامت الشريعة الاسلامية تغطّي كل مساحة التطبيق، وتتناول كل جزئيات الحياة.

٢٧

يقول اللّه تعالى بشأن شمولية الكتاب الكريم:

( ما فرَّطنَا فِي الكِتابِ مِن شَيءٍ ) (١) .

ويقول تعالى:( وَكل شَيءٍ فَصَّلناهُ تَفصِيلاً ) (٢) .

ويقول تعالى:( . مَا كَانَ حَديثاً يُفترَى وَلَكن تَصدِيقَ الذِي بَينَ يَديهِ وَتفصِيلَ كُل شَيءٍ وَهُدىً وَرحَمةً لِقَومٍ يُؤمنونَ ) (٣) .

ويقول تعالى:( وَنَزَّلنَا عَلَيَكَ الكِتَابَ تِبياناً لِكُلِ شَيءٍ وَهُدىً وَرحمةً وَبُشرَى لِلمُسلِمينَ ) (٤) .

وورد عن ابي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام بهذا الصدد أنه قال:

«إنَّ اللّه عزَّ وجلَّ أنزل في القرآن تبياناً لكل شيء، حتى واللّه ما يستطيع عبد أن يقول: لو كان في القرآنِ هذا، إلا وقد أنزله اللّه فيه»(٥) .

وعنهعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ اللّه أنزل عليكم كتابه الصادق البار، فيه خبركم، وخبر ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وخبر السماء، وخبر الارض، فلو أتاكم مَن يخبركم بذلك لعجبتم»(٦) .

وعنهعليه‌السلام أنه قال:

«إذا حدثتكم بشيء فاسألوني عنه من كتاب اللّه، ثم قال في بعض حديثه: انَّ رسول اللّهعليه‌السلام نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال، فقيل له: يا ابن رسول اللّه أين هذا من كتاب اللّه؟ قال: إنِّ اللّه عزَّ وجلَّ يقول:( لا خَيرَ فِي كَثِيرٍ مِن

____________________

(١) الانعام: ٣٨.

(٢) الاسراء: ١٢.

(٣) يوسف: ١١١.

(٤) النحل: ٨٩.

(٥) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١: باب: أنزل اللّه في القرآن تبياناً لكل شيء، ح: ٣٥٨، ص: ٤١٦.

(٦) أبو جعفر البرقي، المحاسن: ج: ١، باب: أنزل اللّه في القرآن تبياناً لكل شيء، ح: ٣٥٩، ص: ٤١٦.

٢٨

نَّجوَاهُم إلا مَن أمَرَ بصَدقةٍ أو مَعروفٍ أو إِصلاحٍ بَينَ النَّاس ) (١) وقال: ( وَلا تُؤتُوا السُّفهاءَ أَموالكُم الَّتي جَعَلَ اللّهُ لَكُم قِياماً ) (٢) ، وقال:( لا تَسألوا عَنْ أَشياءَ إِن تُبدَ لَكمْ تَسؤكُمْ )(٤) .

وبالنظر لهذه السعة والشمولية في مفردات الكتاب العزيز نرى أنه لا يزداد مع تقدم الزمن ونموه إِلا حداثة وطراوة، وان القارئ له والمتأمل فيه يشعر وكأنَّه قد نزل في العصر الذي هو فيه، فلا تتحجم مفرداته مع سعة الحياة وكثرة تعقيداتها، ولا تتراخى تعاليمه عن مواكبة المسيرة الانسانية الحثيثة. فقد ورد عن الامام الرضاعليه‌السلام عن ابيه موسى بن جعفرعليه‌السلام قال:

«إنَّ رجلاً سأل أبا عبد اللّه الصادقعليه‌السلام : ما بال القرآن لا يزداد مع النشر والدرس إلا غضاضةً؟ فقالعليه‌السلام : إنَّ اللّه تبارك وتعالى لم يجعله لزمانٍ دونَ زمان، ولناسٍ دونَ ناس، فهو في كلِّ زمانٍ جديد، وعند كلِّ قومٍ غضّ إلى يوم القيامة»(٥) .

وعن عليعليه‌السلام أنه قال في صفة القرآن:

«لا تخلقه كثرة الرد وولوج السمع»(٦) .

وورد عن الامام الرضاعليه‌السلام في نفس المعنى أنه قال:

«لا يخلق من الأزمنة، ولا يغثّ على الألسنة، لانَّه لم يجعل لزمان دونَ زمان، بل جُعل دليل البرهان، وحجة على كلِّ اسنان، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه،

____________________

(١) النساء: ١١٤.

(٢) النساء: ٥.

(٣) المائدة: ١٠١.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الرد إلى الكتاب والسنة، ح: ٥، ص: ٦٠.

(٥) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، كتاب: العلم، باب: ٣٢، ح: ٤٤، ص: ٢٨٠.

(٦) نهج البلاغة: خ / ١٥٦.

٢٩

تنزيل من حكيم حميد»(١) .

وتتمتع السنة الشريفة الواردة عن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرينعليهم‌السلام بنفس ما يتمتع به الكتاب الكريم من شمولية واستيعاب، باعتبار الملازمة الثابتة بينهما، وعدم امكانية تصور وفاء احدهما بدوره دون الآخر، فالكتاب يشتمل على عموميات التشريع، والسنة تضطلع بتفصيل عموميات الكتاب الكريم، فقد قال تعالى موضحاً هذه الملازمة:

( وَأنَزلنا إِليكَ الذّكرَ لِتبَيِّنَ لِلنَّاس مَا نُزِّل إِليهِم. ) (٢) .

وجاءَ عن عبد الرحمن بن يزيد:

«أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى محرماً عليه ثيابه، فنهى المحرم، فقال: ائتني بآية من كتاب اللّه تنزع ثيابي، قال: فقرأ عليه:( وَمَا آتَاكمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وَما نَهاكم عَنهُ فَانتَهوا ) (٣) »(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال في خطبته عند حجة الوداع:

« يا أيها الناس واللّه ما من شيء يقربكم من الجنة، ويباعدكم من النار، إلا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار، ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه.»(٥) .

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام :

«انَّه أتاه رجل بمكة، فقال له: يا محمّد بن علي أنت الذي تزعم انه ليس شيء إلا

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٨٩، باب: فضل القرآن واعجازه، ح: ٦، ص: ١٤.

(٢) النحل: ٤٤.

(٣) الحشر: ٧.

(٤) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج: ١، ص: ٣٧.

(٥) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الطاعة والتقوى، ح: ٢، ص: ٧٤.

٣٠

وله حدّ؟، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : نعم أنا أقول: انه ليس شيء مما خلقَ اللّه صغيراً ولا كبيراً، إلا وقد جعل اللّه له حداً، إذا جوَّز به ذلك الحد فقد تعدّى حدَّ اللّه فيه، قال: فما حدُّ مائدتك هذه؟ قال: تذكر اسم اللّه حين توضع، وتحمد اللّهَ حين تُرفع، وتقمّ ما تحتها، قال: فما حدُّ كوزك هذا؟ قال: لا تشرب من موضع اُذنه، ولا من موضع كسره، فانه مقعد الشيطان، وإذا وضعته على فيكَ فاذكر اسم اللّه، وإذا رفعته عن فيكَ فاحمد اللّهَ، وتنفَّس فيه ثلاثة أنفاس، فإن النفس الواحدة يكره»(١) .

إلى غير ذلك من الاحاديث التي دلَّت على استيعاب سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام لجميع أبعاد الحياة وشؤونها، وأنه ما من واقعة تخلو من حكمٍ شرعي خاصٍّ بها.

وفي الحقيقة انَّ أساس هذا الأمر ينشأ من كون الشريعة الاسلامية شريعة فطرية تنسجم مع واقع الفطرة الانسانية وتوجهاتها السليمة، وتلبي احتياجاتها الثابتة، وتعين المصالح والمفاسد الواقعية التي لا تتأثر بما يستجد ويتغيَّر من وقائع وأحداث.

وقد قام التشريع بتلبية هذه الحاجة عن طريق تقنين القواعد والانظمة الثابتة التي يُلزم الانسان بامتثالها مهما تغيَّرت الظروف من حوله، كوجوب الصلاة والصوم، وحرمة الخمر والزنا. وما إلى ذلك من أحكام أساسية ثابتة في الشريعة.

كما تمَّ أيضاً تشخيص المناطق المرنة في التشريع، والتي يتمكن (الولي) في نطاقها من التحرك والانتقال من حكمٍ شرعي الى، آخر حكمٍ شرعي وتشخيص الموقف الشرعي ضمن اطارات تلك الاحكام الثابتة، والعمل نحو تحقيق أهدافها العامة، من خلال الاستناد إلى العموميات والقواعد التي هيأتها الشريعة لمختلف الأحداث في ظل شروط وقيود معينة.

____________________

(١) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، باب التحديد، ح: ٣٨٩، ص: ٤٢٨.

٣١

ويسمى النحو الأول من التشريع ب(التشريع الالهي)، وأما النحو الثاني فيسمى ب(التشريع الولائي).

وفي الحقيقة ان (التشريع الولائي) مكمِّل ومتمم ل(التشريع الالهي)، لأنَّه يقوم بمواكبة الموارد التطبيقية ل‍(الأحكام الالهية) والمحافظة على أهداف الشريعة الثابتة، من باب تقديم الأهداف وتزاحم الملاكات، وذلك نتيجة لاختلاف الظروف والأحوال التي يمرّ بها الانسان، فتتكامل بذلك نظرة الدين إلى الحياة، ولا يبقى أي فراغ في التشريع.

ولا شك في انَّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام يمتلكون حق (التشريع الولائي) باعتبار أنَّ وظيفتهم الدينية تحتم ذلك وتستلزمه.

وبما انَّ الشريعة الاسلامية مستمرة ومتواصلة بالانسان إلى آخر نقطة في هذهِ الحياة، فقد أوكل النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام هذهِ المهمة من بعدهم إلى العلماء، وخوّلوا أمر (التشريع الولائي) اليهم، باعتبار انهم الامناء على الدين، والحاملون لمهامه وأعبائه، والعارفون بتفاصيل التشريع، والقادرون على استنباط الاحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، بعد مرحلة الادراك الواعي للتشريع، والفهم المعمَّق لجميع أبعاده وحدوده.

وقد اشترطت النصوص الاسلامية مواصفات دقيقة وحساسة فيمن يقدَّر له أن يتصدّى لملء دائرة الفراغ، كأن يكون حافظاً لدينه، صائناً لنفسه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه(١) ، وعلى أن تكون هذه الممارسة ضمن الاطار العام للاحكام الواقعية الثابتة.

ومن الجدير بالذكر انَّ هذه المرونة في التشريع لا تعني اكثر من الانتقال من دائرة المباحات العامة إلى دائرة الالزامات (فعلاً أو تركاً)، بعد تشخيص المصلحة الاسلامية

____________________

(١) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج: ج ٢ / ح: ٣٣٧، ص ٥١١ من حديث للامام الحسن العسكريعليه‌السلام .

٣٢

العليا المنسجمة مع الأحكام الالهية الثابتة.

يقول العلامة السيد (محمّد حسين الطباطبائيرحمه‌الله ) موضحاً هذهِ الفكرة: (فكرة الحكم الولائي):

«مثلما يستطيع أحد أفراد المجتمع الاسلامي - نتيجة للحقوق التي يحصل عليها عن طريق القانون الديني - أن يغير محيط حياته الخاصة بالشكل الذي يرغب فيه (بالطبع في ظل التقوى وشريطة مراعاة القانون)، ويستطيع أن يستخدم ماله وثروته في تحسين معيشته من مأكل وملبس ومسكن وما إلى ذلك من امور أخرى، أو غض النظر عن جزءٍ منها، ويستطيع كذلك الدفاع عن حقوقه المشروعة أمام أي اعتداء وادعاء، والمحافظة على وجوده في الحياة، أو التخلي عن الدفاع فيما إذا اقتضت المصلحة، وغض النظر عن جزءٍ من ماله وثروته، وكما يستطيع أن يبذل النشاطات لضمان حاجاته، بل والعمل ليلاً ونهاراً، أو التخلي عن عمله والقيام بعمل آخر حسب ما يراه صحيحاً، فانَّ لولي أمر المسلمين - الذي يُعيَّن طبقاً للقوانين الاسلامية، وله ولاية عامة في نطاق حكومته - الحق في القيام بما يراه مناسباً في محيط الحياة العامة، فهو يستطيع في ظل التقوى ومراعاة الاحكام الدينية الثابتة، أن يضع مثلاً قوانين خاصة بالطرق والمعابر، والدور، والاسواق، ووسائط النقل، وللبضائع، والمسافرين وعلاقات طبقات الناس ببعضها، ويستطيع كذلك أن يأمر بالدفاع في يومٍ ما أو التخلي عن الدفاع إذا كانت في ذلك مصلحة، أو توقيع معاهدات مفيدة.

إنه يستطيع اتخاذ قرارات في مجال تطوير الثقافة الخاصة بالدين أو بالحياة الرغيدة للناس، ويبذل نشاطات مكثفة في هذا المجال، كما يستطيع في يومٍ ما أن يغض النظر عن بعض، ويحض على دراسة علوم وغيرها.

وخلاصة القول: إنَّ وضع أية قوانين جديدة تعود بالفائدة على المجتمع، وتنتهي

٣٣

لصالح الاسلام والمسلمين، هو من اختصاص ولي الأمر، وليست هناك أية محدودية في وضع مثل هذه القوانين أو تطبيقها، وبديهي انَّ مثل هذه القوانين وان كانت لازمة التنفيذ كما ينص الاسلام على ذلك، ويتعين على الفقيه العمل بها وتطبيقها، فهي لازمة الاطاعة، ومع ذلك لا تعد شريعة الهية، لانَّ قيمة مثل هذهِ القوانين تتوقف - بالطبع - على الوضع الذي يتطلب تشريعها، فهي تذهب حال انتفاء المصلحة، وفي هذه الاثناء يعلن ولي الامر السابق، أو ولي الامر الجديد عن القوانين الجديدة للناس، وينسخ القوانين السابقة».

ويضيف موضحاً خصائص (الاحكام الالهية):

«وغير أنَّ الاحكام والقوانين الالهية التي تعتبر من اصول الشريعة، فهي قائمة وثابتة دائماً، ولا يحق لأيٍّ كان حتى ولي الأمر أن يغيرها تبعاً لتغير الازمان، أو يلغيها نظراً لانتفاء الحاجة لبعضها»(١) .

وقد نقل لنا التاريخ حصول موارد عديدة لهذا النوع من الاحكام في حياة النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرينعليهم‌السلام .

ومما ورد في ذلك انَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد منعَ في ظروف خاصة إجارة الارض، ونهى المسلمين عن ذلك، فروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: «مَن كانت له أرض فليزرعها، فان لم يستطع أو عجز عنها فليمنحها أخاه، ولا يؤاجرها»(٢) .

فمن الواضح انَّ اجارة الارض جائزة من وجهة نظر الفقه الاسلامي، وانَّ الحكم الاولي قد دل على ذلك بشكل قاطع، إلا انَّ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد استعمل في هذا المورد

____________________

(١) الطاهري الخرّم آبادي، بين ولاية الفقيه وحكم الشعب، ص: ٢٥ - ٢٧، عن كتاب الاسلام والحاجات الواقعية لكل عصر، للعلامة الطباطبائي، ص: ٥١ - ٥٣.

(٢) أحمد بن حنبل، مسند الامام أحمد بن حنبل، ج: ٣، ص: ٣٠٢، ح: ١٣٨٣٠، وص: ٣٠٤، ح: ١٣٨٥٧، ص: ٣٥٤ ح: ١٤٣٩٩، وفي مواضع عديدة اُخر.

٣٤

صلاحيته الخاصة، وانتقل من دائرة الجواز إلى دائرة التحريم، من أجل المحافظة على حالة التوازن الاجتماعي بين المسلمين، ولما كان يمرُّ به المهاجرون آنذاك من ألوان الفاقة والعوز.

ولعلَّ خير ما جسَّد هذا التشخيص الولائي في حياة علماء مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام ، وأظهر من خلال ذلك قوة التشريع وعظمة شوكته. هو الفتوى الشهيرة للميرزا محمّد حسن الشيرازي، المعروف بالميرزا الشيرازي المجدد الكبير (١٣١٢ هجري)، في عام ١٨٩١ م، والتي حرَّم فيها استعمال التنباك والتتن بأي نحوٍ كان، في الوقت الذي منح فيه ملك ايران (ناصر الدين شاه) امتيازاً لشركة التنباك الانجليزية، يسمح لها فيه باحتكار التنباك وبيعه لمدة (٥٠) عاماً، مما يؤدي إلى إحداث أضرار فادحة بالمزارعين والتجار وعامة الناس.

وقد أدَّت هذهِ الفتوى إلى مقاطعة شاملة من قبل الايرانيين للتدخين، واغلاق جميع محلات بيع التبغ، الأمر الذي اضطرَّ الحكومة إلى استرداد حق الامتياز(١) .

فكما لا يخفى انَّ التدخين مباح بالحكم الشرعي الاولي، إلا انَّ المرجع الديني الأعلى قد قدَّر ضرورة الحكم بحرمة استعماله بأي نحو كان، حفاظاً على كرامة المسلمين، ومصالح الاسلام العليا، وأهدافه الرفيعة السامية.

من خلال هذا كله ندرك شمولية التشريع الاسلامي لكل وقائع الحياة، وانتفاء الحاجة إلى أي تشريع آخر يضع نفسه أمام التشريع الالهي الخالد.

____________________

(١) محسن الأمين، أعيان الشيعة ج: ٤، ص: ٢١٥.

٣٥

الخط الثاني: سعة دائرة الحلال

عمدت الشريعة الاسلامية إلى توسعة المساحة التي يمكن للانسان أن يتحرك في حدودها خارج اطار الالزام الشرعي إلى أقصى حدٍّ ممكن، عن طريق اطلاق عنان المكلف في الامور التي لم تبيَّن له، ولم يرده بشأنها دليل أو بيان خاص:

قال تعالى:( وَمَا كُنّا مُعذّبِينَ حَتّى نَبعثَ رَسُولاً ) (١) .

وقال تعالى:( لا يُكلّفُ اللّهُ نَفساً إلا مَا آتَاهَا ) (٢) .

وورد في الحديث عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه قال:

«الحلال ما أحلَّ اللّهُ في كتابه، والحرام ما حرَّمَ اللّه في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«انَّ اللّه فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرَّم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء عن غير نسيانٍ فلا تبحثوا عنها»(٤) .

وعن أي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام أنه قال:

«وما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم»(٥) .

وعن عبد الاعلى بن أعين قال:

«سألتُ أبا عبد اللّهعليه‌السلام عمَّن لم يعرف شيئاً هل عليه شيء؟ قال: لا»(٦) .

وعنهعليه‌السلام أنه قال:

«كل شيءٍ فيه حلال وحرام فهو لكَ حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه

____________________

(١) الاسراء: ١٥.

(٢) الطلاق: ٧.

(٣) ابن الأثير، جامع الاصول في أحاديث الرسول، ج: ٧، ح: ٥٥٤٢، ص: ٤٥٤.

(٤) ابن الاثير جامع الاصول في أحاديث الرسول، ج: ٥، ح: ٣٠٧٠، ص: ٥٩.

(٥) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب ٦٤: التعريف والبيان، ح: ٩، ص: ٤١٣.

(٦) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦٤ التعريف والبيان، ح: ٨، ص: ٤١٢.

٣٦

فتدعه»(١) .

وعنهعليه‌السلام :

«إنَّ اللّه عزَّ وجلَّ احتجَّ على الناس بما آتاهم وما عرَّفهم»(٢) .

وفي الحقيقة انَّ الافعال المباحة قد تنشأ في واقع الامر من ملاكات اقتضائية، فتكون رغبة المولى سبحانه وتعالى متوجهة إلى اطلاق عنان المكلف فيها، وعدم تعامله معها على نمط التعامل مع الاحكام الالزامية.

من هنا نرى ان الشريعة الاسلامية تحافظ دائماً على توفير هذا الجو الاختياري للملكف، وتكييف العوامل الملائمة له، لكي يتوازن السلوك الانساني، ولا يتعرض إلى التخلخل والاضطراب، ويروى: أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صنع شيئاً ترخَّص فيه، وتنزه عنه القوم، فحمد اللّه ثم قال:

«ما بالُ أَقوامٍ يرغبونَ عمَّا رُخِّصَ لي فيهُ فواللّهِ لأَنا أَعلمُهُم باللّهِ وأشدُّهُم لَه خشيَةً»(٣) .

وقد دعى الاسلام من خلال اصوله ومبانيه الثابتة إلى أن يأخذ الانسان نصيبه من الحياة الدنيا، عن طريق الممارسات المحللة، والتصرفات المشروعة، وأكّد على ضرورة أن يستوفي كلُّ عضوٍ من أعضاء الانسان حظه من الراحة والاستجمام، وأن تُعطى النفس حقَّها من الالتذاذ والتنعم بما أباحه اللّه لعباده، قال تعالى:

( قُل مَن حَرَّمَ زِينةَ اللّهِ الَّتي أَخرَجَ لِعبادِهِ وَالطيِّباتِ مِنَ الرِزقِ قُل هِي للذينَ آمَنوا فِي الحَياةِ الدُّنيَا خالِصةً يَومَ القِيامةِ. ) (٤) .

____________________

(١) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ١٢، باب: عدم جواز الانفاق من الكسب الحرام، ح: ١، ص: ٥٩.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦٤، ح: ٢، ص: ٤١٠.

(٣) مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: ١٥، ص: ١٠٦.

(٤) الاعراف: ٣٢.

٣٧

وفي واقع الأمر انَّ هذه التوسعة تعبِّر عن واحدٍ من أهم المقومات الاساسية التي تساهم في إثراء حركة التكاملية نحو اللّه تعالى، واعطائها صورة متكافئة، لا تتحجم في الجانب العبادي الخاص وتذوب فيه إلى درجة الانهماك التام، ولا تنساب مع الملاذ من دون قيود وحدود، ولذا نرى انَّ الاسلام يشجب حالة الرهبنة والانعزال عن المجتمع، ويحارب ظاهرة القسوة بحق النفس الانسانية، وتحميلها المشاق والصعوبات، ويوجِّه الانسان بدلاً عن ذلك نحو السلوك المتوازن الذي يحفظ حق اللّه وحقّ النفس معاً، ولا ينأى عن الحياة الاجتماعية إلى حيث الاذكار والاوراد والعبادات الخالية من روح النفع والعطاء.

وقد ورد في هذا الشأن:

«أنَّ ثلاثة رهط جاؤوا إلى بيوت أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألون عن عبادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما اُخبروا كأنَّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر؟ فقال أحدهم: أما أنا فانّي اصلّي الليل أبداً، وقال الآخر: اني أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: اني اعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما واللّهِ إني لأخشاكم للّه وأتقاكم له، لكنّي أصوم وافطر، واصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس مني».

وجاء عن الامام الرضاعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ امرأةً سألت أبا جعفرعليه‌السلام فقالت: أصلحك اللّه اني متبتّلة، فقال لها: وما التبتّل عندكِ؟ قالت: لا اُريد التزويج أبداً، قال: ولمَ؟ قالت: ألتمس في ذلك الفضل، فقال: انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمةعليها‌السلام أحق به منكِ، انه ليس أحد يسبقها إلى

____________________

(١) البخاري، صحيح البخاري، ج: ٧، كتاب النكاح، ح: ١، ص: ١١٦.

٣٨

الفضل»(١) .

إلى غير ذلك من الاحاديث التي شجبت ظاهرة الانزواء والرهبنة والانعزال عن المجتمع البشري، والتي سنأتي على شطرٍ منها في لاحق دراستنا هذه إن شاء اللّه تعالى.

ومن أجل تحقيق هذه التوسعة، وخدمة هذه الغاية، نلاحظ أنَّ الشريعة تؤكّد أيضاً على ترك الالحاح في السؤال، والتكلّف في الاستقصاء، وقد أوصت المسلمين بأن يتركوا الامور تأخذ مجاريها الطبيعية، لأنَّ نفس الانسان قد تنزع إلى البحث عن تفاصيل الاحكام وجزئياتها، وتغرق في السؤال عن ذلك من باب التنصل، أو التعجيز، أو الاختبار، أو التسامح. أو غير ذلك من الاغراض والغايات، وغالباً ما نرى أنه عندما ينكشف للانسان واقع الأمر يبدأ بمحاولة التهرّب من أدائه، والتنصل من القيام بواجب اللّه تعالى فيه، ولذا نرى أنَّ الشريعة الاسلامية من باب الرحمة بالانسان والارفاق به قد نهته عن تكلّف الامور واستقصائها، وأمرته بالاكتفاء بما يحصل عليه من الطرق الطبيعية الجارية، لأنَّ الشارع لو كان يريد الزيادة على ما هو موجود لبيَّن تلك الزيادة إلى الناس، ولو كانت هناك ضرورة لأن يرتكب الانسان سلوكاً خاصاً في حياته على نحو الالزام أو ما دون ذلك لما كان يجدر بالشريعة أن تتهاون في توضيحه وبيانه، فما سكتت عنه الشريعة ولم تتطرق له من قريب أو من بعيد فهو عفو، لا يؤمر الانسان بالتحرّي عنه، والالحاح في متابعته.

من هنا نرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول:

«اتركوني ما تركتكم فإذا حدثتكم فخذوا عنّي، فانما هلكَ مَن كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم»(٢) .

____________________

(١) أبو جعفر الطوسي، أمالي الشيخ الطوسي، ص: ٣٨٠.

(٢) الترمذي، سنن الترمذي، ج: ٥، كتاب العلم، باب: ١٧، ح: ٢٦٧٩، ص: ٤٥ - ٤٦.

٣٩

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«إنّ اعظم المسلمين في المسلمين جرماً مَن سأل عن أمرٍ لم يُحرَّم فحُرِّم على الناس من أجل مسألته».

إنَّ كل ما تقدَّم انما هو ناشئ من كون الشريعة الاسلامية شريعة سهلة سمحاء، لا تضييق فيها على المرء ولا قهر ولا اكراه.

وقال تعالى:( يُريدُ اللّهُ بِكمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ ) .

وقال تعالى:( يُريدُ اللّهُ أنُ يُخففَ عَنكُم وَخُلقَ الإِنسانُ ضَعِيفاً ) .

وقال تعالى:( يَا أيُّها الذِينَ آمنوا لا تُحرِّموا طَيباتِ مَا أحلَّ اللّهُ لَكم وَلا تَعتدُوا إنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ المُعتدينَ* وَكلوا مِمَّا رَزَقكمُ اللّهُ حلالاً طَيباً وَاتقُوا اللّهَ الَّذي أَنتُم بِهِ مُؤمنونَ ) .

وقال تعالى:( الَّذينَ يَتبعُون الرَّسُول النَّبي الأُمي الَّذي يَجدُونهُ مَكتُوباً عِندَهم فِي التَّوراةِ وَالانجَيلِ يَأمرُهم بَالمَعروفِ وَينَهاهم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيحرِّمُ عَليهِم الخبائث وَيَضعُ عَنهُم إصرَهُم وَالاغلالَ الَّتي كَانت عَليهم. ) .

وفي الحديث عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«اني لم اُبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكن بُعثت بالحنيفيّة المسحة».

وعن أبي جعفرعليه‌السلام عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«إنَّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة اللّه إلى عباد اللّه،

____________________

(١) أبو داود، سنن أبي داود، ج: ٤، باب: لزوم السنّة، ح،: ٤٦١٠، ص: ٢٠١.

(٢) البقرة: ١٨٥.

(٣) النساء: ٢٨.

(٤) المائدة: ٨٧ - ٨٨.

(٥) الاعراف: ١٥٧.

(٦) أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، ج: ٥، ح: ٢١٧٨٨، ص: ٢٦٦.

٤٠

فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى»(١) .

الخط الثالث: ضرورة عرض المعضلات على الكتاب والسنّة

يتمثل الخط الثالث من خطوط حصانة التشريع الالهي بالتشديد على ضرورة عرض الامور المعضلة والمشتبهة على كتاب اللّه الكريم وسنة رسوله القطعية، فما وافقهما من تلكَ الامور فهو مقبول، وما خالفهما فهو مرفوض يجب القاؤُه والتخلّي عنه، فقد ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع أنه قال:

«قد كثرت عليَّ الكذّابة وستكثر، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه وسنتي، فما وافق كتاب اللّه وسنتي فخذوا به، وما خالفَ كتاب اللّه وسنتي فلا تأخذوا به»(٢) .

وذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام ذلك في عهده لمالك الاشتر حيث يقول:

«واردد إلى اللّه ورسوله ما يضلعكَ من الخطوب، ويشتبه عليكَ من الامور، فقد قال اللّه سبحانه لقومٍ أحبَّ إرشادهم:( يَا أيُّها الذِينَ آمَنوا أَطِيعوا اللّهَ وَأطِيعوا الرَّسولَ واُولي الأَمرِ مِنكُم فَإن تَنازَعتم فِي شَيءٍ فَردُّوهُ إِلى اللّهِ وَالرسُولِ ) (٣) ، فالرد إلى اللّه الأخذ بمحكم كتابه، والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة»(٤) .

وعن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

____________________

(١) محمّد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الاقتصاد في العبادة، ح: ١: ص: ٨٦.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب ٢٩، ح: ٢، ص: ٢٢٥.

(٣) النساء: ٥٩.

(٤) نهج البلاغة، الكتاب / ٥٣.

٤١

«إذا حُدثتم عنّي بالحديث فانحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتابَ اللّه فأنا قلته، وان لم يوافق كتاب اللّه فلم أقله»(١) .

وعنه أيضاًعليه‌السلام انَّه قال:

«كل شيءٍ مردود إلى الكتاب والسنّة، وكل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف»(٢) .

الخط الرابع: التوقّف عند الشبهات

اكّدت الشريعة على ضرورة التوقف عند الشبهات، وعدم اقتحامها، وضرورة التثبّت عندها، من أجل الاحتياط في الدين، وضمان سلامة التحرك في حدوده المشروعة وفي ضمن اطاراته المقررة، ولكي لا يقع المكلف في مخالفة شرعية ولو على مستوى الاحتمال، حرصاً على ايجاد الفواصل المنيعة بين المحللات والمحرّمات، وتلافياً لاحتمال اختلاط بعضها بالبعض الآخر.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة، ألا وقد بيَّنهما اللّه عزَّ وجلَّ في الكتاب، وبيَّنتُها في سيرتي وسنتي، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي، مَن تركها صلح له أمر دينه، وصلحت له مروته وعرضه، ومَن تلبَّس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى، ومَن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه أن يرعاها في الحمى، ألا وانَّ لكل ملكٍ حمى، ألا وانَّ حمى اللّه عزَّ

____________________

(١) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ١٣٠، ص: ٣٤٨.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب، ح: ٣، ص: ٦٩.

٤٢

وجلَّ محارمه، فتَوقّوا حمى اللّه ومحارمه»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«دع ما يريبكَ إلى ما لا يريبك، فانكَ لن تجد فقدَ شيءٍ تركته للّه عزّ وجلَّ»(٢) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيته لكميل بن زياد أنه قال:

« يا كميل أخوكَ دينكَ فاحتط لدينك بما شئت»(٣) .

وعن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام أنه قال:

«الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركُكَ حديثاً لم تروه خير من روايتكَ حديثاً لم تحصه»(٤) .

وعنه أيضاًعليه‌السلام أنه قال: «أورع الناس مَن وقفَ عند الشبهة»(٥) .

الخط الخامس: الرجوع في تفاصيل التشريع إلى العلماء

تظافرت الادلة على أمرِ ارجاع الشريعة الاسلامية مكلَّفيها إلى العلماء المؤتمنين على الدين في فروع المسائل الشرعية وتفصيلاتها، والترغيب في طلب المعرفة قدر المستطاع، قال تعالى:

( فَلولا نَفرَ مِن كُلِّ فِرقةٍ مِنهم طَائِفة لِيَتفقهُوا فِي الدِّينِ وَلينذِروا قَومَهم إذَا رَجعُوا إِليهِم لَعلَّهُم يَحذَرونَ ) (٦) .

_____________________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣١، ح: ١٧، ص: ٢٦٠.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣١، ح: ١٦، ص: ٢٦٠.

(٣) محمد بن النعمان المفيد، الأمالي، ص: ٢٨٣.

(٤) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ١٠١، ص: ٣٤٠.

(٥) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣١، ح: ٢، ص: ٢٥٨.

(٦) التوبة: ١٢٢.

٤٣

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال:

«عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد».

وعن معاوية بن عمّار قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : رجل راوية لحديثكم يبث ذلكَ في الناس، ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ولعلَّ عابداً من شيعتكم ليس له هذه الرواية، أيهما أفضل؟ قال: الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد».

وعن عبد السلام بن صالح الهروي قال:

«سمعتُ الرضاعليه‌السلام يقول: رحمَ اللّهُ عبداً أحيى أمرنا، قلت: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس».

وقد حمَّلت الشريعة هؤلاء العلماء وظيفة حفظ معالم التشريع، واستفراغ الوسع في الذب عن حريم الاسلام العظيم، واعلاء كلمته، وادامة خط الانبياء والمرسلينعليهم‌السلام في تبليغ الرسالة، وأدائها للناس، وفي تحّمل مهامهم الجسيمة، ووظائفهم الثقيلة، فيكونوا بذلك ورثة حقيقيين لمعارفهم وعلومهم، فقد ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول اللّه، ومَن خلفاؤك؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«الفقهاء اُمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول اللّه، وما دخولهم في

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول في الكافي، ج: ١ باب: صفة العلم وفضله، ح: ٨، ص: ٣٣.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: صفة العلم وفضله، ح: ٩، ص: ٣٣.

(٣) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ١٨، الباب - ١١ - من أبواب صفات القاضي، ح: ١١ ص ١٠٢.

(٤) أبو جعفر الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه، تعليق: علي اكبر الغفاري، ج: ٤، ح: ٥٩١٩، ص: ٤٢٠.

٤٤

الدنيا؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتباع السلطان، فان فعلوا ذلك، فاحذروهم على دينكم»(١) .

ولم يكن هذا التأهيل تأهيلاً عفوياً، وانّما كان مبنياً على اُسس موضوعية دقيقة، ومؤهلات ذاتية مقوِّمة، فقد افترضت الشريعة الاسلامية في هؤلاء العلماء المتصدين شروطاً دقيقة وحساسة ترشحهم لهذا المنصب الخطير، فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام في قول اللّه عزَّ وجلَّ:( إِنّما يخشَى اللّهَ مِن عِبادهِ العُلماءُ ) (٢) ، قال:

«يعني بالعلماء: مَن صدقَ فعلهُ قولَه، ومَن لم يصدق فعله قوله فليس بعالمٍ»(٣) .

وورد عن الامام العسكريعليه‌السلام أنه قال:

«مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»(٤) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«ألا اُخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ مَن لم يُقَنِّط الناس من رحمة اللّه، ولم يؤمّنهم من عذاب اللّه، ولم يرخّص لهم في معاصي اللّه، ولم يترك القرآن رغبةً عنه إلى غيره، ألا لا خير في علمٍ ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءةٍ ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر»(٥) .

وعن الامام الرضاعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ من علامات الفقيه الحلم والصمت»(٦) .

فلاذا توفرت هذه الشروط والمؤهلات في عالم معيَّن وجب على العوام الرجوع إليه

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: المستأكل بعلمه، ح: ٥، ص: ٤٦.

(٢) فاطر: ٢٨.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، كتاب العلم، باب: ١١، ح: ٤١، ص: ٥٩.

(٤) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ٢، ص: ٤٥٨.

(٥) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: صفة العلماء، ح: ٣، ص: ٣٦.

(٦) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: صفة العلماء، ح: ٤، ص: ٣٦.

٤٥

في شؤون، دينهم وتحتم عليهم أن يأخذوا عنه معالم التشريع، فقد ورد عن اسحاق بن يعقوب انه قال:

«سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمانعليه‌السلام . وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه عليهم»(١) .

وعن أبي يعفور قال:

«قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : أنه ليس كلّ ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني، وليس عندي كل ما يسألني عنه، فقالعليه‌السلام : فما يمنعكَ من محمّد بن مسلم الثقفي؟ فانه قد سمع عن أبي وكان عنده وجيهاً»(٢) .

وعن الحسن بن علي بن يقطين قال:

«قلت لابي الحسن الرضاعليه‌السلام : جُعلت فداكَ لا أكاد أصل اليكَ لأسئلكَ عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقالعليه‌السلام : نعم»(٣) .

ومن جانب اخر نجد أنَّ الشريعة قد أوصت هؤلاء العلماء المتصدّين لأمر الفتيا في الدين بالتقيّد بالحجة، واعتماد الدليل المقر من قبل الشريعة، وأن يوثِّقوا كل ما يصدر عنهم من أقوال في شأن التشريع بالأدلة والبراهين والمدارك المعتبرة، كما جاء التحذير الشديد عن مخالفة هذه الضوابط والحدود، والافتاء للناس من غير علم، فقد قال تعالى:

( وَلا تَقوُلوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكمُ الكَذِبَ هَذَا حَلال وَهذَا حَرَام لِتَفتروا عَلَى

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، تعليق: علي اكبر الغفاري، ج: ٢، باب: ٤٥، ح: ٤، ص: ٤٨٣.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، كتاب: العلم، ج: ٢، ح: ٦٠، ص: ٢٤٩.

(٣) النجاشي، رجال النجاشي، ج: ٢، ص: ٤٢١.

٤٦

اللّهِ الكَذِبَ إنَّ الِذينَ يَفَترونَ عَلَى اللّهِ الكذِبَ لا يُفلِحونَ ) (١) .

وقال تعالى:

( وَمَن أظلمُ مِمنِ افترَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أو كذَّبَ بآيَاتِهِ إنَّه لا يُفلحُ الظالِمُونَ ) (٢) .

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال:

«مَن أفتى الناس بغير علمٍ ولاهدىً لعنته ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، ولحقه وزر مَن عمل بفتياه»(٣) .

وعن زرارة بن أعين قال:

«سألت أبا جعفرعليه‌السلام : ما حق اللّه على العباد؟ فقالعليه‌السلام : أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عند ما لا يعلمون»(٤) .

وعن المفضل بن يزيد قال:

«قال لي أبو عبد اللّهعليه‌السلام : أنهاكَ عن خصلتين فيهما هلاك الرجال: أنهاكَ أن تدينَ اللّه بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم»(٥) .

الخط السادس: عدم جواز الاجتهاد في مقابل التشريع

يتمثل الخط السادس ببيان أنَّ التشريع الالهي أمر توقيفي لا يجوز الاجتهاد في مقابله، أو الادلاء برأي شخصي في شأنه، لأنّه صادر من الكمال المطلق المحيط بكل

____________________

(١) النحل: ١١٦.

(٢) الانعام: ٢١.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: النهي عن القول بغير علم، ح: ٣، ص: ٤٢.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: النهي عن القول بغير علم، ح: ٧، ص: ٤٣.

(٥) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: النهي عن القول بغير علم، ح: ١، ص: ٤٢.

٤٧

جزئيات الحياة، والمستوعب لمختلف أجوائها وظروفها، والتشديد على أية ظاهرة تشريعية تحاول أن تحدث منفذاً في هذا الاطار العام، أو تصنع نفسها بديلاً عن القوانين الالهية الشاملة، وكان بسبب ذلك أن حذَّرت الشريعة الاسلامية تحذيراً شديداً من الكذب والافتراء على اللّه ورسوله، من خلال حشد كبير من الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة، فمن ذلك قوله تعالى:

( فَمن أظَلمُ مَمنِ افترى عَلى اللّهِ كَذِباً أو كَذَّبَ بِآيَاتهِ إِنَّهُ لا يُفلحُ المُجرِمونَ ) (١) .

وقوله تعالى:( قُل أَرأيتُم مَّا أَنزَل اللّهُ لَكُم مِن رِزقٍ فَجَعلتُم مِنُه حَرَاماً وَحَلالاً قُل اللّه أذِنَ لَكُم أم عَلى اللّهِ تَفترونَ. ) (٢) .

وقوله تعالى:( إنّمَا يَفترِي الكَذِبَ الَّذينَ لا يؤمِنونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) (٣) .

وقوله تعالى:( وَلا تَقولُوا لِما تَصِف الِسنتُكم الكَذِبَ هَذَا حَلال وَهَذَا حَرام لِتفترُوا عَلَى اللّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفترُون عَلَى اللّهِ الكَذِب لا يُفلحُون ) (٤) .

وقوله تعالى:( وَيَومَ القِيامَةِ تَرى الَّذِينَ كَذبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوههُم مُّسوَدّة أليسَ فِي جَهنَّم مَثوى لِلمُتكَبرِينَ ) (٥) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال:

«اتقوا تكذيب اللّه!، قيل: يا رسول اللّه وكيف ذاك؟ قال: يقول أحدكم: قال اللّه، فيقول اللّه عزَّ وجلَّ: كذبت لم أقله، ويقول لم يقل اللّه، فيقول عزَّ وجلَّ: كذبت قد

____________________

(١) يونس: ١٧.

(٢) يونس: ٥٩.

(٣) النحل: ١٠٥.

(٤) النحل: ١١٦.

(٥) الزمر: ٦٠.

٤٨

قلته»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن قال عليَّ ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار»(٢) .

وفي حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»(٣) .

وعن الامام الرضاعليه‌السلام أنه قال:

«واللّه ما أحد يكذّب علينا إلا ويذيقه اللّه حرَّ الحديد»(٤) .

كما حذَّرت الشريعة تحذيراً شديداً من أي لونٍ من ألوان الاستدلال العقلي الذي لا يحمل غطاءاً شرعياً، ولا يستند إلى اساس راسخٍ في الدين، من أمثال الرأي والقياس والاستحسان، وغلَّظت على هذه الحالة الدخيلة في مجموعة كبيرة من الآيات والروايات أيضاً، قال تعالى:

( وَمَن أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ) (٥) .

وقال تعالى:( وَلا تَتبعِ الهَوى فَيضلكَ عَن سَبيلِ اللّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضلّونَ عَن سَبيلِ اللّهِ لَهُم عَذاب شَدِيد بِمَا نَسُوا يَومَ الحِسابِ ) (٦) ، وقال تعالى:( أَم لَهُم شُركَاء شَرعُوا لَهمُ مِن الدِينِ مَا لَم يَأذَن بِهِ اللّهُ ) (٧) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ١٦، ح: ١٦، ص: ١١٧.

(٢) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج ١، ح ٣٧٤، ص: ٢٠٩.

(٣) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: ١، باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ص: ١٣ ح: ٣٠ و ٣٣.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ١٦، ح: ١٨، ص: ١١٧.

(٥) القصص: ٥٠.

(٦) ص: ٢٦.

(٧) حمعسق: ٢١.

٤٩

«قال اللّه جلَّ جلاله: ما آمن بي مَن فسَّر برأيه كلامي، وما عرفني مَن شبَّهني بخلقي، وما على ديني مَن استعمل القياس في ديني»(١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«لا رأي في الدين»(٢) .

وعن ابي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ السنة لا تُقاس، وكيف تقاس السنة والحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة»(٣) .

وعن سعيد الاعرج قال:

«قلتُ لابي عبد اللّهعليه‌السلام : إنَّ من عندنا ممن يتفقه يقولون: يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب اللّه ولا في السنة، فنقول فيه برأينا، فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : كذبوا، ليس شيء إلا وقد جاءَ في الكتاب، وجاءت فيه السنة»(٤) .

وعن سماعة قال:

«قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : إنَّ عندنا مَن قد أدرك أباك وجدَّك وانَّ الرجل منّا يُبتلى بالشيء لا، يكون عندنا فيه شيء، فيقيس؟ فقال: إنَّما هلكَ مَن كان قبلكم حين قاسوا»(٥) .

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، أمالي الصدوق، المجلس الثاني، ح: ٣، ص: ١٥.

(٢) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ٧٨، ص: ٣٣٣.

(٣) أبو جعفر المحاسن، ج: ١، ح: ٩٥، ص: ٣٣٨.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٤٧، ص: ٣٠٤.

(٥) أبو جعفر البرقي، المحاسن ج: ١، ح: ٨٦، ص: ٣٣٥.

٥٠

الفصل الثاني : مواجهة الابتداع

١ - ذم البدع والتحذير منها.

٢ - التنكيل باصحاب البدع وذمّهم.

٣ - التأكيد على مقاطعة المبتدعين.

٤ - عدم قبول توبة المبتدع.

٥١

مواجهة الابتداع

من خلال هذا الاستعراض المجمل للخطوط الرئيسية التي تشكل مفردات الحصانة لوقاية التشريع من الدس والافتراء والتحريف. ندرك الفلسفة التي تقف وراء الكفاح النبوي اللاحب لمواجهة البدع ومحدثات الامور، والتشديد على مرتكبها بألوان التهديد والوعيد، وتحميل العلماء مسؤولية الذب عن الدين، وحماية حريمه ومقدساته ومضامينه، من خلال اظهار علومهم، ونشرمعارفهم، في حالة نشوء هذه المحدثات المعرقلة لحركة الشريعة، والمعطّلة لفاعليتها وتأثيرها في الحياة على الوجه المطلوب، وقد اعتبرت الشريعة العالم الذي لا يقوم بواجبه الديني عند بروز هذه الظواهر الخطيرة إنساناً خائناً لموقعه ورسالته في المجتمع، وكاتماً لما أنزله اللّه تعالى على نبيه الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تعاليم وأحكام، إذ انَّ هذا الذب والدفاع يعتبر من أبرز مهام العالم الديني الذي ائتمنته الشريعة على تعاليمها ومقدساتها، وأول الواجبات الملقاة على عاتقه في هذا السبيل، فقد ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«إذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«إذا ظهرت البدع، ولعن آخر هذه الامة أولها، فمن كان عنده علم فلينشره، فانَّ كاتم العلم يومئذٍ ككاتم ما أنزل اللّه على محمّد»(٢) .

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ٢، ص: ٥٤.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ٩٠٣، ص: ١٧٩.

٥٢

وعن الصادقينعليهما‌السلام انهما قالا:

«إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سُلب نور الايمان»(١) .

وسوف نستعرض معاً طائفة من الروايات التي واجهت ظاهرة الابتداع، وأكدت على استئصالها ضمن هذه العناوين:

١ - ذم البدع والتحذير منها:

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«الأمر المفظع، والحمل المضلع، والشر الذي لا ينقطع، إظهار البدع»(٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم»(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إيّاكم والبدع، فانَّ كلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة تسير إلى النار»(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن غشّ من امتي فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، قالوا: يا رسول اللّه:

____________________

(١) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ١١، كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، باب: ٤٠، ح: ص: ٥١٠.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠١، ص: ٢١٩.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١٠٩٣، ص: ٢١٨.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١١٢، ص: ٢٢١.

(٥) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١١٣، ص: ٢٢١.

٥٣

وما الغش؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها»(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لا يُقبل قول إلا بعمل، ولا يُقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا باصابة السنة»(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ألا وكل بدعة ضلالة، ألا وكل ضلالة في النار»(٣) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«ما اُحدث بدعة إلا تُرك بها سنّة، فاتقوا البدع، والزموا المهيَع(٤) ، وانَّ عوازم الامور أفضلها، وانَّ محدثاتها شرارها»(٥) .

وعنهعليه‌السلام :

«أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تُتّبع، وأحكام تُبتدع، يُخالف فيها كتاب اللّه، يقلِّد فيها رجال رجالاً على غير دين اللّه»(٦) .

وعنهعليه‌السلام :

«إنَّ اللّه بعث رسولاً هادياً بكتابٍ ناطق وأمرٍ قائمٍ، لا يهلك عنه إلا هالك، وان المبتدعات المشبهات هنَّ المهلكات، إلا ما حفظ اللّه منها»(٧) .

____________________

(١) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١١٨، ص: ٢٢٢.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٢، ح: ٢، ص: ٢٦١.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٢، ح: ١٢، ص: ٢٦٣.

(٤) المَهيَع: (بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء): الطريق الواسع البيِّن.

(٥) نهج البلاغة: الخطبة / ١٤٥.

(٦) نهج البلاغة: الكلام / ٥٠.

(٧) نهج البلاغة: الخطبة / ١٦٩.

٥٤

٢ - التنكيل بأصحاب البدع وذمهم

جاءَ عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«أصحاب البدع كلاب النار»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أهل البدع شر الخلق والخليقة»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يجيء قوم يُميتون السنّة، ويوغلونَ في الدين، فعلى اولئكَ لعنة اللّه، ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً فيحب عليه ويبغض عليه»(٤) .

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَالذِينَ كَسبُوا السَّيئَاتِ جَزاءُ سَيِئةٍ بِمثلِهَا وَتَرهقُهم ذِلة مَا لَهم مِنَ اللّهِ مِن عَاصِمٍ ) (٥) قالعليه‌السلام :

«هؤلاء أهل البدع والشبهات والشهوات، يسوّد اللّهُ وجوههم ثم يلقونه»(٦) .

وعن يونس بن عبد الرحمن قال:

«قلت لابي الحسن الأولعليه‌السلام : بمَ أوحّد اللّه؟ فقال: يا يونس لا تكوننَّ مبتدعاً، مَن نظر برأيه هلكَ، ومَن ترك أهل بيت نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضلَّ، ومَن ترك كتاب اللّه وقول نبيه

____________________

(١) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١٠٩٤، ص: ٢١٨.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١٠٩٥، ص: ٢١٨.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٢٤، ص: ٢٢٣.

(٤) أبو جعفر الصدوق، ثواب الاعمال، تصحيح وتعليق وتقديم الشيخ حسين الأعلمي، ص: ٣٠٤.

(٥) يونس: ٢٧.

(٦) علي بن ابراهيم القمي، تفسير علي بن ابراهيم، ج: ١، ص: ٣١١.

٥٥

كفر»(١) .

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ما تقولونَ في قومٍ تدخل قادتهم الجنة وأتباعهم النار، قالوا: يا رسول اللّه: وان عملوا بمثل أعمالهم، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وان عملوا بمثل أعمالهم، يدخل هؤلاء بما سبق لهم الجنة، ويدخل هؤلاء بما أحدثوا النار»(٢) .

وعن عليعليه‌السلام انه قال:

«وآخر قد تسمّى عالماً وليس به، فاقتبس جهائل من جهّال، وأضاليل من ضلال. يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول أعتزل البدع وبينها اضطجع، فالصورة صورة انسان، والقلب قلب حيوان»(٣) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى:( إنَّ الذِينَ فَرَّقوا دِينهم وَكانُوا شِيَعاً ) (٤) ، قال:

«هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء، ليس لهم توبة، أنا منهم بريء، وهم براء»(٥) .

وعن عليعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ من عزائم اللّه في الذكر الحكيم، التي عليها يثبب ويعاقب، ولها يرضى ويسخط، أنه لا ينفع عبداً - وان أجهدَ نفسه وأخلص فعله - أن يخرج من الدنيا لاقياً ربَّه بخصلةٍ من هذهِ الخصال لم يتب منها. أو يستنجح حاجةً إلى الناس باظهار بدعةٍ في

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١٠، ص: ٥٦.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٢٩، ص: ٢٢٣.

(٣) نهج البلاغة: خ / ٨٧.

(٤) الأنعام: ١٥٩.

(٥) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ٢٩٨٧، ص: ٢٢٣.

٥٦

دينه»(١) .

وعنهعليه‌السلام :

«إنَّ أبغض الخلائق إلى اللّه رجلان: رجل وكله اللّه إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتُتن به، ضال عن هدي مَن كان قبله، مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته»(٢) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«انَّ الاسلام يشيع ثم تكون له فترة، فمن كانت فترته إلى غلوٍّ وبدعة، فاولئكَ أهل النار»(٣) .

٣ - التأكيد على مقاطعة المبتدعين

كما جاءت جملة كبيرة من الاخبار لتدلل على ضرورة مقاطعة المبتدعين، وهجرانهم، وعدم معاشرتهم بشكل مطلق، تأكيداً على بشاعة هذا الأمر، وإيغالاً في شجبة ومواجهته، فمن ذلكَ ما ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن وقَّر صاحب بدعة فقد أعانَ على هدم الاسلام»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا رأيتم صاحب بدعةٍ، فاكفهرّوا في وجهه»(٥) .

____________________

(١) نهج البلاغة: خ / ١٥٣.

(٢) نهج البلاغة: الكلام / ١٧.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٦، ص: ٢٢٠.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٢، ص: ٢١٩.

(٥) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١٦٧٦، ص: ٣٨٢.

٥٧

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن تبسَّم في وجه مبتدع، فقد أعانَ على هدمِ دينه»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن أرعبَ صاحب بدعة، ملأ اللّه قلبه أمناً وايماناً، ومَن انتهر صاحب بدعة، آمنه اللّه من الفزع الاكبر، ومَن أهانَ صاحب بدعة، رفعه اللّه في الجنة درجة، ومَن لانَ له لقيه تبشبشاً، فقد استخف بما اُنزل على محمد»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن أعرض عن صاحب بدعة بغضاً له، ملأ اللّه قلبه أمناً وإيماناً»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن مشى إلى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الاسلام»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي، فاظهروا البراءة منهم، واكثروا من سبِّهم، والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم، كي لا يطعموا في الفساد في الاسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة»(٥) .

٤ - عدم قبول توبة المبتدع

وبما انَّ الأثر السيّئ لصاحب البدعة لا ينحصر في نطاق شخص صاحبه، وحياته

____________________

(١) عباس القمي، سفينة البحار، ج: ١، ص: ٦٣.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ٣، ح: ٥٥٩٨، ص: ٨٢.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ٣، ح: ٥٥٩٩، ص: ٨٢.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٢٣، ص: ٢٢٣.

(٥) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ١١، ص: ٥٠٨، ح: ١.

٥٨

الخاصة، وانما يتعدى ذلك إلى الحياة الاجتماعية العامة، فيؤثر فيها سلباً. ويعرقل حركتها، ويشوّه معالمها، نتيجة الدس والتحميل والافتراء، ووضع العقبات أمام القانون الالهي من أن يأخذ مساره الطبيعي في توجيه الفرد والمجتمع، والوصول بالبشرية إلى حيث السعادة والكمال، فقد تم التاكيد أيضاً على إغلاق باب التوبة في وجه المبتدع، وأنَّ أعمال البر لا تُقبل منه، وأنَّ المبتدع يحمل وزره ووزر مِن عمل ببدعته، لأنَّه المسؤول الأول عن ذلك، قال تعالى:( لِيحمِلوا أوزارهم كَامِلةً يَومَ القِيامَةِ وَمِن أوزارِ الذِينَ يُضلونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ ) (١) .

وجاءَ في الحديث عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«ومن ابتدعَ بدعةً ضلالة لا ترضي اللّه ورسولهُ كان عليه مثل آثام مَن عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً»(٢) .

كل ذلك من أجل أنَّ أيَّ تهاون في هذا المجال، وأيَّ تسامح في مواجهة هذه الظاهرة، سوف يعرِّض الشريعة الاسلامية إلى الخطر المحدق، ويهدد وجودها وكيانها العظيم بالتحريف والتزوير.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الشأن:

«إنَّ اللّه احتجر التوبة على صاحب كلِّ بدعة»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أبى اللّه لصاحب البدعة بالتوبة»(٤) .

وعن عبد اللّه بن عباس أنَّه قال:

____________________

(١) النحل: ٢٥.

(٢) أبو اسحاق الشاطبي، الاعتصام، ج: ١، ص: ١٢٢.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٥، ص: ٢٢٠.

(٤) أبو جعفر الصدوق، علل الشرائع، ص: ٤٩٢.

٥٩

«كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جاءَ شهر رجب، جمع المسلمين حوله، وقامَ فيهم خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه، وذكر مَن كان قبله من الأنبياء فصلّى عليهم، ثم قال: أيها المسلمون قد أظلَّكم شهر عظيم مبارك، وهو شهر الأصب، يصب فيه الرحمة على مَن عبده، إلا عبداً مشركاً، أو مظر بدعة في الاسلام»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«لا يقبل اللّه لصاحب بدعةٍ صلاةً، ولا صوماً، ولا صدقة، ولا حجّاً، ولا عمرة، ولا جهاداً، ولا صرفاً، ولا عدلاً، حتى يخرج من الاسلام كما تخرج الشعرة من العجيبن»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أبى اللّه أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعتَه»(٣) .

وعن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام قال:

«كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشطان فقال له: يا هذا إنكَ قد طلبتَ الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدّلكَ على شيءٍ تكثر به دنياك، ويكثر به تبعك؟ قال: بلى، قال: تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس.

ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، وأصاب من الدنيا، ثمَّ أنَّه فكّر فقال: ما صنعت؟ ابتدعت ديناً ودعوت الناس، وما أرى لي توبة، إلا أن آتي مَن دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه، فيقول لهم: انَّ الذي دعوتكم إليه باطل وانما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت وهو الحق، ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه،

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٩٤، باب: ٥٥، ح: ٣٣، ص: ٤٧.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٨، ص: ٢٢٠.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٣، ص: ٢١٩.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610