البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 148845
تحميل: 8454

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148845 / تحميل: 8454
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

ظهرت نزعته أيام النبي، وتبلور اتجاهه السياسي بعد قتل عثمان، واستقل الاصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين».

وذهبَ الدكتور (عبد العزيز) الى تقسيم التشيع الى روحي بدأ أيام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسياسي حدث بعد مقتل الامام علي(١) .

فواضح من خلال هذهِ الأقوال التي تحاول أن تبتعد بالتشيع وتنأى به عن عصر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّها تُقر بوجود التشيع في مرحلة أسبق وتعترف بذلك ضمناً، ويحاول أحمد أمين أن يقطع هذهِ الصلة من خلال النص في موضع آخر على أنَّ التشيع إنَّما بدأ بعد وفاة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يوم السقيفة بالذات، فيقول:

«وكانت البذرة الاولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أنَّ أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه»(٢) .

وممن يذهب الى هذا الرأي أيضاً الدكتور حسن ابراهيم حيث يقول:

«ولا غرو فقد اختلف المسلمون اثر وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن يولّونه الخلافة، وانتهى الأمر بتولية أبي بكر، وأدّى ذلك الى انقسام الامة العربية الى فريقين: جماعية و شيعية»(٣) .

وكذلك نص بهذا الرأي المستشرق جولد تسيهر حيث يقول:

«انَّ التشيع نشأ بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالضبط بعد حادثة السقيفة»(٤) .

وكان قد ذهب الى القول بهذا الرأي أيضاً كل من (ابن خلدون) و(اليعقوبي) في تاريخيهما، فيقول (ابن خلدون):

«انَّ الشيعة ظهرت لما توفي الرسول، وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر،

____________________

(١) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ١٤، عن مقدمة في تاريخ صدر الاسلام ص: ٧٢.

(٢) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٥٠، عن فجر الاسلام، ص: ٣٢٦، الطبعة الرابعة.

(٣) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ٢٤، عن تأريخ الاسلام، ج: ١، ص: ٣٧١.

(٤) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ٢٤، عن العقيدة والشريعة، ص: ١٧٤.

٤٢١

وأنَّ الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش، ولمّا كان جماعة يتشيعون لعلي، ويرون استحقاقه على غيره، ولمّا عُدل به الى سواه تأففوا من ذلك«(١) .

ويقول (اليعقوبي):

«ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الاولى للتشيع، ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب»(٢) .

ثمَّ نرى انَّ (أحمد أمين) نفسه يدعي في (ضحى الاسلام) أن التشيع نشأ بعد مقتل (عثمان بن عفان) فيقول في ذلك:

« اختلف المسلمون بعد مقتل عثمان، وانقسموا أحزاباً، وهي في الواقع أحزاب سياسية، فحزب يرى أنَّ علياً أولى بأن يكون خليفة، وحزب يرى انَّ معاوية هو الذي يحقق هذا الغرض، وحزب يرى أن لا حاجة الى الخلافة، وحزب محايد. ولكن رأينا في ذلك العصر أنَّ الحزب الاول تسمّى الشيعة، والثاني الامويين، والثالث الخوارج، والرابع المرجئة»(٣) .

وشاركه في هذا الرأي أيضاً (محمد أبو زهرة) في كتابه (تأريخ المذاهب الاسلامية)، وان كان صدر كلامه يوحي بوجود الشيعة في مرحلة أسبق من ذلك حيث يقول:

«الشيعة هم أقدم المذاهب السياسية الاسلامية، وقد ظهروا بمذهبهم في آخر عصر (عثمان)، ونما وترعرع في خلافة علي إذ كلَّما اختلط بالناس ازدادوا إعجاباً بمواهبه وقوة دينه وعلمه»(٤) .

____________________

(١) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ٢٤، عن تأريخ ابن خلدون، ج: ٣، ص: ٣٦٤.

(٤) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ٢٤، عن تأريخ اليعقوبي، ج: ٢، ص: ١٠٤.

(٣) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٦٠، عن ضحى الاسلام، ج: ٣، ص: ١٥ الطبعة الثانية.

(٤) محمد خليل الزين، تأريخ الفرق الاسلامية، ص: ١١١، عن تاريخ المذاهب الاسلامية، ص: ٣٧.

٤٢٢

وهناك آراء اخرى في نشأة التشيع فمنهم مَن يدعي نشأته يوم الجمل عند قتال عليعليه‌السلام لطلحة والزبير، وآخر زعم انَّ التشيع نشأ يوم صفين عند افتراق جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام في قضية التحكيم المعروفة إلى فرقتين. إلى غير ذلك من الآراء التي بنيت على اُسس خاطئة وغير واعية لمعنى التشيع وجوهره ومحتواه.

وعلى أية حال فانَّ الرأي الصحيح هو انَّ التشيع بدأ ووُلد منذ اللحظات الاولى التي ظهرت فيها رسالة الاسلام، وحمل لوائها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآمن به عليعليه‌السلام ، وآزره ونصرَه، فقد أخذ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعدُّ العدّة لضمان استمرار الرسالة، منذ اللحظات الاولى التي بدأت فيها الرسالة شوطها الاول، من خلال التركيز على مسألة الامامة من بعده فعملصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إعداد الشخصية التي تقوم بأعباء الامامة إعداداً روحياً وعلمياً، وعمل على ربط الامة بها من خلال بناء أواصر المودة وإظهار الفضل، وتوَّج ذلك بالنص والوصية، والتشيع هو الاقرار بهذا المبدأ الذي ظهرت معالمه يوم إنذار العشيرة.

وإضافة الى ما يعتقده الامامية بالاجماع من كون التشيع كان وليداً للحظة التي ولدت فيها رسالة الاسلام، ولم يكن أمراً حادثاً أو طارئاً على جسد الامة الاسلامية، فقد نصَّ على هذا الرأي علماء آخرون ممن يعتد بآرائهم، فيقول (الحسن النوبختي) الذي هو من أعلام القرن الثالث الهجري في كتابه (فرق الشيعة):

«فاول الفرق (الشيعة)، وهم فرقة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، المسمون بشيعة عليعليه‌السلام في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بامامته منهم المقداد بن الاسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمّار بن ياسر، ومَن وافق مودته مودة عليعليه‌السلام ، وهم أول مَن سمي باسم التشيع من هذه الامة، لانَّ اسم التشيع قديم شيعة إبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين»(١) .

ويقول (أبو حاتم الرازي) في كتابه (الزينة):

____________________

(١) الحسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة، ص: ١٧ - ١٨.

٤٢٣

«انَّ أول اسم ظهر في الاسلام على عهد رسول اللّه هو الشيعة، وكان هذا هو لقب أربعة من الصحابة، وهم: أبو ذر، وسلمان، والمقداد، وعمّار، ويُنقل عن سلمان انّه قال: بايعنا رسول اللّه على النصح للمسلمين والائتمام بعلي»(١) .

ويقول (محمد بن عبد اللّه عنان) في كتابه (تأريخ الجمعيات السرية) عند تعليقه علي الحادثة التي روتها كتب السيرة عند نزول قوله:( وَأَنذِر عَشيرتَكَ الأَقرَبينَ ) (٢) ، ودعوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعشرية، وعدم استجابتهم له إلا عليعليه‌السلام :

«من الخطأ أن يقال: انَّ الشيعة انّما ظهروا لاول مرّة عند انشقاق الخوارج، بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول حين اُمر بانذار عشيرته بهذه الآية»(٣) .

وجاء في كتاب (تاريخ الفرق الاسلامية):

«وكان أبو سعيد الخدري، وهو من كبار الصحابة يقول: أُمر الناس بخمسٍ فعملوا بأربعة وتركوا واحدة، وسئُل عن الأربع، قال: الصلاة والزكاة والصوم والحج، قيل: فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب، قيل له: وانَّها لمفروضة معهنَّ، قال: نعم هي مفروضة معهنّ»(٤) .

وكان (أبو سعيد الخدري) يقول:

«وما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه إلا ببغض علي بن ابي طالب»(٥) .

وجاء في (خطط الشام) ل(محمّد كرد علي) انَّه قال:

«عُرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل سلمان الفارسي القائل: بايعنا رسول اللّه على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب

____________________

(١) محمد خليل الزين، تأريخ الفرق الاسلامية، ص: ١٠٨، وانظر: تأريخ الشيعة لمحمد حسين الزين، ص:٢٥-٢٦.

(٢) الشعراء: ٢١٤.

(٣) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ٢٨، عن تأريخ الجمعيات السريّة.

(٤) محمد خليل الزين، تأريخ الفرق الاسلامية، ص: ١٠٨.

(٥) محمد حسين الزين، تأريخ الشيعة، ص: ٢٦، عن الصواعق المحرقة، ص: ٧٥، وشرح النهج لابن أبي الحديد، ج: ٢، ص: ٤٣٨.

٤٢٤

والموالاة له، ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول: اُمر الناس بخمسٍ فعملوا بأربع وتركوا واحدة، ولما سُئل عن الأربع قال: الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج، قيل فما الواحدة التي تركوها؟ قال: ولاية علي بن ابي طالب، قيل له: وانَّها لمفروضة معنَّ؟ قال: نعم هي مفروضة معهنَّ.

ومثل أبي ذر الغفاري، وعمّار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الانصاري، وخالد بن سعيد، وقيس بن سعد بن عبادة»(١) .

وجاء في أوائل شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:

«انَّ القول بتفضيل عليعليه‌السلام قول قديم قد قال به كثير من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمّار والمقداد وأبو ذر وسلمان وجابر بن عبد اللّه واُبي بن كعب وحذيفة وبريدة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وأبو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنوه وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة»(٢) .

وقد نقل الدكتور الشيخ (أحمد الوائلي) أسماء مائة وثلاثة وثلاثين رائداً من روّاد التشيع الاوائل في كتابه (هوية التشيع)، وقال بانَّ هؤلاء يمثلون شريحة أو نماذج ذُكرت دون انتقاء أو اختيار، ثم ذكر المصادر الرجالية والكتب التي نصت على القول بتشيعهم لامير المؤمنين عليعليه‌السلام (٣) .

وأمّا العلامة الشيخ (جعفر السبحاني) فقد ذكر خمسين صحابياً من الطبقة العليا للشيعة في الجزء السادس من كتابه القيِّم (بحوث في الملل والنحل)، وقال:

«فمن أراد التفصيل والوقوف على حياتهم وتشيعهم فليرجع إلى الكتب المؤلفة في

____________________

(١) جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج: ٦، ص: ١١٠ - ١١١ عن خطط الشام، ج: ٥، ص: ٢٥١.

(٢) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٢٣.

(٣) د. أحمد الوائلي، هوية التشيع، ص: ٣٣ - ٣٦.

٤٢٥

الرجال، ولكن بعين مفتوحة، وبصيرة نافذة»(١) .

وقال (المسعودي) في (مروج الذهب):

«كان ممن شهد صفين مَعَ علي بن أبي طالبعليه‌السلام من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً، منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الانصار، وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والانصار ومن سائر الصحابة تسعمائة، وكانَ جميع مَن من شهد معه من الصحابة ألفين وثمنمائة»(٢) .

وفي (مروج الذهب) أيضاً:

«إنَّ علياًعليه‌السلام خرج الى حرب الجمل في سبعمائة راكب، منهم أربعمائة من المهاجرين والانصار، منهم سبعون بدرّياً، وباقيهم من الصحابة. إلى أن قال: فيما حدث به أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي عن ابن عائشة عن معن بن عيسى، عن المنذر بن الجارود قال: لما قدم علي البصرة خرجتُ انظرُ إليه، فورد موكب نحو ألف فارس يقدمهم فارس على فرس أشهب(٣) ، عليه قلنسوة وثياب بيض، متقلّد سيفاً معه راية، واذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة، مدججين في الحديد والسلاح، فقلت: مَن هذا؟، فقيل: أبو أيوب الانصاري وهؤلاء الانصار وغيرهم.

ثم تلاهم فارس عليه عمامة صفراء وثياب بيض، متقلّد سيفاً، متنكّب قوساً، معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس، فقلت: مَن هذا؟ فقيل: خزيمة بن ثابت الانصاري ذو الشهادتين.

ثم مرَّ بنا فارس على فرس كميت معتم بعمامة صفراء تحتها قلنسوة بيضاء عليه قباء أبيض مصقول، متقلّد سيفاً، متنكّب قوساً في نحو ألف فارسٍ، معه راية، فقلت: مَن هذا؟ فقيل: أبو قتادة بن ربعي.

____________________

(١) جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج: ٦، ص: ١٠٩ - ١١٠.

(٢) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٢٤.

(٣) أشهب: الذي غلبَ بياضه على سواده.

٤٢٦

ثم مرَّ بنا فارس على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه ومن خلفه، شديد الأدمة(١) عليه سكينة ووقار، رافع صوته بقراءة القرآن، متقلّد سيفاً، متنكّب قوساً، معه راية بيضاء في ألف فارس من الناس مختلفي التيجان، حوله مشيخة وكهول وشباب، كأن قد أُوقفوا للحساب، في جباههم أثر السجود فقلت: مَن هذا؟ فقيل: عمار بن ياسر في عدّة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم.

ثم مرَّ بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء، متنكب قوساً، متقلِّداً سيفاً، تخط رجلاه في الأرض في ألف من الناس الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض معه راية صفراء، قلت: مَن هذا ؟ قيل: قيس بن سعد بن عبادة في الانصار وأبنائهم وغيرهم من قحطان.

ثم مرَّ بنا فارس على فرس أشعل(٢) ما رأينا أحسن منه، عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه بلواء، قلت: مَن هذا؟ قيل: عبد اللّه بن العباس في عدّة من أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين، قلت: مَن هذا؟ قيل: قثم بن العباس، أو سعيد بن العاص.

ثم أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضاً، واشتبكت الرماح، ثم ورد خلق عليهم السلاح والحديد مختلفو الرايات كأنّما على رؤوسهم الطير في أوله راية كبيرة، يقدمهم الطير كانما كسر وجبر(٣) ، نظره الى الارض أكثر من نظره الى فوق، عن يمينه شاب حسن الوجه، وعن يساره شاب حسن الوجه، قلت: مَن هؤلاء؟ فقيل: هذا علي بن أبي طالب، وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وهذا محمد بن الحنفيّة بين يديه،

____________________

(١) أيّ: شديد السمرة.

(٢) الفرس الاشعل: الذي في ذنبه أو ناصيته بياض.

(٣) قال في الاعيان: قال ابن عائشة: هذهِ صفة رجل شديد الساعدين، كذلك تخبر العرب في وصفها اذا أخبرت عن الرجل انه كسر وجبر.

٤٢٧

معه الراية العظمى، وهذا الذي خلفه عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشايخ أهل بدر من المهاجرين والانصار»(١) .

وجاء في (السيرة الحلبية):

«قال بعضهم شهدنا صفين مَعَ علي بن أبي طالب ثمنمائة من أهل بيعة الرضوان، وقُتل منهم ثلاثة وستون، منهم عمّار بن ياسر»(٢) .

ومن الطبيعي انَّ من بين هؤلاء الصحابة إن لم نقل كلّهم مجاميع كبيرة كانت توالي علياًعليه‌السلام وتؤازره، وتناصره، وتعرف حقَّه، وتتكتل معه منذ بداية الدعوة الى الاسلام، وفي أثناء تأكيدات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتكررة على وصايته وخلافته، وأمر المسلمين باتباعه والرجوع اليه، لا سيما اذا أخذنا بنظر الاعتبار انَّ مَن لم يكن هواه مَعَ هوى عليعليه‌السلام ولم يكن متبعاً ومشايعاً له كان بامكانه أن ينضم الى الفرق التي كانت تعلن الحرب ضدَّه، وتنصب العداء له، وتحاول أن تمسك بزمام الحكم الاسلامي، وتتنافس من أجل الهيمنة على الخلافة آنذاك، وخصوصاً إذا لاحظنا أنَّ الرايات التي ارتفعت هي رايات حملها اُناس عاشوا في كنف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانخرطوا ضمن طبقة الاصحاب الاوائل له، وحاولوا كسب الرأي العام الى صفهم بمختلف الوسائل والاغراءات، فمن ثبت من الاصحاب مَعَ عليعليه‌السلام في هذا المهب العاصف، وفي هذهِ المواقف الرسالية الصعبة، وعند ذلك الاختبار العسير الذي مرَّت الامة الاسلامية بمخاضاته المعقّدة فهو من شيعة أمير المومنينعليه‌السلام قطعاً، ومن مواليه والعارفين بحقّه وأولويته وسابق منزلته في الاسلام منذ البدايات.

وما أروع ما يثبته السيد الشهيد (محمد باقر الصدر) في مقدمة كتاب (تاريخ الاماميّة وأسلافهم من الشيعة) بصدد هذهِ الحقيقة التي تؤكّد على وجود التشيع في عهد

____________________

(١) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٢٤، عن مروج الذهب للمسعودي.

(٢) محسن الامين، أعيان الشيعة، ج: ١، ص: ٢٤، عن السيرة الحلبية.

٤٢٨

رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنذ بداية الدعوة الى الاسلام، حيث يذكر انَّ هناك ثلاثة طرق كان بامكان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتهاجها تجاه مستقبل الدعوة الاسلامية، وتعيين قيادتها أثناء حياته، فأول هذه الطرق هو أن يقف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موقفاً سلبياً تجاه مستقبل الدعوة الاسلامية، ويكتفي بممارسة دوره في قيادة الدعوة وتوجيهها في فترة حياته، ويترك مستقبلها للظروف والصدف، فيبطل السيد الشهيد هذا الاحتمال، ويبيِّن انَّ طبيعة الاشياء كانت تدل على خلاف ذلك، لأنَّ الدعوة بحكم كونها عملاً تغييرياً انقلابياً في بدايته، يستهدف بناء امّة واستئصال كل جذور الجاهلية منها، تتعرض لاكبر الأخطار إذا خلت الساحة من قائدها وتركها دون أي تخطيط.

وثاني هذهِ الطرق هو أن يتخذ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موقفاً أيجابياً تجاه مصير الدعوة، الا انَّه يجعل القيمومة عليها وقيادة التجربة بيد الامة على أساس نظام الشورى في جيلها العقائدي الاول الذي يضم مجموعها المهاجرين والأنصار.

وهنا يؤكد السيد الشهيد أيضاً انَّ طبيعة الاشياء والوضع العام الثابت عن الرسول والدعوة والدعاة يرفض هذهِ الفرضية، وينفي أن يكون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انتهج هذا الطريق واتجه الي ربط قيادة الدعوة بعده مباشرة بالامة ممثلة في جيلها الطليعي من المهاجرين والانصار على أساس نظام الشورى، اذ لم ينقل عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيامه بعملية توعية للامة والدعاة علي نظام الشورى وحدوده وتفاصيله، فلا يلمس ذلكَ في الاحاديث المأثورة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يوجد فيها أي ملامح أو انعكاسات محددة لتوعية من ذلك القبيل.

ثم ينتقل الامام الشهيد لبيان الطريق الثالث الذي يؤكد من خلاله انَّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قام بعملية تعبئة فكرية للمجتمع حول الخليفة القائد من بعده وهو عليعليه‌السلام ، وركّز هذا المفهوم في أذهان المسلمين من خلال الحشد الكبير من النصوص الصريحة، فيقول في ذلك:

٤٢٩

«الطريق الثالث: وهو الطريق الوحيد الذي بقي منسجماً مَعَ طبيعة الأشياء ومعقولاً على ضوء ظروف الدعوة وسلوك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أن يقف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مستقبل الدعوة بعد وفاته موقفاً ايجابياً، فيختار بأمر اللّه سبحانه وتعالى شخصاً يرشحه عمق وجوده في كيان الدعوة، فيعده اعداداً رسالياً وقيادياً خاصاً، تتمثل فيه المرجعية الفكرية والزعامة السياسية للتجربة، وليواصل بعده بمساندة القاعدة الشعبية الواعية من المهاجرين والأنصار قيادة الامة وبناءها عقائدياً وتقريبها باستمرار نحو المستوى الذي يؤهلها لتحمّل المسؤوليات القيادية.

وهكذا نجد انَّ هذا هو الطريق الوحيد الذي كان بالامكان أن يضمن سلامة مستقبل الدعوة وصيانة التجربة من الانحراف في خط نموّها، وهكذا كان.

وليس ما تواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النصوص التي تدل على انَّه كان يمارس إعداداً رسالياً وتثقيفياً عقائدياً خاصاً لبعض الدعاة على مستوى يهيئه للمرجعية الفكرية والسياسية، وانَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عهد اليه بمستقبل الدعوة وزعامة الامة من بعده فكرياً وسياسياً، ليس هذا إلا تعبيراً عن سلوك القائد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للطريق الثالث الذي كانت تفرضه وتدل عليه قبل ذلك طبيعة الاشياء كما عرفنا.

ولم يكن هذا الشخص الداعية المرشح للاعداد الرسالي القيادي، والمنصوب لتسلّم مستقبل الدعوة وتزعمها فكرياً وسياسياً إلا علي بن أبي طالب الذي رشَّحه عمق وجوده في كيان الدعوة، وانَّه المسلم الاول بها، والمجاهد الاول في سبيلها، عبر كفاحها المرير ضدَّ كل أعدائها، وعمق وجوده في حياة القائد الرسول، وانَّه ربيبه الذي فتح عينيه في حجره، ونشأ في كنفه، وتهيأت له من فرص التفاعل معه، والاندماج بخطّه ما لم يتوفر لأي انسانٍ آخر.

والشواهد في حياة النبي والامام علي على أنَّ النبي كان يعدّ الامام إعداداً رسالياً خاصاً كثيرة جداً، فقد كان النبي يخصه بكثير من مفاهيم الدعوة وحقائقها ويبدأه

٤٣٠

بالعطاء الفكري والتثقيف إذا استنفذ الامام أسئلته، ويختلي به الساعات الطوال في الليل والنهار، يفتح عينيه على مفاهيم الرسالة ومشاكل الطريق ومناهج العمل الى آخر يوم في حياته الشريفة».

ويسرد السيِّد الشهيد الصدر جملة من الشواهد التأريخية الدالّة على إعداد النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام إعداداً رسالياً خاصاً وعلى اسنادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزعامة الدعوة الاسلامية فكرياً وسياسياً اليهعليه‌السلام ، ثم يستطرد قائلاً:

«وهكذا وُجد التشيع في إطار الدعوة الاسلامية متمثلاً في هذهِ الاطروحة النبوية التي وضعها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمرٍ من اللّه للحفاظ على مستقبل الدعوة وهكذا وجد التشيع لا كظاهرة طارئة على مسرح الاحداث، بل كنتيجة ضرورية لطبيعة تكون الدعوة وحاجاتها وظروفها الأصيلة التي كانت تفرض على الاسلام أن يلد التشيع، وبمعنى آخر كانت تفرض على القائد الأول للتجربة أن يعدَّ للتجربة قائدها الثاني الذي تواصل على يده ويد خلفائه نموَّها الثوري، وتقترب نحو اكتمال هدفها التغييري في اجتثاث كل رواسب الماضي الجاهلي وجذوره، وبناء امة جديدة على مستوى متطلبات الدعوة ومسؤوليتها»(١) .

وبهذا نخلص إلى النتيجة القائلة بأنَّ التشيع انَّما ولد بين جوانح الرسالة الاسلامية وفي أحضان النبوة وبرعاية خاصة من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزامن التأريخ له بالتأريخ للدعوة الاسلامية منذ بدايات البزوغ.

يقول الامام (محمد حسين كاشف الغطاء):

«انَّ أول مَن وضعَ بذرة التشيع في حقل الاسلام - هو نفس صاحب الشريعة الاسلامية - يعني أنَّ بذرة التشيع وضعت مَعَ بذرة الاسلام، جنباً الى جنب، وسواء

____________________

(١) انظر: البحث القيم الذي كتبه السيد الشهيد الامام الصدررحمه‌الله في مقدمته لكتاب (تأريخ الامامية وأسلافهم من الشيعة) للدكتور عبد اللّه الفياض، ص: ١٩.

٤٣١

بسواء ولم يزال غارسها يتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وأزهرت في حياته، ثم اثمرت بعد وفاته.»(١) .

ويقول الشيخ العلامة (محمد حسين المظفرَّ):

«فكانت الدعوة إلى التشيع لأبي الحسنعليه‌السلام من صاحب الرسالة تمشي منه جنباً لجنب مَعَ الدعوة للشهادتين.»(٢) .

ويقول الشيخ العلامة (جعفر السبحاني):

«قد تعرَّفت على تأريخ التشيع، وانَّه ليس وليداً لجدال الكلامي، ولا إنتاج السياسات الزمنية، وانّما هو وجه آخر للاسلام، وهما وجهان لعملة واحدة.»(٣) .

وأخيراً تصل النوبة بنا الى استعراض مجمل الشواهد التي تدل على أنَّ بذرة التشيع كانت قد غُرست في عصر الرسالة الأول، وانَّ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو واضع البذرة الاولى لهذا الأساس والمتعاهد لها طيلة حياته المقدّسة، وسوف نقوم باثبات ذلك، مقتصرين في الغالب على ما رواه العامة في مصادرهم المختلفة ضمن العناوين التالية:

١ - العناية النبوية المتميزة بعليعليه‌السلام وإعداده إعداداً رسالياً خاصاً

في (مستدرك الحاكم) بسنده الى زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جدِّه قال:

«أشرف رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيتٍ ومعه عمّاه العباس وحمزة وعلي وجعفر وعقيل وهم في أرضٍ يعملونَ فيها، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعَّميه: اختارا من هؤلاء، فقال أحدهما اخترت جعفراً، وقال الآخر: اخترت عقيلاً، فقال: خيرتكما فاخترتما، فاختار اللّه لي عليّاً»(٤) .

_____________________________

(١) محمد حسين كاشف الغطاء، أصل الشيعة واُصولها، ص: ١٠٩.

(٢) محمد حسين المظفَّر، تأريخ الشيعة، ص: ٩.

(٣) جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج: ٦، ص: ١١٧.

(٤) الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم على الصحيحين، ج: ٣، ص: ٥٧٧.

٤٣٢

وجاء في (صحيح الترمذي):

«عن الزبير بن جابر قال: دعا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مَعَ ابن عمِّه، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما انتجيته ولكنَّ اللّه انتجاه».

ثم قال (الترمذي): ومعنى قوله: «ولكنَّ اللّه انتجاه، يقول: اللّه أمرني أن انتجي معه»(١) .

وقال (الطبري) انَّه لمّا نزل قوله تعالى:( يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيتُمُ الرَّسُولَ فَقدّمُوا بَينَ يَديْ نَجواكُم صَدَقَةً ) (٢) .

نُهوا عن مناجاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يتصدّقوا، فلم يُناجه أحد إلا عليّ بن أبي طالب»(٣) .

وجاءَ في (كنز العمال):

«عن جندب بن ناجية أو ناجية بن جندب: لما كان يوم غزوة الطائف قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَعَ عليعليه‌السلام مليّاً ثمَّ مرَّ، فقال له أبو بكر: يا رسول اللّه! لقد طالت مناجاتُكَ علياً منذ اليوم! فقال: ما انتجيتُه ولكنَّ اللّه انتجاه»(٤) .

وورد في (صحيح الترمذي):

«عن عوف بن عبد اللّه بن عمرو بن هند الجملي عن عليعليه‌السلام قال: قال علي: «كنتُ إذا سألتَ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاني، وإذا سكت ابتدأني»(٥) .

____________________

(١) الترمذي، صحيح الترمذي، ج: ٥، كتاب المناقب، باب: ٢٠، ح: ٣٧٢٦، ص: ٥٩٧، ونقله السيد مرتضى الفيروزآبادي في كتابه فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج: ٢، ص: ١٧ عن المتقي الهندي في كنز العمال، ج: ٦، ص: ١٥٩، والخطيب البغدادي في تأريخه، ج: ٧، ص: ٤٠٢، وانظر الرواية في اُسد الغابة لابن الاثير الجزري، ج ٤، ص: ٢٧، دار إحياء التراث العربي.

(٢) المجادلة: ١٢.

(٣) مرتضى العسكري، معالم المدرستين، ج: ١، ص: ٥٢٠ - ٥٢١، تفسير الطبري ٢٨ / ١٤ - ١٥، والدر المنثور: ٦ / ١٨٥.

(٤) كنز العمال ج: ١٣، ح: ٣٦٤٣٨، ص: ١٣٩.

(٥) الترمذي، صحيح الترمذي، ج: ٥، كتاب المناقب، باب: ٢٠، ح: ٣٧٢٢، ص: ٥٩٥، وح: ٣٧٢٩، ص: ٥٩٨.

٤٣٣

وروى (أبو نعيم) في حليته بسنده إلى ابن عباس قال:

«كنّا نتحدث انَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد الى علي سبعين عهداً لم يعهد الى غيره»(١) .

وفي (مستدرك الصحيحين) روى بسندين عن أبي اسحق قال:

«سألتُ قثم بن العبّاس كيف ورث علي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دونكم؟ قال: لأنَّه كانَ أوَّلنا به لحوقاً، وأشدّنا به لزوقاً»(٢) .

وجاءَ في (شرح نهج البلاغة):

«انَّ الفضل بن العباس بن عبد المطلب قد سأل أباه عن ولد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذكور أيّهم كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له أشد حباً، فقال له: علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له: سألتُكَ عن بنيه، فقال: انَّه كان أحبّ اليه من بنيه جميعاً وأرأف، ما رأيناه زايله يوماً من الدهر منذ كان طفلاً، إلا أن يكون في سفرٍ لخديجة، وما رأينا أباً أبرَّ منه ليعليٍّ، ولا ابناً أطوع لأبٍ من علي له»(٣) .

وجاء في (شرح النهج) أيضاً:

«روى جبير بن مطعم قال: قال أبي مطعم لنا ونحن صبيان بمكة: ألا ترونَ حبّ هذا الغلام (يعني علياً) لمحمدٍ، واتّباعه له، دون بني أبيه؟ فواللات والعزّى، لوددتُ انَّه ابني بفتيان بني نوفل جميعاً»(٤) .

وروى (ابن سعد) في كتاب الطبقات:

«عن علي انَّه قيل له: ما لكَ أكثر أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثاً؟ قال: إني كنت

____________________

(١) مرتضي الفيروزآبادي، فضائل الخمسة، ج: ٢، ص: ٣٤، عن أبي نعيم في الحلية، ج: ١، ص: ٦٨، وابن حجر في تهذيب التهذيب، ج: ١، ص: ١٩٧، وأخرجه الطبراني في معجمه، وذكره المناوي أيضاً في فيض القدير في الشرح، ج: ٤، ص: ٣٥٧، وذكره الهيثمي في مجمعه، ج: ٩، ص: ١١٣.

(٢) مرتضى الفيروزآبادي، فضائل الخمسة، ج: ٢، ص: ٣٨، عن مستدرك الصحيحين، ج: ٣، ص: ١٢٥، وكنز العمال، ج: ٦، ص: ٤٠٠، والنسائي في خصائصه ص: ٢٨.

(٣) عبد اللّه نعمة، روح التشيع، بيروت، دار الفكر، ١٩٨٥ م، ص: ٤٣، عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج: ٣، ص: ٢٥١.

(٤) عبد اللّه نعمة، روح التشيع، ص: ٤٣، عن شرح النهج، ج: ٣، ص: ٢٥١.

٤٣٤

إذا سألته أنبأني، وإذا سكتُّ ابتدأني»(١) .

وجاء في (صحيح الترمذي) عن ابن عمر انه قال:

«آخى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول اللّه، آخيتَ بين أصحابكَ ولم تؤاخ بيني وبين أحدٍ، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أخي في الدنيا والآخرة»(٢) .

وجاءَ في (خصائص النسائي) عن عليعليه‌السلام انَّه كان يقول:

«كان لي منزلة من رسول اللّه لم تكن لأحدٍ من الخلائق كنت أدخلُ على نبي اللّه كلّ ليلة، فاذا كان يصلّي سبَّح فدخلتُ، وإن لم يكن يصلّي أذِن لي فدخلتَ».

وورد فيه أيضاً عن عليعليه‌السلام :

«كان لي من النبي مدخلان: مدخل بالليل ومدخل بالنهار».

وروى (النسائي) أيضاً:

«عن ام سلمة: انَّها كانت تقول والذي تحلف به اُم سلمة انَّ أقرب الناس عهداً برسول اللّه علي، قالت: لما كان غداة قُبض رسول اللّه، فأرسل اليه رسول اللّه وأظنه كان بعثه في حاجةٍ، فجعل يقول جاءَ علي؟ ثلاث مرات، فجاء قبل طلوع الشمس، فلما أن جاءَ عرفنا أنّ له اليه حاجة، فخرجنا من البيت، وكنا عند رسول اللّه يومئذٍ في بيت عائشة، وكنت في آخر مَن خرج من البيت، ثم جلست وراء الباب، فكنت أدناهم الى الباب، فاكبَّ عليه عليٌّ فكان آخر الناس به عهداً فجعله يساره ويناجيه»(٣) .

____________________

(١) عبد اللّه نعمة، روح التشيع، ص: ٤٤، عن تأريخ الخلفاء للسيوطي، ص: ١٧٠.

(٢) عبد اللّه نعمة، روح التشيع، ص: ٤٤، عن صحيح الترمذي، ج: ٢، ص: ٢٩٩، وتأريخ الخلفاء للسيوطي، ص:١٧٠.

(٣) محمد بن سليمان الكوفي القاضي، مناقب الامام أمير المؤمنين، تحقيق: محمد باقر المحمودي، قم، مجمع إحياء الثقافة الاسلامية، ١٤١٢ ه‍. ق، ج: ١، ص: ٤٥٦ - ٤٥٧ وقد ذكر المحقق في الهامش انَّ مصادر الحديث: النسائي، رقم: ١٥٣ من كتاب خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ص: ٣٨٣ ط بيروت، وأحمد بن حنبل في مسنده، ج: ٦، ص: ٣٠٠ ط ١، ورواه أيضاً عبد اللّه بن محمد المعروف بأبي بكر بن أبي شيبة في فضائل عليعليه‌السلام من كتاب المصنَّف، ج: ٦، الورق ١٥٣، ورواه الحاكم في كتاب المستدرك، ج: ٣، ص: ١٣٨ - ١٣٩، وأخرجه أبو نعيم الحافظ بسندين من تأريخ أصفهان، ج: ١، ص: ٢٥٠ ورواه باسانيد الحافظ بن عساكر تحت الرقم (١٠٣٨) وما بعده من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق، ج: ٣، ص: ١٨، ط ٢.

٤٣٥

روي عن عائشة انَّها قالت:

«قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا حضرته الوفاة (ادعوا لي حبيبي)، فدعوا له أبا بكر، فنظر إليه، ثم وضع رأسه، ثم قال: (ادعوا لي حبيبي)، فدعوا له عمر، فلمّا نظر اليه، وضع رأسه، ثم قال: (ادعوا لي حبيبي)، فدعوا له علياًعليه‌السلام ، فلمّا رآه أدخله في الثوب الذي كان عليه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه»(١) .

وعن ابن عبّاس انَّه قال:

«ان النبي ثقل وعنده عائشة وحفصة إذ دخل عليعليه‌السلام ، فلما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفعَ رأسَه ثمَّ قال: «ادنُ منّي، ادنُ منّي»، فسنده، فلم يزل عنده حتّى توفي»(٢) .

وفي (خصائص النسائي) أيضاً بسنده عن ابراهيم بن سعد بن ابي وقاص عن أبيه قال:

«كنّا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعنده قوم جلوس، فدخل علي كرَّم اللّه وجهه، فلما دخل خرجوا، فلمّا خرجوا تلاوموا فقالوا: واللّه ما أخرجنا إذ أدخَله، فرجعوا فدخلوا، فقال: واللّه ما أنا أدخلتُه وأخرجتكم، بل اللّه أدخله وأخرجكم»(٣) .

وفي (مناقب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ) للحافظ الكوفي باسناده عن أبي البختري قال: قال علي:

«بعثني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى اليمن، فقلت: يا رسول اللّه تبعثني وأنا شاب، ويكون هناك مما لا علم لي بها، قال: فضربَ بيده الى صدري، وقال: إنَّ اللّه سيهدي قلبكَ، ويثبّتُ

____________________

(١) معالم المدرستين، ج: ١، ص: ٥٢٢، عن الرياض النضرة، ٢ / ٢٣٧ ط. الثانية، مطبعة دار التأليف مصر، وذخائر العقبى، ص: ٧٢.

(٢) مرتضى العسكري، معالم المدرستين، ج: ١، ص: ٥٢٢، عن مجمع الزوائد، ٩ / ٣٦.

(٣) مرتضى الفيروزآبادي، فضائل الخمسة، عن خصائص النسائي، ص: ٣، والهيثمي في مجمعه، ج: ٩، ص: ١١٥. وقال: رواه البزاز ورجاله ثقات. ومثله في تأريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج: ٥، ص: ٢٩٤.

٤٣٦

لسانَكَ!

قال: فقال عليعليه‌السلام : والذي فلقَ الحبّة وبرأ النسمة ما تعاييت أن أقضي بينَ خصمين الى الساعة»(١) .

وفي مناقب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام للحافظ الكوفي باسناده عن خديجة بنت علي بن الحسين قال: «قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما نزل قوله تعالى( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (٢) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سألت اللّه أن يجعلها اُذنكَ يا علي فجعلها»(٣) .

وفيه أيضاً باسناده عن وهب قال:

«قال رسول اللّه صلى عليه وسلم: يا علي إنَّ اللّه أمرني أن اُدينكَ ولا اُقصيك وأُعلِّمكَ ولا أجفوك، فحقّ عليَّ أن أُعلمك، وحق عليكَ أن تعي»(٤) .

وفيه أيضاً باسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

«ذكرنا عنده علياً فقال: إنكم تذكرونَ رجلاً ربما سمع وطء جبريل فوقَ بيته»(٥) .

وفيه أيضاً باسناده عن أبي اسحق قال:

«بينما سلمان جالس في اُناس من أصحابه إذ مرَّ علي فقال: ما يمنعكم أفلا تقومون

____________________

(١) محمد بن سليمان الكوفي القاضي، مناقب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ج: ٢، ح: ٥٠١، ص: ١٢، وذكر المحقق في الهامش أنها رويت في تاريخ دمشق: ج ٢، ص: ٤٩٠ - ٤٩٧، ط ٢، ورواه ايضاً الحافظ النسائي بأسانيد من كتاب خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ص: ٩١، ط بيروت، ورواه أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده، رقم: ٦٣٦، و ٦٦٦ و ٨٨٤ و ١٣٤١، ١١٤٥، ج: ١، ص: ٨٣ و ٨٨ و ١١١ و ١٥١، وروي في الحديث ١٨٠ من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام من كتاب الفضائل، ص: ٧١، ط قم.

(٢) الحاقة: ١٢.

(٣) محمد بن سليمان الكوفي، مناقب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ج: ١، ح: ٧٩، ص: ١٤٢، قال المحقق في الهامش: وقد رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية ١٢ من سورة الحاقة تحت الرقم ١٠٠٧، وفي كتاب شواهد التنزيل، ج: ٢، ص: ٢٧١، ط ١.

(٤) محمد بن سليمان الكوفي القاضي، مناقب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ج: ٢، ص: ٢١، وذكر المحقق من مصادره: الحافظ الحسكاني في تفسير الآية (١٢) من سورة الحاقة، وما بعده من كتاب شواهد التنزيل، ج: ٢، ص: ٢٧١، ط ١.

(٥) محمد بن سليمان الكوفي القاضي، مناقب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ج: ٢، ح: ١٠٣١، ص: ٥٣٢، وذكر المحقق في الهامش، ورواه ابن عساكر بسند آخر عن عمرو بن ثابت في الحديث (٨٢٧) من ترجمة أمير المؤمنين من تأريخ دمشق: ٢ / ٣١٤ ط ٢.

٤٣٧

اليه، فتأخذونَ بحجزته، فواللّه ما أعلمُ أحداً هو أعلم بسرِّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه«(١) .

وفيه أيضاً باسناده عن أبي صالح عن عليعليه‌السلام قال:

«قلتُ يا رسول اللّه علّمني شيئاً ينفعني قال: قل ربي اللّه ثمَّ استقم، قال: قلتُ: حسبي اللّه وما توفيقي إلا باللّه، فقال: ليهنيك العلم أبا حسن لقد شربت العلم شرباً وثاقبته ثقباً»(٢) .

وجاءَ في علم عليعليه‌السلام الذي ورثه عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي يدل على انَّهعليه‌السلام كان يخضع لتثقيف رسالي خاص من قبل صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال:

«علمّني رسول اللّه ألف بابٍ من العلم، ففتح لي من كلِّ باب ألف باب»(٣) .

وروي عن أنس انَّه قال:

«قيل: يا رسولَ اللّه، عمَّن نأخذ العلم بعدك؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عن عليٍّ»(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنا مدينة الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأتِ الباب».

«أنا مدينة العلم وعليّ بابها»(٥) .

____________________

(١) محمد بن سليمان الكوفي القاضي، مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ج: ٢، ح: ١٠٣٢، ص: ٥٣٢، وذكر المحقق في الهامش: وقريباً منه رواه البلاذري في الحديث (٢١٧) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الاشراف٢/١٨٣.

(٢) محمد بن سليمان الكوفي القاضي، مناقب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ج: ٢، ح: ١٠٨٣، ص: ٥٧٢، وذكر المحقق في الهامش: رواه أبو نعيم في ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من كتاب حلية الاولياء، ج: ١، ص: ٦٥، ورواه ابن عساكر تحت الرقم (١٠٢٨) من ترجمة أمير المؤمنين من تأريخ دمشق، ج: ٢، ص: ٤٩٨، ط ٢.

(٣) حسين علي الشاكري، علي في الكتاب والسنة، ج: ٢، ص: ١٤٣، عن السيد أحمد المغربي في فتح الملك العلي، ص: ١٩، والمحدث الهروي في الأربعين، ص: ٤٧ (مخطوط)، والقندوزي في ينابيع المودّة، ص: ٧٢.

(٤) حسين علي الشاكري، علي في الكتاب والسنة، ج: ٢، ص: ١٤٣، عن العلامة قطب الدين أحمد شاه في قرّة العينين، ص: ٢٣٤.

(٥) حسين علي الشاكري، علي في الكتاب والسنة، ج: ٢، ص: ١٤٢، وقال بعد إيراد الحديثين: هذان الحديثان من الاحاديث المتواترة الصحيحة التي اتفق على روايتها كبار حفّاظ وعلماء الفريقين، واستقصى جلّ مصادرهما في إحقاق الحق، ج: ٥، ص: ٥٠٢ - ٥١٦، و ج: ١٦، ص: ٢٩٨ - ٣٠٩، وج: ٥، ص: ٤٦٩ - ٥٠١، وج: ١٦، ص: ٢٧٧ - ٢٩٧، وج: ٢١، ص: ٤١٥ - ٤٢٨.

٤٣٨

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي خازن علمي»(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي عيبة علمي»(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي باب علمي ومبيِّن لامتي ما اُرسلت به من بعدي»(٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي وعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتى منه»(٤) .

وجاء في (نهج البلاغة) عنهعليه‌السلام مبيناً ارتباطه برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعناية النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به عناية رسالية خاصة انَّهعليه‌السلام قال:

«وقد علمتُم موضعي من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يَضمُّني إلى صدره، ويكنُفُني في فراشه، ويُمِسُّني جسده ويُشمُّني عَرفه، وكان يمَضغُ الشيء ثم يُلقمنيه، وما وجَدَ لي كَذبةً في قولٍ ولا خَطلةً في فِعل، ولقد قَرَن اللّه بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لَدُن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يَسلكُ به طريقَ المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنتُ أَتَّبعه إتّباع الفصيل أَثرَ اُمّه، يرفع لي في كلِّ يومٍ من أخلاقِهِ عَلَماً، ويأمرني بالاقتداءِ به، ولقد كان يجاور في كلِّ سنةٍ بحَراء فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الاسلام غير رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نورَ الوحي والرسالة، واُشمُّ ريحَ النبوّة.

ولقد سمعتُ رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت: يا رسول اللّه: ما هذهِ الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنَّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى،

إلا انَّك لستَ بنبي، ولكنَّك لوزير وانَّكَ لعلى خير.»(٥) .

____________________

(١) حسين علي الشاكري، علي في الكتاب والسنة، ج: ٢، ص: ١٤١، نقلاً عن ابن أبي الحديد في شرح النهج.

(٢) حسين علي الشاكري، علي في الكتاب والسنة، ج: ٢، ص: ١٤١، عن السيوطي في الجامع الصغير وجمع الجوامع كما في ترتيبه، ج: ٦، ص: ١٠٢، ومصباح الظلام، ج: ٢، ص: ٥٦، وشرح العزيزي، ج: ٢، ص: ٤١٧.

(٣) حسين علي الشاكري، علي في الكتاب والسنة، ج: ٢، ص: ١٤٠، عن الديلمي عن أبي ذر كما في كنز العمّال، ج: ٦، ص: ١٥٦، وكشف الخفاء، ج: ١، ص: ٢٠٤.

(٤) حسين علي الشاكري، علي في الكتاب والسنة، ج: ٢، ص: ١٤٠، عن كفاية الطالب، ص: ٧٠ و ٩٢، وشمس الاخبار، ص: ٢٩.

(٥) نهج البلاغة: الخطبة / ١٩٢.

٤٣٩

وفي (كنز العمال) عن عليعليه‌السلام انَّه قال:

«قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخندق: اللهمَّ انكَ أخذتَ عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أُحد، وهذا عليّ، فلا تدعني فرداً وأنتَ خير الوارثين»(١) .

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام ، عن عليعليه‌السلام قال:

«سلوني عن كتاب اللّه عزَّ وجلَّ، فواللّه ما نزلت آية من كتاب اللّه في ليل ولا نهار ولا مسير ومقام إلا وقد أقرأنيها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلّمني تأويلها.

فقام اليه ابن الكّوا فقال: يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنتَ غائب عنه؟

قال: كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه حتى اُقدم عليه فيقرئنيه، ويقول لي: يا علي أنزل اللّه عليَّ بعدَكَ كذا وكذا، وتأويله كذا وكذا، فيعلمني تنزيله وتأويله»(٢) .

٢ - النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسند الى عليعليه‌السلام المهام الاسلامية الكبرى

وهنا نحاول أن نستعرض أربعة مواقف رسالية كبيرة ترشّح لها أمير المؤمنينعليه‌السلام من بين بقية المسلمين قاطبةً، ونقتصر على هذا المقدار من جملة المواقف الكثيرة التي رقي إليها بطل الاسلام عليعليه‌السلام باعداد وتوجيه من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . الأمر الذي كان يعني انَّ النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم بعملية إعداد مشهودة للملأ جميعاً للخليفة الذي سيأتي من بعده وينوء بحمل هذهِ الامانة الثقيلة، ويتأهل لاكمال شوط الرسالة بجدارة واقتدار.

ومن غير شك انَّ هذهِ العملية الواعية التي يقوم فيها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتأهيل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وترشيحه إليها تصب في اتجاه الفات النظر العام الى موقعه في الاسلام، وتهيئة الارضية الملائمة لترسيخ قاعدة شيعية موالية تؤصّل هذا الموقع، وتستوعبه

____________________

(١) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١٠، ح: ٣٠١٠٥، ص: ٤٥٦ وج: ١١، ح: ٣٣٠٣٤، ص: ٦٢٣.

(٢) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ١، ص: ٦١٧، رقم: ١٤٠.

٤٤٠