البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 148773
تحميل: 8454

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148773 / تحميل: 8454
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

- إن كنتَ تقول بالشبر والذراع، فان الاشياء كلها باب واحد هي فعله لا يشتغل ببعضها عن بعض، يدبّر أسفله من حيث يدبّر أعلاه، ويدبّر أوله من حيث يدبِّر آخره، من غير عناءٍ ولا كلفة، ولا مؤونة، ولا مشاورة، ولا نَصَب، وان كنتَ تقول: مَن أقرب إليه في الوسيلة؟ فأطوعهم له، وأنتم تروون أنَّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد، ورويتم أنَّ أربعة أملاك التقوا: أحدهم من أعلى الخلق، وأحدهم من أسفل الخلق، وأحدهم من شرق الخلق، وأحدهم من غرب الخلق، فسأل بعضهم بعضاً فكلّهم قال: من عند اللّه، أرسلني بكذا وكذا، ففي هذا دليل على أنَّ ذلكَ في المنزلة دونَ التشبيه والتمثيل، فقال أبو قرّة:

- أتقر انَّ اللّه تعالى محمول؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام :

- كل محمول مفعول ومضاف إلى غيره، محتاج، فالمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل، وهو في اللفظ ممدوح، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلى وأسفل، وقد قال الله تعالى:( وَللّهِ الأَسماءُ الحُسنى فَادعُوهُ بِها ) (١) ولم يقل في شيء من كتبه أنَّه محمول، بل هو الحامل في البرِّ والبحر، والممسك للسمواتِ والأرض، والمحمول ما سوى اللّه، ولم نسمع أحداً آمنَ باللّهِ وعظَّمه قط قال في دعائه: يا محمول»(٢) !

٢ - عن أمير المؤمنينعليه‌السلام انَّه قال في صفته تعالى: «الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره(٣) زيادة أو نقصان، ولم يوصف بأينٍ ولا بمكانٍ»(٤) .

٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً في وصفه تعالى:

«لا تصحبه الأوقات، ولا تَضَمَّنُهُ الأماكن، ولا تأخذهُ السنات، ولا تحدُّهُ

____________________

(١) الأعراف: ١٨٠.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج: ١٠، باب: ١٩، ح: ٥، ص: ٣٤٦ - ٣٤٧.

(٣) التعاور: هو الورود على التناوب.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الأصول من الكافي، ج: ١، باب: جوامع التوحيد، ح: ٧، ص: ١٤١.

٤٨١

الصفات، ولا تقيّده الادوات، سبقَ الأوقاتَ كونُه، والعدمَ وجودُه، والابتداءَ أزلُه»(١) .

٤ - وعنهعليه‌السلام انَّه قال:

«لا تجري عليه الحركةُ والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتدأه، إذاً لتفاوتت ذاتهُ ولتجزّأ كنههُ، ولامتنعَ من الأزلِ معناه.»(٢) .

٥ - وعنهعليه‌السلام أنَّه قال:

«وتعالى اللّه الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود، ولا نعت محدود، وسبحان اللّه الذي ليس له أولٌ مبتدأ، ولا غاية منتهى، ولا آخر يفنى»(٣) .

٦ - روي عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام انَّه كتب دعاءاً إلى رجلٍ بخطّه يقول فيه:

«يا ذا الذي كانَ قبل كلِّ شيء، ثمَّ خلقَ كلَّ شيء، ثم يبقى ويفنى كلُّ شيء، يا ذا الذي ليس في السموات العُلى، ولا في الارضين السفلى، ولا فوقهنَّ، ولا بينهنَّ، ولا تحتهنَّ إله يُعبد غيره»(٤) .

٧ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام في صفته تعالى انَّه قال:

«.ومَن قال: أين، فقد أخلى منه، ومَن قال: إلى مَن فقد وقَّته»(٥) .

٨ - وعن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام انَّه قال في وصفه تعالى:

«مَن شَبَّه اللّه بخلقه فهو مشرك، ومَن وصفه بالمكان فهو كافر.«(٦) .

٩ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصفه تعالى أيضاً انَّه قال:

«لا تحويه الاماكن لعظمته، ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقائيس

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ٢، ص: ٣٧.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ٢، ص: ٤٠.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ٢، ص: ٤٢.

(٤) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ١١، ص: ٤٧ - ٤٨.

(٥) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ١٤، ص: ٥٧.

(٦) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ٢٥، ص: ٦٩.

٤٨٢

لكبريائه.»(١) .

١٠ - وعن الامام موسى الكاظمعليه‌السلام انه قال لراهب نصراني في بعض ما ناظره:

«انَّ اللّهَ تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يُحدَّ بيدٍ أو رجلٍ أو حركةٍ أو سكون، أو يوصف بطولٍ أو قصر.»(٢) .

١١ - وروي انَّه جاءَ يهودي إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال:

- يا أمير المؤمنين! متى كانَ ربُّنا؟ فقال لهعليه‌السلام :

- «انما يُقال: متى كان؟ لشيء لم يكن فكان، وربُّنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونِة كائنٍ، كانَ بلا كيفٍ يكون، كائن لم يزل، بلا لم يزل وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل، وبلا غايةٍ ولا منتهى، غايةٌ ولا غايةَ اليها، غايةٌ انقطعت الغايات عنه، فهو غاية كلِّ غاية»(٣) .

١٢ - وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام انَّه قال:

«انَّ اللّه عظيم رفيع، لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغونَ كنه عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين ولا حيث، فكيف أصفه بكيف وهو الذي كيَّف الكيف حتى صار كيفاً، فعرفتُ الكيف بما كيَّف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أيَّن الأين حتى صار أيناً، فعرفت الأين بما أيَّن لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيَّثَ الحيثَ حتى صارَ حيثاً، فعرفت الحيث بما حيَّثَ لنا من الحيث، فاللّه تبارك وتعالى داخل في كل مكان، وخارج عن كل شيء، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، لا اله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير»(٤) .

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ٢٦، ص: ٧٠.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ٣٠، ص: ٧٥.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢، ح: ٣٣، ص: ٧٧.

(٤) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ١٤، ص: ١١٥.

٤٨٣

١٣ - روى أحمد بن محمد بن أبي نصر أن قوماً جاؤوا من وراء النهر إلى أبي الحسنعليه‌السلام فقالوا له: جئناكَ نسألك عن ثلاث مسائل، فان أجبتنا فيها علمنا انَّك عالم، فقالعليه‌السلام :

- «سلوا، فقالوا:

- أخبرنا عن اللّه، كان، وكيف كان، وعلى أي شيءٍ كان اعتماده؟ فقالعليه‌السلام :

- إنَّ اللّه عزّ وجلّ كيَّف الكيف فهو بلا كيف، وأيَّن الأين فهو بلا أين، وكان اعتماده على قدرته، فقالوا:

- نشهد انَّك عالم»(١) .

١٤ - وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام انَّه قال:

«انَّ اللّه عزّ وجلّ لا يشبهه شيء»(٢) .

١٥ - وعنهعليه‌السلام أيضاً انَّه قال:

«سبحانَ مَن لا يعلم أحد كيفَ هو الا هو، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا يُحدّ، ولا يُحس، ولا يُجس، ولا تدركه الابصار ولا الحواس، ولا يحيط به شيء، ولا جسم، ولا صورة، ولا تخطيط، ولا تحديد»(٣) .

١٦ - وعنهعليه‌السلام أيضاً في وصفه تعالى:

«لا جسم، ولا صورة، هو مجسِّم الأجسام، ومصوِّر الصور، لم يتجزأ، ولم يتناه، ولم يتزايد، ولم يتناقص، لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق، ولا بين المنشئ والمنشَأ، لكن هو المنشىء، فرَّقَ بين مَن جسَّمه وصوَّرَه وأنشأه، إذ كان لا يشبهه شيء، ولا يشبه هو شيئاً»(٤) .

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٩، ح: ٣، ص: ١٢٥.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦، ح: ١، ص: ٩٧.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: النهي عن الجسم والصورة، ح: ١، ص: ١٠٤.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: النهي عن الجسم والصورة، ح: ٦، ص: ١٠٦.

٤٨٤

١٧ - روي عن العباسي انَّه قال لأبي الحسنعليه‌السلام :

- «جعلتُ فداك أمرَني بعض مواليك أن أسألكَ عن مسألةٍ، قالعليه‌السلام :

- ومَن هو؟ قلتُ:

- الحسن بن سهل، قالعليه‌السلام :

- في أي شيء المسألة؟ قلتُ:

- في التوحيد، قالعليه‌السلام :

- وأيّ شيء من التوحيد؟ قلت:

- يسألكَ عن اللّه جسم أو لا جسم، فقال لي:

- انَّ للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب، مذهب إثبات بتشبيه، ومذهب النفي، ومذهب إثبات بلا تشبيه، فمذهب الاثبات بتشبيه لا يجوز، ومذهب النفي لا يجوز، والطريق في المذهب الثالث اثبات بلا تشبيه»(١) .

١٨ - وروي عن علي بن محمد وعن أبي جعفر الجوادعليهما‌السلام انّهما قالا:

«مَن قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة، ولا تصلّوا وراءه»(٢) .

١٩ - وعن بشر بن بشار النيسابوري قال: كتبتُ الى أبي الحسنعليه‌السلام بأنَّ مَن قبلنا قد اختلفوا في التوحيد، فكتبعليه‌السلام :

- «سبحانَ مَن لا يُحد، ولا يوصف، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير»(٣) .

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ح: ٦، ح: ١٠، ص: ١٠٠ - ١٠١.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦، ح: ١١، ص: ١٠١.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٦، ح: ١٣، ص: ١٠١.

٤٨٥

٢ - نفي الرؤية

١ - عن يعقوب بن اسحق قال:

«كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربَّه وهو لا يراه؟!

فوقَّععليه‌السلام :

- يا أبا يوسف جلَّ سيدي ومولاي والمنعم عليَّ وعلى آبائي أن يُرى.

قال: وسألته: هل رأى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربَّه؟ فوقَّععليه‌السلام :

- انَّ اللّه تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبَّ»(١) .

٢ - وعن عاصم بن حميد قال:

«ذاكرتُ أبا عبد اللّهعليه‌السلام فيما يروونَ من الرؤية، فقالعليه‌السلام :

- الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر، فان كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها حجاب»(٢) .

٣ - وعن عبد اللّه بن سنان عن أبيه قال:

«حضرتُ أبا جعفرعليه‌السلام فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له:

- يا أبا جعفر أيَّ شيء تعبد؟ قالعليه‌السلام :

- اللّه، قال:

- رأيته؟ قالعليه‌السلام :

- لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يُعرف

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٢، ص: ١٠٨.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٣، ص: ١٠٨.

٤٨٦

بالقياس، ولا يُدرك بالحواس، ولا يشبه الناس، موصوف الآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلكَ اللّه لا إله إلا هو.

قال: فخرج الرجل وهو يقول: اللّهُ أعلمُ حيث يجعل رسالته»(١) .

٤ - ومن الأسئلة التي سألها الزنديق من الامام الصادقعليه‌السلام انَّه قال له:

- «كيف يعبد اللّه الخلق ولم يروه؟ فقالعليه‌السلام :

- رأته القلوب بنور الايمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها، والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأته من عظمته دون رؤيته، قال الزنديق:

- أليس هو قادراً أن يظهر لهم حتى يروه ويعرفوه فيُعبد على يقين؟ قالعليه‌السلام :

- ليس للمحال جواب»(٢) .

٥ - وعن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام انَّه قال:

«جاء حبر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

- يا أمير المؤمنين هل رأيتَ ربَّكَ حينَ عبدتَه؟ فقالعليه‌السلام :

- ويلكَ ما كنتُ أعبدُ ربّاً لم أره، فقال:

- وكيفَ رأيته؟ قالعليه‌السلام :

- ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان«(٣) .

٦ - وعن أحمد بن اسحق قال:

«كتبت الى أبي الحسن الثالثعليه‌السلام اسأله عن الرؤية وما فيه الناس، فكتبعليه‌السلام :

لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فاذا انقطع الهواء،

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٥، ص: ١٠٨.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ١٠، باب: ١٣، ح: ٢، ص: ١٦٤.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٦، ص: ١٠٩.

٤٨٧

وعُدم الضياء بين الرائي والمرئي لم تصحّ الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لأنَّ الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان في ذلك التشبيه، لأنَّ الاسباب لا بد من اتصالها بالمسببات»(١) .

٧ - وعن محمد بن عبيدة قال:

«كتبت إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أسأله عن الرؤية، وما ترويه العامة والخاصة وسألته أن يشرح لي ذلك، فكتبعليه‌السلام بخطّه:

اتفق الجميع لا تمانع بينهم أنَّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة، فاذا جاز أن يُرى اللّه عزّ وجلّ بالعين، وقعت المعرفة ضرورةً، ثم لم تخلُ تلكَ المعرفة من أن تكون ايماناً أو ليست بايمان، فان كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية ايماناً، فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بايمان لانّها ضدّه فلا يكون في الدنيا أحد مؤمناً لانَّهم لم يروا اللّه عزَّ ذكره، وان لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيماناً لم تخل هذهِ المعرفة التي هي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزول في المعاد، فهذا دليل على انَّ اللّه عزَّ ذكره لا يُرى بالعين، إذ العين تؤدّي إلى ما وصفنا»(٢) .

والواضح من سياق هذا الكتاب أن المقصود هو نفي الرؤية عنه تعالى في الآخرة، باعتبار قول البعض بجواز الرؤية في الآخرة، وان لم تكن جائزة في الدنيا.

٨ - وعن أبي هاشم الجعفري قال:

«سألتُ أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن اللّه عزّ وجلّ هل يوصف؟ فقالعليه‌السلام :

- أما تقرأ القرآن؟! قلتُ:

- بلى، قالعليه‌السلام :

- أما تقرأ قوله عزّ وجلّ:( لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ ) (٣) ؟ قلتُ:

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٧، ص: ١٠٩.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٨، ص: ١٠٩ - ١١٠.

(٣) الانعام: ١٠٣.

٤٨٨

- بلى، قالعليه‌السلام :

- فتعرفونَ الأبصار؟ قلتُ:

- بلى، قالعليه‌السلام :

- وما هي ؟! قلت:

- أبصار العيون، فقالعليه‌السلام :

- إنَّ أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون، فهو لا تدركه الاوهام وهو يدرك الاوهام»(١) .

٩ - وعن أبي هاشم الجعفري قال: قلتُ لابي جعفر الرضاعليه‌السلام :( لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَهُو يُدرِكُ الأَبصارَ ) (٢) ؟ فقالعليه‌السلام :

- «يا أبا هاشم إنَّ أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنتَ قد تدرك بوهمكَ السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك، فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف أبصارُ العيون»(٣) .

١٠ - وعن محمد بن الفضيل قال:

«سألتُ أبا الحسنعليه‌السلام :

- هل رأى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربَّه عزّ وجلّ؟ فقالعليه‌السلام :

- نعم بقلبه رآه، أما سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول:( ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأَى ) (٤) ، أي لم يره بالبصر، ولكن رآه بالفؤاد«(٥) .

١١ - وروي عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في قول اللّه عزّ وجلّ:( وُجُوهٌ يَومئِذٍ

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ص: ١١٢ - ١١٣.

(٢) الانعام: ١٠٣.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ١٢، ص: ١١٣.

(٤) النجم: ١١.

(٥) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ١٧، ص: ١١٦.

٤٨٩

ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها نَاظِرَةٌ ) (١) ، قالعليه‌السلام :

«يعني مشرقة تنتظر ثواب ربِّها»(٢) .

١٢ - روي عن أبي بصير أنَّه قال:

«قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام :

- أخبرني عن اللّه عزّ وجلّ هل يراه المؤمنونَ يومَ القيامة؟ قالعليه‌السلام :

- نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت:

متى؟ قالعليه‌السلام :

- حين قال لهم:( أَلستُ بِرِّبكُم قالُوا بَلى ) (٣) ، ثم سكت ساعةً ثم قالعليه‌السلام :

- وانَّ المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألستَ تراهُ في وقتكَ هذا؟ قال أبو بصير: فقلتُ له:

- جُعلتُ فداك، فاُحدِّث بهذا عنكَ؟ فقالعليه‌السلام :

- لا، فانّكَ إذا حدَّثتَ به فأنكره منكر، جاهل بمعنى ما تقوله، ثمَّ قدَّرَ انّ ذلكَ تشبيه كَفَرَ، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى اللّه عمّا يصفه المشبّهونَ والملحدون»(٤) .

١٣ - روي عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:

«قلت لعلي بن موسى الرضاعليه‌السلام :

- يا ابن رسول اللّه ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث: أنَّ المؤمنين يزورونَ ربَّهم من منازلهم في الجنة؟ فقالعليه‌السلام :

- يا أبا الصلت، انَّ اللّه تبارك وتعالى، فضَّل نبيَّه محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع خلقه من

____________________

(١) القيامة: ٢٢ - ٢٣.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ١٩، ص: ١١٦.

(٣) الاعراف: ١٧٢.

(٤) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٢٠، ص: ١١٧.

٤٩٠

النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته، ومتابعته متابعته، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته، فقال عزّ وجلّ:( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطاعَ اللّهَ ) (١) ، وقال:( إنَّ الَّذِينَ يُبايِعونَكَ إِنَّما يُبايعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوقَ أَيدِيهمِ ) (٢) وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (مَن زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار اللّه)، درجةُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجنة أرفع الدرجات، فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله، فقد زار اللّهَ تبارك وتعالى.

قال: فقلتُ له:

- يا ابن رسول اللّه، فما معنى الخبر الذي رووه أنَّ ثواب لا اله إلا اللّه النظر إلى وجه اللّه؟ فقالعليه‌السلام :

- يا أبا الصلت! مَن وصفَ اللّهَ بوجهٍ كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه اللّه أنبياؤه ورسله وحججه صلوات اللّهِ عليهم، هم الذي بهم يُتوجّه إلى اللّه والى دينه ومعرفته، وقد قال اللّه عزّ وجلّ:( كُلُّ مَن عَلَيها فَانٍ* وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ) (٣) ، وقال اللّه عزّ وجلّ:( كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلا وَجهَهُ ) (٤) فالنظر إلى أنبياء اللّه ورسله وحججهعليهم‌السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مَن أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة، وقالعليه‌السلام : (انَّ فيكم مَن لا يراني بعد أن يفارقني) يا أبا الصلت، انَّ اللّه تبارك وتعالى لا يوصف بمكانٍ، ولا تدركه الابصار والأوهام.»(٥) .

١٥ - روي عن علي بن محمد بن الجهّم قال:

«حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسىعليه‌السلام ، فقال له المأمون:

- يا ابن رسول اللّه، أليسَ من قولكَ أنَّ الأنبياء معصومون؟ قالعليه‌السلام :

_________________________

(١) النساء: ٨٠.

(٢) الفتح: ١٠.

(٣) الرحمن: ٢٦ - ٢٧.

(٤) القصص: ٨٨.

(٥) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٢١، ص: ١١٧ - ١١٨.

٤٩١

- بلى.

فسأله عن آيات من القرآن، فكانَ فيما سأله أن قال له:

- فما معنى قول اللّه عزّ وجلّ:( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِني أَنظر إِلَيكَ قَال لَن تَراني وَلكِنِ انظر إِلى الجَبَلِ فَإِن استَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَراني فَلَمَّا تَجلَّى رَبُّهُ للجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعقِاً فَلَمَّا أَفاقَ قَالَ سُبحانَكَ تُبتُ إِليكَ وَأَنا أَوَّلُ المُؤمِنينَ ) (١) كيف يجوز أن يكون كليم اللّه موسى بن عمرانعليه‌السلام لا يعلم أنَّ اللّه تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ فقال الرضاعليه‌السلام :

- انَّ كليم اللّه موسى بن عمرانعليه‌السلام علم انَّ اللّه تعالى عن أن يُرى بالابصار، ولكنَّه لما كلّمه اللّه عزّ وجلّ، وقَّربه نجيّاً، رجع إلى قومه فأخبرهم أنَّ اللّه عزّ وجلّ كلَّمه، وقرَّبه وناجاه، فقالوا: لن نؤمنَ لك حتى نسمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمائة ألف رجل، فاختار منهم سبعينَ ألفاً، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربِّه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسىعليه‌السلام إلى الطور، وسأل اللّه تبارك وتعالى أن يكلّمه ويسمعهم كلامه، فكلّمه اللّه تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأنَّ اللّه عزّ وجلّ أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لكَ بأنَّ هذا الذي سمعناه كلام اللّه حتى نرى اللّه جهرةً، فلمّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث اللّه عزّ وجلّ عليهم صاعقةً فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسىعليه‌السلام : يا ربَّ ما أقول لبني اسرائيل إذا رجعت اليهم وقالوا: إنكَ ذهبت بهم فقتلتهم لانكَ لم تكن صادقاً فيما ادّعيت، من مناجاة اللّه إيّاك، فأحياهم اللّه وبعثهم معه، فقالوا: إنكَ لو سألت اللّه أن يرَيكَ أن تنظر إليه لأجابكَ، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حقَّ معرفته، فقال موسىعليه‌السلام : يا قوم انَّ اللّه لا يُرى بالابصار ولا كيفية له، وانما يُعرف بآياته،

____________________

(١) الاعراف: ١٤٣.

٤٩٢

ويُعلم بأعلامه، فقالوا: لن نؤمنَ لكَ حتى تسأله، فقال موسى: يا ربِّ إنكَ قد سمعتَ مقالة بني اسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى اللّه جلَّ جلالُه إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن اؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسىعليه‌السلام : (رَبِّ أَرِني أَنظُر إِليكَ قَالَ لَن تَراني وَلكِنِ انُظر إِلى الجَبَلِ فَإِن استقَّر مَكانَهُ - وهو يهوي - فَسوفَ تَراني فَلَمَّا تَجلّى رَبُّهُ للجَبَلِ - بآيةٍ من آياته - جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قَالَ سُبحانَكَ تُبتُ إِلَيكَ - يقول: رجعت الى معرفتي بك عن جهل قومي - وأنا أول المؤمنين) - منهم بأنَكَ لا تُرى -.

فقال المأمون:

- للّه درّك يا أبا الحسن»(١) .

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٨، ح: ٢٤، ص: ١٢١ - ١٢٢.

٤٩٣

٣ - تأويل ظواهر الآيات الدالة على التشبيه والتجسيم

١ - قوله تعالى:( كُلُ شَيءٍ هالِكٌ إِلا وَجهَهُ ) (١) .

عن أبي حمزة قال قلتُ لأبي جعفرٍعليه‌السلام قول اللّه عزّ وجلّ:( كُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إِلا وَجهَه ) ؟ فقالعليه‌السلام :

«فيهلك كل شيء ويبقى الوجه؟ إنَّ اللّه عزّ وجلّ أعظم من أن يوصف بالوجه، ولكنَّ معناه: كل شيء هالك إلا دينه، والوجه الذي يؤتى منه»(٢) .

وعن الحارث بن المغيرة النصري قال سألتُ أبا عبد اللّه عن قول اللّه عزّ وجلّ:( كُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إِلا وَجهَهُ ) فقال:

«كل شيء هالك إلا مَن أخَذ طريق الحق»(٣) .

وعن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام في قول اللّه عزّ وجلّ:( كُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إِلا وَجهَهُ ) انَّهعليه‌السلام قال: «مَن أتى اللّهَ بما اُمر به من طاعة محمد والأئمة من بعده صلوات اللّه عليهم فهو الوجه الذي لا يهلك، ثم قرأعليه‌السلام :( من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطاعَ اللّهَ ) (٤) »(٥) .

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام انه قال:

«نحن وجه اللّه الذي لا يهلك»(٦) .

وعن أبي جعفرعليه‌السلام انه قال:

«نحن المثاني التي أعطاها اللّه نبَّيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن وجه اللّه نتقلَّب في الأرض بين

____________________

(١) القصص: ٨٨.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٢، ح: ١، ص: ١٤٩.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٢، ح: ٢، ص: ١٤٩.

(٤) النساء: ٨٠.

(٥) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٢، ح: ٣، ص: ١٤٩.

(٦) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٢، ح: ٤، ص: ١٥٠.

٤٩٤

أظهركم، عرفنا من عرفنا، ومَن جهلنا فأمامه اليقين»(١)

قال الشيخ الصدوق بعد إيراد هذا الحديث:

«معنى قوله: نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى القرآن، وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا، فأخبر اُمته بأن لا نفترق حتى نرد عليه حوضه».

٢ - قوله تعالى:( يا إِبليسُ ما مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لمِا خَلَقتُ بِيدَيَّ ) (٢) .

عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام فقلت: قوله عزّ وجلّ:( يا إَبليسُ ما مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لمِا خَلَقتُ بِيَدَيَّ ) ، فقالعليه‌السلام :

«اليد في كلام العرب القوة والنعمة، قال:( وَاذكُر عَبدَنا داوُدَ ذا الأَيدِ ) (٣) .

وقال:( وَالسَّماءَ بَنَيناها بِأَيدٍ ) (٤) ، أي: بقوةٍ، وقال:( وأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنهُ ) (٥) ، أي: قوّة، ويقال: لفلان عندي ايادي كثيرة، أي فواضل وإحسان، وله عندي يد بيضاء، أي: نعمة»(٦) .

وعن محمد بن عبيدة قال: سألتُ الرضاعليه‌السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ لابليس:( ما مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لمِا خَلَقتُ بِيَدَيَّ أَستَكبَرتَ ) ، فقالعليه‌السلام :

«يعني بقدرتي وقوّتي»(٧) .

٣ - قوله تعالى:( يَومَ يُكشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدعَونَ إِلى السُّجُودِ ) (٨) .

ورد عن أبي الحسنعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ:( يَومَ يُكشَفُ عَن سَاقٍ ) أنَّه

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٢، ح: ٦، ص: ١٥٠.

(٢) ص: ٧٥.

(٣) ص: ١٧.

(٤) الذاريات: ٤٧.

(٥) المجادلة: ٢٢.

(٦) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٣، ح: ١، ص: ١٥٣.

(٧) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٣ ح: ٢، ص: ١٥٣ - ١٥٤.

(٨) القلم: ٤٢.

٤٩٥

قالعليه‌السلام : «حجاب من نور يُكشف، فيقع المؤمنون سجّداً، وتُدمج أصلاب المنافقين، فلا يستطيعونَ السجود»(١) .

وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (يَومَ يُكشَفُ عَن سَاقٍ ) ، قال: كشَفَ ازاره عن ساقه ويده الاخرى على رأسه، فقال:

«سبحانَ ربي الأعلى»(٢) .

قال الشيخ (الصدوق) بعد ايراد هذا الحديث:

«معنى قوله: (سبحان ربي الاعلى) تنزيه للّه عزّ وجلّ أن يكونَ له ساق».

٤ - قوله تعالى:( الرَّحمنُ عَلى العرشِ استَوى ) (٣) .

سُئلَ أبو عبد اللّهعليه‌السلام عن قول اللّه عزَّ وجلَّ:( الرَّحمنُ عَلى العَرشِ استَوى ) فقالعليه‌السلام :

«استوى على كلّ شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء»(٤) .

وعن عبد الرحمن الحجاج قال: سألتُ أبا عبد اللّهعليه‌السلام عن قول اللّه تعالى:( الرَّحمنُ عَلى العَرشِ استَوى )، فقالعليه‌السلام :

«استوى في كلّ شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى في كلّ شيء»(٥) .

٥ - قوله تعالى:( اللّهُ نُورُ السَّمواتِ والأَرضِ ) (٦) .

عن العباس بن هلال قال: سألتُ الرضاعليه‌السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:( اللّهُ نُورُ السَّمواتِ والأَرضِ ) ، فقالعليه‌السلام :

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٤، ح: ١، ص: ١٥٤.

(٢) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٤، ح: ٣، ص: ١٥٥.

(٣) طه: ٥.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الحركة والانتقال، ح: ٦، ص: ١٢٧.

(٥) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الحركة والانتقال، ح: ٨، ص: ١٢٨.

٤٩٦

«هادٍ لأهل السماء، وهادٍ لأهل الأرض»(١) .

٦ - قوله تعالى،( وُجُوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (٢) .

روي عن الامام الرضاعليه‌السلام انّه قال في هذهِ الآية:

«يعني مشرقة تنتظر ثواب ربِّها»(٣) .

٧ - قوله تعالى:( وَجَاءَ رُّبكَ والمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ) (٤) .

سئل الامام الرضاعليه‌السلام عن الآية الكريمة فقال:

«إنَّ اللّه لا يوصف بالمجيء والذهاب والانتقال، انَّما يعني بذلك: وجاءَ أمرُ رَبك»(٥) .

٨ - قوله تعالى:( وَتَركَهُم في ظُلُماتٍ لا يُبصرونَ ) (٦) .

عن إبراهيم بن أبي محمود قال: سألتُ أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:( وَتَركَهمُ في ظُلُماتٍ لا يُبصِروُن ) فقالعليه‌السلام :

«إنَّ اللّه تبارك وتعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، ولكنَّه متى علم أنَّهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف، وخلّى بينهم وبين اختيارهم«(٧) .

٩ - قوله تعالى:( نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُم ) (٨) .

عن عبد العزيز بن مسلم انّه سئل الامام الرضاعليه‌السلام عن قوله تعالى:( نَسُوا اللّهَ

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٥، ح: ١، ص: ١٥٥.

(٢) القيامة: ٢٢ - ٢٣.

(٣) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ٢، رقم: ٢٨٧، ص: ٣٨٢.

(٤) الفجر: ٢٢.

(٥) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ٢، رقم: ٢٩٧، ص: ٣٨٩.

(٦) البقرة: ١٧.

(٧) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ٢، رقم: ٣٠٣، ص: ٣٩٦.

(٨) التوبة: ٦٧.

٤٩٧

فَنَسِيَهُم ) ، فقالعليه‌السلام :

«إنَّ اللّه تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو، وانّما ينسى ويسهو المخلوق المحدَث، ألا تسمعه عزّ وجلّ يقول:( ومَا كَانَ ربُّكَ نَسِيّاً ) (١) ، وانّما يجازي مَن نسيه، ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عزّ وجلّ،( وَلا تكوُنوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنساهُم أَنفسَهُم أُولئُك هُم الفاسِقُونَ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ:( فَاليَومَ نَنساهُم كَما نَسُوا لِقاءَ يَومِهِم هذا ) (٣) ، أي: نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا»(٤) .

١٠ - قوله تعالى:( والأَرضُ جَميعاً قَبضَتُهُ يَومَ الِقيامَةِ والسَّمواتُ مَطوِيّاتٌ بِيَمينِهِ ) (٥) .

عن سليمان بن مهران قال: سألتُ أبا عبد اللّهعليه‌السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:( والأَرضُ جَميعاً قَبضَتُه يَومَ القِيامَةِ ) ، فقالعليه‌السلام :

«يعني ملكه، لا يملكها معه أحد، والقبض من اللّه تبارك وتعالى في موضع آخر: المنع، والبسط منه: الاعطاء والتوسيع، كما قال عزّ وجلّ:( واللّهُ يَقبِضُ وَيَبسُطُ وَإِلَيهِ تُرجَعوُنَ ) (٦) ، يعني: يعطي ويوسّع، ويمنع ويضيِّق، والقبض منه عزَّ وجلَّ في وجهٍ آخر: الأخذ، والأخذ في وجهٍ: القبول منه كما قال:( وَيَأخُذُ الصَّدَقاتِ ) (٧) ، أي: يقبلها من أهلها ويثيب عليها، قال: قلتُ: فقوله عزّ وجلّ:( وَالسَمواتُ مَطوِيّاتٌ بِيَمينِهِ ) ؟ فقالعليه‌السلام : اليمين اليد، واليد: القدرة والقوة، يقول اللّه عزَّ وجل: والسماوات مطويات

____________________

(١) مريم: ٦٤.

(٢) الحشر: ١٩.

(٣) الاعراف: ٥١.

(٤) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٦، ح: ١، ص: ١٥٩ - ١٦٠.

(٥) الزمر: ٦٧.

(٦) البقرة: ٢٤٥.

(٧) التوبة: ١٠٤.

٤٩٨

بقدرته وبقوته، سبحانه وتعالى عمّا يشركون»(١) .

١١ - قوله تعالى:( كَلاَّ إِنَّهُم عَن ربِّهِم يَومَئِذٍ لمحجوُبُون ) (٢) .

سئُل الامام الرضاعليه‌السلام عن الآية الكريمة فقالعليه‌السلام :

«إنَّ اللّهَ تبارك وتعالى لا يوصف بمكانٍ يحلّ فيه فيُحجب عنه فيه عباده، ولكنّه يعني: انَّهم عن ثواب ربِّهم لمحجوبون»(٣) .

١٢ - قوله تعالى:( بَل يَداهُ مَبسُوطَتانِ ) (٤) .

عن عبد اللّه بن قيس، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سمعتُه يقول( بَل يَداهُ مَبسُوطَتانِ ) فقلت له:

- يدان هكذا، وأشرتُ بيديَّ إلى يدهِ، فقالعليه‌السلام :

«لا، ولو كانَ هكذا لكان مخلوقاً»(٥) .

١٣ - قوله تعالى:( ومَن يَحلِل عَلَيهِ غَضَبِي فَقَد هَوَى ) (٦) .

روي انَّه دخل عمرو بن عبيد في مجلس أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال له:

- جعلتَ فداكَ، قول اللّه تبارك وتعالى:( ومَن يَحلِل عَليهِ غَضَبِي فَقَد هَوَى ) ما ذلكَ الغضب؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام :

«هو العقاب يا عمرو، انَّه من زعَمَ انَّ اللّه عزّ وجلّ زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق، انَّ اللّه عزّ وجلّ لا يستفزّه شيء ولا يغيّره»(٧) .

وروي بهذا الصدد أيضاً أنَّ رجلاً سأل الامامَ الصادقعليه‌السلام عن اللّه تبارك وتعالى

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٧، ح: ٢، ص: ١٦١ - ١٦٢.

(٢) المطففين: ١٥.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ١٨، ح: ١، ص: ١٦٢.

(٤) المائدة: ٦٤.

(٥) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢٥، ح: ٢، ص: ١٦٨.

(٦) طه: ٨١.

(٧) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢٦، ح: ١، ص: ١٦٨.

٤٩٩

له رضاً وسخط؟ فقالعليه‌السلام :

«نعم، وليس ذلكَ على ما يوجد من المخلوقين، وذلكَ انَّ الرضا والغضب دِخال يدخل عليه، فينقله من حالٍ الى حال، معتمَل، مركّب، للاشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخَلَ للاشياء فيه، واحد، أحديّ الذات، وأحدي المعنى، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه، من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حالٍ إلى حال، فانَّ ذلكَ صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القويّ العزيز لا حاجة به الى شيء، وخلقه جميعاً، محتاجونَ إليه، انَّما خلقَ الاشياء من غير حاجةٍ ولا سبب إختراعاً وابتداعاً»(١) .

١٤ - قوله تعالى:( وَنَفَختُ فِيهِ مِن روحي ) (٢) .

روى زرارة عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام أنَّه قال في الآية الكريمة:

«انَّ اللّه تبارك وتعالى أحد، صمد، ليس له جوف، وانّما الروح خلق من خلقه نصرٌ وتاُييد وقوّة، يجعله اللّه في قلوب الرسل والمؤمنين»(٣) .

وعن محمد بن مسلم قال: سألتُ أبا جعفرعليه‌السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:( وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُّوحي ) فكيف هذا النفخ؟ فقالعليه‌السلام :

«انَّ الروح متحرك كالريح، وانّما سمي روحاً لانَّه اشتق اسمه من الريح، وانّما أخرجه على لفظ الروح، لأنَّ الروح مجانس للريح، وانّما أضافه إلى نفسه لأنَّه اصطفاه على سائر الارواح، كما اصطفى بيتاً من البيوت، فقال: بيتي، وقال لرسولٍ من الرسل: خليلي، وأشباه ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبَّر»(٤) .

وورد عن أبي جعفر في قوله تعالى:( وَنَفختُ فِيهِ مِن رُّوحي ) انه قالعليه‌السلام :

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢٦، ح: ٣، ص: ١٦٩ - ١٧٠.

(٢) الحجر: ٢٩، و ص: ٧٢.

(٣) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢٧، ح: ٢، ص: ١٧١.

(٤) أبو جعفر الصدوق، التوحيد، باب: ٢٧، ح: ٣، ص: ١٧١.

٥٠٠