البدعة

البدعة0%

البدعة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 610

البدعة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 610
المشاهدات: 148772
تحميل: 8454

توضيحات:

البدعة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 610 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148772 / تحميل: 8454
الحجم الحجم الحجم
البدعة

البدعة

مؤلف:
العربية

فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى»(١) .

الخط الثالث: ضرورة عرض المعضلات على الكتاب والسنّة

يتمثل الخط الثالث من خطوط حصانة التشريع الالهي بالتشديد على ضرورة عرض الامور المعضلة والمشتبهة على كتاب اللّه الكريم وسنة رسوله القطعية، فما وافقهما من تلكَ الامور فهو مقبول، وما خالفهما فهو مرفوض يجب القاؤُه والتخلّي عنه، فقد ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع أنه قال:

«قد كثرت عليَّ الكذّابة وستكثر، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه وسنتي، فما وافق كتاب اللّه وسنتي فخذوا به، وما خالفَ كتاب اللّه وسنتي فلا تأخذوا به»(٢) .

وذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام ذلك في عهده لمالك الاشتر حيث يقول:

«واردد إلى اللّه ورسوله ما يضلعكَ من الخطوب، ويشتبه عليكَ من الامور، فقد قال اللّه سبحانه لقومٍ أحبَّ إرشادهم:( يَا أيُّها الذِينَ آمَنوا أَطِيعوا اللّهَ وَأطِيعوا الرَّسولَ واُولي الأَمرِ مِنكُم فَإن تَنازَعتم فِي شَيءٍ فَردُّوهُ إِلى اللّهِ وَالرسُولِ ) (٣) ، فالرد إلى اللّه الأخذ بمحكم كتابه، والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة»(٤) .

وعن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

____________________

(١) محمّد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الاقتصاد في العبادة، ح: ١: ص: ٨٦.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب ٢٩، ح: ٢، ص: ٢٢٥.

(٣) النساء: ٥٩.

(٤) نهج البلاغة، الكتاب / ٥٣.

٤١

«إذا حُدثتم عنّي بالحديث فانحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتابَ اللّه فأنا قلته، وان لم يوافق كتاب اللّه فلم أقله»(١) .

وعنه أيضاًعليه‌السلام انَّه قال:

«كل شيءٍ مردود إلى الكتاب والسنّة، وكل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف»(٢) .

الخط الرابع: التوقّف عند الشبهات

اكّدت الشريعة على ضرورة التوقف عند الشبهات، وعدم اقتحامها، وضرورة التثبّت عندها، من أجل الاحتياط في الدين، وضمان سلامة التحرك في حدوده المشروعة وفي ضمن اطاراته المقررة، ولكي لا يقع المكلف في مخالفة شرعية ولو على مستوى الاحتمال، حرصاً على ايجاد الفواصل المنيعة بين المحللات والمحرّمات، وتلافياً لاحتمال اختلاط بعضها بالبعض الآخر.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة، ألا وقد بيَّنهما اللّه عزَّ وجلَّ في الكتاب، وبيَّنتُها في سيرتي وسنتي، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي، مَن تركها صلح له أمر دينه، وصلحت له مروته وعرضه، ومَن تلبَّس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى، ومَن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه أن يرعاها في الحمى، ألا وانَّ لكل ملكٍ حمى، ألا وانَّ حمى اللّه عزَّ

____________________

(١) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ١٣٠، ص: ٣٤٨.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب، ح: ٣، ص: ٦٩.

٤٢

وجلَّ محارمه، فتَوقّوا حمى اللّه ومحارمه»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«دع ما يريبكَ إلى ما لا يريبك، فانكَ لن تجد فقدَ شيءٍ تركته للّه عزّ وجلَّ»(٢) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيته لكميل بن زياد أنه قال:

« يا كميل أخوكَ دينكَ فاحتط لدينك بما شئت»(٣) .

وعن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام أنه قال:

«الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، وتركُكَ حديثاً لم تروه خير من روايتكَ حديثاً لم تحصه»(٤) .

وعنه أيضاًعليه‌السلام أنه قال: «أورع الناس مَن وقفَ عند الشبهة»(٥) .

الخط الخامس: الرجوع في تفاصيل التشريع إلى العلماء

تظافرت الادلة على أمرِ ارجاع الشريعة الاسلامية مكلَّفيها إلى العلماء المؤتمنين على الدين في فروع المسائل الشرعية وتفصيلاتها، والترغيب في طلب المعرفة قدر المستطاع، قال تعالى:

( فَلولا نَفرَ مِن كُلِّ فِرقةٍ مِنهم طَائِفة لِيَتفقهُوا فِي الدِّينِ وَلينذِروا قَومَهم إذَا رَجعُوا إِليهِم لَعلَّهُم يَحذَرونَ ) (٦) .

_____________________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣١، ح: ١٧، ص: ٢٦٠.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣١، ح: ١٦، ص: ٢٦٠.

(٣) محمد بن النعمان المفيد، الأمالي، ص: ٢٨٣.

(٤) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ١٠١، ص: ٣٤٠.

(٥) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣١، ح: ٢، ص: ٢٥٨.

(٦) التوبة: ١٢٢.

٤٣

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال:

«عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد».

وعن معاوية بن عمّار قال:

«قلتُ لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : رجل راوية لحديثكم يبث ذلكَ في الناس، ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ولعلَّ عابداً من شيعتكم ليس له هذه الرواية، أيهما أفضل؟ قال: الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد».

وعن عبد السلام بن صالح الهروي قال:

«سمعتُ الرضاعليه‌السلام يقول: رحمَ اللّهُ عبداً أحيى أمرنا، قلت: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس».

وقد حمَّلت الشريعة هؤلاء العلماء وظيفة حفظ معالم التشريع، واستفراغ الوسع في الذب عن حريم الاسلام العظيم، واعلاء كلمته، وادامة خط الانبياء والمرسلينعليهم‌السلام في تبليغ الرسالة، وأدائها للناس، وفي تحّمل مهامهم الجسيمة، ووظائفهم الثقيلة، فيكونوا بذلك ورثة حقيقيين لمعارفهم وعلومهم، فقد ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول اللّه، ومَن خلفاؤك؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«الفقهاء اُمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول اللّه، وما دخولهم في

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول في الكافي، ج: ١ باب: صفة العلم وفضله، ح: ٨، ص: ٣٣.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: صفة العلم وفضله، ح: ٩، ص: ٣٣.

(٣) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ١٨، الباب - ١١ - من أبواب صفات القاضي، ح: ١١ ص ١٠٢.

(٤) أبو جعفر الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه، تعليق: علي اكبر الغفاري، ج: ٤، ح: ٥٩١٩، ص: ٤٢٠.

٤٤

الدنيا؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتباع السلطان، فان فعلوا ذلك، فاحذروهم على دينكم»(١) .

ولم يكن هذا التأهيل تأهيلاً عفوياً، وانّما كان مبنياً على اُسس موضوعية دقيقة، ومؤهلات ذاتية مقوِّمة، فقد افترضت الشريعة الاسلامية في هؤلاء العلماء المتصدين شروطاً دقيقة وحساسة ترشحهم لهذا المنصب الخطير، فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام في قول اللّه عزَّ وجلَّ:( إِنّما يخشَى اللّهَ مِن عِبادهِ العُلماءُ ) (٢) ، قال:

«يعني بالعلماء: مَن صدقَ فعلهُ قولَه، ومَن لم يصدق فعله قوله فليس بعالمٍ»(٣) .

وورد عن الامام العسكريعليه‌السلام أنه قال:

«مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»(٤) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«ألا اُخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ مَن لم يُقَنِّط الناس من رحمة اللّه، ولم يؤمّنهم من عذاب اللّه، ولم يرخّص لهم في معاصي اللّه، ولم يترك القرآن رغبةً عنه إلى غيره، ألا لا خير في علمٍ ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءةٍ ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر»(٥) .

وعن الامام الرضاعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ من علامات الفقيه الحلم والصمت»(٦) .

فلاذا توفرت هذه الشروط والمؤهلات في عالم معيَّن وجب على العوام الرجوع إليه

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: المستأكل بعلمه، ح: ٥، ص: ٤٦.

(٢) فاطر: ٢٨.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، كتاب العلم، باب: ١١، ح: ٤١، ص: ٥٩.

(٤) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج: ٢، ص: ٤٥٨.

(٥) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: صفة العلماء، ح: ٣، ص: ٣٦.

(٦) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: صفة العلماء، ح: ٤، ص: ٣٦.

٤٥

في شؤون، دينهم وتحتم عليهم أن يأخذوا عنه معالم التشريع، فقد ورد عن اسحاق بن يعقوب انه قال:

«سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمانعليه‌السلام . وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه عليهم»(١) .

وعن أبي يعفور قال:

«قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : أنه ليس كلّ ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني، وليس عندي كل ما يسألني عنه، فقالعليه‌السلام : فما يمنعكَ من محمّد بن مسلم الثقفي؟ فانه قد سمع عن أبي وكان عنده وجيهاً»(٢) .

وعن الحسن بن علي بن يقطين قال:

«قلت لابي الحسن الرضاعليه‌السلام : جُعلت فداكَ لا أكاد أصل اليكَ لأسئلكَ عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقالعليه‌السلام : نعم»(٣) .

ومن جانب اخر نجد أنَّ الشريعة قد أوصت هؤلاء العلماء المتصدّين لأمر الفتيا في الدين بالتقيّد بالحجة، واعتماد الدليل المقر من قبل الشريعة، وأن يوثِّقوا كل ما يصدر عنهم من أقوال في شأن التشريع بالأدلة والبراهين والمدارك المعتبرة، كما جاء التحذير الشديد عن مخالفة هذه الضوابط والحدود، والافتاء للناس من غير علم، فقد قال تعالى:

( وَلا تَقوُلوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكمُ الكَذِبَ هَذَا حَلال وَهذَا حَرَام لِتَفتروا عَلَى

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، تعليق: علي اكبر الغفاري، ج: ٢، باب: ٤٥، ح: ٤، ص: ٤٨٣.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، كتاب: العلم، ج: ٢، ح: ٦٠، ص: ٢٤٩.

(٣) النجاشي، رجال النجاشي، ج: ٢، ص: ٤٢١.

٤٦

اللّهِ الكَذِبَ إنَّ الِذينَ يَفَترونَ عَلَى اللّهِ الكذِبَ لا يُفلِحونَ ) (١) .

وقال تعالى:

( وَمَن أظلمُ مِمنِ افترَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أو كذَّبَ بآيَاتِهِ إنَّه لا يُفلحُ الظالِمُونَ ) (٢) .

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال:

«مَن أفتى الناس بغير علمٍ ولاهدىً لعنته ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، ولحقه وزر مَن عمل بفتياه»(٣) .

وعن زرارة بن أعين قال:

«سألت أبا جعفرعليه‌السلام : ما حق اللّه على العباد؟ فقالعليه‌السلام : أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عند ما لا يعلمون»(٤) .

وعن المفضل بن يزيد قال:

«قال لي أبو عبد اللّهعليه‌السلام : أنهاكَ عن خصلتين فيهما هلاك الرجال: أنهاكَ أن تدينَ اللّه بالباطل، وتفتي الناس بما لا تعلم»(٥) .

الخط السادس: عدم جواز الاجتهاد في مقابل التشريع

يتمثل الخط السادس ببيان أنَّ التشريع الالهي أمر توقيفي لا يجوز الاجتهاد في مقابله، أو الادلاء برأي شخصي في شأنه، لأنّه صادر من الكمال المطلق المحيط بكل

____________________

(١) النحل: ١١٦.

(٢) الانعام: ٢١.

(٣) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: النهي عن القول بغير علم، ح: ٣، ص: ٤٢.

(٤) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: النهي عن القول بغير علم، ح: ٧، ص: ٤٣.

(٥) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: النهي عن القول بغير علم، ح: ١، ص: ٤٢.

٤٧

جزئيات الحياة، والمستوعب لمختلف أجوائها وظروفها، والتشديد على أية ظاهرة تشريعية تحاول أن تحدث منفذاً في هذا الاطار العام، أو تصنع نفسها بديلاً عن القوانين الالهية الشاملة، وكان بسبب ذلك أن حذَّرت الشريعة الاسلامية تحذيراً شديداً من الكذب والافتراء على اللّه ورسوله، من خلال حشد كبير من الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة، فمن ذلك قوله تعالى:

( فَمن أظَلمُ مَمنِ افترى عَلى اللّهِ كَذِباً أو كَذَّبَ بِآيَاتهِ إِنَّهُ لا يُفلحُ المُجرِمونَ ) (١) .

وقوله تعالى:( قُل أَرأيتُم مَّا أَنزَل اللّهُ لَكُم مِن رِزقٍ فَجَعلتُم مِنُه حَرَاماً وَحَلالاً قُل اللّه أذِنَ لَكُم أم عَلى اللّهِ تَفترونَ. ) (٢) .

وقوله تعالى:( إنّمَا يَفترِي الكَذِبَ الَّذينَ لا يؤمِنونَ بِآيَاتِ اللّهِ ) (٣) .

وقوله تعالى:( وَلا تَقولُوا لِما تَصِف الِسنتُكم الكَذِبَ هَذَا حَلال وَهَذَا حَرام لِتفترُوا عَلَى اللّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفترُون عَلَى اللّهِ الكَذِب لا يُفلحُون ) (٤) .

وقوله تعالى:( وَيَومَ القِيامَةِ تَرى الَّذِينَ كَذبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوههُم مُّسوَدّة أليسَ فِي جَهنَّم مَثوى لِلمُتكَبرِينَ ) (٥) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال:

«اتقوا تكذيب اللّه!، قيل: يا رسول اللّه وكيف ذاك؟ قال: يقول أحدكم: قال اللّه، فيقول اللّه عزَّ وجلَّ: كذبت لم أقله، ويقول لم يقل اللّه، فيقول عزَّ وجلَّ: كذبت قد

____________________

(١) يونس: ١٧.

(٢) يونس: ٥٩.

(٣) النحل: ١٠٥.

(٤) النحل: ١١٦.

(٥) الزمر: ٦٠.

٤٨

قلته»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن قال عليَّ ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار»(٢) .

وفي حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»(٣) .

وعن الامام الرضاعليه‌السلام أنه قال:

«واللّه ما أحد يكذّب علينا إلا ويذيقه اللّه حرَّ الحديد»(٤) .

كما حذَّرت الشريعة تحذيراً شديداً من أي لونٍ من ألوان الاستدلال العقلي الذي لا يحمل غطاءاً شرعياً، ولا يستند إلى اساس راسخٍ في الدين، من أمثال الرأي والقياس والاستحسان، وغلَّظت على هذه الحالة الدخيلة في مجموعة كبيرة من الآيات والروايات أيضاً، قال تعالى:

( وَمَن أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ ) (٥) .

وقال تعالى:( وَلا تَتبعِ الهَوى فَيضلكَ عَن سَبيلِ اللّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضلّونَ عَن سَبيلِ اللّهِ لَهُم عَذاب شَدِيد بِمَا نَسُوا يَومَ الحِسابِ ) (٦) ، وقال تعالى:( أَم لَهُم شُركَاء شَرعُوا لَهمُ مِن الدِينِ مَا لَم يَأذَن بِهِ اللّهُ ) (٧) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ١٦، ح: ١٦، ص: ١١٧.

(٢) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج ١، ح ٣٧٤، ص: ٢٠٩.

(٣) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: ١، باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ص: ١٣ ح: ٣٠ و ٣٣.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ١٦، ح: ١٨، ص: ١١٧.

(٥) القصص: ٥٠.

(٦) ص: ٢٦.

(٧) حمعسق: ٢١.

٤٩

«قال اللّه جلَّ جلاله: ما آمن بي مَن فسَّر برأيه كلامي، وما عرفني مَن شبَّهني بخلقي، وما على ديني مَن استعمل القياس في ديني»(١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«لا رأي في الدين»(٢) .

وعن ابي جعفر الباقرعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ السنة لا تُقاس، وكيف تقاس السنة والحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة»(٣) .

وعن سعيد الاعرج قال:

«قلتُ لابي عبد اللّهعليه‌السلام : إنَّ من عندنا ممن يتفقه يقولون: يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب اللّه ولا في السنة، فنقول فيه برأينا، فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : كذبوا، ليس شيء إلا وقد جاءَ في الكتاب، وجاءت فيه السنة»(٤) .

وعن سماعة قال:

«قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : إنَّ عندنا مَن قد أدرك أباك وجدَّك وانَّ الرجل منّا يُبتلى بالشيء لا، يكون عندنا فيه شيء، فيقيس؟ فقال: إنَّما هلكَ مَن كان قبلكم حين قاسوا»(٥) .

____________________

(١) أبو جعفر الصدوق، أمالي الصدوق، المجلس الثاني، ح: ٣، ص: ١٥.

(٢) أبو جعفر البرقي، المحاسن، ج: ١، ح: ٧٨، ص: ٣٣٣.

(٣) أبو جعفر المحاسن، ج: ١، ح: ٩٥، ص: ٣٣٨.

(٤) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٤، ح: ٤٧، ص: ٣٠٤.

(٥) أبو جعفر البرقي، المحاسن ج: ١، ح: ٨٦، ص: ٣٣٥.

٥٠

الفصل الثاني : مواجهة الابتداع

١ - ذم البدع والتحذير منها.

٢ - التنكيل باصحاب البدع وذمّهم.

٣ - التأكيد على مقاطعة المبتدعين.

٤ - عدم قبول توبة المبتدع.

٥١

مواجهة الابتداع

من خلال هذا الاستعراض المجمل للخطوط الرئيسية التي تشكل مفردات الحصانة لوقاية التشريع من الدس والافتراء والتحريف. ندرك الفلسفة التي تقف وراء الكفاح النبوي اللاحب لمواجهة البدع ومحدثات الامور، والتشديد على مرتكبها بألوان التهديد والوعيد، وتحميل العلماء مسؤولية الذب عن الدين، وحماية حريمه ومقدساته ومضامينه، من خلال اظهار علومهم، ونشرمعارفهم، في حالة نشوء هذه المحدثات المعرقلة لحركة الشريعة، والمعطّلة لفاعليتها وتأثيرها في الحياة على الوجه المطلوب، وقد اعتبرت الشريعة العالم الذي لا يقوم بواجبه الديني عند بروز هذه الظواهر الخطيرة إنساناً خائناً لموقعه ورسالته في المجتمع، وكاتماً لما أنزله اللّه تعالى على نبيه الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تعاليم وأحكام، إذ انَّ هذا الذب والدفاع يعتبر من أبرز مهام العالم الديني الذي ائتمنته الشريعة على تعاليمها ومقدساتها، وأول الواجبات الملقاة على عاتقه في هذا السبيل، فقد ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«إذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«إذا ظهرت البدع، ولعن آخر هذه الامة أولها، فمن كان عنده علم فلينشره، فانَّ كاتم العلم يومئذٍ ككاتم ما أنزل اللّه على محمّد»(٢) .

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ٢، ص: ٥٤.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ٩٠٣، ص: ١٧٩.

٥٢

وعن الصادقينعليهما‌السلام انهما قالا:

«إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سُلب نور الايمان»(١) .

وسوف نستعرض معاً طائفة من الروايات التي واجهت ظاهرة الابتداع، وأكدت على استئصالها ضمن هذه العناوين:

١ - ذم البدع والتحذير منها:

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«الأمر المفظع، والحمل المضلع، والشر الذي لا ينقطع، إظهار البدع»(٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم»(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إيّاكم والبدع، فانَّ كلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة تسير إلى النار»(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن غشّ من امتي فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، قالوا: يا رسول اللّه:

____________________

(١) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ١١، كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، باب: ٤٠، ح: ص: ٥١٠.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠١، ص: ٢١٩.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١٠٩٣، ص: ٢١٨.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١١٢، ص: ٢٢١.

(٥) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١١٣، ص: ٢٢١.

٥٣

وما الغش؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها»(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لا يُقبل قول إلا بعمل، ولا يُقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا باصابة السنة»(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ألا وكل بدعة ضلالة، ألا وكل ضلالة في النار»(٣) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال:

«ما اُحدث بدعة إلا تُرك بها سنّة، فاتقوا البدع، والزموا المهيَع(٤) ، وانَّ عوازم الامور أفضلها، وانَّ محدثاتها شرارها»(٥) .

وعنهعليه‌السلام :

«أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تُتّبع، وأحكام تُبتدع، يُخالف فيها كتاب اللّه، يقلِّد فيها رجال رجالاً على غير دين اللّه»(٦) .

وعنهعليه‌السلام :

«إنَّ اللّه بعث رسولاً هادياً بكتابٍ ناطق وأمرٍ قائمٍ، لا يهلك عنه إلا هالك، وان المبتدعات المشبهات هنَّ المهلكات، إلا ما حفظ اللّه منها»(٧) .

____________________

(١) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١١٨، ص: ٢٢٢.

(٢) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٢، ح: ٢، ص: ٢٦١.

(٣) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٢، باب: ٣٢، ح: ١٢، ص: ٢٦٣.

(٤) المَهيَع: (بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء): الطريق الواسع البيِّن.

(٥) نهج البلاغة: الخطبة / ١٤٥.

(٦) نهج البلاغة: الكلام / ٥٠.

(٧) نهج البلاغة: الخطبة / ١٦٩.

٥٤

٢ - التنكيل بأصحاب البدع وذمهم

جاءَ عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«أصحاب البدع كلاب النار»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أهل البدع شر الخلق والخليقة»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يجيء قوم يُميتون السنّة، ويوغلونَ في الدين، فعلى اولئكَ لعنة اللّه، ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أدنى الشرك أن يبتدع الرجل رأياً فيحب عليه ويبغض عليه»(٤) .

وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَالذِينَ كَسبُوا السَّيئَاتِ جَزاءُ سَيِئةٍ بِمثلِهَا وَتَرهقُهم ذِلة مَا لَهم مِنَ اللّهِ مِن عَاصِمٍ ) (٥) قالعليه‌السلام :

«هؤلاء أهل البدع والشبهات والشهوات، يسوّد اللّهُ وجوههم ثم يلقونه»(٦) .

وعن يونس بن عبد الرحمن قال:

«قلت لابي الحسن الأولعليه‌السلام : بمَ أوحّد اللّه؟ فقال: يا يونس لا تكوننَّ مبتدعاً، مَن نظر برأيه هلكَ، ومَن ترك أهل بيت نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضلَّ، ومَن ترك كتاب اللّه وقول نبيه

____________________

(١) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١٠٩٤، ص: ٢١٨.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١٠٩٥، ص: ٢١٨.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٢٤، ص: ٢٢٣.

(٤) أبو جعفر الصدوق، ثواب الاعمال، تصحيح وتعليق وتقديم الشيخ حسين الأعلمي، ص: ٣٠٤.

(٥) يونس: ٢٧.

(٦) علي بن ابراهيم القمي، تفسير علي بن ابراهيم، ج: ١، ص: ٣١١.

٥٥

كفر»(١) .

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ما تقولونَ في قومٍ تدخل قادتهم الجنة وأتباعهم النار، قالوا: يا رسول اللّه: وان عملوا بمثل أعمالهم، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وان عملوا بمثل أعمالهم، يدخل هؤلاء بما سبق لهم الجنة، ويدخل هؤلاء بما أحدثوا النار»(٢) .

وعن عليعليه‌السلام انه قال:

«وآخر قد تسمّى عالماً وليس به، فاقتبس جهائل من جهّال، وأضاليل من ضلال. يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع، ويقول أعتزل البدع وبينها اضطجع، فالصورة صورة انسان، والقلب قلب حيوان»(٣) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى:( إنَّ الذِينَ فَرَّقوا دِينهم وَكانُوا شِيَعاً ) (٤) ، قال:

«هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء، ليس لهم توبة، أنا منهم بريء، وهم براء»(٥) .

وعن عليعليه‌السلام أنه قال:

«إنَّ من عزائم اللّه في الذكر الحكيم، التي عليها يثبب ويعاقب، ولها يرضى ويسخط، أنه لا ينفع عبداً - وان أجهدَ نفسه وأخلص فعله - أن يخرج من الدنيا لاقياً ربَّه بخصلةٍ من هذهِ الخصال لم يتب منها. أو يستنجح حاجةً إلى الناس باظهار بدعةٍ في

____________________

(١) محمد بن يعقوب الكليني، الاصول من الكافي، ج: ١، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: ١٠، ص: ٥٦.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٢٩، ص: ٢٢٣.

(٣) نهج البلاغة: خ / ٨٧.

(٤) الأنعام: ١٥٩.

(٥) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ٢٩٨٧، ص: ٢٢٣.

٥٦

دينه»(١) .

وعنهعليه‌السلام :

«إنَّ أبغض الخلائق إلى اللّه رجلان: رجل وكله اللّه إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتُتن به، ضال عن هدي مَن كان قبله، مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته»(٢) .

وعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«انَّ الاسلام يشيع ثم تكون له فترة، فمن كانت فترته إلى غلوٍّ وبدعة، فاولئكَ أهل النار»(٣) .

٣ - التأكيد على مقاطعة المبتدعين

كما جاءت جملة كبيرة من الاخبار لتدلل على ضرورة مقاطعة المبتدعين، وهجرانهم، وعدم معاشرتهم بشكل مطلق، تأكيداً على بشاعة هذا الأمر، وإيغالاً في شجبة ومواجهته، فمن ذلكَ ما ورد عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«مَن وقَّر صاحب بدعة فقد أعانَ على هدم الاسلام»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا رأيتم صاحب بدعةٍ، فاكفهرّوا في وجهه»(٥) .

____________________

(١) نهج البلاغة: خ / ١٥٣.

(٢) نهج البلاغة: الكلام / ١٧.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٦، ص: ٢٢٠.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٢، ص: ٢١٩.

(٥) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١٦٧٦، ص: ٣٨٢.

٥٧

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن تبسَّم في وجه مبتدع، فقد أعانَ على هدمِ دينه»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن أرعبَ صاحب بدعة، ملأ اللّه قلبه أمناً وايماناً، ومَن انتهر صاحب بدعة، آمنه اللّه من الفزع الاكبر، ومَن أهانَ صاحب بدعة، رفعه اللّه في الجنة درجة، ومَن لانَ له لقيه تبشبشاً، فقد استخف بما اُنزل على محمد»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن أعرض عن صاحب بدعة بغضاً له، ملأ اللّه قلبه أمناً وإيماناً»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مَن مشى إلى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الاسلام»(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي، فاظهروا البراءة منهم، واكثروا من سبِّهم، والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم، كي لا يطعموا في الفساد في الاسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة»(٥) .

٤ - عدم قبول توبة المبتدع

وبما انَّ الأثر السيّئ لصاحب البدعة لا ينحصر في نطاق شخص صاحبه، وحياته

____________________

(١) عباس القمي، سفينة البحار، ج: ١، ص: ٦٣.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ٣، ح: ٥٥٩٨، ص: ٨٢.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ٣، ح: ٥٥٩٩، ص: ٨٢.

(٤) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٢٣، ص: ٢٢٣.

(٥) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: ١١، ص: ٥٠٨، ح: ١.

٥٨

الخاصة، وانما يتعدى ذلك إلى الحياة الاجتماعية العامة، فيؤثر فيها سلباً. ويعرقل حركتها، ويشوّه معالمها، نتيجة الدس والتحميل والافتراء، ووضع العقبات أمام القانون الالهي من أن يأخذ مساره الطبيعي في توجيه الفرد والمجتمع، والوصول بالبشرية إلى حيث السعادة والكمال، فقد تم التاكيد أيضاً على إغلاق باب التوبة في وجه المبتدع، وأنَّ أعمال البر لا تُقبل منه، وأنَّ المبتدع يحمل وزره ووزر مِن عمل ببدعته، لأنَّه المسؤول الأول عن ذلك، قال تعالى:( لِيحمِلوا أوزارهم كَامِلةً يَومَ القِيامَةِ وَمِن أوزارِ الذِينَ يُضلونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ ) (١) .

وجاءَ في الحديث عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

«ومن ابتدعَ بدعةً ضلالة لا ترضي اللّه ورسولهُ كان عليه مثل آثام مَن عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً»(٢) .

كل ذلك من أجل أنَّ أيَّ تهاون في هذا المجال، وأيَّ تسامح في مواجهة هذه الظاهرة، سوف يعرِّض الشريعة الاسلامية إلى الخطر المحدق، ويهدد وجودها وكيانها العظيم بالتحريف والتزوير.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الشأن:

«إنَّ اللّه احتجر التوبة على صاحب كلِّ بدعة»(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أبى اللّه لصاحب البدعة بالتوبة»(٤) .

وعن عبد اللّه بن عباس أنَّه قال:

____________________

(١) النحل: ٢٥.

(٢) أبو اسحاق الشاطبي، الاعتصام، ج: ١، ص: ١٢٢.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٥، ص: ٢٢٠.

(٤) أبو جعفر الصدوق، علل الشرائع، ص: ٤٩٢.

٥٩

«كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جاءَ شهر رجب، جمع المسلمين حوله، وقامَ فيهم خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه، وذكر مَن كان قبله من الأنبياء فصلّى عليهم، ثم قال: أيها المسلمون قد أظلَّكم شهر عظيم مبارك، وهو شهر الأصب، يصب فيه الرحمة على مَن عبده، إلا عبداً مشركاً، أو مظر بدعة في الاسلام»(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

«لا يقبل اللّه لصاحب بدعةٍ صلاةً، ولا صوماً، ولا صدقة، ولا حجّاً، ولا عمرة، ولا جهاداً، ولا صرفاً، ولا عدلاً، حتى يخرج من الاسلام كما تخرج الشعرة من العجيبن»(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أبى اللّه أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعتَه»(٣) .

وعن أبي عبد اللّه الصادقعليه‌السلام قال:

«كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشطان فقال له: يا هذا إنكَ قد طلبتَ الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدّلكَ على شيءٍ تكثر به دنياك، ويكثر به تبعك؟ قال: بلى، قال: تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس.

ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، وأصاب من الدنيا، ثمَّ أنَّه فكّر فقال: ما صنعت؟ ابتدعت ديناً ودعوت الناس، وما أرى لي توبة، إلا أن آتي مَن دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه، فيقول لهم: انَّ الذي دعوتكم إليه باطل وانما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت وهو الحق، ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه،

____________________

(١) محمد باقر المجلسي، بحار الانوار، ج: ٩٤، باب: ٥٥، ح: ٣٣، ص: ٤٧.

(٢) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٨، ص: ٢٢٠.

(٣) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: ١، ح: ١١٠٣، ص: ٢١٩.

٦٠