الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ

الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ 0%

الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: دراسات
الصفحات: 131

الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز الرسالة
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الصفحات: 131
المشاهدات: 41738
تحميل: 6357

توضيحات:

الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 131 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41738 / تحميل: 6357
الحجم الحجم الحجم
الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ

الصحابة في القرآن والسنة والتاريخ

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المركز

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين، وبعد:

فإنّه ما زال الكثير من قضايا الفكر والتاريخ يُقرأ وفق إسقاطات الذات والمواقف المسبقة، بعيداً عن قوانين النقد العلمي وموازين البحث الموضوعي وضوابطه.

وبالرغم من أنّنا جميعاً - كمسلمين - نؤمن بقوله تعالى:

( فإن تَنَازَعتُم فِي شيءٍ فَردٌّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسولِ إِن كُنتم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليومِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وأحسنُ تَأوِيلاً )

ونعلم أنّ الردّ إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم، والردّ إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الرجوع إلى سنّته الشريفة، بالرغم من ذلك فإنّنا في غالب البحوث من هذا النوع نلاحظ غلبة الأُسلوب الانتقائي، الخاضع لهيمنة الذات والمواقف المسبقة نفسها، إذ يذهب أكثر الباحثين إلى انتقاء النصوص التي يمكنه أن يسند فيها موقفه ورأيه، دون النظر إلى النصوص الأُخرى المشتركة في الموضوع نفسه، والتي تشكّل مع النصوص السابقة الصورة المتكاملة للموضوع.

فالذي اتخذ موقفاً مؤيِّداً للسلطان - مثلاً - ويحرّم الخروج عليه، وإن كان ذلك السلطان جائراً وفاسقاً، تراه يذهب إلى الاحتجاج بالحديث الشريف، الذي يقول:

( من فرّق أمر هذه الاُمّة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان )

ونظائر هذا، دون أن يلتفت إلى الأحاديث الأُخرى، من قبيل قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

( سيّد الشهداء حمزة، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه، فقتله )

وأمثاله التي جاءت لتبيّن مفاد الأحاديث الأُولى وترسم حدودها.

والذي يذهب إلى القول بالتجسيم، تراه يقتصر على متشابه القرآن والسُنّة، الذي يفيد ظاهره بعض معاني التجسيم، دون الالتفات إلى المـُحْكَم الذي يوجّه تلك الظواهر ويصرفها من الحقيقة إلى المجاز.

٥

ولعلّ مفهوم عدالة الصحابة هو واحد من أبرز تلك المفاهيم، التي استمر الجدل حولها إلى يومنا هذا، بسبب وجود من يلجأ إلى ذلك الأُسلوب الانتقائي، فهذا ابن خلدون الذي وضع في مقدّمته قوانين دقيقة ومتينة في نقد التاريخ، تراه يخفق في استخدامها في تاريخه عامةً، وفي تأريخ هذه الحقبة خاصةً، وكأنّها غابت عنه بشكلٍ كامل، فهو حين ينتهي من التأريخ لهذه الحقبة، يقول:

(هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية وما كان فيها أوردتها ملخصة من كتاب محمد بن جرير الطبري، وهو تاريخه الكبير، فإنّه أوثق ما رأيناه في ذلك، وأبعد عن المطاعن والشبه في كبار الأُمّة، من خيارها وعدولها من الصحابة والتابعين، فكثيراً مايوجد في كلام المؤرّخين مطاعن وشبه في حقهم، أكثرها من أهل الأهواء، فلا ينبغي أن تُسَوّد بها الصحف)!

ونحو هذا، قاله ابن الأثير في مقدّمته، دون اعتماد لقوانين النقد والمقارنة والاستقراء.

أمّا المتكلّمون، فقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حين أوجبوا التأويل والتبرير لكل ماحفظه التاريخ من وقائع وأحداث، تستدعي النظر والتحقيق في هذه المسألة (ومالم تجد له تأويلاً، فقل: لعلّ له تأويل لا أعلمه)!

ولا شك أنّ مثل هذا المفهوم يجب أن يخضع - تحقيقاً وبرهاناً - للبحث التاريخي، الذي يقوم على الاستقراء الشامل لتاريخ الصحابة، أفراداً وجماعات.

ولا ينفصل هذا البحث التاريخي عن القرآن والسُنّة بحال، ذلك أنّ القرآن الكريم كان راصداً لتلك المرحلة من مراحل التاريخ، حافظاً للكثير من مشاهدها، وهو المصدر المعصوم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والقول نفسه مع السُنّة المطهّرة، حيث كان صاحبها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الشاهد والمربّي والمرشد والموجِّه والقائد، وقد ترك لنا الكثير من الأثر المعصوم، الذي ينبغي أن نستنير به في معرفة ما يتصل بهذه الحقبة التاريخية ورجالها.

ووفق هذا المنهج، سار هذا الكتاب الذي يقدِّمه مركزنا للقرّاء، خدمةً للحقيقة الدينية والتاريخية، راجين أن يعمّ النفع به، والله الهادي إلى سواء السبيل.

مركز الرسالة

٦

المقدّمة

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الرُّسُل والأنبياء محمّدٍ المصطفى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبهم المنتجبين، وبعد:

فإنّ من المسائل التي لا زالت تُثير جدلاً واسعاً في الأوساط العلميّة مسألة عدالة الصحابة، وقد بقي البحث فيها موزّعاً على آراءٍ مطابقة للآراء المتقدّمة على مرِّ التاريخ، فذهب البعض إلى عدالة جميع الصحابة، وذهب آخرون إلى عدالة بعض الصحابة دون بعض.

إنَّ المنهج العلمي يستدعي النظر إلى الآراء والأفكار بموضوعيّة، بحثاً عن الحقيقة لذاتها، وبعيداً عن تحكيم المرتكزات الذهنية المسبقة في البحث والتحقيق، لتكون النتيجة تابعة للدليل بما هو دليل، وإن اصطدمت بالمألوف والمتعارف من الآراء والأفكار والأحكام.

وفي بحثنا هذا نتتبّع المسألة باستنطاق القرآن والسُنّة والتاريخ، للوصول إلى الرأي النهائي، بحياديّة وموضوعيّة تبعاً للدليل، دون التأثّر بالمرتكزات الذهنية والأحكام المسبقة، مواكبين موارد ذكر الصحابة في القرآن الكريم، والآيات النازلة فيهم مدحاً وذماً، وما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الصحابة من روايات مادحة وذامة، ونواصل البحث من خلال تتبّع سيرهم الذاتية، ضمن الحركة التاريخية لمراحل الدعوة الإسلامية، منذ انضمامهم للإسلام في بداية البِعثة، ومساهمتهم الجادّة في إرساء

٧

دعائم العقيدة والشريعة، بجهادهم وتضحياتهم المتواصلة، معتمدين الموازين الثابتة، دون أن نبخس أحداً حقّه في التقييم الموضوعي، تبعاً للقرآن والسُنّة والتاريخ.

ونترك للقارىء الكريم حريّة الاختيار في الحكم على النتائج، طبقاً للأدلّة والشواهد التاريخية، والله وليّ التوفيق.

٨

الفصل الأَوّل: المعنى اللُّغوي للصُحْبة

قال الخليل الفراهيدي:

(كلّ شيءٍ لاءَم شيئاً فقد استصحبه، والصحابة: مصدر صاحَبَكَ، الصاحب يكون في حالٍ نعتاً ولكنّه عمّ في الكلام، فجرى مجرى الاسم)(١) .

وقال الجوهري:

(كلّ شيءٍ لاءَم شيئاً فقد استصحبه. اصطحب القوم: صَحِبَ بعضهم بعضاً. أصحب: إذا انقاد بعد صعوبة)(٢) .

وقال الراغب الأصفهاني:

(الصاحب: المـُلازِم ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر، أو بالعناية والهمّة.

ويُقال لمالك الشيء: هو صاحبه، وكذلك لمن يملك التصرّف فيه.

والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع، لأجل أنّ المصاحبة تقتضي طولَ لبثةٍ، فكلّ اصطحابٍ اجتماع، وليس كلّ اجتماعٍ اصطحاباً)(٣) .

____________________

١) ترتيب كتاب العين، للفراهيدي: ٤٤٠، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم ١٤١٤ هـ ط١.

٢) الصحاح، للجوهري ١: ١٦٢، دار العلم للملايين ١٤٠٧ هـ ط٢.

٣) مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني: ٢٧٥، المكتبة المرتضوية ١٣٧٣ هـ.

٩

وعلى نحو هذا، سار معظم أصحاب اللُّغة، ومن خلاله يكون معنى الصاحب هو:

المـُلائِم والمـُعاشِر والمـُلازِم والمـُتابِع، ولا يتمّ ذلك إلاّ باللقاء والاجتماع.

الصُحْبة في القرآن الكريم:

المعنى اللُّغوي للصُحْبة - كما تقدّم - ورد في القرآن الكريم في ألفاظ متعددة تشترك في معنىً متقارب، وهو: المعاشرة والملازمة المتحققة بالاجتماع واللقاء واللّبث، دون النظر إلى وحدة الاعتقاد أو وحدة السلوك، فقد أطلقها القرآن الكريم في خصوص المعاشرة بين مؤمنٍ ومؤمن، وبين مؤمنٍ وكافر، وبين كافرٍ وكافر، وقد أشار إلى ذلك ابن كثير في تفسيره(١) .

أوّلاً: الصُحْبة بين مؤمنٍ ومؤمن

قال الله - تعالى - حكايةً عن موسى (عليه السلام) في حديثه مع العبد الصالح:

( قالَ إن سألتُكَ عن شيءٍ بعدَها فلا تُصاحِبني ) (٢) .

فقد أطلق القرآن الصحبة على الملازَمة بين موسى (عليه السلام) والخضر (عليه السلام).

ثانياً: الصُحْبة بين وَلد ووالدين مختلفَين بالاعتقاد

قال تعالى:

( وإن جاهَدَاكَ على أن تُشرِكَ بي ما ليسَ لَكَ بهِ عِلمٌ فلا تُطعهما وصاحِبهُما في الَّدُنيا معرُوفاً ) (٣) .

____________________

١) تفسير القرآن الكريم، لابن كثير، راجع تفسير الآيات المذكورة.

٢) سورة الكهف ١٨: ٧٦.

٣) سورة لقمان ٣١: ١٥.

١٠

ثالثاً: الصُحْبة بين رفيقَي سَفَر

قال تعالى:

( والجارِ ذي القُربى والجارِ الجُنُب والصَّاحِبِ بالجَنبِ ...) (١).

رابعاً: الصُحْبة بين تابع ومتبوع

قال تعالى:

( ثاني اثنين إذ هُما في الغارِ إذ يقُولُ لصاحِبِهِ لا تَحزَن إنّ اللهَ معنَا ) (٢) .

خامساً: الصُحْبة بين مؤمن وكافر

قال تعالى:

( فقالَ لصاحبهِ وهوَ يُحاوِرُهُ أنا أكثرُ مِنكَ مالاً وأعزُّ نفراً قالَ لهُ صاحبُهُ وهو يُحاورُهُ أكفَرتَ بالّذي خَلَقَكَ مِن تُرابٍ ) (٣) .

سادساً: الصحبة بين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقومه وإن كانوا كافرين

قال تعالى:

( ما ضَلَّ صاحِبُكُم وما غَوى ) (٤) .

وقال تعالى:

( أولَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بصاحِبِهِم مِن جِنَّةٍ إن هوَ إلاّ نذيرٌ مُبينٌ ) (٥) .

سابعاً: الصحبة بين كافر وكافرين

قال تعالى:

( فنادَوا صاحِبَهُم فَتَعاطى فَعَقَر ) (٦) .

____________________

١) سورة النساء ٤: ٣٦.

٢) سورة التوبة ٩: ٤٠.

٣) سورة الكهف ١٨: ٣٤ - ٣٧.

٤) سورة النجم ٥٣: ٢.

٥) سورة الأعراف ٧: ١٨٤.

٦) سورة القمر ٥٤: ٢٩.

١١

ووردت كلمة (أصحاب) في القرآن الكريم تدل على معنى اللّبث والمكوث ومنها: أصحاب الجَنّة، وأصحاب النار، وأصحاب الكهف، وأصحاب القرية، وأصحاب مَدْين، وأصحاب الأيكة.

ووردت في العلاقة الاضطرارية الوقتية كما في خطاب يوسف (عليه السلام) لصاحبيه في السجن:( يا صاحِبَي السِجنِ ) (١) .

فالصاحب كما ورد في الآيات الكريمة المتقدّمة يعني: المعاشر والملازم، ولا تصدُق المعاشرة والملازمة إلاّ باللقاء والاجتماع والّلبث معاً.

وبالتوفيق بين المعنى اللُغوي عند علماء اللُغة، وبين الآيات القرآنية، يكون معنى الصاحب هو: من كثُرت ملازمته ومعاشرته، وهذا ما نصّ عليه بعضهم كصدّيق حسن خان، حيث قال:

(اللُغة تقتضي أنَّ الصاحب هو من كثُرت ملازمته)(٢) .

الصحبة في الحديث النبوي:

أُطلق لفظ الصحابي - في الروايات - على كلِّ من صحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من المسلمين، سواء كان مؤمناً به واقعاً وحقيقةً، أو ظاهراً، فكان اللفظ شاملاً للمسلم المؤمن وللمسلم المنافق، سواء كان مشهوراً بنفاقه أو غير مشهور.

____________________

١) سورة يوسف ١٢: ٣٩.

٢) قواعد التحديث، محمد جمال الدين القاسمي: ٢٠٠ دار الكتب العلمية ١٣٩٩ هـ ط١ - بيروت - عن كتاب: (حصول المأمول) لصديق حسن خان: ٦٥.

١٢

فحينما طلب عمر بن الخطّاب من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يقتل عبدالله بن أُبي بن سلول - المنافق المشهور - قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

( فكيف يا عمر إذا تحدَّث الناس أنَّ محمّداً يقتل أصحابه؟ ) (١) .

وحينما طلب عبدالله بن عبدالله بن أُبي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يقوم بنفسه بقتل والده أجابه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالقول:

( بل نترفّق به، ونُحسن صُحْبته ما بقي معنا ) (٢) .

فقد أطلق (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لفظ الصحابي ليشمل حتّى من اشتهر بفسقه كعبدالله ابن أُبي بن سلول، وأطلقه أيضاً على المستور نفاقهم، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم):( إنَّ في أصحابي منافقين ) (٣) .

المعنى الاصطلاحي للصحابي:

وردت عدّة آراءٍ في خصوص المعنى الاصطلاحي لصحابي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

الرأي الأوّل :

لا يشترط أصحاب هذا الرأي كثرة الملازمة والمعاشرة مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في إطلاق لفظ الصحابي، بل يكتفون بها ولو كانت ساعة أو كانت مجرد رؤية.

ففي رواية عبدوس بن مالك العطّار عن أحمد بن حنبل، أنّه قال:

____________________

١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٣٠٣. والسيرة النبويّة، لابن كثير ٣: ٢٩٩. وبنحوه في: صحيح البخاري ٦: ١٩٢. وأسباب نزول القرآن، للواحدي: ٤٥٢.

٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٣٠٥. والسيرة النبويّة، لابن كثير ٣: ٣٠١. وبنحوه في: الطبقات الكبرى، لابن سعد ٢: ٦٥. وأسباب نزول القرآن: ٤٥٣.

٣) مسند أحمد ٥: ٤٠. وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير ٢: ٣٩٩.

١٣

( أفضل الناس بعد أهل بدر القرن الذي بعث فيهم، كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه، فهو من أصحابه) (١) .

ومن القائلين بهذا الرأي، البخاري:

(ومن صحب النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه)(٢) .

وقال علي بن المديني:

(من صحب النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - أو رآه ولو ساعة من نهار، فهو من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - )(٣) .

وقال ابن حجر العسقلاني:

(الصحابي من لقي النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه: من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارضٍ كالعمى)(٤) .

وذهب ابن حزم الأندلسي إلى هذا الرأي، ولكنّه قيّده بعدم النفاق، فقال:

( أمّا الصحابة - رضي الله عنهم - فهو كلّ من جالس النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ولو ساعةً، وسمع منه ولو كلمةً فما فوقها، أو شاهد منه - عليه السلام - أمراً يعيه، ولم يكن من المنافقين، الذين اتصل نفاقهم واشتهر حتّى ماتوا على ذلك، ولا مثل من نفاه - عليه السلام - باستحقاقه، كهيت المخنّث، ومن جرى مجراه، فمن كان كما وصفنا أولاً، فهو صاحب ووفد عليه جميع البطون من جميع القبائل

____________________________

١) العدّة في أُصول الفقه، للفرّاء الحنبلي ٣: ٩٨٨ - الرياض ١٤١٠ هـ ط ٢.

٢) فتح الباري ٧: ٣.

٣) فتح الباري ٧: ٣.

٤) الإصابة، لابن حجر العسقلاني ١: ٤ دار الكتب العلمية.

١٤

وكلهم صاحب)(١) .

وقيد ( لم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر) مخالفٌ لما ورد من رواياتٍ أطلق فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسم الصحابي على المنافق المشهور وغيره.

وتابَعَ زين الدين العاملي رأي المشهور من المحدِّثين فقال:

( الصحابي: من لقي النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - مؤمناً به ومات على الإسلام، وإن تخلّلت ردّته بين كونه مؤمناً وبين كونه مسلماً، على الأظهر، والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر، وإن لم يكالمه ...)(٢) .

ووزّع الحاكم النيسابوري الصحابة على طبقات، وذكر في الطبقة الثانية عشرة:

(صبيان وأطفال رأوا رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - يوم الفتح وفي حجة الوداع ومنهم أبو الطفيل عامر بن واثلة)(٣) .

ومن خلال هذه الأقوال، يصدق معنى الصحابي على كلِّ من صحب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولو ساعةً من الزمان، ورآه وإن لم يكلّمْه، سواء كان رجلاً كبيراً أو امرأة أو طفلاً صغيراً، ويُشترط فيه الإسلام الظاهري، فيشمل المؤمن والمنافق.

الرأي الثاني:

الصحابي من عاصر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإن لم يره.

____________________

١) الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم الأندلسي ٥: ٨٦ دار الجيل - بيروت ١٤٠٧ هـ ط ٢.

٢) الدراية، زين الدين العاملي: ١٢٠ مطبعة النعمان - النجف الأشرف.

٣) معرفة علوم الحديث، للحاكم النيسابوري: ٢٤ دار الكتب العلمية ١٣٩٧ هـ ط ٢.

١٥

وذهب إلى هذا الرأي يحيى بن عثمان بن صالح المصري، فقال:

(إنّ الصحابي من عاصره فقط)، وقال: (وممن دُفن: أي بمصر من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ممن أدركه ولم يسمع به:

أبو تميم الجيشاني، واسمه عبدالله بن مالك، كان صغيراً محكوماً بإسلامه تبعاً لأحد أبويه)(١).

وعلى هذا الرأي فإنّ الصحابي يطلق على جميع من عاصر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من المسلمين كباراً وصغاراً وإن لم يروه.

وبعبارةٍ اُخرى: إنّ جميع المسلمين في عهد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هم من الصحابة، وكذا من يحكم بإسلامهم تبعاً لأحد الأبوين.

الرأي الثالث : رأي الأُصوليين.

الصحابي في رأي الأُصوليين: هو من رأى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واختص به، واتّبعه أو رافقه مدةً يصدُق معها إطلاق (صاحب فلان) عليه بلا تحديد لمقدار تلك الصُحْبة.

نقل هذا الرأي محمّد أمين المعروف بأمير بادشاه، ونسبه إلى جمهور الأُصوليين(٢) .

ونسب الآمدي هذا الرأي إلى عمر بن يحيى وآخرين لم يذكر أسماءهم(٣) .

وذهب إلى هذا الرأي الغزالي، فقال: (لا يُطلق إلاّ على من صحبه، ثم

____________________

١) تيسير التحرير، لمحمد أمير بادشاه ٣: ٦٧ - دار الفكر.

٢) تيسير التحرير ٣: ٦٦.

٣) الإحكام في أصول الأحكام ٢: ٣٢١.

١٦

يكفي للاسم من حيث الوضع، الصُحْبة ولو ساعةً، ولكنّ العُرف يُخصّص الاسم بمن كثُرت صُحْبته)(١) .

لكنّ سعيد بن المـُسيّب جعل حدّاً معلوماً في أحد شرطين، إذ كان لايعدّ في الصحابة إلاّ من أقام مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سنةً فصاعداً أو غزا معه غزوةً فصاعداً(٢) .

وقد اعترض البعض على هذا الرأي، ومنهم ابن حجر العسقلاني، فقال:

( والعمل على خلاف هذا القول، لأنّهم اتفقوا على عدّ جمعٍ جمٍّ في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - إلاّ في حجة الوداع )(٣).

واعترض ابن حزم الأندلسي على هذا الرأي فقال:

( وهذا خطأٌ بيقين، لأنّه قولٌ بلا برهان، ثم نسأل قائله عن حد التكرار الذي ذُكر، وعن مدة الزمان الذي اشتُرط)(٤).

وعند متابعة الكتب المؤلّفة في الصحابة نجد أنّ كثيراً من المذكورين فيها لم يروْا أو يصحبوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ ساعاتٍ أو أياماً معدودة، بل إنّ بعضهم كان طفلاً صغيراً، كجرير بن عبدالله وغيره.

الرأي الرابع :

إنّ الصحابي هو: من صحب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وطالت صحبته وأخذ عنه العلم.

نسب أبو يعلى الفرّاء الحنبلي إلى عمرو بن بحر الجاحظ أنّه قال: ( إنّ

____________________

١) المستصفى، للغزالي ٢: ٢٦١ المدينة المنوّرة ١٤١٣ هـ.

٢) فتح الباري ٧: ٢.

٣) فتح الباري ٧: ٢.

٤) الإحكام في أُصول الأحكام ٥: ٨٦.

١٧

هذا الاسم إنّما يُسمّى به من طالت صُحْبته للنبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - واختلاطه به، وأخذ عنه العلم )(١) .

والذي قيل في هذا الرأي:

إنّ طول الصُحْبة ليس شرطاً في إطلاق التسمية على من صحبه، لأنّه يلزم إخراج كثير من الذين سُمّوا صحابة عن الصُحْبة، واشتراط أخذ العلم أيضاً يستلزم تضييق عدد الصحابة وإخراج الكثير منهم؛ لأنّهم لم يأخذوا العلم منه(٢) .

تقييم الآراء:

قد عرفنا أن المعنى اللُغوي - الذي عليه استعمالات مادة (صحب) في الكتاب والسُنّة - لا يَصدُق إلاّ حيث تصدُق (المعاشرة) و (الملازمة، ومن الواضح عدم صدق هذه المعاني على مجرّد (المعاصرة) أو (الرؤية).

فالمفهوم اللُغوي لهذه اللفظة مقيَّدٌ بأنْ تكون (المصاحبة) في زمانٍ تصدق فيه (المعاشرة)، كما أنه مطلقٌ من حيث الإيمان وعدمه، إذ يصدق على كلِّ من لازم شخصاً أنّه صاحبه، وإنْ لم يكن مثله أو تابعاً له في الفكر والعقيدة، وكذا من حيث التعلّم منه والأخذ عنه، وعدمه، نعم طول الملازمة وكثرة المعاشرة مع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقتضيان الإيمان به واقعاً والأخذ عنه والتعلّم منه، إلاّ أن تكون المعاشرة والملازمة لأغراضٍ أُخرى.

وأمّا ما أصطلح عليه الجمهور من أنّ مجرّد الرؤية كافٍ في إطلاق

____________________

١) العدّة في أصول الفقه ٣: ٩٨٨.

٢) راجع العدة في أصول الفقه ٣: ٩٨٩.

١٨

الصُحبة فيحتاج إلى دليلٍ مقبول.

وقد يشهد بما ذكرنا ما رُوي عن أنس بن مالك، وقد سُئل:

(هل بقي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - غيرك؟

قال: ناسٌ من الأعراب رأوه، فأمّا من صحبه فلا)

وإنْ حاول ابن كثير توجيهه قائلاً:

(وهذا إنّما نفى الصُحْبة الخاصّة، ولا ينفي ما اصطلح عليه الجمهور من أنّ مجرد الرؤية كافٍ في إطلاق الصُحْبة)(١) .

إنّ ما اصطلح عليه الجمهور يحتاج إلى دليلٍ مقبول - كما أشرنا - وإلاّ فإنّ مجرّد عدّهم جماعةً لم يروْا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ رؤيةً في الصحابة لا يكون دليلاً، ودعوى الاتفاق منهم على ذلك غير مسموعة، مع وجود الخلاف والأقوال العديدة في المسألة.

وعلى الجُمْلة، فإنّه بناءً على أن يكون للمسألة أثر في العمل، فلا بدّ من الاقتصار على ما ذكرناه، حتّى يقوم الدليل الصحيح على خلافه فيكون هو المتّبع، والله العالم.

____________________

١) الباعث الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير: ١٧٥ دار الكتب العلمية ١٤٠٣ هـ ط١.

١٩

٢٠