دراسات في العقيدة الإسلامية

دراسات في العقيدة الإسلامية0%

دراسات في العقيدة الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 212

دراسات في العقيدة الإسلامية

مؤلف: محمد جعفر شمس الدين
تصنيف:

الصفحات: 212
المشاهدات: 65357
تحميل: 6247

توضيحات:

دراسات في العقيدة الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 212 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65357 / تحميل: 6247
الحجم الحجم الحجم
دراسات في العقيدة الإسلامية

دراسات في العقيدة الإسلامية

مؤلف:
العربية

وبتعبير آخر، ليست هذه الأمور، لجهة عائدة إلى الفاعل، بل لقصور في المحل والقابل.

وقد ارتأى هذا الرأي الفيلسوف ليبتنز.

مناقشة

ولكن هذا الرأي كما هو واضح، لا يمكن أن يُرضي العقل، لأنه يستلزم نسبة العجز إلى اللّه، إذ ألا يمكن للّه سبحانه أن يجلب الخير الكلي للإنسان من دون لزوم شر جزئي عنه...؟!

وأما بالنسبة للأمراض والأسقام، كيف يمكن للعقل أن يقبل الرأي القائل، بأن هذه الأمور إنما هي لازمة لعدم قابلية في المحل المنفعل، دون حرمان من الفاعل الذي هو اللّه تعالى...؟!

الرأي الثاني

وقد ذهب البعض إلى وضع تفسير لهذه الشرور فقالوا: بأن مَن تصيبه، إنما تصيبه لأنه مستحق لها بفعل المعاصي التي تصدر عنه، ولذا، لا يكون في إيرادها عليه أدنى شبهة للظلم، بل هي العدل بعينه.

مناقشة

والذي يفنّد هذا الرأي، هو أننا لو سلّمنا أن هذه الآلام، إنما يحسن أن تحل بالكبار والمكلفين، باعتبار تعقل صدور المعاصي عنهم، فتكون عقاباً

٢٠١

لهم عليها. فما بالنا نرى هذه الآلام تصيب الحيوانات والأطفال، ممن لا يتعقّل فيهم التكليف، فلا يتصور بالتالي، صدور عصيان منهم.

الرأي الثالث

وهو لأهل الحديث.

وحاصل هذا الرأي، ان هذه الشرور، وإن كانت صادرة عن اللّه سبحانه، إلا أنها كلها تتصف بالحُسن، باعتبار صدورها عنه تعالى، بعكس ما إذا صدرت عن الإنسان، فإنها تكون قبيحة، إذ أن الحسن - عند هؤلاء - ما حسنّه الشارع، والقبيح ما قبّحه...؟!

مناقشة

وهذا الرأي، يقوم على أساس إنكار إدراك العقل للحُسن والقبح الذاتيين في الأشياء. وهو ما ذهب إليه الأشاعرة.

ولكن الصحيح، أن هناك أموراً يدرك العقل حسنها الذاتي، أو قبحها كذلك.

فالعقل مثلاً، يدرك أن الظلم قبيح بذاته مع قطع النظر عن تقبيح الشارع له.

وكذا يدرك أن العدل حسَن حتى ولو لم يأمر به الشارع بل بقطع النظر عن منطق الدين كليّة. ولذا نرى غير المتدينين بدين أصلاً يحكمون بقبح الظلم وحسن العدل. وما ذلك في الحقيقة، إلا كون الحسن والقبح العقليين

٢٠٢

من الآراء المحمودة والتأديبات الصلاحية التي هي قسم من القضايا المسماة بالمشهورات، والتي يحكم بها العقل العملي ولا واقع لها إلا تطابق آراء العقلاء عليها(١) .

وعليه، فإذا كان العقل يحكم بحسن العدل وقبح الظلم بذاتيهما، فلا بد وان يعمّم هذا الحكم العقلي، من دون استثناء بحسب اختلاف الفاعلين، إذ لا تخصيص في حكم العقل أبداً.

ج - الرأي المختار في المسألة:

والذي يبدو لي، في مقام الجواب على مشكلة الآلام هذه، وما يخطر ببالي من حل لها بإيجاز ما يلي:

إن عندنا مسلّمتين اثنتين:

الأولى : إن اللّه عادل.

الثانية : إن أي شيء يحدث في هذا العالم، فلا بد من الالتزام بأن اللّه سبحانه هو «الفاعل ما منه الوجود» له.

ومعنى الفاعل ما منه الوجود، هو أنه مفيض الوجود عليه وخالقه.

____________________

(١) راجع للإطلاع على رأي الأشاعرة وبيان وجوه ضعفه مناقشات هذا الموضوع كله كتاب «أصول الفقه» للشيخ محمد رضا المظفر الجزء الثاني ص ٢١٦ وما بعدها كما لا بأس بمراجعة كتاب (المنطق) لنفس المؤلف الجزء / ٣ / ١٧ وما بعدها لتطلع على المراد من العقل العملي والعقل النظري ومجال حكم كل منهما مع توضيح كاف لأْقسام القضايا.

٢٠٣

وانطلاقاً من هذه النقطة بالذات، لا بد لنا من الإلتزام بأن هذه الآلام التي تحصل في هذه الحياة، قد صدرت بمعنى من المعاني عنه سبحانه.

ولكن، كيف يمكن أن تصدر هذه الآلام عن اللّه مع فرض كونه عادلاً...؟

عود على بدء

هنا لا بد لنا من العودة قليلاً إلى ما سقناه من تعريف للعدل، باعتباره وصفاً للفعل الإلهي.

فالعدل كما مر، هو «ما يقتضيه العقل من الحكمة ومن إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة...».

وإذا أخذنا في مفهوم العدل عنصري الحكمة والمصلحة فكل فعل اشتمل على هذين العنصرين، لا بد وان يكون عدلاً.

وعلى ضوء ذلك كله، نطرح مسألة الآلام لنعالجها.

إنه لمن الواضح، ان هذا المخلوق، قد أُنيطت به مسؤولية عظمى طلب منه تحقيقها في هذا الكون، ألا وهي خلافته للّه على الأرض.

والذي نفهمه من معنى الخلافة هذه، هو إعمار الأرض، وإغناء الحضارة البشرية، بكل ما يقرب الإنسان من سعادته الحقيقية، وكماله الإنساني الراقي.

٢٠٤

ولا إشكال أيضاً، في أن الإنسان يحتاج في مقام تحقيقه لهذه المسؤولية، وقيامه بأعبائها، من أن يخضع لأسلوب من الحياة ينحفظ معه التوازن بين شقّيه المادي والمعنوي.

إذ لا شك في أن هذا المخلوق، فيما لو تُرك ورغباته وشهواته وأهوائه، سوف ينحرف عن الطريق، وينقلب حيواناً يظلم الضعيف، ويستغله القوي، ولا يقيم وزناً لأية قيمة من القيم الإنسانية.

والشيء المحسوس بالنسبة لنوع الإنسان، أنه إذا تُرك واللذات وحدها، والنعم وحدها، من دون صدمات أو آلام، إنه سوف يصبح مخلوقاً هشّاً ينهار أمام أية صعوبة تعترض سبيله، أو مصيبة تلمّ به.

وكذا إذا تُرك والآلام وحدها، والمصائب وحدها، فإنه سوف يصبح مخلوقاً متداعي النفس، ضيق الصدر، يائساً من الحياة، فيذوي ويموت.

ولذا كان من الضروري أن تأتي الحياة، بشكل يتّسم بالمرونة من جهة والشدة من جهة أخرى.

فيه نِعَم، ولكن مشوبة بشيء من الألم.

وبهذا يحصل التوازن في حياة الإنسان.

نِعَمٌ، لا تخلو من آلام تكون بمنزلة المنبّهات لهذا المخارق ليَعتَبِر فلا يضلَّ في طغيانه، ويعدّل مسيرته إن انحرف بها عن الخط الذي يوصله إلى تحقيق المسؤولية التي ألقيت على عاتقه.

وهنالك كثير من الآيات القرآنية الكريمة، تشير إلى هذا المعنى الذي ذكرت.

٢٠٥

( ولَو بسَط اللّهُ الرّزقَ لِعِبادِهِ لبغَوا في الأرضِ ولكِن يُنَزّلُ بِقدَرٍ ما يشاءُ إنّهُ بِعباَدِهِ خبيرٌ بصيرٌ ) .

( ولو رحِمنَاهُم وكشفنَا ما بِهِم مِن ضُرّ للَجّوا في طُغيانِهِم يعمهُون ) .

( وإذا أنعمنَا على الإنسانِ أعرضَ ونأى بِجانبِهِ وإذا مسّهُ الشّرّ فذُو دُعَاءٍ عريضٍ ) .

( وَلئِن أذقناهُ نعمَاءَ بعدَ ضرّاءَ مسّتهُ ليَقُولنَ ذهبَ السّيّئَات عنّي إنّهُ لفَرِح فخور... ) .

وعليه، فهذه الآلام التي يواجهها الإنسان في حياته، هي اُمور اقتضتها الحكمة من وجود هذا الإنسان وصوّبتها المصلحة من أجل هذا المخلوق نفسه.

فهي ليست انتقاماً منه، وإنما هي أسلوب تربوي يساعد الإنسان على أن يكون عنصراً إيجابياً في هذا الكون، يعتمد عليه، يعمل في سبيل إسعاد نفسه وإسعاد الآخرين.

وإذا كانت هذه الآلام مما اقتضته الحكمة، واشتمل على المصلحة، إذن فهي العدل بعينه.

اعتراضان ودفع

وهنا، قد يثور في الذهن اعتراضان:

الأول: أليس اللّه قادراً على أن يجعل الناس صالحين مستقيمين، بالإضافة

٢٠٦

إلى جعلهم في نعيم دائم مستمر من دون آلام؟ فإذا قلتم بأنه غير قادر فقد نسبتم العجز إليه سبحانه.

وإذا قلتم بأنه قادر، فلماذا يختار الآلام للناس دون سعادتهم... وأين هذا من العدل...؟

والجواب : على هذا الاعتراض، هو أن اللّه قادر على ذلك بلا ريب، ولكنه لم يفعله، لأن فيه إجباراً للإنسان على الطاعة والصلاح.

وفكرة الجبر هذه، مما لا يمكن الموافقة عليه، لأنها تستلزم إبطال فلسفة الثواب والعقاب، وبالتالي انهيار القاعدة التي ترتكز عليها فلسفة التكليف بشكل عام.

الثاني : لو سلّمنا بأن الآلام التي تواجه الإنسان، إنما اقتضتها الحكمة واشتملت على المصلحة بالنسبة للإنسان نفسه - كما ذكرت - إلا إنها انما تصح بالنسبة للمكلفين من بني البشر، فما بالنا نجد هذه الآلام والمصائب، تصيب الأطفال والبهائم، لمن لا يتعقل في حقهم تكليف مطلقاً. فضلاً عن أن يتعقل في حقهم قرب من طاعة، أو بُعد عن معصية. فأين الحكمة في كل ذلك..!؟

والجواب : على هذا الإشكال، أن إيلام غير المكلفين، من الأطفال والبهائم، إنما يكون ظلماً، فيما إذا لم يتوافر فيه أمران:

الأول : الاعتبار.

ومعنى الاعتبار، أن هناك نوعاً من الناس، قد تصيبهم الآلام والمصائب في أنفسهم، ومع ذلك نراهم لا يعتبرون،

٢٠٧

ولا يتّعظون، في حين أن إيلام أولادهم أو أقربائهم من غير المكلفين، أو إيلام البهائم التي تقع في متناول حواسهم، هو الذي يؤثر فيهم، فيجعلهم يتعظون ويرتدعون عن غيّهم وانحرافهم، وهذا شيء يذعن له مَن تعقّل وتأمل.

وإذا صحّ هذا، ارتفع العبث عن إيلام غير المكلفين من الأطفال والبهائم.

ولكن... قد يكون الفعل حكيماً، إلا أنه مع ذلك ظلم.

فهذا الإيلام المؤدي إلى حكمة إلى حكمة الإعتبار، قد يكون ظلماً، إذا تجرّد عن ثاني الأمرين، اللذين ذكرت قبل قليل، ضرورة توفرهما فيه. فما هو هذا الأمر الثاني؟

الثاني : العِوَض.

وهو «النفع المستحق الخالي عن تعظيم وتبجيل»(١) .

فاللّه سبحانه عندما يوقع الإيلام بغير المكلفين لحكمة الإعتبار والاتعاظ من قبل المكلفين، لا يتركهم مع ذلك الإيلام من غير عوض لاستلزام ذلك الظلم.

والعوض، إما أن يكون جلب نفع دنيوي أو أخروي، أو دفع ضرر دنيوي أو أخروي. بشرط زيادته على مفسدة الإيلام أضعافاً. «بحيث لو مُثّل العوض والألم للمُؤلَم وخُيّر بين الألم مع عوضه أو العافية لاختار الألم...»(٢) .

____________________

(١) و(٢) قواعد المرام للفيلسوف ميثم بن البحراني ص ١١٩.

٢٠٨

وإذا اجتمعت في إيلام غير المكلفين حكمة الاعتبار والاتعاظ إلى العوض الزائد على مفسدة الإيلام، كان فعل هذا الإيلام حكيماً وحسناً في نفس الوقت.

حكيماً لجهة العظة والاعتبار، وحسناً لجهة العوض.

وإذا توفرت الحكمة والحسن والمصلحة في هذا الفعل، كان فعلاً عادلاً...

والحمد للّه أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

٢٠٩

الفهرس

دراسات في العقيدة الإسلامية محمد جعفر شمس الدين ١

المقَدّمة ٣

مقدمة الطبعة الثانية ٤

بحوث تمهيدية - ١ - الجو الذي نشأ فيه علم العقيدة ٥

٢ - وجه تسمية هذا العلم بعلم الكلام ١٠

٣ - علم الكلام والفرق بينه وبين الفلسفة ٤ - نقد علم الكلام ومناقشته ١٣

٥ - أضواء على أهم الفرق والمدارس الكلامية (أ - قبل عصر الترجمات) ١ - الخوارج ١٩

٢ - المرجئة ٢٣

٣ - المجبّرة ٢٦

٤ - القدَرية ٢٨

ب - بعد عصر الترجمات ٣٠

١ - المشبهة ٣١

٢ - المعتزلة ٣٤

١ - محمد بن الهذيل ٣٩

بعض آراء العلاف للاعتقادية ٤٠

٢ - ابراهيم بن سيار ٣ - الأشاعرة ٤٤

٤ - الامامية ومواقفهم من آراء سائر الفرق الاعتقادية ٥٢

أ - موقف الامامية من المشبهة ٥٣

ب - موقف الامامية من المجبرة والمفوضة (القدرية) ج - موقف الامامية من الخوارج والمرجئة ٥٤

٢١٠

د - موقف الامامية من المعتزلة ١ - رأي الامامية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ٥٥

٢ - التوحيد بين الامامية والمعتزلة ٥٧

٣ - المنزلة بين المنزلتين بين الامامية والمعتزلة ٥٨

٤ - رأي الامامية في الجزء الذي لا يتجزأ ٥٩

٥ - رأي الامامية في «الصرفة» ٦٠

الفصل الاول في العلة الاولى للكون ٦١

تمهيد: ٦٣

المبحث الاول : هل يمكن الاستدلال على وجود العلة الاولى أ - مع المانعين: الأول الثاني ٦٥

المبحث الثاني : الأدلة العقلية على وجود العلة الأولى ٦٨

الفصل الثاني مع الماديين ٨٤

تمهيد: ٨٥

المبحث الاول مذهب المصادفة ٨٧

المبحث الثاني المذهب الطبيعي ٩٣

المبحث الثالث أصل الحياة ٩٩

نشأة الخلق في الأساطير ١٠٠

المبحث الرابع مجرى الحياة ١٠٥

الفصل الثالث التوحيد ١٢٠

المبحث الاول الأدلة العقلية على أن اللّه واحد وجوداً ١٢٨

المبحث الثاني وحدة الذات الالهية ١٣٣

المبحث الثالث وحدة الذات والصفات ١٣٥

أولاً - صفات اللّه ١٣٦

١ - الصفات السلبية ١٣٦

أولاً: المجسمة والتزامهم بجواز رؤيته سبحانه ١٥٠

ثانياً: المجسمة وكون اللّه في جهة معينة ١٦٢

٢١١

ثالثاً - المجسّمة وانتقال اللّه من مكان إلى مكان ١٦٦

٢ - الصفات الثبوتية ١٦٩

ثانياً - وحدة الذات والصفات ١٧٧

الفصل الرابع العدل ١٨٦

تمهيد: معنى العدل ١٨٧

المبحث الاول العدل في الفلسفة الأخلاقية ١٨٩

المبحث الثاني العدل الالهي والمتكلمون المسلمون تمهيد: ١٩٢

المبحث الثالث مسألة الآلام ١٩٨

الرأي الأول ٢٠٠

مناقشة الرأي الثاني مناقشة ٢٠١

الرأي الثالث مناقشة ٢٠٢

الفهرس ٢١٠

٢١٢