دراسات في العقيدة الإسلامية

دراسات في العقيدة الإسلامية0%

دراسات في العقيدة الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 212

دراسات في العقيدة الإسلامية

مؤلف: محمد جعفر شمس الدين
تصنيف:

الصفحات: 212
المشاهدات: 65353
تحميل: 6247

توضيحات:

دراسات في العقيدة الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 212 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65353 / تحميل: 6247
الحجم الحجم الحجم
دراسات في العقيدة الإسلامية

دراسات في العقيدة الإسلامية

مؤلف:
العربية

وتكفير عثمان أيضاً وعائشة، وطلحة والزبير وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص.

ويمكن تلخيص معتقدهم في عدة نقاط:

أ - لم يشترطوا أن يكون خليفة المسلمين عربياً من قريش، فخالفوا بذلك ما أجمعت الأمة عليه. وصح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أن الخلفاء من قريش. بل جوّز الخوارج أن يكون الخليفة عبداً.

ب - اشترطوا أن يكون الخليفة بالانتخاب. وإلا يخرج عن جادة الحق والعدل ولهذا صححوا - في زعمهم - خلافة أبي بكر وعمر، وأبطلوا خلافة علي وعثمان.

أما إبطالهم خلافة عليعليه‌السلام فلأنه - في رأيهم - أخطأ في قبول التحكيم وأما ابطالهم لخلافة عثمان، فلأنه خرج عن جادة الحق في السنوات الأخيرة من خلافته.

ج - ذهبت بعض فرقهم، إلى الاعتقاد بعدم وجوب نصب خليفة للمسلمين، لأن المسلمين بمقتضى تشابك مصالحهم، وتساوي حاجة بعضهم إلى بعض، مما يمنعهم عن الجور والتعدي. ومعه لا حاجة بهم إلى إمام أو خليفة. لأن وجوده عندئذ يكون لغواً وعبثاً.

د - ذهبوا - على اختلافهم - إلى القول بتكفير مرتكب الكبيرة، وخلوده في النار. بل ذهبت بعض فرقهم، إلى تكفير مرتكب الذنب مطلقاً، حتى ولو كان من الصغائر. كما حكموا بكفر كل ما خالفهم، وان أطفال المشركين في النار مع آبائهم.

٢١

ه‍ - ذهبت بعض فرقهم، إلى الإعتقاد بحلية نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات بنات الإخوة. والقول بأن سورة يوسف ليست من القرآن.

هذه هي أهم النقاط التي يمكن حصر معتقدهم فيها مما يفهم من مجموع كلماتهم.

ولكن أهم ما برزوا فيه، هو ما ورد في النقطة الرابعة من تكفيرهم مرتكب الكبيرة، أو الذنب حتى ولو لم يكن من الكبائر وخلوده في النار.

ج - أهم فرق الخوارج:

والواقع أن ظهور الخوارج على مسرح الحياة كانت نتيجة موقف عاطفي متسرع، وليس مبنياً على أساس اعتقادي أو فكري. لذا نجدهم وقد تأرجحت آراؤهم وتباعدت، دون أن يكون لها محور تنشد إليه أو إطار تدور ضمن حدوده. ويبدو ذلك واضحاً في انقسامهم إلى فرق متكثرة جداً، تختلف فيما بينها إلى أن تصل إلى حد التباين. ويشذ بعضها إلى حد يصل معه إلى الكفر الصريح(١) .

وأهم هذه الفرق - وقد انقرضت الآن تقريباً - هي(٢) :

____________________

(١) وقد وردت في ذمهم وتكفيرهم والحث على قتالهم وقتلهم روايات كثيرة في كتب الأحاديث المعتبرة عند المسلمين عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فراجع مسند الإمام أحمد ٤ / ٤٢٢ - ٤٢٤ - وصحيح مسلم ١ / ٣٨٥ - ٣٩٨.

(٢) قيل بأن هذه الفرق من فروع الخوارج وقيل بأن بعضها من الأصول وبعضها من الفروع فراجع مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري ١ / ٨٦ - ١٥٢ والتبصير في الدين للإسفراييني ٢٦ - ٣٧.

٢٢

العطوية: أتباع عطية بن الأسود الحنفي.

العجاردة: جماعة عبد الكريم بن عجرد.

الحفصية: (من الأباضية) جماعة حفص بن أبي المقداد.

البهيسية: أتباع أبي بيهس هيجم بن جابر.

الصفرية: أتباع المهلب بن أبي صفرة.

الشبيبية: نسبة إلى شبيب بن زيد.

الشعيبية: نسبة إلى شخص اسمه شعيب بن محمد.

٢ - المرجئة

أ - سبب تسميتهم:

لقد قلنا قبل قليل أن أهم أصل من الأصول التي التزم بها الخوارج هو القول بتكفير مرتكب الكبيرة، أو الذنب مطلقاً، وخلوده في النار، وقد أدى هذا الموقف المتطرف من هؤلاء إلى بروز فرقة في قبالهم تنادي بعكس ما اعتقدوه. حيث حكمت بإيمان مرتكب الكبيرة.

وأما من جهة عقابه بخلوده في النار - كما ارتآه الخوارج - فلا يقولون فيه بقول، بل يرجئون الحكم في ذلك إلى اللّه. والإرجاء هو التأخير.

ولعل هذا هو سبب تسميتهم بالمرجئة.

٢٣

ونسب الاسفراييني(١) إلى المرجئة، القول بأنه لا تنفع مع الكفر طاعة كما لا تضر مع الإيمان معصية. فالمعاصي عند هؤلاء - ان صحت النسبة - لا تزيل صفة الإيمان عن مرتكبها. ومن الواضح أن لازم هذا القول، فتح باب الرجاء أمام العاصي لمغفرة اللّه وعفوه. وقد يكون هذا هو سبب تسميتهم بالمرجئة أيضاً.

ب - زمن ظهور القول بالإرجاء:

وعلى ما ذكرناه، من أن المرجئة كفرقة، كان ظهورها كردة فعل للموقف المتطرف الذي وقفه الخوارج من مرتكب الكبيرة، يتضح أن ظهورها كان في النصف الأول من القرن الأول للهجرة.

وقد ذهب بعض الكتّاب المحدثين(٢) إلى القول بأن ظهور الإرجاء كفكرة إنما كان في عهد عثمان عندما وقف قسم من المسلمين موقف المحايد بينه وبين الثائرين عليه.

ج - موقف الأمويين من القول بالإرجاء:

ومهما يكن فقد احتضن الأمويون هذه الفرقة. لأنهم رأوا في انتشار فكرتها بالنسبة للعاصي - وهم غارقون في المنكرات والمعاصي كبيرها وصغيرها - سنداً لهم في قبال الخوراج الذين يكفّرون مرتكب الكبيرة كما مر.

____________________

(١) التبصير في الدين ص ٦٠.

(٢) راجع كتاب أبو حنيفة للشيخ محمد أبو زهرة.

٢٤

د - فرق المرجئة:

وقد انقسم المرجئة إلى خمس فرق: هي:

المريسية نسبة إلى بشر المريسي

الثنوية أصحاب أبي معاذ

الغسّانية نسبة إلى رجل يدعى غسان

الثوبانية نسبة إلى رجل يكنى بأبي ثوبان

اليونسية نسبة إلى يونس بن عون

والذي يبدو من مراجعة كلمات المرجئة، على اختلاف فرقهم المتقدمة أنهم يجمعون على أصل سياسي عندهم، هو أن الإيمان، ليس إلا التصديق في القلب والقول باللسان دون أن يكون للعمل بمقتضاه أية دخالة في اتصاف الإنسان به.

وقد نسب إلى بعض فرقهم القول بعدم اشتراط التصديق المذكور في حصول صفة الإيمان عند الإنسان. بل اكتفوا لحصول ذلك بالإقرار باللسان فقط.

ومن هنا ذهبوا إلى القول بإيمان المنافقين الذين كانوا على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع اعترافهم بأنهم لم يؤمنوا بقلوبهم.

ومن هنا ذهبوا أيضاً إلى القول بأن الكفر المقابل للإيمان، يتحقق بالإنكار باللسان، وان انعقد قلبه على الإقرار بكل الأصول.

٢٥

٣ - المجبّرة

أ - معنى القول بالجبر وأول قائل به:

ويراد بالمجبِّرة، أولئك الذين يقولون بأن كل فعل يصدر عن الإنسان فهو مخلوق للّه، سواء كان ذلك الفعل الصادر خيراً أو شراً، من دون أن يكون للإنسان أي اختيار أو أثر، في صدوره عنه، أو منع صدوره.

وقد استدل هؤلاء لمذهبهم، بآيات وردت في القرآن الكريم كقوله تعالى( اللَّهُ خَالِقُ کُلِّ شَيْ‌ءٍ وَ هُوَ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ وَکِيلٌ ) (١) . وقوله تعالى:( وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ‌ ) (٢) .

وتنسب هذه الفرقة إلى الجهم بن صفوان، كاتب شريح بن الحارث. وقد عمل الجهم هذا، على نشرها في العراق، وبعض بلاد فارس.

وقيل إن ابن صفوان، لم يكن مبتدع فكرة القول بالجبر، بل كان أول من ابتدعها وروّج لها: الجعد بن درهم، مولى بني الحكم من أهل الشام. مربي بعض الخلفاء الأمويين، أخذها عن اليهود(٣) ، بعد اتصاله بهم ثم أخذها عنه الجهم عندما التقاه في الكوفة.

وقد قتل الجهم بن صفوان في أواخر حكم الأمويين، فقر أتباعه إلى نهاوند، واستقروا فيها.

____________________

(١) الزمر ٦٢.

(٢) الصافات ٩٦.

(٣) القول بالجبر، هو مذهب الفريسيين من اليهود ومنهم كعب الأحبار، وهم الفئة الكبرى يقابلهم الصدوقيون الذين كانوا يقولون بالإختيار وهم فئة كانت قليلة نسبياً وقد انقرضت الآن..

٢٦

وإذا صح ما ذكرناه، يكون أول ظهور المجبرة كفرقة في أواسط حكم الأمويين.

ب - صلة الأمويين بالقول بالجبر:

والذي يبدو لي، أن الأمويين هم الذين ثبّتوا هذه الفكرة في أذهان بعض أتباعهم ومريديهم، ثم احتضنوها وعملوا على نشرها وترويجها وحمايتها وذلك لأمور:

الأول : أنها ترفع عنهم أمام الناس وزر ما يرتكبونه من موبقات، ويأتونه من منكرات وجرائم، باعتبار أنهم مجبورون على إتيانها ولا اختيار لهم فيها.

الثاني : إن فكرة الجبر هذه، من أبرز دعاتها - ان لم يكن واضع حجر الأساس لها - الجعد بن درهم، المقرب جداً من البلاط الأموي والمناطة به تربية أولاد الأمويين ممن صاروا خلفاء فيما بعد.

الثالث : إن هذه الفكرة راجت في الشام - مهد الأموية - أكثر من رواجها في أي قطر آخر من أقطار المسلمين. وقد روي أن ابن عباس خطب في أهل الشام يوماً، فقال في جملة ما قال:( أتأمرون الناس بالتقوى وبكم ضل المتقون. وتنهون عن المعاصي وبكم ظهر العاصون. هل منكم إلا مفتر على اللّه ليجعل اجرامه عليه سبحانه وينسبه إليه ) (١) .

____________________

(١) المنية والأمل لأحمد بن يحيى بن المرتضى ص ٨.

٢٧

الرابع : ان - القدرية - وهم الذين يقابلون المجبرة مقابلة النقيض لنقيضه ويقولون بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، من دون أن يكون للّه أية دخالة في خلقها من قريب أو بعيد. ان القدرية هؤلاء، قد شنوا - ممثلين في شخصي مؤسسي فكرتهم غيلان الدمشقي، ومعبد الجهني - حرباً لا هوادة فيها على الأمويين بالخصوص، حتى أن معبداً المذكور، قد اشترك مع عبد الرحمن بن الأشعث، عندما ثار على الأمويين، فقتله الحجّاج. في حين أقذع غيلان الدمشقي، في سب الأمويين وشتمهم.

ج - المجبرة والأشاعرة:

والذي ينبغي التنبيه عليه هنا، أن فكرة الأشاعرة عن أفعال الإنسان، تلتقي في نتيجتها، مع فكرة المجبرة هؤلاء. كما سنتعرض لبيان ذلك في محله المناسب إن شاء اللّه.

وقد واصل المجبرة نشر فكرتهم فيما وراء النهر، حتى أوائل القرن الرابع الهجري، حيث انهارت أمام الحملات الفكرية التي شنَّها عليهم أبو منصور الماتريدي مؤسس الماتريدية: النسخة المشابهة جداً للأشاعرة.

٤ - القدَرية

أ - معنى القول بالقدر وأول قائل به:

ويراد بالقدرية، أولئك الذين يقولون بأن كل فعل يصدر عن الإنسان خيراً كان أو شراً، فهو مخلوق له وحده، بعد أن قدره بعلمه، وتحرك نحوه بإرادته، من دون أن يكون لعلم اللّه أو إرادته، دخالة في تقديره وإرادته.

٢٨

بل ذهب هؤلاء إلى القول بأن اللّه لا يعلم فعل العبد، إلا بعد إيجاده له.

وقد اتخذ القدرية هذا الموقف المتطرف من أفعال الإنسان، والذي لا سند له من عقل أو نقل، كرد فعل لموقف المجبرة المتقدم، من تلك الأفعال.

وغيلان الدمشقي، ومعبد الجهني، هما اللذان حملا لواء هذه الفكرة(١) . حيث قام غيلان بنشرها في الشام، ومعبد في العراق(٢) .

وقيل بأن غيلان أخذ هذا القول عن الحسن بن محمد بن الحنفية(٣) .

ومن جملة مناظرات غيلان هذا التي يوردها بعض الباحثين(٤) في تاريخ الفرّق، مناظراته مع عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي. يقول: «قال ابن مهاجر: بلغ عمر بن عبد العزيز أن غيلان وفلاناً نطقا في القدر، فأرسل إليهما.

وقال: ما الأمر الذي تنطقان به؟

فقالا: هو ما قال اللّه يا أمير المؤمنين.

قال: وما قال اللّه؟

قال (غيلان): قال:( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَکُنْ شَيْئاً مَذْکُوراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاکِراً وَ إِمَّا کَفُوراً ) .

ثم سكتا

____________________

(١) راجع سرح العيون لابن نباتة المصري ١٨٣ وما بعدها وراجع أيضاً الخطط للمقريزي.

(٢) سرح العيون لابن نباتة المصري ١٨٣ وما بعدها.

(٣) المنية والأمل لأحمد بن المرتضى ١٥ وما بعدها.

(٤) راجع سرح العيون لابن نباتة المصري ١٨٣ وما بعدها.

٢٩

فقال عمر: اقرآ.

حتى بلغا( ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربيه سبيلاً، وما تشاؤون إلا ان يشاء الله ) إلى آخر السورة.

قال عمر: «كيف تريان يا ابني الأتانة؟ تأخذان الفروع وتدعان الأصول».

ب - القدرية والمعتزلة:

ولا بد من التنبيه هنا، على أن عقيدة المعتزلة في أفعال الإنسان، تلتقي في جوهرها، مع فكرة القدرية هؤلاء، كما سنتعرض لبيان ذلك، في محله المناسب، إن شاء اللّه.

ب - بعد عصر الترجمات

تلك، كانت أهم الفرق التي سبقت في الظهور عصر الترجمات. والآن لا بد من استعراض أهم المواقف الفكرية والاعتقادية، التي تولدت عن عصر الترجمات.

لقد سبق أن قلنا، بأن جواً فكرياً مبلبلاً، طغت فيه التساؤلات، عن ذات اللّه وصفاته، بشكل هستيري، لا تحده ضوابط، ولا تقيده قيود هيأ أرضيته عصر الترجمات للتراث الفلسفي اليوناني.

في ظل هذا الجو الفكري المبلبل، برز إلى الوجود فريق، أخذ على عاتقه مهمة الإجابة على تلك التساؤلات، عن معاني الآيات المتشابهة، بتأويله تلك الآيات التي ذكرنا طرفاً منها في مطلع هذه البحوث. وهذا الفريق، هو ما يعرف باسم: المشبهة أو المجسمة.

٣٠

١ - المشبهة

أ - صنفا المشبهة:

والذي يبدو، أن هؤلاء المشبهة، كانوا صنفين:

الأول: جعل التشبيه بين ذات اللّه وبين جسم الإنسان، فقال بأن المعبود «جسم ولحم، ودم. وله جوارح وأعضاء من يد، ورجل، ورأس، ولسان، وعينين وأذنين»(١) «وأجازوا عليه - كما يقول الشهرستاني - الانتقال والمصافحة. وحكي عن داود الجواري أنه قال: اعفوني عن الفرج واللحية، واسألوني عما وراء ذلك. وقال: ان له وفرة سوداء، وشعراً شديد الجعودة»(٢) :

وقد غلا هؤلاء غلواً فاحشاً، حيث زعم أنه سبعة أشبار بشبر نفسه(٣) .

الثاني: جعل التشبيه في الصفات «وذلك حين زعم بعضهم أن للّه إرادة حادثة، وكلاماً حادثاً مثل ما للإنسان. وحين زعم آخرون، أن اللّه لا يعلم أن الشيء سيكون قبل أن يكون مثله في ذلك مثل الإنسان أيضاً»(٤) .

____________________

(١) و(٢) راجع الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٧٥ وما بعدها.

(٣) و(٤) راجع التبصير في الدين للإسفراييني ٧٠ وما بعدها وكتاب اعتقادات فرق المسلمين والمشركين لفخر الدين الرازي ٦٣ وما بعدها.

٣١

ب - أهم فرق المشبهة:

المنصورية: جماعة أبي منصور العجلي.

الحلولية: جماعة أبي حلمان الدمشقي.

المقنعية: نسبة إلى رجل مقنع ظهر أيام المهدي، وادعى أنه إله.

العزاقرة: نسبة إلى ابن أبي العزاقر الشلمغاني.

المغيرية: نسبة إلى المغيرة بن سعيد العجلي.

الجوارية: نسبة إلى داود الجواري(١) .

ج - وجهة نظر:

وانه لمن الملفت للنظر - حقاً - أن تظهر إلى الوجود، في تلك البيئة الدينية المحافظة جداً. وفي ذلك العصر الذي كانت فيه القيم الروحية، هي التي تحدد سلوك الفرد، وتصبغ تفكيره بصبغتها، حيث لم يكن أحد - من كان - يجرؤ على المجاهرة، ولو بما يستشم منه رائحة الاستهتار أو التهاون بها.

إنه لمن الملفت للنظر حقاً - كما قلت - أن تبرز فجأة، وفي مثل هذه البيئة جماعة من الناس، تدّعي لنفسها حق تأويل الآيات المتشابهة بأهوائها وآرائها، وبما توحيه لها عقولها القاصرة.

ونحن نؤمن - كمسلمين - بحرية الفكر والرأي، إلا أننا نؤمن بها في حدود المعقول، وبشكل يتناسب مع الجو العام، الذي تتواجد فيه هذه الحرية. وبالطرق المتعارفة، التي لا تشذ عن قانون التدرّج.

____________________

(١) وقد ورد في بعض الكتب بالحاء المهملة أي «الحواري».

٣٢

أما الطفرة من أحد طرفي القطر في الدائرة، إلى الطرف الآخر، من دون مرور بمركزها فمستحيلة.

وهذه الفرقة من المشبهة، بظهورها بهذا الشكل، وبهذه الصورة، وبهذه الأفكار، حطمت كل القواعد والأصول المتعارفة، لظهور أية جماعة فكرية أو غيرها في كل زمان ومكان.

أضف إلى ذلك، انها لم تدل بآرائها حول حكم شرعي، أو مشكلة تتعلق بالمخلوق، وإنما تجاوزت ذلك كله، لتفلسف ذات الخالق وصفاته.

ومن هنا كان لا بد، من وضع علامة استفهام كبيرة، مع علامة تعجب على هذه الظاهرة، متمثلة فيما يسمى بالمشبهة أو المجسمة.

وتظهر منطقية موقفنا هذا، إذا اطلعنا على أن التشبيه والتجسيم، لهما جذور في اليهودية، والنصرانية. بل ان اليهود - كما يذكر الرازي -(١) أكثرهم من المشبهة.

وإذا كان الأمر كذلك فليس من البعيد أبداً، أن يكون هؤلاء، المجسمة الذين برزوا على المسرح بهذا الشكل الملفت للنظر، من اعداء الإسلام، والحاقدين عليه، تظاهروا بالإيمان وأبطنوا الكفر، ليقوّضوا دعائم الدين من داخل، وليشكّكوا المسلمين في عقيدتهم، ببثهم مثل هذه الآراء الفاسدة التي - كما يقول الشهرستاني - «لا تدل على عقل ولا علم»(٢) .

ولعله من هنا، عبر عنهم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، بأنهم مجوس هذه الأمة أو يهود هذه الأمة.

____________________

(١) إعتقادات فرق المسلمين والمشركين ٦٣ وراجع ما قلناه في هامش ص ٣٤ من هذا الكتاب.

(٢) الملل والنحل ١ / ٧٥ وما بعدها.

٣٣

وقد شعر بعض مفكري الإسلام في تلك الحقبة، بما تنطوي عليه الأفكار التي يبثها هؤلاء المجسمة، من خطورة على العقيدة، وقداستها في العقول والقلوب، فهبوا للوقوف في وجهها، يسفهونها، ويسفهون القائلين بها، ويكتشفون بطلانها وسخفها بالحجج والبراهين. فنشأت بذلك فرقة المعتزلة.

٢ - المعتزلة

أ - مبدأ ظهور المعتزلة كفرقة:

وقد ظهرت هذه الفرقة أول ما ظهرت، في البصرة، متمثلة في شخص واصل بن عطاء، حيث كان من تلاميذ الحسن البصري، ثم انفصل عنه، ليؤسس مدرسة عرفت فيما بعد، بمدرسة الإعتزال بالبصرة. في قبال مدرسة الإعتزال في بغداد، والتي أسسها بعد ذلك تلميذه بشر بن المعتمر الملقب بالهلالي والمكنى بأبي سهل.

ب - سبب تسمية المعتزلة بهذا الاسم:

وقد ذكر مؤرخو الفرق أسباباً مختلفة لتسمية المعتزلة بهذا الإسم، يمكن إرجاعها إلى إثنين:

أولهما : اعتزال واصل بن عطاء، مجلس أستاذه الحسن البصري، لمخالفته بعض آرائه الإعتقادية، وخاصة في مرتكب الكبيرة، إذا مات من غير توبة.

وقد ذكر البغدادي أن عمرو بن عبيد، كان من المؤيدين لواصل في الرأي، فاعتزل الحسن معه.

٣٤

أما الدينوري في عيون الأخبار، فهو ينسب حركة الإعتزال هذه لمجلس الحسن إلى عمرو بن عبيد وجماعة، من دون أن يذكر إسم واصل بن عطاء.

ثانيهما : دعواهم التي ادّعوها، من أنهم اعتزلوا فرقتي الضلالة: الخوارج وأهل الحديث.

هذا، ويمكن أن يشكّل السببان سبباً واحداً، هو أن واصل بن عطاء، أو عمرو بن عبيد، أو هما معاً بعد أن خالفا كلاً من أهل الحديث - ومنهم الحسن البصري - والخوارج الرأي في مرتكب الكبيرة، اعتزلا كلتا الفئتين وكوّنا مدرستهما الجديدة، فسموا بالمعتزلة.

ج - بعض أسماء المعتزلة:

وقد أطلقت على المعتزلة، أو أطلقوا هم على أنفسهم، إضافة إلى الإعتزال عدة أسماء أهمها، كما يذكر القاضي عبد الجبار: «العدلية لقولهم بعدل اللّه وحكمته، والموحّدة لقولهم لا قديم مع اللّه.»(١) .

ويقول الشهرستاني «ويسمون - أي المعتزلة - أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية»(٢) .

____________________

(١) طبقات المعتزلة.

(٢) الملل والنحل ١ / ٤٣.

٣٥

د - حجتهم على فضل الاعتزال:

واحتج المعتزلة لفضل الإعتزال بأدلة من القرآن والسنة.

فمن القرآن الكريم احتجوا بقوله تعالى على لسان إبراهيمعليه‌السلام ( وَ أَعْتَزِلُکُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُو رَبِّي ) (١) .

ومن السنة الشريفة، بما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله «من اعتزل من الشر سقط في الخير»(٢) .

وبما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطريق سفيان الثوري «ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، ابرّها وأتقاها الفئة المعتزلة»(٣) .

ه‍ - أصول المعتزلة:

وقد قرر المعتزلة أصولاً خمسة، لا يستحق أحد صفة الإعتزال إلا إذا اعتقد بها جميعاً، وهذه الأصول هي:

التوحيد : ومعناه أنه «تعالى واحد في ذاته لا قسمة ولا صفة له. وواحد في أفعاله لا شريك له، فلا قديم غير ذاته، ولا قسيم له في أفعاله، ومحال وجود قديمين ومقدور بين قادرين.»(٤)

العدل : وهو عند المعتزلة «ما يقتضيه العقل من الحكمة، وهو إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة»(٥) .

____________________

(١) مريم ٤٨.

(٢) و(٣) و(٤) و(٥) القاضي عبد الجبار في طبقات المعتزلة.

٣٦

الوعد والوعيد : ويريدون بهما «أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض... وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار»(١) .

المنزلة بين المنزلتين : ويريدون به أن مرتكب الكبيرة في مرتبة وسط لا هو بمؤمن ولا هو بكافر. وبعبارة أخرى: المسلم الذي ارتكب كبيرة من الكبائر هو في منزلة وسط بين منزلتي الكفر والإيمان.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : وقد ذهب المعتزلة إلى القول بوجوبهما بمقتضى العقل فقط.

هذا، وسوف نلم ببعض آراء هذه المدرسة - على نحو الإجمال - حول هذه الأقوال وغيرها، في مطاوي بحوثنا القادمة إن شاء اللّه.

و - طبقات المعتزلة:

والمعتزلة ككل فرقة أو نحلة، يحاولون أن يبرزوا أحقيتهم فيما يقولون ويعتقدون، بأية صورة، وبكل أسلوب.

ومن هنا نراهم، يجعلون من جملة القائلين بمقالتهم، عظام الرجال وقادة الأمة، مؤوّلين لكل منهم، قولاً صدر عنه، أو موقفاً وقفه، بما يتفق مع عقيدتهم ومذهبهم.

ولذا، نجد القاضي عبد الجبار الهمداني المعتزلي، أنه يذكر من جملة المعتزلة، علياًعليه‌السلام وغيره كما سنرى.

____________________

(١) الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٤٥.

٣٧

وفي رأيي، أن محاولتهم حشر هذه النماذج بين صفوفهم، وعدها من معتنقي مذهبهم، أمر لا يخلو من سخف وقحة، فضلاً عن أنه يفتح لخصومهم ثغرة ينفذون من خلالها ليضمّوا فضيحة جديدة، إلى ما يرونه لهم من فضائح.

ويصل القاضي عبد الجبار المعتزلي، بطبقات المعتزلة - حسب رأيه - إلى عشر، نذكر أهم رجالات كل طبقة منها، وذلك انسجاماً مع الموضوعية وإن كنا قد بينا رأينا في ذلك، وأنه من السخف بمكان.

الطبقة الأولى : عليعليه‌السلام وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعبد اللّه بن مسعود، وعبد اللّه بن عباس.

الطبقة الثانية : الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام .

الطبقة الثالثة : الحسن بن الحسن بن عليعليه‌السلام ، عبد اللّه بن الحسن بن عليعليه‌السلام ، زيد بن عليعليه‌السلام .

الطبقة الرابعة : غيلان الدمشقي، واصل بن عطاء، عمرو بن عبيد.

الطبقة الخامسة :.....

الطبقة السادسة : أبو الهذيل العلاف، أبو إسحاق النظّام، بشر بن المعتمر، معمر بن عباد.

الطبقة السابعة : عمرو بن بحر الجاحظ، أبو يعقوب الشحام، صالح قبة، أبو جعفر الإسكافي، أبو علي الأسواري.

الطبقة الثامنة : أبو علي الجبائي، أبو الحسين الخياط، أبو القاسم الكعبي، ابن الراوندي.

الطبقة التاسعة : أبو هاشم الجبائي.

٣٨

الطبقة العاشرة : أبو القاسم السيرافي، أحمد بن أبي هاشم الجبائي، أبو بكر البخاري.

ز - فرق المعتزلة : ذكر البغدادي، أن فرق المعتزلة عشرون هي:

الواصلية. العمروية.الهذيلية. النظّامية . الأسوارية.المعمرية. البشرية. الهشامية. المَردَارية . الجعفرية وهم أتباع جعفر بن حرب الثقفي وجعفر بن بشر الهمداني. الاسكافية.الثمّامية. الجاحظية . الشجامية.الخياطيّة. الكعبية. الجبائية. البهشمية. الخابطية. الحمارية .

وأما الشهرستاني(١) فقد ذكر منها خمس عشرة فرقة وتكلم على كل واحدة بالتفصيل والفرق التي ذكرها من الفرق المذكورة أعلاه ما طبع بالأسود وزاد واحدة لم تذكر وهي: الحَدْثية.

ح - شيوخ المعتزلة:

وهنا - تتميماً للفائدة، لا بأس من أن نذكر لمحة عن عدد من أشهر شيوخ المعتزلة.

١ - محمد بن الهذيل

يكنى بأبي الهذيل، ويلقب بالعلاف.

والوجه في تلقيبه بالعلاف - كما يذكر القاضي عبد الجبار - هو أن داره كانت بالعلافين، وهي محلة بالبصرة حيث ولد.

____________________

(١) راجع الملل والنحل ١ / ٤٦ - ٨٥.

٣٩

وقد ولد سنة ١٣٥ هجرية، أو قبل ذلك بسنة واحدة على اختلاف الروايتين حول سنة مولده. وتوجد رواية ثالثة لأبي الحسين الخياط، تقول انه ولد سنة ١٣١ هجرية.

وقد كان شيخه الذي أخذ عنه العلم، عثمان الطويل، كما ذكر هو عن نفسه، حسب رواية البغدادي في تاريخه.

ويصفه الشهرستاني بأنه شيخ المعتزلة الأكبر.

بعض آراء العلاف للاعتقادية

أ - رأيه في ذات اللّه وصفاته:

يرى العلاف أن «اللّه واحد ليس كمثله شيء، وليس بجسم ولا صورة، ولا لحم ولا دم، ولا جوهر ولا عرض وليس بذي جهات ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان. ولا يجوز عليه الفناء، ولا يلحقه العجز والنقص»(١) .

وبهذا يتضح أن العلاف يقول بتوحيد اللّه والتوحيد التام المطلق، وينزهه التنزيه المطلق التام، عن كل ما يستشم منه رائحة التجسيم أو التشبيه.

هذا فيما يتعلق بالذات. وأما ما يتعلق بالصفات الإلهية. فإنا نجد أبا الهذيل يقسمها إلى قسمين:(٢) صفات ذات وصفات أفعال.

ويقصد بصفات الذات تلك التي لا يجوز أن يوصف الباري بأضدادها ولا بالقدرة على اضدادها.

____________________

(١) مقالات الإسلاميين للأشعري ١ / ١٥٥ وما بعدها.

(٢) نفس المصدر / ١٦٥ وما بعدها.

٤٠