دراسات في العقيدة الإسلامية

دراسات في العقيدة الإسلامية27%

دراسات في العقيدة الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 212

دراسات في العقيدة الإسلامية
  • البداية
  • السابق
  • 212 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69039 / تحميل: 7131
الحجم الحجم الحجم
دراسات في العقيدة الإسلامية

دراسات في العقيدة الإسلامية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وتكفير عثمان أيضاً وعائشة، وطلحة والزبير وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص.

ويمكن تلخيص معتقدهم في عدة نقاط:

أ - لم يشترطوا أن يكون خليفة المسلمين عربياً من قريش، فخالفوا بذلك ما أجمعت الأمة عليه. وصح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أن الخلفاء من قريش. بل جوّز الخوارج أن يكون الخليفة عبداً.

ب - اشترطوا أن يكون الخليفة بالانتخاب. وإلا يخرج عن جادة الحق والعدل ولهذا صححوا - في زعمهم - خلافة أبي بكر وعمر، وأبطلوا خلافة علي وعثمان.

أما إبطالهم خلافة عليعليه‌السلام فلأنه - في رأيهم - أخطأ في قبول التحكيم وأما ابطالهم لخلافة عثمان، فلأنه خرج عن جادة الحق في السنوات الأخيرة من خلافته.

ج - ذهبت بعض فرقهم، إلى الاعتقاد بعدم وجوب نصب خليفة للمسلمين، لأن المسلمين بمقتضى تشابك مصالحهم، وتساوي حاجة بعضهم إلى بعض، مما يمنعهم عن الجور والتعدي. ومعه لا حاجة بهم إلى إمام أو خليفة. لأن وجوده عندئذ يكون لغواً وعبثاً.

د - ذهبوا - على اختلافهم - إلى القول بتكفير مرتكب الكبيرة، وخلوده في النار. بل ذهبت بعض فرقهم، إلى تكفير مرتكب الذنب مطلقاً، حتى ولو كان من الصغائر. كما حكموا بكفر كل ما خالفهم، وان أطفال المشركين في النار مع آبائهم.

٢١

ه‍ - ذهبت بعض فرقهم، إلى الإعتقاد بحلية نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات بنات الإخوة. والقول بأن سورة يوسف ليست من القرآن.

هذه هي أهم النقاط التي يمكن حصر معتقدهم فيها مما يفهم من مجموع كلماتهم.

ولكن أهم ما برزوا فيه، هو ما ورد في النقطة الرابعة من تكفيرهم مرتكب الكبيرة، أو الذنب حتى ولو لم يكن من الكبائر وخلوده في النار.

ج - أهم فرق الخوارج:

والواقع أن ظهور الخوارج على مسرح الحياة كانت نتيجة موقف عاطفي متسرع، وليس مبنياً على أساس اعتقادي أو فكري. لذا نجدهم وقد تأرجحت آراؤهم وتباعدت، دون أن يكون لها محور تنشد إليه أو إطار تدور ضمن حدوده. ويبدو ذلك واضحاً في انقسامهم إلى فرق متكثرة جداً، تختلف فيما بينها إلى أن تصل إلى حد التباين. ويشذ بعضها إلى حد يصل معه إلى الكفر الصريح(١) .

وأهم هذه الفرق - وقد انقرضت الآن تقريباً - هي(٢) :

____________________

(١) وقد وردت في ذمهم وتكفيرهم والحث على قتالهم وقتلهم روايات كثيرة في كتب الأحاديث المعتبرة عند المسلمين عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فراجع مسند الإمام أحمد ٤ / ٤٢٢ - ٤٢٤ - وصحيح مسلم ١ / ٣٨٥ - ٣٩٨.

(٢) قيل بأن هذه الفرق من فروع الخوارج وقيل بأن بعضها من الأصول وبعضها من الفروع فراجع مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري ١ / ٨٦ - ١٥٢ والتبصير في الدين للإسفراييني ٢٦ - ٣٧.

٢٢

العطوية: أتباع عطية بن الأسود الحنفي.

العجاردة: جماعة عبد الكريم بن عجرد.

الحفصية: (من الأباضية) جماعة حفص بن أبي المقداد.

البهيسية: أتباع أبي بيهس هيجم بن جابر.

الصفرية: أتباع المهلب بن أبي صفرة.

الشبيبية: نسبة إلى شبيب بن زيد.

الشعيبية: نسبة إلى شخص اسمه شعيب بن محمد.

٢ - المرجئة

أ - سبب تسميتهم:

لقد قلنا قبل قليل أن أهم أصل من الأصول التي التزم بها الخوارج هو القول بتكفير مرتكب الكبيرة، أو الذنب مطلقاً، وخلوده في النار، وقد أدى هذا الموقف المتطرف من هؤلاء إلى بروز فرقة في قبالهم تنادي بعكس ما اعتقدوه. حيث حكمت بإيمان مرتكب الكبيرة.

وأما من جهة عقابه بخلوده في النار - كما ارتآه الخوارج - فلا يقولون فيه بقول، بل يرجئون الحكم في ذلك إلى اللّه. والإرجاء هو التأخير.

ولعل هذا هو سبب تسميتهم بالمرجئة.

٢٣

ونسب الاسفراييني(١) إلى المرجئة، القول بأنه لا تنفع مع الكفر طاعة كما لا تضر مع الإيمان معصية. فالمعاصي عند هؤلاء - ان صحت النسبة - لا تزيل صفة الإيمان عن مرتكبها. ومن الواضح أن لازم هذا القول، فتح باب الرجاء أمام العاصي لمغفرة اللّه وعفوه. وقد يكون هذا هو سبب تسميتهم بالمرجئة أيضاً.

ب - زمن ظهور القول بالإرجاء:

وعلى ما ذكرناه، من أن المرجئة كفرقة، كان ظهورها كردة فعل للموقف المتطرف الذي وقفه الخوارج من مرتكب الكبيرة، يتضح أن ظهورها كان في النصف الأول من القرن الأول للهجرة.

وقد ذهب بعض الكتّاب المحدثين(٢) إلى القول بأن ظهور الإرجاء كفكرة إنما كان في عهد عثمان عندما وقف قسم من المسلمين موقف المحايد بينه وبين الثائرين عليه.

ج - موقف الأمويين من القول بالإرجاء:

ومهما يكن فقد احتضن الأمويون هذه الفرقة. لأنهم رأوا في انتشار فكرتها بالنسبة للعاصي - وهم غارقون في المنكرات والمعاصي كبيرها وصغيرها - سنداً لهم في قبال الخوراج الذين يكفّرون مرتكب الكبيرة كما مر.

____________________

(١) التبصير في الدين ص ٦٠.

(٢) راجع كتاب أبو حنيفة للشيخ محمد أبو زهرة.

٢٤

د - فرق المرجئة:

وقد انقسم المرجئة إلى خمس فرق: هي:

المريسية نسبة إلى بشر المريسي

الثنوية أصحاب أبي معاذ

الغسّانية نسبة إلى رجل يدعى غسان

الثوبانية نسبة إلى رجل يكنى بأبي ثوبان

اليونسية نسبة إلى يونس بن عون

والذي يبدو من مراجعة كلمات المرجئة، على اختلاف فرقهم المتقدمة أنهم يجمعون على أصل سياسي عندهم، هو أن الإيمان، ليس إلا التصديق في القلب والقول باللسان دون أن يكون للعمل بمقتضاه أية دخالة في اتصاف الإنسان به.

وقد نسب إلى بعض فرقهم القول بعدم اشتراط التصديق المذكور في حصول صفة الإيمان عند الإنسان. بل اكتفوا لحصول ذلك بالإقرار باللسان فقط.

ومن هنا ذهبوا إلى القول بإيمان المنافقين الذين كانوا على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع اعترافهم بأنهم لم يؤمنوا بقلوبهم.

ومن هنا ذهبوا أيضاً إلى القول بأن الكفر المقابل للإيمان، يتحقق بالإنكار باللسان، وان انعقد قلبه على الإقرار بكل الأصول.

٢٥

٣ - المجبّرة

أ - معنى القول بالجبر وأول قائل به:

ويراد بالمجبِّرة، أولئك الذين يقولون بأن كل فعل يصدر عن الإنسان فهو مخلوق للّه، سواء كان ذلك الفعل الصادر خيراً أو شراً، من دون أن يكون للإنسان أي اختيار أو أثر، في صدوره عنه، أو منع صدوره.

وقد استدل هؤلاء لمذهبهم، بآيات وردت في القرآن الكريم كقوله تعالى( اللَّهُ خَالِقُ کُلِّ شَيْ‌ءٍ وَ هُوَ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ وَکِيلٌ ) (١) . وقوله تعالى:( وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ‌ ) (٢) .

وتنسب هذه الفرقة إلى الجهم بن صفوان، كاتب شريح بن الحارث. وقد عمل الجهم هذا، على نشرها في العراق، وبعض بلاد فارس.

وقيل إن ابن صفوان، لم يكن مبتدع فكرة القول بالجبر، بل كان أول من ابتدعها وروّج لها: الجعد بن درهم، مولى بني الحكم من أهل الشام. مربي بعض الخلفاء الأمويين، أخذها عن اليهود(٣) ، بعد اتصاله بهم ثم أخذها عنه الجهم عندما التقاه في الكوفة.

وقد قتل الجهم بن صفوان في أواخر حكم الأمويين، فقر أتباعه إلى نهاوند، واستقروا فيها.

____________________

(١) الزمر ٦٢.

(٢) الصافات ٩٦.

(٣) القول بالجبر، هو مذهب الفريسيين من اليهود ومنهم كعب الأحبار، وهم الفئة الكبرى يقابلهم الصدوقيون الذين كانوا يقولون بالإختيار وهم فئة كانت قليلة نسبياً وقد انقرضت الآن..

٢٦

وإذا صح ما ذكرناه، يكون أول ظهور المجبرة كفرقة في أواسط حكم الأمويين.

ب - صلة الأمويين بالقول بالجبر:

والذي يبدو لي، أن الأمويين هم الذين ثبّتوا هذه الفكرة في أذهان بعض أتباعهم ومريديهم، ثم احتضنوها وعملوا على نشرها وترويجها وحمايتها وذلك لأمور:

الأول : أنها ترفع عنهم أمام الناس وزر ما يرتكبونه من موبقات، ويأتونه من منكرات وجرائم، باعتبار أنهم مجبورون على إتيانها ولا اختيار لهم فيها.

الثاني : إن فكرة الجبر هذه، من أبرز دعاتها - ان لم يكن واضع حجر الأساس لها - الجعد بن درهم، المقرب جداً من البلاط الأموي والمناطة به تربية أولاد الأمويين ممن صاروا خلفاء فيما بعد.

الثالث : إن هذه الفكرة راجت في الشام - مهد الأموية - أكثر من رواجها في أي قطر آخر من أقطار المسلمين. وقد روي أن ابن عباس خطب في أهل الشام يوماً، فقال في جملة ما قال:( أتأمرون الناس بالتقوى وبكم ضل المتقون. وتنهون عن المعاصي وبكم ظهر العاصون. هل منكم إلا مفتر على اللّه ليجعل اجرامه عليه سبحانه وينسبه إليه ) (١) .

____________________

(١) المنية والأمل لأحمد بن يحيى بن المرتضى ص ٨.

٢٧

الرابع : ان - القدرية - وهم الذين يقابلون المجبرة مقابلة النقيض لنقيضه ويقولون بأن أفعال العباد مخلوقة لهم، من دون أن يكون للّه أية دخالة في خلقها من قريب أو بعيد. ان القدرية هؤلاء، قد شنوا - ممثلين في شخصي مؤسسي فكرتهم غيلان الدمشقي، ومعبد الجهني - حرباً لا هوادة فيها على الأمويين بالخصوص، حتى أن معبداً المذكور، قد اشترك مع عبد الرحمن بن الأشعث، عندما ثار على الأمويين، فقتله الحجّاج. في حين أقذع غيلان الدمشقي، في سب الأمويين وشتمهم.

ج - المجبرة والأشاعرة:

والذي ينبغي التنبيه عليه هنا، أن فكرة الأشاعرة عن أفعال الإنسان، تلتقي في نتيجتها، مع فكرة المجبرة هؤلاء. كما سنتعرض لبيان ذلك في محله المناسب إن شاء اللّه.

وقد واصل المجبرة نشر فكرتهم فيما وراء النهر، حتى أوائل القرن الرابع الهجري، حيث انهارت أمام الحملات الفكرية التي شنَّها عليهم أبو منصور الماتريدي مؤسس الماتريدية: النسخة المشابهة جداً للأشاعرة.

٤ - القدَرية

أ - معنى القول بالقدر وأول قائل به:

ويراد بالقدرية، أولئك الذين يقولون بأن كل فعل يصدر عن الإنسان خيراً كان أو شراً، فهو مخلوق له وحده، بعد أن قدره بعلمه، وتحرك نحوه بإرادته، من دون أن يكون لعلم اللّه أو إرادته، دخالة في تقديره وإرادته.

٢٨

بل ذهب هؤلاء إلى القول بأن اللّه لا يعلم فعل العبد، إلا بعد إيجاده له.

وقد اتخذ القدرية هذا الموقف المتطرف من أفعال الإنسان، والذي لا سند له من عقل أو نقل، كرد فعل لموقف المجبرة المتقدم، من تلك الأفعال.

وغيلان الدمشقي، ومعبد الجهني، هما اللذان حملا لواء هذه الفكرة(١) . حيث قام غيلان بنشرها في الشام، ومعبد في العراق(٢) .

وقيل بأن غيلان أخذ هذا القول عن الحسن بن محمد بن الحنفية(٣) .

ومن جملة مناظرات غيلان هذا التي يوردها بعض الباحثين(٤) في تاريخ الفرّق، مناظراته مع عمر بن عبد العزيز، الخليفة الأموي. يقول: «قال ابن مهاجر: بلغ عمر بن عبد العزيز أن غيلان وفلاناً نطقا في القدر، فأرسل إليهما.

وقال: ما الأمر الذي تنطقان به؟

فقالا: هو ما قال اللّه يا أمير المؤمنين.

قال: وما قال اللّه؟

قال (غيلان): قال:( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَکُنْ شَيْئاً مَذْکُوراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاکِراً وَ إِمَّا کَفُوراً ) .

ثم سكتا

____________________

(١) راجع سرح العيون لابن نباتة المصري ١٨٣ وما بعدها وراجع أيضاً الخطط للمقريزي.

(٢) سرح العيون لابن نباتة المصري ١٨٣ وما بعدها.

(٣) المنية والأمل لأحمد بن المرتضى ١٥ وما بعدها.

(٤) راجع سرح العيون لابن نباتة المصري ١٨٣ وما بعدها.

٢٩

فقال عمر: اقرآ.

حتى بلغا( ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربيه سبيلاً، وما تشاؤون إلا ان يشاء الله ) إلى آخر السورة.

قال عمر: «كيف تريان يا ابني الأتانة؟ تأخذان الفروع وتدعان الأصول».

ب - القدرية والمعتزلة:

ولا بد من التنبيه هنا، على أن عقيدة المعتزلة في أفعال الإنسان، تلتقي في جوهرها، مع فكرة القدرية هؤلاء، كما سنتعرض لبيان ذلك، في محله المناسب، إن شاء اللّه.

ب - بعد عصر الترجمات

تلك، كانت أهم الفرق التي سبقت في الظهور عصر الترجمات. والآن لا بد من استعراض أهم المواقف الفكرية والاعتقادية، التي تولدت عن عصر الترجمات.

لقد سبق أن قلنا، بأن جواً فكرياً مبلبلاً، طغت فيه التساؤلات، عن ذات اللّه وصفاته، بشكل هستيري، لا تحده ضوابط، ولا تقيده قيود هيأ أرضيته عصر الترجمات للتراث الفلسفي اليوناني.

في ظل هذا الجو الفكري المبلبل، برز إلى الوجود فريق، أخذ على عاتقه مهمة الإجابة على تلك التساؤلات، عن معاني الآيات المتشابهة، بتأويله تلك الآيات التي ذكرنا طرفاً منها في مطلع هذه البحوث. وهذا الفريق، هو ما يعرف باسم: المشبهة أو المجسمة.

٣٠

١ - المشبهة

أ - صنفا المشبهة:

والذي يبدو، أن هؤلاء المشبهة، كانوا صنفين:

الأول: جعل التشبيه بين ذات اللّه وبين جسم الإنسان، فقال بأن المعبود «جسم ولحم، ودم. وله جوارح وأعضاء من يد، ورجل، ورأس، ولسان، وعينين وأذنين»(١) «وأجازوا عليه - كما يقول الشهرستاني - الانتقال والمصافحة. وحكي عن داود الجواري أنه قال: اعفوني عن الفرج واللحية، واسألوني عما وراء ذلك. وقال: ان له وفرة سوداء، وشعراً شديد الجعودة»(٢) :

وقد غلا هؤلاء غلواً فاحشاً، حيث زعم أنه سبعة أشبار بشبر نفسه(٣) .

الثاني: جعل التشبيه في الصفات «وذلك حين زعم بعضهم أن للّه إرادة حادثة، وكلاماً حادثاً مثل ما للإنسان. وحين زعم آخرون، أن اللّه لا يعلم أن الشيء سيكون قبل أن يكون مثله في ذلك مثل الإنسان أيضاً»(٤) .

____________________

(١) و(٢) راجع الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٧٥ وما بعدها.

(٣) و(٤) راجع التبصير في الدين للإسفراييني ٧٠ وما بعدها وكتاب اعتقادات فرق المسلمين والمشركين لفخر الدين الرازي ٦٣ وما بعدها.

٣١

ب - أهم فرق المشبهة:

المنصورية: جماعة أبي منصور العجلي.

الحلولية: جماعة أبي حلمان الدمشقي.

المقنعية: نسبة إلى رجل مقنع ظهر أيام المهدي، وادعى أنه إله.

العزاقرة: نسبة إلى ابن أبي العزاقر الشلمغاني.

المغيرية: نسبة إلى المغيرة بن سعيد العجلي.

الجوارية: نسبة إلى داود الجواري(١) .

ج - وجهة نظر:

وانه لمن الملفت للنظر - حقاً - أن تظهر إلى الوجود، في تلك البيئة الدينية المحافظة جداً. وفي ذلك العصر الذي كانت فيه القيم الروحية، هي التي تحدد سلوك الفرد، وتصبغ تفكيره بصبغتها، حيث لم يكن أحد - من كان - يجرؤ على المجاهرة، ولو بما يستشم منه رائحة الاستهتار أو التهاون بها.

إنه لمن الملفت للنظر حقاً - كما قلت - أن تبرز فجأة، وفي مثل هذه البيئة جماعة من الناس، تدّعي لنفسها حق تأويل الآيات المتشابهة بأهوائها وآرائها، وبما توحيه لها عقولها القاصرة.

ونحن نؤمن - كمسلمين - بحرية الفكر والرأي، إلا أننا نؤمن بها في حدود المعقول، وبشكل يتناسب مع الجو العام، الذي تتواجد فيه هذه الحرية. وبالطرق المتعارفة، التي لا تشذ عن قانون التدرّج.

____________________

(١) وقد ورد في بعض الكتب بالحاء المهملة أي «الحواري».

٣٢

أما الطفرة من أحد طرفي القطر في الدائرة، إلى الطرف الآخر، من دون مرور بمركزها فمستحيلة.

وهذه الفرقة من المشبهة، بظهورها بهذا الشكل، وبهذه الصورة، وبهذه الأفكار، حطمت كل القواعد والأصول المتعارفة، لظهور أية جماعة فكرية أو غيرها في كل زمان ومكان.

أضف إلى ذلك، انها لم تدل بآرائها حول حكم شرعي، أو مشكلة تتعلق بالمخلوق، وإنما تجاوزت ذلك كله، لتفلسف ذات الخالق وصفاته.

ومن هنا كان لا بد، من وضع علامة استفهام كبيرة، مع علامة تعجب على هذه الظاهرة، متمثلة فيما يسمى بالمشبهة أو المجسمة.

وتظهر منطقية موقفنا هذا، إذا اطلعنا على أن التشبيه والتجسيم، لهما جذور في اليهودية، والنصرانية. بل ان اليهود - كما يذكر الرازي -(١) أكثرهم من المشبهة.

وإذا كان الأمر كذلك فليس من البعيد أبداً، أن يكون هؤلاء، المجسمة الذين برزوا على المسرح بهذا الشكل الملفت للنظر، من اعداء الإسلام، والحاقدين عليه، تظاهروا بالإيمان وأبطنوا الكفر، ليقوّضوا دعائم الدين من داخل، وليشكّكوا المسلمين في عقيدتهم، ببثهم مثل هذه الآراء الفاسدة التي - كما يقول الشهرستاني - «لا تدل على عقل ولا علم»(٢) .

ولعله من هنا، عبر عنهم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، بأنهم مجوس هذه الأمة أو يهود هذه الأمة.

____________________

(١) إعتقادات فرق المسلمين والمشركين ٦٣ وراجع ما قلناه في هامش ص ٣٤ من هذا الكتاب.

(٢) الملل والنحل ١ / ٧٥ وما بعدها.

٣٣

وقد شعر بعض مفكري الإسلام في تلك الحقبة، بما تنطوي عليه الأفكار التي يبثها هؤلاء المجسمة، من خطورة على العقيدة، وقداستها في العقول والقلوب، فهبوا للوقوف في وجهها، يسفهونها، ويسفهون القائلين بها، ويكتشفون بطلانها وسخفها بالحجج والبراهين. فنشأت بذلك فرقة المعتزلة.

٢ - المعتزلة

أ - مبدأ ظهور المعتزلة كفرقة:

وقد ظهرت هذه الفرقة أول ما ظهرت، في البصرة، متمثلة في شخص واصل بن عطاء، حيث كان من تلاميذ الحسن البصري، ثم انفصل عنه، ليؤسس مدرسة عرفت فيما بعد، بمدرسة الإعتزال بالبصرة. في قبال مدرسة الإعتزال في بغداد، والتي أسسها بعد ذلك تلميذه بشر بن المعتمر الملقب بالهلالي والمكنى بأبي سهل.

ب - سبب تسمية المعتزلة بهذا الاسم:

وقد ذكر مؤرخو الفرق أسباباً مختلفة لتسمية المعتزلة بهذا الإسم، يمكن إرجاعها إلى إثنين:

أولهما : اعتزال واصل بن عطاء، مجلس أستاذه الحسن البصري، لمخالفته بعض آرائه الإعتقادية، وخاصة في مرتكب الكبيرة، إذا مات من غير توبة.

وقد ذكر البغدادي أن عمرو بن عبيد، كان من المؤيدين لواصل في الرأي، فاعتزل الحسن معه.

٣٤

أما الدينوري في عيون الأخبار، فهو ينسب حركة الإعتزال هذه لمجلس الحسن إلى عمرو بن عبيد وجماعة، من دون أن يذكر إسم واصل بن عطاء.

ثانيهما : دعواهم التي ادّعوها، من أنهم اعتزلوا فرقتي الضلالة: الخوارج وأهل الحديث.

هذا، ويمكن أن يشكّل السببان سبباً واحداً، هو أن واصل بن عطاء، أو عمرو بن عبيد، أو هما معاً بعد أن خالفا كلاً من أهل الحديث - ومنهم الحسن البصري - والخوارج الرأي في مرتكب الكبيرة، اعتزلا كلتا الفئتين وكوّنا مدرستهما الجديدة، فسموا بالمعتزلة.

ج - بعض أسماء المعتزلة:

وقد أطلقت على المعتزلة، أو أطلقوا هم على أنفسهم، إضافة إلى الإعتزال عدة أسماء أهمها، كما يذكر القاضي عبد الجبار: «العدلية لقولهم بعدل اللّه وحكمته، والموحّدة لقولهم لا قديم مع اللّه.»(١) .

ويقول الشهرستاني «ويسمون - أي المعتزلة - أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية والعدلية»(٢) .

____________________

(١) طبقات المعتزلة.

(٢) الملل والنحل ١ / ٤٣.

٣٥

د - حجتهم على فضل الاعتزال:

واحتج المعتزلة لفضل الإعتزال بأدلة من القرآن والسنة.

فمن القرآن الكريم احتجوا بقوله تعالى على لسان إبراهيمعليه‌السلام ( وَ أَعْتَزِلُکُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُو رَبِّي ) (١) .

ومن السنة الشريفة، بما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله «من اعتزل من الشر سقط في الخير»(٢) .

وبما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بطريق سفيان الثوري «ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، ابرّها وأتقاها الفئة المعتزلة»(٣) .

ه‍ - أصول المعتزلة:

وقد قرر المعتزلة أصولاً خمسة، لا يستحق أحد صفة الإعتزال إلا إذا اعتقد بها جميعاً، وهذه الأصول هي:

التوحيد : ومعناه أنه «تعالى واحد في ذاته لا قسمة ولا صفة له. وواحد في أفعاله لا شريك له، فلا قديم غير ذاته، ولا قسيم له في أفعاله، ومحال وجود قديمين ومقدور بين قادرين.»(٤)

العدل : وهو عند المعتزلة «ما يقتضيه العقل من الحكمة، وهو إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة»(٥) .

____________________

(١) مريم ٤٨.

(٢) و(٣) و(٤) و(٥) القاضي عبد الجبار في طبقات المعتزلة.

٣٦

الوعد والوعيد : ويريدون بهما «أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض... وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار»(١) .

المنزلة بين المنزلتين : ويريدون به أن مرتكب الكبيرة في مرتبة وسط لا هو بمؤمن ولا هو بكافر. وبعبارة أخرى: المسلم الذي ارتكب كبيرة من الكبائر هو في منزلة وسط بين منزلتي الكفر والإيمان.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : وقد ذهب المعتزلة إلى القول بوجوبهما بمقتضى العقل فقط.

هذا، وسوف نلم ببعض آراء هذه المدرسة - على نحو الإجمال - حول هذه الأقوال وغيرها، في مطاوي بحوثنا القادمة إن شاء اللّه.

و - طبقات المعتزلة:

والمعتزلة ككل فرقة أو نحلة، يحاولون أن يبرزوا أحقيتهم فيما يقولون ويعتقدون، بأية صورة، وبكل أسلوب.

ومن هنا نراهم، يجعلون من جملة القائلين بمقالتهم، عظام الرجال وقادة الأمة، مؤوّلين لكل منهم، قولاً صدر عنه، أو موقفاً وقفه، بما يتفق مع عقيدتهم ومذهبهم.

ولذا، نجد القاضي عبد الجبار الهمداني المعتزلي، أنه يذكر من جملة المعتزلة، علياًعليه‌السلام وغيره كما سنرى.

____________________

(١) الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٤٥.

٣٧

وفي رأيي، أن محاولتهم حشر هذه النماذج بين صفوفهم، وعدها من معتنقي مذهبهم، أمر لا يخلو من سخف وقحة، فضلاً عن أنه يفتح لخصومهم ثغرة ينفذون من خلالها ليضمّوا فضيحة جديدة، إلى ما يرونه لهم من فضائح.

ويصل القاضي عبد الجبار المعتزلي، بطبقات المعتزلة - حسب رأيه - إلى عشر، نذكر أهم رجالات كل طبقة منها، وذلك انسجاماً مع الموضوعية وإن كنا قد بينا رأينا في ذلك، وأنه من السخف بمكان.

الطبقة الأولى : عليعليه‌السلام وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعبد اللّه بن مسعود، وعبد اللّه بن عباس.

الطبقة الثانية : الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام .

الطبقة الثالثة : الحسن بن الحسن بن عليعليه‌السلام ، عبد اللّه بن الحسن بن عليعليه‌السلام ، زيد بن عليعليه‌السلام .

الطبقة الرابعة : غيلان الدمشقي، واصل بن عطاء، عمرو بن عبيد.

الطبقة الخامسة :.....

الطبقة السادسة : أبو الهذيل العلاف، أبو إسحاق النظّام، بشر بن المعتمر، معمر بن عباد.

الطبقة السابعة : عمرو بن بحر الجاحظ، أبو يعقوب الشحام، صالح قبة، أبو جعفر الإسكافي، أبو علي الأسواري.

الطبقة الثامنة : أبو علي الجبائي، أبو الحسين الخياط، أبو القاسم الكعبي، ابن الراوندي.

الطبقة التاسعة : أبو هاشم الجبائي.

٣٨

الطبقة العاشرة : أبو القاسم السيرافي، أحمد بن أبي هاشم الجبائي، أبو بكر البخاري.

ز - فرق المعتزلة : ذكر البغدادي، أن فرق المعتزلة عشرون هي:

الواصلية. العمروية.الهذيلية. النظّامية . الأسوارية.المعمرية. البشرية. الهشامية. المَردَارية . الجعفرية وهم أتباع جعفر بن حرب الثقفي وجعفر بن بشر الهمداني. الاسكافية.الثمّامية. الجاحظية . الشجامية.الخياطيّة. الكعبية. الجبائية. البهشمية. الخابطية. الحمارية .

وأما الشهرستاني(١) فقد ذكر منها خمس عشرة فرقة وتكلم على كل واحدة بالتفصيل والفرق التي ذكرها من الفرق المذكورة أعلاه ما طبع بالأسود وزاد واحدة لم تذكر وهي: الحَدْثية.

ح - شيوخ المعتزلة:

وهنا - تتميماً للفائدة، لا بأس من أن نذكر لمحة عن عدد من أشهر شيوخ المعتزلة.

١ - محمد بن الهذيل

يكنى بأبي الهذيل، ويلقب بالعلاف.

والوجه في تلقيبه بالعلاف - كما يذكر القاضي عبد الجبار - هو أن داره كانت بالعلافين، وهي محلة بالبصرة حيث ولد.

____________________

(١) راجع الملل والنحل ١ / ٤٦ - ٨٥.

٣٩

وقد ولد سنة ١٣٥ هجرية، أو قبل ذلك بسنة واحدة على اختلاف الروايتين حول سنة مولده. وتوجد رواية ثالثة لأبي الحسين الخياط، تقول انه ولد سنة ١٣١ هجرية.

وقد كان شيخه الذي أخذ عنه العلم، عثمان الطويل، كما ذكر هو عن نفسه، حسب رواية البغدادي في تاريخه.

ويصفه الشهرستاني بأنه شيخ المعتزلة الأكبر.

بعض آراء العلاف للاعتقادية

أ - رأيه في ذات اللّه وصفاته:

يرى العلاف أن «اللّه واحد ليس كمثله شيء، وليس بجسم ولا صورة، ولا لحم ولا دم، ولا جوهر ولا عرض وليس بذي جهات ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان. ولا يجوز عليه الفناء، ولا يلحقه العجز والنقص»(١) .

وبهذا يتضح أن العلاف يقول بتوحيد اللّه والتوحيد التام المطلق، وينزهه التنزيه المطلق التام، عن كل ما يستشم منه رائحة التجسيم أو التشبيه.

هذا فيما يتعلق بالذات. وأما ما يتعلق بالصفات الإلهية. فإنا نجد أبا الهذيل يقسمها إلى قسمين:(٢) صفات ذات وصفات أفعال.

ويقصد بصفات الذات تلك التي لا يجوز أن يوصف الباري بأضدادها ولا بالقدرة على اضدادها.

____________________

(١) مقالات الإسلاميين للأشعري ١ / ١٥٥ وما بعدها.

(٢) نفس المصدر / ١٦٥ وما بعدها.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

ومن المعلوم أنّ وقوع الخطاء في هذه المرحلة أعني مرحلة الدين ورفع الاختلاف عن الاجتماع يعادل نفس الاختلاف الاجتماعيّ في سدّ طريق استكمال النوع الإنسانيّ، وإضلاله هذا النوع في سيره إلى سعادته، فيعود المحذور من رأس.

قلت: الأبحاث السابقة تكفي مؤنة حلّ هذه العقدة، فإنّ الّذي ساق هذا النوع نحو هذه الفعليّة أعني الأمر الروحي الّذي يرفع الاختلاف إنّما هو الناموس التكوينيّ الّذي هو الإيصال التكوينيّ لكلّ نوع من الأنواع الوجوديّة إلى كماله الوجوديّ وسعادته الحقيقيّة، فإنّ السبب الّذي أوجب وجود الإنسان في الخارج وجوداً حقيقيّاً كسائر الأنواع الخارجيّة هو الّذي يهديه هداية تكوينيّة خارجيّة إلى سعادته، ومن المعلوم أنّ الاُمور الخارجيّة من حيث أنّها خارجيّة لا تعرضها الخطاء والغلط، أعني: أنّ الوجود الخارجيّ لا يوجد فيه الخطاء والغلط لوضوح أنّ ما في الخارج هو ما في الخارج! وإنّما يعرض الخطاء والغلط في العلوم التصديقيّة والاُمور الفكريّة من جهة تطبيقها على الخارج فإنّ الصدق والكذب من خواصّ القضايا، تعرضها من حيث مطابقتها للخارج وعدمها، وإذا فرض أنّ الّذي يهدي هذا النوع إلى سعادته ورفع اختلافه العارض على اجتماعه هو الإيجاد والتكوين لزم أن لا يعرضه غلط ولا خطاء في هدايته، ولا في وسيلة هدايته الّتي هي روح النبوّة وشعور الوحى، فلا التكوين يغلط في وضعه هذا الروح والشعور في وجود النبيّ، ولا هذا الشعور الّذي وضعه يغلط في تشخيصه مصالح النوع عن مفاسده وسعادته عن شقائه، ولو فرضنا له غلطاً وخطائاً في أمره وجب أن يتداركه بأمر آخر مصون عن الغلط والخطاء، فمن الواجب أن يقف أمر التكوين على صواب لا خطاء فيه ولا غلط.

فظهر: أنّ هذا الروح النبويّ لا يحلّ محلّاً إلّا بمصاحبة العصمة، وهي المصونيّة عن الخطاء في أمر الدين والشريعة المشرّعة، وهذه العصمة غير العصمة عن المعصية كما أشرنا إليه سابقاً، فإنّ هذه عصمة في تلقّي الوحى من الله سبحانه، وتلك عصمة في مقام العمل والعبوديّة، وهناك مرحلة ثالثة من العصمة وهي العصمة في تبليغ الوحى، فإنّ كلتيهما واقعتان في طريق سعادة الإنسان التكوينيّة وقوعاً تكوينيّاً،

١٦١

ولا خطاء ولا غلط في التكوين.

وقد ظهر بما ذكرنا الجواب عن إشكال آخر في المقام وهو: أنّه لم لا يجوز أن يكون هذا الشعور الباطنيّ مثل الشعور الفطريّ المشترك أعني الشعور الفكريّ في نحو الوجود بأن يكون محكوماً بحكم التغيّر والتأثّر؟ فإنّ الشعور الفطريّ وإن كان أمراً غير مادّيّ، ومن الاُمور القائمة بالنفس المجرّدة عن المادّة إلّا أنّه من جهة ارتباطه بالمادّة يقبل الشدّة والضعف والبقاء والبطلان كما في مورد الجنون والسفاهة والبلاهة والغباوة وضعف الشيب وسائر الآفات الواردة على القوى المدركة، فكذلك هذا الشعور الباطنيّ أمر متعلّق بالبدن المادّيّ نحواً من التعلّق، وإن سلّم أنّه غير مادّيّ في ذاته فيجب أن يكون حاله حال الشعور الفكريّ في قبول التغيّر والفساد، ومع إمكان عروض التغيّر والفساد فيه يعود الإشكالات السابقة البتّة.

والجواب: أنّا بيّنّا أن هذا السوق أعني سوق النوع الإنسانيّ نحو سعادته الحقيقيّة إنّما يتحقّق بيد الصنع والإيجاد الخارجيّ دون العقل الفكريّ، ولا معنى لتحقّق الخطاء في الوجود الخارجيّ.

وأمّا كون هذا الشعور الباطنيّ في معرض التغيّر والفساد لكونه متعلّقاً نحو تعلّق بالبدن فلا نسلّم كون كلّ شعور متعلّق بالبدن معرضاً للتغيّر والفساد، وإنّما القدر المسلّم من ذلك هذا الشعور الفكريّ (وقد مرّ أنّ الشعور النبويّ ليس من قبيل الشعور الفكريّ) وذلك أنّ من الشعور شعور الإنسان بنفسه، وهو لا يقبل البطلان والفساد والتغيّر والخطاء فإنّه علم حضوريّ معلومه عين المعلوم الخارجيّ، وتتمّة هذا الكلام موكول إلى محلّه.

فقد تبيّن ممّا مرّ اُمور:أحدها: انسياق الاجتماع الإنساني إلى التمدّن والاختلاف.

ثانيها: أنّ هذا الاختلاف القاطع لطريق سعادة النوع لا يرتفع ولن يرتفع بما يضعه العقل الفكريّ من القوانين المقرّرة.

ثالثها: أنّ رافع هذا الاختلاف إنّما هو الشعور النبويّ الّذي يوجده الله سبحانه

١٦٢

في بعض آحاد الإنسان لا غير.

رابعها: أنّ سنخ هذا الشعور الباطنيّ الموجود في الأنبياء غير سنخ الشعور الفكريّ المشترك بين العقلاء من أفراد الإنسان.

خامسها: أنّ هذا الشعور الباطنيّ لا يغلط في إدراكه الاعتقادات والقوانين المصلحة لحال النوع الإنسانيّ في سعادته الحقيقيّة.

سادسها: أنّ هذه النتائج (ويهمّنا من بينها الثلثة الأخيرة أعني: لزوم بعثة الأنبياء، وكون شعور الوحى غير الشعور الفكريّ سنخاً، وكون النبيّ معصوماً غير غالط في تلقّي الوحى) نتائج ينتجها الناموس العامّ المشاهد في هذه العالم الطبيعيّ، وهو سير كلّ واحد من الأنواع المشهودة فيه نحو سعادته بهداية العلل الوجوديّة الّتي جهّزتها بوسائل السير نحو سعادته والوصول إليها والتلبّس بها، والإنسان أحد هذه الأنواع، وهو مجهّز بما يمكنه به أن يعتقد الاعتقاد الحقّ ويتلبّس بالملكات الفاضلة، ويعمل عملاً صالحاً في مدينة صالحة فاضلة، فلا بدّ أن يكون الوجود يهيّئ له هذه السعادة يوماً في الخارج ويهديه إليه هداية تكوينيّة ليس فيها غلط ولا خطاء على ما مرّ بيانه.

١٦٣

( سورة البقرة آية ٢١٤)

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ( ٢١٤ )

( بيان)

قد مرّ أنّ هذه الآيات آخذة من قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) إلى آخر هذه الآية، ذات سياق واحد يربط بعضها ببعض.

قوله تعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ) ، تثبيت لما تدلّ عليه الآيات السابقة، وهو أنّ الدين نوع هداية من الله سبحانه للناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونعمة حباهم الله بها، فمن الواجب أن يسلّموا له ولا يتّبعوا خطوات الشيطان، ولا يلقوا فيه الاختلاف، ولا يجعلوا الدواء دائاً، ولا يبدّلوا نعمة الله سبحانه كفراً ونقمة من اتّباع الهوى وابتغاء زخرف الدنيا وحطامها فيحلّ عليهم غضب من ربّهم كما حلّ ببني إسرائيل حيث بدّلوا نعمة الله من بعد ما جائتهم، فإنّ المحنة دائمة، والفتنة قائمة، ولن ينال أحد من الناس سعادة الدين وقرب ربّ العالمين إلّا بالثبات والتسليم.

وفي الآية التفات إلى خطاب المؤمنين بعد تنزيلهم في الآيات السابقة منزلة الغيبة، فإنّ أصل الخطاب كان معهم ووجه الكلام إليهم في قوله: يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة، وإنّما عدل عن ذلك إلى غيره لعناية كلاميّة أوجبت ذلك، وبعد انقضاء الوطر عاد إلى خطابهم ثانياً

وكلمة أم منقطعة تفيد الإضراب، والمعنى على ما قيل: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنّة الخ، والخلاف في أم المنقطعة معروف، والحقّ أنّ أم لإفاده الترديد، وأنّ الدلالة على معنى الإضراب من حيث انطباق معنى الإضراب على المورد، لا أنّها دلالة وضعيّة، فالمعنى في المورد مثلاً: هل انقطعتم بما أمرناكم من التسليم بعد الإيمان والثبات على

١٦٤

نعمة الدين، والاتّفاق والاتّحاد فيه أم لا بل حسبتم أن تدخلوا الجنّة الخ.

قوله تعالى: ( وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ) ، المثل بكسر الميم فسكون الثاء، والمثل بفتح الميم والثاء كالشبه والشبه، والمراد به ما يمثّل الشئ ويحضره ويشخّصه عند السامع، ومنه المثل بفتحتين، وهو الجملة أو القصّة الّتي تفيد استحضار معنى مطلوب في ذهن السامع بنحو الاستعارة التمثيليّة كما قال تعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) الجمعة - ٥، ومنه أيضاً المثل بمعنى الصفة كقوله تعالى:( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ ) الفرقان - ٩، وإنّما قالوا لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مجنون وساحر وكذّاب ونحو ذلك، وحيث أنّه تعالى يبيّن المثل الّذي ذكره بقوله: مسّتهم البأساء والضرّاء إلخ فالمراد به المعنى الأوّل.

قوله تعالى: ( مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ) إلى آخره لمّا اشتدّ شوق المخاطب ليفهم تفصيل الإجمال الّذي دلّ عليه بقوله: ولمّا يأتكم مثل الّذين، بيّن ذلك بقوله: مسّتهم البأساء والضرّاء والبأساء هو الشدّة المتوجّهة إلى الإنسان في خارج نفسه كالمال والجاه والأهل والأمن الّذي يحتاج إليه في حياته، والضرّاء هي الشدّة الّتي تصيب الإنسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض، والزلزلة والزلزال معروف وأصله من زلّ بمعنى عثر، كرّرت اللفظة للدلالة على التكرار كأنّ الأرض مثلاً تحدث لها بالزلزلة عثرة بعد عثرة، وهو كصّر وصرصر، وصّل وصلصل، وكبّ وكبكب، والزلزال في الآية كناية عن الاضطراب والادّهاش.

قوله تعالى: ( حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) ، قرء بنصب يقول، والجملة على هذا في محلّ الغاية لما سبقها، وقرء برفع يقول والجملة على هذا لحكاية الحال الماضية، والمعنيان وإن كانا جميعاً صحيحين لكنّ الثاني أنسب للسياق، فإنّ كون الجملة غاية يعلّل بها قوله: وزلزلوا لا يناسب السياق كلّ المناسبة.

قوله تعالى: ( مَتَىٰ نَصْرُ اللَّه ) ، الظاهر أنّه مقول قول الرسول والّذين آمنوا معه جميعاً، ولا ضير في أن يتفّوّه الرسول بمثل هذا الكلام استدعائاً وطلباً للنصر الّذي وعد به الله سبحانه رسله والمؤمنين بهم كما قال تعالى:( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا

١٦٥

الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ) الصافّات - ١٧٢، وقال تعالى:( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) المجادلة - ٢١، وقد قال تعالى أيضاً:( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) يوسف - ١١٠، وهو أشدّ لحناً من هذه الآية.

والظاهر أيضاً أنّ قوله تعالى: ألا إنّ نصر الله قريب مقول له تعالى لا تتمّة لقول الرسول والّذين آمنوا معه

والآية (كما مرّت إليه الإشارة سابقاً) تدلّ على دوام أمر الابتلاء والامتحان وجريانه في هذه الاُمّة كما جرى في الاُمم السابقة.

وتدل أيضاً على اتّحاد الوصف والمثل بتكرّر الحوادث الماضية غابراً، وهو الّذي يسمّى بتكرّر التاريخ وعوده.

١٦٦

( سورة البقرة آية ٢١٥)

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( ٢١٥ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ ) ، قالوا: إنّ الآية واقعة على اُسلوب الحكمة، فإنّهم إنّما سألوا عن جنس ما ينفقون ونوعه، وكان هذا السؤال كاللّغو لمكان ظهور ما يقع به الإنفاق وهو المال على أقسامه، وكان الأحقّ بالسؤال إنّما هو من ينفق له: صرف الجواب إلى التعرّض بحاله وبيان أنواعه ليكون تنبيهاً لهم بحقّ السؤال.

والّذي ذكروه وجه بليغ غير أنّهم تركوا شيئاً، وهو أنّ الآية مع ذلك متعرّضه لبيان جنس ما ينفقونه، فإنّها تعرّضت لذلك: أوّلاً بقولها: من خير، إجمالاً، وثانياً بقولها: وما تفعّلوا من خير فإنّ الله به عليم، ففي الآية دلالة على أنّ الّذي ينفق به هو المال كائناً ما كان، من قليل أو كثير، وأنّ ذلك فعل خير والله به عليم، لكنّهم كان عليهم أن يسألوا عمّن ينفقون لهم ويعرفوه، وهم: الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وابن السبيل.

ومن غريب القول ما ذكره بعض المفسّرين: أنّ المراد بما في قوله تعالى: ماذا له ينفقون ليس هو السؤال عن المهيّة فإنّه اصطلاح منطقيّ لا ينبغي أن ينزّل عليه الكلام العربيّ ولا سيّما أفصح الكلام وأبلغه، بل هو السؤال عن الكيفيّة، وأنّهم كيف ينفقونه، وفي أيّ موضع يضعونه، فاُجيب بالصرف في المذكورين في الآية، فالجواب مطابق للسؤال لا كما ذكره علماء البلاغة!.

ومثله وهو أغرب منه ما ذكره بعض آخر: أنّ السؤال وإن كان بلفظ ما إلّا أنّ

١٦٧

المقصود هو السؤال عن الكيفيّة فإنّ من المعلوم أنّ الّذي ينفق به هو المال، وإذا كان هذا معلوماً لم يذهب إليه الوهم، وتعيّن أنّ السؤال عن الكيفيّة، نظير قوله تعالى:( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) البقرة - ٧٠، فكان من المعلوم أنّ البقرة بهيمة نشأتها وصفتها كذا وكذا، فلا وجه لحمل قوله: ما هي على طلب المهيّة، فكان من المتعيّن أن يكون سؤالاً عن الصفة الّتي بها تمتاز البقرة من غيرها، ولذلك اُجيب بالمطابقة بقوله تعالى:( إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ ) الآية البقرة - ٧١.

وقد اشتبه الأمر على هؤلاء، فإنّ ما وإن لم تكن موضوعة في اللغة لطلب المهيّة الّتي اصطلح عليها المنطق، وهي الحدّ المؤلّف من الجنس والفصل القريبين، لكنّه لا يستلزم أن تكون حينئذ موضوعة للسؤال عن الكيفيّة، حتّى يصحّ لقائل أن يقول عند السؤال عن المستحقّين للانفاق: ماذا اُنفق: أي على من اُنفق؟ فيجاب عنه بقوله: للوالدين والأقربين، فإنّ ذلك من أوضح اللحن.

بل ما موضوعة للسؤال عما يعرّف الشئ سواء كان معرّفاً بالحدّ والمهيّة، أو معرّفاً بالخواصّ والأوصاف، فهي أعمّ ممّا اصطلح عليه في المنطق لا أنّها مغايرة له وموضوعة للسؤال عن كيفيّة الشيئ، ومنه يعلم أنّ قوله تعالى:( يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ) وقوله تعالى:( إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ ) سؤال وجواب جاريان على أصل اللغة، وهو السؤال عمّا يعرّف الشئ ويخصّه والجواب بذلك.

وأمّا قول القائل: إنّ المهيّة لمّا كانت معلومة تعيّن حمل ما على السؤال عن الكيفيّة دون المهيّة فهو من أوضح الخطاء، فإنّ ذلك لا يوجب تغيّر معنى الكلمة ممّا وضع له إلى غيره. ويتلوهما في الغرابة قول من يقول: إنّ السؤال كان عن الأمرين جميعاً: ما ينفقون؟ وأين ينفقون فذكر أحد السؤالين وحذف الآخر، وهو السؤال الثاني لدلالة الجواب عليه! وهو كما ترى.

وكيف كان لا ينبغي الشكّ في أنّ في الآية تحويلاً ما للجواب إلى جواب آخر تنبيهاً على أنّ الأحقّ هو السؤال عن من ينفق عليهم، وإلّا فكون الإنفاق من الخير

١٦٨

والمال ظاهر، والتحوّل من معنى إلى آخر للتنبيه على ما ينبغي التحوّل إليه والاشتغال به كثير الورود في القرآن، وهو من ألطف الصنائع المختصّة به كقوله تعالى:( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ) البقرة - ١٧١ وقوله تعالى:( مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ) آل عمران - ١١٧ وقوله تعالى:( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ) البقرة - ٢٦١، وقوله تعالى:( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء - ٨٩، وقوله تعالى:( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) الفرقان - ٥٧، وقوله تعالى:( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) الصافّات - ١٦٠، إلى غير ذلك من كرائم الآيات.

قوله تعالى: ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) ، في تبديل الإنفاق من فعل الخير هيهنا كتبديل المال من الخير في أوّل الآية إيماء إلى أنّ الإنفاق وإن كان مندوباً إليه من قليل المال وكثيره، غير أنّه ينبغي أن يكون خيراً يتعلّق به الرغبة وتقع عليه المحبّة كما قال تعالى:( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) آل عمران - ٩٢، وكما قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ) البقرة - ٢٦٧.

وايماء إلى أن الإنفاق ينبغى أن لا يكون على نحو الشرّ كالإنفاق بالمنّ والأذى كما قال تعالى:( ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ) البقرة - ٢٦٢، وقوله تعالى:( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) البقرة - ٢١٩.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور عن ابن عبّاس قال ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب محمّد ما سألوه إلّا عن ثلاث عشرة مسألة حتّى قبض، كلّهنّ في القرآن، منهنّ: يسئلونك عن الخمر والميسر، ويسألونك عن الشهر الحرام، ويسألونك عن اليتامى، ويسألونك عن المحيض، ويسألونك عن الأنفال، ويسألونك ماذا ينفقون، ما كانوا يسألون إلّا عمّا كان ينفعهم.

١٦٩

في المجمع في الآية: نزلت في عمرو بن الجموح - وكان شيخاً كبيراً ذا مال كثير - فقال: يا رسول الله! بماذا أتصدّق؟ وعلى من أتصدّق؟ فأنزل الله هذه الآية.

اقول: ورواه في الدرّ المنثور عن ابن المنذر عن ابن حيّان، وقد استضعفوا الرواية، وهي مع ذلك غير منطبق على الآية حيث لم يوضع في الآية إلّا السؤال عمّا يتصدّق به دون من يتصدّق عليه.

ونظيرها في عدم الانطباق ما رواه أيضاً عن ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريح قال: سأل المؤمنون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير، فذلك النفقة في التطوّع، والزكوة سوى ذلك كلّه.

ونظيرها في ذلك أيضاً ما رواه عن السدّي، قال: يوم نزلت هذه الآية لم يكن زكاة، وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله، والصدقة يتصدّق بها فنسختها الزكاة.

اقول: وليست النسبة بين آية الزكاة:( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ) التوبة - ١٠٣، وبين هذه الآية نسبه النسخ وهو ظاهر إلّا أن يعني بالنسخ معنى آخر.

١٧٠

( سورة البقرة آية ٢١٦ - ٢١٨)

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( ٢١٦ ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ٢١٧ ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ٢١٨ )

( بيان)

قوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ) ، الكتابة كما مرّ مراراً ظاهرة في الفرض إذا كان الكلام مسوقاً لبيان التشريع، وفي القضاء الحتم إذا كان في التكوين فالآية تدلّ على فرض القتال على كافّة المؤمنين لكون الخطاب متوجّهاً إليهم إلّا من أخرجه الدليل مثل قوله تعالى:( يْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) النور - ٦١، وغير ذلك من الآيات والأدلّة.

ولم يظهر فاعل كتب لكون الجملة مذيّلة بقوله:( وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ) وهو لا يناسب إظهار الفاعل صوناً لمقامه عن الهتك، وحفظاً لاسمه عن الاستخفاف أن يقع الكتابة المنسوبة إليه صريحاً مورداً لكراهة المؤمنين.

والكره بضمّ الكاف المشقّة الّتي يدركها الإنسان من نفسه طبعاً أو غير ذلك، والكره بفتح الكاف: المشقّة الّتي تحمّل عليه من خارج كأن يجبره إنسان آخر على

١٧١

فعل ما يكرهه، قال تعالى:( لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًاً ) النساء - ١٩، وقال تعالى:( فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًاً ) فصّلت - ١١، وكون القتال المكتوب كرهاً للمؤمنين إمّا لأنّ القتال لكونه متضمّناً لفناء النفوس وتعب الأبدان والمضارّ الماليّة وارتفاع الأمن والرخص والرفاهية، وغير ذلك ممّا يستكرهه الإنسان في حياته الإجتماعيّة لا محالة كان كرهاً وشاقّاً للمؤمنين بالطبع، فإنّ الله سبحانه وإن مدح المؤمنين في كتابه بما مدح، وذكر أنّ فيهم رجالاً صادقين في إيمانهم مفلحين في سعيهم، لكنّه مع ذلك عاتب طائفة منهم بما في قلوبهم من الزيغ والزلل، وهو ظاهر بالرجوع إلى الآيات النازلة في غزوة بدر واُحد والخندق وغيرها، ومعلوم أنّ من الجائز أن ينسب الكراهة والتثاقل إلى قوم فيهم كاره وغير كاره وأكثرهم كارهون، فهذا وجه.

وإمّا لأنّ المؤمنين كانوا يرون أنّ القتال مع الكفّار مع ما لهم من العدّة والقوّة لا يتمّ على صلاح الإسلام والمسلمين، وأنّ الحزم في تأخيره حتّى يتمّ لهم الاستعداد بزيادة النفوس وكثرة الأموال ورسوخ الاستطاعة، ولذلك كانوا يكرهون الإقدام على القتال والاستعجال في النزال، فبيّن تعالى أنّهم مخطئون في هذا الرأي والنظر، فإنّ لله أمراً في هذا الأمر هو بالغه، وهو العالم بحقيقة الأمر وهم لا يعلمون إلّا ظاهره وهذا وجه آخر.

وإمّا لأنّ المؤمنين لكونهم متربّين بتربية القرآن تعرق فيهم خلق الشفقة على خلق الله، وملكة الرحمة والرأفة فكانوا يكرهون القتال مع الكفّار لكونه مؤدّياً إلى فناء نفوس منهم في المعارك على الكفر، ولم يكونوا راضين بذلك بل كانوا يحبّون أن يداروهم ويخالطوهم بالعشرة الجميلة، والدعوة الحسنة لعلّهم يسترشدوا بذلك، ويدخلوا تحت لواء الإيمان فيحفظ نفوس المؤمنين من الفناء، ونفوس الكفّار من الهلاك الأبديّ والبوار الدائم، فبيّن ذلك أنّهم مخطئون في ذلك، فإنّ الله - وهو المشّرع لحكم القتال - يعلم أنّ الدعوة غير مؤثّرة في تلك النفوس الشقيّة الخاسرة، وأنّه لا يعود من كثير منهم عائد إلى الدين ينتفع به في دنياً أو آخرة، فهم في الجامعة الإنسانيّة كالعضو الفاسد الساري فساده إلى سائر الأعضاء، الّذي لا ينجع فيه علاجٌ دون

١٧٢

أن يقطع ويرمي به، وهذا أيضاً وجه.

فهذه وجوه يوجه بها قوله تعالى:( وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ) إلّا أنّ الأوّل أنسب نظراً إلى ما اُشير إليه من آيات العتاب، على أنّ التعبير في قوله: كتب عليكم القتال، بصيغة المجهول على ما مرّ من الوجه يؤيّد ذلك.

قوله تعالى: ( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، قد مرّ فيما مرّ أنّ أمثال عسى ولعلّ في كلامه تعالى مستعمل في معنى الترجيّ، وليس من الواجب قيام صفة الرجاء بنفس المتكلّم بل يكفي قيامها بالمخاطب أو بمقام التخاطب، فالله سبحانه إنّما يقول: عسى أن يكون كذا لا لأنّه يرجوه، تعالى عن ذلك، بل ليرجوه المخاطب أو السامع.

وتكرار عسى في الآية لكون المؤمنين كارهين للحرب، محبّين للسلم، فأرشدهم الله سبحانه على خطائهم في الأمرين جميعاً، بيان ذلك: أنّه لو قيل: عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم أو تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم، كان معناه أنّه لا عبرة بكرهكم وحبّكم فإنّهما ربّما يخطئان الواقع، ومثل هذا الكلام إنّما يلقى إلى من أخطأ خطأ واحداً كمن يكره لقاء زيد فقط، وأمّا من أخطأ خطائين كان يكره المعاشرة والمخالطة ويحبّ الاعتزال، فالّذي تقتضيه البلاغة أن يشار إلى خطائه في الأمرين جميعاً، فيقال له: لا في كرهك أصبت، ولا في حبّك اهتديت، عسى أن تكره شيئاً وهو خير لك وعسى أن تحبّ شيئاً وهو شرّ لك لأنّك جاهل لا تقدر أن تهتدي بنفسك إلى حقيقة الأمر، ولمّا كان المؤمنون مع كرههم للقتال محبّين للسلم كما يشعر به أيضاً قوله تعالى سابقاً: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم، نبّههم الله بالخطائين بالجملتين المستقلّتين وهما: عسى أن تكرهوا، وعسى أن تحبّوا.

قوله تعالى: ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ، تتميم لبيان خطائهم، فإنّه تعالى تدرّج في بيان ذلك إرفاقاً بأذهانهم، فأخذ أوّلاً بإبداء احتمال خطائهم في كراهتهم للقتال بقوله: عسى أن تكرهوا، فلمّا اعتدلت أذهانهم بحصول الشكّ فيها، وزوال صفة الجهل المركّب كرّ عليهم ثانياً بأنّ هذا الحكم الّذي كرهتموه أنتم إنّما شرّعه

١٧٣

الله الّذي لا يجهل شيئاً من حقائق الاُمور، والّذي ترونه مستند إلى نفوسكم الّتي لا تعلم شيئاً إلّا ما علّمها الله إيّاه وكشف عن حقيقته، فعليكم أن تسلّموا إليه سبحانه الأمر.

والآية في إثباته العلم له تعالى على الإطلاق ونفى العلم عن غيره على الإطلاق تطابق سائر الآيات الدالّة على هذا المعنى كقوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ ) آل عمران - ٥، وقوله تعالى:( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) البقرة - ٢٥٥، وقد سبق بعض الكلام في القتال في قوله:( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) البقرة - ١٩٠.

قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ) ، الآية تشتمل على المنع عن القتال في الشهر الحرام وذمّة بأنّه صدّ عن سبيل الله وكفر، واشتمالها مع ذلك على أنّ إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند الله، وأنّ الفتنة أكبر من القتل، يؤذن بوقوع حادثة هي الموجبة للسؤال وأنّ هناك قتلاً، وأنّه إنّما وقع خطائاً لقوله تعالى في آخر الآيات( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الآية، فهذه قرائن على وقوع قتل في الكفّار خطائاً من المؤمنين في الشهر الحرام في قتال واقع بينهم، وطعن الكفّار به، ففيه تصديق لما ورد في الروايات من قصّة عبدالله بن جحش وأصحابه.

قوله تعالى: ( قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ، الصدّ هو المنع والصرف، والمراد بسبيل الله العبادة والنسك وخاصّة الحجّ، والظاهر أن ضمير به راجع إلى السبيل فيكون كفراً في العمل دون الاعتقاد، والمسجد الحرام عطف على سبيل الله أي صدّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام.

والآية تدلّ على حرمة القتال في الشهر الحرام، وقد قيل: إنّها منسوخة بقوله تعالى:( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ) التوبة - ٦، وليس بصواب، وقد مرّ بعض الكلام في ذلك في تفسير آيات القتال.

قوله تعالى: ( وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) ، أي والّذي فعله المشركون من إخراج رسول الله والمؤمنين من المهاجرين - وهم أهل المسجد

١٧٤

الحرام - منه أكبر من القتال، وما فتنوا به المؤمنين من الزجر والدعوة إلى الكفر أكبر من القتل، فلا يحقّ للمشركين أن يطعنوا المؤمنين وقد فعلوا ما هو أكبر ممّا طعنوا به، ولم يكن المؤمنون فيما أصابوه منهم إلّا راجين رحمة الله والله غفور رحيم.

قوله تعالى: ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) إلى آخر الآية حتّى للتعليل أي ليردّوكم.

قوله تعالى: ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ) الخ تهديد للمرتدّ بحبط العمل وخلود النار.

( كلام في الحبط)

والحبط هو بطلان العمل وسقوط تأثيره، ولم ينسب في القرآن إلّا إلى العمل كقوله تعالى:( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الزمر - ٦٥، وقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) محمّد - ٣٣، وذيل الآية يدلّ بالمقابلة على أنّ الحبط بمعنى بطلان العمل كما هو ظاهر قوله تعالى:( وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) هود - ١٦، ويقرب منه قوله تعالى:( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ) الفرقان - ٢٣.

وبالجملة الحبط هو بطلان العمل وسقوطه عن التأثير، وقد قيل: إنّ أصله من الحبط بالتحريك وهو أن يكثر الحيوان من الأكل فينتفخ بطنه وربّما أدّى إلى هلاكه.

والّذي ذكره تعالى من أثر الحبط بطلان الأعمال في الدنيا والآخرة معاً، فللحبط تعلّق بالأعمال من حيث أثرها في الحياة الآخرة، فإنّ الإيمان يطيّب الحياة الدّنيا كما يطيّب الحياة الآخرة، قال تعالى:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل - ٩٧، وخسران سعى الكافر، وخاصّة من ارتدّ إلى الكفر بعد الإيمان، وحبط عمله في الدنيا ظاهر لا غبار عليه، فإنّ قلبه غير متعلّق بأمر ثابت - وهو الله سبحانه - يبتهج به عند النعمة،

١٧٥

ويتسلّى به عند المصيبة، ويرجع إليه عند الحاجة، قال تعالى:( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) الانعام - ١٢٢، تبيّن الآية أن للمؤمن في الدنيا حياة ونوراً في أفعاله، وليس للكافر، ومثله قوله تعالى،( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) طه - ١٢٤، حيث يبيّن أنّ معيشة الكافر وحياته في الدّنيا ضنك ضيّقة متعبة، وبالمقابلة معيشة المؤمن وحياته سعيدة رحبة وسيعة.

وقد جمع الجميع ودلّ على سبب هذه السعادة والشقاوة قوله تعالى:( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ) محمّد - ١١.

فظهر ممّا قرّبناه أنّ المراد بالأعمال مطلق الأفعال الّتي يريد الإنسان بها سعادة الحياة، لا خصوص الأعمال العباديّة، والأفعال القربيّة الّتي كان المرتد عملها وأتى بها حال الإيمان، مضافاً إلى أنّ الحبط وارد في مورد الّذين لا عمل عباديّ، ولا فعل قربيّ لهم كالكفّار والمنافقين كقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) محمّد - ٩، وقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) آل عمران - ٢٢، إلى غير ذلك من الآيات.

فمحصّل الآية كسائر آيات الحبط هو أنّ الكفر والإرتداد يوجب بطلان العمل عن أن يؤثّر في سعادة الحياة، كما أنّ الإيمان يوجب حياة في الأعمال تؤثّر بها أثرها في السعادة، فإن آمن الإنسان بعد الكفر حييت أعماله في تأثير السعادة بعد كونها محبطة باطلة، وإن ارتدّ بعد الإيمان ماتت أعماله جميعاً وحبطت، فلا تأثير لها في سعادة دنيويّة ولا اُخرويّة، لكن يرجى له ذلك إن هو لم يمت على الردّة وإن مات على الردّة حتم له الحبط وكتب عليه الشقاء.

١٧٦

ومن هنا يظهر بطلان النزاع في بقاء أعمال المرتدّ إلى حين الموت والحبط عنده أو عدمه.

توضيح ذلك: أنّه ذهب بعضهم إلى أنّ أعمال المرتدّ السابقة على ردّته باقية إلى حين الموت، فإن لم يرجع إلى الإيمان بطلت بالحبط عند ذلك، واستدلّ عليه بقوله تعالى( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) الآية وربّما أيّده قوله تعالى:( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ) الفرقان - ٢٣، فإنّ الآية تبيّن حال الكفّار عند الموت، ويتفرّع عليه أنّه لو رجع إلى الإيمان تملّك أعماله الصالحة السابقة على الارتداد.

وذهب آخرون إلى أنّ الردّة تحبط الأعمال من أصلها فلا تعود إليه وإن آمن من بعد الارتداد، نعم له ما عمله من الأعمال بعد الإيمان ثانياً إلى حين الموت، وأمّا الآية فإنّما أخذت قيد الموت لكونها في مقام بيان جميع أعماله وأفعاله الّتي عملها في الدنيا!

وأنت بالتدبّر فيما ذكرناه تعرف: أن لا وجه لهذا النزاع أصلاً، وأنّ الآية بصدد بيان بطلان جميع أعماله وأفعاله من حيث التأثير في سعادته!

وهنا مسألة اُخرى كالمتفرّعة على هذه المسألة وهي مسألة الإحباط والتكفير، وهي أنّ الأعمال هل تبطل بعضها بعضاً أو لا تبطل بل للحسنة حكمها وللسيّئة حكمها؟ نعم الحسنات ربّما كفّرت السيّئآت بنصّ القرآن.

ذهب بعضهم إلى التباطل والتحابط بين الأعمال وقد اختلف هؤلاء بينهم، فمن قائل بأنّ كلّ لاحق من السيّئة تبطل الحسنة السابقة كالعكس، ولازمه أن لا يكون عند الإنسان من عمله إلّا حسنة فقط أو سيّئة فقط، ومن قائل بالموازنة وهو أن ينقص من الأكثر بمقدار الأقلّ ويبقى الباقي سليماً عن المنافي، ولازم القولين جميعاً أن لا يكون عند الإنسان من أعماله إلّا نوع واحد حسنة أو سيّئة لو كان عنده شئ منهما.

ويردّهما أوّلاً قوله تعالى:( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) التوبة - ١٠٢، فإنّ الآية ظاهرة في اختلاف الأعمال وبقائها على حالها إلى أن تلحقها توبة من الله سبحانه، وهو ينافي التحابط

١٧٧

بأيّ وجه تصوّروه.

وثانياً: أنّه تعالى جرى في مسألة تأثير الأعمال على ما جرى عليه العقلاء في الاجتماع الإنسانيّ من طريق المجازاة، وهو الجزاء على الحسنة على حدة وعلى السيّئة على حدة إلّا في بعض السيّئآت من المعاصي الّتي تقطع رابطة المولويّة والعبوديّة من أصلها فهو مورد الإحباط، والآيات في هذه الطريقة كثيرة غنيّة عن الإيراد.

وذهب آخرون إلى أنّ نوع الأعمال محفوظة، ولكلّ عمل أثره سواء في ذلك الحسنة والسيّئة.

نعم الحسنة ربّما كفّرت السيّئة كما قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) الأنفال - ٢٩، وقال تعالى:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) الآية البقرة - ٢٠٣، وقال تعالى:( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) النساء - ٣٠، بل بعض الأعمال يبدّل السيّئة حسنة كما قال تعالى:( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) الفرقان - ٧٠.

وهنا مسألة اُخرى هي كالأصل لهاتين المسألتين، وهي البحث عن وقت استحقاق الجزاء وموطنه، فقيل: إنّه وقت العمل، وقيل: حين الموت، وقيل: الآخرة، وقيل: وقت العمل بالموافاة بمعنى إنّه لو لم يدم على ما هو عليه حال العمل إلى حين الموت وموافاته لم يستحقّ ذلك إلّا أن يعلم الله ما يؤل إليه حاله ويستقرّ عليه، فيكتب ما يستحقّه حال العمل.

وقد استدلّ أصحاب كلّ قول بما يناسبه من الآيات، فإنّ فيها ما يناسب كلّاً من هذه الأوقات بحسب الانطباق، وربّما استدلّ ببعض وجوه عقليّة ملفّقة.

والّذي ينبغي أن يقال: إنّا لو سلكنا في باب الثواب والعقاب والحبط والتكفير وما يجري مجراها مسلك نتائج الأعمال على ما بيّناه في تفسير قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) البقرة - ٢٦، كان لازم ذلك كون النفس الإنسانيّة ما دامت متعلّقة بالبدن جوهراً متحوّلاً قابلاً للتحوّل في ذاته وفي آثار ذاته من الصور الّتي تصدر عنها وتقوم بها نتائج وآثار سعيدة أو شقيّة، فإذا صدر منه

١٧٨

حسنة حصل في ذاته صورة معنويّة مقتضية لاتّصافه بالثواب، وإذا صدر منه معصية فصورة معنويّة تقوم بها صورة العقاب، غير أنّ الذات لمّا كانت في معرض التحوّل والتغيّر بحسب ما يطرؤها من الحسنات والسيّئآت كان من الممكن أن تبطل الصورة الموجودة الحاضرة بتبدّلها إلى غيرها، وهذا شأنها حتّى يعرضها الموت فتفارق البدن وتقف الحركة ويبطل التحوّل واستعداده، فعند ذلك يثبت لها الصور وآثارها ثبوتاً لا يقبل التحوّل والتغير إلا بالمغفرة أو الشفاعة على النحو الّذي بيّناه سابقاً.

وكذا لو سلكنا في الثواب والعقاب مسلك المجازاة على ما بيّناه فيما مرّ كان حال الإنسان من حيث اكتساب الحسنة والمعصية بالنسبة إلى التكاليف الإلهيّة وترتّب الثواب والعقاب عليها حاله من حيث الإطاعة والمعصية في التكاليف الإجتماعيّة وترتّب المدح والذمّ عليها، والعقلاء يأخذون في مدح المطيع والمحسن وذمّ العاصي والمسئ بمجرّد صدور الفعل عن فاعله، غير أنّهم يرون ما يجازونه به من المدح والذمّ قابلاً للتغيّر والتحوّل لكونهم يرون الفاعل ممكن التغيّر والزوال عمّا هو عليه من الانقياد والتمرّد، فلحوق المدح والذمّ على فاعل الفعل فعليّ عندهم بتحقّق الفعل غير أنّه موقوف البقاء على عدم تحقّق ما ينافيه، وأمّا ثبوت المدح والذم ولزومهما بحيث لا يبطلان قطّ فإنّما يكون إذا ثبت حاله بحيث لا يتغيّر قطّ بموت أو بطلان استعداد في الحياة.

ومن هنا يعلم: أنّ في جميع الأقوال السابقة في المسائل المذكورة انحرافاً عن الحقّ لبنائهم البحث على غير ما ينبغي أن يبنى عليه.

وأنّ الحقّ أوّلاً: أنّ الإنسان يلحقه الثواب والعقاب من حيث الاستحقاق بمجرّد صدور الفعل الموجب له لكنّه قابل للتحوّل والتغيّر بعد، وإنّما يثبت من غير زوال بالموت كما ذكرناه.

وثانياً: أنّ حبط الأعمال بكفر ونحوه نظير استحقاق الأجر يتحقّق عند صدور المعصية ويتحتّم عند الموت.

وثالثاً: أنّ الحبط كما يتعلّق بالأعمال الاُخرويّة كذلك يتعلّق بالأعمال الدنيويّة.

ورابعاً: أنّ التحابط بين الأعمال باطل بخلاف التكفير ونحوه.

١٧٩

( كلام في أحكام الأعمال من حيث الجزاء)

من أحكام الأعمال: أنّ من المعاصي ما يحبط حسنات الدنيا والآخرة كالارتداد. قال تعالى:( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) وكالكفر بآيات الله والعناد فيه. قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) آل عمران - ٢٢، وكذا من الطاعات ما يكفّر سيّئآت الدنيا والآخرة كالإسلام والتوبة، قال تعالى:( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم ) الزمر - ٥٥، وقال تعالى:( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) طه - ١٢٤.

وأيضاً: من المعاصي ما يحبط بعض الحسنات كالمشاقّة مع الرسول، قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) سورة محمّد - ٣٣، فإنّ المقابلة بين الآيتين تقضي بأن يكون الأمر بالإطاعة في معنى النهي عن المشاقّة، وإبطال العمل هو الإحباط، وكرفع الصوت فوق صوت النبيّ، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الحجرات - ٢.

وكذا من الطاعات ما يكفّر بعض السيّئآت كالصلوات المفروضة، قال تعالى:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) هود - ١١٤، وكالحجّ، قال تعالى:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) البقرة - ٢٠٣، وكاجتناب الكبائر، قال تعالى:( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212