الرسالة السعدية

الرسالة السعدية33%

الرسالة السعدية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 165

  • البداية
  • السابق
  • 165 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 26529 / تحميل: 6909
الحجم الحجم الحجم
الرسالة السعدية

الرسالة السعدية

مؤلف:
العربية

الرسالة السعدية

العلامة الحلي

اخراج وتعليق وتحقيق

عبدالحسين محمد علي بقال

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين. الحمد لله، المتفضل بجعل الانبياء واسطة بينه وبين عباده، المنعم بارداف الاوصياء لتهذيب طرق هدايته وارشاده، المحسن بنصب العلماء، الوارثين للانبياء لايضاح مراده(١) ، مرشد الانسان إلى طريقي شقوته واسعاده(٢) ، فالسعيد(٣) من اكثر من زاده وادخر ليوم معاده، والشقي من اهمل امر آخرته ولم يستوثق ليوم ميعاده(٤) .

والصلاة على اكرم انبيائه، واشرف رسله وامنائه، محمد المصطفى، الشافع لمنشهد برسالته، يوم لقاء ربه مخالفا لمراده.

وعلى آله المعصومين عن الزلل، البالغين في تقويم المكلف وسداده.

____________________

(١) في المخطوطة المجلسية المعتمدة، كثيرا ماترد الاسماء الممدودة، مقصورة خالية مما يسمى بالهمزة المتطرفة، من قبيل: العلماء، فترد: علما، وهي صحيحة، وان لم تكن اليوم - كتابة - مألوفة.

(٢) يبدو، فيه اشارة إلى الآية الكريمة: (وهدينا النجدين )، في سورة البلد آية ٩.

هذا، والاشارة نفسها وردت في كل من: (المجلسية: ورقة ١٨، لوحة أ، بين سطري ٥ - ٦)، و (المرعشية: ورقة ١٨، لوحة أ، بين سطري ٥ - ٦ كذالك).

(٣) يبدو ان لفظ السعيد هنا، هو ايضا تضمين واشارة من العلامة، إلى من كتبت الرسالة من اجله، وسميت على اسمه.

(٤) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ١٨، لوحة أ، سطر ٧: (معاده)، بدون ياء بعد الميم.

٤

اما بعد، فإن الله تعالى لم يخلق العالم عبثا، بل، لغاية مقصودة، وحكمة متحققةموجودة، كما قال تعالى(٥) : * (افحسبتم انما خلقناكم عبثا؟(٦) ) *، وقال تعالى: * (وماخلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين) *(٧) .

ثم انه تعالى نص على الغاية بالتعيين، فقال: * (وما خلقت الجن والانس، الا ليعبدون) *(٨) .

فيجب على كل مكلف من انسان(٩) ، السعي في تحصيل المطلوب منه بقدر الامكان(١٠) ، ولما كان ذالك محالا، الا بعد معرفته تعالى، والنظر في ذاته ووصفه(١١) ، بما يستحق من جلال صفاته، واتباع اوامره وامتثال مراضيه، واجتناب مايكرهه، والامتناع عن معاصيه، وقد حرم الله تعالى على جميع العبيد سلوك طريق التقليد، بل، اوجب البحث في اصول العقايد اليقينية، وتحصيلها باستعمال البراهين القطعية.

____________________

(٥) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ١٨، لوحة أ، سطر ١٢: (كما قال الله تعالى)، بزيادة لفظ الجلالة (الله).

(٦) سورة المؤمنون، الآية ١١٥.

(٧) سورة الانبياء، الآية ١٦.

(٨) سورة الذاريات، الآية ٥٦.

وفي النسخة المجلسية المعتمدة، ورقة ١، لوحة أ، سطر ٩: (وما خلقنا )، يبدو: انه اشتباه من الناسخ.

(٩) في المخطوطة المرعشية: ورقة ١٨، لوحة ب، سطر ٣: (من الانسان) ثم بين سطر ٣ - ٤، توجد أسفل عبارة: (من الانسان)، جملة: (وكذا الجن خ)، اي: في نسخة بدل.

(١٠) المطلوب: ماطلبه الله سبحانه من العبد، وما نهى من المعاصي، (هامش المرعشية: ورقة ١٨، لوحة ب، مقابل الاسطر ٤ - ٦، الجانب الايسر).

(١١) في المخطوطة المرعشية: ورقة ١٨، لوحة ب، سطر ٥: (وصفته).

ثم جاء في الهامش الايسر من نفس اللوحة: (النظر: ترتيب امور ذهنية، ليتوصل بها إلى امور اخر)

٥

فقد اوضحت في هذه (الرسالة السعدية)، مايجب على كل حال، اعتمادهفي الاصول والفروع على الاجمال، ولا يحل لاحد تركه ولا مخالفته في كل حال، فيمسايل معدودة ومطالب محدودة، من غير تطويل ممل، ولا ايجاز مخل.

برسم المولى: المخدوم الاعظم، الصاحب الكبير المعظم، صاحب ديوان الممالك شرقا وغربا، بعدا وقربا، مالك السيف والقلم، ملجأ العرب والعجم، ملاذ جميع طوايف الامم، محيي رفات المكارم والرمم(١٢) ، مميت البدع ودافع النقم.

المؤيد بالالطاف الربانية، المظفر بالعنايات الالهية.

خواجه سعد الملة والدين(١٣) ، اعزالله بدوام دولته الاسلام والمسلمين، وشيد قواعد الدين ببقاء ايامه الزاهرة إلى يوم الدين، وقرن اعقابه بالنصر والظفر والتمكين وختم اعماله بالصالحات، واسبغ عليه جلابيب المسرات وكساه حلل السعادات وافاض عليه من عظيم البركات، ووفقه لجميع الخيرات، بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.

وقبل الخوض في المقصود، لابد فيه من تقديم !

____________________

(١٢) الرفات: صيغة فعال، من مادة (رفت)، وتعني: الحطام، وتعني: كل ماتكسر وبلي، ينظر: المنجد في اللغة: ص ٢٧٠.

والرمم: جمع رمة، كما في المنجد في اللغة ص ٢٧٨.

والرمة هنا فيما يبدو: كناية عن آثار الشريعة الدوارس، بفعل الظلم والتحريف.

(١٣) اسمه: محمد بن علي الساوجي.

وللتوسع في معرفة بعض اخباره، يراجع من مثل: الدرر الكامنة: ٤ / ١٠١، ومقدمة جامع التواريخ للهمذاني: م ٢ ص ١٥ - ٢٩، وناسم الاسحار: ص ١١٤، وآثار الوزارء: ص ٢٨٣.

٦

المقدمة الاولى في: الغرض من وضع هذه الرسالة(١) لما كان الغرض من وضع هذا الكتاب معرفة طريق الحق، وسلوك نهج الصدق.

وقد اوجب الله تعالى على العلماء، اظهار نواهيه واوامره، وايضاح مكنون سرايره.

حيث قال عز من قائل: * (ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى، من بعد مابيناه للناس في الكتاب، اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) *(٢) .

وقال تعالى: * (ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، ويشترون به ثمنا قليلا، اولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار )*(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من علم علما وكتمه الجمه الله(٤) يوم القيامة بلجام من النار)(٥) .

____________________

(١) جريا على عادة المؤلفين، حيث يذكرون الغرض من مؤلفهم اولا وقبل كل شئ، ليكون السير معه، والتشوق اليه، اكثر وقعا وانجع فائدة.

(٢) سورة البقرة، الآية ١٥٩.

(٣) سورة البقرة، الآية ١٧٥.

(٤) في المخطوطة المرعشية: ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ٧: (الجمه الله تعالى ).

(٥) ينظر: لآلئ الاخبار: ٢ / ٢٨٥.

واخرجه احمد في مسنده: ٢ / ٤٩٩، بلفظ: (من كتم علما يعلمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار)، (الطبعة الاولى).

٧

وجب على كل عاقل(٦) ، ارشاد الناس إلى طريق الصواب، لئلا يدخلوا(٧) تحت اللعن، الذي توعد الله تعالى به كاتم علم، وبالخصوص، قد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله (٨) : ان الله لم يأخذ على المتعلمين ان يتعلموا، حتى اخذ على العلماء ان يعلموا(٩) .

فوجب علينا وضع هذه الرسالة، الدالة على تصحيح اكثر العقايد اليقينية، وتحقيق طرق صالح(١٠) من المطالب القطعية، في المسايل الاصولية، المشتملة على كيفية اتباع المسايل(١١) ، المجمع عليها من العبادة(١٢) ، التي هي الصلاة والصوم، عند كل المسلمين، لتحصل براء‌ة الذمة للمكلف بالقطع واليقين، ويخلص من الظنوالتخمين.

____________________

(٦) في المخطوطة المرعشية: ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ٨: (وجب على كل عالم).

(٧) في المخطوطة نفسها: ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ٨: (لئلا يدخل).

(٨) في المخطوطة نفسها: ورقة ١٩، لوحة ب، سطر ٩ - ١٠: ( كاتم العلم بالخصوص)، وقد قالعليه‌السلام : (ان الله تعالى )، وهذا هو الصحيح.

(٩) ينظر: نهج البلاغة: ٤ / ١١٠ شرح محمد عبده، وبحار الانوار: ٢ / ٧٨، وفيهما: لفظ الجهال، بدلا ن المتعلمين، كما ان النقل فيهما: عن امير المؤمنين عليعليه‌السلام ، في حين ان الذي تعورف عليه، من عبارةصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ان مابعدها هو مما ينقل عن الرسول محمد، والامر هنا جد بسيط، ذالك، ان قول الامام - المعصوم - ماهو الا قول الرسول، وليس في ذالك شك.

والذي في النسخة الحكيمية - ص ٢٤ -: (يوعد الله به كاتم العلم بالخصوص، وقد قالعليه‌السلام )، ويبدو ان الاصح: بخصوص كاتم العلم.

(١٠) المأنوس اكثر في هذا اليوم ان يقال: طرق صالحة.

(١١) في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ١: ( آتباع المجمع عليها )، ويبدو كلمة (المسايل) اقطة.

(١٢) في نفس المخطوطة: ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ١: ( العبادات ).

٨

فوضعت للمخدوم الاعظم، خواجه سعد الدين(١٣) ، هذه الرسالة، حسبة لله تعالى وطاعته(١٤) ، لما افترضه الله حيث قال عز من قائل: * ( فولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) *(١٥) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( العلماء ورثة الانبياء(١٦) ).

ولما كان من شأن الانبياءعليهم‌السلام : الانذار، كذا، يجب على وارثهم بحسب الامكان والاقتدار.

وجعلت ثوابها واصلا اليه، اسبغ الله تعالى نعمته اليه(١٧) .

____________________

(١٣) في اللغة الفارسية: كثيرا ماتكتب الواو، بين الخاء والالف، وفي كثير من الاسماء، تكتب لتدل على ان ركة الحرف قبلها، هي بين الضم والفتح، او مزيج منهما، كما في خواجة، وخواهر، وغيرهما.

وعليه فلا يقال: خواجه، وخواهر، بفتح الواو، وانما الواو ساكنة داخلة في حركة الفتحة قبلها، مذابة فيها ان صح مثل هذا التعبير.

وقال الدكتور محمد التونجي: حيثما وجدت واوا وقعت بين خاء والف، او بين خاء وياء، فان الواو لاتلفظ مطلقا.

وتسمى هذه الواو: الواو المعدولة، مثال: خواب، خوار، فانها تلفظ: خاب وخار.

كما في المعجم الذهبي - فارسي عربي -: ص ١٣.

هذا، وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ٤: ( سعد الملة والحق والدين).

(١٤) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ٥: (وطاعة لما افترضه الله تعالى، ).

(١٥) سورة التوبة، الآية ١٢٣.

(١٦) الكافي: ١ / ٣٢٩.

كتاب العلم باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء، ج ٢.

(١٧) في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ١١: ( اسبغ الله تعالى نعمه عليه)، ويبدو: انه هو الاصح.

٩

المقدمة الثانية في: تحريم التقليد(١٨) طلب الله تعالى من المكلف: اعتقادا جازما يقينيا ماخوذا من الحجج والادلة، وذالك في المسائل الاصولية(١٩) ، واعتقادا مستفادا اما من الحجة او من التقليد، في المسائل الفروعية(٢٠) .

____________________

(١٨) ينظر: كتاب النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: ص ٨ - ١.

وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٠، لوحة أ، الهامش الاسفل: (التقليد: قبول قول الغير من غير حجة، ويسمى تقليدا، لان المقلد يجعل مايعتقد، من حق او باطل، قلادة في عنق من قلد).

(١٩) قال ابن ابي الحديد: انما قالعليه‌السلام : (اول الدين معرفته)، لان التقليد باطل، واول الواجبات الدينية : المعرفة، كما في شرح نهج البلاغة: ١ / ٧٣.

هذا، وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٠، لوحة أ، سطر ١٣: (من المسائل الاصولية).

(٢٠) وهنا ينبغي ملاحظة مايلي: أ هكذا ورد في المخطوطتين المعتمدتين.

والصحيح - فيما يبدو - ان يقال: المسائل الفرعية، لانه لاتجوز النسبة إلى الجمع، الا اذا نزل منزلة العلم فيتساهل فيه، كما يقال في دول: دولي، والفروعية هنا لم تنزل بعد.

وربما كانت في وقتها كذالك، ولعل هناك تفسيرا وتوجيه آخر.

١٠

(ا) ويدل على الاول: العقل، والنقل(٢١) اما النقل.

(١) - فقوله تعالى: * (قل انظروا..(٢٢) ) *.

____________________

ب قال الغزالي: ان الاجماع منعقد على ان العامي مكلف بالاحكام، وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال، لانه يودي إلى ان ينقطع الحرث والنسل، وتتعطل الحرف والصنائع، ويؤدي إلى خراب الدنيا، لو اشتغل الناس بجملتهم بطلب العلم، وذالك يرد العلماء إلى طلب المعايش، ويؤدي إلى اندراس العلم، بل، إلى اهلاك العلماء وخراب العالم، واذا استحال هذا لم يبق الا سؤال العلماء.

وعلق السيد الحكيم على ذالك بقوله: وهذا الدليل - على خطابيته - سليم في اثبات اصل جواز التقليد، ثم اورد على نفسه، ودفعه بقوله: (فان قيل: فقد ابطلتم التقليد، وهذا عين التقليد؟ ! قلنا: التقليد قبول قول بلا حجة، وهؤلاء وجب عليهم ما أفتى به المفتي، بدليل الاجماع.

وختم التعقيب بعد ذالك بقوله: (وبهذا ندرك ان الاختلاف بين الغزالي وغيره، في مفهوم التقليد، لايتجاوز الشكلية، وهو متحد المبنى مع القائلين بجواز التقليد، اقصاه انه لم يسمه تقليدا، وانما عبر بقوله: العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء.

والاخذ برأي الغير من دون حجة، موضع حظر الجميع، باستثناء مامر من الحشوية، ان صح نسبة مثل ذالك الرأي اليهم).

ينظر: المستصفى: ٢ / ١٢٣، ١٢٤، والاصول العامة للفقه المقارن: ص ٦٤٦.

(٢١) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٠، لوحة ب، سطر ٢: (النقل والعقل).

(٢٢) سورة يونس، الآية ١٠١.

١١

(٢) - * (اولم يتفكروا(٢٣) ) *.

(٣) - * ( انا وجدنا آباء‌نا على امة وانا على آثارهم مقتدون(٢٤) ) *.

(٤) - * ( ان يتبعون الا الظن(٢٥) ) *.

(٥) - * ( وان الظن لايغني من الحق شيئا(٢٦) ) *.

(٦) - * (واذا قيل لهم تعالوا إلى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ماوجدنا عليه آباء‌نا..(٢٧) )*.

(٧) - * (وقالوا ربنا ارنا الذين اضلانا من الجن والانس نجعلهما تحت اقدامنا ليكونا من الاسفلين(٢٨) ) *.

(٨) - * (.. ليتني لم اتخذ فلانا خليلا، لقد اضلني عن الذكر بعد اذجاء‌ني..(٢٩) ) *.

(٩) - * (..وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلاتلوموني ولوموا انفسكم..(٣٠) ) *.

____________________

(٢٣) سورة الاعراف، الآية ١٨٤.

(٢٤) سورة الزخرف، الآية ٢٣.

(٢٥) سورة الانعام، الآية ١١٦.

(٢٦) سورة النجم، الآية ٢٨.

(٢٧) سورة المائدة، الآية ١٠٤.

(٢٨) سورة فصلت، الآية ٢٩.

(٢٩) سورة الفرقان، الآية ٢٨ - ٢٩.

وفي المجلسية: ورقة ١، لوحة ب، سطر ٢١: (ياليتني..)، والصحيح: (ياويلتا، ليتني لم اتخذ..).

(٣٠) سورة ابراهيم: الآية ٢٢.

١٢

(١٠) - * (اذ تبرا الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وراوا العذاب وتقطعت بهمالاسباب(٣١) ) *.

(١١) - وغير ذالك من الآيات والآثار.

واما العقل فإن الضرورة قاضية: بقبح تقليد من كان من الناس، لان الخطأ واقع منهم، فلا يأمن المقلد من ارتكاب الخطأ، بل، لابد وان يقلد من يعتقد صدقه، واعتقادالصدق ليس ضروريا بل كسبيا من النظر.

فيجب النظر على كل مكلف في المسائل الاصولية.

واليه اشار مولانا اميرالمؤمنينعليه‌السلام : (من اخذ علمه من افواه(٣٢) ، ازالته الرجال، ومن اخذ علمه من الكتاب والسنة، زالت الجبال ولم يزل(٣٣) ).

____________________

(٣١) سورة البقرة، الآية ١٦٦.

(٣٢) هكذا في المخطوطة المجلسية: ورقة ٢، لوحة أ، سطر ٥.

والذي في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢١، لوحة أ، سطر ٥ - ٦: (افواه الرجال ).

(٣٣) وروى الكليني - مرسلا - في خطبة كتابه مايلي: (قالعليه‌السلام : من اخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وآله، زالت الجبال قبل ان يزول، ومن اخذ دينه من افواه الرجال، ردته الرجال)، ينظر: الكافي: ١ / ٧.

وروى الفتال النيسابوري مرسلا قال: وقال اميرالمؤمنينعليه‌السلام : من اخذ دينه من افواه الرجال، ازالته الرجال، ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة، زالت الجبال ولم يزل.

وقال ايضا: وهذا الخبر مروي عن الصادق، عن امير المؤمنينعليهما‌السلام ، ينظر: روضة الواعظين: ١ ٢٢ والوسائل للحر العاملي: ١٨ / ٩٥.

وروى الشيخ الجليل محمد بن ابراهيم النعماني - في كتاب الغيبة - قال: روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام : من دخل في هذا الدين بالرجال، اخرجه منه الرجال كما ادخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتاب والسنة، زالت الجبال قبل ان يزول، ورواه الكليني مرسلا، (اثباة الهداة للحر العاملي: ج ١ ص ٧١).

١٣

فلينظر العاقل من نفسه، هل يجوز لاحد ان يجعل بينه وبين الله تعالى واسطة في اعتقاده؟ لم يعلم الحق باليقين(٣٤) ولا يجزم به؟ فان اكثر المسلمين لما ذهبوا إلى: ان الله تعالى هو المتصرف المالك لخلقهيعذب من يشاء ويرحم من يشاء، وان الطاعة والمعصية، لا اثر لهما في استحقاق الثواب والعقاب، امتنع منهم الجزم بالخلاص.

ومن قلد من لايجزم خلاص نفسه(٣٥) ، كيف يحصل له الجزم بسلامته؟ وهل يقبل الله تعالى عذر المكلف غدا لو اعتذر؟ وقال: اني قلدت فلانا منغير ان اعلم صدقه، ولا يعلم فلان صدق نفسه ايضا؟ ويكون جوابه: ماقال تعالى: * (..اولم نعمركم مايتذكر فيه من تذكر وجاء‌كم النذير؟..(٣٦) ) *.

وهل يعذر المكلف بعد سماع هذه الآية على رؤوس الاشهاد(٣٧) ، باتباع منلا يعلم بالقطع واليقين صدقه من الانبياء والمعصومين؟ ثم كيف يجوز التقليد والنفاق لم يزل ولا ارتفع؟ فينطق الانسان اعتقادا في نفسه(٣٨) ويظهر غيره؟ حتى ان الله تعالى حكم ذالك(٣٩) ، عن جماعة كانوا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم من جملة أتباعه.

____________________

(٣٤) في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢١، لوحة أ، سطر ٨ - ٩: (ممن لايعلم الحق باليقين).

(٣٥) في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢١، لوحة أ، سطر ١٣: (ومن قلد ممن لايجزم بخلاص نفسه).

(٣٦) سورة فاطر، الآية ٣٧.

(٣٧) في هامش المخطوطة االمرعشية ورقة ٢١، لوحة ب، مقابل الاسطر ٦ - ١٢: (الاشهاد: هو النبيعليه‌السلام ، والملائكة، وبعض المؤمنين).

(٣٨) هكذا في المخطوطة المجلسية: ورقة ٢، لوحة أ، سطر ١٢.

والذي في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢١، لوحة ب، سطر ٧: (فيبطن الانسان اعتقادا في نفسه)، وهو الصحيح.

(٣٩) هكذا في المخطوطة المجلسية: ورقة ٢، لوحة أ، سطر ١٣.

والذي في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢١، لوحة ب، سطر ٨: (حكى)، وهو الصحيح.

١٤

فقال تعالى: * (ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول..) *(٤٠) .

وقال تعالى: * (ومنهم من يلمزك في الصدقات ) *(٤١) .

إلى غير ذالك من الآيات.

روى الحميدي(٤٢) في الجمع بن الصحيحين عن سهل بن سعد(٤٣) قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (انا فرطكم على الحوض منورد شرب، ومن شرب لم يظمأ(٤٤) ابدا، وليردن علي الحوض اقوام اعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: انهم من امتي، فيقال: انك لاتدري ما احدثوا بعدك، فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي(٤٥) ).

____________________

(٤٠) سورة محمد، الآية ٣٠.

وفي المخطوطة المجلسية ورقة ٢ لوحة أ سطر ١٤: لعرفتهم، بدون فاء قبلها، ويبدو انه: آشتباه من الناسخ.

(٤١) سورة التوبة: الآية ٥٨(٤٢) محمد بن فتوح بن عبدالله الازدي الميورقي الحميدي: مؤرخ محدث، اندلسي، من اهل جزيرة ميورقة، اصله من قرطبة، كان ظاهري المذهب، وهو صاحب ابن حزم وتلميذه.

رحل إلى مصر ودمشق ومكة، واقام ببغداد فتوفي عام ٤٨٨ ه‍، من كتبه: الجمع بين الصحيحين - خ، الاعلام: ٧ / ٢١٨ - ٢١٩ باختصار.

(٤٣) سهل بن سعد الخزرجي الانصاري، من بني ساعدة: صحابي، من مشاهيرهم. من اهل المدينة، عاش نحو مائة سنة. توفي عام ٩١ ه‍. له في الصحيحين ١٨٨ حديثا، الاعلام: ٣ / ٢١٠.

(٤٤) هكذا في المجلسية: ورقة ٢ لوحة أ، سطر ١٦.

والصحيح: يظمأ، بهمزة على الالف، لا متطرفة بعدها.

وبالمناسبة، فمن خلال تتبعي لكتابات الاخوة الايرانيين العربية، وجدت عند الغالبية من كتابهم المعاصرين، فضلا عن القدماء منهم، وجدتهم يكتبون الكلمات المهموزة الآخر، بألف بعدها همزة متطرفة، وهي في الشيوع والكثرة، مما يلفت النظر.

(٤٥) ينظر: صحيح مسلم: ج ٤ ص ١٧٩٣. و.. عن ابي حازم قال: سمعت سهلا يقول: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: انا فرطكم على الحوض، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ ابدا، وليردن علي اقوام اعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.

١٥

وفي الجمع بين الصحيحين من مسند عبدالله بن عباس(٤٦) قال: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (الا انه سيجاء برجال من امتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال.

فاقول: يارب أصحابي أصحابي، فيقال: انك لاتدري مااحدثوا بعدك.

فاقول: كما قال العبد الصالح(٤٧) : * (وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم، وانت على كل شئ شهيد، ان تعذبهم فانهم عبادك، وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم(٤٨) ) * فيقال لي: انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم(٤٩) .

____________________

قال ابوحازم: فسمع النعمان بن ابي عياش وانا احدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول؟ قال: فقلت: نعم.

قال: وانا اشهد على ابي سعيد الخدري: لسمعته يزيد فيقول: انهم مني فيقال: انك لاتدري ماعملوا بعدك، فاقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي.

ينظر: الجمع بين الصحيحين: مصورة مكتبة الامام الحكيم العامة، رقم ١٢٣، ج ١، ورقة ٢٠٤، وصحيح مسلم: ج ٤ ص ١٧٩٣، كتاب الفضائل حديث ٢٦، وصحيح البخاري: ٨ / ١٢٠.

وفي طبعة اخرى: ٢ / ٩٧٤، ١٠٤٥.

والذي في المخطوطتين مختصر، حيث الجمل المعترضة مختزلة.

(٤٦) عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي: حبر الامة، الصحابي الجليل. ولد بمكة. ونشأ في بدء عصر النبوة، فلازم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروى عنه الاحاديث الصحيحة. وشهد مع علي الجمل وصفين، وكف بصره في آخر عمره. فسكن الطائف، وتوفي بها عام ٦٨ ه‍. له في الصحيحين ١٦٦٠ حديثا. وينسب اليه كتاب في تفسير القرآن - ط، جمعه بعض اهل العلم، من مرويات المفسرين، عنه.

الاعلام: ٤ / ٢٢٨ - ٢٢٩ باختصار.

(٤٧) يريد بالعبد الصالح: عيسىعليه‌السلام ، كما في: مجمع البيان في تفسير القرآن: م ٢ ص ٢٦٩.

(٤٨) سورة المائدة، آية ١١٧ - ١١٨.

(٤٩) ينظر: صحيح مسلم: ج ٤ ص ٢١٩٤ - ٢١٩٥، كتاب الجنة وصفة نعيمها واهلها، حديث ٥٨، وصحيح البخاري - طبعة الهند -: ٢ / ٦٩٣، وعوالي اللئالي: ١ / ٥٩.

١٦

وفي الجمع بين الصحيحين من مسند انس بن مالك(٥٠) قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني، حتى اذا رايتهم، ورفعوا الي رؤوسهم، اختلجوا، فأقول: اي رب ! اصحابي اصحابي، فليقالن لي: انك لاتدريما احدثوا بعدك(٥١) ).

واذا كان حال الصحابة، مع انهم صدر الاول في الاسلام ولهم السابقة فيهفكيف حال غيرهم؟ ! (ب) واما المسائل الفروعية(٥٢) : فقد خفف الله تعالى عن عباده فيها بقبول التقليد للحق، فقال عز من قائل: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون(٥٣) ) *.

____________________

(٥٠) انس بن مالك بن النضر النجاري الخزرجي الانصاري: صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خادمه. روى عنه البخاري ومسلم ٢٢٨٦ حديثا. مولده بالمدينة، ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة. فمات فيها عام ٩٣ ه‍.

الاعلام: ١ / ٣٦٥ - ٣٦٦.

(٥١) ينظر: صحيح مسلم: ج ٤ ص ١٨٠٠، كتاب الفضائل، حديث ٤٠، وصحيح البخاري - طبعة الهند -: ٢ / ٩٧٦.

(٥٢) الامر هنا كالذي قلناه في ص ٩.

(٥٣) سورة التوبة، الآية ١٢٢.

١٧

المقدمة الثالثة في: وجوب اتباعه المعلوم وترك المظنون عند التعارض العقل والنقل متطابقان(٥٤) : على انه اذا تعارض حكمان، احدهما مجمع عليه يحصل به(٥٥) يقين براء‌ة الذمة، والآخر مظنون لايحصل معه يقين البراء‌ة(٥٦) ، بل، ظنها، فانه يجب المصير إلى الاول دون الثاني.

وقد نص الله تعالى على ذالك(٥٧) ، في كتابه العزيز، فقال تعالى: * ( فبشر عباد(٥٨) ، الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولو الالباب(٥٩) ) *.

____________________

(٥٤) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٢، لوحة ب، سطر ٨، وكذا في النسخة المجلسية المعتمدة ورقة ٢ لوحة ب سطر ٦: مطابقان، والظاهر، انه آشتباه من الناسخين، حيث النص لايستقيم الا بمتطابقان.

(٥٥) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٢، لوحة ب، سطر ٩: (يحصل معه).

(٥٦) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٢، لوحة ب، سطر ١٠: (يقين البراء‌ة الذمة).

(٥٧) اي: اخذ المعلوم، وترك المظنون، (المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٢، لوحة ب، سطر ١٢ - ١٣، الهامش الايسر).

(٥٨) في النسختين: عبادي، غير ان مافي القرآن، في الطبعة الشعبية:، عباد بحذف الياء، ويبدو ان الحذف مرده إلى اعتبارات قرائتية تجويدية.

(٥٩) سورة الزمر، الآية ١٧ - ١٨.

١٨

دلت هذه الآية بمفهومها(٦٠) : على ان من لم يتبع احسن القولين، واجود الاعتقادين، فانه لايندرج تحت الذين هداهم الله تعالى.

وقد اجمع العقلاء كافة على: هذا الحكم(٦١) ، وانه اذا تعارض حكمان أو دليلان أو قولان، وكان أحدهما معلوما والآخر مظنونا، وجب ترك المظنون والعمل بالمعلوم.

____________________

(٦٠) اي: معانيها، (النسخة الخطية المرعشية: ورقة ٢٣، لوحة أ، سطر ١).

(٦١) هذه الآية الكريمة، قد تناولها البعض دليلا، على اعتبار الاستحسان أصلا، في مقابل الكتاب والسنة.. وللتوسع، ينظر: قول السيد الحكيم: (وقد سبق ان قلنا: ان ترجيح دليل لفظي على دليل..، الاصول العامة للفقه المقارن: ٣٧٤).

وقوله أيضا: والخلاصة، ان كان المراد بالاستحسان..)، (الاصول العامة للفقه المقارن: ص ٣٧٧).

١٩

المقدمة الرابعة في: ان الاجماع انما يتحقق مع موافقة الامامية(٦٢) والادلة الدالة على وجوب اتباع الاجماع(٦٣) ، من الكتاب والسنة(٦٤) ، انما تدل: لو اجتمع على قول واحد(٦٥) ، جميع امة محمدعليه‌السلام .

____________________

(٦٢) الامامية نسبة إلى الامام او الامامة: تقوم عقيدتهم - في اهم ما تقوم عليه - على ان الامامة صل من اصول الدين، فهي: منصب الا هي كالنبوة، يختار الله الامام، ويأمر نبيه ان ينص عليه، ثم ينص كل امام على الذي يليه، اولهم علي وآخرهم محمد المهدي بن الحسن العسكري.

والامام، في الوقت الذي يتفق فيه مع الرسول، في اشتراط العصمة في كل منهما، غير انهما يفترقان بعد ذالك، في تلقي الوحي، حيث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحده المخول بالتلقي فقط، ينظر من مثل المعجم الكبير: ١ / ٤٨٨، والملل والنحل: ١ / ١٤٤ - ١٥٤.

(٦٣) الذي في النسخة المجلسية ورقة ٢ لوحة ب سطر ١٢ - ١٣: المقدمة الرابعة: في ان الاجماع من الكتاب والسنة انما تدل فقط. بدلا مما اثبتناه اعلاه للضرورة المنهجية والاخراجية.

هذا، ومافي المرعشية: ورقة ٢٣، لوحة أ، سطر ٦ - ٧، كذالك.

(٦٤) قال الشيخ الطوسي: (ذهب المتكلمون بأجمعهم، والفقهاء باسرهم، على اختلاف مذاهبهم، إلى ان الاجماع حجة.

وحكي عن النظام، وجعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، انهم قالوا: الاجماع ليس بحجة.

واختلف من قال انه حجة: فمنهم من قال انه حجة من جهة العقل، وهم الشذاذ، وذهب الجمهور الاعظم والسواد الاكثر، إلى ان طريق كونه حجة، السمع دون العقل)، عدة الاصول: ص ٢٣٢.

وللتوسع يراجع: سلم الوصول: ص ٢٧٢، اصول الفقه للخضري: ص ٢٧٩، مصادر التشريع الاسلامي: ص ١٠٦، كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع: ص ٦: رسالة الطوفي: ص ١٠٥، الدراسات للسيد الخوئي: ص ٨٨، الاصول العامة للفقه المقارن: ٢٥٥ - ٢٧٥، وغيرها..

(٦٥) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٣، لوحة أ، سطر ٨: (لو اجتمع عن القول الواحد).

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

يكون جاهلاً لسائر اللغات أيضاً، وعلى ذلك فليس للأُمّي إلّا معنى واحد وله مصاديق وأفراد حسب الظروف التي تستعمل الكلمة فيها، واطلاقه في الآية على من لم يعرف اللغات السامية لا يكون دليلاً على كونه موضوعاً لخصوص هذا المعنى، كما أنّ إطلاق الإنسان وإرادة فرد منه بالقرينة لا يكون دليلاً على كونه موضوعاً لذلك الفرد.

هذا هو خلاصة المقال في وصف الاُمّي الذي جاء توصيف النبي به في الذكر الحكيم وهناك آيات أُخر تثبت ذلك المعنى ( اُمّية النبي ) قال سبحانه:

( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) ( العنكبوت / ٤٨ ).

فالآية بحكم وقوع النكرة فيها في سياق النفي تفيد شمول السلب وعمومه لتلاوة أي كتاب وممارسة أية كتابة.

ثمّ إنّه سبحانه علّل هذا السلب بأنّه خير عون لنفي ريب المبطلين وشك المشكّكين إذ لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ممارساً للقراءة والكتابة قبل البعثة، لاتّهمه اليهود والنصارى والمشركون بأنّ الشريعة التي جاء بها تلقّاها عن طريق قراءة الصحف وتلاوتها، ولأجل صد هذا الريب وقلع جذور هذا الشك لم يُمكّن نبيّه عن تعلّم الكتابة والقراءة حتّى يكون ذا بيّنة قويّة على أنّ شريعته شريعة سماوية.

ومع أنّ النبي الأكرم عاش أربعين سنة بلا ممارسة للكتابة والقراءة فقد اتّهمه بعض المعاندين بأنّ قرآنه استنساخ منه لما تملى عليه، قال سبحانه:

( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إلّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا *وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الفرقان / ٤ و ٥ ).

وكان المعاند يبثّ بذر هذا الشك حتّى وافاه الوحي الإلهي بالنقد والرد بقوله

٨١

سبحانه:

( قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ( يونس / ١٦ ).

ومعنى الآية إنّكم أيّها العرب تحيطون بتاريخ حياتي، فقد لبثت فيكم عمراً يناهز الأربعين فهل رأيتموني أقرأ كتاباً أو أخطّ صحيفة، فكيف ترمونني بالإفك الشائن بأنّه أساطير الأوّلين التي اكتتبتها وافتريتها على الله وأعانني على ذلك قوم آخرون ؟ فإذا كنتم واقفين على سيرتي وحياتي في الفترة الماضية فاعلموا أنّه منزّل من الله سبحانه كما أمر الله نبيّه أن يجبهم بقوله:

( قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ( الفرقان / ٦ )

نعم ربّما يقال بأنّ قوله:( مَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ ) لا يدل على أنّ النبي كان أُمّياً بل فيها أنّه لم يكن يكتب الكتاب، وقد لا يكتب الكتاب من يحسنه كما لا يكتب من لا يحسنه(١) .

يلاحظ عليه: أنّ التعليل الوارد في الآية إنّما يصحّ وقوعه علّة لصدر الآية إذا كان النبي غير مستطيع لأن يقرأ ويكتب لا أن يكون عالماً بهما وإن لم يمارسهما، وذلك لأنّ التعليل بصدد إزالة الشك والريب في أنّه كتاب سماوي وليس من صنع النبي ولا يمت إليه بصلة وذلك إنّما يتحقّق إذا كان النبي أُمّياً محضاً غير قادر عليهما لا ما إذا كان عارفاً بهما ولكن تركهما لمصلحة أو لعلّة أُخرى.

* * *

__________________

(١) التبيان في تفسير القرآن: ج ٨ ص ٢١٦، طبع بيروت. ويظهر من الآلوسي في تفسيره أنّه إعتمد على هذا.

٨٢

وضع النبي بعد البعثة

اتّفق المحقّقون من السنّة والشيعة على أنّه كان أُمّياً قبل البعثة لا يحسن الكتابة والقراءة، وأمّا وضعه بعد البعثة وانّه هل بقي على ما كان عليه قبلها أو تغيّر وضعه وصار عارفاً بالكتابة والقراءة، وعلى فرض ثبوت معرفته بهما فهل مارسهما في بعض الفترات من عمره أو لا ؟ فهذه بحوث خارجة عن موضوع بحثنا لأنّ البحث في حياته وسيرته قبل البعثة وما ذكر يرجع إلى سيرته بعدها، ولعلّنا نرجع إلى تلك المسألة في المستقبل.

* * *

٧ ـ إيمان النبي قبل البعثة

لم يشك أحد من أهل التاريخ والسير في انّ النبي الأكرم كان على خط التوحيد قبل البعثة ويدل عليه مأثورات كثيرة والمسألة إتفاقية بين المسلمين ولا تحتاج إلى اطناب، وقد دلّت الآثار على أنّه كان يكافح الوثنيّة منذ نعومة أظفاره ومن إبّان طفوليته وشبابه.

روى صاحب المنتقى: انّ النبي لـمّا تمّ له ثلاث سنين، قال يوماً لوالدته أي مرضعته « حليمة السعديّة »: ما لي لا أرى أخويّ بالنهار ؟ قالت له: يا بُنيّ إنّهما يرعيان غنيمات.

قال: فما لي لا أخرج معهما ؟

قالت له: أتحبّ ذلك ؟

قال: نعم.

قالت حليمة السعدية: فلمّا أصبح محمّد دهّنته وكحّلته وعلّقت في عنقه

٨٣

خيطاً فيه جزع يماني فنزعه ثمّ قال لأُمّه: « مهلاً يا أُمّاه فإنّ معي من يحفظني »(١) .

ونكتفي في المقام بهذا المقدار وقد بسطنا الكلام في المأثورات حول توحيده وإيمانه في محلّه(٢) .

إنّما المهم تعيين الشريعة التي كان يطبّقها في أعماله الفردية والإجتماعية العبادية وغيرها.

الشريعة التي كان يتعبّد بها قبل البعثة

أمّا الشريعة التي كان يطبقها في أعماله فقد إختلفت الأنظار فيه وانتهت إلى أقوال واحتمالات:

١ ـ إنّه لم يكن يتعبّد بشريعة من الشرائع وإنّما يكتفي في أعماله الفردية والإجتماعية بما يوحي إليه عقله.

وهذا القول لا يُعرَّج عليه، إذ لم تكن أعماله منحصرة في المستقلّات العقليّة كالاجتناب عن البغي والظلم والتحنّن على اليتيم، والعطف على المسكين، بل كانت له أعمال عبادية لا تصحّ بدون الركون إلى شريعة لأنّه كان يخرج في شهر رمضان إلى « حراء » فيعتكف فيه وهل يمكن الاعتكاف بدون الاعتماد على شريعة، وقد رويت عن أئمّة أهل البيت: إنّه حجّ عشرين حجّة مستتراً(٣) ولم يكن البيع والربا ولا الخل والخمر ولا المذكّى والميتة ولا النكاح والسفاح عنده سواسية، فطبيعة الحال تقتضي أن يكون عارفاً بأحكام عباداته وأفعاله.

__________________

(١) المنتقى للكازروني، الباب الثاني من القسم الثاني، ونقله المجلسي في البحار: ج ١٥، ص ٣٩٢.

(٢) لاحظ « مفاهيم القرآن »: ج ٥ ص ٣٥١ ـ ٣٥٢.

(٣) الوسائل: ج ٨، الباب٤٥ ص ٨٧ ـ ٨٨.

٨٤

٢ ـ إنّه كان يعمل بشريعة إبراهيم وسننه وطقوسه المعروفة وهذا هو الذي كان السيّد العلّامة الطباطبائي يستظهره كأحقّ الأقوال بشهادة أنّ أجداد النبي واُسرة البيت الهاشمي وجميع الأحناف في الجزيرة العربية كانوا على دين إبراهيم ولم ينقل أحد من أهل السير تهوّدهم أو تنصّرهم.

ويتوجّه على هذا القول: إنّ لازم ذلك كونه عاملاً بالشريعة المنسوخة فإنّ الشريعتين اللاحقتين كشريعة الكليم والمسيح نسختا تلك الشريعة، إلّا أن يقال: إنّ سنن إبراهيمعليه‌السلام وطقوسه كانت باقية على ما هي عليها في الشرائع اللاحقة لها، وإنّما انقضت نبوّته، ولكن شريعته كانت باقية في غضون الشرائع اللاحقة، ولأجل ذلك صارت الشريعة الإبراهيميّة هي الأساس للشرائع اللّاحقة وإنّما زيد عليها في الفترات اللاحقة أحكام وأُصول أُخر جاء بها الكليم، أو المسيح أو النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم يبقى على هذا القول إشكال آخر وهو أنّه لازم هذا القول أن يكون النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله جزء من أُمّة إبراهيمعليه‌السلام تابعاً له، واقتداء الفاضل بالمفضول غير صحيح عقلاً ولم يخصّ أحد تفضيله على سائر الأنبياء بوقت دون وقت، فيجب أن يكون أفضل في جميع الأوقات فلاحظ وتأمّل.

٣ ـ أن يكون تابعاً للشريعة الأخيرة وهي شريعة المسيح، وأمّا شريعة الكليم فلا شك أنّها كانت منسوخة بالشريعة اللاحقة، ولكن هذا الاحتمال مبني على أن يكون النبي واقفاً بشريعة المسيح ولم يكن له طريق إلّا مخالطة أهل الكتاب وعلمائهم، وحياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنسجم مع هذا الإحتمال، إذ لم يتعلّم منهم شيئاً ولم يسألهم.

٤ ـ إنّه كان يعمل حسب ما يُلهم ويوحى إليه سواء أكان مطابقاً لشرع من قبله أم مخالفاً، وسواء أكان مطابقاً لما بعث عليه من الشريعة فيما بعد أم لا ؟ وهذا هو أظهر الأقوال، ويؤيّد ذلك ما نقل عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال:

٨٥

«لَقَدْ قَرَنَ الله بِهِ مِنْ لَدُنْ اَنْ كَانَ فَطيماً اَعْظَمَ مَلك مِنْ مَلائِكتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَريقَ المَكَارِم وَمحَاسِنَ اَخْلاَقِ العَالم لَيْلِهِ ونَهارِهِ وَلَقَدْ كنْتُ اَتَّبَعهُ اتِّباعَ الفَصِيلِ اثرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي في كُلِّ يوْمٍ منْ أخْلاَقِهِ علماً فاَراه وَلا يَرَاه غَيرِي » (١) .

وعلى ذلك لا جدوى من البحث بعد ما كان العمل على ضوء ما يلهم ويؤيّد ذلك أنّه سبحانه أنعم على المسيح ويحيى بالنبوّة أيام صغرهما قال سبحانه حاكياً عن المسيح:

( قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) ( مريم / ٣٠ ).

وقال سبحانه مخاطباً يحيى:

( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِيًّا ) ( مريم / ١٢ ).

ولازم ذلك، أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يُلْهم منذ صباه إلى أن بعثه الله سبحانه نبيّاً وهادياً للبشر وليس ذلك أمراً غريباً، وتؤيّد ذلك المأثورات المتضافرات في بدء نزول الوحي عليه فكان له الرؤية الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثمّ حبّب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه ـ وهو التعبّد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك وقال: « اقرأ »(٢) .

خاتمة المطاف

نحن مهما جهلنا بشيء فلا يليق بنا الجهل بأنّ النبوّة منصب إلهي لا يتحمّله

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة رقم ١٨٧ طبعة عبده.

(٢) صحيح البخاري: ج ١ ص ٣، باب بدء الوحي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسيرة النبوية: ج ١ ص ٢٣٤.

٨٦

إلّا الأمثل فالأمثل من الناس، ولا يفاض إلّا لمن له مقدرة روحيّة عظيمة ولا يتهيّب عندما يتمثّل له رسول الرب وأمين الوحي ويميّز بين وحي الحقّ وكلامه ووسوسة الشياطين وإلقاءاتهم، ومن المعلوم أنّه عبء فادح ومسؤولية عظمى، لا يحملها إلّا من وقع تحت رعاية الله وتربيته، ولا تتحقّق تلك الغاية إلّا باقتران ملك من ملائكته يرشده إلى معالم الهداية، ويصونه من صباه إلى شبابه إلى كهولته عن كل سوء وخطأ حتّى تستعدّ نفسه لتمثّل أمين الوحي وتحمّل كلامه سبحانه. وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين في كلامه السابق فلاحظ.

٨٧

٨٨

(٤)

الوحي في القرآن الكريم

لقد تعرّفت على حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة وما ورد حولها من الآيات في القرآن الكريم، وبذلك تمّ بيان ما يرجع إلى الشطر الأوّل من حياته، وتسلسل البحث يدفعنا إلى البحث عن الشطر الثاني من حياته وهو ما يرجع إلى الحوادث التي مرّت عليه بعد البعثة ونزول الوحي عليه قبل هجرته إلى المدينة المنوّرة، وقد أقام بعد أن حباه الله بالنبوّة والرسالة قرابة ثلاثة عشر سنة يقود فيها أُمّته إلى الصلاح والفلاح بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن.

ولمـّا ضاق عليه الأمر في موطنه الأوّل ودارت عليه الدوائر من قبل أعدائه وأعداء رسالته إضطرّ إلى مغادرة موطنه وألقى رحاله في مهجره أعني المدينة المنورة وبقي فيها زهاء عشر سنين إلى أن اختاره الله سبحانه إلى جواره، وبذلك طويت صفحات عمره المشرقة، وبقيت آثارها لامعة في سماء الإنسانيّة مشعلاً للهداية على مرّ العصور والتاريخ، وقد إجتازت مراحل ثلاثة:

١ ـ حياته قبل البعثة.

٢ ـ حياته بعد البعثة إلى الهجرة.

٣ ـ حياته بعد الهجرة حتى الإرتحال إلى الرفيق الأعلى.

فها نحن في رحاب المرحلة الثانية من مراحل حياته الشريفة وجاءت الحوادث في هذه المرحلة تترى وتقارع شخصيّته الصامدة وقبل أن نخوض في تحليل هذه

٨٩

الحوادث حسب التسلسل التاريخي على ضوء ما نستفيده من القرآن الكريم ونستوحيه من خلال آياته ; نذكر حادثة نزول الوحي عليه وتكليله بوسام النبوّة التي هي من هبات الله تعالى الجسيمة يمنحها لمن يشاء من عباده( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) .

الوحي لغة واصطلاحاً

الوحي في اللّغة هو الإلقاء في خفاء.نصّ على ذلك ابن فارس في المقاييس، ثم إنّ أئمّة اللّغة وإن ذكروا للوحي معان مختلفة لكن الجميع يرجع إلى أصل واحد وهو تعليم الغير بخفاء، قال ابن منظور: الوحي الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام والكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك يقال وحيت إليه الكلام، والمستفاد من كلماتهم: أنّ الوحي هو الإعلام بخفاء بطريق من الطرق والعنصر المقوّم لمعنى الوحي هو الخفاء، وأمّا غيره كالسرعة على ما في مفردات الراغب فليس بمقوّم لمعنى الوحي، كما أَنّ الإشارة والكتابة والإلهام إلى القلب كلّها من طرق الوحي ووسائله.

وقد أُستعمل الوحي في القرآن الكريم في موارد مختلفة كلّها مصاديق وموارد لهذا المعنى الجامع وإنْ شئت قلت من قبيل تطبيق المعنى الكلّي على مصاديقه المختلفة المتنوّعة، وإليك البيان:

١ ـ تقدير الخلقة بالسنن والقوانين:

قال سبحانه:( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ

٩٠

سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) ( فصّلت / ١١ و ١٢ ).

فقوله سبحانه:( وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ أَمْرَهَا ) يحتمل وجهين:

( الأوّل ): أودع في كل سماء السنن والأنظمة الكونية وقدّر عليها دوامها إلى أجل معيّن. وبما أنّ السماوات تلقّت هذه السنن والنظم بالإشارة في خلقتها استعير في التعبير لفظ الوحي.

( الثاني ): إنّ الشعور والإدراك ساريان في جميع مراتب الوجود من أعلاه كواجبه إلى أدناه كالهيولي في عالم التكوين، ولكن كل حسب درجته ومرتبته، فالسماوات تلقّت ما أوحى إليها سبحانه بخفاء فقامت بامتثاله ما أوحى إليها من الوظائف.

ومن هذا القبيل قوله سبحانه:( إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا *وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا *وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا *يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا *بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ) ( الزلزلة / ١ ـ ٥ ).

٢ ـ الإدراك بالغريزة:

قال سبحانه:( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ *ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً ) ( النحل / ٦٨ و ٦٩ ).

فالأعمال المدهشة الخلّابة للعقول التي تقوم بها النحل في صنع بيوته والقيام بشؤون وظائفها ثمّ التجوّل بين البساتين، ومصّ رحيق الأنهار، ثمّ إيداعها في صفائح الشهد، شيء تتعلّمه بإيحاء من الله سبحانه وذلك بإيداع الغرائز الكفيلة بذلك، وبما أنّ تأثّر النحل بها بخفاء وبلا إلتفات من الشعور والإدراك اُطلق عليه لفظ الوحي.

ويحتمل أيضاً هناك معنى آخر ذكرناه في الوحي إلى السماء.

٩١

٣ ـ الإلهام والإلقاء في القلب:

وقد استعمل الوحي في الإلقاء إلى القلب في موارد في الذكر الحكيم.

منها قوله سبحانه:( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) ( القصص / ٧ ).

ومنها قوله:( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ) ( المائدة / ١١١ ).

ومنها قوله تعالى في شأن يوسفعليه‌السلام عِندما جعلوه في غيابت الجبّ، قال سبحانه:

( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) ( يوسف / ١٥ ).

إلى غير ذلك من الموارد.

٤ ـ الإشارة:

قال سبحانه:( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) ( مريم / ١١ ).

وبما أنّه استخدم الإشارة في تفهيم مراده فأشبه فعله إلقاء الكلام بخفاء فصار ذلك مصحّحاً لاستعمال لفظ الوحي.

٥ ـ الإلقاءات الشيطانيّة:

قال سبحانه:( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) ( الأنعام / ١١٢ ).

ويعلم وجه استعمال الوحي هنا ممّا ذكرنا فيما سبق.

٩٢

٦ ـ كلام الله المنزّل على نبي من أنبيائه:

قال سبحانه:( كَذَٰلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) ( الشورى / ٣ ).

وقد عرّف هذا النوع من الوحي بأنّه تعليمه تعالى من اصطفاه من عباده كلّما أراد اطّلاعه على ألوان الهداية واشكال العلم ولكن بطريقة خفيّة غير معتادة للبشر.

وحصيلة البحث: أنّ للوحي معنى واحداً وله مصاديق متنوّعة وليست هي بمعان متكثّرة، وإنّ حقيقة الوحي تعليم غيبي لمن اصطفاه سبحانه من عباده، لا يشابه الطرق المألوفة بين العباد، وإنْ أردت المزيد من الإطّلاع فإليك البيان التالي:

قنوات المعرفة الثلاثة:

إنّ أمام الإنسان طرق ثلاثة للوصول إلى مقاصده:

الطريق الأوّل ـ يستفيد منه جموع الناس غالباً ـ بينما يستفيد طائفة خاصّة منهم من الطريق الثاني، ولا يستفيد من الطريق الثالث إلّا أفراد معدودين تكاملت عقولهم وتسامت أرواحهم وهي كالتالي:

١ ـ الطريق الحسّي والتجربي:

والمقصود منه الإدراكات والمعلومات الواردة إلى الذهن عن طريق الحواس الظاهريّة أو بفضل التجربة التي أسّست الحضارة المعاصرة عليها.

٢ ـ الطريق التعقّلي النظري:

إنّ المفكّرين يتوصّلون إلى كشف الاُمور الخارجة عن إطار الحسّ والتجربة عن طريق الإستدلال وإعمال النظر وإنهاء المجهولات إلى البديهيات، وقد توصّل

٩٣

البشر بهذا الطريق إلى المسائل الفلسفيّة الكلّية وما يضاهيها.

٣ ـ طريق الإلهام:

وهذا هو الطريق الثالث وهو فوق نطاق الحس والتعقّل. إنّه نوع جديد من المعرفة، ونمط متميّز من إدراك الحقائق ليس محالاً من وجهة نظر العلم، وإن كان يصعب على أصحاب الإتجاه المادي قبوله لكونه طريقاً خارجاً عن إطار الحسّ والتعقّل.

إنّ طريق التعرّف على حقائق الكون ـ في منهج المادّيين وأصحاب النزعة المادّية ـ ينحصر في قناتين لا غير وهما اللّذان سبق ذكرهما، في حين أنّ هناك حسب نظر الإلهيين قناة ثالثة أيضاً.

إنّ هذا الطريق الثالث أقوى اُسساً وأوسع آفاقاً عند من يدّعون الرسالة والنبوّة من جانب الله سبحانه، وأنّ نفوس اُولئك الأشخاص لتبدو أكثر صفاءً وطراوة وزهواً.

كلّما حصل ارتباط بين الله سبحانه وفرد من أفراد النوع الإنساني على نحو تلقّي الحقائق من دون توسيط الحواس وأعمال الفكر يسمّى بالإلهام تارة والإشراق اُخرى، وكلّما نتجت من هذا الإرتباط سلسلة تعاليم عامّة يطلق عليها اسم الوحي ويسمّى المتلقّي نبيّاً، ومن هنا اعتبر العلماء « الوحي » الطريقة المطمئنّة الوحيدة إلى المعرفة العامّة.

أنواع الوحي وأقسامه:

إنّ النبي تارة يتلقّى الوحي على نحو الإلهام في القلب، واُخرى يسمع عبارات وكلمات من وراء حجاب كسماع موسىعليه‌السلام كلام الله سبحانه في الطور، وثالثة تنكشف الحقائق له في عالم الرؤيا انكشاف النهار كرؤيا إبراهيم

٩٤

الخليلعليه‌السلام ذبح ولده إسماعيل، وقد ينزل عليه ملك من جانب الله تعالى معه كلامه سبحانه وهو الذي يسمّى بالروح الأمين.

وإلى الطرق الثلاثة: « سوى الرؤيا » اُشير بقوله سبحانه:( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إلّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ) وإلى نزول الملك بقوله:( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) وأمّا الرؤيا الصادقة فيكفي في ذلك قوله سبحانه حاكياً عن الخليلعليه‌السلام :( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( الصافّات / ١٠٢ ).

فلو لم تكن رؤيا الخليل إدراكاً قطعيّاً واتّضح بها وجه الحقيقة كفلق الصبح لما أخبر ولده بها ولما أجابه الولد بالإمتثال طائعاً. نعم اُشير إلى الملك الحامل لكلام الله سبحانه بقوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ ) ( الشعراء / ١٩٣ و ١٩٤ ).

إنّ هناك من يحاول أن يفسّر الوحي بالاُصول المادّية والطرق الحسّية ولهم في ذلك آراء ونظريات يشبه كثيرها بكلام بعض المشركين في تقييم الوحي والقرآن الكريم، وإليك بيان هذه النظريات واحدة تلو الاُخرى.

١ ـ الوحي وليد النبوغ:

ويقولون: يتميّز بين أفراد الإنسان المتحضّر أشخاص يملكون فطرة سليمة، وعقولاً مشرقة تهديهم إلى ما فيه صلاح المجتمع وسعادة الإنسان، فيضعون قوانين فيها مصلحة المجتمع وعمارة الدنيا، والإنسان المتصدّي لهذه الوظيفة هو النبي، والفكر المترشّح من مكامن عقله وومضات نبوغه هو الوحي، والقوانين التي يسنّها لصلاح المجتمع هي الدين، والروح الأمين ( جبرئيل ) هو نفسه الطاهرة التي تفيض هذه السنن والقوانين إلى مراكز إدراكه، والكتاب السماوي هو كتابه الذي يتضمّن تلك السنن والقوانين، والملائكة التي تؤيّده في حلّه وترحاله هي القوى الطبيعية ،

٩٥

والشيطان الذي ينابذه وينادده هي النفس الأمّارة بالسوء.

أقول: إنّ تفسير النبوّة بالنبوغ وإن صيغ في قالب علمي جديد ليس نظرية جديدة بحدّ ذاتها، فإنّ جذوره تمتد إلى عصر المشركين المعاصرين للنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّهم كانوا يحسّون بحالة الإنجذاب للقرآن وبلاغته الخلّابة فينسبونه إلى الشعر ويصفون قائله بالشاعر، قال سبحانه حاكياً عنهم:( بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ) ( الأنبياء / ٥ ).

ويجيبهم القرآن بقوله:( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إلّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ) ( يس / ٦٩ ).

إنّ هذه النظرية إبتنت على إنكار ماوراء الطبيعة فصار الوجود عندهم مساوقاً للمادّة فلم يجدوا منتدحاً عن تفسير الوحي بما جاء في هذه النظرية.

إنّا إذا سبرنا تاريخ المصلحين في العالم نجدهم على فئتين.

فئة تتكلّم باسم الدين الإلهي وتخبر عن الله سبحانه وينسب كل ما يأمر وينهي إلى عالم الغيب ولا يرى لنفسه شأناً سوى كونه مبلّغاً لرسالات الله ومؤدّيا لبلاغها وإنذارها.

وفئة تتكلّم باسم المصلح الإجتماعي وينسب كل ما يتفوّه به إلى بنات فكره وعقله، فلو صحّت تلك النظرية لما كان لهذا التقسيم مفهوم صحيح وعندئذ يتساءل: لماذا نسبت الفئة الاُولى ما جاؤوا به من التعاليم إلى عالم الغيب مع أنّه من ومضات فكرتهم هذا، ومن جانب آخر: إنّ المصلحين بإسم الأنبياء كانوا رجالاً صادقين وصالحين لم يبدر منهم ما ينافي صدقهم وصلاحهم، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّهم كانوا يحسّون من صميم ذاتهم بأنّهم مبعوثون من جانبه سبحانه.

إنّ هذه النظرية التي تفسّر الوحي بالنبوغ وتوسّم الأنبياء بالنوابغ لم تدرس أحوال النوابغ والعلل والمبادئ التي يرتكز عليها النبوغ حتّى تقف على أنّ أحوال

٩٦

الأنبياء على طرف نقيض من أحوال النوابغ، فإنّ أفكار النوابغ تتوقّد وتزدهر تحت لواء المجتمعات الراقية، وتحت ظل الحضارات الإنسانية، وأمّا المجتمعات المتخلّفة فلو كانت تمتلك نوابغاً بالذات لاُخمد فيها ذكاؤهم وبارت فيها فطنتهم.

وأمّا الظروف التي كان يعيش فيها الأنبياء خصوصاً النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد كانت على نقيض هذا الجانب، فقد بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله بين قوم يغطّون في سبات التخلّف والإنحطاط، فكيف يمكن تفسير النبوّة الخاتمة بالنبوغ مع هذا البون الشاسع بين ظروف النوابغ وظروف خاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أضف إلى ذلك: انّ النوابغ تسودهم العزلة والانزواء مع أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بين الناس يعيش معهم في حياتهم الإجتماعية وإن لم يكن على سيرتهم وسلوكهم، فقد قضى عمره في الرعي والتجارة إلى أن بعثه الله سبحانه نبيّاً لهداية الاُمّة.

وأنّى للنوابغ الكتاب الذي حارت فيه العقول وخرست الألسن عن النطق بمثله ؟ وأين لهم هذه النظم والتشريعات الحيّة النابضة التي تتلائم وتنسجم مع جميع الحضارات الإنسانية، فهي كما وصفها شبلي شمّيل اللبناني المتوفّى عام ١٣٣٥ ه‍ ق في رسالته إلى صاحب المنار:

إلى السيّد محمد رشيد رضا صاحب ( المنار ):

أنت تنظر إلى محمّد كنبيّ وتجعله عظيماً، وأنا أنظر إليه كرجل وأجعله أعظم، ونحن وإن كنّا في الاعتقاد على طرفيّ نقيض، فالجامع بيننا العقل الواسع والإخلاص في القول، وذلك أوثق لنا لعرى المودّة ( الحق أولى أن يقال ):

دع من محمّد في صدى قرآنه

ما قد نحاء للحمة الغايات

إنّي وإن أك قد كفرت بدينه

هل أكفرن بمحكم الآيات ؟

أو ما حوت في ناصع الألفاظ من

حكم روادع للهوى وعظات

٩٧

وشرايع لو أنّهم عقلوا بها

ما قيّدوا العمران بالعادات ؟

نعم المدبّر والحكيم وإنّه

ربّ الفصاحة مصطفى الكلمات

رجل الحجى رجل السياسة والدهاء

بطل حليف النصر في الغارات

ببلاغة القرآن قد خلب النهى

وبسيفه أنحى على الهامات

من دونه الأبطال في كل الورى

من سابق أو غائب أو آت

٢ ـ الوحي ثمرة الأحوال الروحيّة:

هذه النظرية هي التي يعتمد عليها المستشرقون في تحليل نبوّة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وفسّرها من بينهم « اميل درمنغام »، وخلاصتها:

إنّ الوحي إلهام يفيض من نفس النبي الموحى إليه لا من الخارج، وذلك أنّ سريرته الطاهرة، وقوّة إيمانه بالله، والإعتقاد بوجوب عبادته، وترك ما سواها من عبادة وثنيّة وتقاليد وراثيّة موبوءة، يحدث في عقله الباطن، الرؤى والأحوال الروحيّة فيتصوّر ما يعتقد وجوبه، إرشاداً إليه، نازلاً عليه من السماء بدون وساطة، أو يتمثّل له رجل يلقّنه ذلك، يعتقد أنّه ملك من عالم الغيب، وقد يسمعه يقول ذلك ولكنّه إنّما يرى ويسمع ما يعتقده في اليقظة كما يرى ويسمع مثل ذلك في المنام الذي هو مظهر من مظاهر الوحي عند جميع الأنبياء، فكلّما يخبر به النبي انّه كلام اُلقى في روعه، أو ملك ألقاه على سمعه، فهو خبر صادق عنده(١) .

نبوّة أو أضغاث أحلام ؟!

وممّا يلاحظ على تلك النظرية إنّها ليست بشيء جديد وإن كانت ربّما تنطلي

__________________

(١) الوحي المحمدي: ص ٦٦.

٩٨

على السذج من الناس بأنّها نظرية جديدة ذات قيمة علمية.

إنّ الذكر الحكيم يحكي لنا مقالة المشركين في سالف عهدهم في حقّ النبي الأكرم وكتابه حيث كا نوا يحلّلون نبوّته والوحي المنزّل عليه، بأنّها أضغاث أحلام، قال تعالى حاكياً عنهم:( أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أي أنّ ما يحكيه عن الله تبارك وتعالى إنّما هو وحي الأحلام يجري على لسانه، وعلى ذلك فليست تلك النظرية إلّا تفسير للنبوّة بالجنون الذي هو في مرتبة عالية وشديدة من تجلّي النزعات الخيالية فاستغلّه المستشرقون، واستعرضوه بثوب جديد يوهم السذّج أنّها تحليل علمي بني على أساس علمي رصين، ولكن المساكين غير واقفين على أنّه نفس النظرية الجاهلية التي جوبه بها النبي حيث قالوا:( يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) ( الحجر / ٦ ).

وقد حكيت هذه التهمة عن لسان المشركين في غير سورة. سبحانك يا ربِّ ما أعظم جناية الإنسان على الصالحين البالغين، ذروة الكمال في العقل والدراية حتى وسمهم هؤلاء المفترون تارة بالخبطة وأُخرى بالمسّ والجنون.

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165