الرسالة السعدية

الرسالة السعدية33%

الرسالة السعدية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 165

  • البداية
  • السابق
  • 165 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 26445 / تحميل: 6863
الحجم الحجم الحجم
الرسالة السعدية

الرسالة السعدية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

والامامية من اكبر امة محمدعليه‌السلام .

لانهم اخذوا مذهبهم عمن وصفهم الله تعالى، بصفات الشرف والكمال(٦٦) والزهد.

وانهم ابرار، فقال تعالى في حقهم: * (ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) *(٦٧) ، إلى آخر آيات(٦٨) * (هل اتى(٦٩) ) *.

وقال: * (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون(٧٠) ) *.

وقال تعالى: * ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركمتطهيرا(٧١) ) *.

وقال تعالى: * (الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية(٧٢) ) *.

وكان أميرالمؤمنينعليه‌السلام تصدق: بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهمسرا، وبدرهم علانية(٧٣) ).

____________________

(٦٦) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٣، لوحة أ، سطر ١٠: ( والكمال والصلاح).

(٦٧) سورة الانسان - الدهر -، الآية ٥.

(٦٨) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٣، لوحة أ، سطر ١٢: (آية)، وهو اشتباه.

(٦٩) سورة الانسان، من القرآن الكريم.

(٧٠) سورة المائدة، الآية ٥٥.

(٧١) سورة الاحزاب، الآية ٣٣.

(٧٢) سورة البقرة، الآية ٢٧٤.

(٧٣) ينظر: شواهد التنزيل في قواعد التفضيل، للحاكم الحسكاني الحنفي، ورقة ٢٦، من حديث ١٥١ - ١٥٩، في سورة البقرة، من مخطوطة جامعة - دانشكاه تهران - طهران، كلية الآداب، برقم ٧٥٣٤٧.

٢١

وامرالله تعالى نبيه بالاستعانة بدعائهم على نصارى نجران(٧٤) ، فقال تعالى: * ( فقل تعالوا ندع ابناء‌نا وابناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل) *، الآية(٧٥) ، والمراد بالابناء: الحسن والحسين، وبالنساء: فاطمة، وبالنفس: علي بن أبي طالبعليهم‌السلام (٧٦) ، ولو كان غيرهم أقرب عندالله تعالى واصلح، لكان الامر بالاستعانة بهم في الدعاء اولى(٧٧) .

____________________

(٧٤) قال ابن الاعرابي: ونجران في عدة مواضع، منها: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة.، وفد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفد نجران، وفيهم: السيد وآسمه وهب، والعاقب واسمه عبد المسيح، والاسقف وهو ابو حارثة، واراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مباهلتهم، فامتنعوا وصالحوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكتب لهم كتابا، فلما ولي ابوبكررضي‌الله‌عنه انفذ ذالك لهم، فلما ولي عمررضي‌الله‌عنه اجلاهم واشترى منهم اموالهم..، معجم البلدان: م ٥ ٢٦٦ - ٢٧١ باختصار.

(٧٥) سورة آل عمران، الآية ٦١.

وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٣، لوحة ب، سطر ٧ - ٨: (..ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).

(٧٦) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٣، لوحة ب، سطر ٩:عليهما‌السلام .

(٧٧) ينظر: شواهد التنزيل: ورقة ٢٨ - ٣٠، من حديث ١٦٤ - ١٧١، في سورة آل عمران.

والكامل في التاريخ: ٢ / ١١٢، وتاريخ اليعقوبي: ٢ / ٦٦، وفتوح البلدان: ص ٧٥، واعلام الورى: ص ٧٩، والسيرة الحلبية: ٣ / ٢٤٠، وسيرة زيني دحلان - هامش الحلبية -: ٣ / ٦، والسيرة لابن هشام: ٢ / ٢٠٤، واسد الغابة: ٤ / ٢٦، وشرح الشفا لملا علي القاري: ٢ / ٨٣، والكشاف: ١ / ٣٠٧، والجمهرة: ١ / ٧٦، وثمار القلوب - المنسوب للثعالبي -: ص ٤٨٣، وتفسير الفخر الرازي: ٢ / ٦٩٩، والدر المنثور: ٢ / ٣٨، والسنن الكبرى: ٧ / ٦٣، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ص ١٦٩، ونور الابصار للشبلنجي: ص ١١١، والفصول المهمة: ص ٦ - ٧، وينابيع المودة: ص ٧، وجواهر العقدين ودرر السمطين: ص ٢٠٢، ٢٣٤، والبداية والنهاية: ٥ / ٤، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص ١٢، ١٥٥، وبحار الانوار: ٦ / ٩، وغيرها.

غير ان السيرة الحلبية: ٣ / ٢٤٠، ادخلت من ليس بداخل، واخرجت من ليسبخارج، حيث اوردت عن عمررضي‌الله‌عنه انه قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لاعنتهم؟ بيد من كنت تأخذ؟ ! قال: آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة.

ترى، هل هذه الزيادة، من عائشة إلى حفصة؟ هي مما يدل عليه قوله تعالى: (ونساء‌نا ونساء‌كم)؟ ! الامر الذي جعل الحلبي هنا، ان يختار هذه الرواية، وبالتالي، يرجحها على الرواية المتواترة الثابتة.

ثم، ليجيئ بعده ابن كثير، فيذكر القصة في بدايته ونهايته، ومن ثم ليخرج منها علياعليه‌السلام .

٢٢

وجعل مودتهم اجر الرسالة، فقال تعالى: * (..قال لا اسألكم عليه(٧٨) اجرا الا المودة في القربى..(٧٩) ) *.

قال الزمخشري(٨٠) في الكشاف: (اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: اترون محمدا يسال على مايتعاطاه اجرا؟ فنزلت الآية.

فقيل: يا رسول الله ! من قرابتك هؤلاء الذين وجب علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة، وابناهما، حرمت الجنة على من ظلم اهل بيتي وآذاني في عترتي.

الا ومن مات على حب آل محمد مات شهيدا، الا ومن مات على حب آلمحمد مات مغفورا له، الا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا، الا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكملا للايمان، الا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة. ثم منكر ونكير.

____________________

بل، وجاء بعدهما: السيوطي، ليذكر في دره المنثور، في تفسير الآية، عن ابن عساكر عن الصادقعليه‌السلام : ان رسول الله بعد نزول الآية، دعا عمرا وولده..إلى آخره، وهذا من اعجب العجب.

ولكن، اما كان الاجدر بالحلبي ان يسائل نفسه: لم ترك المتواتر الثابت، وعمل بخبر الواحد.

ثم، لو سلمنا، وقلنا: بان الآية دلت على صحة مانقله، من دخول السيدتين عائشة وحفصة.

ترى، لم استثنى؟ ! ولم يدخل معهما سائر امهات المؤمنين (رضي‌الله‌عنهن)؟ !(٧٨) اي: اداء رسالة، (النسخة المرعشية: ورقة ٢٣، لوحة ب، مقابل سطر ١٢ - ١٣ من الجهة اليمنى)، والصحيح ان يقال: اداء الرسالة.

(٧٩) سورة الشورى، الآية ٢٣.

(٨٠) محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري من ائمة العلم بالدين والتفسير واللغة والآداب، ولد في زمخشر من قرى خوارزم، وسافر إلى مكة فجاور بها زمنا، فلقب بجار الله.

وتنقل في البلدان، ثم عاد إلى الجرجانية من قرى خوارزم فتوفي فيها.

اشهر كتبه الكشاف - ط في تفسير القرآن..، ينظر: الاعلام: ٨ / ٥٥ باختصار.

٢٣

الا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، الا ومن مات على حب آل محمد فتح له بابان في قبره إلى الجنة(٨١) الا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، الا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة.

الا ومن مات على بعض آل محمد [ جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس منرحمة الله، الا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا، الا ومن مات على بغض آل محمد(٨٢) ] لم يشم رائحة الجنة(٨٣) .

وجعل الصلاة عليهم شرطا في صحة الصلاة عند اكثر المسلمين، ومستحبة عند الباقين، والصلاة على غيرهم مبطلة لها(٨٤) .

واقسم بخيله في قوله تعالى: * (والعاديات ضبحا(٨٥) ) *.

وقال رسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لو اجتمع الناس على حب علي لما خلق الله النار(٨٦) ).

____________________

(٨١) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٤، لوحة أ، سطر ١٠: (فتح له في قبره بابان: باب إلى الجنة، وباب إلى الحساب).

(٨٢) مابين القوسين، ورد في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٤، لوحة ب، سطر ١ - ٣.

(٨٣) تفسير الكشاف: ٢ / ٣٣٩، كذالك ينظر: ارجح المطالب: ص ٣٢٠، وفرائد السمطين: ٢ / ٤٩، ومقام امير المؤمنين: ص ٤٤ - ٤٥.

(٨٤) ينظر: الصواعق المحرقة: ص ١٣٩، وشرح المواهب: ٧ / ٧، ومسند ابن حنبل: ٦ / ٣٢٣، وتفسير لرازي: ٧ / ٣٩١، وذخائر العقبى: ص ١٩، وشرح الشفا: ٣ / ٥٠٠ - ٥٠٦، وشفاء السقام: ص ٨١ - ١٨٧، ومجمع الزوايد: ١٠ / ١٦٠ - ١٦٣، والغدير: ٢ / ٣٠٢ - ٣٠٤.

(٨٥) سورة العاديات، الآية ١.

(٨٦) ينظر: ينابيع المودة: ص ٢٥١، وتأريخ مقتل الحسين: ١ / ٣٨، والكوكب الدري: ص ١٢٢ طبع باكستان، ومقام اميرالمؤمنين: ص ٣٩.

٢٤

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (سباق الامة ثلاثة - لم يكفروا بالله طرفة عين فهم الصديقون -: حبيب النجار مؤمن آل يسين، وحزقيل(٨٧) مؤمن آلفرعون، وعلي بن ابي طالب وهو افضلهم(٨٨) ).

وتواتر: خبر الغدير(٨٩) ، والمنزلة(٩٠) ، والطاير(٩١) ، والمؤاخاة(٩٢) ، وسد الابواب غير بابه(٩٣) وكثرة بلائه في الجهاد حتى نزل جبريل يقول: (لاسيف الا ذوالفقار ولا فتى الا علي(٩٤) ).

____________________

(٨٧) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٤، لوحة ب، سطر ٩: (حزبيل).

(٨٨) ينظر: الرياض النضرة: ٢ / ١٥٤، والكفاية: ص ٤٧، وجمع الجوامع: ٦ / ١٥٢، والصواعق المحرقة: ص ٧٤ - ٧٥، والغدير ٢ / ٣١٢ - ٣١٣، وينابيع المودة: ص ١٢٤ - عن مسند احمد وغيره -.

(٨٩) ينظر: الرياض النضرة: ٢ / ٢٤٤، والبداية والنهاية: ٨ / ٣٤٩، وغاية المرام: ص ٧٩، ٨٠ وللتوسع ! يراجع الغدير، للشيخ الحجة عبدالحسين الاميني (قدس الله سره)(٩٠) ينظر: الرياض النضرة: ٢ / ١٦٣، وذخائر العقبى: ص ٥٨، ومناقب الخطيب الحنفي: ص ٣٢، ووفيات الاعيان: ٢ / ١٠٤، وكنز العمال: ٦ / ٣٩٥، ومقام اميرالمؤمنين: ص ١٣ - ١٤، وخصائص اميرالمؤمنين: ص ٤٨، ٥٠، ٧٦، ٧٨، والغدير: ٣ / ١٩٩.

(٩١) ينظر: كفاية الطالب: ٥٦ - ٦٢ طبعة الحيدرية، وتذكرة خواص الامة: ص ٣٨، والبداية والنهاية: ٧ / ٣٥٣، وخصائص امير المؤمنين: ص ٥، ٥٢، وسنن الترمذي: ١٣ / ١٧٠، واسد الغابة: ٤ / ٣٠، ومستدرك الحاكم: ٣ / ١٣٠ - ١٣١، ومجمع الزوائد: ٩ / ١٢٥ - ١٢٦، وتأريخ بغداد: ٣ / ١٧١، ٩ / ٣٦٩، والرياض النضرة: ٢ / ١٦١، وكنز العمال: ٦ / ٤٠٦، وشرح نهج البلاغة: ١ / ٤٧، ٣ / ١٧٠، وغاية المرام: ص ٤٧١.

(٩٢) ينظر: الكوكب الدري: ص ١٣٤، وينابيع المودة: ص ٢٥١ ومقام اميرالمؤمنين: ص ٢٢، والغدير: ٣ / ١١٢ - ١٢٥.

(٩٣) ينظر: الرياض النضرة: ٢ / ٢٤، وكنز العمال: ٦ / ٣٩١.

وصحيح الترمذي: ٢ / ٤٦١، ومسند ابن حنبل: ١ / ١٧٥، وذخائر العقبى: ص ٧٦، وينابيع المودة: ص ٨٧، والدر المنثور: ٦ / ١٢٣، طبع مصر سنة ١٣١٤ ه‍، ومقام اميرالمؤمنين: ص ٣٧، وخصائص اميرالمؤمنين: ص ٦٤، والغدير: ٣ / ٢٠٢.

(٩٤) ينظر: تاريخ الطبري: ٣ / ١٧، والروض الانف: ٢ / ١٤٣، وشرح نهج البلاغة: ١ / ٩، ٢ / ٢٣٦، ٣ / ٢٨١، ومناقب الخوارزمي: ص ١٠١ - ١٠٤، وتذكرة الخواص: ٦، وكفاية الكنجي: ص ١٤٤، والرياض النضرة: ص ١٩٠، وذخائر العقبى: ص ٧٤، وصفين: ٢٥٧، والغدير: ٢ / ٥٩ - ٦١.

٢٥

ورجع اليه جميع الصحابة(٩٥) في الاحكام(٩٦) ، وقال عمر في عدة مواطن: (لولا علي لهلك عمر)(٩٧) ، وقال: (قضية ولا أبا حسن لها(٩٨) ).

____________________

(٩٥) في المخطوطة المرعشية: ورقة ٥٩، لوحة ب، سطر ١٢: (جمع).

(٩٦) وللتوسع ! يراجع كتاب الغدير للشيخ عبدالحسين الاميني، وكتاب علي والخلفاء، تأليف نجم الدين العسكري، في طبعته الاولى، بمطبعة الآداب، في النجف الاشرف.

وكتاب فضائل الخمسة، الجزء الثاني، للفيروز آبادي.

(٩٧) ينظر: الاستيعاب: ٣ / ٣٩، والرياض النضرة: ٢ / ١٩٤، ومناقب الخوارزمي: ص ٤٨، وشرح الجامع لصغير للشيخ محمد الحنفي: ص ٤١٧ هامش السراج المنير، وتذكرة الخواص: ص ٨٧، ومطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ص ١٣، وفيض القدير: ٤ / ٣٥٧، والغدير: ٣ / ٩٧، وشرح نهج البلاغة: ١ / ١٤١.

(٩٨) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٥، لوحة أ، سطر ١: (..ولا ابا حسن فيها).

وفي حدود اطلاعي، لم اهتد إلى مثل هذا النص بمثل هذه الالفاظ مجتمعة، ولمثل الخليفة عمررضي‌الله‌عنه .

غير اني وجدت نصا ونصا آخر، بالفاظ اخر، ولمعنى يقارب معنى ذالك النص ان لم يكن يطابقه، وهما: (أ) روى ابن سعد في طبقاته: ج ٢ ق ٢ ص ١٠٢: بسنده عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها ابوحسن، وذكره ابن الاثير في اسد الغابة: ٤ / ٢٢، وابن عبدالبر في استيعابه: ٢ / ٤٦١، ٤٨٤، والمتقي في كنز العمال: ٣ / ٥٣، ٥ / ٢٤١، وذخائر العقبى: ص ٨٢.

وابن قزاغلي في تذكرة خواص الائمة: ص ٨٧، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ص ١٧١.

(ب) ومنه حديث معاوية - وقد جاء‌ته مسالة مشكلة - فقال: معضلة ولا ابا حسن.

ابوحسن، معرفة وضعت موضع النكرة، كانه قال: ولا رجل لها كابي حسن، لان لا النافية: انما تدخل على النكرات، دون المعارف.

ينظر: النهاية لابن الاثير: ج ٣ ص ١٠٥، شرح نهج البلاغة: ج ١ ص ٦، اسد الغابة: م ٤ ص ٢٢٠.

كما ينظر: اسمى المناقب في تهذيب اسنى المطالب - طبعة ١٩٨٣ م -: ص ١٠٦، وفيه: (حديث القضاة خلفا عن سلفهم، عن اقضى الامة امير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه‌السلام .).

والوسائل: ١٨ / ٣٨١، باب ١٦ - حديث ٧.

٢٦

ورجع اليه جميع العلماء في علومهم(٩٩) .

____________________

(٩٩) ينظر: شرح نهج البلاغة: ١ / ١٧ - ٣٠.

كذالك قال محمد بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي الشافعي: ( فانتهت إلى امير المؤمنين علي - رضوان الله تعالى عليه - : جميع الفضائل من انواع العلوم، وجميع المحاسن وكرم الشمائل، من: القرآن، والحديث، والفقه، والقضاء، والتصوف، والشجاعة، والولاية، والكرم، والزهد، والورع، وحسن الخلق، والعقل، والتقوى، واصابة الرأي.

فلذالك، اجمعت القلوب السليمة على محبته، والفطر المستقيمة على سلوك طريقته.

فكان حبه علامة السعادة والايمان، وبغضه محض الشقاء والنفاق والخذلان، كما تقدم في الاحاديث الصحيحة، وظهر بالادلة الصريحة.

ولكن، علامة صدق المحبة: طاعة المحبوب، وحب من يحبه الحبيبان المحب لمن يحب مطيع)، اسمى المناقب في تهذيب اسنى المطالب: ص ١٧٣ - ١٧٤.

أ.وبشأن علم القراء‌ة، فقد قال الجزري في سلسلة اتصال قراء‌ته وانتهائها إلى الامام اميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه: (واما ما يتعلق بتلاوة القرآن العظيم، فوقع بيننا وبينه ثلاثة عشر رجلا، من غير طريق الامام جعفر الصادقعليه‌السلام .

واما من طريقه، فبيننا وبينه عشرة رجال.

وذالك: اني قرأت القرآن من اوله إلى آخره، مجودا مرتلا، على جماعة من الشيوخ، بمصر والشام وغيرهما، منهم: الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابوعبدالله محمد بن عبدالرحمن بن علي الحنفي، بالديار المصرية، في سنة تسع وتين وسبعمائة رحمه الله، وقرأ هو..

واما من طريق الامام جعفر [ الصادقعليه‌السلام ]، فقرأت القرآن العظيم كله، من اوله إلى آخره، بالتجويد والتحقيق والترتيل، على الشيخ الامام شيخ الاقراء، امين الدين، عبدالوهاب بن يوسف بن ابراهيم بن السلار، بدمشق المحروسة، سنة سبع وستين وسبعمائة، وقرأ هو القرآن كذالك..، وقرأ حمزة كذالك على الامام ابي عبدالله جعفر الصادق، وقرأ الصادق كذالك على ابيه الامام ابي جعفر محمد الباقر، وقرأ الباقر كذالك على ابيه الامام زين العابدين علي، وقرأ زين العابدين كذالك على ابيه الامام السيد الشهيد سيد شباب اهل الجنة ابي عبدالله الحسين، وقرأ الحسين كذالك على ابيه الامام اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، وقرأ علي كذالك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن جبرئيل، عن رب العالمين تبارك وتعالى)، اسمى المناقب في تهذيب اسنى المطالب: ص ١٧١ - ١٧٢.ب.

وبشأن علم النحو: الشعر والشعراء للدينوري: ص ٢٨٠، وطبقات القراء لابن الجزري: ص ٣٤٥، وشذرات الذهب في اخبار من ذهب: ١ / ٧٦، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ص ١٨١.

٢٧

وخرقة الصوفية مستندة اليه(١٠٠) .

والفتوة راجعة اليه(١٠١) .

وظهرت عنه معجزات وكرامات(١٠٢) ، نقلها المخالف والموالف(١٠٣) .

____________________

ح.

وبشأن الخط: الخطاط البغدادي علي بن هلال: ص ٧٨ علما، بان الاستاذ عزيز سامي، قد شكك في منحى الدكتور سهيل انور، حين رسم لمسيرة الخط شجرة: (ابتداها بعلي بن ابي طالب -رضي‌الله‌عنه -، فالحسن البصري، فاسحاق بن حماد، فابراهيم السجزي..، فابن مقلة، فالحسن بن بهزاد المرزباني، فابن البواب المتوفى سنة ٤١٣ ه‍..).

نعم، الاستاذ عزيز، اقام شكه، على ان: الحسن البصري، لم يصح له سماع من علي بن ابي طالب، وانه لم يلقه وهذا التشكيك، يبدو انه قديم، وليس وليد اليوم بالذات.

حيث ان جلال الدين السيوطي - وهو من اعلام الحديث -: عقد فصلا، اثبت فيه سماع البصري من علي.

بل، اتى على الروايات المعارضة، ففندها، ينظر: الحاوي للفتاوي: ٢ / ١٩١ - ١٩٥ كذالك، فان الاستاذ محمد بهجة الاثري، هو الآخر اكد ذالك الانتساب، بقوله: (تنتهي الشجرة التي في حيازتنا إلى علي بن ابي طالب، ومنه اخذ الحسن البصري الخط..)، كما في كتابه: تحقيقات وتعليقات على كتاب الخطاط البغدادي علي بن هلال: ص ٢٠.

(١٠٠) المصدر نفسه: ١ / ١٩.

وفي هامش الصفحة: فصل السهروردي في الباب الثاني عشر من كتابه (عوارف المعارف): ٤ / ١٩١ وما بعدها، على هامش الاحياء، إلى الكلام في شرح خرقة المشايخ الصوفية ولبسها.

وللتوسع: يراجع كذالك كتاب: (علي بن ابي طالب امام العارفين، او البرهان الجلي في تحقيق انتساب الصوفية إلى الامام علي) تأليف المحدث الحجة احمد بن الصديق العماري الحسني.

(١٠١) شرح نهج البلاغة: ١ / ٢٩.

وقال ابن المعمار البغدادي الحنبلي: فاما مبدأ الفتوة ومنشؤها، فابراهيم الخليل، خليل الله الرحمان، وهو ابوالفتيان..، ولم تزل الفتوة عنه تتصل بالانبيا [ ء ] والصديقين، حتى وصلت إلى نبينا -عليه‌السلام -، وهو افتى الفتيان، ومنه -عليه‌السلام - فتوة علي -رضي‌الله‌عنه - ومن فضيلة فتوته [ التي ] هتف بها الهاتف، وجاد بنفسه على فراش النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -..، كتاب الفتوة: ص ١٤٠ - ١٤٢ باختصار.

(١٠٢) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٥، لوحة أ، سطر ٢: (وظهر عنه).

(١٠٣) ينظر: الخصائص للنسائي، وينابيع المودة للقندوزي، وكشف الغمة للاربلي، والمسترشد لابي جعفر الطبري، ومدينة المعاجز للبحراني، والمناقب لابن طاووس.

٢٨

وغير ذالك من الآيات القرآنية(١٠٤) ، والروايات المسطورة في صحاح أخبار السنة، وهي أكثر من ان تحصى.

فكيف يتحقق الاجماع مع مخالفتهم؟ ! والامامية اعرف بمذاهب اهل البيت(١٠٥) ، كما ان مذهب الشافعي(١٠٦) ، اعرف عند الشافعية(١٠٧) ، والحنفية(١٠٨) اعرف الناس بمذهب ابي حنيفة(١٠٩) ، فان كل من التزم بمذهب شخص كان اعرف من غيره بمذهب ذالك الشخص.

____________________

(١٠٤) في المخطوطة المرعشية: رقة ٢٥، لوحة أ، سطر ٣: (في غير ذالك من الآيات القرآنية).

(١٠٥) المراد: الامامية اعرف بالاحكام والسنن، المروية والمفسرة، من طرق اهل البيت، نقلا عن الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن الله عزوجل.

عليه فان استعمال المذاهب هنا، لا يتعدى هذا المعنى. والا، فان الاسلام ليس فيه مذاهب متعددة - ولا بأس ان يقال: مدارس -، وانما هو دين واحد سماوي لا شخصي، له عالمه قبال بقية الاديان. وهو شرعة الاهية متكاملة، قبال كل القوانين البشرية الارضية.

(١٠٦) محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، ابوعبدالله احد الائمة الاربعة عند اهل السنة، واليه نسبة الشافعية كافة.

ولد في غزة بفلسطين سنة ١٥٠ ه‍، وتوفي في القاهرة، سنة ٢٠٤ ه‍.

له تصانيف كثيرة، اشهرها: كتاب الام - ط في الفقه، والرسالة - ط في اصول الفقه، اعلام الزركلي ٦ / ٢٤٩ - ٢٥٠ بتصرف واختصار.

(١٠٧) نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية، في فروع الدين، تعتمد الحديث في استنباط الاحكام.

مؤسسها محمد بن ادريس، المعروف بالشافعي، في اواخر القرن الثاني الهجري، وبداية القرن الثالث منه، المنجد في اللغة: ص ٢٨٣، وغيره من المصادر.

(١٠٨) نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية، في فروع الدين، تعتمد الرأي في استنباط الاحكام.

مؤسسها ابوحنيفة في مطالع النصف الثاني من القرن الثاني الهجري.

ينظر: روضات الجنات: ص ٧٣٢، المنجد في اللغة: ص ١٦٨، وغيرهما من المصادر.

(١٠) النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، امام الحنفية.

احد الائمة الاربعة عند اهل السنة، قيل: اصله من ابناء فارس.

ولد سنة ٨٠ ه‍، الاعلام للزركلي: ٩ / ٤ - ٥ بتصرف واختصار.

٢٩

اذا تقرر هذا فنقول: اذا حصل فعل او اعتقاد يتفق عليه الامامية والسنة باجمعهم، وجب المصير اليه، وتعين التعويل عليه، ولايجوز مخالفته اجماعا، لان يقين البراء‌ة يحصل به.

ولايجوز العدول(١١٠) عنه، إلى مايخالف مذهب الامامية، لانه يكون قطعيا(١١١) ، لانتفاء الاجماع حينئذ، فيكون دليلا ظنيا، والظن لايجوز العمل به عند القدرة على اليقين والقطع، بلا خلاف بين الامة في ذالك.

____________________

(١١٠) في النسخة المرعشية: ورقة ٢٥، لوحة ا، سطر ١١: (ولا يجوز عدول عنه).

(١١١) هكذا في النسخة المجلسية ورقة ٣ لوحة أ سطر ٢١، بدون لا، والصحيح: (لانه لايكون قطعيا)، كما في النسخة المرعشية: ورقة ٢٥، لوحة أ، سطر ١٢.

٣٠

المقدمة الخامسة في: ان الامة اذا اختلفت على قولين متنافيين وقال احدهما بقول، والآخر بقول آخر، وكان احد القوليناحسن واليق او ارجح من الآخر، تعين العمل بالراجح منهما(١١٢) .

وبيان ذالك: انه لايمكن العمل بالقولين معا، لتنافيهما.

ولاترك العمل بالقولين معا، لاستلزامه الخلو عن النقيضين، وهو محال، ولانه خلاف الاجماع فيكون باطلا.

ولا العمل بالمرجوح(١١٣) ، لمنافاة العقل ذالك(١١٤) ، ولانه خلاف الاجماع.

فتعين العمل بالراجح، وهو المطلوب.

واذ قد تمهدت هذه القواعد، فلنشرع في المطلوب، وهو يشتمل على فصول(١١٥) :

____________________

(١١٢) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٥، لوحة ب، سطر ٤: (بالراجح فيهما).

(١١٣) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٥، لوحة ب، سطر ٦: (والعمل بالمرجوح).

(١١٤) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٥، لوحة ب، سطر ٧: (المنافات)، وهو اشتباه، حيث الصحيح: بالتاء المدورة، لان الكلمة هنا: مصدر من نافى، وليست جمع مؤنث سالم.

(١١٥) الظاهر ان الاشتمال على الفصول، انما هو بلحاظ مجموع مافي الكتاب، والا فما بين المقدمات والخاتمة، لايوجد منها سوى فصل واحد فقط.

٣١

الفصل الاول: فيما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته

اختلف المسلمون هنا في مسائل نحن نذكرها ونوضح ما يجب اتباعه منها بعون الله تعالى:

٣٢

المسألة الاولى: في حقيقته تعالى(١)

ذهب المحققون من المسلمين: إلى ان الله تعالى مجرد، ليس بجسم، ولاعرض، ولا متحيز، ولا حاصل في مكان(٢) .

وذهبت طائفة المشبهة من الحنابلة(٣) ، وغيرهم: إلى ان الله تعالى جسم، له طول وعرض وعمق،

____________________

(١) ينظر: قواعد المرام: ص ٧٥، وكتاب النافع يوم الحشر: ص ٣٤.

(٢) ينظر: مختصر الصواعق المرسلة: ١ / ٧٧ - ٧٨، المقالات: ١ / ١٥٧ و ٢١١، الملل والنحل: ١ / ٨٣، اصول الدين: ٧٧، تأويل مختلف الحديث: ص ٨٠، الابانة: ص ٤٣، الفصل في الملل: ٢/٩٧.

وبالمناسبة، فقد روى ابوهريرة:

١ = (لاتمتلئ جهنم، حتى يضع الله رجله فيها)، كما في صحيح البخاري: ج ٣ ص ١٢٨، وتفسير سورة (ق)، وصحيح مسلم: ج ٨ ص ١٥١، باب النار يدخلها الجبارون.

٢ = (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا..)، كما في صحيح البخاري: ج ٤ ص ٦٩، باب الدعاء نصف الليل، وصحيح مسلم: ج ٢ ص ١٧٥، باب الترغيب في الدعاء.

٣ = فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: انا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فاذا اتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: انا ربكم، فيقولون: انت ربنا..)، كما في صحيح البخاري: ج ٤ ص ٩٣، باب الصراط جسر جهنم، وصحيح مسلم: ج ١ ص ١١٣، باب اثبات رؤية المؤمنين ربهم.

(٣) الحنابلة: جمع حنبلي.

من يقلد مذهب الامام احمد بن حنبل، ينظر: المعجم الوسيط: ١ / ٢٠٠.

٣٣

وانه جالس على العرش(٤) .

ولم يعلموا انه يلزم من هذا الكفر، لانه قد ثبت البراهين القطعية: ان كلجسم محدث وممكن ومحتاج إلى الموثر، فيخرج الواجب تعالى عن كونه واجب الوجوب، وذالك محض الكفر.

فجب العدول عن هذا القول إلى الاول، ويتعين المصير اليه.

____________________

(٤) ينظر: مقالات الاسلاميين: ١ / ١٠٢ - ١٠٤، الملل والنحل: ١ / ١٢٣ - ١٢٧، الاسماء والصفات: ص ٥٠.

٣٤

المسألة الثانية: في انه تعالى لايحل في غيره ولايتحد بغيره(٥)

هذا مذهب طوايف المسلمين.

الا مانقل خواجه نصير الدين (قدس الله روحه(٦) ) عن الصوفية(٧) : انهم يذهبون إلى ان الله تعالى يحل ابدان العارفين ويتحد بهم(٨) .

____________________

(٥) ينظر: قواعد المرام: ص ٧٣ - ٧٤، وكتاب النافع يوم الحشر: ص ٣٧.

(٦) محمد بن محمد بن الحسن: فيلسوف. كان رأسا في العلوم العقلية.علامة بالارصاد والمجسطي والرياضيات.علت منزلته عند هولاكو.ولد بطوس وابتنى بمراغة قبة ورصدا عظيما.واتخذ خزانة ملاها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة.كتبه اشهر من ان تذكر، توفي عام ٦٧٢ ه‍.

الاعلام: ٧ / ٢٥٧ - ٢٥٨ بتصرف واختصار.

هذا وقد جاء في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٦، لوحة أ، سطر ٨: (خواجة نصير الملة والحق والدين).

(٧) طريقة سلوكية قوامها: التقشف والتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل، لتزكو النفس وتسمو الروح اعلى مراتبه مرتبة الفناء، على رأي الداعين اليها.

للتوسع يراجع: دراسات في التصوف الاسلامي، تأليف محمد عبدالمنعم الخفاجي، والمعجم الوسيط: الجزء الاول، مادة صاف، وتاريخ التصوف في الاسلام: ص ٣٥، ٦٢٨، ٦٣٠ - ٦٣٢، وكشف المحجوب للهجويري - تقديم وتحقيق الدكتورة اسعاد عبدالهادي قنديل -: ص ٣٦ - ٣٧، والكشكول للشيخ البهائي - تقديم وتحقيق الحجة الخرسان -: ١ / ٨٥، ٢ / ٣٥٧، وتاريخ الادب في ايران - تأليف: بروان -: ٢ / ٣٣٤.

(٨) ينظر: مقالات الاسلاميين: ١ / ٨٠، ووفيات الاعيان: ص ١٨١، وانباء وابناء الزمان: ١ / ٤٠٥.

٣٥

وهذا مذهب ردي: لان الضرورة قاضية ببطلان الاتحاد، فإنه لايعقلصيرورة الشيئين شيئا واحدا، بغير ممازجة ولا آنفعال(٩) ولا زيادة في مقدار او كم.

والحلول غير معقول في حق واجب الوجود، فان المجرد لذاته لايمكن ان يحل الماديات ولا غيرها، ولان الحال مفتقر في قيامه إلى المحل، وكل مفتقر ممكن، وواجب الوجود ليس بممكن فلا يكون حالا.

واذا بطل هذا المذهب تعين المذهب الاول.

____________________

(٩) هذه الكلمة (انفعال)، جاء‌ت في المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٦ لوحة أ، سطر ١٢، جاء‌ت مضروبا عليها بعلامة خطأ ( x ).

٣٦

المسألة الثالثة في: ان الله تعالى يستحيل رؤيته(١٠)

اختلف المسلمون في هذه المسالة على قولين: فذهب الاكثر منهم: إلى انه تمتنع رؤيته، وهو مذهب الاوايل(١١) .

وقالت الاشاعرة:(١٢) ان الله تعالى يصح عليه الرؤية(١٣) .

____________________

(١٠) ينظر: قواعد المرام: ص ٧٤، وكتاب النافع يوم الحشر: ص ٣٩.

(١١) ينظر: الملل والنحل: ١ / ٩٠ - ٩١.

(١٢) وفي النسخة المرعشية: ورقة ٢٦، لوحة ب، سطر ٥: (قالت الاشاعرة)، بدون واو العطف.

الاشاعرة والاشعرية: نسبة تمثل رواد مذهب كلامي في اصول الدين.

مؤسسه: ابوالحسن على بن اسماعيل الاشعري، المنتسب إلى ابي موسى الاشعري، في اواخر القرن الرابع الهجري.

من جملة مبادئه: ان الباري عالم بعلم، قادر بقدرة، حي بحياة، مريد بارادة، متكلم بكلام، سميع بسمع، بصير ببصر.

من ابرز اقطابه: القاضي ابوبكر محمد بن الطيب الباقلاني.

وابوالمعالي عبدالملك بن عبدالله الجويني وابواسحاق ابراهيم بن محمد الاسفراييني.

وابوالحسن مقاتل بن سليمان الخراساني.

ينظر: الملل والنحل: ١ / ٨٥ - ٩٤، الابانة عن اصول الديانة: ١ / ١ - ١٧، مقالات الاسلاميين: ١/ ١ - ٦٨٨.

(١٣) وقال الآمدي - وهو منهم -: اجتمعت الائمة من اصحابنا على: ان رؤيته في الدنيا والآخرة جائزة عقلا.

واختلفوا في جوازهما سمعا.

٣٧

قال فخر الدين الرازي(١٤) - وهو منهم -: ان اصحابنا خالفوا جميع العقلاء في ذالك.

واما المعتزلة(١٥) والفلاسفة: فظاهر، لانهم ينكرون ذالك انكارا ظاهرا(١٦) .

واما الباقون من المسلمين، وهم المشبهة والمجسمة، فانهم وان اثبتوا الرؤية، لكن لاعلى الوجه الذي قلناه(١٧) .

لانهم اعتقدوا ان الله تعالى جسم، فلهذا اثبتوا رؤيته، ولو قالوا: بانه مجرد لا في جهة، امتنع عندهم رؤيته.

____________________

فاثبته بعضهم، ونفاه آخرون، ينظر: المواقف: ص ١١٥.

وللتوسع ينظر: الفصل في الملل: ٣ / ٢، اصول الدين: ص ٩٩، نهاية الاقدام: ص ٣٦٧، الاباة عن اصول الديانة: ص ١٦، بستان العارفين: ص ٥٩ - ٦٠، وعوالي اللئالي: ١ / ٤٨، ١ / ٥٢ - ٥٣، وهامش رقم(٧) من المسألة الاولى.

(١٤) محمد بن عمر الرازي: الامام المفسر، وهو قرشي النسب.

اصله من طبرستان، ومولده في الري واليها نسبته، توفي في هراة عام ٦٠٦ ه‍.

اقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها، وكان يحسن الفارسية.

من تصانيفه: مفاتيح الغيب - ط، ثمانية مجلدات في تفسير القرآن الكريم، الاعلام: ٧ / ٢٠٣ - باختصار.

وينظر: التفسير الكبير، آية ١٤٤، من سورة الاعراف، وهنا منه (رحمة الله: تعريض بهم.

(١٥) الاعتزال: مذهب كلامة في اصول الدين.

مؤسسه واصل بن عطاء، في مطلع القرن الثاني الهجري، ويسمى رواده: باصحاب العدل والتوحيد.

من جملة مبادئه: ان الله تعالى قديم، وان الحكيم لايفعل الا الصلاح والخير، وان العبد قادر خالق لافعاله.

هذا، وهو ذو مدارس متعددة، منها: الهذيلية: اصحاب ابي الهذيل محمد بن الهذيل، والجبائية: جماعة ابي علي محمد بن عبدالوهاب، وابنه ابي هاشم عبدالسلام، ينظر: الملل والنحل: ١ / ٥٧ - ١١٢، المعتزلة: ١ / ١ - ٢٦٧، امالي المرتضى: ١ / ١٦٣ - ١٦٩.

هذا، وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٦، لوحة ب، سطر ٧: (اما المعتزلة والفلاسفة)، بدون واو العطف.

(١٦) ينظر: امالي المرتضى: ج ١ ص ٢٨.

(١٧) المعتزلة اجمعوا على انكار رؤية الله تعالى بالابصار في دار القرار، واختلفوا في الرؤية بالقلوب، فقال اكثرهم: نرى الله بقلوبنا، بمعنى: انا نعلمه بقولبنا، ينظر: مقالات الاسلاميين: ١ / ١٥٧ و ٢١٦ بتصرف.

٣٨

والدليل على المذهب الاول: العقل، والنقل.

اما العقل: فان الضرورة قاضية: بان كل مرئي(١٨) ، فانه لابد وان يكون(١٩) مقابلا للرائي او في حكم المقابل، كالمرئي في المرايا.

وكل مقابل او في حكمه فهو في جهة، والله تعالى ليس في جهة، فلا يكونمرئيا(٢٠) ولانه لو كان مرئيا، لرأيناه الآن، لوجود العلة المقتضية للرؤية، وهي حصول الشرايط وانتفاء الموانع وسلامة الحاسة.

واما النقل فقوله تعالى: * (لن تراني) *(٢١) ، ولو كانت صحيحة، ويراه بعض المؤمنين، لكان موسىعليه‌السلام اولى بالرؤية.

وقوله تعالى: * (لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار) *(٢٢) ، تمدح بنفيالرؤية، فيكون ثبوتها نقصا، والنقص على الله تعالى محال.

ولان الخصم يسلم(٢٣) : ان معرفة الله تعالى، ليست حاصلة الا بصفاته وآثاره دون حقيقته، فكيف تصح: رؤيته والاحاطة بكنه حقيقته؟ ! تعالى الله عن ذالك.

____________________

(١٨) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٦، لوحة ب، سطر ١٣: (لان كل مرئي).

(١٩) وفي نفس السطر: (وان يكن مقابلا للرائي)، بدلا من (يكون).

(٢٠) ينظر: نهاية الاقدام: ص ٣٥٦، والفصل في الملل: ٣ / ٢، والفرق بين الفرق: ١٥٢.

(٢١) سورة الاعراف، الآية ١٤٤.

(٢٢) سورة الانعام، الآية ١٠٤.

(٢٣) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٦، لوحة أ، سطر ٧: ولان الخصم سلم).

٣٩

واذا تحقق هذا، كان القول بنفي الرؤية اليق وانسب بالكمال، وثبوتها انسببالنقص، فتعين الاول(٢٤) ، لوجوب تنزيه الله تعالى عن كل النقائص.

____________________

(٢٤) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة ٢٧، لوحة أ، سطر ١١: (فيتعين الاول).

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

من نتائج التطبيق:

إيجابيّات

استنساخ أعداد كبيرة من العباقرة والموهوبين وراثيّاً.

سلبيات:

١ - فتح باب الإنجاب بلا زواج.

٢ - ليست المواهب ولا الفضائل نتيجة الوراثة فحسب.

٣ - احتمال الكوارث المرضيّة الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثيّاً، فالمعروف أنّ التغاير والتشاكل في الوراثة من أسباب حماية الجنس البشري وارتقائه(١) .

ويقول طبيب آخر في هذا الموضوع:

أمّا موضوع التكاثر اللاّتزاوجي الذي أُطلق عليه( الاستنساخ ) فأُحب أنْ أضع فيه بعض النقاط على الحروف، فطريقة الاستنساخ ليست وسيلة تكاثر، أعني ليس أنّ شخصاً أنتج شخصاً آخر بوسيلة لا تزاوجيّة، أي بغير تزاوج، ولكنّ المهمّ هنا أنّ هذا الوليد تكون فيه جميع الخصائص الوراثيّة لهذا الكائن، وهذا لا يحدث إطلاقاً في أيّ تكاثر بطريقة التزاوج ؛ لأنّ كلّ مولود نصفه من الأُمّ ونصفه من الأب، أمّا هذا المولود فكلّه من الأب، أو كلّه من الأُمّ، إذا حصل يجب أن يكون كلّه من الأب ؛ لأجل أن يرث جميع الخصائص الممتازة.

___________________

(١) ص١٣١ وص١٣٢، الإنجاب في ضوء الإسلام.

١٢١

هذا الخيال صار حقيقةً مؤكّدةً، وأنتج ٢٠ ضفدعةً واحدة في عمليّة واحدة، فكلّها معبَّر عنها بأنّها توائم الأب ؛ لأنّها نسخة طبق الأصل من هذا الأب ولكنّها أصغر منه سنّاً ؛ لأنّها اُنتجت بعد عشرين سنة أو أربعين سنة، ولكنّها صورة دقيقة للغاية، كأنّها التوأم المتشابه(١) .

وعرّف الاستنساخ أو النسخ طبيب ثالث بقوله: إنّه يريد به المختصّون محاولة تقديم كائن، أو خليّة، أو جزيء يمكنه التكاثر عن غير طريق التلقيح ومن غير نقص أو إضافة للمحتوى الوراثي(٢) .

أقول في المقام مطالب:

١ - إذا حصل العلم من مذاق الشرع(٣) بعدم رضاه بتحقّق إنسان من رجل وامرأة بهذا النحو(٤) لا نكاح بينهما حتّى إذا لم يستلزم الزنا وحراماً آخر فيقيّد جواز العمليّة من الوجهة الدينيّة بأخذ الخليّتين المذكورتين من الزوجين فإنّها إنجاب بلا جماع لا بلا طرفين كما لا يخفى، وإلاّ فلا.

٢ - الظاهر جواز العمليّة المذكورة خارج الرحم لأصالة البراءة، نعم في صحّة نسبه إلى رجل أُخذت الخليّة من جسده، وإلى امرأة صاحبة البويضة غير واضح ؛ فإنّه لم يخلق من مائه:( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) (٥) ، وأمّا صاحبة البويضة فإنّها غير حامل وغير والدة ،

___________________

(١) ص١٧٥ نفس المصدر.

(٢) ص١٥٥ نفس المصدر.

(٣) هذا ما يُسمّى بالدليل اللُبّي في مقابل الدليل اللّفظي، والدليل اللّفظي غير متوفّر بنظري في المقام.

(٤) أي من منيّ امرأة وخليّة جسديّة من رجل.

(٥) الطارق آية ٦.

١٢٢

( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ ) (١) ، فلاحظ.

وعلى كلٍّ، لا مانع من فرض إنسان أُمّ له شرعاً ( أو لا والد له ) فلا تحرم العمليّة المذكورة مادامت إرادة هذا المولود حرّةً، واختياره غير مسلوب فلاحظ، ومادامت الصفات المورثة ممّا لم تكن مبغوضة للشرع.

٣ - إذا ثبت في علم الطب - ولمّا يثبت لعدم وقوع الفرض حتّى تناله التجربة - أنّ الكوارث المرضيّة الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثياً ذات مخاطر فتحرم العمليّة لأجلها، فكما يحرم الإضرار بالغير الموجود يحرم التوسط في إيجاد موجود محفوف بالضرر والنقص.

٤ - لا سلبيّات للعمليّة سوى احتمال تلك الكوارث، تعتمد عليها في منع العمليّة شرعاً، وما قيل، من سلبيات أُخر، ضعيف أيضاً(٢) .

٥ - إذا حملته صاحبة البويضة وولدته فإنّها أُمّه جزماً، وإنْ شككنا أو نفينا نسبه عن الرجل، فإنّ مريم أمّ عيسىعليها‌السلام بلا شكّ، ولا والد لهعليه‌السلام .

___________________

(١) المجادلة آية ٢.

(٢) الإنجاب في ضوء الإسلام ص١٥٦.

١٢٣

المسألة الخامسة عشرة

المستقبل البيوتكنولوجي للإنسان ومعطيات النظام الاجتماعي

توصّل علماء الطبّ والبيولوجيا والكيمياء إلى اكتشاف بعض خبايا ميكانيكيّة الخليّة الحيّة، وصاغوا بعض القوانين العلميّة التي تحكم الشِّفْرة الوراثيّة للخليّة، ثمّ شرعوا بعد ذلك، في هندسة المستقبل الوراثيّة للأنواع الحيّة، إمّا عن طريق تجزئة الخلايا( الهندسة الوراثيّة ) وإمّا عن طريق اتّحاد الخلايا( الهندسة المشيجيّة ) .

واستعمل العلماء هذه الطرق، في التحكّم في التكوين الخلقي للخليّة، وفي تطويرها، فهناك ما يُسمّى بالتكاثر بالخلايا الجسديّة، حيث يراود العلماء الأمل، في تحويل الخليّة الجسديّة إلى خليّة جنينيّة يمكن لها أن تتكاثر، مثلها في ذلك مثل أصلها وهو البويضة الملقّحة، وذلك بعد تخليصها من القفل الكيميائي الذي يمنعها من محاكاة أصلها.

ومن بين الاستخدامات المتصوَّرة لتكنيك التكاثر بالخلايا الجسديّة بعث الذات البيولوجية للإنسان، وقوام هذا الاستخدام، هو نسخ نسخة طبق الأصل من الإنسان الذي أُخذت من جسده الخليّة الجسديّة. ويقال: إنّه من الممكن تحقيق نفس الغرض حتّى إذا أُخذت الخليّة من جثّة الإنسان، مادام أنّ هذه الخليّة ذاتها لم تمت. وبذلك يمكن ضمان بقاء العباقرة على قيد الحياة لتستفيد البشريّة من علمهم.

ولا بأس من أن أذكر تطبيقاً آخر للإمكانيّات البيولوجية الحديثة التي

١٢٤

ترتّب عليها كسر الحدود الفاصلة بين الأنواع المختلفة للكائنات.

فمما تفتّقت عنه قريحة العلماء: فكرة خلط خلايا بشريّة بخلايا نباتيّة أو حيوانيّة، لنصل بذلك إلى الإنسان الخضري ( الكلورفيلي ) أو الإنسان المجتر. ويستهدف العلماء من أبحاثهم هذه إنتاج سلالة بشريّة جديدة، يدخل في تكوينها بعض الصفات النباتيّة أو الحيوانيّة المرغوبة، كجعل الإنسان ذاتي التغذية، يعتمد على ذاته في غذائه كالنبات ( التمثيل الضوئي ).

ويفكّر العلماء - أيضاً - في إنتاج طراز جديد من الجنس البشري، عن طريق استخدام طريقة التكاثر الجسدي في تنمية الخلايا المختلطة، وبعد التأكّد من نجاح إنتاج هذا الطراز الجديد، فيمكن تعميمه بالطريق الطبيعي أي التكاثر الجنسي.

ولم يقف التلاعب بالحياة على المستوى العضوي، بل إنّ الفكر العلمي الحديث يتّجه إلى ابتداع طرق التحكّم في إرادة الإنسان بأجهزة الكترونية، وهذا هو الإنسان الالكتروني، الذي يمكنه إشباع رغباته وحاجاته عن طريق أزرار مركّبة على جسده.

ورغم ما يُقال عن تكنولوجيا التكاثر من أنّها ما زالت في طور الخيال، وأنّها لا تعدو أن تكون حاليّاً مجرّد أضغاث أحلام، إلاّ أنّ استخدامها الناجح على مستوى الحيوان والنبات، شجّع العلماء على التفكير في تطبيق قوانينها العلميّة على الجنس البشري، وما زراعة الأجنّة، أو طفل الأُنبوب، إلاّ تجسيد حيّ لطموح الإنسان في التحكّم في خلقته وصفاته، ولعلّ جهود العلماء في هذا المضمار، تجسّد رغبة الإنسان في التوصّل إلى إكسير الحياة ؛ ليكرّس بذلك خلوده وانتصاره على الموت، الذي هو مع ذلك سنّة الله في خلقه، ونذكر هنا أنّ أحد المليونيرات الأجانب طلب إنتاج نسخة من ذاته

١٢٥

وأبدى استعداده لتمويل أبحاث التكاثر الجسدي. ومثل هذا التفكير يحمل في طيّاته معاني كثيرة يفهمها كلّ لبيب(١) .

وقال بعضٌ آخر من الأطبّاء: موضوع الهندسة الوراثيّة في غاية الأهمّيّة، لسبب أنْ تقرّر أنّ كلّ القرارات الإلهيّة الموجودة داخل الخليّة يبدأ البحث فيها بمنتهى الدقّة، وهي تمثّل ٣٠٠ مليون جزئيّة. العالم بدأ في دراستها علميّاً واعتمد لها ١٥ مليار دولار، فتولّت ثلاث دول هذه العمليّة: أمريكا واليابان وألمانيا الغربيّة.

ومن المنتظر أنْ يتمّ الكشف عن هذه الجينوم، أو هذه الوثيقة بعد ١٥ عاماً...(٢) .

وقيل: إنّ بداية الإنسان ما هو إلاّ خليّة واحدة فيها نواة، إذا درسنا هذه النواة نجد أنّ فيها الحقيبة الوراثية، عبارة عن ٤٦ صبغ موجودين بين ٢٣ من الأب و٢٣ من الأُمّ، هذه الصبغيّات تحمل مورِّثات، هذه المورِّثات سواءٌ كانت تتحكّم في الصفات الطبيعيّة، أم الصفات المرضيّة، عددها كبير جدّاً يُقدّر بحوالي ٢ مليون مورِّث لغاية الآن، نحن الآن لم نعرف تقريباً أكثر من (٤٣٤٠) مورِّث بعضها يقيني وبعضها ليس بيقيني... ربّما يكون الأب سليماً من مرض، ثمّ يُبتلى ابنه به لوجود الصفات الوراثيّة في نواة الخليّة، انتهى كلامه بتغيير(٣) .

أقول : هذا البحث - من ناحيةٍ علميّةٍ - طويل عريض عميق جداً، ويُقال: إنّ العلم قادر على إيجاد لونٍ خاصٍّ لشعر المولود، وكيفيّة وجهه إلى

___________________

(١) الإنجاب في ضوء الإسلام ص ١٣٨ وما بعدها.

(٢) ص ٦٣٦ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

(٣) ص ٤٩١ وص ٤٩٢ نفس المصدر، ولم أفهم وجه التفاوت بين الرقمين ( ٣٠٠ مليون ) و ( حوالي مليونين ).

١٢٦

غير ذلك من الإنجازات المحيِّرة للعقول العامّيّة، وتحقيق هذه المسائل وأحكامها الفقهيّة ربّما يحتاج إلى تأليفٍ مستقلٍّ، وكلّ ميسّر لما خلق لأجله.

وحيث لا سبيل لي إلى جزئيّات هذه المسألة وإلى عشرين أعشارها ؛ نقتصر على ذكر بعض الأحكام الشرعيّة، حسب ما أدّى إليه نظري، والله العاصم والهادي:

التغيير في جنين الإنسان أو نطفته ربّما يكون على نحو نعلم بعدم رضا هذا الإنسان بعد ولادته وإدراكه وبلوغه بل يتنفّر منه ويتأذّى، بل يكون له ضرريّاً، وهذا غير مباح حتّى إذا طلبه الزوجان، إذ لا ولاية لهما على أولادهما بهذه السعة والإطلاق، وقد لا نعلم بذلك أو نعلم رضاه به، وهو على أقسام:

القسم الأوّل: إن التغيير قد ينجرّ إلى ما يستلزم إفراطه في الشهوة الجنسيّة، أكثر ممّا هو عليه الآن، أو تمايله الشديد في القتل والتعدّي.

وبالجملة: يصل الإنسان بوسيلة العمليّة الطبّيّة والبيولوجية والكيمياوية إلى حدٍّ تقوى غرائزه الحيوانيّة، بحيث تضعف به قواه العقلانية، ويختلّ به النظام الاجتماعي، والسلوك الأخلاقي، والاقتضاء الروحاني، وهذا حرام غير جائز بلا شبهة، ومخالف لهدف خِلقة الإنسان، وقد لا يستلزم ذلك بل إلى حدٍّ ما من الشرور، وفي جوازه نظر وبحث.

القسم الثاني: قد ينجرّ إلى ما يرغِّبه في الطاعات والخيرات، بحيث يسلب إرادته للشرور والمعاصي، والظاهر عدم جوازه ؛ لأنّ الطاعة المقبولة المطلوبة من الإنسان ما صدر عنه باختياره:( وَ لَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ

١٢٧

أَجْمَعِينَ‌ ) (١) .

ومنه يظهر حرمة ما يرغبه في المعاصي بحيث يسلب عنه إرادة الصالحات، بطريق أولى.

القسم الثالث: وقد يرغِّبه الى الأفعال الصالحة والأخلاق الحميدة من غير سلب اختياره، وعندي أنّه جائزٌ بل حسن، يظهر وجهه ممّا ورد في حق الأُمّ المرضِعة وغير ذلك.

القسم الرابع: وقد ينجرّ إلى سلب إرادة الإنسان وجعله تابعاً في أفعاله - سواء كانت مباحة أو غير مباحة - إلى إرادة الغير، صالحاً كان أو شريراً، فهذا - أيضاً - غير جائز، فإنّه مضادٌّ لغرض الخِلقة، فإنّ الله سبحانه خلق الإنسان للتكامل الحاصل من العبوديّة، وإطاعة الربّ في جميع شئون الحياة، وهذا التكامل لا يحصل إلاّ بكونه مريداً مختاراً لا مجبوراً مضطرّاً.

القسم الخامس: وقد ينجرّ إلى تغييرات جسمانيّة بداع التجمّل والتحسّن، وهذا لا بأس به في حدّ نفسه، حتّى إذا سبّب طول قامته أو قصرها أو هزاله أو سمنه، فضلاً عن بياض وجهه، وشباهة عينه بعين الظبي، واصفرار لون شعره ونحو ذلك.

وقد تقدّم حكم بعض مانقلناه في أوّل الكلام هنا في المسائل المتقدّمة، والله الموفِّق.

___________________

(١) النحل آية ٩.

١٢٨

المسألة السادسة عشرة

التحكّم في معطيات الوراثة

عرّفت الوراثة بانتقال الصفات من الأُصول إلى الفروع، أو من السَّلف إلى الخَلَف، وهي تشمل إلى جانب الخصائص، الأمراض القابلة للتوريث(١) .

قيل: إنّ الصور المطروحة على بساط البحث لا تعدو ثلاثة أنواع، هي:

١ - النسخ ( الاستنساخ )، وهو الحصول على نسخ من الكائن دون التزاوج.

٢ - المزج بين صفات وخصائص معيّنة في المخلوق بالتصرّف في مورِّثاته.

٣ - استصفاء جنس معيّن باستبقاء عنصره في الطّور الأوّل للجنين(٢) .

أقول : أمّا الأوّل، فقد مرّ توضيحه وحكمه.

وأمّا الثاني، فقد سمّاه بعض الأطبّاء بالاستبدال، وهو كما عرّفه المختصّون: التمويل على ما للحامض النووي ( النوويك ) من خصائص ولاسيّما خاصّة الالتحام عند قصّه بحيث يمكن التحكّم في إبدال المورِّثات من خلال عمليّات معقّدة يعود تحقّق نتائجها إلى تلك الخصائص في الحامض المذكور.

___________________

(١) ص ١٤٩ الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) ص ١٥١ نفس المصدر.

١٢٩

فإن اتّجه هذا التصرّف إلى العلاج من علّة، سواءٌ كانت مرضاً وراثيّاً قائماً بالجسم، أم انحرافاً في الطبيعة الأصليّة، أم تقاصراً عن القدر المألوف فيها ؛ فإنّه ممّا يندرج في التصرّفات المشروعة شرعاً، وإمّا إن اتّجه إلى سلب الإرادة حتّى في جانب الخير، أو إلى الانحراف بالسجايا إلى الميول الشرّيرة، فلا يجوز، كما لا يجوز كلّ ما يُؤثر على الفطرة الأصليّة، سواء كان بأسباب مادّيّة منضبطة: كالإسكار والتخدير، والإكراه الملجئ أو بأسباب أُخرى خاصّة، كالذي يتعاطاه السحرة النافثون في العُقَد، أو الحسدة هواة الإصابة بالعين، أو المرجفون، وما إلى ذلك من المؤثِّرات المعنويّة، أو النفسيّة السلبيّة أو المفسدة.

فلا يقلّ عن هذه التصرّفات في الخطورة، ما يصل إليه الإنسان من نتائج بالوسائل المادّيّة المختبريّة والإجراءات الطبيّة، فكلّ مِن هذا وذاك استجابة لأمر الشيطان، ومطاوعة لنزغاته بالقيام بالتصرّف المُعْتَبر سبباً تنشأ عنه مسبِّبات منسجمة مع ذلك التغيير، فإنّ الله ربط الأسباب بالمسبِّبات، والحكم كما يتعلّق بالمباشر، يتعلّق بالتسبّب إذا ما توفّرت صلته السببيّة كما ذكره بعضهم(١) ولا يخلو عن متانةٍ وصحّةٍ.

وأمّا الثالث، وهو التحكّم في جنس الجنين بعد تشخيصه(٢) فهو - أيضاً - في حدّ نفسه جائز، وقد مرّ تفصيله.

___________________

(١) ص١٥٨ نفس المصدر.

(٢) وفسّر الاستصفاء بعضهم بالاصطفاء لأحد الجنسين على الآخر.

١٣٠

المسألة السابعة عشرة

حكم البييضات الفائضة

تبقى من البييضات المخصبة في أُنبوبة المختبر، إذ يمكن تلقيح عشرين بويضة ولا يحتاج إلاّ إلى اثنين أو ثلاثة، فما هو حكم البقيّة الفائضة ؟

الأسئلة الشرعيّة المتعلِّقة بالمقام أُمور:

١ - هل يجوز إهدارها والإزهاق بها أو يحرم ؟

٢ - هل تجب الديّة بإهدارها ؟

٣ - هل يُعزل لها من الإرث سهمها ؟

٤ - ما هو الحكم بالنسبة إلى عدّة صاحبتها ؟

٥ - هل يُعطّل الحدّ الشرعي بالنسبة إلى صاحبتها ؟

٦ - مَن يملك التصرّف فيها ؟

٧ - هل يجوز نقلها في رحم صاحبتها بعد وفاة زوجها، أو بعد طلاقها ؟

وإليك أجوبة هذه الأسئلة مستعيناً بالله تعالى:

أمّا السؤال الأوّل فجوابه: أنّه لا مصرف للبييضات الفائضة إلاّ رحم صاحبتها أيّام حياة زوجها، فإن أمكن وجب إبقائها على الأحوط، حتّى تُنقل إليها، وإن لم يمكن - ولو بانصراف صاحبتها عنها - فلا بُدّ من إتلافها ؛ حذراً من استعمالها على نحو الحرام شرعاً.

نعم، إذا كانت البييضات في الأُنبوبة في مسير حياتها الإنسانيّة، وأمكن ذلك طبّيّاً، ولم يستلزم المؤنات الكثيرة ؛ فالأحوط لزوماً إبقاءها، بل إذا تعلّق

١٣١

بها الروح وجب حفظها، مهما أمكن ؛ فإنّها نفسٌ محترمةٌ يحرم إتلافها، بلا فرق بين كونها في رحم، أو في أُنبوبة، أو في محلٍّ آخر.

وجواب السؤال الثاني: أنّه إذا وجب إهدارها لا ديّة لها، وإذا تعلّق بها الروح، وأمكن حفظها، وجبت الديّة جزماً على مَن أتلفها، وإذا لم تتعلّق بها الروح، وكان في مسيرها إلى الحياة الإنسانيّة فالأحوط لزوماً وجوب الديّة بالشرطين المذكورين، ( أيّ إمكان حياتها إلى ولادتها في الأُنبوبة طبّاً، ووجود مَن يقوم بمؤنتها ).

وعلى كلٍّ، الأحوط للطبيب أنْ لا يخصب البيضات أكثر من حاجة صاحبتها.

وجواب الثالث: أنّها إذا تعلّق بها الروح، وخرجت من الأُنبوبة إنسانا حيّاً يرث أباه، وقد مرّ الإشكال في نسبه إلى صاحبة البويضة، فإنّ الحكم بأُمومتها مع قوله تعالى:( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ) (١) مشكل، وإذا علموا بعدم خروجها حيّةً فلا يعزل له سهم، وأمّا إذا شكّ فالأحوط عزل السهم له، وكذا إذا علم بخروجه حيّاً من الأُنبوبة.

ويمكن أن يُقال بعدم وجوب عزل سهمٍ له، لأنّ موضوعه الحمل، ولا يصدق على ما في الأُنبوبة حمل بوجه، فإذا خرج حيّاً وقد قسّم الورثة الإرث بينهم، عليهم أن يردّ كلُّ واحدٍ من سهمهم ما يبلغ حقّ الحيّ المذكور.

وأمّا جواب الرابع: فهو منفيٌّ جزماً، فإنّ وجود البييضة في الأُنبوبة لا تجعلها حاملاً، وهذا واضح.

___________________

(١) المجادلة آية ٢.

١٣٢

وجواب الخامس: أنّه لا يُعطّل الحدّ عليها، نعم إذا فرضنا الجنين في معرض الخروج عن الأُنبوبة حيّاً، ولا توجد له حاضنة ومربّية سواها، ففي جريان الحدّ عليها تردّد، وتحقيقه في محلّه.

وجواب السادس: أنْ حق الأولويّة لصاحب الحيوان المنوي وصاحبة البويضة، وإذا مات أحدهما سقط حقّ الاستفادة عن البويضة المخصَّبة نهائيّاً كما ظهر ممّا سبق.

وأمّا جواب الأخير فقد اتّضح ممّا سبق، وأنّ النقل المذكور غير جائز.

بقي في المسألة أُمورٌ ينبغي ذكرها:

١ - إذا أُخصبت البييضة بحيوانٍ منويٍّ من غير الزوج، ثمّ تزوّج بصاحبتها، فهل يجوز نقلها إلى رحمها بعد الزواج ؟ فيه وجهان: أقربهما الجواز لعدم المانع، وهذا غير مَن حملت من أجنبي ثمّ زُوّجته، فإنّ الولد ولد زنا، ولا يرث من الرجل، ولا يخرج الولد بالعقد اللاحق عمّا انعقد عليه من الزنا بلا شبهة. نعم هو ولده لغةً وطبّاً، ولكنّه ليس بولده بحيث يرث منه ويورِث، كما مرّ.

٢ - إنّ زراعة خلايا بشريّة جنينيّة من خلال ثقب صغير بالجمجمة بمقدار ستّة مليمترات مكعّبة، بالأُسلوب الجراحي المجسّم، قد تمّت في تشيكوسلوفاكيا في أغسطس ١٩٨٩(١) ، فإذا أمكنت زراعة البييضات الفائضة في ذلك فلا بأس به شرعاً، كما أنّ زراعة خلايا بشريّة من جنينٍ ساقطٍ - أيضاً - لا مانع منه، لكنّ جواز الأوّل في فرض كون البييضات الفائضة

___________________

(١) ص٦٥ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

١٣٣

من صاحبة الجنين لا غير، كما عرفت سابقاً، نعم الخلايا غير المنويّة من أحد لا بأس بزراعتها في بدن جنينٍ آخر.

٣ - قيل: يمكن الاحتفاظ باللقيحة الى خمسين سنة، يعني حتّى إلى ما بعد المعدّل الأقصى لعمر الأبوين، إذ المعتاد أنْ لا يباشر الأطبّاء عملية التلقيح المُجرى إلاّ ما بعد الثلاثين سنة من عمر الأبوين(١) .

٤ - قيل: إنّه يمكن استخراج خمسين بويضة من امرأةٍ واحدةٍ، وإنّ أحد مراكز أطفال الأنابيب كان لديه ١٢٠٨ جنيناً فائضاً، أُودعت الثلاّجات وجمدت من ٤٣٢ امرأة أُجريت لهنّ عمليّة طفل الأُنبوب(٢) .

أقول : للحكومة منع إنشاء الأجنّة الفائضة عن مقدار الحاجة بتاتاً ؛ سدّاً لذرائع الفساد والحرام، لأجل حصول الثروة - كما منعت ألمانيا الغربية على ما نُقل - بل الأحسن منع استخراج البييضات الفائضة عن حاجة الزوجين مطلقاً.

___________________

(١) ص١١١ وص١١٢ نفس المصدر.

(٢) ص١٧٤ نفس المصدر.

١٣٤

المسألة الثامنة عشرة

في دفع الموت في الجملة

من الممكن قدرة الطبّ - في مستقبلٍ قريبٍ أو بعيدٍ - على حفظ الصحّة العامّة للبدن وحفظ خلاياه عن الفتور والفساد، فلا يُستبدل الشباب بالهرم والشيخوخة، فيدفع الموت ويطيل عمر الإنسان، بل تأثير الطبّ في دفع الأمراض المُهْلِكة، وتكثير النسل الإنساني، وطول العمر في الجملة، واقعٌ بالفعل ومن زمنٍ ولا مجال لإنكاره.

وقد يُتوهم حرمة دفع الموت شرعاً لجريان سنّة الله، على أنّ كلّ نفس ذائقة الموت، قال الله سبحانه وتعالى:

( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ... ) (١) ، وقال تعالى:( وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاکُمْ ) (٢) ، وقال سبحانه:( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيکُمْ ) (٣) .

أقول : إنْ أراد هذا القائل أنّ الله تعالى أراد موت كلِّ إنسانٍ حين أجله، استناداً إلى هذه الآيات وأمثالها، فلا يجوز دفعه ؛ لأنّه تعجيز له تعالى ! فهو هذيان، والقائل به جاهل بالله وقدرته، وربّما لا يكون مؤمناً، قال الله تعالى:

( وَ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ‌ ) (٤) ، وقال تعالى:( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) ، وقال سبحانه:( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي

___________________

(١) النساء آية ٧٨.

(٢) النحل آية ٧٠.

(٣) الجمعة آية ٨.

(٤) البقرة آية ١١٧.

١٣٥

السموات ولا في الأرض ) (١) وقال تعالى:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ) (٢) .

وبالجملة: بطلان هذا التخيّل على ضوء العقل والدين غير خفي، وقد ثبت في محلّه أنّ الكائنات تفتقر إليه تعالى في وجودها وصفاتها وأفعالها، حدوثاً وبقاءً.

على أنّ تأثير الأسباب في المسبَّبات، ووصول الإنسان الساعي إلى الأسباب - أيضاً - من سنّة الله ومشيئته، وقال سبحانه:( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ ) (٣) ، وقال سبحانه:

( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ ) (٤) .

وهل علم الإنسان وقدرته إلاّ قطرة مفاضة من علمه وقدرته اللذين لا يت-ناهيان.

ولبّ الكلام: أنّ البحث في إرادته التشريعيّة التي هي بمعنى طلبه تعالى شيئاً أو تركاً من المكلَّف، من طريق إرادته واختياره، فقد يمتثله المكلَّف وقد يعصيه. لا في إرادته التكوينيّة التي يستحيل تخلّف المراد عنها، بناءً على وحدة واجب الوجود واستحالة الشرك. وهذا، فليكن ببال القرّاء في جميع مطالب هذا الكتاب وغيره.

وإن أراد القائل المذكور أنّ دفع الموت حرام على المكلَّفين، فهذا شيءٌ ممكنٌ عقلاً، لكنّه باطلٌ ؛ لعدم دليل في الكتاب والسنّة يدلّ على

___________________

(١) فاطر آية ٤٤.

(٢) الأنفال آية ٥٩.

(٣) البقرة آية ٢٥٥.

(٤) الرحمن آية ٣٣.

١٣٦

حرمته، بل لا شكّ في جواز المواظبة على أساس التوصيات الطبّيّة على صحّة البدن، وطول العمر، ولزوم العلاج على المريض بكلّ الوسائل الممكنة، كما سبق.

وإنْ أراد أنّ الله سبحانه وتعالى أخبر بانّ كلّ إنسانٍ يموت، وهذا يكشف عن عدم إمكان دفع الموت، فكلّ محاولةٍ له تصبح فاشلةً لا محالة، فتحرم لكونها عبثاً وإسرافاً للمال، فممنوع أيضاً ؛ لأنّ الطبّ لا يدّعي - ولا يصحّ له أن يدّعي - دفع الموت عن الإنسان بنحوٍ مطلق، وأنّه لا يموت أصلاً، ضرورة أنّ للموت أسباباً، غير صحّة البدن ونشاط الخلايا، كالغرق والحرق والقتل وافتراس مفترس وغير ذلك، والله سبحانه قادر على إماتة الإنسان بكلّ هذه الأسباب.

والطبُ إنّما يدّعي دفع الموت عن طريقٍ واحدٍ وسببٍ فاردٍ، فلا تناقض بين الأخبار عن موت كلّ أحدٍ، وقدرة الطبّ على دفع الموت عن بعض الأفراد، وهي من قدرة الله وتقديره.

وفي الدِّين ما يؤيّد إمكان الطبّ على دفع الموت وتطويل العمر: بحفظ الخلايا، ودفع الأمراض، من بقاء عيسى بن مريمعليه‌السلام على أظهر الأقوال، بل وببقاء الخضرعليه‌السلام كما اشتهر، وببقاء وليّ العصر، وناموس الدهر، المهدي الموعود المنتظر - عجّل الله تعالى فرجه - على عقيدتنا الشيعيّة الإماميّة.

فإن قيل: إنّ القرآن يقول بأنّ لكلّ أُمّةٍ أجلٌ لا يستقدمون منه ساعة ولا يستأخرون(١) ، فأيّ أثر للطّب ؟

يُقال له: لا شكّ في صدق القرآن في

___________________

(١) الأعراف آية ٣٤، ويونس آية ٤٩.

١٣٧

إخباره، لكن من أين علمت أنّ أجل مَن ينتفع بالطبّ، ويستفيد من العلم الحديث ثمانون سنةً فقط لا ألف ومئة وثمانون سنة، أو أنّه مليون سنة.

والواقع أنّ كثيراً من مدّعي العلم، الذين ليسوا من الراسخين في المعارف الإسلاميّة، وجميع الملحدين المادّيّين، يتخيّلون إرادة الله تعالى وأفعاله في عرض الأسباب الطبيعيّة، فتحيّروا ضلالةً وجهالةً، بل ألحد المادّيّون بأنّ الأسباب المادّيّة تُغني عن الخالق المدبِّر المريد، ولو علموا أنّ إرادة الله وأفعاله في طول الأسباب المادّيّة، وأنّ الموجودات محتاجة إلى إفاضته تعالى في جميع شؤنها حدوثاً وبقاءً ؛ لم يضلّوا ولن يلحدوا، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أنّ هدانا الله.

نعم أجل كلّ إنسانٍ يُحدّد في ضمن الأسباب المادّيّة لا خارجها، وفهم ذلك ينفعك في مقامات كثيرة بإذن الله المنّان دائم الفضل.

وفي الأخير تخيّل متخيّل: أنّ دفع الموت يهدم تشريع الميراث الذي اهتمّ به الشارع، وهو خبط عشواء، فإنّ أحكام الإرث تترتّب على الموت وإنّما اهتمّ بها الشارع في فرض الموت، فإذا زال الموضوع أو تأخّر زالت الأحكام أو تأخّرت بتبعه، كما أنّ الأحكام المتعلّقة بالسفر والمسافر، من قصر الصلاة وإفطار صوم رمضان تزول بزواله.

وبالجملة: الأحكام لا توجب حفظ الموضوع بل تترتّب إذا تحقّق، وليكن هذا واضحاً.

ولنا أنْ نقول على سبيل النقض والجدل: إنّ الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله واجب ومن أهمّ الواجبات، فيجب حفظ الحياة، وإطالة العمر، لحفظ الإيمان بالله تعالى وتحصيل مرضاته !

١٣٨

المسألة التاسعة عشرة

نهاية الحياة الإنسانيّة

( ١ )

نظر الشريعة الإسلاميّة

المفهوم من القرآن المجيد أنّ موت الإنسان - وهو نهاية الحياة الإنسانيّة - بأخذ روحه، وهو انقطاع اتّصال الروح وتدبيرها عن البدن انقطاعاً نهائيّاً غير مؤقّت.

قال الله تعالى:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا... ) (١) ، وقال:( قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِي وُکِّلَ بِکُمْ ) (٢) ، وقال:( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِکَةُ ) (٣) ... وقال:( كلّ نفسٍ ذائقة الموت ) (٤) ، وقال:( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (٥) ، وقال:( إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ‌ ) (٦) ، وقال:( إذا بلغت التراقي ) (٧) - بناءً على رجوع الضمير المستتر في كلمة( بلغت ) إلى النفس أو الروح وقوله:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى

___________________

(١) الزمر آية ٤٢.

(٢) السجدة آية ١١.

(٣) النحل آية ٣٢.

(٤) آل عمران ١٨٣ وغيرها.

(٥) الأنعام آية ٩٣.

(٦) الواقعة آية ٨٣.

(٧) القيامة آية ٢٦.

١٣٩

رَبِّکِ... ) (١) ، وغيرها من الآيات.

وليكن هذا واضحاً مسلّماً غير قابل للخلاف والنقاش في الشريعة الإسلاميّة(٢) …، لكن لحظة انقطاع الروح غير محسوسة ولا منصوصة، فهل لها علامة طبيّة وما هي ؟

هل هي سكون القلب عن النبض كما يقول به الأطبّاء القدامى ؟

أو موت جذع المخّ كما يعتقد به الأطبّاء الجدد ؟ أو كلاهما ؟

لا شكّ أنّ إدراك الكليّات والعواطف الإنسانيّة: كالإيثار، وحبّ العلم والكمال، وحب الله تعالى، وغيرها، من أبرز آثار الروح والنفس الإنسانيّة، بل وكذا الإحساس والحركة الإراديّة.

وربّما يتوهّم متوهّمٌ أنّ الحسّ والحركة الإراديّة من خواصّ النفس الحيوانيّة دون الإنسانيّة لثبوتهما في الحيوانات أيضاً، لكنّه توهُّمٌ خاطئ، فإنّهما وإن وُجدا في الحيوان والإنسان معاً، لكن ليس للإنسان نفسٌ حيوانيّة في قِبال النفس الإنسانيّة، ليستند إليها الحسّ والحركة، بل هما يستندان إلى النفس الإنسانيّة، ومن هنا جعل الاستهلال والحركة في المولود علامتين لحياته في الأحاديث(٣) .

كما لا شكّ في علم الطبّ، وعلم الجنين، وغيرهما، لحدّ الآن أنّ القلب - كاليد والرجل والأنف والكبد والكلية ونحوها - لا حسّ له ولا علم ولا إدراك، بل هو أجنبي عن العواطف الإنسانيّة أيضاً، وهي من آثار المخّ

___________________

(١) الفجر آية ٢٨.

(٢) والمتأمِّل المتدبِّر في هذه الآيات يفهم أنّ قوله تعالى:( ثمّ أنشأناه خلقاً آخر ) يُراد به ظاهراً إنشاء اتصال الروح بالجنين، وبه تبدأ الحياة الإنسانيّة. فافهم ذلك جيّداً.

(٣) ص٣٥٠ وص٣٥١ ج٢٤ جامع أحاديث الشيعة.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165