الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان14%

الشيعة في الميزان مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 419

الشيعة في الميزان
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142505 / تحميل: 9286
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

تاريخ الشيعة، ولما نقله السيد الأمين عن مجالس المؤمنين، وللدكتور فيليب حتي في كتابه «لبنان في التاريخ»، قال الأمين في الجزء الأول من الأعيان:

«جاء في مجالس المؤمنين أن تجلي أنوار الرحمة الإلهية شامل لأهل جبل عامل، ونور المحبة من نواحي إيمانهم ظاهر، ولا توجد قرية من قراه لم يخرج منها جماعة من الفقهاء والفضلاء الإمامية، وجميع أهله من الخواص والعوام، والوضيع والرفيع يجدون في تعليم وتعلم المسائل الاعتقادية، والأحكام الفرعية على طبق مذهب الإمامية، وفي التقوى والمروءة والفقر والقناعة، يقتدون بطريقة مولاهم المرضية، ومع تسلط الغير عليهم لهم همة في نشر مذهبهم».

أما الشيخ المظفر فقد خص العامليين بعديد من الصفحات نقتطف منها ما يلي:

«جد العامليون في تحصيل علم أهل البيت (ع)، حتى بالهجرة إلى إيران والعراق، فتخرج منهم علماء استفاد الشيعة بمؤلفاتهم إلى اليوم، وطبقوا البلاد شهرة وصيتاً. وقال الشيخ الحر صاحب أمل الآمل: «سمعت من بعض مشائخنا أنه اجتمع في جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهداً في عصر الشهيد الثاني وما قاربه. وهذا في ذاك العصر، أما بعده، حتى اليوم فقد انجبت جبل عامل أفاضل وعلماء يعسر استقصاؤهم، ويوجد فيهم اليوم مراجع للتقليد، وفيهم من له الميزة في الدفاع عن مذهب آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وقال الدكتور حتي في «لبنان في التاريخ» ص ٤٩٨ طبعة ١٩٥٩(١) :

«إن حجباً كثيفة تحجب عنا حياة الشيعة في لبنان، ولكن من وراء هذه الحجب تبرز أمامنا ناحية مشرقة، لها مغزاها البعيد(٢) وتدل على أن هذه الجالية لم تقطع أسباب العلم، بل احتفظت به على صعيد عالٍ عند منصرم القرن السادس عشر، عندما جعل الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية في إيران دين الدولة الرسمي المذهب الشيعي، وجد أنه من العسير أن يوفر للناس أئمة يعلمونهم حقيقة المعتقد، ويرسخون مبادئه في نفوسهم. ووجد أيضاً أن الكتب غير متوافرة، فعمد إلى ملء الفراغ باستحضار علماء الشيعة من لبنان - أي من جبل

_____________________

(١) طبع الكتاب بالإنكليزية، وترجم إلى العربية.

(٢) المغزى البعيد هو الذي تساءلنا عنه فيما تقدم.

١٨١

عامل - وقد غادر لبنان جمهور من أولئك العلماء، وذهبوا إلى إيران بدعوة أو بغير دعوة، وقد كان من جملة من ذهب حسين العاملي الذي غادر جبل عامل عندما قتل الأتراك أستاذه زين الدين الذي أصبح يعرف بين قومه بالشهيد الثاني.

وكان الشهيد الأول شمس الدين العاملي الذي قتل في دمشق سنة ١٣٨٤ م بموجب فتويين أصدرهما القاضي المالكي، والقاضي الشافعي، وكان حسين قد أخذ معه ابنه الأصغر بهاء الدين العاملي - الشيخ البهائي - وقد فاق أباه علماً وشهرة، فإنه كان فقيهاً وفيلسوفاً وعالماً في الرياضيات، وقد رفع إلى رتبة شيخ الإسلام حيث كان من ألمع الشخصيات في بلاط الشاه عباس».

بعلبك:

قال السيد الأمين: لا يعلم مبدأ التشيع في بعلبك، وكان يغلب عليها التسنن، وفي أيام الحرافشة غلب التشيع على أهلها.

وقال الشيخ المظفر: هي اليوم مع سائر قراها وضواحيها تعد من بلاد الشيعة الشهيرة بالتشيع، وشيعتها تناهز الشيعة في جبل عامل كثرة(١) غير أنها لا تضاهيها في المعارف الدينية، فإنه لا يزال في النجف الأشرف من العامليين المهاجرين لطلب العلم ما يناهز الثمانين طالباً. ولا يوجد من البلاد البعلبكية أكثر من اثنين أو ثلاثة».

جبل لبنان:

ويحده شمالاً طرابلس، وجنوباً جبل عامل، وغرباً بيروت والبحر، وشرقاً بعلبك والبقاع، ويدخل فيه كسروان وضواحي بيروت، وهي برج البراجنة، وبرج حمود، والغبيري، والشياح، ويربو عدد الشيعة في بيروت وضواحيها وكسروان على ١٥٠ ألفاً، أما عددهم في مجموع لبنان فلا يقل عن نصف مليون، ولشيعة جبل لبنان نائبان في البرلمان ولشيعة بيروت نائب واحد.

_____________________

(١) شيعة جبل عامل ثلاثة أضعاف شيعة بعلبك من حيث العدد، والآن يمثل شيعة بعلبك في البرلمان أربعة نواب، ويمثل شيعة جبل عامل أحد عشر نائباً.

١٨٢

تبت:

قال السيد الأمين: فيها عدد كبير من الشيعة، وفيهم علماء يتعلمون العلوم الدينية في الهند وفي النجف الأشرف، ورأيت بعض حجاجهم بدمشق، فسألتهم عن حال الشيعة عندهم، فقالوا: إن عددهم يزيد آناً فآناً.

حمص:

ومنها الشاعر الشهير ديك الجن، وكان شيعياً، توفي سنة ٢٣٥ هجري، ويدل هذا على أن التشيع دخلها منذ زمن وقال السيد الأمين: وفي عصرنا هذا تشيع جماعة كثيرون منهم لأنفسهم بأنفسهم، ويوجد حوالي حمص عدة قرى، أهلها شيعة إمامية، منها الغور، والدلبوز، وتل الأغر، وغيرها.

حلب:

قال السيد الأمين: دخلها التشيع قبل عهد الحمدانيين، وانتشر وقوي على عهدهم، ثم توالى حكام الجور على حلب، واشتد ضغطهم وفتكهم بالشيعة، وأغروا بالشيعة السفلة من السنة، حتى فعلوا من المخازي والقبائح ما تسود له وجه الإنسانية، ويخجل القلم عن نقله. وكان ابتداء الضغط أوائل القرن السادس، واشتد في القرن السابع، وتناهى في القرن العاشر، حتى لم يعد أحد يجهر بالتشيع خوفاً على دمه وعرضه، وماله، ولم يزال يوجد في حلب عدة بيوت معلومة يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع، ويوجد في جهات حلب قرى، أهلها شيعة من قديم الزمان إلى اليوم، وهي الفوعة، ونبل، والنغاولة، وكفريا.

الكويت وعمان ومسقط:

للشيعة بالكويت كلمة مسموعة، وتأثير بالغ، ولهم قاضٍ شرعي خاص بهم يختاره المرجع في النجف الأشرف، وتعينه الحكومة بناء على اختياره، ولهم العديد من الحسينيات، ويقصدهم أهل العلم من العراق وجبل عامل، أما عمان ومسقط ودبي فقال الشيخ المظفر: إن فيها الكثير من الشيعة، ولهم الحرية المذهبية الكاملة، ولا يزال بين ظهرانيهم أفراد من أبناء العلم للإرشاد وتعليم الأحكام، ويفد عليهم كثير من رجال الدين، وأرباب المنابر الحسينية.

١٨٣

الحجاز:

يوجد شيعة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، حتى الآن، ومن القبائل الشيعية في الحجاز بنو جهم، وبنو علي، وبعض بني عوف، كما يوجد في رساتيقها كالعوالي.

اليمن:

أسلم أهل اليمن في أيام الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى يد علي أمير المؤمنين، وبني أول مسجد في اليمن باسمه، وقال ابن عباس للحسين (ع) حين أراد الخروج إلى العراق: اذهب إلى اليمن، فإن لأبيك بها شيعة، وقال الإمام يمدح قبيلة همدان اليمنية:

ولو كنت بواباً على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلي بسلام

وخرج من العلويين أكثر من واحد في اليمن، وفيها كثير من الاثني عشرية، وأكثر أهلها من الزيود.

روسيا والصين:

قال الشيخ المظفر: يبلغ عدد الشيعة في الصين ١١ مليوناً، وفي روسيا ١٠ ملايين.

الهند:

يرجع الفضل في انتشار التشيع في بلاد الهند إلى الصفويين، وعن بعض المستشرقين أنه لولا الأقدار التي جنت على الصفويين لكانت السلطة في الهند اليوم بيد الشيعة. قال الشيخ المظفر: ليس في الهند بلد إلا وفيه ناس من الشيعة، وهناك بلاد تختص بهم، وأخرى هم الأكثرية فيها، وهذه أسماء بعض تلك البلاد: لكنهور، وهي المرجع الوحيد للاثني عشرية، ولهم فيها مدارس وكليات وجامعات، وجانبور، وأمروها، وبنتا، وإله باد، ومظفر بور، ولاهور، وبنجاب، وبنارس، وفيض آباد، وسهارن بور، وغيرها كثير.

١٨٤

طرابلس وبنو عمار:

بنو عمار شيعة، وأصلهم من المغرب، جاءوا منها إلى مصر مع الفاطميين، وتولوا الإمارة والقضاء في طرابلس الشام من قِبَل الحاكم الفاطمي، وبقيت بأيديهم نحواً من ٨٠ سنة، حتى انتزعها منهم الصليبيون سنة ٥٠٢ هجري، وكان أهلها في ذلك العصر شيعة اثني عشرية، قال المستشرق آدم متز في الجزء الأول من «الحضارة الإسلامية »: «وإذا كان ناصر خسرو قد وجد أهل طرابلس في عام ٤٢٨ هجري شيعة فقد جاء ذلك من أن بني عمار كانوا هناك على مذهب التشيع».

أما المؤسس لإمارة بني عمار في طرابلس فهو أبو طالب أمين الدولة بن عمار أعلن نفسه حاكماً على المدينة حين توفي الحاكم الفاطمي، وأنشأ مكتبة تحوي مائة ألف مجلد، واستمال طلاب العلم إلى عاصمته، فكان عمله هذا شبيهاً بما قام به سيف الدولة في حلب، وكان من جملة من قصد مكتبته أبو العلاء المعري، وهكذا بلغت طرابلس أثناء حكم بني عمار الذروة في الشهرة العلمية، وفي الازدهار الاقتصادي.

ومن علماء الشيعة الطرابلسيين القاضي الشيخ عبد العزيز بن البراج، تلميذ السيد المرتضى والشيخ الطوسي، وله مؤلفات جليلة، منها المهذب، والموجز والكامل والجواهر وعماد المحتاج. ثم انعدم التشيع من طرابلس، بسبب الضغط والاضطهاد، ويوجد في نواحيها اليوم بعض القرى الشيعية(١) .

أندنوسيا:

وفيها اليوم عدة ملايين من الشيعة الاثني عشرية، ويكاتبون ويستفتون علماء العراق وإيران وجبل عامل، وفي العام الماضي طلبوا من المرجع في النجف الأشرف عالماً يعلمهم الدين وأحكامه، فاختار لهم بعض الفضلاء، وهو

_____________________

(١) أعيان الشيعة ج ٢٢، والكنى والألقاب للقمي، ولبنان في التاريخ لفيليب حتي، والكامل لابن الأثير ج ٨، والنجوم الزاهرة ج ٧، والحضارة الإسلامية لآدم متز.

١٨٥

اليوم يقيم بين ظهرانيهم، وفقه اللّه وأخذ بيده، وفي سنة ١٩٥٦ زارني أحدهم، وحدثني مفصلاً عن حياتهم ومحافظتهم على الشعائر المذهبية، وبخاصة إقامة العزاء لسيد الشهداء.

بلدان أخرى:

وهناك بلدان أخرى غير هذه لم يذكرها صاحب الأعيان، وصاحب تاريخ الشيعة، رغم أنهما بحثا وتتبعا المصادر العربية والأجنبية. ذلك أن الطرق الفنية للإحصاء لم تتهيأ لهما، ولا لغيرهما، حتى الآن ولا مستند لهما إلا الكتب الموضوعة منذ القديم في أحوال الأقاليم، أو السماع من عابر. وبديهة أن تلك الكتب لا تتضمن الأخبار عن جميع البلدان وعدد السكان، وأديانها ومذاهبها.

أما الأخذ بقول قائل والسماع من عابر فلا يغني عن الحق فإن الذين يعرفون عدد السكان في بلدهم أقل من القليل - إن صح التعبير - فأنا الآن أقيم في بيروت منذ ١٥ سنة، ولا أعرف عدد سكانها على التحقيق، وسكنت قبلها بقرية صغيرة ١٠ سنوات. وبقيت طوال هذه المدة أجهل عدد أهلها إلا على سبيل التقريب.

ولقد قرأت الكثير عن الجزائر، وما رأيت ولا سمعت من أحد أن فيها شيعة، حتى أخبرني من لا أشك بصدقه أن في جبالها، وسائر جبال البربر قبائل من الشيعة، وأنه اجتمع بأحدهم، وتوطدت الصداقة والعلاقة بينه وبينه. وأخبره عن أحوالهم وعاداتهم. وأيضاً أخبرني أكثر من واحد أنه يوجد في السودان شيعة، وفي سنة ١٩٦٢ مر ببيروت حجاج من السودانيين، ورأيتهم يبحثون في مكاتبها التجارية عن الكتب الشيعية، فساعدتهم وأهديتهم بعضها، فسروا وشكروا.

وفي آخر الجزء الأول من أعيان الشيعة نقلاً عن كتاب حاضر العالم الإسلامي ودائرة المعارف الإسلامية أن بلداً في إفريقيا يدعى هرار كان تابعاً لمصر سنة ١٨٧٥، ثم تبع الحبشة سنة ١٨٨٧ جميع أهله شيعة، ويبلغ عددهم ٥٠ ألفاً، وغير بعيد أن يكون هؤلاء من الإسماعيلية المنحرفة، لا من الشيعة الإمامية، قال أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق ص ٥٤٩:

١٨٦

«انتشر الشيعة في وسط إفريقيا في البلاد الإسلامية، كنجيريا، وبلاد الصومال، وبلاد السنغال، وغيرها من البلاد الإفريقية، وأكثر هؤلاء من الإسماعيلية المنحرفة، وليسوا من الاثني عشرية، ولا من طائفة الإسماعيلية المعتدلة، كالبهرة الذين يقيمون بالهند وباكستان»(١) .

وبالتالي، فإن التشيع قد عم وانتشر في أكثر البلدان الإسلامية، وكانت لهم الغلبة في الكثرة والعدد على سائر الفرق، أو ليسوا بأقل من غيرهم، ثم انحسر التشيع في كثير من الأقاليم بسبب ضغط الحكام ومقاومتهم، وتعصب إخوانهم السنة. ورغم ذلك كله فإنهم اليوم منتشرون في طول الأرض وعرضها، ويعدون من الفرق الكبرى، وقد ظهر ذلك مما تقدم، مع العلم بأن ما ذكرت من بلدانهم إنما هو الأظهر والأشهر، أما استيعاب الأقاليم كاملة، وإحصاء العدد حقيقة فما وجدت إليهما سبيلاً، ولن أجده، حتى مع الحرص والاجتهاد.

ونختم هذا الفصل بتلخيص موجز لما ذكره الشيخ أبو زهرة في آخر كتاب «الإمام الصادق» بعنوان «نمو المذهب الجعفري ومرونته»، قال:

لقد نما هذا المذهب وانتشر لأسباب:

١ - إن باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة، وهذا يفتح باب الدراسة لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والنفسية.

٢ - كثرة الأقوال في المذهب - أي في المسائل الفقهية النظرية - واتساع الصدر للاختلاف ما دام كل مجتهد يلتزم المنهاج المسنون، ويطلب الغاية التي يتغياها من يريد محص الشرع الإسلامي خالطاً غير مشوب بأية شائبة من هوى.

٣ - إن المذهب الجعفري قد انتشر في أقاليم مختلفة الألوان من الصين إلى بحر الظلمات، حيث أوروبا وما حولها، وتفريق الأقاليم التي تتباين عاداتهم وتفكيرهم وبيئاتهم الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. إن هذا يجعل المذهب كالنهر الجاري في الأرضين المختلفة الألوان، يحمل في سيره ألوانها واشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته.

_____________________

(١) زارني اليوم ٦ / ٤ / ٦٤ رجلان من كينيا أحدهما اسمه أصغر علي محمد جعفر، والثاني اسمه حسين حبيب، وقال لي الأول، وهو يتقن العربية: إن في كينيا ودار السلام وأوغندا عشرين ألف نسمة من الجعفريين، وإنهم يقلدون في أمور دينهم المرجع في النجف الأشرف، ويعملون برسالته، وإن لهم لجنة تجمعهم وتعمل على بث التعاليم الجعفرية واسمها لجنة الاتحاد القومية الوطنية، ومقرها آروشيا في طنجنيقا.

١٨٧

٤ - كثرة علماء المذهب الذين يتصدون للبحث والدراسة وعلاج المشاكل المختلفة، وقد آتى اللّه ذلك المذهب من هؤلاء العلماء عدداً وفيراً عكفواً على دراسته، وعلاج المشاكل على مقتضاه.

هذه حقيقة نطق بها الشيخ أبو زهرة، وفي الكتاب أمثلة كثيرة لعلمه وإنصافه، كما أن فيه موارد للنقد والنظر. أشرت إلى بعضها فيما تقدم من هذا الكتاب، وفي كتاب المجالس الحسينية، وإني لاعترف له وللشيخ شلتوت رئيس الأزهر والشيخ المدني عميد كلية الفقه بمزايا حميدة على كثير من شيوخ الأزهر، أمثال الحفناوي صاحب كتاب «أبو سفيان» ومحب الدين الخطيب منفذ «الخطوط العريضة» وغيره من الذين كفروا الشيعة، إطلاقاً، وتحدثوا عنهم بروح الدس والعداء، حتى جعلونا نغض الطرف عن كل خطيئة إلا التكفير والخروج عن دين الإسلام.

إن مواقف الخطيب من الشيعة، ومن إليه لا يمت إلى العلم والدين بسبب، أما موقف الشيخ أبي زهرة فهو موقف مذهبي يشوبه - كما هو المعتاد - شيء من التعصب الذي يباعد بين الأخوين، إلا أنه لا يبلغ مرحلة التكفير، والحمد للّه. هذا، إلى أن الشيخ أبا زهرة لم يرض في كتابه جماعة من السنة، كما أنه لم يرض الكثير من الشيعة.

في سنة ١٩٦١ اجتمعت بالشيخ أبي زهرة في دمشق، حيث اشتركنا معاً في مهرجان الغزالي، فقال لي فيما قال: حين ألفت كتاب «الإمام الصادق» كنت على علم اليقين بأنه سيغضب السنة والشيعة معاً، لأني لم أقل ما يريد أولئك، ولا كل ما يريد هؤلاء.

فقلت له: نحن نرحب بكل نقد من أية جهة أتى، على شريطة أن يكون بدافع الإخلاص، متحرراً من رواسب الماضي ومخلفاته. ولا أخفي القارئ أني شعرت بالتقدير لشخصه، رغم أني لا أوافقه على كثير من آرائه، وكنت - قبل أن نلتقي - انتقدته في بعض مؤلفاته، ورددت عليه بمقال مطول ومفصل، وكان حين يقدمني لمعارفه يقول: هذا الذي رد علي وانتقدني.

وبالختام يكفي أن نتذكر ما كتبته الأقلام المأجورة عن الشيعة والتشيع لنكبر ونقدر الشيخ ابا زهرة في كتابه «الإمام الصادق».

١٨٨

النَبيّ وَالزهرَاء وَالأئِمَّة الاثنَا عَشَر محَمَّد المصْطفى

- أبوه: عبد اللّه، وجده لأبيه عبد المطلب، وأمه آمنة، وجده لأمه وهب.

- أعمامه تسعة: الحارث، والزبير، وأبو طالب، واسمه عبد مناف، وحمزة، والغيداق، وضرار، والمقوّم، وأبو لهب واسمه عبد العزى، والعباس، وجميع أعمامه إخوة لأبيه من جهة الأب فقط، ما عدا أبا طالب فإنه أخ لأبيه من جهة الأب والأم.

- عماته ست: أميمة، وأم حكيم، وبرة، وعاتكة، وصفية، وأروى.

- ليس لآمنة بنت وهب أخ أو أخت ليكون للنبي خالاً أو خالة، ولم تلد آمنة غيره، ليكون هو عماً أو خالاً لغيره.

- أبناء عمه: لم يعقب من أعمامه التسعة إلا أربعة: الحارث، وأبو طالب، والعباس، وأبو لهب، وأبناء أبي طالب أربعة: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، وأبناء الحارث خمسة: أبو سفيان، والمغيرة، ونوفل، وربيعة، وعبد شمس، وقد سماه النبي عبد اللّه، وأبناء العباس تسعة: عبد اللّه وعبيد اللّه والفضل وقثم، ومعبد، وعبد الرحمن، وتميم، وكثير، والحارث. وأبناء أبي لهب أربعة: عتيبة، ومعتب، وعتبة، وعقبة، وأمهم أم جميل أخت أبي سفيان، فالمجموع ٢٢ من الذكور.

- ويلتقي نسب النبي مع نسب أبي سفيان عدوّه الألد في عبد مناف، فإنه جد لجد النبي، وفي الوقت نفسه جد لجد أبي سفيان. فالنبي هو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وأبو سفيان هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

- ولد النبي بعد وفاة أبيه بالمدينة، وكانت ولادته يوم الجمعة عند طلوع الشمس في السابع

١٨٩

عشر من ربيع الأول، عام الفيل وأيام ملك الفرس أنو شروان(١) .

- عاش ثلاثاً وستين سنة، منها ٦ سنوات مع أمه، و ٨ مع جده عبد المطلب، و٤٢ مع عمه أبي طالب، منها ١٧ في بيته، وحوالي ٢٥ في بيت خديجة زوجته الأولى، وبقي بعد عمه في مكة ٣ سنوات، وفي المدينة ١٠ سنوات.

- بعث في اليوم السابع والعشرين من رجب، وله من العمر ٤٠ سنة.

- زوجاته: اختاره اللّه، وعنده تسع: عائشة، وحفصة، وام سلمة، وام حبيبة، وزينب بنت جحش، وميمونة، وصفية، وجويرية، وسودة، وكان قد تزوج زينب بنت خزيمة الهلالية، وماتت قبله، وأول زوجاته وسيدتهن السيدة خديجة، تزوجها، وهو ابن ٢٥ سنة، وهي بنت ٤٠، ولم يتزوج غيرها، حتى ماتت، وبقي بعدها سنة بدون نساء، وتزوج غير من ذكرنا، وحصل الفراق بينه وبينهن قبل الدخول، هذا، وكان عنده من السراري غير الزوجات مارية القبطية أم ولده إبراهيم، وميمونة بنت سعد، وأميمة، وريحانة بنت زيد من بني النضير.

- أولاده: جاءه ثلاثة ذكور، وأربع إناث، والذكور هم القاسم، وعبد اللّه من السيدة خديجة، وإبراهيم من مارية القبطية، وماتوا أطفالاً. والإناث زينب، وأم كلثوم، ورقية، وفاطمة، أسلمن وتزوجن، ثم توفين في حياته ما عدا الزهراء سيدة النساء.

غزواته:

كان النبي يبعث إلى أرض العدو بالسرية من ثلاثين فارساً، أو ستين، أو أكثر أو أقل، لتستطلع حال المشركين، وتأتيه بالأخبار، فتذهب السرية لغايتها، وربما حدث بينها وبين العدو مناوشات، وقد تعود دون أن يحدث شيء. وكان يعبئ المسلمين للحرب بقيادته - أحياناً - وبقيادة بعض الأصحاب - حيناً - ويبقى هو في المدينة، كما حدث في غزوة مؤتة، وقد يعود الجيش بدون قتال، أو تقع الحرب بينه وبين المشركين، حسب الظروف والمقتضيات.

_____________________

(١) المشهور عند السّنة أنه ولد في ١٢ ربيع الأول، ووافقهم بعض علماء الشيعة، والمشهور عند الشيعة أنه ولد في ١٧ منه، ووافقهم بعض علماء السّنة.

١٩٠

وجميع غزواته ٦٢، منها ٣٦ لم يخرج النبي معها، و٢٦ كان معها، والغزوات التي حدث فيها قتال بقيادته تسع: بدر، وأحد، والخندق، وبنو قريضة، والمصطلق، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف.

كتاباته إلى الملوك:

كتب النبي إلى ملوك زمانه يدعوهم إلى الإسلام، ولما وصل كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة وضعه على عينيه، ونزل عن سريره تواضعاً، وأسلم.

أما قيصر ملك الروم فأيقن بالحق. واعتقد أن محمداً رسول من عند اللّه، وأراد أن يسلم، فخاف قومه، وآثر الملك.

أما كسرى ملك الفرس فمزق الكتاب، وطرد رسول النبي، فتمزق ملكه، وطرد منه.

وأما المقوقس ملك القبط في مصر فكتب إلى النبي جواباً قال فيه: قد أكرمت رسولك، وأهديت إليك جاريتين، لهما مكان عظيم في القبط، وكسوة وبغلة تركبها، ولم يسلم، والجاريتان هما مارية القبطية، تزوجها النبي، وولدت له إبراهيم، والثانية سيرين، وهبها النبي لشاعره حسان بن ثابت.

وممن كتب له الحارث الغساني، وكان في سورية تابعاً لملك الروم، فأراد أن يجيّش الجيوش، ويحارب النبي، فنهاه سيده قيصر.

وكتب النبي إلى هوذة صاحب اليمامة، فاشترط لإسلامه أن يجعل له النبي شيئاً، فرفض وبقي هوذة على الكفر.

وكتب إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، وهما أميرا عمان في اليمن، فأسلما.

وكتب إلى المنذر العبدي بالبحرين، فأسلم وحسن إسلامه.

اخباره بالغيب:

تواتر الأحاديث من طرق السنة والشيعة أن النبي أخبر عن أشياء تحدث بعده، فحدثت بكاملها على ما قال، منها اخباره عن عائشة وكلاب الحوأب، ومنها أن الفئة الباغية تقتل عماراً برئاسة معاوية، ومنها اخباره بقتل الحسين وحجر بن عدي، ومنها اخباره أن ابن عباس يفقد

١٩١

بصره في كبره، وكذلك زيد بن أرقم، ومنها قوله سيكون في هذه الأمة الوليد(١) وهو شر لامتي من فرعون لقومه، وقوله إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين اللّه دغلاً، وعباد اللّه خولاً، ومال اللّه دولاً، ومنها أخباره بأن الإرضة أكلت ما كان في الصحيفة التي كتبتها قريش ضد بني هاشم، وعلقتها بالكعبة، ومنها أن العرب ينتصرون على الفرس، ومنها قوله لعلي ستخضب هذه من هذه، إلى غير ذلك.

من أخلاقه:

كان يجلس على الأرض، وينام عليها، ويخصف النعل، ويرقع الثوب بيده، ويحلب الشاة، ويعقل البعير، ويطحن مع الخادم، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ويأكل ما يجد، ويلبس ما يجد، ويركب ما أمكنه من فرس، أو بعير، أو بغلة، أو حمار، ويردف خلفه، وربما ركبه عارياً بلا سرج، ويمشي راجلاً، ويجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، وكان لا يثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربه، ولا يغضب لنفسه، وكان أكثر الناس تبسماً، وربما ضحك من غير قهقهة، ولم يكن شيء أبغض إليه من الكذب إلى غير ذلك من الفضائل، وكريم الشمائل.

وفاته:

اختاره اللّه إليه يوم الإثنين ٢٨ صفر سنة ١١ هجري، وتولى غسله وتجهيزه أخوه ووصيه علي أمير المؤمنين.

_____________________

(١) فكان الوليد بن يزيد.

١٩٢

الزَّهرَاء

- هي فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين، وأمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين.

- ولدت بمكة يوم الجمعة ٢٠ جمادى الآخرة بعد النبوة بخمس سنين.

- وهي أصغر بنات الرسول، وأحبهن إليه، وانقطع نسله إلا منها.

- صفاتها: كانت كأبيها في خُلقه وخلقه، ومن هنا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني (صحيح البخاري، وصحيح مسلم). وقال: إن اللّه يرضى لرضاها، ويغضب لغضبها (المستدرك للحاكم، والإصابة لابن حجر). ونقلت الماء في القربة، حتى أثرت في صدرها، وطحنت بالرحى، حتى تورمت يداها، وكنست البيت، حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر، حتى اسودت ملابسها.

- زوّجها النبي علياً على خمسمائة درهم، وولدت له الحسن والحسين، وزينت وأم كلثوم.

توفيت في ٣ جمادى الآخرة سنة ١١ هجري، فعاشت بعد أبيها ٩٥ يوماً، وغسلها وجهزها أمير المؤمنين، وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس، وصلى هو عليها، والحسن والحسين، وسلمان وأبو ذر وعمار والمقداد وعقيل، والزبير وبريدة، ونفر من بني هاشم، ودفنها الإمام سراً في جوف الليل بوصية منها.

١٩٣

أمِيرُ المؤمنِين

- أبوه أبو طالب كفيل النبي ومربيه وحاميه(١) وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت من رسول اللّه بمنزلة الأم، لأنه ربي في حجرها، وهو ابن ثماني سنين، وكانت من سابقات المؤمنات إلى الإيمان، وهاجرت مع رسول اللّه إلى المدينة، وكفنها النبي عند موتها بقميصه ليدرأ به عنها هوام الأرض، وتوسد في قبرها لتأمن من ضغطة القبر، ولقنها حجتها.

- ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة ١٣ رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، ولم يولد قط في بيت اللّه مولود سواه، لا قبله ولا بعده، وهذه فضيلة خصه بها اللّه إجلالاً لمحله ومنزلته، وإعلاء لقدره.

- حضر حروب النبي بكاملها ما عدا غزوة تبوك التي لم يلقَ المسلمون فيها كيداً، وقد استخلفه النبي على المدينة، وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

- أزواجه وأولاده: تزوج فاطمة الزهراء، وولدت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.

وتزوج بعدها بنساء كثيرات، منهن:

١ - إمامة بنت أبي العاص، وأمها زينب بنت رسول اللّه، وولدت له محمداً الأوسط، قتل في كربلاء.

٢ - خولة الحنفية، وولدت له محمداً الأكبر المعروف بابن الحنفية.

٣ - أم حبيبة بنت ربيعة ولدت له عمر ورقية.

٤ - أم البنين الكلابية، ولدت له العباس وجعفراً وعبد اللّه وعثمان، قتلوا

_____________________

(١) تكلمنا عنه وعن إسلامه في كتاب «مع بطلة كربلاء».

١٩٤

في كربلاء.

٥ - ليلى الدارمية، ولدت محمداً الأصغر المكنى بأبي بكر، وعبد اللّه، قتلا في كربلاء.

٦ - أسماء بنت عميس، ولدت له يحيى وعوناً.

٧ - أم مسعود الثقفية، ولدت أم الحسن ورملة.

وتزوج غير هؤلاء، ورزق منهن بناتاً، وهن: نفيسة، وأم هاني، ورقية الصغرى، وأم الكرام، وجمانة، وأمامة، وأم سلمة، وميمونة، وخديجة، وفاطمة.

ومجموع أولاده ٢٧، منهم ١٤ ذكراً، والباقي إناث. وكان عنده يوم استشهاده اثنتان وعشرون، منهن ٤ زوجات، و١٨ أمهات أولاد.

بعض خصائصه:

١ - السابق إلى الإسلام.

٢ - ولد في الكعبة.

٣ - تربى منذ صغره في حجر رسول اللّه.

٤ - مؤاخاته مع النبي.

٥ - إن النبي حمله، حتى طرح الأصنام من الكعبة.

٦ - إن ذرية رسول اللّه منه.

٧ - إن النبي تفل في عينيه يوم خيبر، ودعا له بأن لا يصيبه حر ولا قر.

٨ - إن حبه إيمان، وبغضه نفاق.

٩ - إن النبي باهل النصارى به وبزوجته وأولاده دون سائر الأصحاب.

١٠ - بلغ سورة براءة عن النبي.

١١ - إن النبي خصه يوم الغدير بالولاية.

١٢ - إنه القائل سلوني قبل أن تفقدوني.

١٩٥

١٣ - خاصف النعل.

١٤ - إن النبي خصه بتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه.

١٥ - إن الناس جميعاً من أرباب الأديان وغيرهم ينظرون إليه كأعظم رجل عرفه التاريخ.

١٦ - إن له كتاباً، وهو نهج البلاغة، دون غيره من الأصحاب، إلى غير ذلك مما أتينا على شيء منه في كتاب «علي والقرآن» وكتاب «أهل البيت».

استشهاده:

قبض ليلة الجمعة، لتسع بقين من شهر رمضان المبارك سنة ٤٠ هجري قتيلاً بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وكان سنه يوم استشهد ٦٣ سنة، قضى مع رسول اللّه ٣٣، منها ١٠ قبل النبوة، و١٣ في مكة قبل الهجرة، و١٠ في المدينة بعد الهجرة، وعاش بعد النبي ٣٠ سنة إلا خمسة أشهر، وأياماً، ومدة خلافته خمس سنين، وثلاثة أشهر، وسبع ليال، وتولى غسله وتجهيزه الحسن والحسين، وحملاه إلى النجف، ودفناه هناك ليلاً، وعميا موضع قبره بأمر منه، فلم يزل مخفياً، حتى دل عليه الإمام الصادق في الدولة العباسية(١) .

_____________________

(١) كتاب أعلام الورى للطبرسي صاحب مجمع البيان.

١٩٦

الإمَام الحَسَن

- هو السبط الأول لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والامام الثاني من أئمة أهل البيت، ورابع أصحاب الكساء، وأحد ريحانتي النبي، وسيدي شباب أهل الجنة.

- ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجاءت به أمه الزهراء إلى أبيها رسول اللّه، فسماه حسناً، وهو أول من سمي بهذا الاسم.

زوجاته:

منهن خولة بنت الغزارية، وأم إسحق بنت طلحة، وأم بشر الأنصارية، وجعدة بنت الأشعث التي سقته السم، وغيرها.

وروى الرواة أن الامام الحسن كان كثير الزواج، وليس هذا بغريب، فقد عدّ أهل السِير لجده المصطفى أكثر من عشرين امرأة، واستشهد أبوه أمير المؤمنين، وعنده ٢٢، ولكن الغريب أن تحاك حول زواجه الروايات التي لا أساس لها ولا أصل. لا لشيء إلا للنيل من مقامه الشريف، من ذلك أنه كان إذا رأى جمعاً من النسوة يقول لهن: من منكن تأخذ ابن بنت رسول اللّه ؟ فيجبنه بصوت واحد: كلنا مطلقات ابن بنت رسول اللّه.

وأي عاقل يصدق مثل هذا على الإمام الزكي الذي له عقل جده محمد المصطفى، وأبيه علي المرتضى ؟! أي عاقل يصدق أن الإمام الحسن كان يقف على قارعة الطريق، وينادي معلناً عن نفسه ورغبته في الزواج والنكاح ؟ وأغرب من كل ذلك جواب النسوة كلنا مطلقات ابن بنت رسول اللّه. متى تزوج بهذه الكثرة الكثيرة ؟! ومتى طلقهن ؟! وكيف اجتمع مطلقاته كلهن في مجلس واحد ؟! وكيف خفين عليه، ولم يعرف حتى ولا واحدة منهن، وبالأمس كن في بيته، وعلى فراشه ؟! حقاً إن واضع هذه الاكذوبة قد بلغ الغاية من الجهل والرعونة، وأجهل منه من يصدق أمثال هذه الأكاذيب.

- أولاده: كان له ١٥ ولداً ما بين ذكر وأنثى، وهم: زيد، وأم الحسن، وأم الحسين، وأمهم أم بشير الأنصارية، والحسن، وأمه خولة الفزارية، وعمر، والقاسم، وعبد اللّه، وأمهم أم ولد، والحسين الملقب بالأثرم، وطلحة، وفاطمة، وأمهم أم إسحق بنت طلحة، وأم عبد اللّه، وأم سلمة، ورقية لأمهات شتى، ولم يعقب منهم غير الحسن وزيد.

١٩٧

- بويع بالخلافة سنة ٤١ هجري، وله من العمر ٣٧ سنة، وأقام في خلافته ستة أشهر، وثلاثة أيام، حيث وقع الصلح بينه وبين معاوية خوفاً على نفسه، بعد أن تبين له أن جماعة من رؤساء أصحابه كتبوا سراً إلى معاوية، وضمنوا له أن يسلموه إليه عند دنو العسكرين.

- وفاته: توفي سنة ٥٠ هجري، وسبب وفاته أن معاوية دس له سماً على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، وضمن لها إن قتلته بالسم مائة ألف درهم، وتزويجها من ولده يزيد، فأجابته، ومرض الإمام أربعين يوماً، وانتقل بعدها إلى رضوان ربه. فوفى معاوية لها بالمال، ولم يزوجها من يزيد، وقال لها: أخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول اللّه(١) ، وكان عمره الشريف حين استشهد ٤٧ سنة، أمضى منها ٧ سنين وأشهراً مع جده المصطفى، و٣٧ مع أبيه المرتضى، وبقي بعده مع أخيه الحسين الشهيد عشراً.

قال الإمام الصادق: إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين، وابنته جعدة سمت الحسن، وابنه محمد شرك في دم الحسين.

وجاء في كتاب «الخوارج والشيعة» للمستشرق فلهوزن نقلاً عن المستشرق دوزي ص ١٢ طبعة ١٩٥٨ أن الأشعث قد ظل في قلبه مشركاً قديماً، فأراد الانتقام من الإسلام بخيانة الإمام علي. ولم يكن لدى الأشعث في هذا الباب من الدوافع أقل مما كان لغيره من أهل الردة - لأن الأشعث كان ممن ارتد عن

_____________________

(١) ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الجوزي في تذكرة الخواص، وابن سعد في الطبقات، وغيره.

١٩٨

الإسلام بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وخطب الإمام الحسن صبيحة الليلة التي قبض فيها أبوه أمير المؤمنين، وقال بعد الحمد للّه، والثناء عليه، والصلاة على جده محمد:

لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، ولم يدركه الآخرون، لقد كان يجاهد مع رسول اللّه، فيقيه بنفسه، وكان رسول اللّه يوجهه برأيه، فيكتنفه جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع، حتى يفتح اللّه على يديه.

ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم، وفيها قبض يوشع بن نون، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا ٧٠٠ درهم فضلت عن عطائه - راتبه من بيت المال - أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله.

ثم قال الإمام الحسن: أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، أنا من أهل بيت فرض اللّه تعالى مودتهم وطاعتهم في كتابه، فقال: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له حسناً» فالحسنة مودتنا أهل البيت.

_____________________

(١) وهذا الأشعث المرتد يروي عنه البخاري ومسلم، ويعدان حديثه من الصحاح.

١٩٩

الإمَام الحُسَين

- السبط الثاني لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام الثالث من أئمة أهل البيت، وخامس أصحاب العباء، وأحد ريحانتي رسول اللّه، وسيدي شباب أهل الجنة.

- ولد في ١٥ شعبان سنة أربع من الهجرة، وسماه جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسيناً، وبينه وبين أخيه مقدار الحمل فقط.

- زوجاته وأولاده: كان له من الأولاد ستة ذكور، وثلاث بنات: علي الأكبر شهيد كربلاء، وأمه ليلى بنت أبي مرة الثقفي، وعلي الأوسط، وعلي الأصغر زين العابدين، وأمه شاهزنان بنت كسرى، ومحمد وجعفر مات في حياة أبيه، وأمه قضاعية، وعبد اللّه الرضيع ذبح في حجر أبيه، وسكينة، وأمها وأم عبد اللّه الرضيع الرباب بنت امرئ القيس، وفاطمة، وأمها أم إسحق التميمية، وزينب، ونسل الإمام الحسين من الإمام زين العابدين.

- قتل في عاشر المحرم سنة ٦١ هجري، وكان عمره الشريف ٥٦ سنة وأشهراً، عاش منها مع جده رسول اللّه ست سنين، ومع أبيه ٣٦، ومع أخيه الحسن ٤٦ وبقي بعد أخيه الحسن ١٠ سنين.

من هو الحسين:

قال السيد محسن الأمين في الجزء الرابع من «أعيان الشيعة»:

«هو أشرف الناس أباً وأماً، وجداً وجدة، وعماً وعمة وخالاً وخالة، جده رسول اللّه سيد النبيين، وأبوه علي أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وأخوه الحسن المجتبى، وعمه جعفر الطيار مع ملائكة السماء، وعم أبيه حمزة سيد الشهداء، وجدته خديجة بنت خويلد أول نساء الأمة إسلاماً، وعمته أم هاني، وخاله إبراهيم ابن رسول اللّه، وخالته زينت بنت رسول اللّه.

وقد جاهد لأسمى المقاصد، وأنبل الغايات، وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله، ولا بعده، فبذل نفسه وماله وآله، لإحياء الدين، وفضح المنافقين، واختار المنية على الدنية، وميتة العز على حياة الذل، ومصارع الكرام على طاعة اللئام، وأظهر من إباء الضيم وعزة النفس، والشجاعة والبسالة، والصبر والثبات ما بهر العقول، وحير الألباب.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

الآيات

( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) )

التّفسير

يجب الحزم في ساحة الحرب :

كما قلنا سائقا ، فإنّ الآيات السابقة كانت مقدمة لتهيئة المسلمين من أجل إصدار أمر حربي مهم ذكر في الآيات مورد البحث ، فتقول الآية :( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) (١) .

__________________

(١) «ضرب» مصدر مفعول مطلق لفعل مقدر ، والتقدير : اضربوا ضرب الرقاب ، كما صرّحت الآية (١٢) من سورة الأنفال بذلك إذ قالت :( فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ ) .

٣٢١

من البديهي أن «ضرب الرقاب» كناية عن القتل ، وعلى هذا فلا ضرورة لأن يبذل المقاتلون قصارى جهدهم لأداء هذا الأمر بالخصوص ، فإنّ الهدف هو دحر العدو والقضاء عليه ، ولما كان ضرب الرقاب أوضح مصداق له ، فقد أكّدت الآية عليه.

وعلى أية حال ، فإنّ هذا الحكم مرتبط بساحة القتال ، لأنّ «لقيتم» ـ من مادة اللقاء ـ تعني الحرب والقتال في مثل هذه الموارد ، وفي نفس هذه الآية قرائن عديدة تشهد لهذا المعنى كمسألة أسر الأسرى ، ولفظة الحرب ، والشهادة في سبيل الله ، والتي وردت في ذيل الآية.

وخلاصة القول : إنّ اللقاء يستعمل ـ أحيانا ـ بمعنى اللقاء بأي شكل كان ، وأحيانا بمعنى المواجهة والمجابهة في ميدان الحرب ، واستعمل في القرآن المجيد بكلا المعنيين ، والآية مورد البحث ناظرة إلى المعنى الثّاني.

ومن هنا يتّضح أنّ أولئك الذين حوّروا هذه الآية وفسّروها بأنّ الإسلام يقول : حيثما وجدتم كافرا فاقتلوه ، لم يريدوا إلّا الإساءة إلى الإسلام ، واتخاذ الآية بمعناها المحرّف حربة ضد الدين الحنيف ، محاولة منهم لتشويه صورة الإسلام الناصعة ، وإلّا فإنّ الآية صريحة في اللقاء في ساحة الحرب وميدان القتال.

من البديهي أنّ الإنسان إذا واجه عدوا شرسا في ميدان القتال ، ولم يقابله بحزم ولم يكل له الضربات القاصمة ولم يذقه حرّ سيفه ليهلكه ، فإنّه هو الذي سيهلك ، وهذا القانون منطقي تماما.

ثمّ تضيف الآية :( حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) .

«أثخنتموهم» من مادة ثخن ، بمعنى الغلظة والصلابة ، ولهذا تطلق على النصر والغلبة الواضحة ، والسيطرة الكاملة على العدو.

وبالرغم من أنّ أغلب المفسّرين فسّروا هذه الجملة بكثرة القتل في العدو وشدّته ، إلّا أنّ هذا المعنى لا يوجد في أصلها اللغوي ، كما قلنا ، ولكن لمّا كان دفع

٣٢٢

خطر العدو غير ممكن أحيانا إلّا بكثرة القتل فيه ، فيمكن أن تكون مسألة القتل أحد مصاديق هذه الجملة في مثل هذه الظروف ، لا أنّها معناها الأصلي(١) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ الآية المذكورة تبيّن تعليما عسكريا دقيقا ، وهو أنّه يجب أن لا يقدم على أسر الأسرى قبل تحطيم صفوف العدو والقضاء على آخر حصن لمقاومته ، لأنّ الإقدام على الأسر قد يكون سببا في تزلزل وضع المسلمين في الحرب ، وسيعوق المسلمين الاهتمام بأمر الأسرى ونقلهم إلى خلف الجبهات عن أداء واجبهم الأساسي.

وعبارة( فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) وبملاحظة أنّ الوثاق هو الحبل ، أو كلّ ما يربط به ، يشير الى إتقان العمل في شدّ وثاق الأسرى ، لئلا يستغل الأسير فرصة يفر فيها ، ثمّ يوجّه ضربة إلى الإسلام والمسلمين.

وتبيّن الجملة التالية حكم أسرى الحرب الذي يجب أن يقام بحقّهم بعد انتهاء الحرب ، فتقول :( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) وعلى هذا لا يمكن قتل الأسير الحربي بعد انتهاء الحرب ، بل إنّ ولي أمر المسلمين ـ طبقا للمصلحة التي يراها ـ يطلق سراحهم مقابل عوض أحيانا ، وبلا عوض أحيانا أخرى ، وهذا العوض ـ في الحقيقة ـ نوع من الغرامة الحربية التي يجب أن يدفعها العدو.

طبعا يوجد حكم ثالث في الإسلام فيما يتعلق بهذا الموضوع ، وهو استعباد الأسرى ، إلّا أنّه ليس أمرا واجبا ، بل هو راجع إلى ولي أمر المسلمين ينفّذه عند ما يراه ضرورة في ظروف خاصة ، ولعلّه لم يرد في القرآن بصراحة لهذا السبب ، بل بيّنته الرّوايات الإسلامية فقط.

يقول فقيهنا المعروف «الفاضل المقداد» في «كنز العرفان» : إنّ ما روي عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الأسير لو أسر بعد انتهاء الحرب فإنّ إمام المسلمين مخيّر بين ثلاث : إمّا إطلاقه دون شرط ، أو تحريره مقابل أخذ الفدية ، أو جعله

__________________

(١) ينقل صاحب لسان العرب عن ابن الأعرابي أنّ : أثخن : إذا غلب وقهر.

٣٢٣

عبدا ، ولا يجوز قتله بأي وجه.

ويقول في موضع آخر من كلامه : إنّ مسألة الرق استفيدت من الروايات ، لا من متن الآية(١) .

وقد وردت هذه المسألة في سائر الكتب الفقهية أيضا(٢) .

وسنشير إلى هذا المطلب في بحث الرق الذي سيأتي في ذيل هذه الآيات.

ثمّ تضيف الآية بعد ذلك :( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) (٣) فلا تكفوا عن القتال حتى تحطّموا قوى العدو ويصبح عاجزا عن مواجهتكم ، وعندها سيخمد لهيب الحرب.

«الأوزار» جمع وزر ، وهو الحمل الثقيل ، ويطلق أحيانا على المعاصي ، لأنّها تثقل كاهل صاحبها.

والطريف أنّ هذه الأوزار نسبت إلى الحرب في الآية ، إذ تقول :( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) وهذه الأحمال الثقيلة كناية عن أنواع الأسلحة والمشاكل الملقاة على عاتق المقاتلين ، والتي يواجهونها ، وهي بعهدتهم ما كانت الحرب قائمة.

لكن متى تنتهي الحرب بين الإسلام والكفر؟

سؤال أجاب عنه المفسّرون إجابات مختلفة :

فالبعض ـ كابن عباس ـ قال : حتى لا تبقى وثنية على وجه البسيطة ، وحتى يقتلع دين الشرك وتجتث جذوره.

وقال البعض الآخر : إنّ الحرب بين الإسلام والكفر قائمة حتى ينتصر المسلمون على الدجال ، وهذا القول يستند إلى حديث روي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «والجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمّتي

__________________

(١) كنز العرفان ، المجلد ١ ، صفحة ٣٦٥.

(٢) الشرائع ، كتاب الجهاد. شرح اللمعة ، أحكام الغنيمة.

(٣) «حتى» غاية لـ (فضرب الرقاب). واحتملت احتمالات أخرى لا تستحق الاهتمام.

٣٢٤

الدجال»(١) .

البحث حول «الدجّال» بحث واسع ، لكن القدر المعلوم أنّ الدجّال رجل خدّاع ، أو رجال خدّاعون ينشطون في آخر الزمان من أجل إضلال الناس عن أصل التوحيد والحق والعدالة ، وسيقضي عليهم المهدي (عج) بقدرته العظيمة ، وعلى هذا فإنّ الحرب قائمة بين الحق والباطل ما عاش الدجّالون على وجه الأرض.

إنّ للإسلام نوعين من المحاربة مع الكفر : أحدهما الحروب المرحلية كالغزوات التي غزاها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كانت السيوف تغمد بعد انتهاء كل غزوة. والآخر هو الحرب المستمرة ضد الشرك والكفر ، والظلم والفساد ، وهذا النوع مستمر حتى زمن اتساع حكومة العدل العالمية ، وظهورها على الأرض جميعا على يد المهدي (عج).

ثمّ تضيف الآية :( ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ ) (٢) بالصواعق السماوية ، والزلازل ، والعواصف ، والابتلاءات الأخرى ، لكن باب الاختبار وميدانه سيغلق في هذه الصورة :( وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) .

هذه المسألة هي فلسفة الحرب ، والنكتة الأساسية في صراع الحق والباطل ، ففي هذه الحروب ستتميز صفوف المؤمنين الحقيقيين والعاملين من أجل دينهم عن المتكلمين في المجالس المتخاذلين في ساعة العسرة ، وبذلك ستتفتح براعم الاستعدادات ، وتحيا قوّة الاستقامة والرجولة ، ويتحقق الهدف الأصلي للحياة الدنيا ، وهو الابتلاء وتنمية قوّة الإيمان والقيم الإنسانية الأخرى.

إذا كان المؤمنون يتوقعون على ذواتهم وينشغلون بالحياة اليومية الرتيبة ، وفي كل مرة تطغى فيها جماعة من المشركين والظالمين يدحضهم الله سبحانه بالقوى الغيبية ، ويدمّرهم بالطرق الإعجازية ، فإنّ المجتمع سيكون خاملا ضعيفا

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٩٨.

(٢) «ذلك» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : الأمر كذلك.

٣٢٥

عاجزا ، ليس له من الإسلام والإيمان إلّا اسمه.

وخلاصة القول : إنّ الله سبحانه غني عن سعينا وجهادنا من أجل تثبيت دعائم دينه ، بل نحن الذين نتربّى في ميدان جهاد الأعداء ، ونحن الذين نحتاج إلى هذا الجهاد المقدّس.

وقد ذكر هذا المعنى في آيات القرآن الأخرى بصيغ أخرى ، فنقرأ في الآية (١٤٢) من سورة آل عمران :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) .

وجاء في الآية التي سبقتها :( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ) .

وتحدّثت آخر جملة من الآية مورد البحث عن الشهداء الذين قدّموا أرواحهم هدية لدينهم في هذه الحروب ، ولهم فضل كبير على المجتمع الإسلامي ، فقالت :( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ) .

فلن تذهب جهودهم وآلامهم وتضحياتهم سدى ، بل كلها محفوظة عند الله سبحانه ، فستبقى آثار تضحياتهم في هذه الدنيا ، وكلّ نداء (لا إله إلّا الله) يطرق سمع البشر يمثل ثمرة جهود أولئك الشهداء ، وكلّ سجدة يسجدها مسلم بين يدي الله هي من بركات تضحياتهم ، فبمساعيهم تحطّمت قيود المذلّة والعبودية ، وعزّة المسلمين ورفعتهم رهينة ما بذلوه من الأرواح والتضحيات.

هذه هي أحدى مواهب الله في شأن الشهداء.

وهناك ثلاث مواهب أخرى أضيفت في الآيات التالية :

تقول الآية أوّلا :( سَيَهْدِيهِمْ ) إلى المقامات السامية ، والفوز العظيم ، ورضوان الله تعالى.

والأخرى :( يُصْلِحُ بالَهُمْ ) فيهبهم هدوء الروح ، واطمئنان الخاطر ، والنشاط المعنوي والروحي ، والانسجام مع صفاء ملائكة الله ومعنوياتهم ، حيث يجعلهم جلساءهم وندماءهم في مجالس أنسهم ولذّتهم ، ويدعوهم إلى ضيافته في جوار

٣٢٦

رحمته.

والموهبة الأخيرة هي :( وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ ) .

قال بعض المفسّرين : إنّه تعالى لم يبيّن لهم الصفات الكلية للجنّات العلى وروضة الرضوان وحسب ، بل عرف لهم صفات قصورهم في الجنّة وعلاماتها ، بحيث أنّهم عند ما يردون الجنّة يتوجّهون إلى قصورهم مباشرة(١) .

وفسر البعض (عرّفها) بأنّها من مادة «عرف» ـ على زنة فكر ـ وهو العطر الطيب الرائحة ، أي إنّ الله سبحانه سيدخلهم الجنّة التي عطّرها جميعا استقبالا لضيوفه.

إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأنسب.

وقال البعض : إذا ضممنا هذه الآيات إلى آية :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ) (٢) ، سيتّضح أنّ المراد من إصلاح البال إحياؤهم حياة يصلحون بها للحضور عند ربّهم بانكشاف الغطاء(٣) .

* * *

بحوث

١ ـ مقام الشهداء السامي

تمرّ في تأريخ الشعوب أيام تحدق الأخطار فيها بتلك الأمم والشعوب ، ولا يمكن دفع هذه الأخطار والحفاظ على الأهداف المقدّسة العظيمة إلّا بالتضحية والفداء وتقديم القرابين الكثيرة ، وهنا يجب أن يتوجّه المؤمنون المضحّون إلى ساحات القتال ، ليحفظوا دين الحق بسفك دمائهم ، ويسمى هؤلاء الأفراد في

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٩٨.

(٢) آل عمران ، الآية ١٦٩.

(٣) الميزان ، المجلد ١٨ ، صفحة ٢٤٤.

٣٢٧

منطق الإسلام بـ «الشهداء».

إنّ إطلاق كلمة الشهيد ـ من مادة الشهود ـ على هؤلاء ، إمّا لحضورهم في ميدان الجهاد ضد أعداء الحق ، أو لأنّهم يشاهدون ملائكة الرحمة لحظة شهادتهم ، أو لمشاهدتهم النعم العظيمة التي أعدّت لهم ، أو لحضورهم عند الله ، كما جاء في الآية الشريفة :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) .

وقلّ من يصل إلى درجة الشهيد في الإسلام أولئك الشهداء الذين يذهبون ساحة الحرب بين الحق والباطل عن وعي وخلوص نيّة ، ويقدّمون آخر قطرة من دمائهم الزكية في هذا السبيل.

وتلاحظ في المصادر الإسلامية روايات عجيبة حول مقام الشهداء ، تحكي عظمة عمل الشهداء ، وقيمته الفذّة.

فتقرأ في حديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ فوق كلّ بر برا حتى يقتل الرجل شهيدا في سبيل الله»(٢) .

وجاء في حديث آخر روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المجاهدون في الله قوّاد أهل الجنّة»(٣) .

ونطالع في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دم في سبيل الله ، أو قطرة من دموع عين في سواد الليل من خشية الله ، وما من قدم أحبّ إلى الله من خطوة إلى ذي رحم ، أو خطوة يتمّ بها زحفا في سبيل الله»(٤) .

وإذا قلبنا أوراق تأريخ الإسلام ، فسنرى الشهداء قد سجّلوا القسم الأعظم من الافتخارات ، وهم الذين قدّموا القسط الأوفر من الخدمة.

__________________

(١) آل عمران ، الآية ١٦٩.

(٢) بحار الأنوار ، المجلد ١٠٠ ، صفحة ١٥.

(٣) المصدر السابق.

(٤) بحار الأنوار ، المجلد ١٠٠ ، صفحة ١٤.

٣٢٨

وليس هذا في الأمس فقط ، فإنّ ثقافة الشهادة المصيرية اليوم ترعب العدو أيضا ، وتمزّق صفوفه ، وتمنعه من النفوذ إلى حصون الإسلام ، وتزرع اليأس في نفسه من إمكان تخطّيها ، فما أكثر بركة ثقافة الشهادة للمسلمين ، وما أشدّها على أعداء الدين.

لكن ، لا شكّ أنّ الشهادة ليست هدفا ، بل الهدف هو الإنتصار على العدو ، وحراسة دين الله والحفاظ عليه ، إلّا أنّ هؤلاء الحراس على دينهم يجب أن يكونوا على أهبّة الاستعداد ، بحيث إذا احتاج الحال بذل النفوس والدماء فإنّهم لا يتأخّرون عن بذلها ، بل يبادرون إلى البذل والتضحية والإيثار ، وهذا هو معنى كون الأمّة منجبة للشهداء ، لا أنّهم يطلبون الشهادة كهدف نهائي.

لهذا نقرأ في نهاية حديث مفصل روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن مقام الشهداء أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقسم وقال : «والذي نفسي بيده ، لو كان الأنبياء في طريقهم لترجلوا لهم لمّا يرون من بهائهم ، ويشفع الرجل منهم في سبعين ألفا من أهل بيته وجيرته»(١) .

وهناك نكتة تستحق الاهتمام ، وهي أنّ للشهادة في ثقافة الإسلام معنيين مختلفين : معنى «خاص» ، وآخر «عام» واسع.

أمّا الخاص فهو القتل في سبيل الله في معركة الجهاد ، وله أحكامه الخاصة في الفقه الإسلامي ، ومن جملتها أنّ الشهيد لا يغسل ولا يكفن ، بل يدفن بثيابه ودمائه إذا توفي في ميدان المعركة!!

أمّا المعنى العام الواسع للشهادة ، فهو أن يقتل الإنسان في طريق تأدية الواجب الإلهي ، فإنّ كلّ من يرحل عن الدنيا وهو في حالة أداء هذا الواجب يعد شهيدا ، ولذلك ورد في الروايات الإسلامية أنّ عدة فئات يغادرون الدنيا وهم شهداء :

١ ـ روي عن نبي الإسلام الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا جاء الموت طالب العلم وهو على

٣٢٩

هذا الحال مات شهيدا»(١) .

٢ ـ يقول أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «من مات على فراشه وهو على معرفة حق ربّه ، وحق رسوله وأهل بيته ، مات شهيدا»(٢) .

٣ ـ نقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «من قتل دون ماله فهو شهيد»(٣) .

وكذلك آخرون يقتلون في طريق الحق ، أو يموتون فيه ، ومن هنا تتّضح عظمة ثقافة الإسلام هذه ، ومدى سعتها.

وننهي هذا البحث بحديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّل من يدخل الجنّة الشهيد»(٤) .

٢ ـ أهداف القتال في الإسلام

إنّ القتال لا يعتبر في الإسلام قيمة من القيم ، بل يعتبر ضد القيم من جهة كونه باعثا على الخراب والتدمير ، وإزهاق الأنفس ، وإهدار القوى والإمكانيات التي يمكن أن تسخّر لخدمة الإنسان وسعادته ورفاهه ، ولذلك جعل في بعض الآيات القرآنية في مصاف العقوبات الإلهية ، فنرى الآية (٦٥) من سورة الأنعام تقول :( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) .

فقد اعتبر القتال هنا بمثابة الصاعقة والزلزلة والابتلاءات الأرضية والسماوية ، ولذلك فإنّ الإسلام يمتنع عن القتال والحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

أمّا إذا تعرّض وجود الأمّة للخطر ، أو أنّ أهدافه المقدّسة السامية أصبحت

__________________

(١) سفينة البحار ، المجلد الأول ، مادة شهد.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٠ ، آخر الخطبة.

(٣) سفينة البحار ، المجلد الأول ، مادة شهد.

(٤) بحار الأنوار ، المجلد ٧١ ، صفحة ٢٧٢.

٣٣٠

مهددة بالسقوط ، فإنّ القتال هنا يعتبر قيمة سامية ، ويكتسب عنوان الجهاد في سبيل الله ، ولذلك توجد في الإسلام أنواع من الجهاد : الجهاد الابتدائي ، المحرر للأمم ، والجهاد الدفاعي ، والجهاد من أجل إخماد نار الفتنة والشرك والوثنية ، وقد أوردنا تفصيلها في موضع آخر(١) .

بناء على هذا فإنّ الجهاد الإسلامي على خلاف ما يدّعيه أعداء الإسلام من أنّه يعني فرض العقيدة على الآخرين ، بل إنّ العقيدة المفروضة لا قيمة لها في الإسلام ، لكن الجهاد يتعلق بالموارد التي يشن فيها العدو الحرب ضد الأمّة الإسلامية ، أو عند ما يسلبها الحريات التي منحها الله إيّاها ، أو أنّه يريد أن يهدر حقوقها ويصادرها ، أو أنّ ظالما قد أخذ بأنفاس مظلوم فيجب على المسلمين حينئذ أن يهبوا لنصرة المظلوم ، حتى وإن أدّى الأمر إلى قتال القوم الظالمين.

وقد عكست الآيات السابقة هذا المعنى في عبارة لطيفة وجيزة ، حينما تقول :( ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ) وعلى هذا فإنّ الحرب هي حرب بين الحق والباطل ، لا أنّها وسيلة لتكوين الدولة ، ومحاولة توسيع رقعتها ، والإغارة على أموال الآخرين ، والتسلّط وإعمال القوة والإرهاب.

ولهذا السبب ـ أيضا ـ قرأنا في الرواية التي أوردناها في تفسير هذه الآيات أنّ نار الحرب لن تخمد في المجتمع الإنساني إلّا بعد القضاء على الدجّالين ، وتطهير الأرض من دنسهم.

وهنا نكتة تستحق الانتباه ، وهي أنّ الإسلام قد أكّد على مسألة التعايش السلمي مع أتباع الأديان السماوية الأخرى ، وقد وردت في الآيات والرّوايات والفقه الإسلامي بحوث مفصلة في هذا الباب تحت عنوان (أحكام أهل الذمّة) فإذا كان الإسلام يؤيّد فرض العقيدة والإكراه عليها ، ويتوسّل بالقوة والسيف من أجل

__________________

(١) التّفسير الأمثل ، ذيل الآية ١٩٣ من سورة البقرة.

٣٣١

تحقيق أهدافه ، فأي معنى إذن لقانون أهل الذمّة والتعايش السلمي؟

٣ ـ أحكام أسرى الحرب

قلنا : يجب على المسلمين أن لا يفكروا في أسر أفراد العدو إلّا بعد هزيمة العدو الكاملة واندحاره التام ، لأنّ هذا التفكير والانشغال بالأسرى قد يتضمّن أخطارا جسيمة.

غير أنّ أسلوب الآيات ـ مورد البحث ـ يدل على وجوب الإقدام على أسر أفراد العدو بعد هزيمته ، فالآية تقول :( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) ثمّ تضيف :( حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ) وعلى هذا يجب أسرهم بدل قتلهم بعد الإنتصار عليهم ، وهو أمر لا بدّ منه ، لأنّ العدو إذا ترك وشأنه فمن الممكن أن ينظم قواه مرّة أخرى ليهجم على المسلمين من جديد.

إلّا أنّ الحال يختلف بعد الأسر ، إذ يكون الأسير أمانة إلهية بيد المسلمين رغم كلّ الجرائم التي ارتكبها ، ويجب أن تراعى فيه حقوق كثيرة.

إنّ القرآن يمجد أولئك الذين آثروا الأسير على أنفسهم ، وقدّموا له طعامهم ، فيقول :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) وهذه الآية ـ طبقا لرواية معروفة ـ نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، إذ كانوا صائمين وأعطوا إفطارهم لمسكين مرّة وليتيم أخرى ، لأسير ثالثة.

وحتى الأسرى الذين يقتلون بعد الحرب استثناء ، إمّا لكونهم خطرين ، أو لارتكابهم جرائم خاصّة ، فإنّ الإسلام أمر أن يحسن إليهم قبل تنفيذ الحكم بحقّهم ، كما نرى ذلك في حديث عن عليعليه‌السلام : «إطعام الأسير والإحسان إليه حق واجب ، وإنّ قتلته من الغد»(١) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلد ١١ ، صفحة ٦٩.

٣٣٢

والأحاديث في هذا الباب كثيرة(١) ، حتى أنّه ورد في حديث عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال : «إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي وليس معك محمل فأرسله ولا تقتله ، فإنّك لا تدري ما حكم الإمام فيه»(٢) .

بل ورد في التأريخ في أحوال أئمة أهل البيتعليهم‌السلام أنّهم كانوا يطعمون الأسرى من نفس الطعام الذي كانوا يتناولونه.

إلّا أنّ حكم الأسير ـ وكما قلنا في تفسير الآيات ـ بعد انتهاء الحرب أحد ثلاثة : إمّا إطلاق سراحه من دون قيد أو شرط ، أو إطلاق سراحه مقابل دفع غرامة مالية هي الفدية ، أو استرقاقه ، واختيار أحد هذه الأمور الثلاثة منوط بنظر إمام المسلمين ، فهو الذي يختار ما يراه الأصلح بعد الأخذ بنظر الإعتبار ظروف الأسرى ، ومصالح الإسلام والمسلمين من الناحية الداخلية والخارجية ، وبعد ذلك يأمر بتنفيذ ما اختاره.

بناء على هذا ، فليس لأخذ الفدية أو الاسترقاق صفة الإلزام والوجوب ، بل هما تابعان للمصالح التي يراها إمام المسلمين ، فإذا لم تكن مصلحة فيهما فله أن يغض النظر عنهما ، ويطلق سراح الأسرى دون طلب الفدية.

وقد بحثنا حول فلسفة أخذ الفدية بصورة مفصلة لدى تفسير الآية ٧٠ من سورة الأنفال.

٤ ـ الرق في الإسلام

بالرغم من أنّ مسألة «استرقاق أسرى الحرب» لم ترد في القرآن المجيد كحكم حتمي ، لكن لا يمكن إنكار ورود أحكام في القرآن فيما يتعلق بالعبيد ، وهي تثبت وجود أصل الرقية حتى في زمان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدر الإسلام ، كالأحكام المتعلقة

__________________

(١) يراجع فروع الكافي ، المجلد ٥ ، صفحة ٣٥ ، باب الرفق بالأسير وإطعامه.

(٢) المصدر السابق.

٣٣٣

بالزواج من العبيد ، أو كونهم محرما ، أو مسألة المكاتبة (وهي اتفاق يتحرر بموجبه العبد بعد أدائه مبلغا من المال يتفق عليه) وقد وردت هذه الأحكام في آيات عديدة من القرآن في سورة النساء ، النحل ، المؤمنون ، النور ، الروم ، والأحزاب.

وهنا يعترض البعض على الإسلام بأنّه : لماذا لم يلغ هذا الدين الإلهي مسألة الرق تماما مع ما يحتويه من القيم الإنسانية السامية ، ولم يعلن تحرير كلّ العبيد من خلال إصدار حكم قطعي؟!

صحيح أنّ الإسلام أوصى كثيرا بالرقيق ، إلّا أنّ المهم هو تحريرهم بدون قيد شرط ، فلما ذا يكون الإنسان مملوكا لإنسان آخر مثله ، ويفقد الحرية التي هي أعظم عطايا الله سبحانه؟!

الجواب :

يجب القول في جملة موجزة : إنّ للإسلام برنامجا دقيقا مدروسا لتحرير العبيد ، تؤدي نهايته إلى تحرير جميع العبيد تدريجيا ، دون أن يكون لهذه الحرية ردّ فعل سلبي في المجتمع.

وقبل أن نتناول توضيح هذه الخطة الإسلامية الدقيقة ، نرى لزاما ذكر عدة نقاط كمقدمة :

١ ـ الإسلام لم يكن المبتدع للرق مطلقا ، بل إنّه لمّا ظهر كانت مسألة العبودية والرقيق قد عمّت أرجاء العالم ، وكانت معجونة بظلام المجتمعات البشرية وبوجودها ، بل استمرت مسألة الرقيق في كلّ المجتمعات حتى بعد الإسلام أيضا ، وبقيت مستمرة حتى قبل مائة عام حيث بدأت ثورة تحرير الرقيق ، حيث لم تعد مسألة الرقيق مقبولة بشكلها القديم نتيجة اختلاف نظام حياة البشر ، وتغيره عمّا كان عليه.

إنّ إلغاء العبودية بدأ من أوربا ، ثمّ اتسع في سائر الدول ومن جملتها أمريكا

٣٣٤

وآسيا.

لقد استمر الرق في إنجلترا حتى سنة ١٨٤٠ ، وفي فرنسا حتى سنة ١٨٤٨ ، وفي هولندا إلى سنة ١٨٦٣ ، وفي أمريكا إلى سنة ١٨٦٥ ، ثمّ عقد مؤتمر بروكسل فأصدر قرارا بإلغاء الرق في أنحاء العالم ، وكان ذلك سنة ١٨٩٠ ، أي قبل أقل من مائة عام.

٢ ـ تغيير شكل الرق في دنيا اليوم : صحيح أنّ الغربيين كانوا قد سبقوا إلى إلغاء الرق ، إلّا أنّنا عند ما نحقق في المسألة بدقة ، نرى أنّ الرق لم تقتلع جذوره ، بل إنّه تحور من حالة إلى أخرى أخطر وأكثر رعبا ، أي إنّه اتخذ شكل استعمار الشعوب ، واسترقاق المستعمرات ، بحيث كلما ضعف الرق الفردي قوي الاسترقاق الجماعي والاستعمار ، فإنّ الإمبراطورية البريطانية التي كانت سبّاقة إلى إلغاء الرق ، تعتبر السبّاقة أيضا في استعمار الشعوب.

إنّ الجرائم التي ارتكبها المستعمرون الغربيون طوال مدة استعمارهم لم تكن أقل من جرائم مرحلة العبودية ، بل كانت أوسع وأشدّ إجراما.

وحتى بعد تحرر المستعمرات ، فإنّ استعباد الأمم قد استمر ، لأنّ هذه الحرية كانت حرية سياسية ، أمّا الاستعمار الاقتصادي والثقافي فلا يزال حاكما في كثير من المستعمرات التي نالت حريتها ، وغيرها.

وأمّا الدول الشيوعية التي نادت قبل الجميع بإلغاء العبودية ، واتخذتها ذريعة في ثورتها ، فإنّها بالذات مبتلاة بنوع من الاسترقاق العام الذي يندى له الجبين ، فإنّ الشعوب التي تعيش في ظل هذه الدول تكون كالعبيد تماما لا يملكون من أمرهم شيئا ، ويعيّن أعضاء الحزب الشيوعي كلّ مقدراتهم وما يتعلق بشؤون حياتهم ، وإذا ما أبدى أحد وجهة نظر مخالفة فإمّا أن يرسل إلى المخيّمات الإجبارية ، أو يلقى في دهاليز السجون ، وإذا كان من العلماء فإنّه يبعث إلى دار المجانين باعتباره مختل العقل ومصابا بمرض نفسي وعصبي.

٣٣٥

والخلاصة : إنّ الرق لا يتبع الاسم ، فإنّ القبيح والمرفوض هو محتوى الرق ، ونحن نعلم أنّ مفهوم الرق قائم في الدول الاستعمارية والدول الشيوعية بأسوأ أشكاله.

والنتيجة : إنّ إلغاء الرق في العالم كان صوريا ، ولم يكن في الحقيقة إلّا تبديل للصورة والشكل الظاهري.

٣ ـ مصير الرقيق المؤلم في الماضي

لقد كان للرقيق على مرّ التاريخ مصير مؤلم جدّا ، ولنأخذ على سبيل المثال عبيد الرومان ـ باعتبارهم قوما متمدنين ـ كنموذج ، فإنّهم ـ على حدّ قول كاتب «روح القوانين» ـ كانوا تعساء بحيث لم يكونوا عبيدا لفرد ، وإنّما كانوا يعتبرون عبيدا لكل المجتمع ، وكان باستطاعة كلّ شخص أن يعذّب عبده ويؤذيه كما يحلو له دون خوف من القانون. لقد كانت حياة أولئك أسوأ من حياة الحيوانات في الواقع.

لقد كان الكثير من الرقيق يموتون في الفترة بين اصطيادهم من المستعمرات الأفريقية وحتى عرضهم في الأسواق للبيع ، وما تبقى منهم كان يتخذ وسيلة للاستغلال في العمل. وكان تجار العبيد الطامعون لا يعطونهم من الغذاء إلّا ما يبقيهم أحيآء وقادرين على العمل ، أمّا عند كبرهم وعجزهم وابتلائهم بأمراض يصعب علاجها ، فإنّهم كانوا يتركونهم وشأنهم ليسلموا الروح بشكل أليم. ولذلك كان اسم الرق يقترن بسيل من الجرائم المرعبة على مرّ التاريخ.

وباتضاح هذه النكات نعود إلى خطة الإسلام في تحريره العبيد تدريجيا ، ونتناولها بصورة مختصرة.

٤ ـ خطة الإسلام لتحرير العبيد

إنّ ما يغفل عنه غالبا هو أنّ ظاهرة سلبية إذا توغّلت في مفاصل المجتمع ،

٣٣٦

فهناك حاجة إلى فترة زمنية لاقتلاع جذورها ، ولكلّ حركة غير مدروسة ردّ فعل سلبي ، تماما كما إذا ابتلي إنسان بمرض خطير ، وقد استفحل هذا المرض في بدنه ، أو من اعتاد على تناول المخدرات لعشرات السنين حتى تطبع على هذه الطبيعة المستهجنة ، ففي هذه الموارد يجب الاعتماد على برامج زمنية لعلاجه قد تطول وقد تقصر.

ونقول بأسلوب أكثر صراحة : لو أنّ الإسلام كان قد أصدر أمرا عاما بتحرير كل العبيد ، فربّما كان الضرر أكثر ، وقد يهلك منهم عدد أكثر ، لأنّ الرقيق كانوا يشكلون نصف المجتمع أحيانا ، وليس لهم عمل مستقل يتكسبون به ، ولا دار أو ملجأ ، أو وسيلة ما لإدامة الحياة.

إنّ هؤلاء لو تحرّروا في ساعة معينة من يوم معين فستظهر على الساحة فجأة جماعة عظيمة عاطلة عن العمل ، وعندها ستكون حياتهم مهددة وربّما أدّى إلى إرباك نظام المجتمع ، وعند ما يلح عليه الحرمان فسيجد نفسه مضطرا إلى الهجوم على ممتلكات الآخرين ، فتنشب الصراعات والاشتباكات ونزف الدماء.

هنا ندرك الغاية من التحرير التدريجي ، وذلك ليستوعبهم المجتمع ولا يشمئز منهم ، وحينئذ سوف لا تتعرض أرواحهم للخطر ، كما لا يتهدد أمن المجتمع ، وقد اتبع الإسلام هذا البرنامج الدقيق تماما.

إنّ تطبيق وترجمة هذا البرنامج الإنساني على أرض الواقع العملي له قواعد كثيرة نذكر هنا رؤوس نقاطها بصورة موجزة وكفهرس ، أمّا تفصيلها فيحتاج إلى كتاب مستقل :

المادة الأولى : غلق مصادر الرق

لقد كان للرق على طول التاريخ أسباب كثيرة ، فلم يقتصر الاستبعاد على أسرى الحرب ، والمدينين الذين يعجزون عن أداء ديونهم ، حيث كانت القوّة

٣٣٧

والغلبة تبيح الاسترقاق والاستعباد ، بل إنّ الدولة القوية كانت ترسل فرق من جيوشها وهم مدجّجون بأنواع الأسلحة إلى الدول الأفريقية المتخلفة وأمثالها ، ليأسروا شعوب تلك الدول جماعات جماعات ، ثمّ يرسلونهم بواسطة السفن إلى أسواق بلدان آسيا وأوربا.

لقد منع الإسلام كلّ هذه المسائل ، ووقف حائلا دونها ، ولم يبح الاسترقاق إلّا في مورد واحد ، وهو أسرى الحرب ، وحتى هذا لم يكن يتصف بالوجوب والإلزام ، بل إنّ الإسلام قد أجاز ـ وكما قلنا في تفسير الآيات المذكورة ـ إطلاق سراح الأسرى مقابل فدية يؤدّونها تبعا لمصلحة الإسلام والمسلمين.

ولم تكن في تلك الأيام سجون يسجن فيها أسرى الحرب حتى يتبيّن وضعهم وماذا يجب فعله معهم ، بل كان الطريق الوحيد هو تقسيمهم بين العوائل ، والاحتفاظ بهم كرقيق.

من البديهي أنّ هذه الظروف إذا تغيّرت فلا دليل على أنّ إمام المسلمين ملزم بأن يرضى برق الأسرى ، بل هو قادر على تحريرهم إمّا منّا أو فداء ، لأنّ الإسلام خيّر الإمام المسلمين في هذا الأمر ، كي يقدم على اختيار الأصلح من خلال مراعاة المصلحة ، وبهذا فإنّ مصادر الرق الجديدة قد أغلقت في الإسلام.

المادة الثانية : فتح نافذة الحرية

لقد وضع الإسلام برنامجا واسعا لتحرير العبيد ، بحيث أنّ المسلمين لو عملوا بموجبه فإنّ كلّ العبيد كانوا سيتحررون في مدة وجيزة وبصورة تدريجية ، وكان المجتمع سيستوعبهم ويؤمّن لهم ما يحتاجونه من اللوازم الحياتية ، من عمل ومسكن وغير ذلك.

وإليك رؤوس نقاط هذا البرنامج :

٣٣٨

أ ـ إنّ أحد الموارد الثمانية لصرف الزكاة في الإسلام شراء العبيد وعتقهم(١) ، وبهذا فقد خصصت ميزانية دائمية في بيت المال لتنفيذ هذا الأمر ، وهي مستمرة حتى إعتاق العبيد جميعا.

ب ـ ولتكميل هذا المطلب وضع الإسلام أحكاما يستطيع العبيد من خلالها أن يعقدوا اتفاقيات مع مالكيهم ، على أن يؤدّوا إليهم مبلغا من المال يتفق عليه مقابل الحصول على حريتهم. وقد جاء في الفقه الإسلامي فصل في هذا الباب تحت عنوان المكاتبة(٢) .

ج ـ إنّ عتق العبيد يعتبر أحد أهم العبادات والأعمال الصالحة في الإسلام ، وقد كان أئمة أهل البيتعليهم‌السلام من السابقين في هذا المضمار ، حتى كتبوا في أحوال عليعليه‌السلام أنّه أعتق ألف مملوك من كد يده(٣) .

د ـ لقد كان أئمة أهل البيتعليهم‌السلام يعتقون العبيد لأدنى عذر ليكونوا قدوة للآخرين ، حتى أنّ أحد غلمان الإمام الباقرعليه‌السلام عمل عملا صالحا ، فقال له الإمام : «اذهب فأنت حر ، فإنّي أكره أن أستخدم رجلا من أهل الجنّة»(٤) .

وجاء في أحوال الإمام السجاد علي بن الحسينعليه‌السلام ، أنّ جارية كانت تسكب عليه الماء ، فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت :( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ) ، قال : «قد كظمت غيظي» قالت :( وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ، قال : «عفا الله عنك» ، قالت :( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) قال : «فاذهبي فأنت حرّة لوجه الله»(٥) .

ه ـ ورد في بعض الرّوايات الإسلامية أنّ العبيد يتحرّرون تلقائيا بعد مرور سبع سنين ، ففي رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «من كان مؤمنا فقد عتق بعد سبع سنين ،

__________________

(١) التوبة ، الآية ٦٠.

(٢) كان لنا بحث مفصل حول المكاتبة وأحكامها الرائعة في ذيل الآية (٣٤) من سورة النور.

(٣) بحار الأنوار ، المجلد ٤١ ، صفحة ٤٣.

(٤) الوسائل ، المجلد ١٦ ، صفحة ٣٢.

(٥) نور الثقلين ، المجلد ١ ، ص ٣٩٠.

٣٣٩

أعتقه صاحبه أم لم يعتقه ، ولا يحل خدمة من كان مؤمنا بعد سبع سنين»(١) .

وروي في هذا الباب حديث من النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «ما زال جبرئيل يوصيني بالمملوك حتى ظننت أنّه سيضرب له أجلا يعتق فيه»(٢) .

و ـ إذا كان العبد مشتركا بين اثنين ، وأعتق أحدهما نصيبه ، وجب عليه شراء نصيب شريكه وأعتقا العبد(٣) .

وإذا أعتق مالك العبد بعضه سرت الحرية إلى باقيه فيعتق جميعه(٤) .

ز ـ إذا ملك إنسان أباه ، أو أمّه ، أو أجداده ، أو أبناءه ، أو عمّه ، أو عمّته ، أو خاله ، أو خالته ، أو أخاه ، أو أخته ، أو ابن أخيه ، أو ابن أخته ، فإنّهم يعتقون فورا.

ح ـ إذا استولد المالك جاريته فلا يجوز بيعها ، وتعتق من سهم ولدها من الميراث. وقد كان هذا الأمر سببا في عتق الكثير من العبيد ، لأنّ الجواري كن بمنزلة زوجات مالكيهن ، وكان لهن أولاد منهم.

ط ـ لقد جعل عتق العبيد كفارة لكثير من الذنوب من الإسلام ، ككفارة القتل الخطأ ، وكفارة ترك الصوم عمدا ، وكفارة اليمين ، وغيرها.

ي ـ إذا عاقب المالك عبده ببعض العقوبات الشديدة ، فإنّ العبد ينعتق تلقائيا(٥) .

المادة الثالثة : إحياء شخصية الرقيق

عند ما كان العبيد يطوون مسيرهم نحو الحرية طبقا لبرنامج الإسلام الدقيق ، أقدم الإسلام على خطوات واسعة لإحياء حقوقهم وشخصيتهم الإنسانية ، حتى أنّه

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلد ١٦ ، صفحة ٣٦.

(٢) المصدر السابق ، صفحة ٣٧.

(٣) الشرائع ، كتاب العتق ، وسائل الشيعة ، المجلد ١٦ ، صفحة ٢١.

(٤) الشرائع ، كتاب العتق.

(٥) وسائل الشيعة ، المجلد ١٦ ، صفحة ٢٦.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419