الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان0%

الشيعة في الميزان مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 419

الشيعة في الميزان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
تصنيف: الصفحات: 419
المشاهدات: 137782
تحميل: 8519

توضيحات:

الشيعة في الميزان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137782 / تحميل: 8519
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تاريخ الشيعة، ولما نقله السيد الأمين عن مجالس المؤمنين، وللدكتور فيليب حتي في كتابه «لبنان في التاريخ»، قال الأمين في الجزء الأول من الأعيان:

«جاء في مجالس المؤمنين أن تجلي أنوار الرحمة الإلهية شامل لأهل جبل عامل، ونور المحبة من نواحي إيمانهم ظاهر، ولا توجد قرية من قراه لم يخرج منها جماعة من الفقهاء والفضلاء الإمامية، وجميع أهله من الخواص والعوام، والوضيع والرفيع يجدون في تعليم وتعلم المسائل الاعتقادية، والأحكام الفرعية على طبق مذهب الإمامية، وفي التقوى والمروءة والفقر والقناعة، يقتدون بطريقة مولاهم المرضية، ومع تسلط الغير عليهم لهم همة في نشر مذهبهم».

أما الشيخ المظفر فقد خص العامليين بعديد من الصفحات نقتطف منها ما يلي:

«جد العامليون في تحصيل علم أهل البيت (ع)، حتى بالهجرة إلى إيران والعراق، فتخرج منهم علماء استفاد الشيعة بمؤلفاتهم إلى اليوم، وطبقوا البلاد شهرة وصيتاً. وقال الشيخ الحر صاحب أمل الآمل: «سمعت من بعض مشائخنا أنه اجتمع في جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهداً في عصر الشهيد الثاني وما قاربه. وهذا في ذاك العصر، أما بعده، حتى اليوم فقد انجبت جبل عامل أفاضل وعلماء يعسر استقصاؤهم، ويوجد فيهم اليوم مراجع للتقليد، وفيهم من له الميزة في الدفاع عن مذهب آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وقال الدكتور حتي في «لبنان في التاريخ» ص ٤٩٨ طبعة ١٩٥٩(١) :

«إن حجباً كثيفة تحجب عنا حياة الشيعة في لبنان، ولكن من وراء هذه الحجب تبرز أمامنا ناحية مشرقة، لها مغزاها البعيد(٢) وتدل على أن هذه الجالية لم تقطع أسباب العلم، بل احتفظت به على صعيد عالٍ عند منصرم القرن السادس عشر، عندما جعل الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية في إيران دين الدولة الرسمي المذهب الشيعي، وجد أنه من العسير أن يوفر للناس أئمة يعلمونهم حقيقة المعتقد، ويرسخون مبادئه في نفوسهم. ووجد أيضاً أن الكتب غير متوافرة، فعمد إلى ملء الفراغ باستحضار علماء الشيعة من لبنان - أي من جبل

_____________________

(١) طبع الكتاب بالإنكليزية، وترجم إلى العربية.

(٢) المغزى البعيد هو الذي تساءلنا عنه فيما تقدم.

١٨١

عامل - وقد غادر لبنان جمهور من أولئك العلماء، وذهبوا إلى إيران بدعوة أو بغير دعوة، وقد كان من جملة من ذهب حسين العاملي الذي غادر جبل عامل عندما قتل الأتراك أستاذه زين الدين الذي أصبح يعرف بين قومه بالشهيد الثاني.

وكان الشهيد الأول شمس الدين العاملي الذي قتل في دمشق سنة ١٣٨٤ م بموجب فتويين أصدرهما القاضي المالكي، والقاضي الشافعي، وكان حسين قد أخذ معه ابنه الأصغر بهاء الدين العاملي - الشيخ البهائي - وقد فاق أباه علماً وشهرة، فإنه كان فقيهاً وفيلسوفاً وعالماً في الرياضيات، وقد رفع إلى رتبة شيخ الإسلام حيث كان من ألمع الشخصيات في بلاط الشاه عباس».

بعلبك:

قال السيد الأمين: لا يعلم مبدأ التشيع في بعلبك، وكان يغلب عليها التسنن، وفي أيام الحرافشة غلب التشيع على أهلها.

وقال الشيخ المظفر: هي اليوم مع سائر قراها وضواحيها تعد من بلاد الشيعة الشهيرة بالتشيع، وشيعتها تناهز الشيعة في جبل عامل كثرة(١) غير أنها لا تضاهيها في المعارف الدينية، فإنه لا يزال في النجف الأشرف من العامليين المهاجرين لطلب العلم ما يناهز الثمانين طالباً. ولا يوجد من البلاد البعلبكية أكثر من اثنين أو ثلاثة».

جبل لبنان:

ويحده شمالاً طرابلس، وجنوباً جبل عامل، وغرباً بيروت والبحر، وشرقاً بعلبك والبقاع، ويدخل فيه كسروان وضواحي بيروت، وهي برج البراجنة، وبرج حمود، والغبيري، والشياح، ويربو عدد الشيعة في بيروت وضواحيها وكسروان على ١٥٠ ألفاً، أما عددهم في مجموع لبنان فلا يقل عن نصف مليون، ولشيعة جبل لبنان نائبان في البرلمان ولشيعة بيروت نائب واحد.

_____________________

(١) شيعة جبل عامل ثلاثة أضعاف شيعة بعلبك من حيث العدد، والآن يمثل شيعة بعلبك في البرلمان أربعة نواب، ويمثل شيعة جبل عامل أحد عشر نائباً.

١٨٢

تبت:

قال السيد الأمين: فيها عدد كبير من الشيعة، وفيهم علماء يتعلمون العلوم الدينية في الهند وفي النجف الأشرف، ورأيت بعض حجاجهم بدمشق، فسألتهم عن حال الشيعة عندهم، فقالوا: إن عددهم يزيد آناً فآناً.

حمص:

ومنها الشاعر الشهير ديك الجن، وكان شيعياً، توفي سنة ٢٣٥ هجري، ويدل هذا على أن التشيع دخلها منذ زمن وقال السيد الأمين: وفي عصرنا هذا تشيع جماعة كثيرون منهم لأنفسهم بأنفسهم، ويوجد حوالي حمص عدة قرى، أهلها شيعة إمامية، منها الغور، والدلبوز، وتل الأغر، وغيرها.

حلب:

قال السيد الأمين: دخلها التشيع قبل عهد الحمدانيين، وانتشر وقوي على عهدهم، ثم توالى حكام الجور على حلب، واشتد ضغطهم وفتكهم بالشيعة، وأغروا بالشيعة السفلة من السنة، حتى فعلوا من المخازي والقبائح ما تسود له وجه الإنسانية، ويخجل القلم عن نقله. وكان ابتداء الضغط أوائل القرن السادس، واشتد في القرن السابع، وتناهى في القرن العاشر، حتى لم يعد أحد يجهر بالتشيع خوفاً على دمه وعرضه، وماله، ولم يزال يوجد في حلب عدة بيوت معلومة يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع، ويوجد في جهات حلب قرى، أهلها شيعة من قديم الزمان إلى اليوم، وهي الفوعة، ونبل، والنغاولة، وكفريا.

الكويت وعمان ومسقط:

للشيعة بالكويت كلمة مسموعة، وتأثير بالغ، ولهم قاضٍ شرعي خاص بهم يختاره المرجع في النجف الأشرف، وتعينه الحكومة بناء على اختياره، ولهم العديد من الحسينيات، ويقصدهم أهل العلم من العراق وجبل عامل، أما عمان ومسقط ودبي فقال الشيخ المظفر: إن فيها الكثير من الشيعة، ولهم الحرية المذهبية الكاملة، ولا يزال بين ظهرانيهم أفراد من أبناء العلم للإرشاد وتعليم الأحكام، ويفد عليهم كثير من رجال الدين، وأرباب المنابر الحسينية.

١٨٣

الحجاز:

يوجد شيعة في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، حتى الآن، ومن القبائل الشيعية في الحجاز بنو جهم، وبنو علي، وبعض بني عوف، كما يوجد في رساتيقها كالعوالي.

اليمن:

أسلم أهل اليمن في أيام الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى يد علي أمير المؤمنين، وبني أول مسجد في اليمن باسمه، وقال ابن عباس للحسين (ع) حين أراد الخروج إلى العراق: اذهب إلى اليمن، فإن لأبيك بها شيعة، وقال الإمام يمدح قبيلة همدان اليمنية:

ولو كنت بواباً على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلي بسلام

وخرج من العلويين أكثر من واحد في اليمن، وفيها كثير من الاثني عشرية، وأكثر أهلها من الزيود.

روسيا والصين:

قال الشيخ المظفر: يبلغ عدد الشيعة في الصين ١١ مليوناً، وفي روسيا ١٠ ملايين.

الهند:

يرجع الفضل في انتشار التشيع في بلاد الهند إلى الصفويين، وعن بعض المستشرقين أنه لولا الأقدار التي جنت على الصفويين لكانت السلطة في الهند اليوم بيد الشيعة. قال الشيخ المظفر: ليس في الهند بلد إلا وفيه ناس من الشيعة، وهناك بلاد تختص بهم، وأخرى هم الأكثرية فيها، وهذه أسماء بعض تلك البلاد: لكنهور، وهي المرجع الوحيد للاثني عشرية، ولهم فيها مدارس وكليات وجامعات، وجانبور، وأمروها، وبنتا، وإله باد، ومظفر بور، ولاهور، وبنجاب، وبنارس، وفيض آباد، وسهارن بور، وغيرها كثير.

١٨٤

طرابلس وبنو عمار:

بنو عمار شيعة، وأصلهم من المغرب، جاءوا منها إلى مصر مع الفاطميين، وتولوا الإمارة والقضاء في طرابلس الشام من قِبَل الحاكم الفاطمي، وبقيت بأيديهم نحواً من ٨٠ سنة، حتى انتزعها منهم الصليبيون سنة ٥٠٢ هجري، وكان أهلها في ذلك العصر شيعة اثني عشرية، قال المستشرق آدم متز في الجزء الأول من «الحضارة الإسلامية »: «وإذا كان ناصر خسرو قد وجد أهل طرابلس في عام ٤٢٨ هجري شيعة فقد جاء ذلك من أن بني عمار كانوا هناك على مذهب التشيع».

أما المؤسس لإمارة بني عمار في طرابلس فهو أبو طالب أمين الدولة بن عمار أعلن نفسه حاكماً على المدينة حين توفي الحاكم الفاطمي، وأنشأ مكتبة تحوي مائة ألف مجلد، واستمال طلاب العلم إلى عاصمته، فكان عمله هذا شبيهاً بما قام به سيف الدولة في حلب، وكان من جملة من قصد مكتبته أبو العلاء المعري، وهكذا بلغت طرابلس أثناء حكم بني عمار الذروة في الشهرة العلمية، وفي الازدهار الاقتصادي.

ومن علماء الشيعة الطرابلسيين القاضي الشيخ عبد العزيز بن البراج، تلميذ السيد المرتضى والشيخ الطوسي، وله مؤلفات جليلة، منها المهذب، والموجز والكامل والجواهر وعماد المحتاج. ثم انعدم التشيع من طرابلس، بسبب الضغط والاضطهاد، ويوجد في نواحيها اليوم بعض القرى الشيعية(١) .

أندنوسيا:

وفيها اليوم عدة ملايين من الشيعة الاثني عشرية، ويكاتبون ويستفتون علماء العراق وإيران وجبل عامل، وفي العام الماضي طلبوا من المرجع في النجف الأشرف عالماً يعلمهم الدين وأحكامه، فاختار لهم بعض الفضلاء، وهو

_____________________

(١) أعيان الشيعة ج ٢٢، والكنى والألقاب للقمي، ولبنان في التاريخ لفيليب حتي، والكامل لابن الأثير ج ٨، والنجوم الزاهرة ج ٧، والحضارة الإسلامية لآدم متز.

١٨٥

اليوم يقيم بين ظهرانيهم، وفقه اللّه وأخذ بيده، وفي سنة ١٩٥٦ زارني أحدهم، وحدثني مفصلاً عن حياتهم ومحافظتهم على الشعائر المذهبية، وبخاصة إقامة العزاء لسيد الشهداء.

بلدان أخرى:

وهناك بلدان أخرى غير هذه لم يذكرها صاحب الأعيان، وصاحب تاريخ الشيعة، رغم أنهما بحثا وتتبعا المصادر العربية والأجنبية. ذلك أن الطرق الفنية للإحصاء لم تتهيأ لهما، ولا لغيرهما، حتى الآن ولا مستند لهما إلا الكتب الموضوعة منذ القديم في أحوال الأقاليم، أو السماع من عابر. وبديهة أن تلك الكتب لا تتضمن الأخبار عن جميع البلدان وعدد السكان، وأديانها ومذاهبها.

أما الأخذ بقول قائل والسماع من عابر فلا يغني عن الحق فإن الذين يعرفون عدد السكان في بلدهم أقل من القليل - إن صح التعبير - فأنا الآن أقيم في بيروت منذ ١٥ سنة، ولا أعرف عدد سكانها على التحقيق، وسكنت قبلها بقرية صغيرة ١٠ سنوات. وبقيت طوال هذه المدة أجهل عدد أهلها إلا على سبيل التقريب.

ولقد قرأت الكثير عن الجزائر، وما رأيت ولا سمعت من أحد أن فيها شيعة، حتى أخبرني من لا أشك بصدقه أن في جبالها، وسائر جبال البربر قبائل من الشيعة، وأنه اجتمع بأحدهم، وتوطدت الصداقة والعلاقة بينه وبينه. وأخبره عن أحوالهم وعاداتهم. وأيضاً أخبرني أكثر من واحد أنه يوجد في السودان شيعة، وفي سنة ١٩٦٢ مر ببيروت حجاج من السودانيين، ورأيتهم يبحثون في مكاتبها التجارية عن الكتب الشيعية، فساعدتهم وأهديتهم بعضها، فسروا وشكروا.

وفي آخر الجزء الأول من أعيان الشيعة نقلاً عن كتاب حاضر العالم الإسلامي ودائرة المعارف الإسلامية أن بلداً في إفريقيا يدعى هرار كان تابعاً لمصر سنة ١٨٧٥، ثم تبع الحبشة سنة ١٨٨٧ جميع أهله شيعة، ويبلغ عددهم ٥٠ ألفاً، وغير بعيد أن يكون هؤلاء من الإسماعيلية المنحرفة، لا من الشيعة الإمامية، قال أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق ص ٥٤٩:

١٨٦

«انتشر الشيعة في وسط إفريقيا في البلاد الإسلامية، كنجيريا، وبلاد الصومال، وبلاد السنغال، وغيرها من البلاد الإفريقية، وأكثر هؤلاء من الإسماعيلية المنحرفة، وليسوا من الاثني عشرية، ولا من طائفة الإسماعيلية المعتدلة، كالبهرة الذين يقيمون بالهند وباكستان»(١) .

وبالتالي، فإن التشيع قد عم وانتشر في أكثر البلدان الإسلامية، وكانت لهم الغلبة في الكثرة والعدد على سائر الفرق، أو ليسوا بأقل من غيرهم، ثم انحسر التشيع في كثير من الأقاليم بسبب ضغط الحكام ومقاومتهم، وتعصب إخوانهم السنة. ورغم ذلك كله فإنهم اليوم منتشرون في طول الأرض وعرضها، ويعدون من الفرق الكبرى، وقد ظهر ذلك مما تقدم، مع العلم بأن ما ذكرت من بلدانهم إنما هو الأظهر والأشهر، أما استيعاب الأقاليم كاملة، وإحصاء العدد حقيقة فما وجدت إليهما سبيلاً، ولن أجده، حتى مع الحرص والاجتهاد.

ونختم هذا الفصل بتلخيص موجز لما ذكره الشيخ أبو زهرة في آخر كتاب «الإمام الصادق» بعنوان «نمو المذهب الجعفري ومرونته»، قال:

لقد نما هذا المذهب وانتشر لأسباب:

١ - إن باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة، وهذا يفتح باب الدراسة لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والنفسية.

٢ - كثرة الأقوال في المذهب - أي في المسائل الفقهية النظرية - واتساع الصدر للاختلاف ما دام كل مجتهد يلتزم المنهاج المسنون، ويطلب الغاية التي يتغياها من يريد محص الشرع الإسلامي خالطاً غير مشوب بأية شائبة من هوى.

٣ - إن المذهب الجعفري قد انتشر في أقاليم مختلفة الألوان من الصين إلى بحر الظلمات، حيث أوروبا وما حولها، وتفريق الأقاليم التي تتباين عاداتهم وتفكيرهم وبيئاتهم الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. إن هذا يجعل المذهب كالنهر الجاري في الأرضين المختلفة الألوان، يحمل في سيره ألوانها واشكالها من غير أن تتغير في الجملة عذوبته.

_____________________

(١) زارني اليوم ٦ / ٤ / ٦٤ رجلان من كينيا أحدهما اسمه أصغر علي محمد جعفر، والثاني اسمه حسين حبيب، وقال لي الأول، وهو يتقن العربية: إن في كينيا ودار السلام وأوغندا عشرين ألف نسمة من الجعفريين، وإنهم يقلدون في أمور دينهم المرجع في النجف الأشرف، ويعملون برسالته، وإن لهم لجنة تجمعهم وتعمل على بث التعاليم الجعفرية واسمها لجنة الاتحاد القومية الوطنية، ومقرها آروشيا في طنجنيقا.

١٨٧

٤ - كثرة علماء المذهب الذين يتصدون للبحث والدراسة وعلاج المشاكل المختلفة، وقد آتى اللّه ذلك المذهب من هؤلاء العلماء عدداً وفيراً عكفواً على دراسته، وعلاج المشاكل على مقتضاه.

هذه حقيقة نطق بها الشيخ أبو زهرة، وفي الكتاب أمثلة كثيرة لعلمه وإنصافه، كما أن فيه موارد للنقد والنظر. أشرت إلى بعضها فيما تقدم من هذا الكتاب، وفي كتاب المجالس الحسينية، وإني لاعترف له وللشيخ شلتوت رئيس الأزهر والشيخ المدني عميد كلية الفقه بمزايا حميدة على كثير من شيوخ الأزهر، أمثال الحفناوي صاحب كتاب «أبو سفيان» ومحب الدين الخطيب منفذ «الخطوط العريضة» وغيره من الذين كفروا الشيعة، إطلاقاً، وتحدثوا عنهم بروح الدس والعداء، حتى جعلونا نغض الطرف عن كل خطيئة إلا التكفير والخروج عن دين الإسلام.

إن مواقف الخطيب من الشيعة، ومن إليه لا يمت إلى العلم والدين بسبب، أما موقف الشيخ أبي زهرة فهو موقف مذهبي يشوبه - كما هو المعتاد - شيء من التعصب الذي يباعد بين الأخوين، إلا أنه لا يبلغ مرحلة التكفير، والحمد للّه. هذا، إلى أن الشيخ أبا زهرة لم يرض في كتابه جماعة من السنة، كما أنه لم يرض الكثير من الشيعة.

في سنة ١٩٦١ اجتمعت بالشيخ أبي زهرة في دمشق، حيث اشتركنا معاً في مهرجان الغزالي، فقال لي فيما قال: حين ألفت كتاب «الإمام الصادق» كنت على علم اليقين بأنه سيغضب السنة والشيعة معاً، لأني لم أقل ما يريد أولئك، ولا كل ما يريد هؤلاء.

فقلت له: نحن نرحب بكل نقد من أية جهة أتى، على شريطة أن يكون بدافع الإخلاص، متحرراً من رواسب الماضي ومخلفاته. ولا أخفي القارئ أني شعرت بالتقدير لشخصه، رغم أني لا أوافقه على كثير من آرائه، وكنت - قبل أن نلتقي - انتقدته في بعض مؤلفاته، ورددت عليه بمقال مطول ومفصل، وكان حين يقدمني لمعارفه يقول: هذا الذي رد علي وانتقدني.

وبالختام يكفي أن نتذكر ما كتبته الأقلام المأجورة عن الشيعة والتشيع لنكبر ونقدر الشيخ ابا زهرة في كتابه «الإمام الصادق».

١٨٨

النَبيّ وَالزهرَاء وَالأئِمَّة الاثنَا عَشَر محَمَّد المصْطفى

- أبوه: عبد اللّه، وجده لأبيه عبد المطلب، وأمه آمنة، وجده لأمه وهب.

- أعمامه تسعة: الحارث، والزبير، وأبو طالب، واسمه عبد مناف، وحمزة، والغيداق، وضرار، والمقوّم، وأبو لهب واسمه عبد العزى، والعباس، وجميع أعمامه إخوة لأبيه من جهة الأب فقط، ما عدا أبا طالب فإنه أخ لأبيه من جهة الأب والأم.

- عماته ست: أميمة، وأم حكيم، وبرة، وعاتكة، وصفية، وأروى.

- ليس لآمنة بنت وهب أخ أو أخت ليكون للنبي خالاً أو خالة، ولم تلد آمنة غيره، ليكون هو عماً أو خالاً لغيره.

- أبناء عمه: لم يعقب من أعمامه التسعة إلا أربعة: الحارث، وأبو طالب، والعباس، وأبو لهب، وأبناء أبي طالب أربعة: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، وأبناء الحارث خمسة: أبو سفيان، والمغيرة، ونوفل، وربيعة، وعبد شمس، وقد سماه النبي عبد اللّه، وأبناء العباس تسعة: عبد اللّه وعبيد اللّه والفضل وقثم، ومعبد، وعبد الرحمن، وتميم، وكثير، والحارث. وأبناء أبي لهب أربعة: عتيبة، ومعتب، وعتبة، وعقبة، وأمهم أم جميل أخت أبي سفيان، فالمجموع ٢٢ من الذكور.

- ويلتقي نسب النبي مع نسب أبي سفيان عدوّه الألد في عبد مناف، فإنه جد لجد النبي، وفي الوقت نفسه جد لجد أبي سفيان. فالنبي هو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وأبو سفيان هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

- ولد النبي بعد وفاة أبيه بالمدينة، وكانت ولادته يوم الجمعة عند طلوع الشمس في السابع

١٨٩

عشر من ربيع الأول، عام الفيل وأيام ملك الفرس أنو شروان(١) .

- عاش ثلاثاً وستين سنة، منها ٦ سنوات مع أمه، و ٨ مع جده عبد المطلب، و٤٢ مع عمه أبي طالب، منها ١٧ في بيته، وحوالي ٢٥ في بيت خديجة زوجته الأولى، وبقي بعد عمه في مكة ٣ سنوات، وفي المدينة ١٠ سنوات.

- بعث في اليوم السابع والعشرين من رجب، وله من العمر ٤٠ سنة.

- زوجاته: اختاره اللّه، وعنده تسع: عائشة، وحفصة، وام سلمة، وام حبيبة، وزينب بنت جحش، وميمونة، وصفية، وجويرية، وسودة، وكان قد تزوج زينب بنت خزيمة الهلالية، وماتت قبله، وأول زوجاته وسيدتهن السيدة خديجة، تزوجها، وهو ابن ٢٥ سنة، وهي بنت ٤٠، ولم يتزوج غيرها، حتى ماتت، وبقي بعدها سنة بدون نساء، وتزوج غير من ذكرنا، وحصل الفراق بينه وبينهن قبل الدخول، هذا، وكان عنده من السراري غير الزوجات مارية القبطية أم ولده إبراهيم، وميمونة بنت سعد، وأميمة، وريحانة بنت زيد من بني النضير.

- أولاده: جاءه ثلاثة ذكور، وأربع إناث، والذكور هم القاسم، وعبد اللّه من السيدة خديجة، وإبراهيم من مارية القبطية، وماتوا أطفالاً. والإناث زينب، وأم كلثوم، ورقية، وفاطمة، أسلمن وتزوجن، ثم توفين في حياته ما عدا الزهراء سيدة النساء.

غزواته:

كان النبي يبعث إلى أرض العدو بالسرية من ثلاثين فارساً، أو ستين، أو أكثر أو أقل، لتستطلع حال المشركين، وتأتيه بالأخبار، فتذهب السرية لغايتها، وربما حدث بينها وبين العدو مناوشات، وقد تعود دون أن يحدث شيء. وكان يعبئ المسلمين للحرب بقيادته - أحياناً - وبقيادة بعض الأصحاب - حيناً - ويبقى هو في المدينة، كما حدث في غزوة مؤتة، وقد يعود الجيش بدون قتال، أو تقع الحرب بينه وبين المشركين، حسب الظروف والمقتضيات.

_____________________

(١) المشهور عند السّنة أنه ولد في ١٢ ربيع الأول، ووافقهم بعض علماء الشيعة، والمشهور عند الشيعة أنه ولد في ١٧ منه، ووافقهم بعض علماء السّنة.

١٩٠

وجميع غزواته ٦٢، منها ٣٦ لم يخرج النبي معها، و٢٦ كان معها، والغزوات التي حدث فيها قتال بقيادته تسع: بدر، وأحد، والخندق، وبنو قريضة، والمصطلق، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف.

كتاباته إلى الملوك:

كتب النبي إلى ملوك زمانه يدعوهم إلى الإسلام، ولما وصل كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة وضعه على عينيه، ونزل عن سريره تواضعاً، وأسلم.

أما قيصر ملك الروم فأيقن بالحق. واعتقد أن محمداً رسول من عند اللّه، وأراد أن يسلم، فخاف قومه، وآثر الملك.

أما كسرى ملك الفرس فمزق الكتاب، وطرد رسول النبي، فتمزق ملكه، وطرد منه.

وأما المقوقس ملك القبط في مصر فكتب إلى النبي جواباً قال فيه: قد أكرمت رسولك، وأهديت إليك جاريتين، لهما مكان عظيم في القبط، وكسوة وبغلة تركبها، ولم يسلم، والجاريتان هما مارية القبطية، تزوجها النبي، وولدت له إبراهيم، والثانية سيرين، وهبها النبي لشاعره حسان بن ثابت.

وممن كتب له الحارث الغساني، وكان في سورية تابعاً لملك الروم، فأراد أن يجيّش الجيوش، ويحارب النبي، فنهاه سيده قيصر.

وكتب النبي إلى هوذة صاحب اليمامة، فاشترط لإسلامه أن يجعل له النبي شيئاً، فرفض وبقي هوذة على الكفر.

وكتب إلى جيفر وعبد ابني الجلندي، وهما أميرا عمان في اليمن، فأسلما.

وكتب إلى المنذر العبدي بالبحرين، فأسلم وحسن إسلامه.

اخباره بالغيب:

تواتر الأحاديث من طرق السنة والشيعة أن النبي أخبر عن أشياء تحدث بعده، فحدثت بكاملها على ما قال، منها اخباره عن عائشة وكلاب الحوأب، ومنها أن الفئة الباغية تقتل عماراً برئاسة معاوية، ومنها اخباره بقتل الحسين وحجر بن عدي، ومنها اخباره أن ابن عباس يفقد

١٩١

بصره في كبره، وكذلك زيد بن أرقم، ومنها قوله سيكون في هذه الأمة الوليد(١) وهو شر لامتي من فرعون لقومه، وقوله إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين اللّه دغلاً، وعباد اللّه خولاً، ومال اللّه دولاً، ومنها أخباره بأن الإرضة أكلت ما كان في الصحيفة التي كتبتها قريش ضد بني هاشم، وعلقتها بالكعبة، ومنها أن العرب ينتصرون على الفرس، ومنها قوله لعلي ستخضب هذه من هذه، إلى غير ذلك.

من أخلاقه:

كان يجلس على الأرض، وينام عليها، ويخصف النعل، ويرقع الثوب بيده، ويحلب الشاة، ويعقل البعير، ويطحن مع الخادم، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ويأكل ما يجد، ويلبس ما يجد، ويركب ما أمكنه من فرس، أو بعير، أو بغلة، أو حمار، ويردف خلفه، وربما ركبه عارياً بلا سرج، ويمشي راجلاً، ويجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، وكان لا يثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربه، ولا يغضب لنفسه، وكان أكثر الناس تبسماً، وربما ضحك من غير قهقهة، ولم يكن شيء أبغض إليه من الكذب إلى غير ذلك من الفضائل، وكريم الشمائل.

وفاته:

اختاره اللّه إليه يوم الإثنين ٢٨ صفر سنة ١١ هجري، وتولى غسله وتجهيزه أخوه ووصيه علي أمير المؤمنين.

_____________________

(١) فكان الوليد بن يزيد.

١٩٢

الزَّهرَاء

- هي فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين، وأمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين.

- ولدت بمكة يوم الجمعة ٢٠ جمادى الآخرة بعد النبوة بخمس سنين.

- وهي أصغر بنات الرسول، وأحبهن إليه، وانقطع نسله إلا منها.

- صفاتها: كانت كأبيها في خُلقه وخلقه، ومن هنا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني (صحيح البخاري، وصحيح مسلم). وقال: إن اللّه يرضى لرضاها، ويغضب لغضبها (المستدرك للحاكم، والإصابة لابن حجر). ونقلت الماء في القربة، حتى أثرت في صدرها، وطحنت بالرحى، حتى تورمت يداها، وكنست البيت، حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر، حتى اسودت ملابسها.

- زوّجها النبي علياً على خمسمائة درهم، وولدت له الحسن والحسين، وزينت وأم كلثوم.

توفيت في ٣ جمادى الآخرة سنة ١١ هجري، فعاشت بعد أبيها ٩٥ يوماً، وغسلها وجهزها أمير المؤمنين، وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس، وصلى هو عليها، والحسن والحسين، وسلمان وأبو ذر وعمار والمقداد وعقيل، والزبير وبريدة، ونفر من بني هاشم، ودفنها الإمام سراً في جوف الليل بوصية منها.

١٩٣

أمِيرُ المؤمنِين

- أبوه أبو طالب كفيل النبي ومربيه وحاميه(١) وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت من رسول اللّه بمنزلة الأم، لأنه ربي في حجرها، وهو ابن ثماني سنين، وكانت من سابقات المؤمنات إلى الإيمان، وهاجرت مع رسول اللّه إلى المدينة، وكفنها النبي عند موتها بقميصه ليدرأ به عنها هوام الأرض، وتوسد في قبرها لتأمن من ضغطة القبر، ولقنها حجتها.

- ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة ١٣ رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، ولم يولد قط في بيت اللّه مولود سواه، لا قبله ولا بعده، وهذه فضيلة خصه بها اللّه إجلالاً لمحله ومنزلته، وإعلاء لقدره.

- حضر حروب النبي بكاملها ما عدا غزوة تبوك التي لم يلقَ المسلمون فيها كيداً، وقد استخلفه النبي على المدينة، وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

- أزواجه وأولاده: تزوج فاطمة الزهراء، وولدت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.

وتزوج بعدها بنساء كثيرات، منهن:

١ - إمامة بنت أبي العاص، وأمها زينب بنت رسول اللّه، وولدت له محمداً الأوسط، قتل في كربلاء.

٢ - خولة الحنفية، وولدت له محمداً الأكبر المعروف بابن الحنفية.

٣ - أم حبيبة بنت ربيعة ولدت له عمر ورقية.

٤ - أم البنين الكلابية، ولدت له العباس وجعفراً وعبد اللّه وعثمان، قتلوا

_____________________

(١) تكلمنا عنه وعن إسلامه في كتاب «مع بطلة كربلاء».

١٩٤

في كربلاء.

٥ - ليلى الدارمية، ولدت محمداً الأصغر المكنى بأبي بكر، وعبد اللّه، قتلا في كربلاء.

٦ - أسماء بنت عميس، ولدت له يحيى وعوناً.

٧ - أم مسعود الثقفية، ولدت أم الحسن ورملة.

وتزوج غير هؤلاء، ورزق منهن بناتاً، وهن: نفيسة، وأم هاني، ورقية الصغرى، وأم الكرام، وجمانة، وأمامة، وأم سلمة، وميمونة، وخديجة، وفاطمة.

ومجموع أولاده ٢٧، منهم ١٤ ذكراً، والباقي إناث. وكان عنده يوم استشهاده اثنتان وعشرون، منهن ٤ زوجات، و١٨ أمهات أولاد.

بعض خصائصه:

١ - السابق إلى الإسلام.

٢ - ولد في الكعبة.

٣ - تربى منذ صغره في حجر رسول اللّه.

٤ - مؤاخاته مع النبي.

٥ - إن النبي حمله، حتى طرح الأصنام من الكعبة.

٦ - إن ذرية رسول اللّه منه.

٧ - إن النبي تفل في عينيه يوم خيبر، ودعا له بأن لا يصيبه حر ولا قر.

٨ - إن حبه إيمان، وبغضه نفاق.

٩ - إن النبي باهل النصارى به وبزوجته وأولاده دون سائر الأصحاب.

١٠ - بلغ سورة براءة عن النبي.

١١ - إن النبي خصه يوم الغدير بالولاية.

١٢ - إنه القائل سلوني قبل أن تفقدوني.

١٩٥

١٣ - خاصف النعل.

١٤ - إن النبي خصه بتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه.

١٥ - إن الناس جميعاً من أرباب الأديان وغيرهم ينظرون إليه كأعظم رجل عرفه التاريخ.

١٦ - إن له كتاباً، وهو نهج البلاغة، دون غيره من الأصحاب، إلى غير ذلك مما أتينا على شيء منه في كتاب «علي والقرآن» وكتاب «أهل البيت».

استشهاده:

قبض ليلة الجمعة، لتسع بقين من شهر رمضان المبارك سنة ٤٠ هجري قتيلاً بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وكان سنه يوم استشهد ٦٣ سنة، قضى مع رسول اللّه ٣٣، منها ١٠ قبل النبوة، و١٣ في مكة قبل الهجرة، و١٠ في المدينة بعد الهجرة، وعاش بعد النبي ٣٠ سنة إلا خمسة أشهر، وأياماً، ومدة خلافته خمس سنين، وثلاثة أشهر، وسبع ليال، وتولى غسله وتجهيزه الحسن والحسين، وحملاه إلى النجف، ودفناه هناك ليلاً، وعميا موضع قبره بأمر منه، فلم يزل مخفياً، حتى دل عليه الإمام الصادق في الدولة العباسية(١) .

_____________________

(١) كتاب أعلام الورى للطبرسي صاحب مجمع البيان.

١٩٦

الإمَام الحَسَن

- هو السبط الأول لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والامام الثاني من أئمة أهل البيت، ورابع أصحاب الكساء، وأحد ريحانتي النبي، وسيدي شباب أهل الجنة.

- ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجاءت به أمه الزهراء إلى أبيها رسول اللّه، فسماه حسناً، وهو أول من سمي بهذا الاسم.

زوجاته:

منهن خولة بنت الغزارية، وأم إسحق بنت طلحة، وأم بشر الأنصارية، وجعدة بنت الأشعث التي سقته السم، وغيرها.

وروى الرواة أن الامام الحسن كان كثير الزواج، وليس هذا بغريب، فقد عدّ أهل السِير لجده المصطفى أكثر من عشرين امرأة، واستشهد أبوه أمير المؤمنين، وعنده ٢٢، ولكن الغريب أن تحاك حول زواجه الروايات التي لا أساس لها ولا أصل. لا لشيء إلا للنيل من مقامه الشريف، من ذلك أنه كان إذا رأى جمعاً من النسوة يقول لهن: من منكن تأخذ ابن بنت رسول اللّه ؟ فيجبنه بصوت واحد: كلنا مطلقات ابن بنت رسول اللّه.

وأي عاقل يصدق مثل هذا على الإمام الزكي الذي له عقل جده محمد المصطفى، وأبيه علي المرتضى ؟! أي عاقل يصدق أن الإمام الحسن كان يقف على قارعة الطريق، وينادي معلناً عن نفسه ورغبته في الزواج والنكاح ؟ وأغرب من كل ذلك جواب النسوة كلنا مطلقات ابن بنت رسول اللّه. متى تزوج بهذه الكثرة الكثيرة ؟! ومتى طلقهن ؟! وكيف اجتمع مطلقاته كلهن في مجلس واحد ؟! وكيف خفين عليه، ولم يعرف حتى ولا واحدة منهن، وبالأمس كن في بيته، وعلى فراشه ؟! حقاً إن واضع هذه الاكذوبة قد بلغ الغاية من الجهل والرعونة، وأجهل منه من يصدق أمثال هذه الأكاذيب.

- أولاده: كان له ١٥ ولداً ما بين ذكر وأنثى، وهم: زيد، وأم الحسن، وأم الحسين، وأمهم أم بشير الأنصارية، والحسن، وأمه خولة الفزارية، وعمر، والقاسم، وعبد اللّه، وأمهم أم ولد، والحسين الملقب بالأثرم، وطلحة، وفاطمة، وأمهم أم إسحق بنت طلحة، وأم عبد اللّه، وأم سلمة، ورقية لأمهات شتى، ولم يعقب منهم غير الحسن وزيد.

١٩٧

- بويع بالخلافة سنة ٤١ هجري، وله من العمر ٣٧ سنة، وأقام في خلافته ستة أشهر، وثلاثة أيام، حيث وقع الصلح بينه وبين معاوية خوفاً على نفسه، بعد أن تبين له أن جماعة من رؤساء أصحابه كتبوا سراً إلى معاوية، وضمنوا له أن يسلموه إليه عند دنو العسكرين.

- وفاته: توفي سنة ٥٠ هجري، وسبب وفاته أن معاوية دس له سماً على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، وضمن لها إن قتلته بالسم مائة ألف درهم، وتزويجها من ولده يزيد، فأجابته، ومرض الإمام أربعين يوماً، وانتقل بعدها إلى رضوان ربه. فوفى معاوية لها بالمال، ولم يزوجها من يزيد، وقال لها: أخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول اللّه(١) ، وكان عمره الشريف حين استشهد ٤٧ سنة، أمضى منها ٧ سنين وأشهراً مع جده المصطفى، و٣٧ مع أبيه المرتضى، وبقي بعده مع أخيه الحسين الشهيد عشراً.

قال الإمام الصادق: إن الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين، وابنته جعدة سمت الحسن، وابنه محمد شرك في دم الحسين.

وجاء في كتاب «الخوارج والشيعة» للمستشرق فلهوزن نقلاً عن المستشرق دوزي ص ١٢ طبعة ١٩٥٨ أن الأشعث قد ظل في قلبه مشركاً قديماً، فأراد الانتقام من الإسلام بخيانة الإمام علي. ولم يكن لدى الأشعث في هذا الباب من الدوافع أقل مما كان لغيره من أهل الردة - لأن الأشعث كان ممن ارتد عن

_____________________

(١) ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الجوزي في تذكرة الخواص، وابن سعد في الطبقات، وغيره.

١٩٨

الإسلام بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وخطب الإمام الحسن صبيحة الليلة التي قبض فيها أبوه أمير المؤمنين، وقال بعد الحمد للّه، والثناء عليه، والصلاة على جده محمد:

لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، ولم يدركه الآخرون، لقد كان يجاهد مع رسول اللّه، فيقيه بنفسه، وكان رسول اللّه يوجهه برأيه، فيكتنفه جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع، حتى يفتح اللّه على يديه.

ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم، وفيها قبض يوشع بن نون، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا ٧٠٠ درهم فضلت عن عطائه - راتبه من بيت المال - أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله.

ثم قال الإمام الحسن: أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن من أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، أنا من أهل بيت فرض اللّه تعالى مودتهم وطاعتهم في كتابه، فقال: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له حسناً» فالحسنة مودتنا أهل البيت.

_____________________

(١) وهذا الأشعث المرتد يروي عنه البخاري ومسلم، ويعدان حديثه من الصحاح.

١٩٩

الإمَام الحُسَين

- السبط الثاني لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام الثالث من أئمة أهل البيت، وخامس أصحاب العباء، وأحد ريحانتي رسول اللّه، وسيدي شباب أهل الجنة.

- ولد في ١٥ شعبان سنة أربع من الهجرة، وسماه جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسيناً، وبينه وبين أخيه مقدار الحمل فقط.

- زوجاته وأولاده: كان له من الأولاد ستة ذكور، وثلاث بنات: علي الأكبر شهيد كربلاء، وأمه ليلى بنت أبي مرة الثقفي، وعلي الأوسط، وعلي الأصغر زين العابدين، وأمه شاهزنان بنت كسرى، ومحمد وجعفر مات في حياة أبيه، وأمه قضاعية، وعبد اللّه الرضيع ذبح في حجر أبيه، وسكينة، وأمها وأم عبد اللّه الرضيع الرباب بنت امرئ القيس، وفاطمة، وأمها أم إسحق التميمية، وزينب، ونسل الإمام الحسين من الإمام زين العابدين.

- قتل في عاشر المحرم سنة ٦١ هجري، وكان عمره الشريف ٥٦ سنة وأشهراً، عاش منها مع جده رسول اللّه ست سنين، ومع أبيه ٣٦، ومع أخيه الحسن ٤٦ وبقي بعد أخيه الحسن ١٠ سنين.

من هو الحسين:

قال السيد محسن الأمين في الجزء الرابع من «أعيان الشيعة»:

«هو أشرف الناس أباً وأماً، وجداً وجدة، وعماً وعمة وخالاً وخالة، جده رسول اللّه سيد النبيين، وأبوه علي أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وأخوه الحسن المجتبى، وعمه جعفر الطيار مع ملائكة السماء، وعم أبيه حمزة سيد الشهداء، وجدته خديجة بنت خويلد أول نساء الأمة إسلاماً، وعمته أم هاني، وخاله إبراهيم ابن رسول اللّه، وخالته زينت بنت رسول اللّه.

وقد جاهد لأسمى المقاصد، وأنبل الغايات، وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله، ولا بعده، فبذل نفسه وماله وآله، لإحياء الدين، وفضح المنافقين، واختار المنية على الدنية، وميتة العز على حياة الذل، ومصارع الكرام على طاعة اللئام، وأظهر من إباء الضيم وعزة النفس، والشجاعة والبسالة، والصبر والثبات ما بهر العقول، وحير الألباب.

٢٠٠