الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان14%

الشيعة في الميزان مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 419

الشيعة في الميزان
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142496 / تحميل: 9286
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[6]

قول رسول الله (ص):

(أول من يدخل الجنة: شهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده،

ورجل عفيف متعفف (1) ذو عبادة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل الحديث 8. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 20.

كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 99، المجلس 12، الحديث الاول، ووراه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، عن صحيفة الرضا عليه السلام ومجالس المفيد وفي 71: 272 و 72: 126، ذيل الحديث السابق (5) عن العيون وفي 74: 144.

والعلامة النوري في مستدرك الوسائل 15: 489 الحديث 5، عن العيون.

ورواه العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 3: 9 بلفظ: (وعبد أحسن).

فقه الحديث:

الاوائل ممن يدخل الجنة - حسب ما ورد في هذا الحديث - ثلاثة فالشهيد - وهو من يقتل في سبيل الله - قد صرح القرآن بدخوله الجنة في آيات وعدد ما لهم من النعيم في بعضها، حيث قال:

( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ) (2) .

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي متكلف على العفة).

(2) النساء 4 / 69.

٨١

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبييل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .

والثاني: العبد المخلص في طاعة ربه، والذي يمحض سيده النصيحة ويعمل بما يرضاه.

والثالث: هو الفقير الذى لا يظهر فقره، وقد مدحه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ) (2) وليست العفة وحدها تسبب دخوله الجنة، بل لابد من أن يكون عابدا لله تعالى.

وملاحظة الحديث بصورة عامة تكشف عن أن المحور الاساسي في دخول الجنة هو عبادة الله سبحانه، أما الاخيران فقد صرح فيهما بلزوم العبادة، وأما الاول، فلان الشهيد لا يكون مفتخرا بوسام الشهادة إلا إذا كان في قتله في سبيل الله وطاعته، فتكون الطاعة والعبادة هي السبب في إدخاله الجنة فما هي العبادة؟

ورد في الحديث عن عيسى بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما العبادة؟ قال: (حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها...) (3) .

وفي حديث المعراج: (يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابدا؟ قال لا يا رب، قال إذا اجتمع فيه سبع خصال، ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفه عما لا يعنيه، وخوف يزداد كل يوم من بكائه، وحياء يستحي مني في الخلاء وأكل ما لابد منه، ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الاخيار لحبي إياهم) (4) .

__________________

(1) آل عمران 3 / 169، والبقرة 2 / 154.

(2) البقرة 2 / 273.

(3) الكافي 2: 83.

(4) البحار 77: 30.

٨٢

[7]

قول رسول الله (ص)

أول من يدخل النار: أمير مسلط (1) لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه (2)

وفقير فخور (3) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل حديث 8 أيضا، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الحديث 20، وعنه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، الحديث 75، عن صحيفة الرضا عليه السلام و 73: 126، الحديث 8، ذيل الحديثين السابقين (5 و 6)، عن العيون، و 73: 290، الحديث 10 و 75: 341 و 96: 13، الحديث 22، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 7: 34، الحديث الاول عن كتاب دعائم الاسلام 1: 247.

ورواه من العامة:

الديلمي في الفردوس، الحديث 32 و 33، عن علي، وفيه: (أول من يدخل النار سلطان مسلط لم يعدل). (أول من يدخل النار سلطان جائر وذو إثرة).

فقه الحديث:

الامارة والسلطة على الناس هي من الامور التي لا يحسد عليها الامير

__________________

(1) في هامش صحيفة الرضا، عن بعض النسخ: (إمام متسلط). وفي البحار 69: 393 و 73: 290 و 75: 341: (إمام متسلط).

(2) في الصحيفة: (لم يقض حقه). وفي الهامش، عن بعض النسخ: (لم يعط من المال حقه).

(3) في المستدرك: (ومفتر فاجر). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ، (فقير فجور).

٨٣

فإنها مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الامير المسلط، من تطبيق العدل، ورفع الظلم والاحسان إلى الاخرين. وهذا مما لا يمكن لكل إنسان مسلط إجرائه بحذافيره إلا من عصم الله، خصوصا مع ما يتمتع به من أنانية وجهل وغرور وحرص.

فأي إمير لا يهتم بشؤون المجتمع الذي يحكمه، فإنه يكون أول من يرد النار حسب هذا الحديث الشريف، ومن يدخل النار مقترنا بورود هذا الامير ذو الثروة الذى لم يعط حق المال، من الزكاة والخمس والحقوق اللازمة للثروات.

وأما الفقير الفخور، فإن السر في دخوله النار هو الفخر لا الفقر، وقد ورد الذم في القرآن الكريم لمن كان مختالا فخورا فقال سبحانه، ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) (1) . وفي الحديث: لا حمق أعظم من الفخر، والافتخار من صغر الاقدار. وإن أول من هوى بالفخر هو إبليس. وفي البحار عن أمير المومنين علي عليه السلام: (ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه) (2) . وإن كان ولابد من الافتخار فليكن الفخر بما ورد في الدعاء والمناجاة مع الله: (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا).

وفي غرر الحكم عن علي عليه السلام: (ينبغي إن يكون التفاخر بعلى الهمم، والوفاء بالذمم، والمبالغة في الكرم، لا ببوالي الرمم، ورذائل الشيم) (3) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام: (قال: أصل المرء دينه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، وإن الناس من آدم شرع سواء).

__________________

(1) لقمان: 31 / 18.

(2) البحار 73: 294 و 78.

(3) ميزان الحكمة 7: 419.

٨٤

[8]

قول رسول الله (ص):

(لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن (1) ما حافظ على الصلوات (2) الخمس (3)

فإذا ضيعهن (4) تجرأ (5) عليه (6) وأوقعه (7) [في] (8) العظائم).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 9. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 21، كما رواه في الامالي: 391، الباب 73، الحديث 9، وثواب الاعمال: 274، الحديث 3. ورواه الشيخ الكليني في الكافي 3: 269، الباب 168، الحديث 8. والشيخ الطوسي في التهذيب 2: 236، الحديث 933.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 227، الحديث 54، عن المعتبر، وفي 83: 11، الحديث 12، و 83: 13، الحديث 22، عن العيون وصحيفة

__________________

(1) في البحار 82: 227، عن المعتبر: (من أمر المؤمن). وفي هامش صحيفة الرضا عليه السلام عن بعض النسخ: (من المؤمنين ما حافظوا).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (الصلاة). وفي الوسائل: (مواقيت الصلوات).

(3) في الوسائل زيادة: (لوقتهن).

(4) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ضيعوها).

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يجرأ). وعن بعضها: (يجرؤ)، وفي المعتبر: (اجترأ عليه). وهنا ينهى الحديث في المعتبر.

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (عليهم).

(7) في الوسائل 3: 18 و 81: (فأدخله في).

(8) من البحار 83: 14، والوسائل 3: 18 و 281 وصحيفة الرضا عليه السلام.

٨٥

الرضا عليه السلام.

ورواه العلامة النوري في المستدرك 3: 30، الحديث 11، عن المحقق في المعتبر، مع اختلاف.

ورواه الحر العاملي في الوسائل 3: 18 الباب 7 من ابواب أعداد الفرائض الحديث 2. بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم). كما رواه في 3: 81، بإسناده عن محمد بن ماجيلويه، عن عمه محمد بن علي السكوني، عن ابن فضال، عن سعيد بن غزوان، عن اسماعيل ابن ابي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم، ذعرا منه، ما صلى الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم).

قال المحدث العاملي: ورواه البرقي في المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن فضال، مثله (1) .

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 14، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19061، عن أبي نعيم. ورواه أبو بكر محمد بن الحسين النجار، في أماليه. والرافعي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في التدوين. ورواه الديلمي في الفردوس، الحديث 7591، عن علي عليه السلام.

__________________

(1) انظر المحاسن 1: 82، الحديث 12.

٨٦

[9]

قول رسول الله (ص):

(من أدى (1) فريضة (2)

فله عند الله دعوة مستجابة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 10، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28 الباب 31، الحديث 22. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 118، الباب 14، الحديث الاول. والشيخ الطوسي في أماليه 2: 608، الباب 26.

ورد معناه في الكافي 3: 498، الباب 27، الحديث 8. والفقيه 2: 62 الباب 112، الحديث 1710.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 207، الحديث 13 عن العيون 2: 28 و 85: 321، الحديث 7: عن العيون 2: 28، الحديث 22 وصحيفة الرضا عليه السلام: 10 وأمالي الطوسي 2: 210 وأمالي المفيد 76 وفي البحار 93: 344، الحديث 8، عن أمالي المفيد: 76.

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 11، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله ابن احمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله (ص)...).

__________________

(1) في الوسائل: (من صلى).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فريضته).

٨٧

وروى في الحديث 12، عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما من مؤمن يؤدي فريضة من فرائض الله إلا كان له عند أدائها دعوة مستجابة).

كما رواه في الوسائل 4: 1016، الحديث 11، عن الامالي. وفي 4: 1015 الحديث 10، عن أمالي ابن الشيخ 1: 295، بإسناده عن الهادي، عن آبائه عليهم السلام وفي 4: 1116، الحديث 10، عن الامالي.

ورواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 27، الحديث 47 وعنه البحار 86: 218، الحديث 34 و 93: 347، الحديث 14، والمستدرك 1، 355 الحديث 8.

وروى نحوه البرقي في المحاسن 1: 50، الحديث 72. وعنه الوسائل 4: 1016، الحديث 12. والبحار 8: 322، الحديث 10.

وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 112. وابن فهد الحلي في عدة الداعي: 58، وعنه الوسائل 4: 1015، الحديث 9.

والشيخ ورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر 2: 76 و 168.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19040، عن الديلمي، عن علي عليه السلام.

والشوكاني في الفوائد المجموعة للشوكاني: 28.

ورواه الديلمي في الفردوس عن سلمان الفارسي، الحديث 5921، وفيه زيادة: (في شهر رمضان).

وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

والطبراني في الكبير بلفظ: (من صلى فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة).

٨٨

[10]

قول رسول الله (ص):

(العلم خزائن، ومفتاحه (1) السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة:

السائل، والمعلم، والمستمع (2) والمحب لهم (3) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 11. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 23. وفي الخصال: 245 الباب 4، الحديث 101، عن ابن المغيرة، بإسناده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، مع اختلاف ذكرناه في الهامش.

ورواه الكراجكي في كنز الفوائد، 239. والعلامة المجلسي في البحار 1: 196 و 197، الحديث 3، عن صحيفة الرضا عليه السلام. وكنز الفوائد، باختلاف يسير ذكرناه في الهامش. وكذا في 10: 368، الحديث 12.

ورواه البحراني في العوالم 3: 217، الحديث الاول، عن الكنز. وفي الصفخة 219، الحديث 5، عن الخصال. وأورد صدره في منية المريد، 71، عن الصادق عليه السلام، عنه البحار 1: 198، الحديث 7، والعوالم 3: 219، الحديث 7.

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (ومفتاحها) وفي هامش الصحيفة عن (ن): (ومفاتيحه). وعن بعض النسخ: (ومفتاحه). وفي البحار: (ومفاتحه). وفي الخصال: (والمفاتيح).

(2) في كنز العمال: (والمستمع والسامع)

(3) في صحيفة الرضا عليه السلام: (والمحب له). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (والمجيب له).

٨٩

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 28662. عن علي عليه السلام. والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1: 99. والعراقي في المغني عن حمل الاسفار 1: 10. وأبو نعيم في حلية الاولياء 3: 192. والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين 2: 85. والسيوطي في الدرر المنتثرة في الاحاديث المشتهرة: 115. والديلمي في الفردوس، الحديث 4192. والرافعي في التدوين 3: 3. وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

فقه الحديث:

من خصوصيات الدين الاسلامي والمذهب الشيعي هو الحث على العلم والتعليم، وهذا الحديث يبين طريقة الاستفادة من العلماء، وهو اقتراح فريد وهام لا يقف على أهميته إلا من واجه الامر بصورة جدية.

فالعالم - وهو الذى أتعب نفسه في تحصيل العلم مثل في الحديث بالكنز والخزينة المحتوية على أنواع التحفيات والذخائر، لا يمكن أن تثار محتوياته كلها - قد يتحير هو عند ما يطلب منه الافادة في نقطة الانطلاق، والموضوع الضروري الذي ينبغي طرحه في هذا المجلس الخاص، أو بالنسبة إلى هذا المستمع بالخصوص.

وقد يكون ما يطرحه من مواضيع لا تفيد السامعين فائدة تامة لبعدها عن واقع حياتهم وحاجتهم الفعلية.

أما لو كان المتعلم هو البادئ بالسؤال والمفترح لموضوع البحث، فإن الفائدة المتوخاة تكون قطعية.

وربما كانت هناك نقاط يستفيدها المسؤول من نفس السائل، فيطرح الجواب بصورة تكون أنفع بحال السائل مما لو كان طرحه ابتداء ومن دون سؤال مسبق.

٩٠

[11]

قول رسول الله (ص):

لا تزال امتي بخير ما تحابوا (1) ، وأدوا الامانة، وأجتنبوا الحرام (2) ، وقروا الضيف (3)

[وأقاموا الصلاة] (4) وآتوا (5) الزكاة، فإذا (6) لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (7) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 12. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 9، الحديث 25. وثواب الاعمال: 300 الحديث الاول. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2: 260. والسبزواري في جامع الاخبار، الحديث 1052.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 69: 394، الحديث 76. و 405 الحديث 110. و 71: 206 الحديث 11. و 73: 352، الحديث 52. و 74: 392، الحديث 10. و 75: 115، الحديث 7. و 75: 460 الحديث 14. و 82: 207، الحديث 14. و 96: 14، الحديث 23، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام،

__________________

(1) في العيون، والبحار: 71 و 73 و 74، والوسائل، زيادة: (وتهادوا).

(2) لم ترد عبارة: (وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام) في البحار 69: 405.

(3) في صحيفة الرضا: (واقرؤوا). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وقروا). وفي بعض النسخ: (ووقروا). وعن بعضها: (وقرؤوا) - من القرى -.

(4) الزيادة من صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث 12، والبحار 69: 394 و 71: 206 و 73: 352 و 74: 392 و 75: 460. والمستدرك 16: 258. والوسائل.

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وأدوا).

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فإن).

(7) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (بالسنين والقحط). وفي البحار 69: 405: (بالسنين والجدب).

٩١

وصحيفة الرضا عليه السلام، وأمالي الطوسي، وجامع الاخبار، مع اختلاف في بعض الموارد. ورواه العلامة النوري في المستدرك 16: 258، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

كما روى معناه المحدث العاملي في الوسائل 11: 202. و 16: 557.

ورواه من العامة:

ابن خزيمة في صحيحه: 339 وابن عبد البر في التمهيد 8: 91. والبخاري في التأريخ الكبير 7: 34.

فقه الحديث:

يؤكد النبي (ص) في هذا الحديث على ستة أشياء، هي اسس سعادة المجتمع وأولها المحبة، فالحب هو أساس الثقة والسبب في التعاون والتآلف بين أفراد المجتمع. وقد ذكر الرسول الاعظم بعض ما يورث المحبة في حديث أورده العلامة المجلسي في البحار (70: 15) فقال (ص): (إرغب فيما عند الله عز وجل يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).

وروي: (البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة، وقربة من الله) (1) .

وعن الصادق عليه السلام، (ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل) (2) .

وأما الخصال الاخرى من أداء الامانة، وإجتناب الحرام، وأضافة الضيوف، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأثارها الاجتماعية واضحة.

وكون ترك هذه الامور موجبة للقحط والجدب، يستفاد من قوله تعالى: ( ولو أن أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (الاعراف: 7 / 96).

__________________

(1) تحف العقول: 217.

(2) البحار 78: 229.

٩٢

[12]

قول رسول الله (ص):

(ليس منا من غش (1) مسلما (2) أو ضره (3) أو ما كره (4) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 13. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الباب 21 (في ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة) الحديث 26.

ورواه العلامة المجلسي قدس سره في البحار 10: 367، الحديث 4. وفي 75: 285، الحديث 5، عن العيون. ورواه العلامة الحر العاملي في الوسائل 12: 211، الحديث 12 عن العيون. ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 9: 82، الحديث 9. وفي 13: 201، الحديث 1، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه الفقيه الايلاقي في جامع الاحاديث بالرقم 379.

هذا وروى معناه في الكافي 5: 160. ومن لا يحضره الفقيه 3: 273 وأمالي الصدوق: 223. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 50. وثواب الاعمال 2: 320. وسلسلة الابريز: 84.

ورواه من العامة:

السيوطي في الجامع الصغير 2: الحديث 7688. وروى معناه الطبراني

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي خان).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (مؤمنا).

(3) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (أو غره).

(4) المماكرة: من المكر وهو الخداع.

٩٣

في الكبير: 10234، والصغير 1: 161. وأبو نعيم في حلية الاولياء 4: 188 - 189. والترمذي: 1315. والحاكم في المستدرك 2: 9. وابن ماجه في سننه: 224 و 225. والهيثمي في مجمع الزوائد 4: 78 و 79 و 8: 16. والسنن الصغير للبيهقي 2: 1938. ومسلم في صحيحه: 101 و 102. وابن حبان: 556 و 1107. والخطيب في تأريخه 3: 178. والمتقي في كنز العمال 4: 9503، 9506 و 9975.

فقه الحديث:

النصيحة للمسلمين فريضة لازمة لحفظ العدالة الاجتماعية، وبسط الاعتماد بين أفراد المجتمع، وعند نقشي الغش والاضرار والمكر فإنه يوجب الحقد والعداء والتفرقة بين أفراد المجتمع، فإن الحقيقة لا تبقى خافية إلى الابد، وبمجرد أن تنكشف يتولد البغضاء والتصدي للمقابلة بالمثل والانتقام.. إلى غير ذلك.

وفي حديث: (الغش شيمة المردة، ومن أخلاق اللئام، ومن علامات الشقاء) (1) .

وأما الاضرار بالغير والمكر، فهي كالغش في إيجاد التفرقة والفساد. وقد ورد النهي عن الضرر والضرار في ضمن أحاديث كثيرة، وكتب فيها العلماء رسائل متعددة، وقيل في معنى الضر: أن ينقص الرجل أخاه شيئا من حقه، وفي المكر، إن أصله الخداع (2) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((لولا أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر العرب) (3) .

__________________

(1) ميزان الحكمة 7: 220.

(2) راجع النهاية: لابن الاثير، مادة: (ضرر) و (مكر).

(3) البحار 41: 109.

٩٤

[13]

قول رسول الله (ص):

(قال الله تعالى: يابن آدم، لا يغرنك (1) ذنب الناس عن ذنبك (2)

ولا نعمة الناس عن (3) نعمة الله تعالى عليك

ولا تقنط الناس (4) من رحمة الله (5) وأنت ترجوها لنفسك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 15، ورواه الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الحديث 27. وأورده العلامة المجلسي في البحار 70: 388، الحديث 55. و 71: 45، الحديث 50. و 73: 359، الحديث 81. وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 72، عن الباقر، عن النبي (ص) والشيخ ورام في تنبيه الخواطر 2: 77، عن علي، عن النبي (ص).

ورواه من العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 4: 316. وابن عراق في تنزيه الشريعة 2: 344.

__________________

(1) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (لا يغرك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ذنب نفسك).

(3) في البحار 70: 388: (من).

(4) في هامش الصحيفة: (لم ترد (من نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس) في بعض النسخ).

(5) في صحيفة الرضا عليه السلام زيادة: (تعالى عليهم). وفي البحار زيادة: (تعالى). وفي هامش الصحيفة: (لم ترد (عليهم) في العيون والبحار) وعن بعض النسخ: (عليك).

٩٥

[14]

قول رسول الله (ص):

(ثلاثة (1) أخافهن على امتي (2) :

الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة (3) البطن والفرج).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 17. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29: الباب 31، الحديث 28 والمواعظ: 104، الباب 9، الحديث 1. ومن لا يحضره الفقيه 4: 407، الباب 175، الحديث 5881. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 111، المجلس 13. الحديث الاول. والشيخ الكليني في الكافي 2: 79، الباب 38، الحديث 6. والشيخ الطوسي في أماليه 1: 158، الباب 6، الحديث 15. والعلامة المجلسي في البحار 10: 368، الحديث 15. و 22: 451، الحديث 7، عن العيون، وعن أمالي الشيخ: 97 و 98. وفي البحار 71: 273، الحديث 19، عن المحاسن 1: 295 الحديث 462. ورواه المحدث العاملي في الوسائل 11: 198، كتاب الجهاد الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5. والعلامة النوري في المستدرك 11: 276، الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 11، عن أمالى المفيد.

ورواه من العامة:

التبريزي في مشكاة المصابيح، الحديث 3712. والمتقي الهندي في كنز العمال،

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام، والبحار: (ثلاث).

(2) في صحيفة الرضا عليه السلام والبحار وكنز العمال زيادة: (من بعدي).

(3) في كنز العمال: (وشهوات).

٩٦

الحديث 43864، عن الديلمي، عن أنس.

فقه الحديث:

الحديث الشريف يبين أمورا هي أعظم الاخطار التي تهدد كيان الامة ويعرف المسلمين ذلك للاجتناب عنها والحذر منها. أولها: الضلالة بعد المعرفة، فإن الهداية الالهية بإرشاد الناس إلى الدين القويم والتمسك بشريعة سيد المرسلين مهدد بميل النفس إلى الضلال والغواية، والشيطان بالمرصاد لكل مؤمن متقي ليلقيه في أحضان الكفر والضلال. فلابد للانسان المسلم من الحذر عن الوقوع في الضلالة بالاستزادة من نور المعرفة، وارتياد مجالس العلم، وطلب الحكمة أينما كانت ليكون على أتم استعداد لمواجهة قوى الكفر والضلال.

وأما الفتن، وهي ثاني الامور التي تهدد كيان المسلم إذا لم يتأهب لها بالتسلح بالعلم والعقيدة الصحيحة. والفتنة لابد منها، فبها يمتاز الصادق في إيمانه عن المتظاهر، والمؤمن عن الكافر، والمستقيم على الهدى عن غيره، قال سبحانه: ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) (العنكبوت: 29 / 1).

فالفتنة بالنسبة إلى المؤمن المتقي الثابت تكون كالكير ينفي خبث الحديد وهو تمحيص، وأما بالنسبة إلى من لم يأخذ من الايمان بالحظ الا وفى فقد توجب له الانزلاق والتردي في الضلال والارتداد بعد الهدى، فلا بد قبل أوان الامتحان من الاستزادة بالعلم والمعرفة وتقوية جذور الايمان في القلب، حتى لا يكون الممتحن فيها من الفئة الاخيرة.

وأما شهوة البطن والفرج، فهما من أعظم الفتن التي ابتلي بها الانسان في الدنيا، وهما مصدر كل شر لو لم يتوقى الانسان من شرهما بتهيئة ما يغنيهما من الحلال.

٩٧

[15]

قول رسول الله (ص)

(أتاني ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك (1) السلام، ويقول (2) :

إن شئت جعلت لك بطحاء مكة (3) ذهبا. قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت (4) :

يا رب (5) أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 76. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 30، الباب 31، الحديث 36، كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 124، المجلس 15، الحديث الاول. والسبزواري في جامع الاخبار: 126. والحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 52، الحديث 139. وعنه البحار 16: 283، الحديث 130. ومشكاة الانوار: 294. ورواه العلامة المجلسي في البحار 16: 220، الحديث 12، عن العيون، وصحيفة الرضا عليه السلام. وفي 72: 164، الحديث 13، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 12: 52 الباب 63 من

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (يقرأ عليك). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يقرأك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ويقول لك).

(3) بطحاء مكة، ويقال لها الابطح أيضا، وهو البطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.

(4) كذا في أمالي المفيد، وفي الاصل: (فأرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي المصادر الاخرى: (فرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي البحار (16: 220): (فرفع رأسه إلى السماء وقال). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فرفعت رأسي إلى السماء فقلت).

(5) في كنز العمال: (لا يا رب).

٩٨

أبواب جهاد النفس، الحديث 3، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط: 37. وفيه: (جاء إلى رسول الله ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، وهو يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض (1) ذهب. قال: فرفع رأسه... الحديث).

ورواه من العامة:

أحمد بن حنبل في المسند 4: 30. والمتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 18616، عن الحسن، عن أمير المؤمنين عليه السلام. والسيوطي في الدر المنثور 5: 338، ورواه الجزري في جامع الاصول 10: 137، ذيل الحديث 7614.

والترمذي في سننه برقم 2348، بلفظ، (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا...).

فقه الحديث:

النبي (ص) اسوة كل مسلم في كل شئ، وقد اختار الله له أن يكون أعرف الناس بالحقائق، فمن هناك عزف عن المال والذهب وما يتعلق بالدنيا، وانتخب الزهد، ليكون دائم الاتصال بربه، إذا جاع سأله، وأذا شبع شكره.

وهذا تعليم لاتباعه على سلوك نفس الطريق وعدم التكالب على الدنيا، لانه موجب للاعراض عن الاخرة، والغفلة عن الرب تعالى. وقد قال الله تعالى: ( إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ) (2) ، فالغني موجب للطغيان إلا من عصم الله.

__________________

(1) الرضراض: الحصى أو صغارها، والارض المرضوضة بالحجارة. والمراد دقاق الذهب، أي ما رض منه.

(2) العلق: 96 / 6.

٩٩

[16]

قول رسول الله (ص):

(عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة [لا محالة] (1) ،

وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق (2) في النار لا محالة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 86. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 31، الباب 31، الحديث 41، وعنهما البحار 71: 386، الحديث 31. ورواه الطبرسي في مجمع البيان 5: 333، وعنه البحار 71: 383. ورواه العلامة المجلسي في البحار 10: 369، الحديث 19. والمحدث العاملي في الوسائل 8: 506 الباب 104 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 17 و 11: 324، الباب 69 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

وورد مرسلا في روضة الواعظين: 441، ومشكاة الانوار: 223.

ورواه من العامة:

الحاكم في المستدرك 1: 23. والديلمي في مسند الفردوس، الحديث 4033، عن علي عليه السلام.

فقه الحديث:

الخلق الحسن مفتاح السعادة والفلاح، ليس في الدنيا فقط، بل هو مفتاح الجنة أيضا.

فصاحب الخلق الحسن كثير الاصدقاء والاعوان والاحبة، وإن كان

__________________

(1) من صحيفة الرضا عليه السلام والمصادر الناقلة لهذا الحديث.

(2) في هامش النسخة: (أي صاحب سوء الخلق).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

للشريعة، بل عمل بالشريعة نفسها، على شريطة أن تقدر الضرورة بقدرها، فيكتفي المضطر بما يدفع عنه الضرورة والضيق، وبارتفاع الضرورة يرتفع المسوغ الشرعي والعقلي، ويبقى الشيء على حكمه الأول، ويكون التعدي بغياً وعدواناً «فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إِثم عليه». «فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإِن اللّه غفور رحيم». «وقد فصل لكم ما حرم عليكم إِلا ما اضطررتم إليه».

معنى الاضطرار:

ليس للاضطرار ضابط خاص يرجع إليه الفقيه، وإِنما يختلف باختلاف الأشخاص، والعوامل الخارجية، والدوافع النفسية، فرب حالة تعد اضطراراً بالقياس إِلى إِنسان دون غيره، بل رب حالة تكون اضطراراً لإنسان في مورد ولا تكون اضطراراً له في مورد آخر، ولذا قيل: لكل مقام مقال، ولكل سؤال جواب، ولكل حادث حديث.

وعلى أي الأحوال فليس معنى الاضطرار - في مقامنا هذا - أن يكون الإنسان مجبراً على الفعل، على نحو لا يكون له معه مندوحة إلى الترك، فإن الفعل - والحالة هذه - لا يتصف بحسن أو قبح، ولا يحكم عليه بحل او تحريم، لأنه خارج عن القدرة والاختيار، وإِنما المقصود من الإضطرار أن يكون الإنسان قادراً على الفعل والترك معاً، ولكنه يختار الفعل لعامل خارجي أو دافع نفسي، كمن لا يملك إلا ثوباً واحداً يتستر به، فاضطره الجوع إلى بيعه، ليشتري بثمنه رغيفاً يسد رمقه، ويقيم أوده.

وقد ذكر الفقهاء أسباباً تخفف على المجرم عقاب الجريمة، وأعذاراً تعفي المضطر من كل عقاب، غير أنهم لم ينظموها في مبحث واحد، بل جاءت متفرقة في أبواب الفقه هنا وهناك، ولو جمعت لكانت كتاباً مستقلاً.

٣٢١

اسباب التخفيف:

ومن أسباب التخفيف التي ذكرها الفقهاء: أن الزاني إذا كان أعزب أو متزوجاً يتعذر عليه الوصول إلى زوجته لمرض أو سفر فعقابه الجلد دون الرجم، وإذا كان متزوجاً يمكنه الوصول إلى زوجته ساعة يشاء يعاقب بالرجم، وأن السارق تقطع يده، إذا نقب نقباً، أو كسر قفلاً أو باباً، أما إذا أخذ المال من غير حرز كسرقة الثمرة على الشجرة، أو السرقة من الحقل والبيدر فلا تقطع يده(١) .

الدفاع عن المال والنفس والحريم:

ومن الأعذار التي تعفي المضطر من كل عقاب، الدفاع عن المال والنفس والعرض، ولو أدى الدفاع إلى قتل المعتدي، وعليه جميع المذاهب، قال صاحب المغني ج ٧ «لا أعلم فيه خلافاً» وقال صاحب الجواهر والمسالك «القتل دفاعاً عن النفس والمال لا يوجب قصاصاً. ومن وجد مع زوجته رجلاً يزني بها فله قتلهما معاً، ولا إِثم عليه» وفي الآية الكريمة «ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً» والمعتدي قتل ظالماً لا مظلوماً، وقال الشهيد في المسالك «ألا قوي وجوب الدفاع عن النفس والحريم مع الإمكان، ولا يجوز الإستسلام» أي يجب على الإنسان أن يدافع عن نفسه وحريمه بكل وسيلة، ولو بقتل المعتدي، على شريطة أن يعتمد في الدفاع على الأسهل فالأسهل، كالصياح أولاً، ثم الضرب ثم الجرح، وأخيراً القتل، أما الدفاع عن المال فجائز فعله وتركه.

حاجة المضطر إلى الطعام

ومن الأعذار: حاجة المضطر إلى الطعام، فقد أباح فقهاء المذاهب للجائع الذي يخاف التلف على نفسه أن يتناول كل ما يحفظ به نفسه، ويسد رمقه، فأباحوا له أكل الميتة، والسرقة والنهب والقتل، قال صاحب المغني في باب الصيد والذبائح ج ٨ «إذا لم يجد المضطر إِلا طعاماً لغيره، فإن لم يكن صاحبه مضطراً إليه لزمه بذله للمضطر، فإن لم يفعل فللمضطر أخذه منه، لأنه مستحق له دون مالكه، فإن احتيج في ذلك إلى قتال فله قتاله، فإن قتل المضطر فهو شهيد، وإن آل أخذه إلى قتل صاحب الطعام فدمه هدر لأنه ظالم» وقال صاحب المسالك ج ٢ باب الأطعمة والأشربة: «إن كان المضطر قادراً على صاحب

_____________________

(١) المغني طبعة ثالثة ج ٧ ص ٢٤٨، والجواهر والمسالك باب الحدود.

٣٢٢

الطعام قاتله، فإن قتل المضطر كان مظلوماً، وإن قتل صاحب الطعام فدمه هدر».

ومن الطريف ما ذكره كثير من فقهاء السنة والشيعة وإن المضطر إِن لم يجد إلا نفسه جاز له أن يقطع بعض أعضائه غير الرئيسة التي لا يؤدي قطعها إلى هلاكه، ويأكلها، وأنه إذا وجد إنساناً ميتاً جاز له أن يأكل من لحمه.

وأول ما يختلج في النفس أن الفقهاء قد استوحوا هذا الفرص وأمثاله، من الفقر والحرمان في العصر الذي عاشوا فيه، وإن شأن المضطر في حركاته وسكناته أشبه بشأن الجماد تسيره قوة خارجة عنه، لأنه لا يصغي ولا يمكن أن يصغي لقول: هذا حسن يجب فعله، وذاك قبيح يجب تركه:

وقد التقت النظرية القائلة «إن الفقر ليتحدى كل فضيلة» بنظرية الفقهاء «لا عقاب مع اضطرار» بل هي عينها، وكفى بالفقر عقاباً.

وقال الشيخ محمد الأعسم في منظومة الأطعمة والأشربة(١) :

الفضل للخبز الذي لولاه

ما كان يوماً يعبد الإله

ومن الأمثلة عندنا في جبل عامل «الجوع كافر» ولعل مصدر هذا المثل قول أبي ذر: «إِذا ذهب الفقر إِلى بلد قال له الكفر خذني معك» فقد تجول هذا الصحابي في قرى العامليين - جنوب لبنان - ينذر ويبشر أهله، عندما نفاه عثمان إلى بلاد الشام.

وليس الفقر كفراً فحسب، بل هو الموت الأكبر، كما قال الإمام علي بن أبي طالب ع، موت للعقل والروح والجسم، فلا صحة ولا علم، ولا فضيلة مع فقر، فالجهاد للقضاء على الفقر أفضل من كل جهاد عند اللّه سبحانه، لأنه جهاد في سبيل الإيمان باللّه والعمل بشريعته وأحكامه.

_____________________

(١) الشيخ محمد علي الأعسم عالم من علماء النجف وشعرائها، له منظومات في الفقه والعربية، توفي سنة ١٢٤٧ هجرية.

٣٢٣

اليمين وأحكامها *

وردت اليمين في كلام اللّه سبحانه، كقوله عز وجل: والقرآن، والعصر، والنجم، والتين والزيتون، وما إلى ذلك مما جاء في الكتاب العزيز، ووردت في كلام الأنبياء والأئمة فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يحلف: والذي نفس أبي القاسم بيده، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، وكان الإمام (ع) يحلف: والذي أصوم وأصلي له، وتجدها في كلام العلماء والجهال، والملوك والصعاليك، وتكاد توجد حيث يوجد ضمير المتكلم، وأكثر ما تكون استعمالاً في كلام التجار والنفعيين.

وعرفت اليمين كتب الشرائع والقوانين، وأطال الفقهاء الكلام في أقسامها وأحكامها وفي الحالف وشروطه، والمحلوف عليه وبه، قال الشيعة الإمامية: لا يتحقق معنى اليمين إِلا إذا كان القسم باللّه وأسمائه الحسنى وصفاته الدالة عليه صراحة، فمن حلف بالقرآن والنبي والكعبة، وما إلى ذلك لا يكون القسم شرعياً، ولا يترتب على مخالفته إِثم ولا كفارة، ولا تُفصل به الدعاوى في المحاكمات، ووافقهم على ذلك أبو حنيفة.

قال الشافعي ومالك وابن حنبل تنعقد اليمين إذا كان الحلف بالمصحف، وتفرد ابن حنبل عن الجميع بأنها تنعقد بالحلف بالنبي(١) وثبت من طريق الشيعة والسنة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: من كان منكم حالفاً فليحلف باللّه أو ليذر. ومن طريق الشيعة أن محمد بن مسلم سأل الإمام الباقر (ع) عن قول اللّه عز وجل: والليل

_____________________

* - نشر في العرفان آذار سنة ١٩٥١.

(١) الدرر شرح الغرر ج ١ باب الإيمان. وميزان الشعراني ج ٢ باب الإيمان.

٣٢٤

إِذا يغشى، والنجم إذا هوى وما أشبه ذلك فقال: إِن للّه عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء. وليس لخلقه أن يقسموا إِلا به.

وتنقسم اليمين إلى أربعة أقسام:

١ - يمين اللغو، وهي التي لا يعتد بها الناس، فلم يقصدوا بها جلب مغنم، ولا دفع مغرم وإنما تدور على ألسنتهم جرياً على المعتاد، كما تقول لمن قال لك: ألا تحبني: بلى واللّه، ولمن قال لك: أرأيت فلاناً أو معك صرف ليرة: لا واللّه، وقولك: فلان رجل طيب واللّه، تقول ذلك من غير قصد اليمين، وليس لهذه اليمين أي أثر عند السنة والشيعة، فصاحبها غير مؤاخذ ولا تجب عليه كفارة سواء أطابق قوله الواقع أم لم يطابق، لأنها ليست بيمين حقيقية، ولا تشبهها في شيء إلا في الصورة والصيغة.

وفي سورة البقرة آية ٢٢٥ «لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم، واللّه غفور رحيم».

القسم الثاني: يمين المناشدة، وهي الحلف على إنسان ليفعل أو يترك، وهذه لا أثر لها عند السنة والشيعة لا بالنسبة إلى المقسم، ولا بالنسبة إلى المقسم عليه، وعن الإمام الصادق في رجل أقسم على آخر قال: ليس عليه شيء، إنما أراد إكرامه، وتسمية هذا القسم باليمين ضرب من التجوز.

القسم الثالث: يمين الغموس، وهي الحلف باللّه سبحانه على شيء في الماضي أو الحال مع تعمد الحالف الكذب، وسميت بالغموس لأنها تغمس صاحبها في الذنوب الآثام، وبها تفصل الدعاوى في المرافعات، وتستعملها الناس كثيراً لينفوا عنهم ما نسب اليهم من فعل أو ترك أو لإرضاء المحلوف له، أو ترغيبه كيمين التجار والنفعيين، وهي من أعظم الكبائر مع عدم الصدق، وتكرر النهي عنها في القرآن الحكيم «لا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم. تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم. لا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل اللّه ولكم عذاب عظيم. ولا تطع كل حلاف مهين. يحلفون باللّه لكم ليرضوكم واللّه ورسوله أحق أن يرضوه إِن كانوا مؤمنين.

٣٢٥

يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا فإِن اللّه لا يرضى عن القوم الفاسقين» والدخل الخيانة، وفي الحديث أن موسى نبي اللّه أمر أن لا يحلفوا باللّه كاذبين وأنا آمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين ولا صادقين، واتفق السنة والشيعة على أنها توجب الإثم والعقاب ولا توجب الكفارة، لأنها أعظم من أن يكفر عنها إلا الشافعي حيث أوجب التكفير(١) .

القسم الرابع: اليمين المنعقدة، وهي الحلف على آت في المستقبل فعلاً كان أم تركاً، وفي ميزان الشعراني ج ٢ باب الأيمان «إن هذه اليمين تنعقد عند الأئمة الأربعة في الطاعة والمعصية والمباح» وفي الدرر ج ١ باب الأيمان «لو حلف إنسان على معصية كعدم الكلام مع أبيه، وترك الصلاة تنعقد اليمين ويحنث ويكفر - والحنث هو عدم العمل بموجب اليمين - ولو قال كل حلال عليَّ حرام فالقياس أن يحنث عند انتهائه من هذه الجملة لأنه تنفس، بل تنعقد اليمين ولو كان الحالف مكرهاً أو مخطئاً كما لو أراد أن يقول اسقني الماء فسبق لسانه وقال واللّه لا أشرب الماء» وفي ميزان الشعراني «لو حلف لا يكلم فلاناً أو ليضربنه مائة سوط تنعقد اليمين ويحنث، أو حلف ليقتلن فلاناً وكان يعلم أنه ميت تنعقد ويحنث مع قول مالك أنه لا يحنث» وفي الجزء الثاني من حاشية الباجوري على شرح الغزي على متن أبي شجاع «لو حلف لا يصلي فصلى تنعقد اليمين ويحنث إلا صلاة الجنازة لأنها لا تسمى صلاة».

وقال الشيعة الإمامية: إِن اليمين لا تنعقد، ولا يكون لها أي أثر إذا كانت على محرم أو مكروه أو ترك مستحب، فمن حلف أن يشرب الخمر أو لا يصلي أو لا يكلم أباه أو زوجته أو ولده أو يقتل إنساناً أو يضربه أو لا يعود مريضاً، وما إلى ذلك تقع اليمين منه لغواً فلا توجب حنثاً ولا كفارة، لأنها حلف على عمل غير مشروع، وتحليل للحرام أو تحريم للحلال أو استكراه لمستحب أو مباح وإنما تكون اليمين صحيحة عند الشيعة لها أثرها الشرعي إذا حلف على عمل واجب أو مستحب أو مباح على الأقل على نحو تعود اليمين بالمصلحة على الحالف أو عدم الضرر، ولو حلف على ترك شيء وكان في صالح الحالف حين الحلف، ثم احتاج إليه تنحل اليمين، ومثاله أن يحلف إنسان على ترك أكل اللحم لغاية صحية، تنعقد اليمين، فإِذا أكل اللحم والحالة هذه يأثم ويكفر، ولو تحسنت

_____________________

(١) ميزان الشعراني ج ٢ باب الأيمان.

٣٢٦

صحته بعد ذلك ، واحتاج إلى أكل اللحم ، تنحل اليمين ، ويصبح في حل منها. فكما أنها لا تنعقد أبداً على ما كان تركه أولى وأرجح، فإنها تنحل بعد انعقادها إذا صار مرجوحاً.

أما كفارة هذه اليمين المنعقدة لو خالف الحالف فعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ومن عجز عن ذلك كله فصيام ثلاثة أيام عند جميع المذاهب للآية ٨٩ من سورة المائدة «فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم».

أما يمين البراءة من الحق فحرمتها مؤكدة عند جميع المذاهب سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: أنا بريء من دين محمد إن لم أفعل كذا فما كلمه الرسول حتى مات، وفي الحديث أن من حلف بالبراءة من الحق فقد برئ منه كاذباً كان أو صادقاً. اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه.

٣٢٧

نحوَ فِقْه إسْلامي في أسْلوبٍ جَديد *

إن من تتبع آيات الأحكام وأحاديثها، وتدبر معانيها وأسرارها يرى أن التشريع الإسلامي يرتكز على أصول ومبادئ عامة هي:

الحرية، وحقن الدماء، وصيانة الفروج والأموال، واحترام العقائد، وعدم الضرر والحرج، والوفاء بالعهد، وحفظ النظام، وعقوبة الجاني، وتغريم المعتدي، وعدم الغش والخيانة، وإباحة الطيبات، وتحريم الخبائث، ومراعاة العقل والعدل، ودرء المفاسد، وجلب المصالح، وفصل الخصومات بالصلح والحسنى مع الإمكان، وإلا فبالقوة على أساس الحق، والأخذ بالمعرف مع عدم وجود النص المعاكس والمساواة بين الناس جميعاً، وما إلى ذلك مما تستدعيه الحاجة، ويفرضه الظرف، ويقره المنطق السليم.

إن هذه المبادئ هي الأسس الثابتة للتشريع الحديث، والمصادر الأولى التي يستقي منها المشرع العصري أحكامه وأراءه، أسس راسخة لا تتغير بتغير الزمن، ولا تتبدل بتبدل الأحوال، وإنما تتطور الأسباب والحاجات التي تمثل هذه المبادئ. فقبل عصر الآلة كان العرف يعتبر قيوداً وشروطاً في البيع والتجارة لا تتم بدونها، وبعد أن زاد الإنتاج، وتطورت وسائل النقل، واتسعت حدود التجارة وأسبابها براً وبحراً لم تعد تلك القيود مرعية عند العرف، وأصبح التاجر الشرقي يشتري من التاجر الغربي الصفقات الكبرى بهاتف أو برقية، ويتم البيع بينهما قبل استلام المثمن وقبض الثمن، ثم يبيع الشرقي هذه الصفقات بالوسيلة نفسها، فالشرع - والحالة هذه - يلغي الشروط التي كانت معتبرة قبلاً، ويلزم

_____________________

* - نشر في النشرة القضائية أيار ١٩٥١.

٣٢٨

المتابعين بما التزما، والزمتهما به غرفة التجارة، فالمعول شرعاً على العرف الذي يختلف باختلاف الزمن، ولا ينظر إلى الوسائل مهما كان نوعها ما دامت لا تحرم حلالاً، ولا تحلل حراماً، وبهذا نجد تفسير الحديث المشهور «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة» أي أن المفاهيم العامة كالبيع مثلاً بمعناه الشامل كان حلالاً في عهد محمد ص، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة، وإن تطورت أفراده بتطور الزمن.

فأي حكم يتنافى مع مبدأ من هذه المبادئ فهو محل للاعتراض والطعن، ولا يسوغ نسبته إلى الإسلام وشريعته، وإن كان الحاكم به مرجع المؤلفين قديماً وحديثاً، وشيخ المجتهدين علماً وورعاً، بل إذا كان الحديث مخالفاً لهذه المبادئ يجب إهماله أو صرفه عن ظاهره، وإن كان راويه من السابقين الأولين، حيث ثبت بطريق السنة والشيعة أن النبي أمر أن يعرض ما روي عنه على كتاب اللّه، فما وافقه فهو قائله، وما خالفه لم يقله(١) .

وعلى الرغم من إيمان فقهاء السنة والشيعة بهذه المبادئ العامة، واعترافهم بأن الشريعة الإسلامية ترتكز عليها، وتستنير بضوئها فإنك تجد في كتبهم أحكاماً لا تتفق مع مبدأ من مبادئ الإسلام، وقد تجاوزت هذه الأحكام حد الإحصاء. نقدم بعضها بين يدي القارئ ليكون شاهداً على ما نقول منها: ما أجمع عليه فقهاء الشيعة أنه إذا كانت عين في يد إنسان فأقرّ بها لآخر، ثم أقرّ بها لغيره، كما لو قال: هي لزيد، بل هي لعمر وجب على المقر أن يدفع العين للأول، وثمنها بكامله للثاني، لأنه ساوى بينهما في الإقرار. يعطي العين للأول لتقدم الإقرار له وثمنها للثاني، لأنه أحال بينه وبين حقه. وهذه «الحيلولة» بمنزلة التلف(٢) . ان مثل هذا الحكم ضرر فاحش على المقر، حيث حكم عليه بأكثر مما ثبت في الواقع، وأن أحد المحكوم لهما أخذ منه ما لا يستحقه ظلماً وعدواناً بحكم القضاء.

ومنها: ما أجمع عليه فقهاء الشيعة أيضاً أنه إذا ظلم قوي عاملاً فحبسه حائلاً

_____________________

(١) كتاب فرائد الأصول للشيخ الأنصاري من الشيعة، وكتاب فجر الإسلام نقلاً عن الموافقات للشاطبي من السنة.

(٢) كتاب الجواهر، باب الاقرار، وجميع كتب الفقه للشيعة.

٣٢٩

بينه وبين عمله الذي يدر عليه وعلى عياله القوت قالوا: إن القوي آثم يستحق الذم والعقاب، ولكن لا يجوز الحكم عليه بالمبلغ الذي فوته على العامل أي لا يحكم عليه بالعطل والضرر «أما لو غصب دابة ضمن منافعها سواء استوفاها الغاصب أم لا»(١) مستندين في ذلك إلى أن العامل نفسه إنسان حر لا يتقوم بمال، فمنافعه كذلك، بخلاف الدابة فإنها تتقوم هي ومنافعها بالمال(٢) . وهذا الحكم يتنافى مع مبدأ الحرية واحترام الأنفس والأموال. والعرف لا يرى أدنى تفاوت بين حبس عامل لو ترك حراً لحصل على المال، وبين التعدي على ماله الحاصل.

ومنها: ما ذكره صاحب المسالك، وصاحب الجواهر من فقهاء الشيعة في باب الطلاق «إذا كرهت المرأة زوجها، وأرادت انفساخ عقد الزواج، فارتدت عن الإسلام انفسخ العقد وبانت منه. فاذا رجعت بعد ذلك إلى الإسلام قبل منها وتمت الحيلة» ومثل هذا الاحتيال على الدين لتحقق الأهواء والشهوات لا يقره عقل ولا شرع سماوي أو وضعي(٣) .

ومنها: ما جاء في كتاب الميزان للشعراني من السنة (ج ٢) باب الصيد والذباحة: أن ابن حنبل قال (لا يحل صيد الكلب الأسود - ووجهة صاحب الكتاب - بأنه شيطان، وصيد الشيطان رجس، لأنه لا كتاب له، ولو كان له كتاب لحل صيده) وفي باب الشهادات من الكتاب المذكور نقلاً عن ابن حنبل أيضاً: أنه لا تقبل شهادة البدوي على القروي.

وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (ج ٤ ص ٢٨٩) (إذا أراد رجل أن يقول لزوجته: أنت ظاهر، فسبق لسانه، وقال: أنت طالق يحكم القاضي بصحة الطلاق.

_____________________

(١) كتاب الوسيلة الكبرى، باب الغصب للسيد أبو الحسن.

(٢) كتاب الجواهر باب الغصب.

(٣) عرضت لي هذه الحادثة حين كنت قاضياً في محكمة بيروت الشرعية. كرهت امرأة زوجها وطلبت منه الطلاق فامتنع، فأشار عليها بعضهم بالارتداد، فارتدت عن الإسلام إلى النصرانية، وسجلت ارتدادها عند المحافظ وفي دائرة الاحصاء وقدمت لي طلباً بفسخ الزواج، فأصدرت قراراً بتاريخ ١٩ شباط سنة ١٩٤٩ برد طلبها وبقاء الزواج فاستأنفت قراري فأصدرت محكمة الاستئناف الشرعية قراراً بتاريخ ٨ كانون الأول سنة ١٩٤٩ بفسخ الزواج بينها وبين زوجها، وبعد هذا القرار رجعت إلى الإسلام وتزوجت غيره وتمت الحيلة.

٣٣٠

وفي كتاب الذخائر الأشرفية لابن الشحنة الحنفي باب النكاح «إذا علق رجل طلاق امرأته على رؤية شيء، وقد كانت حاملاً، فخرج إلى السوق، ورأى ذلك الشيء ووضعت امرأته حملها، وعندما رجع إلى بيته وجدها متزوجة برجل آخر فيصح الطلاق من الزوج، والزواج من الآخر».

إن هذه الأحكام وأمثالها التي يجدها المتبع في كتب الفقه لرجال الدين لا تعتمد على غير الحدس والاقيسة الباطلة، فمن الخطأ نسبتها إلى شريعة خالدة ذات مبادئ صحيحة ثابتة كالشريعة الإسلامية، إن هذا النوع من الأحكام لا يجوز بقاؤه بحال من الأحوال في كتب الفقه الإسلامي التي يقدسها الأستاذ والطالب، ويعتمد عليها المرجع الأكبر في علمه وعمله.

لقد آن لقادة الدين في النجف والأزهر أن يصفوا الحساب مع هذه الكتب، فيدرسوها دراسة علمية صحيحة، ويختاروا منها ما يتفق مع حاجاتنا الاجتماعية والاقتصادية، ومع المبادئ العامة للتشريع الإسلامي، ويظهروا ما في بطونها من كنوز وفوائد لا نجدها في قانون قديم وحديث، ويهملوا هذه السخافات التي تعود بنا إلى عهد الجهل، ودور الوحشية، وتعوقنا عن التفكير في مسايرة الحياة وأطوارها.

اعتمد التشريع الإسلامي في بدايته على الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وكان هذان الأصلان يومذاك كافيين وافيين باغراض الحياة الساذجة البسيطة في عهد الرسول، وبعد أن تطورت الحياة، وفوجئ المسلمون بأمور لا يعرفون عنها وعن أحكامها كثيراً أو قليلاً، ورأى فقهاؤهم أن الجمود عند نصوص الكتاب والسنة لا يزيل جهالة، ولا يرشد إلى هداية لجأوا إلى أصول أخرى للتشريع غير الكتاب والسنة، فقال السنة: عندنا القياس، وقال الشيعة: عندنا العقل، ولكن الكثيرين منهم وخاصة «المتأخرين» دونوا أحكاماً تتنافى مع روح التشريع الإسلامي ومبادئه العامة، ولا يؤيدها قياس صحيح أو عقل سليم.

يجب على الفقيه إذا عرضت له مسألة من المسائل أن يستخرج حكمها - قبل كل شيء - من آيات الأحكام وأحاديثها الثابتة على أن يراعي في تخريج الحكم المبادئ العامة للتشريع فإذا وجد آية أو رواية تتنافى بظاهرها مع مبدأ منها وجب أن يصرفها عن ظاهرها، ويؤولها بما يتفق مع العقل والمنطق، وإذا فقد النص من الكتاب والسنة تتبع أقوال الفقهاء، فإن وجد لها أثراً في كلامهم نظر إلى دليلهم غير مقلد لأحد في أصل أو فرع كائناً من كان، فإن كان معقولاً وكفيلاً

٣٣١

بالغاية المنشودة من الشرع عمل به، وإن لم يجد لمسألته أثراً في كتبهم، أو وجد حكمها من النوع الذي نقلناه، اعرض غير مكترث بالمتون والشروح والحواشي، ورجع إلى عقله واجتهاده، وركز حكمه على مبادئ التشريع مسترشداً بالقواعد العامة التي قررها العقل، ووضعت لحل المشكلات والمعضلات. يجب أن نسترشد بكل قاعدة وأصل وضع لرفع مستوى التشريع سواء أكان واضعه شيخاً قديماً أو جديداً، ما دام الأصل يتفق مع منطق العقل، وروح الشرع.

نحن نعتقد أن الشريعة الإسلامية شريعة خالدة تمتاز بروح المرونة، والتطور مع كل عصر، وأن الشرائع الحديثة قد اقتبست الكثير من أحكامها. ولكن هذا لا يمنعنا من إعلان الحق بأن فيها إلى جانب ذلك أحكاماً دخيلة ابتدعها التعصب والجهل، وأنها في أشد الحاجة إلى التقليم والتطعيم، وهذا لا يحط من شأنها، ولا ينزلها عن عرشها، فهذه أرقى القوانين الحديثة التي هي نتيجة التفكير العميق، والدراسة الصحيحة ما زالت معرضاً للتعديل والتبديل، والزيادة والنقصان، فأحرى أن يعرض ذلك لما في كتب الفقه التي مضى عليها قرون عديدة، وهي على وضعها وطبعها، وترتيبها وتبويبها، مع أن أصحابها لا يعلمون الغيب، ولا يتنزهون عن الخطأ.

وضع الفقهاء كتباً، وبوبوا أبواباً خاصة للأمور الاجتماعية والاقتصادية كالزواج والطلاق، والتجارة والاجارة، وأكثروا فيها من الفروع والقروض، ومع هذا كثيراً ما تعرض لنا مسائل من هذه الأبواب نجهل حكمها، فنرجع إلى كتبهم وأبوابهم باحثين عن الحكم فلا نجد له أثراً في فروعهم وفروضهم على كثرتها، فكيف بما لم يفردوا له باباً مستقلاً، ولا عنواناً خاصاً كالملاحة والتجارة البحرية ونظم البريد التي هي من صميم الحياة، والتي وضع لها المشرع العصري قوانين في مجلد ضخم يبلغ مئات الصفحات.

لقد تطورت الحياة، وتعددت شؤونها واحداثها، ولم يبق شيء حقير أو خطير على ما كان عليه في عهد الفقهاء السالفين، فمن المستحيل أن تبقى الأحكام جامدة راكدة، وموضوعاتها في تغير مستمر، ان الحكم متفرع من موضوعه فيثبت بثبوته وينتفي بانتفائه ويتطور بتطوره.

٣٣٢

مَعرَكة في الأزهَر * بين المجددين والمحافظين

قامت في الجمهورية المصرية معركة عنيفة حول الأزهر ومشاكله، واستمرت شهرين على التقريب. يضم الأزهر من العلماء والطلاب ما يربو على العشرين ألفاً، كما أن ميزانيته تربو بكثير على المليون من الجنيهات.

وسبب المعركة أن الاستاذ خالد محمد خالد وجه إلى الشيخ عبد الرحمن تاج على أثر توليه مشيخة الأزهر ستة خطابات مفتوحة يحثه فيها على أن يسير بالأزهر إلى الامام. وأن لا يبقى ما كان فيه على ما كان، وحركت خطابات الاستاذ خالد أفراداً من داخل الأزهر وخارجه، فناصره فريق، وعارضه فريق. ورأيت أن الخص لقراء العرفان أقوال الطرفين، لما فيها من فائدة ومتعة، ولما للأزهر من قدر ومكانة في نفوس القريبين والبعيدين.

يعتقد الأستاذ خالد أن الأزهر عقدة التنفس للمصريين وغيرهم من العرب والمسلمين وانه إنما وجد لخير العروبة والإسلام، ولكن الكثير من شيوخه لم يفهموا هذه الرسالة، أو فهموها ولم يعملوا لها، بل تاجروا بالإسلام بغير مبرر، وباعوه بغير ثمن، وقد أزاح الاستاذ خالد الستار عن بعض ما يعانيه الأزهر من الأدواء، وقدم الحلول لعلاجها واستئصالها.

من هذه الأدواء أن بعض حملة العمائم ينعقون مع كل ناعق لا يردعهم رادع من دين أو عقل. ففي عام ١٩٥١ جاء إلى مصر مدير أقلام المخابرات الإنكليزية في الشرق الأوسط، واستحصل من شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية ووكيل الأزهر على فتوى بأن الإسلام يحرم تحديد الملكية. وفي عام ١٩٣٧

_____________________

* - نشر في العرفان نيسان ١٩٥٤.

٣٣٣

كان الاستاذ يدرس في الأزهر عند أحد الشيوخ، وكان هذا الشيخ يمقت الإمام الراحل المراغي، ويلتمس له العثرات ليحدث تلاميذه بها، وذات يوم رأى التلاميذ شيخهم هذا يقبل يد المراغي، وينحني له كأنه في ركوع، وفي أثناء الدرس سأل التلاميذ شيخهم عن تلك المودة والخضوع، فأجاب الشيخ: يا أبنائي «نقبلها ونلعنها» وقد تأكد التلاميذ فيما بعد أن «نقبلها ونلعنها» قاعدة مطردة يلتزمها معظم شيوخ الأزهر. وفي عام ١٩٣٦ كان الاستاذ خالد يدرس كتاباً كبيراً في الفقه يضم بين دفتيه حشداً من المسائل التافهة، منها «مسألة» من صلى وهو يحمل قربة فساء، فهل تصلح صلاته أم تكون باطلة، ويذكر مثلاً آخر من كتاب التوحيد الذي يدرسه طلاب كلية أصول الدين في الأزهر. قال صاحب هذا الكتاب «لا يجوز عزل الإمام بالفسق والخروج عن طاعة اللّه، ولا بالظلم والجود على عباد اللّه. لأنه قد ظهر الفسق، وانتشر الجور من الائمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين، وكان السلف ينقادون لهم. ولا يرون الخروج عليهم».

ويوم ابتدع فاروق لنفسه نسباً كاذباً برسول اللّه ص قام خطباء المساجد يسألون اللّه أن يوفق مليكهم المعظم ويرعاه، وقال بعض الشيوخ: «لقد علم اللّه أن مليكنا الصالح من سلالة نبيه الكريم، فألهم والده العظيم أن يختار له اسماً قريباً من النبوة ألا وهو الفاروق» وبعد أن ذهب فاروق هذا وقف شيخ من العلماء بين يدي اللواء محمد نجيب فحوقل وبسمل وقال إن فرعون (أي فاروق) علا في الأرض، وجعل أهلها شيعاً.

واجتمعت مرة لجنة الفتاوى بالأزهر، وقررت إِخراج أبي ذر من الإسلام، وظهرت الصحف تحمل طعن العمائم فيه لأن المصلحين والجائعين يستشهدون بأقوال هذا الصحابي الجليل، ونشرت جريدة الأهرام حديثاً لشيخ الأزهر السابق. قال فضيلته: إن الشعب الروسي شقي وتعس، ونظامه الاقتصادي فاشل، والبطالة متفشية، والعمال ساخطون. مع أن هذا الشيخ لو سئل عن حي الزمالك لما عرف أين يقع !

وخاطب الأستاذ خالد شيخ الأزهر قائلاً: أن مهمتك تبدأ من الأجابة على هذا السؤال: هل الأزهر مقبرة أم جامعة ؟ فإِذا كان مقبرة فليبق كما هو، وإِذا كان جامعة فليمض على الدرب الذي خطته الحياة للجامعات. ثم يلتفت ويقول: ان الأزهر في الحقيقة أكثر من جامعة، إِنه غدة تفرز للناس في بلادنا ما لا غنى عنه، وقد خرج في القديم رجالاً لا يستوحون في أعمالهم وأقوالهم غير الدين والعلم. دخل الخديو مرة على شيخ يلقي درسه في فناء الأزهر وقد تحلق الطلاب حوله

٣٣٤

على الحصير، وبسط الشيخ ساقه بسبب مرض بها، فوقف الخديو على الحلقة، فلم يتحول الشيخ من مكانه، ولم يجمع ساقه الممدودة في وجه الخديو، ويعجب الخديو بهذا الشيخ البسيط، ويأمر له بنفحة من المال، فيردها الشيخ قائلاً للرسول: قل لأفندينا: ان الذي يمد رجله لا يمد يده. وعندما توفي الشيخ محمد عبده أرسل الخديو رسولاً إلى شيخ الأزهر يبلغه أن يمتنع هو والعلماء عن تشييع جنازة الإمام، فيلتفت إلى أبناء الأزهر، ويقول على مسمع من رسول الخديو: هيا يا مشايخ إِلى تشييع الجنازة، فيبهت الرسول، ويقول للشيخ: ألا تمتثل رغبة أفندينا ! فيجيب الشيخ في غضب صاعق: ان اللّه وحده هو أفندينا.

ومن الذين ناصروا الأستاذ خالداً في ثورته، ورجا أن لا يخمد لهبها الشيخ حمد حبش من علماء الأزهر ومدرس بأحد معاهده قال: طالما خالجتني المعاني التي تناول شرحها وعلاجها الأستاذ خالد، لكنني كنت أجبن من أن أجهر بها. وذكر مأساة حصلت له. قال: زارني أحد المفتشين وأنا أدرس في بعض المدارس الدينية، فسأل الطلبة في نواقض الوضوء هذا السؤال: رجل من غير دبر، وفتحنا له فتحة في بطنه فما الحكم ! وناصره الأستاذ موسى جلال، ونقل صورة لعالم يحمل الشهادة العالمية من الأزهر قال: جرت مسابقة لوظيفة الإمامية في عهد مصطفى عبد الرزاق حين كان وزيراً للأوقاف، وكان من ضمن الأسئلة هذا السؤال «ماذا تعرف عن قرطبة ؟» فأجاب الشيخ بخط يده ما نصه بالحرف «قرطبة على وزن فعللة، وهي امرأة صحابية جليلة تزوجت صحابياً جليلاً، وانجبت منه تابعين وأتباع التابعين».

أما الذين لم ترق لهم أقوال الأستاذ خالد، وتصدوا للرد عليه فكلمات بعضهم تنبئ بانهم من فصيلة شيخ قرطبة أم التابعين وأتباعهم، وإليك هذه الجملة من تلك الردود «أتى الأستاذ خالد بأمثلة يظن أنها تزري بكتب الفقه من مسائل الطلاق، على أن عين البصير لا ترى هزءاً في ذلك وأي عجب في الصورة التي أبرزها الكاتب - أي خالد - في قول من قال لزوجته «ان لم اقتلك فأنت طالق» أليس يجوز أن يقولها قائل: فهو ان قتل كان قاتلاً، وإن لم يقتل كان مطلقاً».

٣٣٥

أما الآراء التي قدمها الأستاذ خالد، ورآها شافية للأزهر من أدواته، ووافية للسير به في سبيل الحياة والتقدم فتتلخص بأن تتكون لجان تعكف على مراجعة جميع مناهج وكتب التعليم بالأزهر، وتراجع الكتب الدينية المعروضة للثقافة العامة من تفسير وتصوف وسيرة، وتعد قائمة بما لا يتفق منها مع العقل، وتضع اللجان مؤلفاً جديداً يحتوي على خطب تذاع على ملايين المسلمين تكشف لهم النقاب عن الخرافات الدينية، وتنظر اللجان في دراسة الفقه الإسلامي على أن مصدره الكتاب والسنة فقط لا المذاهب الأربعة ولا غيرها.

هذي خلاصة لتلك الخطابات المفتوحة التي وجهها الأستاذ خالد محمد خالد إلى شيخ الأزهر، وما دار حولها من الرد والتأييد، وهي تدل على الوعي والرغبة في أن لا يتخلف الأزهر الشريف عن ركب الحياة السائر دائماً إلى الأمام(١) .

_____________________

(١) المصدر جريدة الجمهورية المصرية العدد ٩ و١٠ و١٢ و١٤ و١٥ و١٧ كانون الثاني ١٩٥٤ والعدد ٦ و٧ و١٠ و١٧ و٢١ و٢٤ شباط ١٩٥٤.

٣٣٦

هَلْ أبو ذرّ اِشتِراكي ؟ *

من الآراء السائدة أن أبا ذر الغفاري ممن آمن بالاشتراكية ودعا إليها وأنه لاقى من جراء ذلك أنواع العذاب، أما سبب هذا الرأي فيعود إلى كفاح هذا الصحابي الجليل في سبيل تنفيذ مبدأ الإسلام ومحاربة البؤس والشقاء.

لم يكن أبو ذر فيلسوفاً ولا صاحب مذهب خاص، بل كان رجلاً ساذجاً عاش في البادية يرعى الماعز والغنم، ثم صحب الرسول الأعظم وأخذ عنه تعاليم الإسلام، فآمن بها، ودعا إليها، فهو لا يعتمد في إيمانه ودعوته على غير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

على هذا الأساس، أساس روح الإسلام ومبادئه حارب أبو ذر قيام الترف والنعيم إلى جانب البؤس والشقاء ونادى بأعلى صوته: لا يحل للإنسان أن يتمتع بثروة لا يحصيها العد والحساب، وجاره جائع يعجز عن القوت، ومريض لا يستطيع التطبيب، وجاهل لا يجد السبيل إلى التعليم.

وإذا دفع الأغنياء من أموالهم ما يسد هذا الفراغ، بحيث تتيسر السبيل إلى الرغيف والدواء والدرس لطلابها فلهم أن يكسبوا الأموال ويجمعوها من حل ويتصرفوا بها كما يريدون ويشتهون ما دامت تصرفاتهم لا تضر بصالح الأفراد ولا الجماعات.

ومن تفهم الإسلام وأخلص له، إخلاص أبي ذر حرم على الإنسان أن يتقلب في نعيم الثراء وأخوه يعذب في جحيم الشقاء، أما إذا كان أخوه في عيشة راضية أو مستور الحال فإن النعيم مباح بل مستحب لكل من وجد السبيل إليه قال تعالى

_____________________

* - نشر في جريدة الجهاد ١٩٥٢.

٣٣٧

في سورة الأعراف آية ٣٢ و٣٣ «قل: من حرم زينة اللّه التي أخرج لعباده. والطيبات من الرزق. قل: إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي».

إن هذه الآية الكريمة أباحت للإنسان أن يحيا في نعيم الطيبات ويظهر بمظاهر الابهة والزينة، بل أنكر اللّه على من حرم ذلك، لأن التحريم ينافي الحكمة من خلق الزينة والطيبات التي أخرجها اللّه لعباده، وحرمت الفواحش والخلاعة وانتهاك الأعراض والحرمات، والإثم والبغي.

وعلى هذه الآية يرتكز تشريع القوانين والأحكام الدينية، فتطلق للفرد حريته وسعادته ومواهبه ولا تكون الحكومة ولا غيرها وصياً ولا ولياً عليه، وإنما تكون رقيباً ومحاسباً ورادعاً له عن الإثم والبغي، عن الاضرار بالغير والتعدي على حقوق الناس، كي لا يعيش إنسان على حساب إنسان.

إن للفرد وجوداً مستقلاً عن غيره، ووجوداً بوصف كونه جزءاً من الجماعة، له حقوقه المادية والأدبية.

ليس للإسلام مذهب خاص يسمى الاشتراكية أو الديمقراطية وإنما هو دين وشرع يدعو إلى العدالة الاجتماعية والمحبة والمساواة يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وقد تلتقي هذه الدعوة من بعض جهاتها مع المذاهب المادية والآراء الفلسفية، وتفترق عنها من جهات أخرى ولا تعني هذه الملاءمة أن تلك الدعوة هي عين هذا المذهب وحقيقته.

وكثيراً ما يحسن الإنسان بذكائه وصفاء فطرته بمعنى من المعاني فيعبر عنه في معرض حديثه بأسلوب ساذج عادي ثم يقرر هذا المعنى كحقيقة علمية جاءت نتيجة لدرس العلماء وتجاربهم، كقول أبي ذر «إذا ذهب الفقر إلى بلد قال الكفر: خذني معك» فقد اثبت العلم أن سلوك الإنسان وليد لحالاته وظروفه فإذا كان جائعاً لم ينتفع بالحكمة الصالحة والموعظة الحسنة، لأنه يفكر ببطنه لا بعقله ومثل هذا الحس الصائب لا يصح أن نسميه مذهباً في الأخلاق، ونظرية في العلوم التي هي نتيجة البحث والاقيسة والاستنتاج.

إن أبا ذر صحابي، مثله مثل أي صحابي آمن باللّه ورسوله، وبالإسلام ومبادئه ولكنه يمتاز عن غيره بالزهد والجهر بالحق، وهاتان الميزتان هما السبب الوحيد لنسبة الاشتراكية إلى أبي ذر.

٣٣٨

كان لأبي ذر زوجة سوداء وكان يرحمها ويرفق بها، وكان أصحابه ينصحونه ويلحون عليه بأن يتزوج غيرها فلا يقبل منهما النصح، وكان إذا وزع العطاء على المسلمين أخذ عطاءه وانفقه على الفقراء وكانت له غنيمات يرعاها بنفسه، ويحلبها بيده، فيبدأ بجيرانه وأضيافه إذا كان عنده رغيفان أعطى أحدهما لذي حاجة، وكان لا يقبل عطاء من حاكم ولا من غيره إلا إذا كان العطاء عاماً. أرسل إليه عثمان مائتي دينار فجاء الرسول، وقال له: هذه من عثمان، وهو يقول لك: إنها من صلب ماله ما خالطها حرام، فقال له أبو ذر: هل أعطى أحداً من المسلمين مثلما أعطاني ؟ قال كلا، فقال أبو ذر: إذهب أنت والدراهم، إنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم ولست في حاجة إلى المال، فقال له الرسول:

أصلحك اللّه إني لا أرى في بيتك كثيراً ولا قليلاً !

فرفع أبو ذر الوسادة وأراه قرصين من خبز الشعير، وقال للرسول: بل عندي هذان وإني لغني بهما وبثقتي باللّه وإيماني بالحق.

يمقت أبو ذر الاحتكار بشتى انواعه ومعانيه حتى الهدايا، فإنها لا تحل له ولا لغيره إذا لم تكن عامة شاملة للجميع، وهو غني بكوز الماء والشعير لأنهما وسيلة تيسر له الوصول إلى هدفه الأسمى وعقيدته المثلى.

أما صراحة أبي ذر فقد جرت عليه الويلات وسببت له الضرب والبؤس والتشريد، عندما أسلم أبو ذر كان عدد المسلمين لا يزيد على أربعة، فتعرض لصناديد قريش، وجهر بالإسلام وتحداهم منادياً بأعلى صوته: لا إِله إِلا اللّه، محمد رسول اللّه. فضربوه حتى كاد يقضى عليه لولا أن يكفهم عنه العباس بن عبد المطلب، ثم عاود فعاودوا الضرب والعذاب. ولما رأى النبي ص أن أبا ذر معرض للقتل، لأن طبعه يأبى السكوت عن الباطل أمره أن يلتحق بأهله حتى إذا كثر المسلمون أتاه.

ولما توفي النبي ص، ورأى أبو ذر الأموال في عهد الخليفة الثالث يبذرها الأقربون هنا وهناك، والناس يقتلهم الجوع والبؤس ثارت ثورته وجن جنونه وصاح في وجه السلطان وفي كل مكان: جمعتم الأموال من الناس فيجب أن تنفقوها على الناس فطرد، ونفي ومات في الصحراء وحيداً، بعد أن مضت عليه ثلاثة أيام لم يطعم فيها شيئاً، هذا والكثير من زملائه الذين هم دونه سابقة ومنزلة عند الرسول يتدفق عليهم الذهب والفضة وتزخر حياتهم بالنعيم وأطايب العيش، وهذي سبيل الإثم والبغي ما تزال، ولن تزال متبعة ما وجد الباطل أنصاراً.

٣٣٩

اصطدم أبو ذر بأصحاب السيادة والثروة لا لأنه يطلب سلطاناً ومالاً، بل لأنه لا يريد أن يقوم الترف والبذخ إلى جنب الفقر والبؤس.

لم يكن أبو ذر صاحب مذهب خاص أو رأي جديد، صحب الرسول وآمن بدعوته على أنها وحي من اللّه سبحانه، وتفهمها على أساس العدل بين الناس أجمعين، فلا تابع ومتبوع، وسيد ومسود، وكرس حياته لتحقيق هذه الدعوة والظفر بها ولم يتخذها كغيره وسيلة للجاه والعيش، فكان ذلك سبباً لأن يتخذ المصلحون من شخصيته هادياً لسلوكهم ورائداً لأهدافهم.

وأي إنسان أدرك الدين على حقيقته كما بشر به الرسل والأنبياء، أدركه على أنه رسالة إنسانية تجاوزت حدود الفردية والعنصرية والإقليمية والطائفية وإن هذه الرسالة غاية تقصد لذاتها لا وسيلة وأداة للميول والشهوات، وأخلص لها إخلاص أبي ذر يكون كأبي ذر قدوة صالحة لكل مصلح ومثلاً أعلى لكل مؤمن.

ليس رجل الدين من نطق بالحكمة وحفظ الأصول والفروع، ولا من آمن بالأساطير والعفاريت والسحر والتخريف فالأول مشعوذ محترف يقلده الجاهلون باسم العلم والمعرفة، والثاني جاهل مخرف يحترمونه باسم الإيمان والقداسة، ولا شيء أعظم من خطرهما على الدين، إذ يبقى بلا قائد ولا رائد، هذا هو السر في ضعف العقيدة الدينية وانصراف الناس عن الدين وأهله.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419