الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان14%

الشيعة في الميزان مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 419

الشيعة في الميزان
  • البداية
  • السابق
  • 419 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142427 / تحميل: 9282
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الميزان

الشيعة في الميزان

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشيعة في الميزان

تأليف:

محمد جواد مغنية

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

تقديم

بسم اللّه الرحمن الرحيم

والحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين

منذ أكثر من ألف عام، وعلماء الإمامية يكتبون ويذيعون عن عقيدة الاثني عشرية كيلا ينسب إليهم ما ليس لهم به علم، ويستدلون عليها بالنصوص بعد درسها وتمحيصها كيلا يكون لأحد فيها مهمز أو مغمز، ويحرصون كل الحرص أن يكون سندها محل وفاق بين جميع المسلمين، لأن الشرط الأساسي عندهم لمدرك العقيدة أن يكون قطعي السند والدلالة على حد تعبيرهم أي العلم القاطع بصحة السند، ووضوح دلالته وضوحاً لا يقبل الشك والتأويل إذا كان المدرك نقلاً عن المعصوم.. وبرغم هذا الحرص والتشدد قال قائل: كل تشيع من أي نوع كان ويكون فهو رفض أي غلو. وقال آخر: هو زندقة. وتسامح ثالث وتساهل قائلاً: الشيعة كلهم باطنية.

ولا شيء من هذه الأقوال يقوم على أساس غير التقليد والتعصب، لأن الاثني عشرية يعتقدون بأن الغلو شرك، والزندقة إلحاد، وإخفاء العقيدة، والتأويل بلا مبرر من الشرع أو العقل بدعة وضلالة.. وأثبت ذلك بالأرقام في كتاب مع الشيعة الإمامية.

ويبدأ تاريخ الاختلاف بين المسلمين حول الخلافة، يبدأ باليوم الذي انتقل فيه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الرفيق الأعلى، حيث دان قوم بما حدث في السقيفة كأمر واقع لا مفر منه، أو لا يجوز الخطأ عليه، وأنكروا النص على الولاية بمعنى الخلافة والسلطة مع الاعتراف بولاية أهل البيت على معنى الحب والاحترام، ودان آخرون بنصوص الولاية لآل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على معنى الخلافة، وأوضحت ذلك مفصلاً في كتاب فلسفة التوحيد والولاية..

وقد اتسع الجدال والنقاش حول الخلافة على مر الزمن، ثم تطور إلى التراشق بالانهامات وخبث الكلمات، ولعبت السلطة الحاكمة دورها في التمزيق والتفتيت، كما هو شأنها في كل جيل. وحاول المصلحون من الفريقين أن يجمعوا ويوحدوا حرصاً على مصلحة الأمة، فخفت الوطأة إلى حد، بخاصة بعد أن تكررت النكبات والعثرات في كل بلد مسلم.

والآن، وبعد أن تراكمت الهزائم والمشكلات عربياً وإسلامياً فماذا نحن صانعون إذا لم ندفن الماضي، وننظر إلى المستقبل الطويل العسير، ونواجه بالعمل الجدي الموحد !؟.. وهذا ما يخافه

٣

ويخشاه العدو المشترك. فأطلق بلسان أبواقه وعملائه صيحات منكرة لإيقاظ الفتنة وكتبوا مقالات مضللة، ونشروا كتباً متخمة بالدس والافتراء لا بأي دافع إلا صالح الاستعمار والصهيونية. فدعاني هذا إلى أن أعرض عقيدة الشيعة، وبخاصة الفرقة الكبرى الاثني عشرية، أعرضها على حقيقتها، وأدرسها دراسة تفصيلية في ثلاثة مؤلفات هي: «الشيعة والتشيع» و«مع الشيعة الإمامية» و«الاثنا عشرية» وكان لها، ولما كتبه غيري في هذا الموضوع من علمائنا - أحسن الأثر، بالخصوص عند مشايخ الأزهر، وفتوى المرحوم الشيخ محمود بجواز التعبد والأخذ بالمذهب الجعفري - أشهر من أن تذكر.

لقد أقبل القراء على كتاب مع الشيعة الإمامية، وأعيد طبعه بعد خمسة أشهر من الطبعة الأولى، كما أقبلوا على كتاب الشيعة والتشيع والاثني عشرية. ونفدت كل النسخ، ولما كثر الطلب على هذه الكتب الثلاثة رغبت إلى صديقي الكريم الأستاذ محمد المعلم صاحب «دار الشروق» بأن ينشرها في مجلد واحد بعنوان «الشيعة في الميزان» فاستجاب وتبنى المشروع، لأنه يتناول عرضاً شاملاً لعقيدة تكاد تكون مجهولة للكثير من الخاصة فضلاً عن العامة، ونزولاً عند رغبة القراء ورغبتي. فشكراً للّه وله، وهو سبحانه المسؤول أن يأخذ بيده وإياي لما يحب ويرضى. والصلاة على محمد وآله معدن التقى والعروة الوثقى.

٤

الشِّيعةُ والتَّشَيُّع

مقدّمة

بسم اللّهِ الرَحمن الرَحيم

والحمد للّه رب العالمين، وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله الطاهرين

وبعد:

فان هذه الصفحات ليست استئنافاً للحملات التي قدتها ضد الانتهازيين والمفترين.. ولا بحثاً انتقادياً، او تأملاً فلسفياً، وانما هي عرض لعقائد الشيعة، مع اقامة الدليل على ان ما من شيء في عقيدتهم الا وله مصدر متسالم على صحته عند اهل السنة، حتى عدد الأئمة وحصرهم ب ١٢ إِماماً، وحتى العصمة والتقية والجفر وفكرة المهدي المنتظر، وغيرها.

واشرت الى اهم دولهم كالفاطميين والبويهيين والحمدانيين والصفويين، وما لهم من آثار قائمة، حتى اليوم، للدلالة على مساهمة الشيعة في الحضارة الاسلامية مساهمة فعالة، وترجمت لكل واحد من الأئمة الاثني عشر (ع) ترجمة مختصرة، ربما أغنت عن كثير من المطولات، كما ذكرت الفوارق بين السنة والشيعة، واعتمدت لاكثر ما كتبت على مصادر أهل السنة، والكتب الصحاح عندهم، وتركت اشياء تتصل بموضوع الكتاب، لاني كنت قد ذكرتها في بعض مؤلفاتي السابقة، وبخاصة كتاب «مع الشيعة الإمامية» وكتاب «الشيعة والحاكمون».

وقد لا يصدق القارئ اذا قلت: ان هذه الصفحات هي ثمرة البحث الحر، دون أن أتأثر بأية نزعة شخصية، او فكرة مذهبية.. لذا ادع الحكم له وحده، ولا اقطع عليه الطريق بالحمد والثناء على ما كتبت.

ولكن هل يستطيع الانسان ان يتجرد عن وضعه وتربيته وعقيدته التي نشأ واستمر عليها شاباً وكهلاً ؟..

كلا.. ولكن ليس من الضروري ان تكون كل عقيدة باطلة، ولا كل تربية فاسدة.. بل قد وقد.. وتعرف الحقيقة حين تعرض على محك العقل، والجدل المنطقي العلمي، وهذا ما أريد من القارئ ان يعرفه ويتنبه اليه، فانا لا ادعي التحرر، ولكني أطلبه من القارئ. على ان ينظر الى عقيدة التشيع من خلال الإسلام، وعلى ضوء كتاب اللّه وسنّة نبيه. لا من خلال عقله.. لان

٥

العقل مهما سما يظل مقصراً عن ادراك كثير من الحقائق الإلهية. ككيفية الصلاة، وعدد الركعات، والهرولة في الحج، ورمي الجمار، وما الى ذاك.

وتقول: اراك تهتم كثيراً بامر الشيعة والتشيع، فهل فرغنا من مشاكل الحياة، ولم يبق الا التعريف بهذه الطائفة وصحة ما تدين به وتعتقد ؟. او ان هذا اهم واجدى ؟..

اجل، ان المشاكل التي نعانيها لا تتصل في واقعها بقضية التشيع والتسنن من قريب او بعيد، بل ان حديث هذه القضية والاهتمام بها يزيد المشاكل تعقيداً، ويجعلها مستحيلة او عسيرة الحل، وهذا ما يريده لنا المستعمرون والصهاينة، اعداء الدين والوطن، انهم يريدون ان نتلهى بالمشاحنات والنعرات الطائفية، ليعزلونا عن الحياة، ويخلو لهم الجو.. ويظهر أن لهم جهازاً ضخماً.. يعرف مداه من قرأ كتاب «الخلافة» للنبهاني، وكتاب «ابو سفيان» للحفناوي، وكتاب «الخطوط العريضة» لمحب الدين الخطيب، ومجلة «التمدن الاسلامي» التي تصدر بدمشق، والنشرات المتتابعة التي يصدرها «انصار السنة» بالقاهرة، ومقال الجبهان في مجلة «راية الاسلام» السعودية عدد ربيع الآخر سنة ١٣٨٠ هجري، وغيرها وغيرها..

لقد دأب هذا الجهاز - في تآليفه ونشراته - على مهاجمة الشيعة، وتصويرهم كطائفة ملحدة مجرمة تكيد للاسلام والمسلمين.. والغرض الاول هو تنفيذ «الخطوط العريضة» التي رسمها الاستعمار لايقاظ الفتنة، واشاعة الفرقة بين المسلمين..

فرأيت من واجبي أن أنبه الأفكار إلى مقاصد هذا الجهاز الفاسد وأهدافه، واقطع الطريق عليه بالكشف عن عقيدة الشيعة، مع الاشارة الى شيء من تاريخهم، ليتبين للناس المزاعم الكاذبة التي لفقها أولئك المأجورون.

وبديهة ان الشيعة ليسوا من القبائل البائدة التي خيم الظلام عليها وعلى آثارها، حتى يُتقول عليهم بالحدس والتخمين.. فهذه بلادهم منتشرة في شرق الارض وغربها، ومؤلفاتهم العقائدية وغيرها تغص بها المكتبات العامة والخاصة، اما علماؤهم فلا يبلغهم الاحصاء، وهم يرحبون بكل من يريد جدالهم ونقاشهم بالحكمة والمنطق.. اذن يستطيع طالب الحقيقة ان يعرف عقيدة الشيعة من كتبهم وعلمائهم دون الرجوع إلى كتابي هذا.. ومع ذلك فقد عرضت عقائدهم بأسلوبي الواضح الذي يقتصر على الجوهر واللباب، ولا يتكلف الزخرف والتزويق، كي لا يبقى عذر لمعتذر بعدم التفهم للعبارات المطولة المعقدة.

هذا، الى ان من يقرأ هذه الصفحات بتأمل وامعان يتبين له انها تهدف اول ما تهدف الى

٦

الاخذ والعمل بمبادئ الاسلام وتعاليمه، واذا اهتمت بالتشيع فانما تهتم به لانه من الاسلام في الصميم بنص القرآن الكريم، والسنة النبوية، بل هو ركن من اركانه برواية الصحابي الجليل ابي سعيد الخدري. وبالتالي، فاني من الذين يؤمنون ان المستقبل للحب والاخاء الانساني، وان روح التعصب آخذة بالزوال يوماً بعد يوم، حتى لا يبقى لها عين ولا أثر - ان شاء اللّه - وعندها لا يجد الانتهازيون وتجار الطائفية مجالاً للدس والتخريب.

واللّه سبحانه المسؤول ان يستعملنا في مرضاته انه ارحم الراحمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

٧

التشيّع

هل التشيع فكرة ابتدعها الشيعة من انفسهم، ثم طبعوها بطابع الدين، وصبغوها بالاسلام تمويهاً ورياءً لغايات سياسية، لا تمت الى الاسلام بسبب قريب او بعيد، او ان التشيع عقيدة اسلامية، جاءت من عند اللّه، وبلغها محمد بن عبد اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تماما كوجوب الصوم والصلاة، والحج والزكاة؟ وبكلمة هل الاسلام اصل للتشيع، او ان اصل التشيع اجنبي عن الاسلام؟

وقبل ان نجيب عن هذا التساؤل نمهد بما يلي:

اسباب المعرفة:

مهما اختلف المفكرون في اسباب المعرفة، وانها التجربة او العقل أو الحدس فانهم متفقون كلمة واحدة على ان السبب الوحيد لمعرفة آراء الغير ومعتقداته هي اقواله وتصريحاته.. فاذا اردنا ان نعرف ما تدين وتعتقد به طائفة من الطوائف الدينية، ونتحدث عن عقيدتها فعلينا ان نسند الحديث الى اقوالها بالذات، الى كتب العقائد المعتبرة عندها، ولا يسوغ بحال الاعتماد على قول كاتب او مؤلف بعيد عنها ديناً وعقيدة، لأن هذا البعيد قد يكون جاهلاً متطفلاً، فيحرف الواقع عن غير قصد، او حاقداً متحاملاً، فيفتري بقصد التنكيل والتشهير، او خائناً مستأجراً فيكذب ويدس بقصد التفرقة وايقاظ الفتنة.. بل لا يجوز الاعتماد على اقوال راوٍ او كاتب من ابناء الطائفة نفسها اذا لم تجتمع كلمتها على الثقة بمعرفته وعلمه، فان الكثيرين ممن كتبوا عن طائفتهم وعقائدها قد تجافوا عن الواقع، وخبطوا خبط عشواء، ورفض الكبار من علماء الطائفة اقوالهم، وصرحوا بضعفها وعدم الاعتماد عليها.

وكذا لا يصح الاعتماد على العادات والتقاليد المتبعة عند العوام، لان الكثير

منها لا يقره الدين الذي ينتمون اليه، حتى ولو ايدها وساندها شيوخ يتسمون بسمة الدين، وأوضح مثال على ذلك ما يفعله بعض عوام الشيعة في بعض مدن العراق، وايران وفي بلدة النبطية في جنوب لبنان من لبس الاكفان، وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم. فان هذه البدعة المشينة حدثت في عصر متأخر من عصر الأئمة، وعصر كبار العلماء من الشيعة، وقد احدثها لانفسهم اهل الجهالة دون أن يأذن بها إِمام أو عالم كبير، وأيدها شيوخ السوء، لغاية الربح والتجارة.. وسكت عنها من سكت خوف الاهانة والضرر او فوات المنفعة والمصلحة، ولم يجرؤ على مجابهتها ومحاربتها احد في ايامنا الا قليل من العلماء، وفي طليعتهم المرحوم السيد محسن الأمين العاملي الذي ألف رسالة خاصة في تحريمها وبدعتها، واسمى الرسالة

٨

«التنزيه لاعمال الشبيه»، وقاومه من أجلها اهل الخداع والاطماع.

كتب العقائد عند الشيعة:

وكتب العقائد المعتبرة عند الشيعه كثيرة، ومطبوعة تتداولها الأيدي، وتعرض للبيع في مكتبات العراق وايران، نذكر منها على سبيل المثال: اوائل المقالات، والنكت الاعتقادية للشيخ المفيد، والشافي للشريف المرتضى، والعقائد للشيخ الصدوق، وشرح التجريد، وكشف الفوائد للعلامة الحلي، والجزء الأول من اعيان الشيعة ونقض الوشيعة للسيد محسن الامين، وأصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والفصول المهمة والمراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين، ودلائل الصدق للشيخ محمد حسن المظفر.

وبالتالي، نكرر - هنا - ما قلناه اكثر من مرة في ردودنا ومؤلفاتنا، وما اعلنه المعتمد عليهم من علمائنا، ان الشيعة لا يقرون ولا يعترفون بشيء مما قيل عن عقيدتهم، اذا لم تتفق مع ما جاء في الكتب المعتبرة عندهم. سواء أكان القائل مستشرقاً او عربياً، سنياً أو شيعياً، متقدماً أو متأخراً.

معنى التشيع:

لم يكن للعرب وحدة سياسية قبل الاسلام، فكل قبيلة تحكم نفسها، وكل مدينة لا تعرف لغيرها سلطاناً عليها، وبعد الاسلام اوجد النبي سلطة عامة

خضع لها جميع العرب، ومارس هو السلطة بكافة معانيها: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، فكان يبين الاحكام والحلال والحرام، ويقود الجيش، ويخابر الملوك، ويعقد المعاهدات، ويقضي بين الناس، ويقيم الحدود، وقد ربط القرآن الكريم هذه السلطات بشخص الرسول، ففي الآية ٦ من سورة الأحزاب: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» وفي الآية ٣٦ من السورة نفسها: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» وفي الآية ٧ من سورة الحشر: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» وغيرها كثير.

واتفق المسلمون بكلمة واحدة على ان السلطة الزمنية والدينية التي كانت للرسول تعطى لخليفته، ثم اختلفوا فيما بينهم: هل يعين الخليفة بالنص عليه من النبي، او يترك الامر فيه الى اختيار الامة؟. قال الشيعة: ان الخليفة يتعين بالنص لا بالانتخاب، أي ان اللّه سبحانه يأمر النبي ان يبلغ المسلمين بانه قد اختار (فلاناً) خليفة بعده، وان عليهم ان يسمعوا له ويطيعوا، وقد صدر هذا النص بالفعل من النبي على علي بن أبي طالب.

٩

هذا هو التشيع، وهكذا ابتدأ ونشأ دون ان يضاف اليه أي شيء آخر.. اما المغالاة في علي وصفاته أو تكفير خصومه السياسيين وما الى ذاك فلا يمت الى التشيع بسبب.. والذي يدلنا على ان لفظ الشيعة علَم على من يؤمن بأن علياً هو الخليفة بنص النبي ما قاله فقهاء الإمامية في كتب التشريع من انه اذا اوصى رجل بمال للشيعة، او وقف عقاراً عليهم يعطى لمن قدم علياً في الإمامة على غيره بعد النبي، ولا يعطى للمغالين (كتاب المسالك للشهيد الثاني ج ١ باب الوقف).

وبالتالي، إن التشيع في حقيقته وجوهره يتلخص بهذه الكلمة، وهي الإيمان بأن الإمام المنصوص عليه يتولى الحكم، ويحكم بإرادة اللّه لا بإرادة الناس، وقد أنكر السنة عليهم ذلك، وبالغوا في الإنكار، حتى قال بعض المؤلفين: إن هذه العقيدة نزعة فارسية استقاها الشيعة من الفرس..

ونجيب بانها اسلامية بحت، لا شائبة فيها لغير الاسلام، وقد أُخذت من كتاب اللّه وسنة نبيه، كما يظهر من الادلة الآتية. وإذا اخذ الشيعة هذه النزعة من الفرس. فمن اين اخذ عثمان بن عفان قوله - حين طلب اليه ان يتخلى عن

الخلافة - «ما كنت لاخلع قميصاً قمصنيه اللّه». وقال ايضاً: «لان اقدم فتضرب عنقي احب من ان انزع سربالاً سربلنيه اللّه».

يجوز ان تكون الخلافة قميصاً بل سربالاً من اللّه لعثمان، ولا يجوز ان تكون حقاً الهياً لعلي. ثم أي فرق بين قول عثمان هذا، وقول الشيعة بان الخلافة منصب الهي امرها بيد اللّه لا بيد الناس؟.. ولماذا كان قول الشيعة نزعة اجنبية، وقول عثمان نزعة اسلامية؟..

من ادلة الشيعة:

استدل الشيعة على ان الخلافة تكون بالنص لا بالانتخاب بادلة:

منها: أن الخليفة يحكم باسم اللّه لا باسم الشعب، فيجب والحال، ان يُختار من اللّه بلسان نبيه، لا من الشعب بطريق الانتخاب.

ومنها: قوله تعالى في الآية ٦٨ من سورة القصص: «وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة». فاللّه سبحانه حصر الاختيار به، ونفاه عن جميع الناس. (دلائل الصدق ج ٣ ص ٢١ طبعة ١٩٥٣).

ومنها: أن الأكثرية غير معصومة عن الخطأ، فمن الجائز أن تختار رجلاً لا تتوافر فيه صفات

١٠

الإمام من العلم والخلق، فتعم الفوضى والفساد. وقد نص القرآن على سقوط رأي الأكثرية في الآية ١١٦ من سورة الانعام: «وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللّه». وفي الآية ١٠٦ من سورة المائدة: «وأكثرهم لا يعقلون». وفي الآية ٧١ من سورة المؤمنون: «وأكثرهم للحق كارهون». وغيرها من الآيات (كتاب فدك للصدر ص ١١٣ طبعة ١٩٥٥. وج ٤ من كتاب الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي ص ١٠٩ طبعة سنة ١٣٧٦هجري).

وجاء في الحديث النبوي ان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله يرى يوم القيامة اكثر امته تدخل النار. وحين يسأل عن السبب يقال له: انهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقرى (كتاب الجمع بين الصحيحين. الحديث ٢٦٧).

واهل السنة الذين قالوا: ان الخليفة يكون بالانتخاب لا بالنص يعترفون بان الاكثرية قد تخطئ، وتختار غير الكفوء، لكن بعضهم قال: اذا انحرف الخليفة، عزلناه، وأتينا بالأصلح.. واعلن ابو بكر من على المنبر قائلاً: «اذا استقمت

فأعينوني، واذا زغت قوِّموني». واجاب الشيعة عن ذلك بان وظيفة الإمام ان يقوّم المعوج من رعيته، فاذا قومته الرعية انعكست الآية، واصبح محكوماً، والرعية هي الحاكمة، قال الشاعر الشيعي١:

وقالوا رسول اللّه ما اختار بعده

إِماماً ولكنا لأنفسنا اخترنا

أقمنا إماماً إن أقام على الهدى

أطعنا وإن ضل الهداية قوّمنا

فقلنا إذن أنتم امام إِمامكم

بحمدٍ من الرحمن تهتم وما تهنا

ولكننا اخترنا الذي اختار ربنا

لنا يوم خم ما اعتدينا ولا حلنا

يسخر الشاعر من قولهم: انهم يطيعون الامام ان استقام، ويقوِّمونه إن اعوج، ويرد عليهم بانهم اصبحوا هم الإمام، وهو المأموم.

أصل التشيع:

من الذي جاء بالتشيع، وحمل الناس عليه؟ وهل يرجع الى اصل من اصول الاسلام، ومصدر من مصادره كآية من كتاب اللّه، أو رواية من السنة النبوية؟

وقد أجاب الشيعة عن ذلك إجابة حاسمة وواضحة، وأثبتوا بالأرقام من أقوال أهل السنة، وكتبهم الصحاح أن النبي هو الذي بعث عقيدة التشيع، وأوجدها، ودعا إلى حب علي وولائه، وأول من أطلق لفظ الشيعة على أتباعه ومريديه، ولولاه لم يكن للشيعة والتشيع عين ولا أثر.

١١

قال العلامة الحلي في كتاب «نهج الحق»: ذكر الإمام احمد بن حنبل في مسنده، والثعالبي في تفسيره انه لما نزلت الآية ٢١٤ من سورة الشعراء: «وانذر عشيرتك الاقربين» جمع النبي من أهل بيته ثلاثين، فاكلوا، وشربوا، ثم قال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي، ويكون خليفتي، ومعي في الجنة؟ قال علي: أنا. فقال له: انت.

ونقل الشيخ محمد حسن المظفر في كتاب دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٣٣ عن كتاب كنز العمال ج ٦ ص ٣٩٧ أن النبي قال لعشيرته: قد جئتكم بخير الدنيا

_________________________

١ - دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٥ طبعة سنة ١٩٥٣، وهذا الشاعر هو سفيان بن مصعب العبدي، قال السيد محسن الأمين: كان من أصحاب الإمام جعفر الصادق، وتوفي في حدود سنة ١٢٠ هجري (اعيان الشيعة، القسم الثاني من الجزء الأول ص ١٦٦ طبعة سنة ١٩٦٠ ).

١٢

والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا؟ قال علي: أنا يا نبي اللّه أكون وزيرك عليه فأخذ النبي برقبته، وقال: إن هذا أخي، ووصيي،وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لولدك علي(١)

وبهذه المناسبة ننقل ما ذكره الاديب المصري عبد الرحمن الشرقاوي في كتاب «محمد رسول الحرية»، قال في ص ٨٠ الطبعة الاولى:

«ورأى محمد أن يجمع أسرته من بني عبد المطلب، ويدعوهم إلى الإيمان بما جاء به، فليس أحب إليه من عشيرته. وأولم لهم في بيته، وبدأ يتكلم. وبدأوا كلهم يسمعون لمحمد، وهو يحدثهم عما جاء به. ولكن أحداً لم يستجب إليه: إلا علي بن أبي طالب. هو وحده الذي انتفض يؤكد أنه سينصر محمداً بسيفه. وضحك من الاستخفاف بعض الكبار، فقد كان علي هذا أصغر الحاضرين، كان اذ ذاك ما يزال فتى صغير السن، تتقدم به سنه الى أول الشباب، ولكن محمداً لم يستخف بحماسة علي، فقد قام اليه، فعانقه وبكى».

وقال الأميني في الجزء الأول من كتاب «الغدير»(٢) ص ٩ طبعة ١٣٧٢ هجري: بعد أن رجع النبي من حجة الوداع، وهي الحجة التي لم يلبث بعدها الا قليلاً، ووصل الى غدير خم جمع الناس، وخطبهم وقال فيما قال:

ان اللّه مولاي، وانا مولى المؤمنين، وانا اولى بهم من انفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرات، ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه، واحب من احبه، وابغض من بغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

ثم ذكر الاميني من رواة هذا الحديث ١٢٠ صحابياً ، و ٨٤ تابعياً، اما

___________________

(١) ذكر هذا الحديث محمد حسين هيكل في كتاب «حياة محمد» طبعة أولى، ثم حذفه في الثانية لقاء ٥٠٠ جنيه، ودليلنا المقابلة بين الطبعتين. انظر التعليق ص ١١٤ من «أعيان الشيعة» ج ١ قسم ١ طبعة ١٩٦٠

(٢) هذا الكتاب للشيخ عبد الحسين الأميني، وقد بلغ ١٢ مجلداً ضخماً، جمع فيه النصوص على خلافة علي من طرق السنة ورواياتهم عن النبي، وقد بلغت المئات، وطبع الكتاب أكثر من مرة في طهران، والمؤلف من علماء الشيعة في هذا العصر ومحل ثقة الجميع واحترامهم.

١٣

طبقات رواته من أئمة الحديث واساتذته فقد بلغوا ٣٦٠، وبلغ المؤلفون في حديث الغدير من السنة والشيعة ٢٦ مؤلفاً.

وقد اعتبر الشيعة حديث الغدير هذا نصاً بخلافة علي بعد النبي، ومن هنا اهتموا به هذا الاهتمام البالغ، واهل السنة يعترفون بصحة هذا الحديث، ويقولون بصدوره عن النبي، ولكنهم أوَّلوا الولاء بالحب والاخلاص، لا بالحكم والسلطان، فحديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» أشبه عندهم بحديث «يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق» وغيره من الأحاديث الدالة على مكانة أهل البيت وعلو شأنهم، والحب وعلو الشأن شيء، والنص على الخلافة شيء آخر.

وأجاب الشيعة عن ذلك بأن قول النبي أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه يدل بصراحة ووضوح على أن نفس ولاية النبي الدينية والدنيوية هي بعينها قد جعلها النبي لعلي بعده، إذ جعل علياً نظير نفسه في أنه أولى بهم من أنفسهم، ولا شيء سوى ذلك، ولو كان للفظ المولى ألف معنى ومعنى.

لفظ الشيعة:

وكما أثبت الشيعة من كتب السنة وأقوالهم أن النبي هو الذي بعث عقيدة التشيع ودعا اليها أثبتوا أيضاً من طرق السنة أن النبي أول من أطلق لفظ الشيعة على من احب علياً وتابعه، قال الشيخ محمد حسين المظفر في كتاب «تاريخ الشيعة» ص ٥ طبع النجف:

جاء في كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر وفي كتاب النهاية لابن الأثير، ان النبي قال: يا علي انك ستقدم على اللّه انت وشيعتك راضين مرضيين.

وجاء في الدر المنثور للسيوطي ان النبي قال: ان هذا - واشار الى علي - وشيعته لهم فائزون يوم القيامة.

ثم قال صاحب «تاريخ الشيعة»: فكانت الدعوة الى التشيع لعلي من محمد تمشي منه جنباً لجنب مع الدعوة الى شهادة لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه.

وبهذا يتبين معنا ان المصدر الاول والاخير للشيعة والتشيع هو النبي دون سواه، فان كان التشيع هو السبب لتمزيق المسلمين وتفريق كلمتهم كما زعم

بعض السنة فالمسؤول عن ذلك هو النبي وحده دون سواه.

١٤

الشعر:

وكان لأحاديث الشيعة والتشيع أثر ظاهر في أشعار الصحابة، نقل طرفاً منها الشريف المرتضى في كتاب «العيون والمحاسن»(١) والشيخ الاميني في كتاب «الغدير». من ذلك ما جاء في ج ١ ص ١١ و ج ٢ ص ٣٩ من كتاب الغدير ان حسان بن ثابت قال للنبي بعد ان اعلن قوله من كنت مولاه فعلي مولاه: ائذن لي يا رسول اللّه ان اقول في علي ابياتاً تسمعهن، فقال له النبي: قل على بركة اللّه، فقام حسان، وقال: يا معشر مشيخة قريش، اتبعها قولي بشهادةٍ من رسول اللّه في الولاية:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم واسمع بالنبي مناديا

وقد جاء جبريل عن أمر ربه

بأنك معصوم فلا تك وانيا

وبلغهم ما أنزل اللّه ربهم

إليك ولا تخشَ هناك الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفه

بكف علي معلن الصوت عاليا

فقال فمن مولاكم ووليكم

فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إِماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليّه

وكن للذي عادى علياً معاديا

فيا رب انصر ناصريه لنصرهم

امام هدى كالبدر يجلو الدياجيا

وفي ج ٢ ص ٦٧ من كتاب «العيون والمحاسن» أن خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين صاحب رسول اللّه، قال:

إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا

أبو حسن مما نخاف من الفتن

وجدناه أولى الناس بالناس انه

أطب قريش بالكتاب وبالسنن

وإن قريشاً لا تشق غباره

إذا ما جرى يوماً على الضمر البدن

____________________

(١) هذا الكتاب جمعه الشريف المرتضى من أقوال استاذه الشيخ المفيد، وطبع في النجف سنة ١٩٣٧ باسم الفهرست خشية ان تمنعه السلطة يومذاك لو طبع باسمه الحقيقي.

١٥

وصي رسول اللّه من دون أهله

وفارسه قد كان في سالف الزمن

وأول من صلى من الناس كلهم

سوى خيرة النسوان واللّه ذو المنن

وصاحب كبش القوم في كل وقعة

يكون لها نفس الشجاع لدى الذقن

فذاك الذي تثني الخناصر باسمه

امامهم حتى أغيب في الكفن

وفي الكتاب المذكور أن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال عندما بويع أبو بكر:

ما كنت أحسب أن الأمر منتقل

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتهم

واعلم الناس بالآيات والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

ماذا الذي ردكم عنه فنعلمه

ها ان بيعتكم من أول الفتن

وقال عبد اللّه بن سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:

وكان ولي الأمر بعد محمد

علي وفي كل المواطن صاحبه

وصي رسول اللّه حقاً وجاره

وأول من صلى ومن لان جانبه

وقال الصحابي جرير بن عبد اللّه البجلي:

فصلى الإله على أحمد

رسول المليك تمام النعم

وصلى على الطهر من بعده

خليفتنا القائم المدعم

علياً عنيت وصي النبي

يجالد عنه غواث الأمم

وقال عبد الرحمن بن حنبل:

لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة

على الدين معروف العفاف موفقا

عفيفاً عن الفحشاء أبيض ماجداً

صدوقاً وللجبار قدماً مصدقا

أبا حسن فارضوا به وتبايعوا

فليس كمن فيه لذي العيب منطقا

علي وصي المصطفى ووزيره

وأول من صلى لذي العرش واتقى

وهذا الشاعر الصحابي هو الذي قال في عثمان بن عفان(١) :

واحلف باللّه جهد اليمين

ما ترك اللّه أمراً سدى

ولكن جعلت لنا فتنة

لكي نبتلي بك أو تبتلى

____________________

(١) كتاب «الاستيعاب» ج ٢ ص ٤٠٧ طبعة ١٩٣٩

١٦

دعوت الطريد فأدنيته

خلافاً لما سنه المصطفى

ووليت قرباك أمر العباد

خلافاً لسنة من قد مضى

وأعطيت مروان خمس الغنى

-مة آثرته وحميت الحمى

وفي الجزء الثاني من كتاب «الغدير» ص ٦٧ أن الصحابي قيس بن سعد بن عبادة قال:

وعلي إمامنا وإمام

لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولا

ه فهذا خطب جليل

إنما قاله النبي على الأمة

حتم ما فيه قال وقيل

وفي كتاب «أمير المؤمنين علي بن أبي طالب» لكاظم آل نوح سنة ١٣٧٤ هجري ص ٤٣: نقلاً عن جمهرة الخطب أن سعيد بن قيس الهمداني كان يرتجز يوم صفين بقوله:

هذا علي وابن عم المصطفى

أول من أجابه لما دعا

هذا الإمام لا يبالي من غوى

وفي الكتاب المذكور ص ٤٤ أن الفضل بن أبي لهب قال:

الا إن خير الناس بعد محمد

مهيمنه التاليه في العرف والنكر

وخيرته في خيبر ورسوله

تبيد عهود الشرك فوق أبي بكر

وأول من صلى وصنو نبيه

وأول من أردى الغواة لدى بدر

فذاك علي الخير من ذا يفوقه

أبو حسن حلف القرابة والصهر

وفي صفحة ٤٥ نقلاً عن كتاب «صفين» لنصر بن مزاحم أن زفر بن زيد بن حذيفة الأسدي قال يوم صفين:

فحوطوا علياً فانصروه فانه

وصيي وفي الإسلام أول أول

وان تخذلوه والحوادث جمة

فليس لكم عن أرضكم متحول

وفي كتاب «أمالي الشيخ المفيد» ص ٩١، منشورات المطبعة الحيدرية بالنجف:

إن علي بن أبي طالب لما بلغه مسير طلحة والزبير لحربه خطب في الناس، وقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه:

أما بعد، فإن اللّه تبارك وتعالى لما قبض نبيه قلنا نحن أهل بيته وعصبته

وورثته وأولياؤه أحق خلائق اللّه به، لا ننازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك إذ نفر

١٧

المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا منا، وولوه غيرنا. وايم اللّه لولا مخافة الفرقة من المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، ويعود الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا، وقد ولي ذلك ولاة مضوا لسبيلهم، ورد اللّه الأمر إليّ، وقد بايعني طلحة والزبير، ثم نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، اللهم فخذهما لغشهما هذه الأمة، وسوء نظرهما للعامة.

فقام الصحابي بو الهيثم بن التيهاني، وقال: يا أمير المؤمنين إن حسد قريش إياك على وجهين: أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعاً في الدرجة، وأما شرارهم فحسدوك حسداً أحبط اللّه به أعمالهم، وأثقل أوزارهم، وما رضوا أن يساووك، حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قريش بقريش، نصرت نبيهم حياً، وقضيت عنه الحقوق ميتاً، واللّه ما بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن أنصارك وأعوانك، فمرنا بأمرك ثم انشأ:

إن قوماً بغوا عليك وكادوا

ثم عابوك بالأمور القباح

ليس من عيبها جناح بعوض

فيك حقاً ولا كعشر جناح

أبصروا نعمة عليك من اللّه

وقرماً يدق قرن النطاح

وإماماً تأوي الأمور إليه

ولجاماً يلين غرب الجماح

كلٍ ما تجمع الامامة فيه

هاشمياً له عراض البطاح

حسداً للذي أتاك من اللّه

وعادوا إلى قلوب قراح

ونفوس هناك أوعية البغض

على الخير للشفاء شحاح

من مسر يكنه حجب الغيب

ومن مظهر العداوة لاح

يا وصي النبي نحن من الحق

على مثل بهجة الاصباح

فخذ الاوس والقبيل من الخز

رج بالطعن والوغى والكفاح

ليس منا من لم يكن لك في اللّه

ولياً على الهدى والفلاح

فاشعار الصحابة والأحاديث النبوية تدل دلالة واضحة على أن التشيع بمعنى وجود النص على علي بالخلافة بعد النبي بلا فاصل كان موجوداً في عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٨

الأصْحَابُ والتّشيّع

ذكر ابن أبي الحديد في «شرح النهج»، والسيد محسن الأمين في الجزء الثاني من «الأعيان»، وكرد علي في «خطط الشام»، والسيد حيدر الآملي في «الكشكول فيما جرى على آل الرسول»

ذكر هؤلاء وغيرهم أن جماعة من أصحاب رسول اللّه كانوا يدينون بالتشيع، ويعتقدون أن النبي نص على علي باسمه، وعيّنه خليفة على المسلمين من بعده، وجعله أولى بالناس من أنفسهم، ثم دكروا أسماء هؤلاء الأصحاب.

ولا شيء أقرب إلى التصديق من هذا القول، لأن مقياس الصدق لأقوال المؤرخين وغيرهم هو الواقع، فإن كان ما يدل عليه وجب القبول، وإلا وجب الرد. وتشيع جماعة من الأصحاب لعلي أمر طبيعي، وحقيقة يفرضها الواقع بعد أن كان النبي هو الباعث الأول لهذه العقيدة، كما قدمنا. وليس من المعقول أن ينقض جميع الأصحاب عهد نبيهم، ويخالفوا بكاملهم ما جاءهم به من البينات.

وأيضاً ليس من المعقول أن يتشيع جماعة من الأصحاب، ثم لا يظهر أي أثر لتشيعهم، بخاصة بعد أن صرفت الخلافة عن علي إلى غيره، ومن هنا رأينا هؤلاء الأصحاب يؤلفون حزباً مناهضاً لبيعة أبي بكر وخلافته.

قال السيد محسن الأمين في القسم الأول من الجزء الثالث «لأعيان الشيعة» ص ٣٠٨ وما بعدها طبعة ١٩٦٠(١) :

____________________

(١) يعتمد المؤلف هنا على تاريخ الطبري، والإمامة والسياسة لابن قتيبة، وعلى ارشاد المفيد واحتجاج الطبرسي.

١٩

«انقسم الناس بعد وفاة النبي أحزاباً خمسة:

١ - حزب سعد بن عبادة رئيس الخزرج من الأنصار.

٢ - حزب أبي بكر وعمر، ومعهما جل المهاجرين.

٣ - حزب علي، ومعه بنو هاشم، وقليل من المهاجرين، وكثير من الأنصار الذين قالوا: لا نبايع إلا علياً، كما جاء في تاريخ الطبري.

٤ - حزب عثمان بن عفان من بني أمية ومن لف لفيفهم.

٥ - حزب سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن من بني زهرة.

ومال قسم كبير من الأنصار مع حزب أبي بكر وعمر، فقوي حزبهما، واضطر عثمان، وحزب ابن أبي وقاص أن يبايعوا أبا بكر، وبقي حزب علي هو المعارض الوحيد، وحاول أبو سفيان أن يستغل الموقف، ويساوم أبا بكر، فجاء إلى علي وقال:

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

ولا سيما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلا فيكم وإليكم

وليس لها إلا أبو حسن علي

أما واللّه لو شئتم يا بني هاشم لاملأنها عليهم خيلاً ورجالاً، فناداه علي ارجع يا أبا سفيان، فواللّه ما تريد اللّه بما تقول، وما زلت تكيد للإسلام وأهله.

ولما سمع أبو بكر تهويش أبي سفيان أسند بعض الوظائف لولده، فرضي وسكت، بل دعا للخليفة بالتوفيق والنجاح.

واجتمع ١٢ رجلاً من حزب علي، وتشاوروا بينهم في إنزال أبي بكر عن منبر الرسول، فقال قائل منهم: استشيروا علياً قبل أن تفعلوا، ولما استشاروه قال: لو فعلتم لاثرتم حرباً، ولأتى إليّ القوم، وقالوا: بايع، والا قتلناك.

لقد شعر حزب علي بالخيبة، وانتاب رجاله هزة عنيفة ارتعشت منها قلوبهم وأعصابهم، لصرف الحق عن أهله، والاستهتار بالدين، وأقوال سيد المرسلين، وإذا نهاهم الإمام عن حمل السلاح، وإعلان العصيان، ومجابهة الحاكم وجهاً لوجه فإن هناك سبيلاً آخر لمناصرة الحق، وهو الدعاية له، والعمل على نشره في جميع الأوساط، ومختلف الطبقات. وهذا ما حصل بالفعل، فكانوا - أينما حلوا - يوجهون الناس إلى علي، ويحدثونهم عن فضائله، ومكانته عند اللّه والرسول، ويؤكدون حقه في الخلافة، ويركزون دعايتهم هذه على كتاب اللّه

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

= فتراه يستشكل في عمل من بايعوا محمد بن الأشعث بإمرة المؤمنين، التي رآها مخالفة للإجماع المدعى يوم السقيفة. وتراه يعترف بمخالفة سعد ثم يدعي أنه رجع عن ذلك.. ولست أدري كيف رجع عنه، مع أنه من المتسالم عليه تاريخياً: أنه استمر على الخلاف معهم، حتى اغتيل بالشام ـ اغتالته السياسة، على حد تعبير طه حسين في كتابه: من تاريخ الأدب العربي ج ١ ص ١٤٦، وغيره.. وذلك أشهر من أن يحتاج إلى بيان.

وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا هو الإشارة إلى أن كون الأئمة من قريش ليس فقط أصبح تقليداً متبعاً، بل هو قد أصبح من عقائد أهل السنة المعترف بها.

ولكن ما تأتي به السياسة، تذهب به السياسة، إذ بعد تسعماية سنة جاء السلطان سليم، وخلع الخليفة العباسي، وتسمى هو ب‍ـ (أمير المؤمنين) مع أنه لم يكن من قريش. وبهذا يكون قد ألغى هذا التقليد عملا من عقائد طائفة من المسلمين، وأبطله.

ومهما يكن من أمر فإن أول من ادعى استحقاق الخلافة بالقربى النسبية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أبو بكر، ثم عمر، وجاء بعدهما بنو أمية، فعرفوا أنفسهم ذوي قربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى لقد حلف عشرة من قواد أهل الشام، وأصحاب النعم والرياسة فيها ـ حلفوا ـ للسفاح: على أنهم لم يكونوا يعرفون إلى أن قتل مروان، أقرباء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية. فراجع النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٢٨، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ / ١٥٩، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٣.

بل لقد ذكر المسعودي والمقريزي: أن إبراهيم بن المهاجر البجلي، الموالي للعباسيين قد نظم قضية هؤلاء الأمراء شعرا، فقال:

أيها الناس اسمعوا أخبركم

عجباً زاد على كل العجب

عـجبا من عبد شمس إنهم

فتحوا للناس أبواب الكذب

ورثـوا أحـمد فيما زعموا

دون عباس بن عبد المطلب

كـذبـوا والله مـا نـعلمه

يحرز الميراث إلا من قرب

ويقول الكميت عن دعوى بني أمية هذه:

وقالوا: ورثناها أبانا وأمنا

ولا ورثتهم ذاك أم ولا أب

٤١

= وفي العقد الفريد ج ٢ / ١٢٠ طبع دار الكتاب العربي: أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب قالت لمعاوية: (.. ونبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، تحتجون بقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن أقرب إليه منكم، وأولى بهذا الأمر الخ).

ثم جاء العباسيون، وادعوا نفس هذه الدعوى، كما هو واضح من النصوص التي ذكرناها، ونذكرها. بل لقد ادعى نفس هذه الدعوى أيضاً أكثر إن لم يكن كل من خرج مطالبا بالخلافة، سواء كان خروجه على الأمويين أو على العباسيين..

وهذا يعني أن العامل النسبي قد لعب دوراً هاماً في الخلافة الإسلامية، وكان الناس بسبب جهلهم. وعدم وعيهم لمضامين الإسلام يصدقون ويسلمون بأن القربى النسبية تكفي وحدها في أن تجعل لمدعيها الحق في منصب الخلافة. ولعل أكثر ما ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة من الوصايا بأهل البيتعليهم‌السلام ، والأمر بمودتهم، ومحبتهم، والتمسك بهم جعل الناس يظنون أن سبب ذلك هو مجرد قرباهم النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكان أن استغل الطامحون فهم الناس الخاطئ هذا. بل لقد حاولوا ما أمكنهم تكريسه، وتثبيته.

إلا أن حقيقة الأمر هي غير ذلك، فإن منصب الخلافة في الإسلام، لا يدور مدار القربى النسبية منه. بل هو يدور مدار الأهلية والجدارة، والاستعداد الذاتي لقيادة الأمة قيادة صالحة، كما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقودها، يدلك على ذلك أننا لو رجعنا إلى النصوص القرآنية. وإلى ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشأن الخليفة بعده، فلعلنا لا نعثر على نص واحد منها يفهم منه أن استحقاق الخلافة يدور مدار القربى النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحسب.

وكل ما ورد في القرآن، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأمر بموالاة أهل بيته، وحبهم، والتمسك بهم، ومن تعيينه خلفاءه منهم، فليس لأجل قرباهم النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لأن الأهلية، والجدارة الحقيقية لهذا المنصب قد انحصرت في الخارج فيهم. فهو على حد تعبير الأصوليين: من باب الإشارة إلى الموضوع الخارجي. وليس تصريحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقربى لأجل بيان الميزان والمقياس والملاك في استحقاقهم الخلافة.

وواضح أنه كان لا بد من الالتجاء إلى الله ورسوله لتعيين الشخص الذي له الجدارة والأهلية لقيادة الأمة، لأن الناس قاصرون عن إدراك حقائق الأمور، ونفسيات، وغرائز، وملكات بعضهم البعض.. إدراكا دقيقا وحقيقيا، وعن إدراك عدم طرو تغير أو تبدل عليه في المستقبل. ولقد عينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفعل، ودل عليه بمختلف الدلالات، =

٤٢

= بالقول، تصريحاً، وتلويحاً، وكناية، ونصاً، ووصفاً، وغير ذلك، وبالفعل أيضاً، حيث أمره على المدينة، وعلى كل غزوة لا يكون هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها، ولم يؤمر عليه أحداً، وغير ذلك..

هذا هو رأي الشيعة، وهذا هو رأي أئمتهم في هذا الأمر، وكلماتهم طافحة ومشحونة بما يدل على ذلك. ولا يبقى معه مجال لأي لبس أو توهم، فراجع كلام الإمام علي في شرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ١٢، وغيره مما قد يتعسر استقصاؤه..

ومما ذكرنا نستطيع أن نعرف أن ما ورد عن الإمام عليعليه‌السلام ، أو عن غيره من الأئمة الطاهرين، من قولهم: أنهم هم الذين عندهم ميراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنما يقصدون به الميراث الخاص، الذي يختص الله به من يشاء من عباده، أعني: ميراث العلم، على حد قوله تعالى:

( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. ) وقد اعترف أبو بكر نفسه لفاطمة الزهراء بأن الأنبياء يورثون العلم لأشخاص معينين من بعدهم، وعلى كل فلقد أنكر علي عليه‌السلام مبدأ استحقاق الخلافة بالقرابة والصحابة أشد الإنكار، فقد جاء في نهج البلاغة قوله عليه‌السلام : ((وا عجباً!! أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة؟!!)). هكذا في نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ولكن الظاهر هو أنها محرفة، وأن الصحيح هو ما في نسخة ابن أبي الحديد، وهي هكذا ((وا عجباً!! أن تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالصحابة والقرابة!!)).

وأما ما يظهر منه أنهم يستدلون لاستحقاقهم الخلافة بالقربى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنما اقتضاه الحجاج مع الخصوم، فهو من باب: (الزموهم بما ألزموا به أنفسهم). ويدل على هذا المعنى ويوضحه ما قاله الإمام عليعليه‌السلام لأبي بكر، عندما جيء به ليبايع، فكان مما قاله: ((.. واحتججتم عليهم -أي على الأنصار- بالقرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى الخ)).. راجع: الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٨.

ويشير أيضاًعليه‌السلام ـ إلى هذا المعنى في بعض خطبه الموجودة في نهج البلاغة فمن أراد فليراجعه.. كما ويشير إليه أيضاً ما نسب إليهعليه‌السلام من الشعر(على ما في نهج البلاغة) وهو قوله:

فـإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فـكيف بـهذا والـمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فـغيرك أولـى بـالنبي وأقـرب

ولكن أحمد أمين المصري في كتابه: ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٦١، و ص ٣٠٠، و ص ٢٢٢، و ص ٢٣٥، وكذلك سعد محمد حسن في كتابه: المهدية في الإسلام ص ٥.

والخضري في محاضراته ج ١ ص ١٦٦: إن هؤلاء ينسبون إلى الشيعة القول: بأن منصب الخلافة يدور مدار القربى النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحسب، رغم اعتراف أحمد أمين في نفس الكتاب، وبالتحديد في ص ٢٠٨، ٢١٢: بأن الشيعة يحتجون بالنص في خصوص الخليفة بعد الرسول. بل والخضري يعترف بذلك أيضاً حيث قال: (أما الانتخاب عند أهل التنصيص على البيت العلوي، فإنه كان منظورا فيه إلى الوراثة الخ).=

٤٣

= وهي نسبة غريبة حقاً ـ بعد هذا الاعتراف الصريح منهم، ومن غيرهم ـ فإن عقيدة الشيعة ـ تبعاً لأئمتهم هي ما ذكرنا، أي ليس منصب الخلافة دائراً مدار القربى النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأدلة الشيعة تنطق وتصرح بأن القربى النسبية وحدها لا توجب بأي حال من الأحوال استحقاق الخلافة، وإنما لا بد من النص المعين لذلك الشخص الذي يمتلك الجدارة والأهلية والاستعداد الذاتي لها.

إنهم يستدلون على خلافة عليعليه‌السلام بالنصوص القرآنية، والنبوية المتواترة عند جميع الفرق الإسلامية، ولا يستدلون بالقربى إلا من باب: ألزموهم.. أو من باب تكثير الأدلة، أو في مقابل استدلال أبي بكر وعمر بها، وإذا ما شذ واحد منهم، واستدل بذلك، معتقداً بخلاف ما قلناه عن قصور نظر، وقلة معرفة، أو لفهمه ـ خطأ ـ ما ورد عنهمعليهم‌السلام . من أن عندهم ميراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يجب، بل لا يجوز أن يحسب على الشيعة، ومن ثم القول بأن ذلك هو قولهم، وأن تلك هي عقيدتهم.

ولعل أحمد أمين لم يراجع أدلة الشيعة!!

أو أنه راجعها، واشتبه عليه الأمر!!

أو أنه. لا هذا. ولا ذاك.. وإنما أراد التشنيع عليهم، فنسب إليهم ما ليس من مذهبهم!

ويدلنا على صحة هذا الاحتمال الأخير، اعترافه المشار إليه، بأن الشيعة يستدلون على إمامة عليعليه‌السلام بالنص، لا بالقربى!!..

وخلاصة القول هنا: إن القربى النسبية ليست هي الملاك في استحقاق الخلافة. ولم تكن دعوى أنها كذلك، لا من الأئمة، ولا من شيعتهم. وإنما كانت من قبل أبي بكر، وعمر، ثم الأمويين، فالعباسيين.

وإذا كان أهل السنة ـ تبعاً لأئمتهم ـ قد جعلوا كون الإمامة في قريش من عقائدهم. وإذا كان غير أهل البيت هم الذين ادعوا هذه الدعوى، وهللوا وكبروا لها. فمن الحق لنا إذن أن نقول:

(رمتني بدائها وانسلت).

وأخيراً.. فلقد كان من أبسط نتائج هذه العقيدة لدى أهل السنة، وقبولهم أن القربى النسبية تجعل لمدعيها الحق في الخلافة.. أن سنحت الفرصة لأن يصل أشخاص إلى الحكم من أبرز مميزاتهم، وخصائصهم جهلهم بتعاليم الدين، وانسياقهم وراء شهواتهم، أينما كانت، وحيثما وجدت، جاعلين الحكم والسلطان، وسيلة إليها، مسدلين على حماقاتهم هنا، وتفاهاتهم هناك ستاراً من القربى النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو من هؤلاء وأمثالهم بريء.

ولما لم يعد ذلك الستار يقوى على المنع من استكناه واقعهم، وحقيقة نواياهم وتصرفاتهم، كان لا بد لهم من الالتجاء إلى أساليب أخرى، تبرر لهم واقعهم، وتحمي تصرفاتهم، وتؤمن لهم الاستمرار في الحكم، ولعل بيعة المأمون للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد هي من تلك الأساليب، كما سيتضح إن شاء الله تعالى..

٤٤

وعندما ذهب داوود بن علي إلى مكة، والياً عليها، من قبل أخيه السفاح، وأراد أن يخطب في مكة خطبته الأولى، طلب منه سديف بن ميمون أن يأذن له في الكلام، فأذن له، فوقف، وقال من جملة ما قال:

(.. أتزعم الضلال: أن غير آل الرسول أولى بتراثه؟! ولم؟! وبم؟! معاشر الناس؟! ألهم الفضل بالصحابة، دون ذوي القرابة؟ الشركاء في النسب، والورثة للسلب)(١) .

ويقول داوود بن علي في نفس المناسبة، أعني في أول خطبة له: (لم يقم فيكم إمام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلا علي بن أبي طالب، وهذا القائم فيكم..) وأشار إلى السفاح(٢) .

____________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٩، والعقد الفريد، طبع دار الكتاب ج ٤ ص ٤٨٥.

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٣٧ و ٢٥٦، والطبري ج ١٠ ص ٣٣ و ٣٧، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٥٢، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٧، ٨٨، والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢٦، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٢٩ و ١٧٣، وإمبراطورية العرب ص ٤٢٢، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٤٢، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٥٥، وفيه: (إنه لم يخطب على منبركم هذا خليفة حق إلخ).. وبرواية أخرى فيه: (أقسم بالله قسماً براً، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أحق به من علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين هذا)..

٤٥

وقال المنصور في خطبة له: (وأكرمنا من خلافته، وميراثنا من نبيه..)(١) .

ولكنهم بعد المنصور ـ بل وحتى من زمن المنصور نفسه كما سيتضح ـ قد غيروا سلسلة الإرث هذه، وجعلوها عن طريق العباس، وولده عبد الله، ولكنهم أجازوا بيعة علي، لأن العباس نفسه كان قد أجازها.

كما سيأتي بيانه.. فكانت استدلالات الخلفاء ابتداء من المنصور ناظرة إلى الإرث عن هذا الطريق..

فنرى المنصور يبين في رسالة منه لمحمد بن عبد الله بن الحسن: أن الخلافة قد ورثها العباس في جملة ما ورثه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنها في ولده(٢) .

وكان الرشيد يقول: (ورثنا رسول الله، وبقيت فينا خلافة الله)(٣) . وقال الأمين عندما بويع له، بعد موت أبيه الرشيد: (.. وأفضت خلافة الله، وميراث نبيه إلى أمير المؤمنين الرشيد..) (٤) .

ومدح البعض المأمون، وعرض بأخيه الذي غدر به، فقال في جملة أبيات له:

إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه.. ولنعد إلى ما كنا فيه أولاً، فنقول:

إن تغدروا جهلاً بوارث أحمد

ووصي كل مسدد وموفق(٥)

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٣٠١، والطبري ج ١٠ ص ٤٣٢.

(٢) الطبري ج ١٠ ص ٢١٥، والعقد الفريد طبع دار الكتاب ج ٥ ص ٨١، إلى ٨٥، وصبح الأعشى ج ١ ص ٣٣٣، فما بعد، والكامل للمبرد، وطبيعة الدعوة العباسية..

(٣) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢١٧.

(٤) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١٦٣.

(٥) مروج الذهب ج ٣ ص ٣٩٩.

٤٦

دعوى الأخذ بثارات العلويين:

وأما ادعاؤهم: أنهم إنما خرجوا للأخذ بثارات العلويين، واستمرارهم على ربط الثورة بأهل البيت، حتى بعد نجاح ثورتهم، وتسلمهم لازمة الحكم والسلطان ـ وهذه هي الناحية الثانية من المرحلة الرابعة ـ فذلك أوضح من أن يخفى.. وقد تقدم قول محمد بن علي لبكير بن ماهان: (وسنأخذ بثأرهم..) يعني بثارات العلويين.. وتقدم أيضاً قول داوود ابن علي: (وإنما أخرجنا الآنفة من ابتزازهم حقنا، والغضب لبني عمنا..)..

ويقول السفاح، عندما أتي برأس مروان: (ما أبالي متى طرقني الموت، فقد قتلت بالحسين، وبني أبيه من بني أمية مائتين، وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي، وقتلت مروان بأخي إبراهيم)(١) .

ويقول صالح بن علي لبنات مروان: (ألم يقتل هشام بن عبد الملك، زيد بن علي بن الحسين، وصلبه في كناسة الكوفة؟. وقتل امرأة زيد بالحيرة، على يد يوسف بن عمرو الثقفي؟!

ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد، وصلبه بخراسان؟!

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٥٧ وفي شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٣١، وحياة الإمام موسى بن جعفر للقرشي ج ١ ص ٣٣٧، نقلاً عن مختصر أخبار الخلفاء، هكذا. (.. وقد قتلت بالحسين ألفاً من بني أمية. إلى أن قال: وقتلنا سائر بني أمية بحسين، ومن قتل معه، وبعده من بني عمنا أبي طالب)..

٤٧

ألم يقتل الدعي عبيد الله بن زياد، مسلم بن عقيل بن أبي طالب بالكوفة؟!

ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين(١) ؟!.

وبرواية ابن أبي الحديد، أنه قال لهن: (.. إذن، لا نستبقي منكم أحداً، لأنكم قد قتلتم إبراهيم الإمام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد، ومسلم بن عقيل.

وقتلتم خير أهل الأرض حسيناً، وإخوته، وبنيه، وأهل بيته، وسقتم نساءه سبايا ـ كما يساق ذراري الروم ـ على الأقتاب إلى الشام..)(٢) .

ولا بأس بمراجعة ما قاله داوود بن علي عندما قتل ثمانين أموياً مرة واحدة(٣) .

وكذلك فإنهم ما لقبوا أبا سلمة الخلال، أول وزير في الدولة العباسية بـ‍ (وزير آل محمد)، وأبا مسلم الخراساني بـ‍ (أمين، أو أمير آل محمد)(٤) . إلا من أجل الحفاظ على ربط الدعوة بأهل البيت عليهم‌السلام ، ولتبقى ـ من ثم ـ محتفظة بقوتها، وحيويتها.

وأخيراً.. فلم يكن اتخاذهم السواد شعاراً إلا تعبيراً عن الحزن والأسى

____________

(١) الكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٣٢، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٤٧، ولا بأس بمراجعة خطبة السفاح في مروج الذهب أيضاً ج ٣ ص ٢٥٧.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٢٩.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٩٢.

(٤) الفخري في الآداب السلطانية ص ١٥٥، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٧١، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٥٤، والطبري ج ١٠ ص ٦٠، وتاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الأول، جزء ١ ص ١٥٢، وغيرهم، فإنه مما نص عليه أكثر المؤرخين..

٤٨

لما نال أهل البيت في عهد بني أمية(١) .

وهكذا. يتضح، بما لا مجال معه للشك: أنهم كانوا يستغلون سمعة العلويين، ودماءهم الزكية في محاولاتهم للوصول إلى الحكم، وتثبيت أقدامهم فيه..

بل إن من الملاحظ أن كثيراً من الثورات التي قامت بعد ثورة بني العباس، كانت تحاول ذلك ـ بطريقة أو بأخرى ـ أي أنها كانت تظهر للناس ارتباطها بأهل البيتعليهم‌السلام ، وأنها تحظى بتأييدهم، وموافقتهم، وكثير منها كان يرفع شعار: (الرضا من آل محمد).

نهاية المطاف..

وبعد كل ما تقدم.. يتضح لنا بجلاء، الأسلوب الذي انتهجه العباسيون، والخطة التي اتبعوها، من أجل كسب ثقة الناس بهم، وتأييدهم لهم، وصرف أنظار الحكام عنهم..

____________

(١) هذا يصح بالنسبة للملابس السوداء. وأما كون الرايات سوداء، فيحتمل أن يكون لأجل ذلك، حسبما صرح به ابن خلدون ص ٢٥٩، ويحتمل أن يكون لما ورد من أن راية عليعليه‌السلام يوم صفين كانت سوداء، على ما نص عليه فإن فلوتن في هامش: ص ١٢٦ من كتابه السيادة العربية، أو لأن رايات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حروبه مع الكفار كانت سوداء، يقول الكميت مشيراً إلى ذلك:

وإلا فارفعوا الرايات سوداً

على أهل الضلالة والتعدي

وفي صبح الأعشى ج ٣ ص ٣٧٠، نقلاً عن القاضي الماوردي في كتابه: (الحاوي الكبير): أن السبب في اختيارهم السواد هو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عقد في يوم حنين ويوم الفتح لعمه العباس راية سوداء. وفي صبح الأعشى أيضاً ج ٣ ص ٣٧١ نقل عن أبي هلال العسكري في كتابه (الأوائل) أن سبب ذلك هو قتل مروان لإبراهيم الإمام، حيث لبس شيعته السواد حدادا عليه، فلزمهم ذلك، وصار شعاراً لهم..

ونرجح أن حادثة قتل يحيى بن يزيد، ولبس الخراسانيين السواد عليه سبعة أيام، هي التي شجعت العباسيين على اتخاذ السواد شعاراً لهم، إظهارا للحزن والأسى لما نال أهل البيت في الدولة الأموية. ويذهب إلى هذا الرأي السيد عباس المكي في نزهة الجليس ج ١ ص ٣١٦. بل صرح البلاذري في أنساب الأشراف ج ٣ ص ٢٦٤ بما يدل على ذلك فراجع.

٤٩

وأيضاً الطريقة التي اتبعوها في إبعاد العلويين عن مجال السياسة، وأن بيعتهم لهم ما كانت إلا خداعاً وتمويهاً، من أجل تنفيذ خطتهم، وإنجاح دعوتهم..

كما وظهر أن كون الدعوة ـ في بادئ الأمر ـ باسم العلويين، لم يكن أمراً عفوياً، وتلقائياً. وإنما كان ضمن خطة دقيقة، ومدروسة، وضعت بعناية فائقة، كما توضحه لنا النصوص المتقدمة.

وظهر أيضاً: كيف أن العباسيين قد حرصوا كل الحرص على ربط الثورة بأهل البيتعليهم‌السلام ، وكانوا يعتمدون على هذا الربط كل الاعتماد، ويصرون، ويؤكدون عليه، كلما سنحت لهم الفرصة، وواتاهم الظرف، حتى عندما وصلوا إلى الحكم، وفازوا بالسلطان.

وقد انقاد الناس لهم في البداية، واستقامت لهم الأمور، ظنا منهم بحسن نيتهم، وسلامة طويتهم.

ولكن.. ماذا كانت النتيجة بعد ذلك، بالنسبة للناس عامة، وبشكل خاص بالنسبة للعلويين، الذين قامت الثورة باسمهم ونجحت بفضلهم؟! وماذا كان نصيبهم، ومصيرهم، من هذه الثورة ومعها؟!

هذا.. ما سوف نحاول الإجابة عليه فيما يأتي من الفصول.

مصدر الخطر على العباسيين

العلويون هم مصدر الخطر:

قد تقدم معنا: أن الدولة العباسية إنما قامت ـ في بداية أمرها ـ على الدعوة لخصوص العلويين، ثم لأهل البيت، ثم إلى الرضا من آل محمد.. وأن سر نجاحها ليس إلا ربطها بأهل البيتعليهم‌السلام . وإن كانت قد انحرفت فيما بعد، حيث تحكم العباسيون وتسلطوا على الأمة بدعوى القربى النسبية من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥٠

ومن هنا.. فإن من الطبيعي، أن يكون الخطر الحقيقي الذي يتهدد العباسيين، وخلافتهم، هو من جهة أبناء عمهم العلويين، الذين كانوا أقوى منهم حجة، وأقرب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم، باعتراف العباسيين أنفسهم(١) ..

فادعاؤهم الخلافة إذن، له مبرراته الكاملة، سيما وأن من بينهم من له الجدارة والأهلية، ويتمتع بأفضل الصفات والمؤهلات لهذا المنصب من العلم، والعقل، والحكمة، وبعد النظر في الدين والسياسة. هذا بالإضافة إلى ما كان يكنه الناس لهم، من مختلف الفئات والطبقات، من الاحترام والتقدير، الذي نالوه بفضل تلك المميزات والصفات، وبفضل سلوكهم المثالي، وترفعهم عن كل المشينات، والموبقات.

أضف إلى ذلك كله: أن رجالات الإسلام، وأبطاله، كانوا هم آل أبي طالب (رضي الله تعالى عنه)، فأبو طالب مربي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكفيله، وعليعليه‌السلام وصيه وظهيره، وكذلك الحسن، والحسين، وعلي زين العابدين، وباقي الأئمة. ومنهم زيد بن علي الخارج على بني أمية، وغيرهم، ممن يطول المقام بذكرهم، (رضوان الله عليهم أجمعين).

ولقد كانت بطولات العلويين، ومواقفهم على كل شفة ولسان، وفي كل قلب وفؤاد، حتى لقد ألفت الكتب الكثيرة في وصف تلك البطولات، وبيان هاتيك المواقف..

وخلاصة الأمر: إنه لم يكن هناك مجال لإنكار نفوذ العلويين الواسع في تلك الفترة، أو تجاهله، فإن ذلك إما أن يكون عن قصر نظر، وقلة معرفة، أو مكابرة وعناداً.

____________

(١) سيأتي اعتراف عيسى بن موسى بذلك، واعتراف الرشيد للكاظمعليه‌السلام والمأمون للرضاعليه‌السلام في الكتاب التي سنورده في أواخر هذا الكتاب، وأيضاً قوله للرضاعليه‌السلام : أنتم والله أمس برسول الله رحماً، وبيعة السفاح والمنصور وغيرهم لمحمد بن عبد الله العلوي وكلام المنصور في مجلس البيعة يدل على ذلك أيضاً، إلى غير ذلك مما لا مجال لنا هنا لتتبعه واستقصائه.. وقد كان الخلفاء من بني العباس يدركون جيداً مقدار هذا النفوذ.

٥١

تخوف العباسيين من العلويين:

وقد كان الخلفاء من بني العباس يدركون جيداً مقدار هذا النفوذ، للعلويين، ويتخوفون منه، منذ أيامهم الأولى في السلطة. ومما يدل على ذلك:

أن السفاح، من أول عهده كان قد وضع الجواسيس على بني الحسن، حيث قال لبعض ثقاته، وقد خرج وفد بني الحسن من عنده: (قم بإنزالهم ولا تأل في ألطافهم، وكلما خلوت معهم، فأظهر الميل إليهم، والتحامل علينا، وعلى ناحيتنا. وأنهم أحق بالأمر منا، وأحص لي ما يقولون، وما يكون منهم في مسيرهم، ومقدمهم..)(١) .

وقد تنوعت هذه المراقبة، وتعددت أساليبها بعد عهد السفاح، يظهر ذلك لكل من راجع كتب التاريخ(٢) .

خوف المنصور من العلويين

ومما يدل على مدى تخوف العباسيين من العلويين وصية المنصور لولده المهدي، التي يحثه فيها على القبض على عيسى بن زيد العلوي، يقول المنصور: (.. يا بني، إني قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي، وجمعت لك من الموالي ما لم يجمعه خليفة قبلي، وبنيت لك مدينة لم يكن في الإسلام مثلها. ولست أخاف عليك إلا أحد رجلين: عيسى بن موسى، وعيسى بن زيد. فأما عيسى بن موسى، فقد أعطاني من العهود والمواثيق ما قبلته، ووالله، لو لم يكن إلا أن يقول قولاً لما خفته عليك، فأخرجه من قلبك، وأما عيسى بن يزيد، فانفق هذه الأموال، واقتل هؤلاء الموالي، واهدم هذه المدينة، حتى تظفر به،

____________

(١) الطبري، طبع ليدن ج ١١ ص ٧٥٢، والعقد الفريد، طبع دار الكتاب العربي ج ٥ ص ٧٤، وتاريخ التمدن الإسلامي، وغير ذلك..

(٢) وقد اعترف المنصور نفسه بهذه المراقبة في بعض خطبه: فراجع: الطبري ج ١٠ ص ٤٣٢، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٠١.

٥٢

ثم لا ألومك..)(١) .

وليس تخوف المنصور إلى هذا الحد من عيسى بن زيد لعظمة خارقة في عيسى هذا، وإنما كل ما في الأمر أن المجتمع الإسلامي كان قد قبل ـ في تلك الفترة من الزمن ـ أن الخلافة الشرعية إنما هي في ولد عليعليه‌السلام . وإذا ما قام عيسى بن زيد بثورة، فإنه سوف يلقى تأييدا واسعا، فهو من جهة ابن زيد الشهيد، الثائر على بني أمية.

ومن جهة أخرى: كان من المعاونين لمحمد بن عبد الله العلوي ـ قتيل المدينة ـ الذي كان السفاح والمنصور قد بايعاه، حسبما تقدم، والذي ادعي على نطاق واسع ـ باستثناء الإمام الصادقعليه‌السلام ـ أنه مهدي هذه الأمة. ـ كما أنه ـ أي عيسى بن زيد ـ كان من المعاونين لإبراهيم أخي محمد بن عبد الله الآنف الذكر، والذي خرج بالبصرة، وقتل بباخمرى..

ومما يدل على مدى خوف المنصور من العلويين أنه: عندما كان مشغولا بحرب محمد بن عبد الله، وأخيه إبراهيم، كان لا ينام الليل في تلك الأيام. وأهديت له جاريتان، فلم ينظر إليهما، فكلم في ذلك، فنهر المتكلمة، وقال: (.. ليست هذه الأيام من أيام النساء، لا سبيل لي إليهما، حتى أعلم: أرأس إبراهيم لي، أم رأسي لإبراهيم؟)(٢) .

____________

(١) الطبري طبع ليدن ج ١٠ ص ٤٤٨.

وتحسن الإشارة هنا إلى أن الأموال التي خلفها المنصور للمهدي تبلغ ٦٠٠ مليون درهم، و ١٤ مليون دينار. راجع أمراء الشعر العربي في العصر العباسي ص ٣٥.

(٢) تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٩٥، والطبري ج ١٠ ص ٣٠٦، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١١٤، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٨. وأنساب الأشراف ج ٣ ص ١١٨، ولكنه يذكر أنهما امرأتان من قريش كانتا قد خطبتا للمنصور.

٥٣

وهيئت له آنئذٍ عجينة من مخ وسكر، فاستطابها، فقال: (أراد إبراهيم أن يحرمني هذا وأمثاله)(١) .

وأرسل إلى كل باب من أبواب عاصمته ـ وهي الكوفة آنئذٍ ـ إبلاً ودواباً، حتى إذا أتى إبراهيم وجيشه من ناحية، هرب هو إلى الري من الناحية الأخرى(٢) .

وفي حربه ـ أي المنصور ـ مع محمد بن عبد الله اتسخت ثيابه جداً، حيث لم ينزعها عن بدنه أكثر من خمسين يوماً(٣) .

وكان لا يستطيع أن يتابع كلامه من كثرة همه(٤) .

وأخيراً.. فكم من مرة رأيناه يجلب الإمام الصادقعليه‌السلام ، ويتهدده ويتوعده، ويتهمه بأنه يدبر للخروج عليه وعلى سلطانه.

فكل ذلك يدل دلالة واضحة على مدى رعب المنصور، وخوفه من العلويين، وما ذلك إلا لإدراكه مدى ما يتمتعون به من التأكيد، في مختلف الطبقات، وعند جميع الفئات.

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٩٨. وهذا يعبر بوضوح عن نوعية تفكير خليفة المسلمين ونوعية طموحاته.

(٢) الطبري ج ١٠ ص ٣١٧، طبع ليدن، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١١٣. ومرآة الجنان ج ١ ص ٢٩٩، وشرح ميمية أبي فراس ص ١١٦، وفرج المهموم في تاريخ علماء النجوم ص ٢١٠، نقلاً عن تجارب الأمم لابن مسكويه ج ٤.

(٣) الطبري ج ١٠ ص ٣٠٦، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٩٥، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٨، والمحاسن والمساوي ص ٣٧٣، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٣ ص ١١٨.

(٤) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣، وقال اليافعي في مرآة الجنان ج ١ ص ٢٩٨، ٢٩٩: (.. ولم يأو إلى فراش خمسين ليلة، وكان كل يوم يأتيه فتق من ناحية. هذا، ومئة ألف سيف كامنة له بالكوفة، قالوا: ولولا السعادة لسل عرشه بدون ذلك).

٥٤

حتى إنه عندما سئل عن المبايعين لمحمد بن عبد الله أجاب: (.. ولد علي، وولد جعفر، وعقيل، وولد عمر بن الخطاب، وولد الزبير بن العوام، وسائر قريش، وأولاد الأنصار)(١) .

وسيمر معنا أن المنصور ادعى أن ولده هو المهدي، عندما رأى أن الناس ـ ما عدا الإمام الصادقعليه‌السلام ـ قد قبلوا بمهدوية محمد بن عبد الله العلوي. وسيمر معنا أيضاً طرف من معاملته للعلويين فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

خوف المهدي من العلويين:

وأما خوف المهدي من العلويين، فذلك لعله من أوضح الواضحات، فمثلا نرى أنه: عندما أخرج الإمام الكاظمعليه‌السلام من السجن، يطلب منه أن لا يخرج عليه، ولا على أحد من ولده(٢) .

كما أنه قد مكث مدة يطلب عيسى بن زيد، والحسن بن إبراهيم، بعد هربه من السجن.. فقال المهدي يوماً لجلسائه: (لو وجدت رجلاً من الزيدية، له معرفة بآل حسن، وبعيسى بن زيد، وله فقه. فاجتلبه عن طريق الفقه، فيدخل بيني وبين آل حسن، وعيسى بن زيد)، فدله الربيع على يعقوب بن داوود، فلم يزل أمره يرتفع عند الخليفة المهدي، حتى استوزره، وفوضه جميع أمور الخلافة، وخرج كتابه على الدواوين

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٩٤، ٢٩٥.

(٢) راجع: مروج الذهب، وابن خلكان: ترجمة الإمام الكاظم، وفصل الخطاب، وينابيع المودة، وكشف الغمة، ومرآة الجنان، وصفة الصفوة.

وصرح في ينابيع المودة ص ٣٨٢، ٣٨٣ باتفاق المؤرخين على ذلك.

٥٥

بأنه: قد آخاه(١) . كل ذلك من أجل أن يدله على الحسن بن إبراهيم، وعيسى بن زيد، مع أن يعقوب هذا كان قد سجنه المنصور، لخروجه عليه مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، والمهدي هو الذي أطلقه..

ولكنه لما لم يدله على عيسى بن زيد اتهمه بأنه: يمالئ الطالبيين فسجنه(٢) وبقي في السجن إلى زمن الرشيد، فأخرجه. وقد كف بصره وصار شعره كالأنعام..

خوف الرشيد من العلويين:

وأما الرشيد (الذي ثارت الفتن في زمنه بين أهل السنة والرافضة(٣) ،

____________

(١) الطبري، طبع ليدن ج ١٠ ص ٤٦٤، ٥٠٧، ٥٠٨، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣١٢، والفخري في الآداب السلطانية ص ١٨٤، ١٨٥، وليراجع: الوزراء والكتاب ص ١٥٥ وغير ذلك. وسيأتي في فصل: ظروف البيعة المزيد من الكلام حول نفوذ يعقوب هذا.. ونكتفي هنا بالقول: إنه قد بلغ من نفوذه، أن جاز لبشار أن يقول أبياته المشهورة:

بني أمية هبوا طال نومكـــم

إن الخليفة يعقوب بن داوود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا

خليفة الله بين الزق والعـود

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٣١٢، وضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٩٢، والطبري، وغير ذلك. وفي مرآة الجنان ج ١ ص ٤١٩ وغيره: أنه حبسه في بئر، وبنى عليه قبة، وليراجع الوزراء والكتاب ص ١٥٥ أيضاً.

وقد دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي بعد أن سجن يعقوب، وقال له: (إن يعقوب رجل رافضي)..

ومع ذلك.. فإننا نرى البعض يتهم يعقوب هذا بأنه هو الذي وشى للرشيد بالإمام موسى ابن جعفرعليه‌السلام ، فراجع عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٧٣، وغيره..

(٣) النجوم الزاهرة ج ٢ ص ٧٧.

٥٦

فقد كان معنياً بالمسألة عن آل علي، وكل من كان ذا نباهة وشأن منهم، كما سيأتي.

وقضيته مع يحيى بن عبد الله بن الحسن، الذي كان قد خرج في الديلم، وحالته السيئة، وهمومه في أيام خروجه، أشهر من أن تحتاج إلى بيان. وكيف لا تأخذه الهموم، وتذهب به الوساوس، وقد اتبع يحيى (خلق كثير، وجم غفير، وقويت شوكته، وارتحل إليه الناس من الكور والأمصار، فانزعج لذلك الرشيد، وقلق من أمره). وكان الساعي بالصلح بينه وبين يحيى هو الفضل بن يحيى، وبسبب تمكنه من إخماد ثورة يحيى عظمت منزلته عند الرشيد جداً، وفرح بذلك الصلح فرحاً عظيماً(١) . وإن كان قد غدر بيحيى بعد ذلك، كما هو معروف ومشهور..

كما أنه عندما ذهب إلى المدينة لم يعط الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، سوى مائتي دينار، رغم أنه كان يعطي من لا يقاسون به الآلاف منها، وكان اعتذاره عن ذلك لولده المأمون، أنه لو أعطاه أكثر من ذلك لم يأمن أن يخرج عليه من الغد مئة ألف سيف من شيعته، ومحبيه صلوات الله وسلامه عليه(٢) .

ثم عاد وسجنه بعد ذلك بحجة أنه كان يجبى إليه الخراج، ثم يدس إليه السم، ويتخلص منه، وذلك هو مصير أكثر الأئمة على يد الخلفاء قبله وبعده.

____________

(١) راجع في ذلك كله: البداية والنهاية ج ١٠ ص ١٦٧، وعمدة الطالب، طبع بيروت ص ١٢٤، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٩٠.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٩٢، والبحار ج ٤٨ ص ١٣١، ١٣٢.

وقد رأينا أن العباسيين ابتداء من المنصور، بل السفاح ـ مع الإمام الصادقعليه‌السلام ـ كانوا دائما يتهددون الأئمة ـ الذين ما كانوا يجدون الفرصة لأي تحرك، ومن أي نوع، كما سنوضحه ـ ويتهمونهم بأنهم كانوا يدبرون في الخفاء للخروج عليهم، ليجدوا الوسيلة من ثم ـ للتضييق عليهم، والمبرر لسجنهم، ومصادرة أموالهم و و. وكان الأئمة ينفون ذلك، ويدحضون تلك التهم باستمرار.. لكنهم ما كانوا يقبلون منهم ذلك!!

٥٧

وأما في زمن المأمون!

وأما في زمن المأمون: فقد كان الأمر أعظم، وأمر، وأدهى، حيث قد شملت الثورات والفتن الكثيرة من الولايات والأمصار، حتى لم يعد يعرف المأمون من أين يبدأ، ولا كيف يعالج. وأصبح يرى، ويؤلمه أن يرى مصيره، ومصير خلافته في مهب الريح، تتقاذفه الأنواء، ويضري به الأعصار.

عقدة الحقارة لدى العباسيين:

وكان ذلك بطبيعة الحال يزيد من رعب العباسيين، ويضاعف من مخاوفهم.. سيما بملاحظة أنهم كانوا يعيشون عقدة الحقارة والمهانة.

يقول أبو فراس مشيراً إلى ذلك:

ثـم ادعاها بنو العباس ملكهم

ومـا لـهم قـدم فيها ولا قدم

لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا

ولا يـحكم فـي أمر لهم حكم

ولا رآهـم أبو بكر وصاحبه

أهلا لما طلبوا منها وما زعموا

فـهل هم يدعوها غير واجبة

أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا

وقد كتب أبو مسلم للمنصور، من جملة رسالة له: (.. وأظهركم الله بعد الإخفاء، والحقارة والذل، ثم استنقذني بالتوبة الخ)(١) .

____________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٦٤. وغيره.

٥٨

وفي رسالة أخرى: (.. حتى عرفكم من كان جهلكم)(١) .

بل لقد صرح المنصور بذلك لعمه عبد الصمد بن علي، حيث قال له: (نحن بين قوم رأونا بالأمس سوقة، واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا إلا باستعمال العقوبة، ونسيان العفو) كما سيأتي.

في مواجهة الخطر:

وإذا كان العباسيون يدركون: أن الخطر الحقيقي الذي يتهددهم، إنما هو من قبل أبناء عمهم العلويين، فإن عليهم إذن. أن يتحركوا. أن يفعلوا شيئاً. أن يواجهوا الخطر المحدق بهم بكل وسيلة، وبأي أسلوب كان. سيما وهم يشهدون عن كثب سرعة استجابة الناس للعلويين، وتأييدهم، ومساندتهم لكل دعوة من قبلهم.

فكيف عالج العباسيون الموقف؟!.

وما هو مدى نجاحهم في ذلك؟ إن كان قدر لهم النجاح!!.

سياسة العباسيين ضد العلويين

مما سبق:

قد تقدم معنا بعض ما يدل على مدى نفوذ العلويين، وعلى المكانة التي كانوا يتمتعون بها على العموم. وأنهم هم الذين كانوا يشكلون الخطر الحقيقي على العباسيين، ومركزهم في الحكم..

وقد كان العباسيون يدركون بالفعل هذه الحقيقة، فكان عليهم أن يبعدوهم عن مجال السياسة بأي وسيلة كانت وأن يحدوا ما استطاعوا من نفوذهم، ويضعفوا ما أمكنهم من قوتهم..

وقد اتبعوا من أجل ذلك أساليب شتى، وطرق متنوعة: فحاولوا في بادئ الأمر أن يقارعوهم الحجة بالحجة..

____________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٦٩، والإمامة والسياسة ج ٢ ص ١٣٣، وغير ذلك.

٥٩

تطوير نظرية الإرث:

وكان من جملة أساليبهم في ذلك أنهم غيروا وبدلوا في السلسلة، التي كانوا يواجهون بها الناس في تقريرهم لشرعية خلافتهم من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وذلك لأنهم كانوا في بداية أمرهم يصلون حبل وصايتهم بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثم منه إلى ولده محمد بن الحنفية، ثم إلى ابنه أبي هاشم، ثم إلى علي بن عبد الله بن العباس، فإلى ولده محمد بن علي، فإبراهيم الإمام، ثم منه إلى أخيه السفاح(١) وهكذا..

هذا.. مع إنكارهم لشرعية خلافة أبي بكر وعمر، وعثمان، وغيرهم من خلفاء الأمويين، وغيرهم.

ويتضح إنكارهم وتبرؤهم هذا من كثير من النصوص التاريخية. فمن ذلك قصة أبي عون مع المهدي، التي ستأتي في بعض هوامش هذا الفصل.

ومن ذلك أيضاً قول أبي مسلم في خطبته في أهل المدينة في السنة التي حج فيها في عهد السفاح، قال: (.. وما زلتم بعد نبيه تختارون تيميا مرة، وعدوياً مرة، وأسدياً مرة وسفيانياً مرة، ومروانياً مرة، حتى جاءكم من لا تعرفون اسمه، ولا بيته (يعني نفسه) يضربكم بسيفه، فأعطيتموها عنوة، وأنتم صاغرون، ألا وإن آل محمد أئمة الهدى، ومنار سبيل التقى، القادة الذادة السادة الخ(٢) . وتقدم قول داوود ابن علي: (لم يقم فيكم إمام بعد رسول الله الخ..) وروى أبو سليمان الناجي، قال: (جلس المهدي يوماً يعطي قريشاً صلات لهم، وهو ولي عهد، فبدأ ببني هاشم، ثم بسائر قريش. فجاء السيد أي (الحميري)، فرفع إلى الربيع حاجب المنصور رقعة مختومة، وقال: إن فيها نصيحة للأمير، فأوصلها إليه. فأوصلها.

فإذا فيها:

____________

(١) تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٧٣، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٣٨، ووفيات الأعيان ج ١ ص ٤٥٤، ٤٥٥، طبع سنة ١٣١٠، وإمبراطورية العرب ص ٤٠٦، وغير ذلك، وقد أشرنا إلى أن هذه هي عقيدة الكيسانية، فراجع.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٦١، ١٦٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419