مراسم عاشوراء شبهات وردود

مراسم عاشوراء شبهات وردود0%

مراسم عاشوراء شبهات وردود مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 91

مراسم عاشوراء شبهات وردود

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: الصفحات: 91
المشاهدات: 42518
تحميل: 5517

توضيحات:

مراسم عاشوراء شبهات وردود
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 91 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42518 / تحميل: 5517
الحجم الحجم الحجم
مراسم عاشوراء شبهات وردود

مراسم عاشوراء شبهات وردود

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في جميعها، فلا تُقبل دعوى ذلك في جميع المواطن. خصوصاً في بلاد شيعة أهل البيتعليهم‌السلام . فإنه لا يلزم التوهين في قم المقدسة مثلاً. بل يلزم من ذلك تقوية الدين وعزته.

وسيأتي المزيد من توضيح هذه النقطة إن شاء الله تعالى.

الدليل الثالث على التحريم:

إن ضرب الرؤوس، واللطم المؤلم، وضرب السلاسل، فيه إيذاء للنفس، وإضرار بها، وهو محرم عقلاً وشرعاً.

مناقشة هذا الدليل:

ونقول: إن هذا الدليل لا يمكن قبوله، وذلك للأمور التالية:

أولاً:

إن من الواضح: أن جرح ولطم الإنسان نفسه وإيلامها، ليس من قبيل الظلم القبيح ذاتاً، والحرام شرعاً. إذ لو كان كذلك لم يجز الحكم باستحباب الجرح في بعض الموارد، كالحجامة، والختان، وثقب أذن المولود.

ولم يجز نتف شعر الحاجبين للمرأة، وغير ذلك مما ورد في الروايات.

فإن الحرام والقبيح لا يصير مستحباً.

وتجويز ارتكابه في مورد التزاحم لا يغيره عن صفة القبح والحرمة الواقعية.

كما أنه لو كان ضرراً حراماً، أو كان قبيحاً عقلاً، كالظلم، لم يجز الإقدام عليه، في موارد المعالجة، خصوصاً في الأمور التي هي غير ذات

٢١

أهمية، كعمليات التجميل، وإزالة البثور عن الجلد. ونحو ذلك.

بل إن بعض أنواع هذا الجرح، ومستوياته، ليس فيه اقتضاء القبح، فليس هو من قبيل الكذب الذي إن لم يطرأ عليه عنوان حسن، فإنه يبقى على صفة القبح الذي تقتضيه طبيعته.

بل هو خاضع في حسنه وقبحه للعناوين الطارئة عليه، فقد يحسن، وقد يقبح، وقد يرجح، وقد يكون مرجوحاً. كما سيتضح.

وستأتي شواهد ذلك إن شاء الله تعالى.

ثانياً:

إن جعل اللطم، والجرح من مصاديق الضرر غير ظاهر الوجه، فإن للألم مراتب، ولا شك في أن بعض مراتب الألم ليست ضرراً.

بل إن بعض مراتب وموارد الجرح أيضاً، ليست ضرراً فالتعميم على سبيل ضرب القاعدة، والقول بأن الضرر حرام بقول مطلق، في غير محله.

ثالثاً:

ما هو الدليل على حرمة الضرر والإيذاء، فإن كان الدليل على حرمة الضرر، هو حكم العقل بوجوب دفع ما يقطع بأن فيه مضرة على الإنسان. بل حكمه بوجوب دفع الضرر المظنون، بل والمحتمل أيضاً. فهو أيضاً لا يمكن القبول به، ولا الالتفات إليه. كما سيتضح في الفصل التالي:

الإضرار والإقدام على الضرر:

بداية نقول:

هناك حالتان يختلف الحكم فيها:

الأولى:

الإضرار بالغير، بأن يتعمد شخص الإضرار بالغير، فهذا لا

٢٢

شك في حرمته، بأي مستوى كان، إذ إن أي اعتداء على حقوق الناس، أو تعد على حدودهم، مرفوض وممنوع عنه شرعاً. حتى لو كان هذا التعدي للحدود بمثل غمز جسد الطرف الآخر، أو الجلوس على فراشه، أو التصرف في آنيته، بدون إذنه، فكيف بما هو أشد من ذلك. كضربه، أو جرحه.

غير أن الشارع قد أذن ببعض التصرفات المرتبطة بالغير، منها ما يصل إلى حد الجرح، مثل الختان، وثقب أذن المولود. بل هو قد أذن أو أوجب القتل أيضاً - كما في حالات الجهاد، والقصاص، ونحو ذلك.

الثانية:

الإضرار بالنفس، بأن يفعل الإنسان بنفسه ما يؤلمها، ويؤذيها، أو يدخل النقص عليها، ولهذا الضرر والأذى حالات ومراتب.

فإن كان مجرد أذى وألم، فإنه ليس من الأمور التي يحكم العقل بقبحها، كما أنه لا دليل على حرمته شرعاً. بل لقد صرح الشارع للإنسان بإيلام بل بجرح نفسه في موارد كثيرة. وستأتي أمثلة ذلك.

وهذا يكشف عن أن مجرد الألم ليس ضرراً على الحقيقة، أو أنه ليس ضرراً في أكثر موارده، وأن إطلاق الضرر عليه، فيه مسامحة. وحتى لو كان ضرراً على الحقيقة، فإنه ليس حراماً شرعاً، ولا قبيحاً عقلاً.

نعم، لو كان الضرر ليس مجرد ألم أو جرح، بل هو بمستوى قطع الأعضاء أو التسبب ببعض الأمراض الصعبة، فذلك مما لم يأذن الشارع به. إلا في موارد معينة كما سنرى.

وبعد ما تقدم نقول:

٢٣

العقلاء واحتمالات الضرر:

إننا حين نراقب السلوك العام للعقلاء، وهم يواجهون المخاطر، بهدف أن نتلمس ما فيه تنوع، يفيد في إعطاء صورة عن جهات البحث وموارده، فإننا نقول:

إن العقلاء يقدمون على الكثير من الموارد التي يحتمل فيها الهلاك، ومنها ما هو من سنن الحياة فيهم، التي ليس فقط لم يمنع عنها الشارع، بل هو قد حث عليها، وعمل على تنظيمها، والحفاظ على استمرارها، مثل:

إقدام النساء على الحمل، مع وجود احتمال حصول الموت حال الولادة، وقد حصل ذلك بالفعل كثيراً، وقد اعتبر الشارع من تموت حال الولادة بمثابة شهيدة..

وفي سياق آخر، فإن العقلاء يمارسون ركوب القطارات، والطائرات، والسيارات، والصعود إلى مواضع خطرة في الأشجار الباسقة، أو الأبنية الشاهقة، لمعالجة الأعمال فيها، وفي ذلك ما فيه من تعريض للنفس إلى المهالك، وقد حصل ذلك بالفعل، فهلكت أنفس كثيرة، ولم يمتنع العقلاء عن تلك الأمور، كما لم يمنعهم الشارع عنها أيضاً.

بل إن بعض الناس يعطي إحدى كليتيه لمريض آخر يعز عليه. أو في مقابل مال يحتاج إليه.

وهذا يدل على أن احتمال الضرر - ولو كان هذا الضرر هو الهلاك - لا يوجب امتناع العقلاء عن السعي نحو أهدافهم، فكيف إذا كان هذا الضرر، مجرد جرح، لا يلبث أن يندمل، أو ألم لا يلبث أن يزول.

فلو كان ذلك مما تمنعه العقول، لتوقفت كثير من الأعمال، ولفشلت كثير من الخطط.

٢٤

وهذا يدل على أن ثمة حيثيات أخرى تدخل في حسابات العقلاء، في إقدامهم وإحجامهم، حيث يكون للمنافع والمضار، وللعناوين العامة، وغير ذلك دور في القبول وأثر في الرفض، وأثر في الإقدام والإحجام.

العقلاء والضرر المحتم:

بل إننا نشاهد في هذه العقود المتأخرة، فريقاً من الناس يقدمون على أمور فيها الهلاك المحتم لأنفسهم، مثل الإضراب عن الطعام حتى الموت، وذلك من أجل الضغط على حكامهم لتلبية مطالب لهم، معيشية، أو سياسية، أو غيرها. ولا يستقبح ذلك الناس منهم، ولا ينكرونه عليهم، بل هم يعطونهم كل الحق في ذلك.

بل أصبح ذلك من الأساليب الشائعة. فلو كان قبيحاً عقلاً لوجب أن يكون الأمر مختلفاً.

الشرع لا يشرع القبيح :

وواضح: أن الأمور القبيحة عقلاً، لا يمكن أن يشرعها الله سبحانه، ولا أن يأمر أنبياءه بممارستها، فهو تعالى لا يأمر بالظلم، ولا بكفران النعمة، ولا بالإساءة إلى محسن.

وها نحن نجد أن الله تعالى، قد أمر نبيه إبراهيمعليه‌السلام بذبح ولده النبي إسماعيلعليه‌السلام ، رغم أن مقام النبي إسماعيلعليه‌السلام هو مقام النبوة.

ولم يطلب النبي إبراهيمعليه‌السلام من ربه البيان، ولا اعترض النبي إسماعيلعليه‌السلام ، على أبيه، بأن هذا الذي تريد أن تفعله

٢٥

قبيح شرعاً، فكيف تقدم عليه، وكيف يمكن أن يأمرك الله تعالى به.

قاعدة وجوب دفع الضرر:

وعلى كل حال، فإن القدر المتيقن هو وجوب دفع الضرر، في صورة ما إذا كان الضرر كبيراً يصل إلى حدّ التسبيب بالهلاك، أو الابتلاء بمرض صعب، دون أن يكون في مقابل ذلك ما هو أهم وأعظم. من المصالح والقضايا التي تحتم عليهم التضحية والإقدام.

وذلك موضع إجماع، كما ذكره علماؤنا قدس الله أسرارهم(1) . ويمكن القبول بأن مقتضي الحرمة موجود، كالحفاظ على النوع الإنساني، أو نحو ذلك. إلا إذا زوحم بمقتضي آخر أقوى منه، فالتأثير يكون للأقوى.

ولكن الضرر الذي هو دون ذلك، كالجرح اليسير الذي لا يؤدي إلى إتلاف عضو، والمرض اليسير كالزكام ونحوه، فقد يقال: إن العقل لا يحكم بلزوم دفعه، وليس فيه اقتضاء لشيء بعينه، بل الأمر تابع فيه للعناوين والحالات الطارئة. في كل مورد بخصوصه.

للتوضيح فقط:

ولمزيد من التوضيح لمراتب الضرر وحالاته، نقول:

1 - إن هناك ما هو قبيح ذاتاً، فلا يمكن أن يكون حسناً، مهما طرأ عليه من أحوال. وذلك مثل الظلم، ومجازاة الإحسان بالإساءة، وهناك ما هو حسن كذلك كالعدل وشكر المنعم. فإن الظلم قبيح في جميع

____________________

(1) راجع: الجواهر ج5 ص104 و105.

٢٦

الأحوال، بمجرد وجوده وتحقق عنوانه. والعدل حسن كذلك. ويستحيل أن يكون الظلم حسناً، والعدل قبيحاً.

وجرح النفس واللطم ليس من هذا القبيل حتماً وجزماً، فقد يكون الجرح حسناً ومحبوباً للشارع، كالحجامة ونحوها.

2 - هناك ما فيه اقتضاء القبح، بمعنى أنه لو خلي وطبعه، لكان على ما هو عليه من الاقتضاء المؤثر. إلا إذا زاحمه مقتضٍ آخر، كأن طرأ عليه عنوان يحبه الشارع، فإنه يصيّره بذلك حسناً، وذلك كالكذب، فإنه إذا طرأ عليه عنوان نجاة نبي من القتل مثلاً، فإن اقتضاءه للحرمة يزول، ويحل محله اقتضاء آخر، فيصير نفس الإخبار بخلاف الواقع حسناً وواجباً.

وكذلك الحال بالنسبة إلى ما يكون فيه اقتضاء الحسن، كالصدق مثلاً. فقد يصبح حراماً، كالمثال المذكور آنفاً.

وقتل النفس من هذا القبيل، فإنه ليس قبيحاً ذاتاً. إذ لو كان كذلك لم يصح الأمر به على سبيل العقوبة، أو القصاص، ولم يصح أمر الله سبحانه نبيه إبراهيمعليه‌السلام . فإن القبيح ذاتاً لا يمكن أن يصبح حسناً أصلاً، تماماً كما هو الحال في الظلم مثلاً، فإنه كلما وجد، يوجد على صفة القبح، وحين يزول عنه القبح، فإنه لا يعود ظلماً، بل يصير عدلاً، أو إحساناً.

وقطع الأعضاء أيضاً كذلك، فإن فيه اقتضاء القبح، ولكن إذا توقف العلاج على قطعها، أصبح ذلك سائغاً، وربما لازماً، وواجباً أيضاً.

3 - وهناك ما لا اقتضاء فيه لحسن ولا لقبح، بل هو في ذلك تابع للعناوين التي تطرأ عليه، وذلك مثل القيام، الذي قد يكون مبغوضاً حراماً، كما إذا كان تعظيماً لفاجر، وقد يكون راجحاً محبوباً كما إذا كان تعظيماً لمؤمن.

٢٧

وبعدما تقدم نقول:

قد يقال: إن ما يفعله الناس في حياتهم العادية، مما يسبب لهم تعباً، ونصباً، كقلع الصخور، وحمل الأثقال، والعمل في الحقول حتى تجرح آلات العمل أيديهم، وتلفح الشمس وجوههم، وكذا ما يدخل في سياق أهدافهم العقلائية مثل: ثقب الأنوف والآذان، لتعليق الخزائم، والأقراط، وكذلك الختان، ونتف النساء لشعر الحاجبين، أو نتف شعر الأنف والإبطين. وكذلك الوشم، وغير ذلك، إن ذلك كله.

قد يقال: إنه من هذا القسم الأخير، مع أنه يتضمن جرحاً، ووخزاً بالأبر، وألماً. فإن تَعَلُق غرضهم بهذا الأمر، هو الذي جعل الإقدام عليه راجحاً بنظرهم، إذ أنهم لا يفعلون ذلك من أجل العبث واللهو.

وليس ترك بعضهم لمثل هذه الأعمال، لأجل أن عقولهم قد منعتهم، من حيث إنها تحكم بقبحها ذاتاً، وإنما استثقالاً منهم للألم، وإيثاراً للراحة، وحباً بها، أو لعدم ميلهم إلى تلك الأمور، لأنهم لا يرون لها قيمة تذكر.

وفيما بين هذين الحدين: أعني قتل النفس من جهة، ونتف الشعر أو الوشم وثقب الأذن من جهة أخرى. مراتب بعضها أشد من بعض، ومنها المرض اليسير كالزكام، الذي حكم كثير من الفقهاء(1) بأنه لا يسوِّغ الانتقال من الوضوء إلى التيمم.

____________________

(1) جواهر الكلام ج5 ص105 عن المعتبر، والمبسوط، وظاهر تحرير الأحكام، والشرايع بل في المبسوط نفي الخلاف عنه وعن الخلاف والمنتهى: بل ربما استظهر الإجماع عليه. والموجود فيهما المرض لا يخاف منه التلف، ولا الزيادة فيه وذهب إليه صاحب الجواهر أيضاً.

٢٨

ومن هذه المراتب، ما ورد عن الشارع الأمر به استحباباً، أو طلباً لتأكيد حالة الصحة والسلامة البدنية، مثل ما ورد من الحث على الحجامة، أو الأمر بالفصاد، والختان، وثقب الأذن، ونحو ذلك مما فيه جرح وإدماء(1) .

وجرح الرؤوس في مراسم عاشوراء، وكذلك ضرب السلاسل، فضلاً عن اللطم، ليس بأشد من أمر الحجامة، فضلاً عما هو أعظم منها كما سنرى. فكيف يدَّعى أن ذلك حرام ذاتاً، أو قبيح عقلاً، وأنه من الضرر الواجب دفعه؟! إن هذه الدعوى فيها الكثير من المجازفة. خصوصاً إذا لاحظنا أنه لا يترتب على هذه الأفعال، لا هلاك، ولا مرض، بحسب العادة.

وفي مختلف الأحوال. فإن ذلك كله إذا تعنون بعنوان راجح: واجب أو مستحب، فإنه يأخذ حكم ذلك العنوان. وإذا تعنون بما هو مبغوض ومرجوح، فكذلك.

الأدلة السمعية على حرمة الضرر

هذا كله لو كان الدليل على حرمة الضرر المحتمل أو المظنون، أو المقطوع به، هو العقل، أما لو كان الدليل عليه هو الأدلة السمعية، فنقول:

إنه ليس ثمة من دليل سمعي، قادر على إثبات أن الإضرار بالنفس، وإيذاءها محرم بجميع مراتبه، بل إن ذلك لم يقل به أحد ممن يعتد

____________________

(1) ويلاحظ أن الشارع الحكيم، الذي شرع أحكاماً تقوم على أساس الرفق والرحمة بالحيوان، والمنع من التعدي عليه وأذاه. قد شرع أيضاً لزوم شق سنام الإبل حين الإحرام، وفي بعض الروايات أن ذلك بمنزلة التلبية، مع أن ذلك فيه بعض الأذى لذلك الحيوان.

٢٩

بقوله من العلماء. فالقدر المتيقن من الإيذاء المحرم، هو ما يؤدي إلى الهلاك، أو ما كان ضرراً بالغاً، يصل إلى حد قطع عضو، أو التسبب بحدوث مرض عضال.

ولم يوردوا أدلة سمعية على ذلك سوى ما ذكرناه، من الاستناد إلى قوله تعالى:( ...وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التّهْلُكَةِ... ) ، وقد ذكرنا فيما تقدم: أنها إنما تنهى عن الهلاك الأخروي الذي هو التعرض لغضب الله عز وجل، بسبب عدم امتثال أوامره في الإنفاق في الجهاد. فالتهلكة في الآية هي الأخروية. وهناك إشكالات أخرى على استدلالهم بهذه الآية تقدمت، فلا حاجة لإعادتها.

واستدلوا له أيضاً بقوله تعالى:( ...وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) (1) . حيث دل على حرمة قتل النفس، ولا سيّما بملاحظة الآية التالية لها، وهي قوله تعالى:( وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً ) .

ولكن في دلالة هذه الآية أيضاً مناقشات. لكن الذي يهون الخطب، هو: أن حرمة أنْ يقتل الإنسان نفسه، مما لا ريب فيها، ولا شبهة تعتريها، حتى إنها قد تلحق بالضروريات.

فلا حاجة إلى إقامة الأدلة على ذلك، ولا ضرورة للنقض والإبرام فيها.

وأما ما دون القتل من مراتب الأذى، فلا يمكن الحكم بحرمته بصورة قاطعة، بل لا شك في جواز بعض مراتبه كما ظهر مما تقدم، وسيزيد وضوح ذلك فيما يأتي أيضاً.

____________________

(1) سورة النساء 29 - 30.

٣٠

الفصل الثاني:الضرر والهلاك في النصوص والآثار

٣١

٣٢

ما يؤدي إلى نقصٍ أو هلاك. في النصوص والآثار.

قد أشرنا في المطالب المتقدمة، إلى كثير مما يفيد في استفادة حكم إلحاق الإنسان بنفسه الأذى والألم، وحتى الجرح.

ونقول هنا:

إن هذا الذي ذكرناه توضحه نصوص كثيرة، تفوق حد التواتر، وهي على درجة كبيرة من التنوع، في سياقاتها، وفي مضامينها، كلها تدل على أن الضرر ذو مراتب، وعلى أن ما كان من مراتبه محكوماً بالحرمة، فليس لأجل أن حرمته ذاتية، أو لأنه قبيح عقلاً، بل هو تابع في ذلك لما يعرض له من عناوين، وأنه قد تعرض عليه عناوين مختلفة الأحكام، فمنها ما هو حرام، ومنها ما هو واجب، ومنها المستحب والمكروه، والمباح.

بل قد قلنا: إنه حتى قتل النفس، ليس حراماً ذاتاً، وإنما الميزان هو ما يطرأ عليه من عناوين. ولذلك أمر الله تعالى نبيه إبراهيمعليه‌السلام بذبح ولده. كما أن الشارع قد أوجب هذا القتل، كما في صورة القصاص، وكما في قوله تعالى، مخاطباً بني إسرائيل:

٣٣

( ...فَتُوبُوا إِلَى‏ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ... ) (1) .

وعلى كل حال، فإن ثمة نصوصاً كثيرة قد تحدثت عن حكم ما فيه أذى وجرح، قد يصل إلى حد إتلاف بعض الأعضاء، أو فوق ذلك، أو دونه. كما سنرى وهناك نصوص تحدثت أيضاً عما فيه خوف ضرر تارة، وعما فيه خوف هلاك أخرى.

وهي نصوص تضمنت أقوالاً، وأفعالاً، للأئمة أنفسهمعليهم‌السلام تارة، وفي حضورهم أخرى.

وفي تلك النصوص الحديث المرسل والمسند، وفيها الصحاح والحسان، وغير ذلك.

وكلها تؤكد حقيقة واحدة، وتشير على أمر فارد، وهو أن جميع ذلك ليس قبيحاً عقلاً، وأن في بعضه اقتضاء للقبح، قد يزيله ويحل محله مقتضٍ آخر، وقد يبقى على حاله. وبعضه لا دليل على وجود اقتضاء ذلك فيه أصلاً.

وكلا الصنفين يكون خاضعاً في موارده للعناوين الطارئة، وتابعاً في أحكامه، للوجوه والاعتبارات المختلفة. فإذا كان جرح الرأس، واللطم وغير ذلك من موارد ومصاديق إحياء أمرهمعليهم‌السلام ، الذي ورد الأمر به عنهم، ومنهمعليهم‌السلام فإن ذلك الضرب والجرح والألم يصبح من الأمور المحبوبة والمطلوبة لله تعالى.

بل لقد صدر عن الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام ، أو بحضورهم كما

____________________

(1) سورة البقرة 54.

٣٤

نطقت به النصوص والآثار الآتية، ما هو أعظم من اللطم، أو جرح الرؤوس:

وكفى شاهداً على ذلك ما فعله النبي يعقوب بنفسه (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام) حين بكى على ولده، حتى ابيضت عيناه من الحزن. وكاد أن يهلك كما قال له أبناؤه.

وقال له أبناؤه:( قَالُوا تَاللّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى‏ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (1) .

وهذا خير دليل على أن فعل ما يؤدي إلى العمى أو إلى الهلاك، ليس قبيحاً عقلاً، ولا هو حرام ذاتاً، بل هو تابع للعناوين التي تَعْرُضُ له، أو توجب المصير إليه.

فإلى ما يلي من نصوص وآثار تظهر هذه الحقيقة وتؤكدها. وسوف نحاول أن نتجنب قدر الإمكان ما يرتبط بمراسم عاشوراء، فنقول:

المعصوم واحتمال الضرر الكبير والهلاك:

إننا إذا انتقلنا إلى عالم النصوص الواردة عن النبي وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم) أجمعين، فسوف يكون أمامنا موارد كثيرة تدخل في هذا السياق، وتشير إلى هذا الاتجاه، فهناك موارد أوجبها الشارع، أو مارسها أهل الشرع، بمرأى وبمسمع من المعصوم، رغم أنها قد كان فيها احتمال الهلاك ملموساً وظاهراً. أو كان فيها الضرر البالغ محققاً تارة، ومظنوناً، أو محتملاً أخرى.

____________________

(1) سورة يوسف، الآية 84.

٣٥

ونذكر من ذلك ما يلي:

1 - الكليني: عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر بن عبد الله العلوي، وأحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن العباس، عن إسماعيل بن إسحاق، جميعاً عن أبي روح فرج بن قرة، عن مسعدة بن صدقة، قال حدثني ابن أبي ليلى، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

«أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة»، إلى أن قال:

«وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها، وقُلبها، وقلائدها، ورعاثها، ما تمنع (تمتنع خ.ل.) منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق له (لهم خ. ل) دم. فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان عندي به (به عندي خ. ل) جديراً»(1) .

فهوعليه‌السلام لا يلوم من يموت من المسلمين أسفاً لأجل سلب امرأة كافرة حجلها، وقُلبها، ورعاثها، رغم أنه ليس هو مسؤولاً عن

____________________

(1) الكافي ج5 ص4 ونهج البلاغة، الخطبة رقم 27 والبيان والتبيين ج2 ص54 والكامل للمبرد ج1 ص20 والعقد الفريد ج4 ص66 ومصادر نهج البلاغةج1 ص395-397 عنهم والأخبار الطوال ص211 وأنساب الأشراف ط الأعلمي ص442 ومعاني الأخبار ص309 والأغاني ج15 ص45 والغارات 476 ووسائل الشيعة وعن التهذيب للطوسي ج2 ص416 ط أمير بهادر والبحار ط حجرية ج8 ص699و700.

٣٦

حمايتها، لأنها معاهدة لمدة على متاركة الحرب، حتى إذا انقضت تلك المدة، فربما تعود إلى حرب المسلمين، وإلى السعي في أذاهم وقتلهم.

بل إنهعليه‌السلام يرى أن من يموت أسفاً لهذا الأمر جديرٌ بذلك. رغم أن ما جرى لهذه الكافرة المعاهدة هو مجرد سلب حليها منها، دون أن تتعرض لضرب، ولا لهتك، ولا لأسر، ولا لقتل.

فإذا كان الموت أسفاً على سلب امرأة كافرة غير موجب للّوم، بل هو مما يجدر بالإنسان المسلم أن يوصله أسفه إليه، فالموت حزناً على الحسينعليه‌السلام ، وأسفاً لما جرى عليه، وعلى أصحابه لا يوجب اللوم، بل يكون في محله. والموت في هذه الصورة، لا يكون قبيحاً عقلاً، ولا حراماً ذاتاً، بل هو قد أخذ مشروعيته من هذا العنوان العارض عليه، فما بالك باللطم المؤلم، أو جرح الإنسان الرأس، الذي لا يؤثر على حياة الإنسان بشيء؟!

2 - قد أوجب الله تعالى جهاد العدو أو أجازه - ونقصد به الجهاد الابتدائي، لا الدفاعي - مع ما في هذا الجهاد من احتمال القتل، أو قطع بعض الأعضاء، أو الجرح. فلو كان القتل حراماً ذاتاً، فإنه يجب التحرز عن كل ما يؤدي أو يحتمل أن يؤدي إليه. ويكون كالظلم، الذي لا يمكن أن يكون حلالاً في أي وقت من الأوقات، فضلاً عن أن يكون واجباً.

3 - قد أمر الله سبحانه بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقال:( وَإِذْ قَالَ مُوسَى‏ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى‏ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ

٣٧

إِنّهُ هُوَ الْتّوّابُ الْرّحِيمُ ) (1) .

وقال تعالى:( وَلَوْ أَنّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ... ) (2) . فلو كان القتل قبيحاً ذاتاً، لم يأمرهم الله سبحانه به.

4 - وقد قال الله تعالى لنبيه:( ...فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ... ) (3) .

وقال:( فَلَعَلّكَ بَاخِعٌ نّفْسَكَ عَلَى‏ آثَارِهِم إِن لّمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) (4) .

وقال تعالى:( لَعَلّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (5) فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرض نفسه لأمور صعبة، تصل به إلى حد الهلاك، من أجل أناس يعلنون الحرب عليه، ويقتلون ذويه وأصحابه، ويفتكون حتى بمثل عمه حمزة، وعبيدة بن الحارث، وغيرهما ولو قدروا على قتله هو أيضاً، لاعتبروا ذلك من أعظم الأعياد عندهم.

مع أن بإمكانهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يهتم لهذا الأمر.

وهذا يشير إلى أن هذا المستوى من التعامل مع القضايا، أمر مسموح به، بل هو راجح، يستحق عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه التسلية الإلهية، ولا يمكن أن يكون ما يفعله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من موارد

____________________

(1) سورة البقرة / 57.

(2) سورة النساء / 66.

(3) سورة فاطر / 8.

(4) سورة الكهف / 6.

(5) سورة الشعراء / 3.

٣٨

القبح العقلي، ولا هو محرم ذاتاً في أي حال من الأحوال.

وبعد هذا، أفلا يحق لنا نحن أن نأسف إلى حد الموت لقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، أو إلى حد إلحاق بعض الأذى والألم بأجسادنا؟.

5 - قد تقدم أن الله تعالى قد أمر النبي إبراهيمعليه‌السلام بذبح ولده. وقد أطاعه ولده في هذا الأمر. فهل يصح: أن يقال: إن الله تعالى، قد أمره بما هو قبيح عقلاً، وحرام ذاتاً؟!

6 - رواية الفرار من الطاعون:

وقد أظهرت الروايات أيضاً: أن الفرار من الطاعون ليس واجباً، بل هو رخصة. وذلك معناه: أنه لا حرمة ذاتية، ولا قبح عقلياً، في البقاء في محيط الطاعون، إذا كان هناك ما هو أهم منه.

فعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الوباء يكون في ناحية المصر، فيتحول الرجل إلى ناحية أخرى، أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره؟!

فقال: «لا بأس، إنما نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك لمكان ربيّة(1) كانت بحيال العدو، فوقع فيهم الوباء، فهربوا منه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الفارّ منه كالفارّ من الزحف، كراهية أن تخلو مراكزهم»(2) .

____________________

(1) الربية والربيئة: العين على العدو، ولا يكون إلا على جبل، أو شرف..

(2) الكافي ج8 ص93 ط مطبعة النجف - النجف الأشرف / العراق - والوسائل ط مؤسسة آل البيت ج2 ص429 و430.

٣٩

وقريب من ذلك: ما رواه الصدوق عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن فضالة، عن أبان الأحمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

وثمة روايات أخرى بهذا المضمون أيضاً، فراجع(1) .

ففي هذه الرواية:

أولاً: إنهعليه‌السلام لم يحتم على ذلك السائل التحول والابتعاد عن موضع الخطر، بل قال له: لا بأس.

إلا أن يقال: إن كلمة (لا بأس) قد وردت في مورد توهم الحظر، فهي تدل على عدم حرمة الفرار من الطاعون في الحالات العادية، وأما أنه واجب أو راجح أو مباح، فإنهعليه‌السلام ، لم يكن بصدد بيان ذلك.

ثانياً: إنهعليه‌السلام قد أوضح أن النبي قد حتم على ربية أن لا تهرب من الطاعون، لكي لا تخلو تلك المراكز منهم. واعتبر ذلك كالفرار من الزحف. والمراد بالربيئة، الكمين المراقب، والراصد للعدو.

وذلك معناه: أن دفع الضرر النوعي، مقدم على دفع وتحاشي الضرر الشخصي. فلا بد من دفع الأول، ولو بقيمة تعريض النفس للثاني.

فلا يصح قولهم: إن فعل ما فيه ضرر، قبيح بحكم العقل؟!. وحرام بذاته شرعاً.

أليس هذا يدل على أن القبح ليس ذاتياً، وإنما الأمر مرهون

____________________

(1) معاني الأخبار ص254 والوسائل ط مؤسسة آل البيت ج2 ص430 و431 وفي هامشه عن علل الشرائع ج2 ص520 ومسائل علي بن جعفر ص117.

٤٠