شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية0%

شبابنا ومشاكلهم الروحية مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 156

شبابنا ومشاكلهم الروحية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد كامل الهاشمي
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: الصفحات: 156
المشاهدات: 27159
تحميل: 43826

توضيحات:

شبابنا ومشاكلهم الروحية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27159 / تحميل: 43826
الحجم الحجم الحجم
شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يستمر عليه الإنسان خير من العمل الكثير الذي يكون مآله إلى الانقطاع والضجر والملل، وفي ذلك يقول الإمام أبو جعفر الباقر (ع):(أحب الأعمال إلى الله عَزَّ وجَلَّ ما داوم عليه العبد وإن قل) (١) .

وقال علي (ع):(قليل من عمل مدوم عليه خير من عمل كثير مملول منه) (٢) .

وقال الباقر (ع):(ما من شيء أحب إلى الله عَزَّ وجَلَّ من عمل يداوم عليه وإن قل) (٣) .

والعلامة المجلسي بعد أن أورد بعضاً من هذه الأخبار قال: (وكأن في أكثر هذه الأخبار إشارة إلى أن السعي في زيادة كيفية العمل أحسن من السعي في زيادة كميته، وأن السعي في تصحيح العقائد والأخلاق أهم من السعي في كثرة الأعمال)(٤) .

وسنتكلم بتفصيل أكثر عن دوافع النزوع الروحي عند الإنسان بصورة عامة، وموقف الإسلام منها وكيفية توجيهها في المسارات الصحيحة في الكلمة الثالثة من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

____________________

(١) نفس المصدر: ٢١٩، حديث ٢٥.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر: ٢١٣.

٢١

الكلمة الثانية:

نقد وتوجيه لمظاهر النزوع الروحي عند الشباب

في الكلمة السابقة أكَّدنا على ضرورة التزام الشاب المسلم حد الاعتدال في تعامله مع القضايا الروحية والغيبية، وفي هذه الكلمة نريد أن نبيِّن وننقد بعض مظاهر النزوع الروحي التي يمارسها في مجال الارتباط الروحي بالله سبحانه وتعالى بعض شبابنا المسلم.

إذ من الملاحظ عند عدد كبير ممن يسعون لتوثيق ارتباطهم بعالم الغيب وبالله جَلَّ شأنه، أنهم يحوّلون قضية الارتباط الروحي بين الخالق والمخلوق إلى قضية مظاهر شكلية ينمو ويبرز فيها الشكل والمظهر ويخبو ويتلاشى المحتوى والمضمون. وعلى هذا الأساس تصير مسألة الارتباط الروحي مسألة تعلّق ساذج ومغفَّل بالشكليات والمظاهر، بحيث يغيب المقياس الحقيقي لدرجة الارتباط بالله وهو الورع والتقوى كما ينبهنا إليه قوله تعالى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (الحجرات: ١٣)، ويؤسس في قبال هذا المقياس الواقعي مقياس وهمي هو حشو السلوك والحركات بمظاهر الخشوع والخضوع التي يراد من خلالها مخادعة الآخرين والإيحاء إليهم بأن من

٢٢

يتلبس بهذه المظاهر والشكليات يمتلك رصيداً كبيراً من القرب إلى الله والارتباط به.

وفي قبال هذا التعامل المشوه مع قضايا الارتباط الروحي فإن الإسلام يؤكد على ما يلي:

أولاً: أن المحل الحقيقي والأول للخشوع والخضوع والخوف من الله هو قلب الإنسان وباطنه، لا سلوكه وظاهره، وهذا ما نلمحه في قوله تعالى حينما يصف عباده المؤمنين والصالحين:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (الأنفال: ٢). وهكذا في قوله تعالى:( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) (الحج: ٣٤ - ٣٥).

ومن هنا فإن الله يعاتب المؤمنين الذين يريدون لإيمانهم أن يتوقف عند حد المظاهر من دون أن ينفذ هذا الإيمان في قلوبهم فيصيرها قلوباً خاشعة خاضعة لله، بقوله جَلَّ شأنه:( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (الحديد: ١٦).

ثانياً: إن خشوع الجوارح ينبغي أن يكون انعكاساً لخشوع القلب والباطن، وإلا فإن المسألة تتحول إلى حالة مرضية لا يقرها ولا يصحِّحها الإسلام، وفي ذلك يقول رسول الله (ص):(ما زاد خشوع

٢٣

الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق) (١) .

وربما وقف الإسلام معترضاً على بعض مظاهر الخشوع التي يمارسها البعض من الناس، والتي تسيء إلى الصورة الحقيقية التي يريد الإسلام رسمها للإنسان في علاقته بخالقه ومعبوده، ففي الكافي عن جابر عن أبي جعفر (ع)، قال: قلت: إن قوماً إذا ذكروا شيئاً من القرآن أو حدَّثوا به صعق أحدهم حتى يرى أن أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك؟ فقال:سبحان الله! ذاك من الشيطان!! ما بهذا نعتوا، إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل (٢) .

ثالثاً: إن الإسلام لا يحصر التقرب إلى الله ونيل رضوانه في عدد من الأعمال والممارسات العبادية، بل هو يعطي مفهوماً وسيعاً لأساليب التقرب إلى الله، وربما كانت هناك أمور يعطيها الإسلام أهمية أكبر وتقديراً أكثر من العبادات العملية. ولا يخفى على أحد الأهمية التي يوليها الإسلام للتفكّر والتدبّر واستحصال البصيرة في أمور الدنيا والدين، وتوفر هذه الأمور في شخصية الإنسان المسلم هو الذي يعطي لعباداته وأعماله قيمة ووزناً في نظر الشارع المقدس، ومن هنا كان الإمام الصادق (ع) يقول:(أفضل العبادة إدمان التفكُّر في الله وفي قدرته) (٣) .

____________________

(١) الكليني، أصول الكافي: ٢ / ٣٩٦، حديث ٦.

(٢) نفس المصدر: ٦١٦، حديث ١.

(٣) نفس المصدر: ٥٥، حديث ٣.

٢٤

وعن الإمام الرضا (ع) انه قال:(ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله عَزَّ وجَلَّ) (١).

وعلى هذا الأساس لم يكن الإسلام يحرص على أن تكون للإنسان أعمال كثيرة بقدر ما كان يحرص على أن يكون للإنسان يقين صادق وعقل راجح، ولذا قال الصادق (ع):(العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين) (٢) .

وفي بعض الأخبار يعطى التفكر قيمة لا تعطى لأي عبادة أخرى كما يدلنا على ذلك قول رسول الله (ص):(فكرة ساعة خير من عبادة سنة، ولا ينال منزلة التفكر إلا من قد خصّه الله بنور المعرفة والتوحيد) (٣).

ويبالغ الإسلام في تقييمه للتفكر وما ينتجه من علم ومعرفة إلى الحد الذي يفضل فيه العالم على العابد بمراتب من الفضل، فيقول الباقر (ع):(عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد) (٤) .

وعن معاوية بن عمار قال: (قلت لأبي عبد الله (ع): رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويُشدِّده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابداً من شيعتكم ليس له هذه الرواية أيهما أفضل؟ قال:

____________________

(١) نفس المصدر: حديث ٤.

(٢) بحار الأنوار: ٧١ / ٢١٤، حديث ١٠.

(٣) نفس المصدر: ٣٢٦.

(٤) أصول الكافي: ١ / ٣٣، حديث ٨.

٢٥

الراوية لحديثنا يشُدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد )(١) .

رابعاً: إن الإسلام يؤكد على ضرورة تخليص الإنسان نيته من كل ما سوى الله، ويعتبر تخليص النية من الفساد أكبر مهمة تقع على عاتق الإنسان الذي يبغي القرب من الله، وفي الوقت نفسه أشق المهام وأعسرها، فقد قال الصادق (ع) في بيان قوله تعالى( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (الملك: ٢):(ليس يعني أكثر عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادق والحسنة . ثم قال:الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عَزَّ وجَلَّ، والنية أفضل من العمل) (٢) .

وفي تفسير قوله تعالى( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (الشعراء: ٨٩) قال (ع):(القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه ، قال:وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط) (٣) .

وفي"البحار" روى المجلسي عن"مصباح الشريعة" المنسوب للإمام الصادق (ع) أنه قال:(الإخلاص يجمع حواصل الأعمال، وهو معنىً مفتاحه القبول، وتوقيعه الرضا. فمن تقبَّل الله منه ورضى عنه فهو المخلص وإن قلَّ عمله، ومن لا يتقبل الله منه فليس بمخلص وإن كثر عمله، اعتباراً بآدم (ع) وإبليس وعلامة القبول وجود

____________________

(١) نفس المصدر: حديث ٩.

(٢) نفس المصدر: ٢ / ١٦، حديث ٤.

(٣) نفس المصدر: حديث ٥.

٢٦

الاستقامة ببذل كل المحاب مع إصابة علم كل حركة وسكون. فالمخلص ذائب روحه باذل مهجته في تقويم ما به العلم والأعمال، والعامل والمعمول بالعمل، لأنه إذا أدرك ذلك فقد أدرك الكل، وإذا فاته ذلك فاته الكل وهو تصفية معاني التنزيه في التوحيد كما قال الأول: هلك العاملون إلا العابدون، وهلك العابدون إلا العالمون، وهلك العالمون إلا الصادقون، وهلك الصادقون إلا المخلصون، وهلك المخلصون إلا المتقون، وهلك المتقون إلا الموقنون، وإن الموقنين لعلى خطر عظيم، قال الله لنبيه (ص): ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (الحجر: ٩٩).وأدنى حد الإخلاص بذل العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدراً فيوجب به على ربه مكافأة بعمله، لعلمه أنه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز، وأدنى مقام المخلص في الدنيا السلامة من جميع الآثام، وفي الآخرة النجاة من النار والفوز بالجنة) (١) .

وروى معاذ بن جبل (رض) عن رسول الله (ص) أنه قال:(إن الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات، فجعل في كل سماء مَلَكاً قد جلَّلها بعظمته، وجعل على كل باب منها مَلَكاً بوَّاباً، فتكتب الحَفَظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي، ثم يرتفع الحَفَظة بعمله، له نور كنور الشمس حتى إذا بلغ السماء الدنيا، فيزكيه ويكثره فيقول له: قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الغِيبة فمن

____________________

(١) بحار الأنوار: ٧٠ / ٢٤٥، حديث ١٨.

٢٧

اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربي.

قال:ثم يجيء من الغد ومعه عمل صالح فيمر به ويزكيه ويكثره حتى يبلغ السماء الثانية، فيقول الملك الذي في السماء الثانية: قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه، إنما أراد بهذا العمل غرض الدنيا، أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري .

قال:ثم يصعد بعمل العبد مبتهجاً بصدقة وصلاة فتعجب به الحفظة ويجاوزه إلى السماء الثالثة فيقول الملك: قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه وظهره، أنا ملك صاحب الكبر، فيقول: إنه عَمَل وتكبَّر فيه على الناس في مجالسهم، أمرني ربي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري .

قال:وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدري في السماء له دوي بالتسبيح والصوم والحج فيمر به إلى ملك السماء الرابعة فيقول له: قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه وبطنه، أنا ملك العُجُب فإنه كان يعجب بنفسه وإنه عمل وأدخل نفسه العجب، أمرني ربي لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري وأضرب به وجه صاحبه .

قال:وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها فتمر به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلاة ما بين الصلاتين، ولذلك رنين كرنين الإبل، عليه ضوء كضوء الشمس، فيقول الملك: قف أنا ملك الحسد، فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه وتحمله على عاتقه؛ إنه كان يحسد من يتعلم ويعمل لله بطاعته، فإذا رأى لأحد فضلاً

٢٨

في العمل والعبادة حسده ووقع فيه فيحمله على عاتقه ويلعنه عمله .

قال:وتصعد الحفظة فيمر بهم إلى ملك السماء السادسة فيقول الملك: قف أنا صاحب الرحمة، اضرب بهذا العمل وجه صاحبه، واطمس عينيه؛ لأن صاحبه لم يرحم شيئاً إذا أصاب عبد من عباد الله ذنباً للآخرة أو ضراً في الدنيا يشمت به. أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري .

وقال:وتصعد الحفظة بعمل العبد، أعمالاً بفقه واجتهاد وورع، له صوت كالرعد وضوء كضوء البرق، ومعه ثلاثة آلاف ملك، فيمر بهم إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك: قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبة، أنا ملك الحجاب، أحجب كل عمل ليس لله؛ إنه أراد رفعة عند القواد، وذكراً في المجالسة، وصوتاً في المدائن. أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ما لم يكن خالصاً.

قال:وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً به من خلق حسن، وصمت وذكر كثير، تشيعه ملائكة السماوات السبعة بجماعتهم، فيطئون الحجب كلها حتى يقوموا بين يديه فيشهدوا له بعمل صالح ودعاء، فيقول الله: أنتم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما نفسه عليه، لم يردني بهذا العمل، عليه لعنتي، فيقول الملائكة: عليه لعنتك ولعنتنا) (١) .

وهذا الحديث الأخير يجعلنا نعي كل الوعي مقولة أمير المؤمنين (ع)

____________________

(١) نفس المصدر: ٢٤٦ - ٢٤٨، حديث ٢٠.

٢٩

حينما قال:(تخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الاجتهاد) (١) .

وعلى هذا الأساس فإن مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال والطاعات إنما ينفع حينما تكون النفس واعية تمام الوعي ومدركة لكل الأخطار والمداخل التي يمكن للشيطان أن يدخل منها إلى مجاهدة الإنسان فيفسدها، وهذا ما يفصح عنه أمير المؤمنين (ع) حينما يقول:(لا تنجع الرياضة إلا في نفس يقظة) (٢) .

فاليقظة والوعي والعلم والبصيرة شروط أساسية لأن تثمر العبادة وتنتج إنساناً صالحاً متأدباً بآداب الله ومتخلقاً بأخلاق رسول الله (ص)، وإلا فإن عبادة الإنسان حينما تخلو من هذه الأمور ربما أبعدت الإنسان عن الله وصارت بينه وبين الله حجاباً، وهذه الرواية التي تروى عن رسول الله (ص) تبين لنا هذه المسألة بكل وضوح، إذ يقول (ص):(قال الله تعالى: أنا أعلم بما يصلح به أمر عبادي. وإن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادته فيقوم من رقاده ولذيذ وساده، فيجتهد ويتعب نفسه في عبادتي، فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظراً مني له، وإبقاء عليه، فينام حتى يصبح، فيقوم ماقتاً لنفسه زارياً عليها، ولو أخلى بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب بأعماله فيأتيه ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله، ورضاه عن نفسه، حتى

____________________

(١) الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: رقم ١٦١٧.

(٢) نفس المصدر: رقم ٤٨١٢.

٣٠

يظن أنه قد فاق العابدين، وجاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك، وهو يظن أنه تقرب إليَّ) (١) .

وخلاصة ما نريد قوله في ختام هذه الكلمة: إن على الشباب المسلم أن يتَّبع الدين في كل صغيرة وكبيرة، وأن يكون اهتمامه بتطهير باطنه بإخلاص نيته لله سبحانه وتعالى وتطهيرها عما سواه أكثر من اهتمامه بتجميل ظاهره بشكليات الخضوع والخشوع والتهجّد والتعبّد، وليعلم شبابنا المسلم: بأن الإسلام دين العلم والعمل ودين المعرفة والعبادة معاً.

____________________

(١) بحار الأنوار: ٧٢ / ٣٢١، حديث ٣٧.

٣١

الكلمة الثالثة:

تصحيح الدوافع الخاطئة في التوجه الروحي عند الشباب

حينما يتوجه الإنسان للقضايا الروحية والغيبية يبحث فيها ويتعامل مع ظواهرها المختلفة الواقعية والوهمية، فإنه يدفعه إلى ذلك أحد أمور أربعة:

أولاً: المشاكل الحياتية المستعصية والمعقدة والتي تولّد أزمات نفسية لا يجد الإنسان لها حلاً إلا بالتجاء إلى الله والتضرع إليه، ولقد أشارت العديد من آيات الذكر الحكيم إلى هذه الحقيقة واعتبرتها دليلاً دامغاً يقف في مواجهة كل إنسان يغالط نفسه حينما يحاول التنكر لخالقه ومبدعه في حالات الفرح والنعمة والرخاء ثم يناقض نفسه ويخادع ربه بالالتجاء إليه في حالات الضر والشدة التي ما أن تنجلي حتى يعود من جديد يتناسى ربه وولي نعمته ويتغافل كل الحقائق التي اعترف بها من قبل، وفي ذلك يقول تعالى:( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (يونس: ١٢). ويقول عزَّ شأنه:( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ

٣٢

فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشـْرِكُونَ ) (النحل: ٥٣ - ٥٤). ويقول جَلَّ جلاله: ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً ) (الإسراء: ٦٧).

ثانياً: رغبة الإنسان في التعرف على الأمور الغيبية والاحتكاك بها من قرب وبصورة مباشرة، وهذه الرغبة إما أن تنطلق بدافع ديني؛ باعتبار وجود الحقائق الغيبية في كل الأديان حتى التي كانت من اختراع البشر أنفسهم، والتعامل مع هذه الحقائق كمسلمات غيبية مفروضة لا تقنع البعض من المتدينين فيسعى لتحصيل اليقين بهذه الحقائق الغيبية عبر محاولة إثباتها بصورة شهودية وحضورية. وإما أن تنطلق الرغبة في التعرّف على حقائق عالم الغيب بدافع علمي محض؛ باعتبار أن بعض الظواهر الروحية والغيبية تشغل بال وتفكير الكثير من الناس ممن يدفعهم حب الاستطلاع والمعرفة إلى محاولة تفسير هذه الظواهر والوصول إلى عللها الخفية وأسبابها الحقيقة، فيندفع البعض للتعرف عليها بصورة علمية كما هو الشأن في علم "الباراسيكولوجي" الذي يعني بدراسة الظواهر الغيبية الخفية. وإما أن ينطق الإنسان بدافع فضولي عبثي تتحكم فيه رغبة البعض في ممارسة السحر والشعوذة واستحضار الجن والأرواح لمصالح ذاتية معينة.

ثالثاً: شفافية بعض النفوس وتعلقها الفطري بعالم الغيب وما وراء المادة منذ بداية نشوئها وبلا تعمد وتكلُّف منها، وقد عنى البعض من

٣٣

عرفاء الإسلام بالإشارة على هذه الشفافية والانجذاب إلى عالم الغيب التي تتمتع بها بعض النفوس البشرية، والعلل التي تكمن وراء هذه الحالات الاستثنائية، وفي عصرنا الحديث اهتم علم "الباراسيكولوجي" بدراسة واستقصاء وتفسير هذه الحالات ووصل إلى نتائج متفقة جداً مع نتائج واستخلاصات العرفاء الإسلاميين، وربما نوفّق لاستعراض بعض هذه النتائج في بعض كلماتنا القادمة.

رابعاً: الرغبة في السمو الروحي وتطهير النفس من خبائث وتعلُّقات عالم المادة، وهي المهمة التي جاءت الأديان الإلهية لتدعو الإنسان لانجازها والقيام بها، قال تعالى: ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (المائدة: ٦). وقد تبنى التوكيد على هذه المهمة والتنظير لها بصورة أساسية في تاريخنا الإسلامي المتصوفة والعرفاء الإسلاميون، ينطلقون في ذلك من اعتقادهم الراسخ بأن المهمة الأساسية للدين هي هذه.

ومع هذه الأمور أو الدوافع الأربعة لا ينبغي التغافل عن أن الإنسان خلق بأصل فطرته منشداً إلى العالم الغيبي والغيبيات، ولاسيَّما مسألة الخلق والخالق التي يمكن اعتبارها أول مسألة غيبية تستجذب تفكير الإنسان واهتمامه.

وبعد بيان واستعراض هذه الدوافع الأربعة التي تدفع الإنسان للتفكير في المسائل الغيبية والتعامل بصورة أو بأخرى مع القضايا

٣٤

الروحية، فإننا نود التأكيد على أن الدافع الصحيح والسليم الذي جاءت الأديان الإلهية عموماً والإسلام خصوصاً لتجعله منطلقاً في التعامل مع العالم الغيبي هو الدافع الرابع، فالأديان السماوية إنما جاءت لتؤسس وتقوِّي وتهذِّب الرغبة التي فطر عليها الإنسان في الانشداد إلى ما وراء الحس والطبيعة، وهذا لا يعني أن الرسالات الإلهية جاءت لتقطع وتفصم العلاقة بين الإنسان وعالمه المادي الدنيوي بصورة كلية، بل هي إنما جاءت لترسم الحدود مضبوطة في علاقة الإنسان بعالم الغيب وعلاقته بعالم المادة، وهذا ما نعتقد أن القرآن عكسه بصورة جلية حينما خاطب الإنسان قائلاً:( وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) (القصص: ٧٧). وعكسه أيضاً حينما علم الإنسان المؤمن بأن يدعو ربه قائلاً:( رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (البقرة: ٢٠١).

وأما اندفاع الإنسان نحو التقرب من الله والتضرع إليه في حالات الضر والشدة وتناسيه في حالات الرخاء، فهي صورة من التعامل لا يستسيغها الإسلام ولا يرتضيها؛ لأنها تستبطن مستوى غير يسير من النفاق القلبي الذي لا يقره الإسلام في أي مستوى من مستوياته.

وأما محاولة الاندفاع في التعامل مع القضايا الغيبية والروحية من أجل تحقيق منافع شخصية ومصالح ذاتية تتنافى والغايات التي يرسمها الإسلام للإنسان في علاقته بالله وبعالم الغيب، كما هو الشأن

٣٥

عند السحرة والمشعوذين ومن يستحضرون الأرواح والجان لإخبارهم بالمغيبات أو تسخيرهم في بعض الأعمال والمهام، فهي صورة من التعامل المشوَّه مع الغيبيات حرَّمها الإسلام وأعطى رأيه الصريح في ضرورة الابتعاد عنها، وقد بحث الفقهاء ما يرتبط بهذه المسألة من قريب أو بعيد في كتبهم الفقهية الاستدلالية، فيلزم من أراد التعرف على الرأي الإسلامي المفصل فيها أن يراجع هذه الكتب الفقهية.

وأما الذين يتميزون بفطرتهم وأصل خلقتهم ومزاجهم الطبيعي بارتباط قوي بعالم الغيب، فهم يمثِّلون حالة استثنائية كما ذكرنا يلزم توجيهها ووضعها في مسارها الصحيح، وتجنُّب الخروج بها عن الإطار الشرعي الذي يرسمه ويحدِّده الإسلام للإنسان في تعامله مع العالم الغيبي.

وتبقى عندنا محاولة التعامل مع الظواهر الغيبية بمنهج علمي مجرد لا يهمّه إلا اكتشاف الظاهرة وإثباتها ومن ثم محاولة تفسيرها والوصول إلى أسبابها الحقيقية وعللها الطبيعية، كما هو الأمر عند علماء الباراسيكولوجي في عصرنا الحديث، فهي صورة من التعامل مع الغيبيات لا نرى فيها بأساً مادامت لا تتجاوز حدود الشريعة ولا تسعى لتوظيف معطيات العلم ونتائجه في أغراض تتنافى والقيم والمصالح الإنسانية العامة.

وإلى حد الآن ربما كانت معطيات ونتائج العلم المذكور تؤكد واقعية وصواب التفسير الديني للظواهر الغيبية، وبوجه من الوجوه ربما

٣٦

أمكننا اعتبار تأسيس هذا العلم واستحداثه في عالمنا الحديث وما يلقاه من اهتمام يتزايد يوماً بعد يوم، عودة قهرية للتفسير الديني في وقت كان يعتقد الكثيرون أن التفسير الديني لكثير من القضايا الإنسانية هو تفسير خرافي يناقض العلم والمنطق، وأن زمانه قد انتهى وولي إلى غير رجعة، وهذا الاعتقاد كان هو الدافع الأساس في محاولة استبدال الدين بعلوم النفس والاجتماع والتربية التي أريد من خلالها أن يلجأ الإنسان إليها في حل مشاكله الإنسانية النفسية والاجتماعية والتربوية بدلاً من أن يلجأ إلى دين يبحث فيه عن حل لمشاكله هذه.

ولكننا نشهد من خلال مسيرة هذه العلوم وبالأخص مسيرة علم النفس وما انتهت إليه من تأسيس علم "الباراسيكولوجي" في وقت متأخر، وهو العلم الذي يعتبر الحلقة الأكثر تطوراً في تخصصات علم النفس، أن العلوم الإنسانية، ولا سيَّما هذه العلوم الثلاثة، قد عادت وارتمت من جديد في أحضان الدين مقرة بعجزها في الوصول إلى تفسيرات واقعية لكثير من حقائق النفس الإنسانية وهكذا كان سعي الإنسان وراء علوم النفس والاجتماع والتربية سعياً وراء السراب الذي يحسبه الظمآن ماء فلا يجده ويجد الله عنده وأمامه، ولقد صدق عَزَّ شأنه حينما قال:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (النور: ٣٩).

وبعد أن بينا دوافع التعامل الإنساني مع القضايا الروحية والغيبية،

٣٧

والصحيح والسقيم من هذه الدوافع، نريد أن نقول لشبابنا المسلم: إن عليهم أن ينطلقوا في علاقتهم بالله سبحانه وتعالى وبالغيب من الأمور التالية التي يلزمهم تأسيسها في سعيهم التكاملي نحو المطلق جَلَّ شأنه، وهي:

أولاً: طلب السمو الروحي والقرب من الله في الاتصال بالعوالم الغيبية والسعي بكل إصرار لتجريد النفس من كل رغبة أخرى، ومن المؤكد أن من يجعل هدفه وغايته في كل مراحل سيره وسلوكه الله جَلَّ شأنه فإن الله لن يضيع عمله وسيهديه صراطه المستقيم، قال تعالى:( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) (العنكبوت: ٦٩)، وقال عزَّ شأنه: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (البقرة: ١٤٣).

ولا بأس أن نؤكد مرة أخرى على ضرورة وأهمية تحصيل الإخلاص في السعي إلى الله،، فإنه لا ينجو من كيد الشيطان إلا عباد الله المخلَصون (بفتح اللام) كما أظهر ذلك الشيطان اللعين نفسه حينما طلب من الله أن يمهله إلى يوم الدين فقال:(  ... رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (الحجر: ٣٦ - ٤٠).

والعبد المخلَص (بفتح اللام) هو الذي أخلص لله في كل شأن من شؤونه فاستخلصه الله لنفسه، ومنع عدوه الشيطان من الوصول إليه.

٣٨

ثانياً: ضرورة الإيمان بالغيب، ما علمنا به وما لم نعلم به، إيماناً مطلقاً، والإيمان بالغيب هي الصفة التي يلزم المؤمن التحلِّي بها على الدوام، قال تعالى: ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) (البقرة: ٢ - ٣).

ثالثاً: في الوقت الذي يلزم الإنسان المؤمن بالله سبحانه الإيمان والاعتقاد بالغيب فإنه يلزمه أيضاً تقوية إيمانه هذا باستحصال الأدلة العقلية البرهانية على مسائل العقيدة؛ لأن الإيمان درجات، وكلما ازداد علم الإنسان وتفهمه لمسائل العقيدة كلما أزداد رسوخه في الإيمان وثباته في اليقين، قال تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (المجادلة: ١١)، وقال سبحانه:( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (فاطر: ٢٨).

رابعاً: إن على الإنسان أن يشعر نفسه بالجهل والقصور في معرفة الكثير من أسرار الكون وخفايا الوجود، وأنه مهما آتاه الله من العلم والمعرفة فإن علمه كلَا شيء بالنسبة إلى علم الله الذي هو بكل شيء محيط، ولقد ذكرّنا القرآن بهذه الحقيقة التي ينبغي أن تظل ماثلة أمام أعيننا وفي أذهاننا حينما قال لنا: إنكم تعجزون عن معرفة حقيقة الروح التي هي من أقرب الأشياء إليكم، فقال:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) (الإسراء: ٨٥).

خامساً: إن على الإنسان أن يرتبط بالله سبحانه وتعالى في سيره إلى عالم الغيب، وأن يستعين به في كل أموره ويستهديه، وأن لا يرى

٣٩

لنفسه حولاً وقوة إلا بالله، قال تعالى:( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (الأحزاب: ٢٤)، وأن على الإنسان أن يلتمس الهدى والنور من الله جَلَّ شأنه؛ لأن الله يقول:( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) (النور: ٤٠)

سادساً: إن على الإنسان، ولا سيَّما الشاب في بداية طريقه وسلوكه إلى الله، أن يتوجه إلى حيل الشيطان ومكائده، وأنه يقف له بالمرصاد يريد صدّه عن السبيل، وأن هذا العدو اللعين لا يخلص الإنسانُ من كيده إلا بالاستعانة التامة والاستعاذة الكاملة بالله سبحانه وتعالى، وبدوام المراقبة لجميع حركاته وسكناته، بحيث لا يدع للشيطان فرصة ولو يسيرة لنفوذه إلى باطنه أو التصرف في ظاهره، وهذا ما يوصينا به أحد العرفاء الذين وفَّقهم الله في السير والسلوك إليه ببصيرة نافذة ووعي تام حينما يقول: (فعلى سالك طريق الآخرة لزوماً حتماً أن يخلّص معارفه ومناسكه من تصرف الشيطان والنفس الأمارة مهما بلغ من الجهد، وأن يغوص في حركاته الباطنية، وتغذياته الروحية، ولا يغفل عن حيل النفس والشيطان وحبائل النفس الأمَّارة وإبليس، وأن يسوء ظنه سوء الظن الكامل في جميع حركاته وأفعاله، ولا يخلّي نفسه على رسلها آناً ما، فربما تتغلب على الإنسان وتصرعه إذا تسامح معها وتسوقه إلى الهلاك والفناء، لأن الأغذية الروحانية إذا لم تكن خالصة من تصرف الشيطان وتدخلت يده في إعدادها فمضافاً إلى أنه لا تتربى بها الأرواح والقلوب ولا تصل إلى الكمال اللائق بها، يحصل لها

٤٠