شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية0%

شبابنا ومشاكلهم الروحية مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 156

شبابنا ومشاكلهم الروحية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد كامل الهاشمي
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: الصفحات: 156
المشاهدات: 27152
تحميل: 43826

توضيحات:

شبابنا ومشاكلهم الروحية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27152 / تحميل: 43826
الحجم الحجم الحجم
شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

النقصان الفاحش أيضاً، ولعلها تجعل صاحبها منسلكاً في سلك الشياطين والبهائم والسباع، وما هو السبب للسعادة ورأس المال لكمال الإنسانية والوصول إلى المدارج العالية ليعطي النتيجة المعكوسة ويسوق الإنسان إلى الهاوية المظلمة للشقاوة كما رأينا في بعض أهل العرفان الاصطلاحي أشخاصاً انتهت بهم هذه الاصطلاحات والغور فيها إلى الضلالة وجعلت قلوبهم منكوسة وبواطنهم مظلمة وصارت الممارسة في المعارف موجبة لقوة أنانيتهم وإنِّيتهم وصدرت منهم الدعاوى غير اللائقة والشطحات غير المناسبة. وكذلك رأينا في أرباب الرياضات والسلوك أفراداً أوجبت رياضتهم واشتغالهم بتصفية النفس جعل قلوبهم أكدر وباطنهم أظلم، وما جاءهم ذلك كله إلا من قبل أنهم لم يتحفظوا على سلوكهم المعنوي ومهاجرتهم إلى الله وكان سلوكهم العلمي وارتباطهم بتصرف الشيطان والنفس وإلى الشيطان والنفس)(١) .

____________________

(١) الآداب المعنوية للصلاة: ٥٣ - ٥٤.

٤١

الكلمة الرابعة:

حقائق لابد أن يعيها الشباب في سيرهم التكاملي

في كلمتنا السابقة أشرنا إلى أن السالك إلى الله تعترضه عقبات كثيرة في سيره التكاملي نحو الله، وأن عليه أن يكون واعياً وحذراً في كل مراحل تقربه إلى الذات المقدسة، وإلا ربما تحوّل تقربه إلى الله ابتعاداً عنه، واتصاله به احتجاباً عنه. وفي كلمتنا هذه نريد أن نذكّر شبابنا المسلم ببعض الحقائق المهمة التي يلزمهم أن يضعوها نصب أعينهم في سيرهم التكاملي نحو الحق والحقيقية، وأهم ما يلزمنا التذكير به هو:

أولاً: خطورة الخوض في المسلك الروحي والقضايا الغيبية من دون مرشد بصير، يرشد الشاب السالك إلى الله في كل مرحلة من مراحل جهاده في ذات الله إلى ما يلزمه التحفُّظ عليه وما يلزمه التحذُّر منه.

ومن الملاحظ أن الكثير من الشباب المتدين، ولا سيَّما من يتمتعون بحس ديني مرهف وارتباط قوي بالله، يواجهون مشاكل عدة في المجال الروحي، وهذه المشاكل إذا لم يستطع الشاب حلها من خلال

٤٢

عرضها على من يمتلك الخبرة والبصيرة في القضايا الروحية فإنها مؤهلة لأن تكبر وتتفاقم وربما تؤدي في نهاية الأمر إلى عواقب وخيمة تفسد على الشاب حياته وتفكيره وسلوكه. ومن الخطأ أن يتصور الشاب أن مجاهدة النفس وتهذيبها وقطع تصرفات الشيطان اللعين عنها بالكلية مهمة يسيرة يتهيأ له انجازها والقيام بها شخصياً ومن دون الاستعانة بخبرات وتجارب الآخرين ممن وفقهم الله تعالى في الخروج بنتائج إيجابية في المجال الروحي.

ثانياً: من الأمور المهمة للغاية في حركة الإنسان وسعيه من أجل توثيق ارتباطه بخالقه ومعبوده، الاتزان والاعتدال في علاقته بالدنيا من جهة، وبالآخرة من جهة أخرى، إذ من اللازم على الإنسان أن لا يتصور إن الارتباط بالله سبحانه وتعالى والتقرّب إليه يعني قطع علاقته بالكلية مع الدنيا وعدم إعطاء نفسه حظوظها المباحة من متع الدنيا، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: ( يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (الأعراف: ٣١ - ٣٢). وقال أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع):(يا بُني، للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذتها فيما يحل ويحمد، وليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصاً في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة

٤٣

لمعاد، أو لذة في غير محرم) (١) .

ولا يتصور أن الآيات أو الأحاديث التي تحث على لزوم إعطاء الإنسان نفسه حظوظها من الدنيا تتنافى وتلك الأخبار الكثيرة التي تذم الدنيا وتدعوا الإنسان لقطع علاقته بها والزهد في متاعها ولذتها، بل مجموع هذين القسمين من الآيات والأخبار إنما يريد حفظ اعتدال الإنسان واتزانه بحيث لا يحصل عنده إفراط في جانب ولا تفريط في جانب آخر. وهكذا الأمر بالنسبة على الأحاديث التي تأمر بالإكثار من العبادة وفي مقابلها الأحاديث التي تمدح الاقتصاد في العبادة، وفي الجمع بين هذه الأحاديث والأخبار يقول الإمام الخميني (قده): (وما ورد في الأحاديث الشريفة من الأمر بالجد والسعي في العبادة، وما ورد فيها من المدح للذين يجتهدون في العبادة والرياضة، وما ورد في عبادات أئمة الهدى (ع) من جهة، وما ورد في هذه الأحاديث الشريفة المادحة للاقتصاد في العبادة من جهة أخرى، مبنى على اختلاف أهل السلوك ودرجات النفوس وأحوالها، والميزان الكلي هو نشاط النفس وقوتها أو نفور النفس وضعفها)(٢).

ثالثاً: من المطبَّات الخطيرة التي يقع فيها البعض من جهلة المتظاهرين بالنسك والعبادة هو القول: بأن غاية العبادات والأعمال هو طهارة باطن الإنسان، فإذا طهر باطنه وصفى سره فلا حاجة به إلى

____________________

(١) بحار الأنوار: ٧٠ / ٦٥، حديث ٦.

(٢) الآداب المعنوية للصلاة: ٦٠ - ٦١.

٤٤

العبادات.

ونجد هذا الفهم المعوج والخاطئ لدور العبادة في حياة الإنسان قد بدء في الظهور منذ العصر الأول للإسلام حينما كان البعض يستدل بقوله تعالى:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (المائدة: ٩٣) على أن الإنسان المؤمن يصح له أكل وشرب الحرام وأنه ليس عليه جناح في ذلك كما تدل عليه الآية مادام يؤمن بالله ويعمل الصالحات.

ورأينا بعد ذلك هذا الفهم المنحرف يتبلور أكثر وأكثر عند جهلة المتصوفة الذين كانوا يدَّعون أن غاية العبادات والأعمال الصالحة وصول العبد إلى درجة اليقين فإذا وصل إلى درجة اليقين فلا حرج ولا إثم عليه في ما فعل، ومن أعظم البلايا على الإسلام وأهله أن يعد البعض تجاوزات الجهلة من المتصوفة على الشريعة ومقرراتها كرامة لهم ودلالة على عظم شأنهم وارتفاع درجاتهم، بحيث يتجاهر بذكر هذه التجاوزات المشينة في كتبه، كما هو الشأن في كتاب"روض الرياحين في حكايات الصالحين" لعفيف الدين أبي السعادات، والذي حفل بحكايات الطالحين من المتصوفة الذين ضل سعيهم في الحياة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ونكتفي بذكر هذه الحكاية من الكتاب المذكور مع الإشارة إلى التبريرات السخيفة والواهية التي يبرر بها صاحب الكتاب التجاوزات اللامشروعة التي كان يقوم بها علي

٤٥

الكردي بطل الحكاية، فقد قال في الحكاية الثالثة والأربعين بعد الأربعمئة: (وقال الشيخ صفي الدين أيضاً (رضي الله تعالى عنه) في رسالته: لما جاء الشيخ الأجل شهاب الدين السهروردي (رضي الله تعالى عنه) إلى دمشق في رسالة الخليفة إلى الملك العادل بالخلعة والطوق وغير ذلك، قال لأصحابه: أريد أن أزور علياً الكردي، فقال له الناس: يا مولانا، لا تفعل أنت إمام الوجود، وهذا رجل لا يصلي ويمشي مكشوف العورة أكثر أوقاته، فقال: لابد لي من ذلك. قال: وكان الشيخ علي الكردي مقيماً أكثر أوقاته في الجامع، حتى دخل عليه مولىً له آخر يقال له: ياقوت، فساعة دخوله من الباب خرج الشيخ علي من دمشق وسكن جبانتها بالباب الصغير، وما دخلها بعد ذلك إلى أن مات، وياقوت فيها يتحكم، فقالوا للشيخ شهاب الدين: هو في الجبانة، فركب بغلته ومشى في خدمته [مع] من يعرِّفه موضعه، فلما وصل إلى قريب مكانه ترجل وأقبل يمشي إليه، فلما رآه علي الكردي قد قرب منه كشف عورته، فقال الشيخ شهاب الدين: ما هذا شيء يصدنا! وها نحن ضيفاك، ثم دنا منه وسلَّم عليه وجلس معه  ... إلخ) (١).

وهذه المخالفة الصريحة من ذا الولي لقوله تعالى: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (النور: ٣٠)، تبرر عند صاحب الكتاب بالقول: (وهذا الوله المذكور عن الشيخ علي الكردي موجود في كثير من الأولياء مشهور، وقد زاد علي كثير منهم حتى نسبوا

٤٦

إلي الجنون وهم المعروفون في الكتب بعقلاء المجانين، وكثير منهم قُيِّدوا وحُبِسوا، وقد ذكرتُ جماعة منهم في هذا الكتاب يحسب الناس أنهم مجانين وهم العقلاء والأولياء، ولكن محبة الله ومعرفته وعظيم ما شاهدوا من عظمته وجلاله وكماله حيّرهم وهيّمهم وشجاهم وتيّمهم،  ...)(١) .

ويبرِّر صاحب الكتاب هذا الانحراف والخروج عن حدود الشريعة في الفصل الأول من خاتمة كتابه حينما يتحدث عن زيارة السهروردي لعلي الكردي هذا، فيقول: (ولم يصده عنه ما قابله به من كشف عورته وما نسب إليه من ترك الصلاة وغير ذلك لما عرف فيه من الولاية التي سبقت بها العناية)(٢) .

وفي الحقيقة والواقع أن صدور مثل هذه الأفعال المخالفة للشرع من قبل المدعين للولاية والقرب من الله، وتبريرها من قبل البعض الآخرين من الجهلة، هو الذي أوجب التشنيع على العرفاء الإسلاميين ونسبتهم إلى التصوف والخروج عن الدين من قبل الفقهاء وعامة الناس، وعلى هذا الأساس تم الخلط، بلا وعي وإدراك، بين العرفان الصحيح والتصوف الباطل. وهي مسألة لا يسعنا بحثها بكل تفاصيلها في هذا المقام، وإنما أردنا فقط من خلال هذه الإشارة المختصرة إليها تنبيه شبابنا المسلم على ضرورة عدم الوقوع في هذه الاشتباهات

____________________

(١) نفس المصدر: ٣٣٦.

(٢) نفس المصدر: ٣٩١.

٤٧

الخطيرة، وعدم الاقتناع بالتبريرات التي تقدم لها، ويكفي في إبطالها أننا لم نشاهد في سيرة رسول الله (ص) والأئمة من أهل بيته (ع) هذه المخالفات، بل كانوا حريصين كل الحرص على التمسك بأحكام الشريعة والتأدب بآدابها مع ما لهم من قدم صدق في الولاية والقرب من الله عَزَّ شأنه.

رابعاً: أن على الشاب المسلم وكل من يريد السلوك إلى الله والتقرب منه أن يعي أن التقرب إلى الله وتوثيق الاتصال بعالم الغيب لا يعني الانفصال عن هذا العالم الدنيوي، وعدم إحساس الإنسان بمشاكل المجتمع ومعايشته لهمومه، وهناك فرق بين أن نقول: إن الإسلام وكل الشرائع السماوية تدعوا الإنسان إلى الترفع عن عالم المادة والتوجه إلى العالم الغيبي، وبين أن نقول: إن الإسلام والأديان الإلهية تريد قطع صلة الإنسان بعالمه الدنيوي وجعله مترفعاً عن الإحساس بهموم الناس ومشاكلهم. فالأمر الأول صحيح وأما الأمر الثاني فلا؛ لأننا حينما نتفكر في نفس الغاية التي من أجلها شرع الله جَلَّ وعلا الدين وبعث الأنبياء والرسل (ع) نلحظ أنها ترتبط بالناس وبالمجتمع كل الارتباط، ويكفينا التأمل في الآيات القرآنية التالية:

الأولى: قوله تعالى: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (الحديد: ٢٥).

الثانية: قوله تعالى:( قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ

٤٨

آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (الطلاق: ١٠ - ١١).

الثالثة: قوله تعالى:( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) (إبراهيم: ٥).

فهذه الآيات الكريمة وغيرها كثير تدلنا على أن الغاية من بعث الأنبياء والرسل (ع) هي إقامة العدل في المجتمع وإخراج الناس من ظلمات الوهم والجهل والشرك إلى نور العلم والحقيقة والتوحيد الخالص لله وسبحانه وتعالى. فهل كان بإمكان الرسل والأنبياء (ع) أن ينجزوا هذه المهمة ويقوموا بتلك الوظيفة وهم بعيدون عن الناس لا يدرون ما هي همومهم ولا يعون ما هي مشاكلهم؟‍!

ولقد سعى الإسلام لمحاربة هذه النظرة الانزوائية والانعزالية التي يريد البعض من خلالها حصر الإسلام في دائرة ضيقة تنصب كل اهتماماتها على تضخيم المعاناة الذاتية للشخص وتتغافل كل أنواع المعاناة التي يعيشها الآخرون، حينما اعتبر العديد من مظاهر السعي الاجتماعي التي تستهدف حل مشاكل الآخرين والتفاعل معهم أفضل بكثير من مظاهر السعي الفردي التي تتأطر بالتفكير الضيق في قضايا الذات وهمومها الشخصية، ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع):(لقضاء حاجة امرئ مؤمن أحب إلى الله من عشرين حجة كل حجة

٤٩

ينفق فيها صاحبها مئة آلف) (١) .

وحدّث إسحاق بن عمار عنه (ع) أنه قال:(من طاف بهذا البيت طوفاً واحداً كتب الله عَزَّ وجَلَّ له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة، ورفع الله له ستة آلاف درجة حتى إذا كان عند الملتزم فتح الله له سبعة أبواب من أبواب الجنة، قلت له: جعلت فداك هذا الفضل كله في الطواف؟ قال:نعم وأخبرك بأفضل من ذلك، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف حتى بلغ عشراً) (٢) .

وعنه (ع) أيضاً:(لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحب إلي من أن أعتق ألف نسمة وأحمل في سبيل الله على ألف فرس مسرجة ملجمة) (٣) .

خامساً: من المهمات التي يلزم التوجه إليها أن لا تكون الغاية لسعي الإنسان الروحي شيئاً آخر غير الله سبحانه وتعالى، فهو الغاية التي ينبغي أن يجعلها الإنسان لكل أعماله الخيرة وقرباته الصالحة، ولذا لا ينبغي للإنسان أن يندفع في العبادة ويكثر منها بغرض نيل الكرامات التي نسمع بصدورها كثيراً من أولياء الله تعالى، وليعلم الإنسان الذي يريد السعي إلى الله بقدمي الإخلاص والعبودية أن نيل الكرامة ليس هدفاً في حد ذاته، وربما كان اشتغال الإنسان واهتمامه

____________________

(١) أصول الكافي: ٢ / ١٩٣، حديث ٤.

(٢) نفس المصدر: ١٩٤، حديث ٨.

(٣) نفس المصدر: ١٩٧، حديث ٤.

٥٠

بالكرامات من الحجب التي تحجب الإنسان عن الوصول إلى مقصده الأصلي من سعيه الروحي.

يقول الإمام الخميني (قده): (وإذا كان السالك في سلوكه إلى الله طالباً لحظ من الحظوظ النفسانية ولو كان هو الوصول إلى المقامات، بل ولو كان هو الوصول إلى قرب الحق بمعنى وصول نفسه إلى الحق، فليس هذا السلوك سلوكاً إلى الحق ..، فالسفر إذا كان في مراتب النفس وللوصول إلى الكمالات النفسانية فليس بسفر إلى الله، بل هو سفر من النفس إلى النفس)(١) .

هذه خمسة أمور مهمة أردنا من شبابنا المسلم الذي يسعى إلى التكامل والقرب من الله أن يأخذها في حسبانه ولا يغفل عنها، لأن الغفلة عنها ربما أدت إلى أن يتحرك الشاب المسلم في اتجاه معاكس لما يريده الله منه في الوقت الذي يعتقد أن سعيه الروحي يقربه من الله.

____________________

(١) الآداب المعنوية للصلاة: ٢٩٥.

٥١

الكلمة الخامسة:

حقائق مهمة للشباب عن عالم الغيب وقضايا الروح

يستأثر التفكير في القضايا الروحية والغيبية اهتمام الكثير من الناس، بل يمكن القول إنه ما من أحد من الناس إلا وجال فكره وخاطره في ما وراء عالمنا المادي هذا من حقائق وموجودات، غاية الأمر أن اشتغال الإنسان بتدبير أمور حياته ومعاشه اليومي يصرفه عن إدامة النظر وإطالة التفكير في ما هو غائب عن حواسه الخمس، ولكن مع ذلك، فإن هذا الاشتغال والتعلق بالعالم المادي الدنيوي لم يمنع كثيراً من الناس من محاولة التعرف على ما وراء الغيب، وربما يدفع الإنسان إلى هذه المحاولة الرغبة في استكشاف المجهول، وهي رغبة تظل تلح على الإنسان وتؤرِّقه مادام المجهول مجهولاً بالنسبة إليه.

وإذا ما أردنا أن نستكشف العوامل التي تحفز الإنسان المؤمن بالغيب والمعتقد بوجود عالم آخر وراء هذا العالم المادي المحسوس للاهتمام بكل القضايا الغيبية والوجودات الماوراء طبيعية، فإننا لن نحتاج إلى مزيد عناء وتعب في التعرف على هذه العوامل ووضع اليد عليها، وذلك لأننا سنعثر بالإضافة إلى العوامل المشتركة بين عموم

٥٢

الناس على عوامل خاصة ينميها ويأصلها نفس المعتقد الديني للشخص المؤمن بعالم الغيب وما وراء الحس والطبيعة، إذ من الملاحظ أن كل الأديان حتى التي كانت من صنع البشر وابتداعهم - باستثناء المعتقدات الإلحادية التي كانت تنكر وجود الخالق ووجود عالم آخر غير عالمنا المادي هذا، وهي نادرة تمثل حالات استثنائية من الشذوذ العقلي والفطري لا يمكن التعويل عليها والالتفات إليها - كان الإيمان بالغيب والغيبيات يحتل مجالاً واسعاً من أفقها الفكري والعقيدي.

إذن الاهتمام بالعنصر الغيبي - ونعني به ما لا يدرك بالحواس الخمس - سواء كان هو الله جَلَّ جلاله، أم الجن، أم الملائكة والأرواح، أم الجنة والنار، أم غير ذلك من الموجودات الغيبية، لم يكن وليد فترة زمنية معينة من حياة الإنسان وتاريخه، ولا سيَّما إذا أضفنا إلى ما تقدم الكثير من الظواهر الغيبية التي كان يشاهدها الإنسان أو يستشعر تأثيراتها من دون أن يستطيع العثور على أسبابها وعللها الحقيقة، كالسحر والمعجزات والحسد والعين والتخاطر من بعد وخوارق العادات، وغيرها من الظواهر التي قد ينكرها بعض الناس ولا يؤمنون بها، ولكن كثيراً من الناس - إن لم يكن أكثرهم - يؤمنون بها وبوقوعها، أو على أقل تقدير لا يستبعد إمكانية وقوعها وتحققها.

فهذه الظواهر وتلك الغيبيات كانت دائماً تشغل بال الإنسان وتسترعي انتباهه، وتدفعه لمحاولة التعرف عليها من قرب والتوصل إلى

٥٣

مجاهيلها وأسرارها بطريق أو آخر، وهذا كان يدفع عدداً غير يسير من الناس للدخول في ممارسات عملية قد لا تكون مستقيمة ومتزنة تلبية للرغبة الجامحة التي تثيرها عند الإنسان فكرة الاتصال بالمجهول والارتباط بالعالم الغيبي.

وفي كلمتنا هذه نحاول أن نقدم لشبابنا المسلم بعض الحقائق والتصورات المهمة عن عالم الغيب وقضايا الروح، مستهدفين من ذلك رفع بعض الغموض الذي يلف القضايا الغيبية ويحولها إلى قضايا يتعامل معها الكثير من الناس من موقع التخبط والاهتزاز الفكريين والسلوكيين.

وسنحاول تقديم هذه الحقائق وتلك التصورات من خلال النقاط الأربع التالية:

النقطة الأولى: ضرورة الإيمان بالغيب

من السمات البارزة التي يذكرها القرآن الكريم للمؤمنين هي إيمانهم الراسخ بعالم الغيب فيقول تعالى:( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  ... ) (البقرة: ١ - ٣)، ويقول عَزَّ شأنه:( إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) (يس: ١١)، ويقول سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) (الملك: ١٢).

وتذكيرنا بهذه الحقيقة يأتي من أجل لفت النظر والتنبيه على أن

٥٤

الإنسان مادام في هذه الدنيا فإنه تبقى كثير من الأمور بالنسبة إليه في نطاق الغيب ومجاله، ومهما أوتي الإنسان من سعة علم ومعرفة فإن معرفته في أكثر الأحيان لا تتعدى حدود المعرفة الظاهرية والسطحية للأشياء، وهذا يستلزم من الإنسان أن لا يعجب بما وصل إليه من علوم ومعارف، وأن يعي كل الوعي أن فوق كل ذي علم عليم، وهذه الأمور هي التي يذكرنا بها القرآن حينما يقول:( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (البقرة: ٢١٦)، وحينما يقول: ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) (يوسف: ٧٦)، وحينما يقول:( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (الروم: ٧)، وحينما يقول:( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) (الإسراء: ٨٥)، وحينما كرر أكثر من مرة قوله تعالى:( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (يوسف: ٢١).

وهذه الآيات وغيرها تدفعنا لتفويض أمر الغيب والعلم به بكل تفاصيله إلى الله؛ لأنه:(  ... لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) (النمل: ٦٥)، وقد أخبرنا جَلَّ شأنه بأنه لا يطلع أحداً على الغيب إلا من شاء من رسول أو نبي فقال:( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ) (آل عمران: ١٧٩)؛ ولذا فإن عباد الله الصالحين يرجعون العلم بالغيب إلى الله، وهذا ما يحكيه القرآن حينما يقول:( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) (المائدة: ١٠٩).

وما نريده من إثارة هذه الأمور المتقدمة والتي ربما تكون معلومة

٥٥

عند الكثير منا، هو تنبيه شبابنا المسلم على ضرورة التطلع إلى الغيب وما وراء عالم المادة والطبيعة، ولكن من موقع الرغبة في توثيق العلاقة بين العبد وربه، لا من موقع التفكير في الاستئثار بمعلومات ومعارف غيبية يشكل العلم بها امتيازاً نفسياً للإنسان؛ وذلك لأن الإسلام لا يعطي للعلم قيمة مجردة عن العمل، وإنما العلم يراد له أن يكون مقدمة للعمل ووسيلة لتحقق الإنسان بحقيقة العبودية، وكثيرون أولئك الذين حجبهم علمهم عن الله لأنهم لم يعوا أن العلم إنما هو المنزل الأول من منازل السلوك إلى الله، وأنه لا ينبغي للسالك إلى الله التوقف عنده والاكتفاء به، بل يلزمه تجاوزه إلى منازل القرب الأخر. وفي ذلك يقول الإمام الخميني (قده): (فسالك طريق الحقيقة ومسافر سبيل العبودية إذا قطع هذا المنزل بالسلوك العلمي وركب مركب السير الفكري يقع في حجاب العلم ويصل إلى المقام الأول للإنسانية، ولكن هذا الحجاب من الحجب الغليظة وقد قالوا: العلم هو الحجاب الأكبر، ولابد للسالك أن لا يبقى في هذا الحجاب وأن يخرقه، ولعله إذا اقتنع بهذا المقام وسجن قلبه في هذا القيد يقع في الاستدراج، والاستدراج في هذا المقام هو أن يشتغل بالتفريعات الكثيرة العلمية ويجول فكره في هذا الميدان، فيقيم لهذا المقصد براهين كثيرة فيحرم من المنازل الأخر ويتعلق قلبه بهذا المقام ويغفل عن النتيجة المطلوبة، وهي الوصول إلى الفناء في الله، ويصرف عمره في حجاب البرهان وشعبه وكلما كثرت الفروع يصير الحجاب والاحتجاب عن الحقيقة أكثر.

٥٦

فللسالك أن لا يغتر بمكايد الشيطان في هذا المقام ولا يحتجب بكثرة العلم وغزارته، ولا بقوة البرهان عن الحق والحقيقة ويتأخر عن السير في الطلب وله أن يشمر الذيل بهمته، ولا يغفل عن الجد في طلب المطلوب الحقيقي حتى ينال المقام الثاني، وهو أن كل ما أدركه عقله بقوة البرهان والسلوك العلمي يكتبه بقلم العقل على صحيفة قلبه كي يوصل ذل العبودية وعز الربوبية إلى القلب ويفرغ من القيود والحجب العلمية).

النقطة الثانية: حقيقة العالم الغيبي

أكثر الناس تؤمن بوجود عالم غيبي يختلف في خصائصه ومميزاته عن عالمنا المادي الذي نعيش فيه ونشعر به بالفعل، ومنذ أن خلق الله تعالى الإنسان خلقه بجنبة روحية يتطلع من خلالها إلى العالمين الغيبي والروحي، وقد أشار تعالى إلى البعد الروحي الذي يتمتع به الإنسان حينما قال:( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) (السجدة: ٧ - ٩).

ومن خلال الجنبة الروحية كان الإنسان على الدوام يسعى للتعرف على حقيقة العالم الغيبي الذي يشعر الإنسان بأن روحه ونفسه تنتميان إليه وتشتاقان للارتباط به، وقد كانت مهمة الأديان السماوية هي ربط الإنسان بهذا العالم وتوثيق علاقته به من خلال الإفصاح عن بعض حقائق هذا العالم وموجوداته، وربما وُفِق البعض من الناس، كالفلاسفة

____________________

(١) المصدر السابق: ٣٦.

٥٧

والحكماء الإلهيين، من خلال قدراتهم العقلية المتميزة من الوصول إلى بعض الأمور الغيبية والتعرف على حقيقتها، ولكن مع ذلك ظلت حاجة الإنسان شديدة إلى الأديان والرسالات السماوية من أجل وعي وإدراك حقيقة العالم الغيبي ولو بنحو الإجمال؛ لأن الوعي التفصيلي بكل حقائق عالم الغيب ربما لا يتيسر للإنسان مادام في هذه الدنيا. ولأنَّ أكثر الناس تعجز عن إدراك حقيقة العالم الغيبي فإن الشرائع قد أمرتهم أن يؤمنوا إيماناً إجمالياً بالغيب، وأن لا يسعوا لتكلّف التعرف والإحاطة بما لا يمكن لعقولهم الإحاطة به وإدراك حقيقته، ولذا حينما سئل أمير المؤمنين (ع) عن القدر قال:(طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق فلا تلجوه، وسر الله فلا تتكلفوه) (١) .

ومما ينبغي الالتفات إليه بصورة أساسية أن حقيقة الحقائق، وهو الله سبحانه وتعالى، الذي هو المقصد الأصلي للإنسان في سيره التكاملي والروحي، مهما اقترب الإنسان منه وارتبط به فإنه يظل غيباً بالنسبة إليه، وليس بإمكان أي إنسان أن يحيط بحقيقة الذات المقدسة، وهذا المطلب مقرر بصورة واضحة وجلية في نصوص الشريعة وكلمات العرفاء. وكم هي جميلة كلمة الإمام السجاد (ع) حينما يناجي ربه قائلاً:(إلهي قصرت الألسن عن بلوغ ثنائك كما يليق بجلالك، وعجزت العقول عن إدراك كنه جمالك، وانحسرت الأبصار دون النظر إلى سبحات وجهك. ولمْ تجعل للخلق طريقاً إلى معرفتك

____________________

(١) نهج البلاغة: قصار الحكم / رقم ٢٨٧.

٥٨

إلا بالعجز عن معرفتك) (١) .

يوصينا أمير المؤمنين (ع) بأن نرجع إلى القرآن في التعرف على صفات الباري سبحانه وتعالى وأن لا نتكلف ما وراء ذلك، لا لأنه لا يراد لنا أن نعلم بما وراء ذلك، بلا لأنه لا يوجد شيء وراء ذلك يمكن لعقولنا أن تصل إليه وتطلع عليه، فيقول (ع):(فانظر أيها السائل: فما دلَّك القرآن عليه من صفته فائتم به واستضئ بنور هدايته، وما كلَّفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبي (ص) وأئمة الهدى أثره، فَكِلْ علمه إلى الله سبحانه، فإن ذلك منتهى حق الله عليك. واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السُّدَد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً، فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين. هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرَّأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولَّهت القلوب إليه، لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، ردعها وهي تجوب مهاوي سُدَف الغيوب، متخلصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال

____________________

(١) الصحيفة الكاملة السجادية: مناجات العارفين.

٥٩

بجور الاعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولى الرَّوِيَّات خاطرة من تقدير جلاله عِزَّته) (١) .

وبعد أن وعينا هذه الحقيقة نريد أن نقدم لشبابنا المسلم بعض الحقائق الأساسية عن عالم الغيب بالمقدار الذي يتناسب والمستوى الفكري العام لهؤلاء الشباب، ولم يكن بإمكاننا أن نتوسع كثيراً في بيان حقائق عالم الغيب لأن الكثير من هذه الحقائق يتوقف فهمها واستيعابها على توفر مقدمات علمية وعملية للإنسان لا يمكن تحصيلها من دون كثير عناء وتعب؛ ولذا فإن ما سنقدمه لن يتجاوز أن يكون صورة إجمالية عن العالم الغيبي، نريد من خلالها رفع حالة الغموض والارتباط التي يعيشها الشاب المسلم في تصوراته عن عالم الغيب وما وراء الطبيعة.

فنقول: مما لا شك فيه أن هناك تقسيَّماً أولياً للوجود يدركه كل الناس بعقولهم البسيطة والساذجة، وهو تقسيم الوجود أو الموجودات بالأحرى إلى وجودات مادية نستشعرها ونحسها بحواسنا الخمس، ووجودات غير مادية نؤمن بها ولكننا لا نحسها، وأكثر الناس تعتقد أن العالم الغيبي هو وجود واحد يقابل العالم المادي، ولكن الحقيقة التي يهدينا إليها الشرع والدين وتوصل إليها العرفاء الإلهيون من خلال اتباعهم للشرع ومجاهدتهم لأنفسهم هي غير ذلك، وذلك لأن العالم الغيبي هو عالم ذو مراتب تخفى جميعها علينا، وقد اصطلح العرفاء

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٩١.

٦٠