البَداء في تحليل العلماء:
وقد تناول علماء أهل البيت (عليهم السلام) مفهوم البداء بالدراسة والتحليل، فكشفوا غوامضه العقيدية، وأوضحوا محتوى الفكرة ومضمون المصطلح، نذكر مِن ذلك البيان: حديث الشيخ الصدوق عن البَداء، الذي أوضح لنا معناه، كما أوضح أنّ البداء هو ردّ على الفهْم اليهودي المحرّف، فقال (رحمه الله):
(ليس البَداء كما يظنّه جهّال النّاس بأنّه بداء ندامةٍ، تعالى الله عن ذلك، ولكن يجب علينا أن نقرّ لله (عزّ وجلّ) بأنَّ له البداء، معناه أنَّ له أن يبدأ بشيءٍ مِن خلْقه فيخلُقه قبل شيء، ثمَّ يعدم ذلك الشيء ويبدأ بخلْق غيره، أو يأمر بأمْرٍ، ثمَّ ينهى عن مِثله، أو ينهى عن شيءٍ، ثمَّ يأمر بمِثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسْخ الشرايع، وتحويل القِبلة، وعدَّة المتوفّى عنها زوجها.
ولا يأمر الله عباده بأمْرٍ في وقتٍ ما، إلاّ وهو يعلم أنَّ الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أنَّ في وقتٍ آخَر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مِثل ما أمرَهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم.
فمَن أقرَّ لله (عزّ وجلّ) بأنَّ له أن يفعل ما يشاء، ويعدم ما يشاء ويخلُق مكانه ما يشاء، ويقدِّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشـاء، ويأمر بما شاء كيف شاء، فقد أقرَّ بالبَداء.
وما عُظِّم الله (عزّ وجلّ) بشيءٍ أفضل مِن الإقرار بأنَّ له الخلْق والأمْر، والتقديم، والتأخير، وإثبات ما لمْ يكن، ومَحْو ما قد كان.
والبداء هو ردٌّ على اليهود؛ لأنّهم قالوا: إنَّ الله قد فرغ مِن الأمْر، فقلنا: إنَّ الله كلَّ يومٍ هو في شأن، يُحيي ويُميت ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس مِن ندامةٍ، وإنّما هو ظهور أمْرٍ.
يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي، أي ظهر، قال الله