التشيع نشأته معالمه

التشيع نشأته معالمه10%

التشيع نشأته معالمه مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 390

  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21080 / تحميل: 8267
الحجم الحجم الحجم
التشيع نشأته معالمه

التشيع نشأته معالمه

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

عليك ورحمة الله وبركاته، وعلى أبيك مِن قبلك) (١) .

فتوجّه الحسين مِن المدينة المنوّرة إلى العراق، ووقعت المواجهة بينه وبين الجيش الأمويّ، واستشهد الإمام الحسين وثمانية وسبعون مِن أصحابه وأهل بيته، وحلّت الفاجعة بآل البيت النبويّ، ونشبت الفتن والثورات، وانطوت مرحلة قيادة المواجهة المسلّحة مِن جانب أئمّة أهل البيت بعد عليٍّ والحسن والحسين [ عليهم السلام ].

وباستقراء وقائع الكفاح السياسي والفكري، الذي استمرّ طيلة حياة الإمام عليٍّ وولَدَيه السِبْطين، الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومَن تابعهم وجاهد معهم، نلاحظ أنَّ دعوتهم تركّزت حَول المطالبة بالتمسّك بكتاب الله وسنّة رسول الله والعمل بهما؛ لإيضاح وبلوَرة هويّة التشيّع لأهل البيت (عليهم السلام)، وجوهر حركتهم الفكرية.

ويتجسّد ذلك واضحاً في المواقف والتصريحات، التي صدرت عن الأئمّة وآبائهم. مِن ذلك ما ورَد في كتاب الصُلح الذي ثبّت فيه الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، واشترط على معاوية: (أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنّة نبيّه) ، ويظهر ذلك واضحاً في الرسالة التي كتبها الإمام الحسين (عليه السلام) لأهل العراق: (... وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله، وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتت، وأنّ البِدْعة قد أُحييَت، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدِكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

وهكذا يتّضح لدينا ظهور شيعتَين متواجهتين: شيعة آل البيت بقيادة عليٍّ والحسن والحسين، وشيعة بني أُميّة خلال حكومة معاوية وابنه يزيد وما تلاها مِن فترة الحُكم الأمويّ.

____________________

(١) السيّد ابن طاووس / مقتل الإمام الحسين: ص ١٥ - ١٦.

٤١

التَشرذم والخروج عن الخطّ الشيعي

في معركة صِفّين التي وقعت بين عليّ ومعاوية، والتي انتهت بالتحكيم، انشقَّ جيش عليٍّ، وخرجت منه جماعة محتجّة على التحكيم، وسمّيت هذه الفِرقة بالخوارج، ويعدّها علماء الفِرق فِرقةً شيعيّةً، غير أنّ الدراسة الموضوعية تنفي انتساب هذه الفِرقة إلى الشيعة؛ ذلك لأنّهم انشقّوا على الإمام عليّ مؤسّس التشيّع، ورفضوا إمامته، وقاتلوه واغتالوه، ثمّ تحوّلوا إلى كيانٍ سياسي، وأصحاب عقائدٍ خاصّةٍ بهم، تختلف عن الآراء العقيدية التي يحملها أئمّة أهل البيت وأتباعهم، كما أصبح لهم فِقْه ونظرية سياسية في الحُكم والإمامة، تختلف عن فقْه أهل البيت ونظريّتهم في الحُكم والسياسة.

وبعد مقتل الإمام الحسين (١) في العاشر مِن المحرّم سنة (٦١ هـ)، انسحب الإمام عليّ بن الحسين زَين العابدين (عليهما السلام)، إمام أهل البيت في تلك الفترة مِن المواجهة المكشوفة والكفاح المسلّح، الذي سلكَه آباؤه الأطهار؛ لعدم توفّر الظروف المناسبة لذلك، فواصل قيادة وتنظيم الكيان الشيعي بصورةٍ سرّية، كما واصل مهامّه العِلمية والفكرية في حِفْظ الرسالة والدفاع عن نقائها وأصالتها القرآنية، وبيان أحكامها ومعارفها.

وفي تلك المرحلة نشأت فِرق وتكتّلات شيعية ذات أهداف سياسية، ظهرت في ميدان الصراع ضدّ الحُكم الأمَويّ، فظهرت جماعة التوّابين، وأتباع المختار بن عبيدة الثقفي، ثمّ أتباع زيد بن عليّ بن الحسين (رضي الله عنه) الذين سمُّوا بالزيدية.. نسبةً إليه، وقد أعلن زيد الثورة على هشام بن عبد الملك الأمَويّ، الذي قتَل زيداً وصلَبه سنة (١٢١ هـ).

____________________

(١) سنعرض جانباً مِن مأساة أهل البيت في كربلاء في موضوع (لماذا التقية) مِن هذا الكتاب.

٤٢

ولمْ تزل تلك الفِرقة الشيعية موجودة حتّى الآن، ويكثر أتباع زيد في اليمن، وتعتقد هذه الفِرقة بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين، ثمّ الإمامة هي في وُلد فاطمة لمَن اتّصف بالعِلم والشجاعة منهم، وتصدّى للقيادة بالثورة على الظلم.

وفي فترة حياة الإمامَين الباقر والصادق (عليهما السلام) بدأت تظهر النظريات الفكرية والسياسية، والاختلافات في فَهْم الإمامة وتحديد شخص الإمام، في الصفّ الشيعي. وبدأ الانحراف والضلال يسوق فِرقاً كثيرةً انتسبت إلى التشيّع كالمغيرية والخطّابية وغيرها مِن فِرَق الغُلاة والمفوّضة، وقد عدّها كُتّاب الفِرق مِن فِرَق الشيعة، غير أنّ أهل البيت تبرّؤوا منهم ولَعَنوهم وطردوهم.

في حين استمرّ خطّ التشيّع بنقائه وأصالته المعهودة أيّام عليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين، يكافح كفاحاً عِلمياً ضدّ انحراف تلك الفِرق وغيرها مِن الفِرَق الضالّة، التي وُلدَت في البيئة الإسلامية، وقد قاد الكفاح مِن أجْل النقاء والأصالة الإسلامية أئمّةُ التشيّع في تلك الفترة محمّد الباقر (عليه السلام)، ثمّ ابنه جعفر الصادق (عليه السلام)، ثمّ ابنه موسى بن جعفر (عليهما السلام)، ثمّ ابنه عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام)، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ الجواد (عليهما السلام)، ثمّ ابنه عليّ بن محمّد الهادي (عليهما السلام)، ثمّ ابنه الحسن بن عليّ (عليهما السلام).. ثمّ انتهت مسيرة التشيّع إلى قيادة محمّد بن الحسن المهدي (عجّل الله فرَجَه).

والحديث عن التشيّع في هذه المرحلة، هو حديث عن خطّ أهل البيت ومذهبهم بنقائه وأصالته القرآنية.

وسنعرف فيما هو آتٍ مِن البحث هذا المذهب الإسلامي - مذهب أهل البيت - الذي سُمّيَ بمذهب الشيعة الإمامية؛ لاعتقاده بإمامة اثني عشر إماماً مِن سادة أهل البيت (عليهم السلام)، وسُمّيَ كذلك بالمذهب الجعفريّ نسبةً إلى الإمام

٤٣

جعفر الصادق؛ لِما أظهر مِن العِلم والفقْه، كما نسبت المذاهب الفقهية إلى أصحابها، كالمذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والزيدي... الخ.

٤٤

الفصل الثاني

منهج البحث والتفكير

في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

٤٥

٤٦

تقديمٌ

منهج البحث والتفكير، عبارة عن الطريقة التي يسلكها الباحث أو المفكّر في تنظيم وإجراء أبحاثه؛ للوصول إلى النتائج المرجوّة مِن البحث، وقد عرّف منهج البحث بأنّه: (الطريقة التي يتّبعها العلماء في وضْع قواعد العِلم، وفي استنتاج معارفه على ضوء تلك القواعد) (١) .

ومِن الواضح أنّ لكلّ عِلمٍ ومعرفةٍ بشَريّةٍ منهجها الخاصّ بها، رغم وجود عناصر مشتركة بين منهاج العلوم والمعارف البشرية كافّة.

إنّ المتأمّل في العلوم والمعارف الإسلامية، يجد علماء الإسلام قد ساروا في دراساتهم وأبحاثهم، وتحديد عطائهم العِلمي وفْق أُسُسٍ منهجيّةٍ منظّمةٍ ومحدّدة؛ لذا كانت البُنية النظرية لكلّ عِلمٍ ومعرفةٍ، كعِلم التوحيد والأخلاق والحديث والفقْه والتصوّف والعِرفان بُنية منسّقة، قائمة على أساس منهج بحثٍ متّسق الخُطى، متوافق النتائج، إلاّ ما أخطأ الباحث في تطبيقه، كما كان لكلّ اتّجاهٍ مذهبيٍّ وحدته

____________________

(١) عبد الهادي الفضلي / خلاصة المنطق: ص ١٢٣.

٤٧

المنهجيّة، ومبانيه الأساسية التي ساهمت في تصميم شخصيّته الفكرية.

وعند تحليل الاتّجاه العامّ في كلّ بُنيةٍ منهجيّةٍ مِن بُنى العلوم والمعارف الإسلامية، والاتّجاهات الفكرية والمذهبية، نجد أنّ هناك أُسُساً ومنطلقات آمَن بها كلّ فريقٍ إيماناً شرعياً، أو عقلياً، فانطلق منها يحدّد بُنية المنهج العِلمي الذي يثبّت أُسس وقواعد ذلك العِلم، أو البحث في تلك المسألة. ومِن المفيد أن نستعرض بشكلٍ موجز تعريفاً بمناهج البحث الأساسية، التي اتّبعها علماء أهل البيت في المجالات الآتية:

١ - المنهج المعرفي (نظرية المعرفة).

٢ - المنهج العقيدي.

٣ - منهج الفقْه والاستنباط (١) .

٤ - المنهج السلوكي (٢) .

وتشمل هذه المناهج المساحة العِلمية، والعطاء الحضاري بمختلف حقوله: (المعرفة، والإلهيّات، والطبيعة، والقيَم، والسلـوك، والشريعـة)، وتصنع منه منظومةً فكريّةً متناسقةً في كلّ اتّجاهٍ مذهبيٍّ ومدرسةٍ فكريّةٍ. وجدير ذِكره: أنّ المعارف والعلوم والأفكار الإسلامية مرّت بعدّة مراحل هي:

١ - مرحلة النصّ (الكتاب والسنّة).

٢ - مرحلة التفسير.

٣ - مرحلة التنظير.

٤ - مرحلة الفلسفة.

____________________

(١) و (٢) سنبحث منهج الفقْه والاستنباط والمنهج السلوكي، في المكان المناسب مِن هذا الكتاب في فصلَين مستقلَّين.

٤٨

ولا يخفى أنّ مراحل التفسير والتنظير والفلسفة، وبشكلٍ خاصٍّ مرحلة التنظير والفلسفة، تأثّرت بمخلّفات الشعوب وأفكارها، كالفكر اليوناني والفكر الفارسي والفكر البوذي وأفكار أصحاب الديانات المحرّفة، كالفكر المسيحي واليهودي، وقد حدث هذا التأثّر بدرجاتٍ متفاوتة، فكان سبباً في نشأة عشرات الفِرَق، وحدوث الانحرافات الفكريّة.

وقد جاهد أئمّة أهل البيت، وبصورةٍ خاصّةٍ في عهد الإمامين محمّد الباقر (عليه السلام) وولده جعفر الصادق (عليه السلام) جهـاداً مستمرّاً، وعلى كلّ صعيدٍ مِن أصعدة الفكر والمعرفة، مِن أجل صيانة الفكر والتفكير الإسلامي، والحفاظ على نقاء العقيدة والشريعة، وأصالة الفهْم والاستنباط بشتّى حقوله ومراتع روّاده.

وفيما يلي مِن البحث ننقل عن أساطين الفكر الإمامي الآراء والأُسُس والأُصول، التي ثبّتوها في هذا المجال؛ لنعطي لمحةً تعريفيّةً بالمعالم الأساسية، وبالأُسس العِلمية لبُنية هذه المدرسة المذهبيّة العريقة، التي نشأت في الصفّ الإسلامي، كما نشأت المدارس المذهبية الأُخرى في المعرفة والعقيدة والفقْه والاستنباط والسلوك.

سنلاحظ مِن عَرض المرتكزات الأساسية لمنهج البحث والتفكير الإمامي، أنّه انطلق في مسلّماته الأساسية مِن الشرع والعقل، ونسّق بينهما وفْق منهج القرآن وتوجيهه، فحصل على منهج بحثٍ أصيل ملتزم ومعطاء مُنتِج، بعيدٍ عن الخرافة والتوقّف والتحجّر، فحقّق النموّ والتوالد والالتزام في آنٍ واحد، فكان منهجاً خصباً وأصيلاً، ينطلق مِن الشرع، ويحترم العقل ويوظّفه كما يوظّف الحسّ والتجربة، ويستخدم الاستقراء والاحتمال والقياس استخداماً منهجياً دقيقاً، وإليك هذه الآراء والأُسس:

٤٩

١ - المنهج المعرفي (نظرية المعرفة):

لقد تحدّث الشيخ المفيد وهو مِن أساطين الفكر الإمامي في القرن الرابع والخامس الهجريّين، وتوفّيَ سنة (٤١٣ هـ)، عن الأُسس العامّة لنظرية المعرفة، التي تقود إلى الإيمان بقضايا ومسائل عقيدية، قد لا توصل النظريات الأُخرى إلى تلك النتائج والمعطَيات، كما نقرأ ذلك واضحاً في النصّ الآتي:

(أقول: إنّ العِلم بصحّة جميع الأخبار طريقه الاستدلال، وهو حاصل مِن جهة الاكتساب، ولا يصحّ وقوع شيءٍ منه بالاضطرار، والقول فيه كالقول في جملة الغائبات (١) . وإلى هذا القول يذهب جمهور البغداديّين (٢) ، ويخالف فيه البصريّون والمشبّهـة وأهـل الإجبـار (الأخبار خ)) (٣) .

ونقرأ في ما عرَضه العلاّمة الحِلّي بلوَرةً وتنظيراً لنظرية المعرفة والبحث في المنهج الإمامي، الذي يقود إلى الخروج بنتائج مذهبية محدّدة، تختلف عن عطاء غيره مِن المناهج، قال (رحمه الله):

(لمّا كان الإدراك أعرَف الأشياء وأظهرها على ما يأتي، وبه تُعرَف الأشياء، وحصل فيه مِن مقالاتهم أشياءً عجيبةً غريبةً، وجَب البدْء به؛ فلهذا قدّمناه. اعلم أنّ الله تعالى خلَق النفْس الإنسانية في مبدأ الفطرة، خالية عن جميع العلوم (*)

____________________

(١) جملة الغائبات: مختلف القضايا المجهولة لدى الإنسان، والتي يراد اكتشافها.

(٢) يقصد بهم مدرسة الاعتزال البغدادية، التي افترقت في بعض متبنّياتها عن مدرسة الاعتزال البصرية، التي هي الأصل في مدرسة الاعتزال.

(٣) الشيخ المفيد / أوائل المقالات: ص ١٠٤.

(*) قسّم العلماء العلوم والمعارف البشرية على قسمين هما:

١ - العلوم الضرورية: وهي العلوم التي لا يحتاج التصديق بها إلى الاستدلال، مثل استحالة اجتماع النقيضين، ومثل الكلّ أكبر مِن الجزء.

٢ - العلوم النظرية: وهي العلوم التي تحتاج إلى إثباتٍ برهانيٍّ واستدلال، مثل وجود الله، وكُرَويّة الأرض.

٥٠

بالضرورة، قابلة لها، وذلك مُشاهَد في حال الأطفال.

ثمّ إنّ الله تعالى خلَق للنفْس آلات، بها يحصل الإدراك، وهي القوى الحسّاسة، فيحسّ الطفل في أوّل ولادته بحسّ لمْس ما يدركه مِن الملموسات، ويميّز بواسطة الإدراك البَصَري، على سبيل التدريج بين أبويه وغيرهما، وكذا يتدرّج في العلوم وباقي المحسوسات إلى إدراك ما يتعلّق بتلك الآلات.

ثمّ يزداد تفطّنه، فيدرك بواسطة إحساسه بالأُمور الجزئية الأُمورَ الكلّية، مِن المشاركة، والمباينة، ويعقل الأُمور الكلّية الضرورية بواسطة إدراك المحسوسات الجزئية.

ثمّ إذا استكمل العلوم، وتفطّن بمواضع الجدال، أدرك بواسطة العلوم الضرورية العلوم الكَسْبية، فقد ظهر مِن هذا أنّ العلوم الكسْبية فرعٌ على العلوم الضروريّة الكلّية، والعلوم الضروريّة الكلّية فرعٌ على المحسوسات الجزئية، فالمحسوسات إذن هي أصول الاعتقادات، ولا يصحّ الفرع إلاّ بعد صحّة أصله، فالطعن في الأصل طعنٌ في الفرع.

وجماعة الأشاعرة الذين هُم اليوم كلّ الجمهور مِن الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، إلاّ اليسير مِن فقهاء ما وراء النهر، أنكروا قضايا محسوسة على ما يأتي بيانه، فلزِمَهم إنكار المعقولات الكلّية التي هي فرع المحسوسات، ويلزمهم إنكار الكَسْبيّات...) (١) .

وهكذا يتّضح لنا مِن خلال التأمّل في هذه النصوص المنهجية، أنّ المنهج الإمامي يرتّب نظرية المعرفة كالآتي:

١ - الإيمان بأنّ المعارف الحسّية، هي أصل المعرفة البشرية، فالإنسان يحصل مِن خلال أدَوات الحسّ - عن طريق الممارسة والتجربة - على الجزئيّات الحسّية.

____________________

(١) العلاّمة الحِلّي / نهْج الحقّ وكشْف الصدْق: ص ٣٩ - ٤٠.

٥١

٢ - إنّ العقل ينتزع مِن تلك المعارف الحسّية الجزئيّة معارف كليّة عامّة.

٣ - إنّ الحصول على المعارف الكلّية مِن تلك الجزئيات، هي عملية استقرائية، وهي المعبّر عنها بمنهج الاستقراء، الذي عُرّف بأنّه:

(عبارة عن دراسة جزئيّاتٍ عديدةٍ يستنبط منها حُكم عامّ).

٤ - تتوفّر لدى الإنسان عن طريق إدراك المحسوسات الجزئية، المعلومات الضروريّة الكلّية.

٥ - إنّ العلوم الضروريّة تُسلَك كأُسُس؛ لتحصيل المعارف والعلوم الكسْبية والبناء عليها، وبذا تكون العلوم والمعارف التي يحصل عليها الإنسان، وبمختلف فروعها المادّية والعقلية والإنسانية، إنّما هي فرع على العلوم الضرورية الكلّية.

٦ - ينتج مِن هذا التسلسل المنطقي في بُنية نظرية المعرفة في المدرسة الإمامية، أنّ الإيمان بالله وما يرتبط به مِن معارف وعلوم إلهيّة، إنّما يبتني التصديق بها والبرهنة عليها على أوّليات منتزعة مِن المعارف الحسّية، فمبدأ العلّية والسببيّة الذي يوصل إلى الإيمان بالله، إنّما أُنتزع مِن جزئيات حسّية في بدْء تكوّنه في ذهن الإنسان، فالإنسان يشاهد في عالَم الحسّ والطبيعة، أنّ الأشياء مرتبطة بعللِها وأسبابها، فأوصله هذا المبدأ إلى الإيمان بعلّة الوجود وخالق الكون، اعتماداً على مبدأ القياس.

وصوّر أبو إسحاق إبراهيم النوبختي - صاحب كتاب (الياقوت) الكلامي - صوّر العلاقة بين التفكير وإنتاج العلم، كالعلاقة بين السبب والنتيجة، منطلقاً مِن مبدأ الإيمان بقانون العلّية، الذي آمنت به الإمامية، وأنكرته الأشاعرة، قال: (والنظر يولّد العِلم، كسائر الأسباب المولّدة لمسبباتها).

وعلّق الشارح - العلاّمة الحِلّي - على ما أَورده النوبختي، قائلاً: (أقول:

٥٢

اختلف الناس في ذلك، فقالت المعتزلة: النظر الصحيح يولّد العِلم.

وقال الأشاعرة: إنّ العِلم يحصل عقيبه لمجرّد العادة مِن فِعل الله تعالى، كالعاديّات.

وقال أبو بكر الباقلاني، وإمام الحرَمين - الجويني ـ: إنّ العِلم ما يلزم النظر لزوماً واجباً، إنْ لمْ يتولّد عنه) (١).

وهكذا يتحدّد مرتكز أساس في الفكر الإمامي، وهو أنّ التفكير يولّد المعرفة، كما تولِّد الأسباب نتائجها، وهي مِن فِعل الإنسان، خلافاً لنظرية الأشاعرة التي أنكرت قانون السببيّة، وفسَّرت العلاقة بين الأشياء بالعادة؛ إذ ردّت الأفعال كلّها إلى الله سبحانه مباشرة.

٢ - المنهج العقيدي:

بعد أنْ تحدّدت نظرية المعرفة بمرتكزاتها الكلّية، وأنّها نظرية شاملة لمعرفة الطبيعة والفكر والإلهيات والمعارف الإنسانية جميعها، وأوضح العلماء - كما مرَّ علينا - العلاقة بين هذه النظرية وبين الإيمان بالله، صار واضحاً لدينا أنّ معرفة الله ورُسُله ودِينه ليس بوِسع العقل أن يستقلّ بإدراكها إدراكاً كاملاً، بل لا بدّ له مِن وحي وشريعة يكمّلان تشخيصه، فهو يستطيع أن يُثبت وجود خالقٍ عالِمٍ قدير، خلَقَ هذا الوجود، وإن لم يكن هناك وحي ورسل، ولكنّه يعجز عن تشخيص عالَم الآخِرة وحساب القبر والجزاء، وكثير من المسائل التي بشّر بها الرسل، كما أنّه عاجز عن تشخيص كثير مِن الأحكام والتكاليف، كوجوب الصوم ووجوب صلاة الظهر، وأنّها أربع ركعات، وإيضاح تفصيلات كثيرة، ليس بوِسعه أن يكتشفها مع عدم وجود بيان شرعي، أو ليس بوِسعه أن يدركها بصورةٍ مطلقة.

____________________

(١) العلاّمة الحِلّي / أنوار المَلَكوت في شرح الياقوت: ص ١٥.

٥٣

لذا فإنّ مدرسة أهل البيت انطلقت مِن مبدأ: أنّ الإيمان بالله قضية نظرية - أي تحتاج إلى استدلال - فلا بدّ مِن إقامة الدليل والبرهان، ولا يصحّ فيها تقليد الغير، كالأنبياء وغيرهم؛ لأنّ تصديق النبيّ يحتاج إلى دليلٍ للعقل البشري، فبعد الدليل نصدّق الرُسُل، ونؤمن بالله سبحانه، وأنّهم رُسُله حقّاً.

ونورد هنا ما سجّله العلاّمة الحلّي في كتابه (الباب الحادي عشر) في هذا المجال، قائلاً:

(وجوب معرفته تعالى بالدليل لا بالتقليد) (١) .

قال الشارح: (ولمّا وجبَت المعرفة، وجَب أن تكون بالنظَر والاستدلال) (٢) .

ثمّ عرّف النظَر، فقال: (والنظَر: هو ترتيب أُمورٍ معلومةٍ للتأدّي إلى أمرٍ آخَر) (٣).

ثمّ قال: (ولا يجوز معرفة الله تعالى بالتقليد) (٤).

وقد مرَّ علينا في نظرية المعرفة، كيف يُولَد الإنسان صفحةً بيضاء خاليةً مِن المعارف والعلوم، فيتدرّج الإنسان مِن معرفة الحسّي الجزئي إلى الكلّي المجرّد، ثمّ تتّسع آفاقه، وينطلق مِن الأوّليّات البسيطة؛ ليبرهن على القضايا الكبرى والمعقّدة، كقضية الإيمان بالله تعالى وصفاته بطريقةٍ عقلية، ويصدّق بمعجزة الرُسل، فيذعن لِما جاؤوا به عن الله سبحانه؛ لذا جاء الخِطاب الإلهي في القرآن الكريم داعياً إلى التأمّل في خلْق السماوات والأرض، وفي النفْس البشرية، وفي عوالم الطبيعة؛ للوصول إلى تصديق الأنبياء، والإيمان بالله تعالى:

____________________

(١) المقداد السيوري / شرح الحادي عشر: ص ٣ - ٤.

(٢) المصدر السابق: ص ٤.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٥٤

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ ) (١).

وهكذا نصل إلى أنّ الإيمان بالله قضية برهانية استدلالية، يجب على كلّ فردٍ أن يمارسها بأيّ مستوىً مِن المستوَيات الموصِلة إلى النتيجة، فهي واجب عَيني، وليس واجباً كفائياً؛ لذلك قال المقداد السيوري - شارح الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي - بعد أن قسّم الواجب على قسمين: عيني وكفائي، قال: (والمعرفة مِن القِسم الأوّل) (٢) .

ولذلك قال العلاّمة في حديثه: (يجب على عامّة المكلَّفين) (٣).

وتحدّث الشيخ المفيد عن طريق العِلم بالله تعالى، فسجّل لنا الأُسُس المنهجية لرحلة البحث عن الإيمان بالله سبحانه، وحصول اليقين به، فقال (رحمه الله): (أقول إنّ العِلم بالله (عزّ وجلّ)، وبأنبيائه، وبصحّة دِينه الذي ارتضاه، وكلِّ شيءٍ لا تدرَك حقيقته بالحواسّ، ولا يكون المعرفة قائمةً به في البداية، وإنّما يحصل بضرْبٍ مِن القياس، لا يصحّ أن يكون مِن جهة الاضطرار، ولا يحصل على الأحوال كلّها إلاّ مِن جهة الاكتساب، كما لا يصحّ العِلم بما طريقه الحواسّ مِن جهة القياس، ولا يحصل العِلم في حالٍ مِن الأحوال بما في البداية مِن جهة القياس، وهذا قد تقدّم وزِدنا فيه شرحاً هنا للبيان، وإليه يذهب جماعة البغداديين، ويخالف فيه البصريون مِن المعتزلة والمشبّهة وأهل القدر والإرجاء) (٤).

ويشرح هذا المنهج العقيدي في موضعٍ آخَر، فيقول: (إنّ المعرفة بالله تعالى

____________________

(١) سورة آل عمران: آية ١٩٠.

(٢) المقداد السيوري / شرح الباب الحادي عشر: ص ٦.

(٣) المصدر السابق: ص ٢.

(٤) الشيخ المفيد / أوائل المقالات: ص ١٠٣.

٥٥

اكتساب، وكذلك المعرفة بأنبيائه، وكلّ غائب، وأنّه لا يجوز الاضطرار إلى معرفة شيءٍ ممّا ذكرناه، وهو مذهب كثير مِن الإمامية والبغداديين مِن المعتزلة خاصّة، ويخالف فيه البصريون مِن المعتزلة والمجبّرة والحشوية مِن أصحاب الحديث) (١).

ويربط الشيخ المفيد بين العقل والشرع؛ لإكمال معارف الإنسان الإلهية، فيقول: (اتّفقت الإمامية على أنّ العقل يحتاج (محتاج) في عِلمه ونتائجه إلى السمع - أي إلى ما جاء به الرسول - وأنّ العقل غير منفكٍّ عن سمعٍ ينبّه الغافل، على كيفية الاستدلال، وأنّه لا بدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالَم، مِن رسول) (٢).

فالعقل إذن يحتاج في اكتساب المعارف التفصيلية في قضية الإيمان بالله، وبيان التكاليف إلى السمْع، أي إلى الوحي والشرائع الإلهية.

وهكذا يكون منهج المعرفة العقيدي قائماً على العقل والشرع، والشرع هو الضابط والمصحّح، ومبدأ الاستدلال والتصديق هو العقل، ثمّ يتولّى الشرع بيان معارف العقيدة، وضبط مسار العقل في هذا المجال؛ لذا كان على العقل أنْ يُذعن لكلّ ما جاء به الشرع، بعد أن ثبَت لديه بالدليل والبرهان وجود الله سبحانه وصدْق الرُسُل.

وتأسيساً على ذلك انتقد الشيخ المفيد، بما ورَد عنه مِن نصٍّ تحت عنوان: (القول في أنّ العقل لا ينفكّ عن سمْعٍ، وأنّ التكليف لا يصحّ إلاّ بالرُسُل)، انتقد منهج المعتزلة والخوارج والزيديّة الذين: (زعموا بأنّ العقول تعمل بمجرّدها مِن السمْع والتوفيق...).

ويوضّح الشريف المرتضى منهج الإمامية في الإيمان بالله سبحانه، فيقول جواباً على سؤال ورَد عليه: (قد سأل يرحمه الله، عن الطريق إلى معرفة الله، بمجرّد العقل، أو مِن طريق السمْع (٣).

____________________

(١) المصدر السابق: ص ٦٦.

(٢) المصدر السابق: ص ٥٠ - ٥١.

(٣) السمْع: الرسالات الإلهية، وما يُبلَّغ، ويُسمَع مِن الأنبياء.

٥٦

الجواب: إنّ الطريق إلى معرفة الله تعالى هو العقل، ولا يجوز أن يكون السمْع؛ لأنّ السمْع لا يكون دليلاً على الشيء إلاّ بعد معرفة الله وحكمته، وأنّه لا يفعل القبيح، ولا يُصدّق الكذّابين، فكيف يدلّ السمْع على المعرفة) (١).

وهكذا اعتمد المنهج الإمامي طريق العقل للاستدلال على وجود الله سبحانه، وإثبات نبوّة الأنبياء (عليهم السلام)، بعد أن آمَن بأنّ التفكير يوصِل إلى العِلم.

وبهذا المنهج أعطى العقل قيمته العِلمية، ونقل الأبحاث إلى أرقى مستويات المعرفة، وشاده على أساس البرهان والاستدلال الموصِلَين إلى اليقين الذي لا يتزعزع، معطياً الشرع دَور الموجّه والقائد للعقل، بعد استدلاله على أنّ الشرع صادر عن الخالق العليم.

وإذا كانت هذه آراء فريقٍ مِن العلماء الذين ساهموا في تأسيس منهج التفكير، وتثبيت معالِم نظرية المعرفة في المدرسة الإمامية، فإنّنا نجد الفكر الإسلامي في هذه المدرسة، قد بلَغَ مرحلته العُليا وصيغته المنظَّرة على يد الفقيه الفيلسوف الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر (قدّس سرّه)، في تنظيره لنظرية المعرفة التي شيّدها في كتابه الفريد (الأُسُس المنطقية للاستقراء). فقد بنى الاستدلال في نظرية المعرفة على منهجين هما:

١ - المنهج الاستنباطي.

٢ - المنهج الاستقرائي.

ثمّ فسّر الدليل الاستقرائي على أساس نظرية الاحتمال، واعتبر هذه النظرية نظريةً عامّةً للاستدلال على قضايا المعرفة جميعها، الطبيعية التجريبية، والإلهية، والرياضية، وغيرها.

____________________

(١) رسائل الشريف المرتضى / المجموعة الأُولى، المسألة التاسعة: ص ١٢٧.

٥٧

وفي ذلك كتَب يقول: (يقسّم الاستدلال الذي يمارسه الفكر البشري عادةً إلى قسمين رئيسيين، أحدهما: الاستنباط، والآخَر: الاستقراء. ولكلٍّ مِن الدليل الاستنباطي، والدليل الاستقرائي منهجه الخاصّ وطريقه المتميّز.

ونريد بالاستنباط: كلّ استدلالٍ لا تكبّر نتيجته المقدّمات التي يكون منها ذلك الاستدلال، ففي كلّ دليلٍ استنباطيٍّ تجيء النتيجة دائماً مساوية أو أصغر مِن مقدّماتها...

فيقال مثلاً: محمّد إنسان، وكلّ إنسان يموت، محمّد يموت، ويقال أيضاً: الحيوان إمّا صامت وإمّا ناطق، والصامت يموت والناطق يمـوت، فالحيوان يموت.

ففي قولنا الأوّل استنتجنا أنّ محمّداً يموت بطريقةٍ استنباطية، وهذه النتيجة أصغر مِن مقدّماتها؛ لأنّها تخصّ فرداً مِن الإنسان وهو محمّد، بينما المقدّمة القائلة: كلّ إنسانٍ يموت، تشمل الأفراد جميعاً.

وبذلك يتّخذ التفكير في هذا الاستدلال طريقه مِن العامّ إلى الخاصّ. فهو يسير مِن الكلّي إلى الفرد، ومِن المبدأ العامّ إلى التطبيقات الخاصّة.

ويطلق المنطق الأرسطي على الطريقة التي انتهجها الدليل الاستنباطي في هذا المثال اسم القياس، ويعتبِر الطريقة القياسية هي الصورة النموذجية للدليل الاستنباطي.

ونريد بالاستقراء: كلّ استدلالٍ تجيء النتيجة فيه أكبر مِن المقدّمات التي ساهمت في تكوين هذا الاستدلال، فيقال مثلاً: هذه القطعة مِن الحديد تتمدّد بالحرارة، وتلك تتمدّد بالحرارة، وهذه القطعة الثالثة تتمدّد بالحرارة أيضاً، إذن كلّ حديدٍ يتمدّد بالحرارة.

٥٨

هذه النتيجة أكبر مِن المقدّمات؛ لأنّ المقدّمة لمْ تتناول إلاّ كمّية محدودة مِن قِطع الحديد: ثلاثة أو أربعة أو ملايين، بينما النتيجة تناولت كلّ حديدٍ، وحكَمت أنّه يتمدّد بالحرارة؛ وبذلك شملت القِطع الحديدية التي لمْ تدخل في المقدّمات، ولمْ يجرِ عليها الفحص).

ويخلص الشهيد الصدر إلى القول بأنّ: (السَير الفكري في الدليل الاستقرائي معاكس للسَير في الدليل الاستنباطي الذي يصطنع الطريقة القياسيـة، فبينما يسير الدليل الاستنباطي - وفْق الطريقة القياسية - مِن العامّ إلى الخاصّ عادةً، يسير الدليل الاستقرائي - خلافاً لذلك - مِن الخاصّ إلى العامّ) (١) .

ثمّ يفسّر الشهيد الصدر (قدّس سرّه) الدليل الاستقرائي، على أساس نظرية الاحتمال، التي تقوم على أساس تراكم الاحتمالات، والوصول إلى اليقين المعرفي عن هذا الطريق.

وبعد ذلك يوظّف هذه النظرية - نظريّة الاستقراء - التي تقوم في مرحلةٍ منها على أساس الاستدلال الاستنباطي - كما أوضح ذلك - يوظّفها في الاستدلال على وجود الله سبحانه، ويعتبرها صادقةً ومنطقيةً في مجال الطبيعيات والمعارف الإلهية، كما هي صادقة ومنطقية في مجال الطبيعيات والمعارف الرياضية وغيرها.

وفي ذلك كتَب يقول: (إنّ الأُسس المنطقية التي تقوم عليها كلّ الاستدلالات العِلمية المستمدّة مِن الملاحظة والتجربة، هي نفْس الأُسس المنطقية التي يقوم عليها الاستدلال على إثبات الصانع المدبّر لهذا العالم، عن طريق ما يتّصف به العالَم مِن مظاهر الحكمة والتدبير، فإنّ الاستدلال كأيّ استدلالٍ عِلميٍّ آخَر، استقرائي بطبيعته

____________________

(١) المجموعة الكاملة لمؤلّفات السيّد الشهيد الصدر / الأُسس المنطقية للاستقراء: ص ٦.

٥٩

وتطبيق للطريقة العامّة التي حدّدناها للدليل الاستقرائي في كِلتا مرحلتيه (*) ، فالإنسان بين أمرين: فهو إمّا أن يرفض الاستدلال العِلمي ككلّ، وإمّا أن يقبل الاستدلال العِلمي، ويعطي للاستدلال الاستقرائي على إثبات الصانع نفْس القيمة التي يمنحها للاستدلال العِلمي.

وهكذا نبرهن على أساس أنّ العِلم والإيمان مرتبطان في أساسهما المنطقي) (١) .

وهكذا ينظّم الفكر الإمامي منهج البحث والتفكير في العلوم والمعارف جميعها، بما فيها إثبات الخالق والمعارف الغيبيّة التي خفيَت على الحواسّ البشرية.

ويكون بهذا قد ثبَّت منهجاً قرآنياً للبحث والتفكير، منهجاً متّسماً بالأصالة والخصوبة والدقّة العِلمية.

____________________

(*) يمرّ الاستقراء، كما يوضّحه الشهيد الصدر (قدّس سرّه) بمرحلتين هما:

١ - مرحلة التوالد الموضوعي للفكر، أو المرحلة الاستنباطية مِن الدليل الاستقرائي، ويقوم على أساس التلازم الموضوعي بين المعرفة المولِّدة، والجانب الموضوعي مِن المعرفة المتولّدة.

٢ - مرحلة التوالد الذاتي، وهذه النظرية تعني إمكانية نشوء معرفة، وتولّد عِلمٍ على أساس معرفةٍ أخرى، دون أيّ تلازم بين موضوعَي المعرفتين، وإنّما يقوم التوالد على أساس التلازم بين نفْس المعرفتين. ووفْق هذا المنهج استنتج الفكر البشري مِن معرفته بعالَم المخلوقات والمعاجز والدلائل المختلفة، استنتج المعرفة بوجود الله سبحانه؛ لوجود التلازم بين المعرفتين.

(١) المجموعة الكاملة لمؤلّفات السيّد الشهيد الصدر / الأُسس المنطقية للاستقراء: ص ٤٦٩.

٦٠

بين الرأي والمعتقد في الفكر الإمامي

يمثّل الفكر العقيدي لدى المسلمين جميعاً الأساس والمنطلق في بناء الرسالة الإسلامية، والفكر العقيدي كالإيمان بوحدانية الله تعالى، وتصديق الأنبياء، وما ارتبط بذلك مِن مسائل وتفريعات، يقسّم بطبيعته إلى قسمين أساسيّين، هما:

1 - الأُسُس الثابتة التي لا اجتهاد فيها ولا رأي، كالإيمان بأنّ الله واحد أحد، متّصف بصفات الكمال منزّه عن النقص، وأنّه بعَث الأنبياء وأنزل الكتُب والشرائع، وأنّه يبعث مَن في القبور، وينصب الموازين العدْل ليوم الحساب والجزاء الذي وعد الخلْق به.

وتلك وأمثالها أُسُس ومسلّمات، ليست قابلة لتعدّد الرأي والاجتهاد لدى المسلمين جميعاً.

2 - هناك مسائل وتفريعات عقيدية اختلف المسلمون في فهْمها وتفسيرها، وتختلف خطورتها العقيدية مِن مسألةٍ إلى أُخرى، كما أنّ هناك تعدّداً في الرأي والفهْم في كثيرٍ مِن التفريعات والمسائل الفرعيّة، في داخل المدرسة العقيديّة الواحدة، كمدرسة الأشاعرة والكرامية والشيعة الإمامية والمعتزلة وغيرهم.

وقد طفحت كتُب الفلسفة الإسلامية والكلام والمناظرات العقيدية بالآراء وطرائق الفهْم، في كثير مِن المسائل الفرعية. والمدرسة الإمامية كغيرها مِن المدارس العقيدية الإسلامية، ينتظم بُنيتها العقيدية صِنفان مِن الفكر العقيدي: صِنف الأُصول والمسلّمات، كالتي ذكرناها آنفاً، وصِنف خضَع لتعدّد الرأي ووجْهات النظَر. فكما نرى للشيخ الصدوق مثلاً رأيه في تلك المسألة، نرى لآل نوبخت آراءهم، وللشيخ المفيد رأيه، ولنصير الدين الطوسي رأيه...

٦١

وهكذا فإنّ هناك أُصولاً تمثّل بُنية المذهب العقيديّة، وهناك آراء ووجْهات نظَر ومتبنّيات للعلماء والمتكلّمين والفلاسفة والعِرفانيين والمتصوّفة الإمامية؛ لذا فإنّ تلك الآراء تخضع للتمحيص العِلمي، ولا تمثّل جميعها الرأي المذهبي، بل تمثّل رأي مَن يذهب إليها ويتبنّاها.

وإنّ صحّة هذا الرأي أو ذاك خاضعة لمدى تطابقه مع الأصل الإسلامي، الذي جاء به الكتاب العزيز، أو بيّنتْه السُنّة المطهّرة، كما أشار أئمّة أهل البيت في مواضع كثيرةٍ مِن بياناتهم.

(إنّ المذهب الصحيح ما نزل به القرآن).

وكما ثبّتوا لتلامذتهم وأتباعهم مبدأ: (لا تجاوزوا ما في القرآن).

وثمّة مسألة حيويّة أُخرى تنبغي الإشارة إليها، وهي أنّ الاعتماد على العقل أو التأمّل الباطني دون الشرع، في فهْم العقيدة وتحديد رؤاها، مسألة يرفضها المنهج المذهبي في المدرسة الإمامية، كما أوضحنا ذلك في دراسة المنهج العقيدي الإمامي؛ لذا فإنّ كثيراً مِن البُنى العقلية المتطرّفـة، أو التأمّلات الباطنية التي أفرزتْها بعض الاتّجاهات والمناهج داخل المنهج والمدرسة الإمامية، لا تمثّل الرأي الإمامي، كرأيٍ يجب الاعتقاد به، كما يجب الاعتقاد بمسلّمات العقيدة.

وإذا كانت هذه ملاحظات على بعض المناهج وطرائق الفهْم وبعض حالات الاستنباط، فإنّ هناك ملاحظات منهجية ثبّتها علماء الحديث والرجـال، وهي وجوب التوثّق مِن الروايات والأحاديث والمناظرات، التي رُويَت عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، أو أئمّة أهل البيت [ عليهم السلام ] في المجال العقيدي، فإنّ هناك روايات مدسوسة وأُخرى ضعيفة في مجال العقيدة، وما ارتبط بها مِن مسائل وتفريعات، كما أشرنا إلى ذلك في بحث منهج قبول الحديث في المدرسة الإمامية؛ لذا فإنّ الأفكار العقيدية التي تُبنى على تلك الروايات، أفكار غير صحيحة وخارجة على المُتَبَنّى المذهبي في المدرسة الإمامية.

٦٢

وثمّة ملاحظةٍ عِلميةٍ أُخرى وهي: أنّ المتبنّى العقيدي يجب أن يكون معلومةً يقينيّةً؛ لذا فإنّ أخبار الآحاد، لا يمكن الاعتماد عليها في توليد فكرٍ عقيديٍّ؛ لأنّها طريق ظنّيٌّ إلى المعرفة.

٦٣

٦٤

الفصل الثالث

التوحيد

في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

٦٥

٦٦

تقديم

( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (1) .

( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ) (2) .

( قُل ادْعُواْ اللّهَ أَو ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) (3) .

( قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ... ) (4).

وأجاب الإمام الصادق (عليه السلام)على سؤالٍ مِن أحد أصحابه جاء فيه: (أنَّ قوماً بالعراق يصِفون الله بالصورة وبالتخطيط، فإن رأيتَ - جعلني الله فداك - أن تكتب إليَّ بالمذهب الصحيح مِن التوحيد؟ فكتب إليَّ: سألتَ (رحمك الله) عن التوحيد وما ذهب إليه مَن قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، تعالى عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله بخلْقه، المفترون على الله، فاعلم (رحمك الله) أنَّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن مِن صفات الله (عزّ وجلّ)، فانفِ عن الله تعالى البطلان والتشبيه، فلا نفيَ ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعدوا القرآن فتضلّوا بعد البيان) (5) .

____________________

(1) سورة الإخلاص: آية 1 - 4.

(2) سورة آل عمران: آية 18.

(3) سورة الإسراء: آية 110.

(4) سورة الرعد: آية 36.

(5) الكليني / الأصول مِن الكافي 1: 100.

٦٧

وعن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن آبائه، عن أبيهم عليّ بن أبي طالب، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (قال الله (جلّ جلاله): إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا، فاعبدني وأقِم الصلاة لذِكري، مَن جاء منكم بشهادة أن لا إله إلاّ الله بالإخلاص، دخل حِصني، ومَن دخل في حِصني أمِنَ عذابي) (1) .

التوحيد قاعدة الإسلام، وأساس الدِين، ومرتكز العقيدة في دعوات الأنبياء جميعاً: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (2) .

وعقيدة التوحيد هي الأصل الذي تتفرّع عنه العقائد والأفكار الإسلامية، وتبتني عليه البُنية الثقافية والحضارة ومنهج التفكير والسلوك الإنساني بأسْره.

فالإيمان بالوحي والنبوّة وبعالَم الآخِرة وبالقضاء والقدَر، وبالحلال والحرام وأداء العبادات وفعل الخير، كلّها قضايا ترتبط بالإيمان بالله، وبأنّه واحدٌ أحد خالق الخلْق، له الأسماء الحسنى، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو على كلّ شيءٍ قدير، متّصف بالكمال، منزّه عن الظلم والنقص والحاجة، مستحقّ وحده للطاعة والعبادة.

ولقد أوضح القرآن عقيدة التوحيد بأجلى صورها، وأدقّ معانيها، وبيّنها الهادي محمّد (صلّى الله عليه وآله) للبشرية بنقاء ويُسر، بعيداً عن التكلّف والتعقيد؛ لأنّها عقيدةُ الفطرة النقية، والمنطق السليم، والحسّ الوحداني الطليق، فخاطب القرآن العقول، وأثار في نفْس الإنسان الإحساس الوجداني العميق، والتأمّل الواسع في عالَم الوجود؛ ليستجلي آثار التوحيد، ويكتشف عظمة الخالق ومظاهر الصفات في نفْسه، وفيما حَوله..

وهكذا تلقّى جيلُ الدعوة النبوية عقيدته وأفكاره وآراءه ومشاعره، وطريقة تفكيره وسلوكه وعلاقته بالله، وفهْمه للكون والحياة.

____________________

(1) الشيخ الصدوق / التوحيد: ص 25.

(2) سورة الأنبياء: آية 25.

٦٨

وهكذا كان القرآن والبيان النبويّ هما مصدر الإلهام والفَهْم العقيدي، والتعريف بعقيدة التوحيد.

لذا رفَض علماء العقيدة الإمامية أن يوصَف الله سبحانه، أو يُسمّى بغير ما وصَف به نفْسه أو سمّاها في كتابه المجيد. وفي ذلك يوضّح المقداد السيوري قائلاً: (فإنّ صفاته تعالى وأسماءه توقيفية، لا يجوز لغيره التهجّم بها إلاّ بإذنٍ منه؛ لأنّه وإن كان جايزاً في نظر العقل، لكنّه ليس مِن الأدب، بجواز أن يكون غير جايز مِن جهةٍ لا نعلمها) (1) .

وازدادت المحنة شدّةً، والانحراف تبريراً، عندما لجأ كثير مِن أصحاب الفِرق والمعتقدات المنحرفة إلى التلاعب بمعاني القرآن وتفسير آياته، أو تأويلها بعيداً عن مراد الله سبحانه، ومحتوى الآية ودلالتها الحقّة؛ لإسناد آرائهم وتبرير انحرافهم، كما لجأت تلك الفِرق إلى وضْع الأحاديث والروايات ودسّها؛ لتعميق الانحراف وإضفاء الشرعية عليه..

وإلى جانب ذلك كان هناك الاتّجاه الخاطئ لفَهْم ظواهر القرآن ومعرفة المراد منها، فافرز أفكاراً ومعتقدات لا تنسجم وعقيدة التوحيد.

وفي خِضَم هذه المعركة الفكرية الصاخبة، مارس أئمّة أهل البيت وتلامذتهم دَورهم في بيان عقيدة التوحيد، والحفاظ على نقائها وأصالتها، فتبلوَر فهْمهم المدرسي المتميّز عن تلك الفِرق والمذاهب والآراء الاعتقادية.

وعند دراسة الاتّجاه والفهْم العقيدي في مدرسة التشيّع، نجده فهْماً قرآنياً قائماً على أساس الدعوة إلى الالتزام بالتوحيد القرآني، والردّ على كثيرٍ مِن الاتّجاهات الفلسفية والكلامية المنحرفة، والتفسيرات التي تلاعَب بها المنطق المنحرف والاندساس والتخريب.

____________________

(1) المقداد السيوري / شرح الباب الحادي عشر: ص 20.

٦٩

فقد نادى أئمّة التشيّع بالالتزام بالقرآن لفهْم المسائل العقيدية، كصفات الله تعالى، والقضاء والقدَر، والهدى والضلال، والجبر والاختيار، وغيرها مِن المسائل الأُخرى.

وإنّ استقراء الروايات والمفاهيم والمناظرات الواردة عن أئمّة التشيّع، توضّح فهْم هذه المدرسة لعقيدة التوحيد، وتجسّد نقاءها وأصالتها القرآنيـة؛ مِن هذه الروايات والمناظرات ما رواه محمّد بن حكيم، قال: (كتب أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى أبي: إنّ الله أعلى وأجلُّ وأعظم مِن أن يبلغ كُنْه صفته، فصِفوه بما وصَف به نفْسه، وكُفّوا عمّا سوى ذلك) (1) .

وعن الفضل قال: (سألت أبا الحسن عن شيءٍ مِن الصفة، فقال: لا تجاوزوا ما في القرآن) (2) .

وهكذا يتّضح أنّ فَهْم مدرسة التشيّع لعقيدة التوحيد، يبتني على أساس الالتزام بما جاء به القرآن، وأنّ مذهب التشيّع في التوحيد هو مذهب القرآن، كما جاء في قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن) (3) .

وإذا كانت هذه الدعوة دعوة التمسّك بالتوحيد القرآني قد فصلت بين الاتّجاه الإسلامي الصحيح، واتّجاه تيّارات الغزو الثقافي، التي تمثّلت بالاتّجاهات الفلسفية الوافدة، وحالات الشطَط الكلامي، ومناهج الجدَل، التي أفرزت أفكاراً وتفسيرات للعقيدة الإسلامية بعيدةً عن نقاء التوحيد، وانتهت في بعض تفسيراتها واتّجاهاتها إلى: الشكّ والزندقة والغُلوّ والحلول والاتّحاد والتشبيه والتجسيم والجَبْر

____________________

(1) الكليني / الأصول مِن الكافي 1: 102 / ح6 / (كتاب التوحيد).

(2) المصدر السابق.

(3) الشيخ الصدوق / التوحيد: ص 102.

٧٠

والتفويض... الخ.

فإنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) قد ثبّتوا الأُسس الصحيحة لفَهْم القرآن، وتوضيح معاني التوحيد الواردة في آياته؛ صيانةً لعقيدة التوحيد، وحفظاً لنقائها مِن التلاعب بمعاني القرآن، وإخضاع آياته لهوى العابثين والفهْم المنحرف، أو الجنوح للظاهرية أو الباطنية، أو الفهْم القاصر الذي يؤدّي إلى حمْل الآي القرآني على غير معناه.

ومَن يستقرئ ما ورَد عن أئمّة أهل البيت (أئمّة التشيّع) (عليهم السّلام) مِن تفسير للآيات المتشابهة (المُجملة)، التي اختلفت الآراء والتفسيرات فيها، واستنتاج المفاهيم العقيدية منها، يجد أنّ تفسير أئمّة أهل البيت لتلك الآيات يدور مدار التنزيه الكامل لله عن مشابهة الخلْق، وإثبات الكمال المطلَق له، ونفْيِ القبح عنه، متّخذاً الآيات المحكَمة والمرتكزات الأساسية - المُبَيَّنة في كتاب الله - محوراً وأساساً للتفسير، وتجليةً للمحتوى القرآني. فثبّتوا منهجاً للتفسير يقوم على أساس:

1 - تفسير القرآن بالقرآن والسنّة الذي حقّق الوحدة الموضوعية للفكر العقيدي، والربط بين مفاهيم الآيات التي تتحدّث عن موضوعٍ واحد، والنظر إليها كوحدة فكرية يُكمّل بعضها بعضاً؛ لأنّ الفهْم الجزئي في هذه الدراسة، هو تقطيع لمفاهيم القرآن، وتمزيق لمحتواه، وتكثيف لأجواء الغموض والانغلاق، التي تؤدّي إلى تضييق أفُق الفكر والمعرفة وإرباكه، وتساعد المغرضين على تحقيق مآربهم، وتمرير فهْمهم.

2 - تفسير القرآن وتأويل آياته بالعقل، الملتزم بالكتاب والسنّة، فقد ساهم التأويل الملتزم مساهمةً فعّالةً في كشف معاني الآيات، وبيان محتواها.

3 - تفسير القرآن عن طريق الفَهْم اللُغَوي، وفْق نظام اللغة، وما حوَت مِن

٧١

حقيقةٍ ومجاز، يُمكِّن الفهْم مِن تشخيص المعنى، واكتشاف المراد على الحقيقة أو المجاز.

وقد حقّق هذا المنهج التخلّص مِن مشكلتين خطيرتين، أحاطت بالمدارس العقيدية التي لمْ تتبنَّ هذا المنهج، وهما:

أ - التخلّص مِن ظاهرة تجميد دَور العقل والتوقّف عن الفَهْم العقلي والاستنباط، الذي دعا إليه الظاهريون.

ب - مشكلة تفسير القرآن وِفْق الرأي الشخصي، وجرّ معاني القرآن إلى المَيل المذهبي للمفسِّر، وتحميل القرآن بالتأويل ما لمْ يقصده (1) .

ولمّا كان القرآن الكريم قد تحدّث عن التوحيد وعن صفات الله وأسمائه المقدّسة، وخاطب الناس باللغة التي يفهمونها في عصر النزول؛ لذا لمْ يحدث لهم ارتباك في الفَهْم، أو اختلاف في التأويل إلاّ بشكلٍ محدود.

وعند حصول مثل هذا الاختلاف في الفهْم، فإنّ فيهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الذي يرفع الاختلاف والالتباس وسوء الفَهْم.

وبسبب تعدّد المناهج في فهْم القرآن والتفاوت في القدرات العِلمية، حدث الاختلاف في فهْمه وتأويل آياته، وبدأ ظهور المذاهب والآراء التي ابتعدت عن فهْم المحتوى القرآني، فأخطأت في التعامل مع ظاهره، أو التي لجأت إلى حمْل الظاهر وتأويله على ما لمْ يقصده.

وعند استقراء المدارس العقيدية التي ظهرت في المرحلة التي بدأت في النصف الثاني مِن القرن الأوّل الهجري، وما بعدها بسبب تلك الاتّجاهات والرؤى، نجد عدّة مدارس عقيدية حاولت تفسير العقيدة الإسلامية وفهْم مفرداتها، ومِن أبرز

____________________

(1) لجنة التأليف في مؤسّسة البلاغ / (سلسلة مفاهيم إسلامية) / الفكر الإسلامي 1: 34.

٧٢

هذه المدارس:

1 - مدرسة أهل الظاهر مِن المحدّثين والمفسّرين.

2 - مدرسة المعتزلة.

3 - مدرسة أهل البيت (مدرسة التشيّع).

4 - مدرسة الغُلاة.

5 - مدرسة الأشاعرة.

6 - مدرسة الفلاسفة المتأثّرين بالفلسفة اليونانية والهندية والفارسية وغيرها.

7 - مدرسة المتصوّفة وأهل الباطن والعرفان.

ونلاحظ آراء وآثار تلك المدارس متميّزة في كتُبهم ومدوّناتهم العقيدية، أو فيما دوّن المنصفون مِن كتّاب الفِرق، أو ما نراه واضحاً في التفسير المتأثّر بمدارسهم العقيدية، أو في الروايات الموضوعة التي حاول الوضّاع أن يؤيّدوا بها اتّجاهاتهم المذهبية.

وقد ثبّت أهل البيت (عليهم السلام) معالم مدرستهم، بما وضّحوه وبيّنوه للناس آنذاك، بالإضافة إلى ما حوَت مناقشاتهم لتلك الاتّجاهات والتفسيرات العقيدية، فتبلوَرت مِن خلال كلّ ذلك موارد الاختلاف، وظهرت (مدرسة التشيّع) في التوحيد مبنيّة على أساس القاعدة الكبرى، التي وضّحها الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) بقوله: (إنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن... ولا تعدوا القرآن، فتضلّوا بعد البيان).

٧٣

التوحيد القرآني في مدرسة التشيّع

بعد أن دخل المنهج الفلسفي إلى الفكر الإسلامي، ونشأ عِلم الكلام، وتعدّدت الفِرق الكلامية، وبرز المنهج الظاهري لتفسير القرآن، وثار الجدَل حَول صفات الله سبحانه، ففي خِضَم هذا الصراع حدّد أهل البيت (عليهم السلام) منهجهم العقيدي، وأظهروا معارفهم العقيدية، ونادوا بوجوب إثبات التوحيد لله كما وصف نفسه في كتابه المجيد؛ لذا أثبتوا التوحيد لله، ونفي الشِرك عنه؛ لينزّه الباري (جلّ شأنه) عن شِرك الذات والصفات والأفعال والعبادة، كالآتي:

1 - توحيد الله في ذاته.

2 - توحيد الله في صفاته.

3 - توحيد الله في أفعاله.

4 - توحيد الله في العبادة.

1 - توحيد الله في ذاته:

وقد اعتبرت مدرسة التشيّع أنّ توحيد الله في ذاته هو الأساس الذي تقوم عليه أبنية العقيدة، فالمسلم يؤمن أنّ الله واحد في ذاته، لا يشبهـه شيء، منزّه عن مشابهة الخلْق، لا يحيط به الفكر، ولا يحويه التفكير، وقد وصَف نفْسه سبحانه بقوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيـرُ ) (1) .

ويوضّح أئمّة أهل البيت معنى توحيد الله في ذاته بنصوصٍ وبياناتٍ ملأت كتُب الرواية والتفسير والعقائد، نذكر منها:

____________________

(1) سورة الشورى: آية 11.

٧٤

قول الإمام عليّ: (التوحيدُ ألاَّ تتوَهَّمَهُ، والعدْل ألاَّ تتَّهمَهُ) (1) .

وما ورد عن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهم السلام): (ما عَرَف الله مَن شبّهه بخلْقه...) (2) .

وقد ثبّت الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) الأساس التوحيدي؛ لحماية الفكر البشري مِن الشِرك بتحذيره مِن استخدام القياس في معرفة الله، على ما يحمل الفكر البشري مِن معانٍ وتصوّرات منتزعة مِن عالَم المخلوقات.

قال (عليه السلام): (إنّه مَن يصِف ربّه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس، مائلاً عن المنهاج، ظاعناً في الاعوجاج، ضالاًّ عن السبيل، قائلاً غير الجميل؛ أُعرِّفه بما عرَّف به نفْسه مِن غير رؤية، وأَصِفه بما وَصف به نفْسه مِن غير صورة، لا يُدرك بالحواسّ، ولا يُقاس بالناس، معروف بغير تشبيه، ومتدان مِن بُعده لا بنظير، لا يمثَّل بخليقته، ولا يجور في قضيّته...) (3) .

ويتحدّث الإمام الصادق (عليه السلام) عن توحيد الذات، فيُثبت التنزيه الخالص، والوحدانية المطلقة، وينفي ما التبس على أصحاب بعض الفِرَق والمذاهب العقيدية، وما اعترى تفكيرهم مِن سوء الفهْم للذات الإلهية المقدّسة.

فقد تأثّر مفهوم التوحيد لدى هؤلاء بفهْمهم البشري، وعجْزهم عن التجريد المطلق للذات الإلهية، فتصوّروا مفهوم التوحيد متأثّرين بالنظرة الحسّية والمادّية، فاعتقدوا أنّ لله جسماً وصورة، وأمثال ذلك مِن التصوّرات المادّية المجسّمة.

وقد اعتبر الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ تشبيه الله بخلْقه شِركٌ؛ لذلك

____________________

(1) نهْج البلاغة: ص 558 / ح 470.

(2) الشيخ الصدوق / التوحيد: 47.

(3) المصدر السابق.

٧٥

يقول: (مَن شبَّه الله بخلْقه فهو مُشرك، ومَن أنكر قدرته فهو كافر) (1) .

ولإيمان أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ ذات الله حقيقة أحديّة لا تدرك كُنْهها العقول، حذّروا مِن التفكّر في ذات الله، ودعوا إلى معرفة خلْقه، واستقراء آثار صفاته المتجلّية في عالَم الوجود؛ لتكون دليلاً على عظمته، وداعياً إلى توحيده؛ لذلك نجد الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) يحذّر مِن التفكّر في ذات الله، ويوجّه العقول إلى التفكّر في عظيم خلْقه سبحانه، فيقول:

(إيّاكم والتفكّر في الله، ولكنْ إذا أردتُم أن تنظروا إلى عظمته، فانظروا إلى عظيم خلْقه) (2).

ويقول في موردٍ آخَر:

(تكلّموا في خلْق الله، ولا تتكلّموا في الله، فإنّ الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلاّ تحيّراً) (3).

والإمام الصادق في هذا البيان والتوضيح العقيدي، إنّما يعبّر عن محتوى الآية الكريمة، ودلالتها المعبّرة عن هذه الحقيقة:

( ... وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) (4).

2 - توحيد الله في صفاته:

لقد بحث علماء الكلام وأئمّة الفِرَق والمفسّرون والفلاسفة وأصحاب المذاهب هذه المسألة العقيدية الخطيرة، بحثاً معمّقاً وطويلاً، فتشعّبت الآراء

____________________

(1) المصدر السابق: ص 76.

(2) الكليني / الأصول مِن الكافي 1: 93.

(3) المصدر السابق: ص 92.

(4) سورة الرعد: آية 13.

٧٦

والاتّجاهات، في فهْم وتفسير صفات الله سبحانه، مِن هذه الآراء، آراء الشيعة الإمامية، والمعتزلة، والأشاعرة، والفلاسفة، والكرامية، وغيرهم.

وكانت أهمّ المسائل التي بُحثت في هذا المجال هي: هل صفات الله سبحانه، كالعِلم والقدرة هي عين ذاته، أو هي زائدة على ذاته. فهل هو عالِمٌ بعِلم، وقادرٌ بقدرة، وحيّ بحياة، أو لا؟.

قد أوضح الشيعة الإمامية رأيهم في هذه المسألة، وتحدّد هذا الرأي في: أنّ صفات الله مِن العِلم والقدرة والحياة، هي عين ذاته، فلا نفي لصفاته، ولا تشبيه بخلْقه، وفْق ما حدّده الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) بقوله: (إنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن مِن صفات الله (عزّ وجلّ)، فانفِ عن الله تعالى البطلان والتشبيه، فلا نفيٍ ولا تشبيه).

روى الحسين بن خالد، قال: (سمعت عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) يقول: لمْ يزل الله تبارك وتعالى عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً، فقلت له: يا ابن رسول الله، إنّ قوماً يقولون: إنّه (عزّ وجلّ) لمْ يزل عالِماً بعِلم، وقادراً بقدرة، وحيّاً بحياة، وقديماً بقِدَم، وسميعاً بسمْع، وبصيراً ببصَر.

فقال (عليه السلام): مَن قال ذلك ودان به، فقد اتّخذ مع الله آلهةً أُخرى، وليس مِن ولايتنا على شيء، ثمّ قال (عليه السلام): لمْ يزل (عزّ وجلّ) عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً لذاته، تعالى عمّا يقول المشركون والمشبّهون عُلوّاً كبيراً) (1) .

وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: (مِن صفة القديم أنّه واحد، أحد، صمد، أحديُّ المعنى، وليس بمعانٍ كثيرةٍ، مختلفةٍ، قال: قلت: جعلت فداك، يزعم قوم مِن أهل العراق أنّه يسمع بغير الذي يُبصر، ويُبصر

____________________

(1) الشيخ الصدوق / التوحيد: ص 140.

٧٧

بغير الذي يسمع، قال: فقال: كذبوا وألحدوا وشبّهوا: تعالى الله عن ذلك، إنّه سميع بصير، يسمع بما يُبصر، ويُبصر بما يسمع، قال: قلت: يزعمون أنّه بصير على ما يعقلونه، قال: فقال: تعالى الله، إنّما يعقل ما كان بصِفة المخلوقين، وليس الله كذلك) (1) .

تقسيم الصفات:

استفادةً ممّا تتّصف به الذات الإلهية، وما يصدر عنها مِن آثار نشاهدها في عالَم الإمكان، ولبيان الفكر التوحيدي، ذهبت منهجية الدراسات العقيدية الإمامية إلى تقسيم الصفات الإلهية إلى قسمين:

1 - الصفات الثبوتية الكمالية (الجمالية) التي تُثبت له الكمال: كالعِلم والقدرة والإرادة والحياة وغيرها مِن الصفات، التي وصف الله بها نفْسه في كتابه المجيد، ولا يصحّ سلبها عنه سبحانه.

2 - الصفات السلبية، أو الصفات الجلالية: وهي كلّ صفةٍ لا تصحّ نسبتها إلى الله سبحانه، ويجب تنزيهه عنها لوجوب وجوده؛ ولأنّها صفات نقصٍ يتّصف بها عالَم الممكنات، وقد دخل الفكر الإمامي في جدَلٍ وخصامٍ دار حوْل صحّة نسبة بعض هذه الصفات إلى الله سبحانه، مع بعض الفِرَق الإسلامية، كالظاهرية والمجسّمة والقدْريّة والحشوية... الخ.

ولعلّ منشأ الخلاف كما يرى الشيعة الإمامية، هو خطأ المنهج وطريقة التعامل مع النصّ القرآني عند الآخَرين، وعدم فهْم المعنى علـى حقيقتـه؛ لذا نادت بضرورة تنقية التفكير العقيدي مِن الفهْم الذاتي البشري، وتوسّط ذلك الفهْم، أو القياس عليه، عند فهْم الصفات الإلهية.

فإنّ الفهْم الإنساني يميل بطبيعته إلى قياس الأشياء بعضها على بعض، دون أن

____________________

(1) المصدر السابق: ص 144.

٧٨

يلاحَظ الفارق في القياس في كثيرٍ مِن الأحيان، خصوصاً عندما يستعمل اللفظ ذاته للتعريف بتلك المعاني.

وانطلاقاً مِن ذلك فهِمَت مدرسة أهل البيت التوحيد على أساس التنسيق: بين دلالات الآيات بالتأويل، والفهْم العقلي الملتزم. وحمل الخطاب القرآني في كثيرٍ مِن موارده على أساس المجاز، كاليد والكرسي والاستواء والعرش والغضب والأسف والحبّ، وغيرها مِن الصفات التي وصَف الله بها نفْسه.

فإنّ هذا المنهج هو المنهج السليم لفهْم النصّ القرآني، الذي تحدّث عن صفات الله سبحانه.

وقد تحدّثت مئات الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، في بيان صفات الله وأفعاله، ونفي ما لا يصحّ نسبته إليه مِن الصفات.

كما تناولت الدراسات الكلامية التي استخدمت لغةَ المنطق والحوار العقلي، والتي قام بها علماء التوحيد والعقيدة مِن أساطين الفكر والمعرفة في مدرسة أئمّة أهل البيت؛ لتجلية هذه المعاني، وتثبيت الأُصول العقيدية في كتُبهم ودراساتهم، التي دارت حوْل نفي ما يُنافي التنزيه والكمال مِن الصفات عنه سبحانه، عند الحوار والردّ على أصحاب الفِرَق والآراء المنحرفة، أو المخالفة للاتّجاه المستنير في فهْم أهل البيت التوحيدي، نذكر مِن تلك النصوص ما سجّله العلاّمة الحلّي في هذا الموضوع، قال متحدّثاً عن الصفات السلبية:

الصفة الأُولى: أنّه تعالى ليس بمركّب، وإلاّ لافتقر إلى أجزائه، والمفتقر ممكن.

الصفة الثانية: أنّه تعالى ليس بجسم، ولا عَرَض، ولا جوهر، وإلاّ لافتقر إلى المكان، ولامتنع انفكاكه مِن الحوادث، فيكون حادثاً، وهو محال.

٧٩

وعلّق الفاضل المقداد، وهو الشارح لمَتْن الكتاب، قائلاً: (خلافاً للمجسّمة).

ثمّ قال العلاّمة: (ولا يجوز أن يكون في محلّ، وإلاّ لافتقر إليه، ولا في جهةٍ، وإلاّ لافتقر إليها)، وكما ينزّه العلاّمة الحلّي والشارح، الباري جلّ شأنه عن هذه الصفة في هذا الكتاب معبّرين عن اعتقاد الإمامية في ذلك، فإنّ العلاّمة الحلّي يؤكّد تنزيه الله عن الحلول في أيٍّ مِن الخلْـق، عند شرحه لكتاب تجريد الاعتقاد لنصير الدِين الطوسي، إذ يقول - معقّباً على قول نصير الدِين الطوسي، الذي نصّه: أنّه تعالى ليس بحالٍّ في غيره ـ: (فإنّ وجوب الوجود يقتضي كونه تعالى ليس حالاًّ في غيره، وهذا حُكمٌ متّفق عليه بين أكثر العقلاء.

وخالَف فيه بعض النصارى القائلين: بأنّه تعالى حالٌّ في المسيح، وبعض الصوفية القائلين: بأنّه تعالى حالٌّ في بدَن العارفين، وهذا المذهب لا شكّ في سخافته) (1) .

الصفة الثالثة: قال العلاّمة الحلّي: (ولا يصحّ عليه اللذّة والألم؛ لامتناع المزاج عليه تعالى) (2) .

الصفة الرابعة: (ولا يتّحد بغيره؛ لامتناع الاتّحاد مطلقاً) (3) .

ثمّ علّق الشارح المقداد قائلاً: (فقد قال بعض النصارى: إنّه اتّحد بالمسيح، فإنّهم قالوا اتّحدت لاهوتيّة الباري مع ناسوتيّة عيسى (عليه السلام)، وقالت،

____________________

(1) العلاّمة الحلّي / كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / المقصد الثالث (الفصل الثاني): ص 293 مسألة (13).

(2) المقداد السيوري / شرح الباب الحادي عشر: ص 36.

(3) المصدر السابق: ص 37.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390