سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 83558
تحميل: 5245

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83558 / تحميل: 5245
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٣ - باب ( إنَّ الله ورسوله قد أحلاَّ مُتعة النساء وقد حرَّمها عمر )(*) .

المؤلِّف : أمّا معنى مُتعة النساء بنحو الاختصار، فهي النكاح المؤجَّل إلى وقت مُعيَّن، مِن شهر أو شهرين ونحوهما، ولا أجل في النكاح الدائم أبداً. ويُعتبر في المُتعة تعيين المَهر أيضاً، ولا يُعتبر ذلك في النكاح الدائم أصلاً.

فإذا قالت المرأة للرجل في النكاح الدائم :

زوَّجتك نفسي.

وقال الرجل: قَبِلت .

صَحَّ وكفى، بخلاف الثاني ؛ فلا يَصحُّ. ولا يكفي ما لم تقُل المرأة زوَّجتك نفسي شهراً - مَثلاً - بدينارين - مَثلاً -.

وكلُّ مِن النكاحين مِمَّا له عِدَّة إذا دخل بها.

فعِدَّة الدائم ثلاثة أقراء، وعِدَّة المُتعة قِرءان، أيْ : حيضتان.

وفي بعض الأخبار الآتية : حَيضة واحدة، ولا عِبرة به عند الإماميَّة.

وأمَّا تحليل الله تبارك وتعالى لمُتعة النساء، فهو قوله :

____________________

(*) فيه : إحدى وعشرون حديثاً.

١٢١

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) سورة النساء : ٢٤.

فإنَّ المُراد به نكاح المُتعة، كما عن ابن عباس، والسدي، وسعيد بن جبير، وجماعة مِن التابعين، ، وهو مذهب أصحابنا الإماميَّة ( رضوان الله عليهم جميعاً ).

وقيل : إنَّ المُراد به نكاح الدائم، وليس بشيء.

ويَشهد للأوَّل ما ذكره الحافظ، جلال الدين السيوطي في الدُّرِّ المنثور، في تفسير قوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )

قال :

وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، مِن طريق عطاء، عن ابن عباس :

قال : يرحم الله عمر ؛ ما كانت المُتعة إلاَّ رحمة مِن الله، رَحِم بها أُمَّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلاَّ شقيٌّ

قال : وهي التي في سورة النساء( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) ، إلى كذا وكذا مِن الأجل، على كذا وكذا، يعني : على كذا وكذا مِن المهر

قال : وليس بينهما وراثة، ( الحديث ).

ويؤيَّده ما روي عن جماعة مِن الصحابة منهم : أُبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وسعيد بن جبير، أنَّهم قرأوا :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلِى أَجَلٍ مُّسَمَّىفَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ، وهذا صريح في أنَّ المُراد مِن الآية، هو نكاح المُتعة، أيْ المؤجَّل إلى وقت مُعيَّن.

وقد حُكي عن الثعلبي في تفسيره، أنَّه روى عن حبيب بن أبي ثابت، قال : أعطاني ابن عباس مُصحفاً فقال: هذا على قراءة أُبيّ، فرأيت في هذا المصحف :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلِى أَجَلٍ مُّسَمَّى) .

وحُكي عنه أيضاً، أنَّه روى بإسناده عن أبي نضرة، قال : سألت ابن عباس عن المُتعة ؛ فقال: أما تَقرأ سورة النساء ؟!

فقلت : بلى.

فقال : فما تقرأ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلِى أَجَلٍ مُّسَمَّى ) ؟!

قلت : لا أقرؤها هكذا.

قال ابن عباس : والله هكذا أنزلها الله تعالى ثلاث مَرَّات.

١٢٢

وأمَّا تحليل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمُتعة النساء، وتحريم عمر لها، فقد ورد في هذا المعنى روايات مُتواترة، وهذا ما ظفرتُ عليه على العُجالة مِن الأخبار الواردة في ذلك :

١ - روى البخاري بسنده، عن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، قالا :

كنَّا في جيش، فأتانا رسول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ( إنَّه قد أُذِن لكم أنْ تستمتعوا )(١) .

٢ - روى البخاري بسنده، عن أبي سعيد الخدري، في غزوة بني المُصطلق أنَّهم أصابوا سبايا، فأرادوا أنْ يستمتعوا ولا يحملن فسألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن العزل، فقال : ( ما عليكم أنْ لا تفعلوا، فإن الله قد كتب مَن هو خالق إلى يوم القيامة )(٢) .

٣ - روى مسلم بسنده، عن عطاء قال : قَدِم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء. ثمَّ ذكروا المُتعة

فقال نعم :استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر (٣) .

٤ - وروى مسلم بطُرق عديدة، عن إسماعيل، عن قيس قال : سمعت عبد الله يقول :كنَّا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،ليس لنا نساء .

فقلنا :ألا نستخصي ؛ فنهانا عن ذلك. ثمَّ رخَّص لنا أنْ ننكح المرأة بالثوب إلى أجلٍ .

ثمَّ قرأ عبد الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ

____________________

(١) صحيح البخاري بحاشية السندي : ٣/٢٤٦، كتاب النكاح، باب نهي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن نكاح المُتعة. صحيح مسلم : ٢/١٠٢٢ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، كتاب النكاح، باب نكاح المُتعة بطريقين، مُسند الإمام أحمد بن حنبل: ٤/٤٧ - ٥١، شرح معاني الآثار : ٣/٢٤ - ٢٥ باب نكاح المُتعة، تحقيق محمد زهري النجار، رواه باختلاف في اللفظ.

(٢) صحيح البخاري بحاشية السندي : ٤/٢٧٨ كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى :( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) ، وفي ٣/٣٧ كتاب المغازي، باب غزوة بني المُصطلق مِن خزاعة، رواه البخاري بسنده عن ابن مُحيريز، عن أبي سعيد الخدري مع اختلاف في اللفظ.

(٣) صحيح مسلم : ٢/١٠٢٢ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

١٢٣

الْمُعْتَدِينَ ) (١) (٢) .

٥ - روى مسلم بسنده، عن أبي الزبير قال :

سمعت جابر بن عبد الله يقول :كنا نستمتع بالقبضة مِن التمر والدقيق الأيَّام، على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر، حتَّى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث (٣) .

٦ - روى مسلم بطريقين، عن بيزانة قال :

دخلت أنا وأبو الصرمة على أبي سعيد الخدري، فسأله أبو الصرمة، فقال :يا أبا سعيد، هل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر العَزل ؟

فقال : نعم، غزونا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غزوةً بالمصطلق، فسبينا كرائم العرب، فطالت علينا العُزبة، ورغبنا في الفداء ؛ فأردنا أنْ نستمتع ونَعزل ؛ فقلنا : نفعل ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرنا لا نسأله، فسألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال : ( لا عليكم أنْ لا تفعلوا، ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة ألا ستكون )(٤) .

٧ - روى الإمام أحمد بن حنبل، بسنده عن عبد الرحمان بن نعم أو نعيم، قال :

سأل رجل ابن عمر عن المُتعة وأنا عنده - مُتعة النساء - فقال والله ما كنَّا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زانين ولا مُسافحين.

ورواه في ص١٠٣ أيضاً بطريق آخر، وقال فيه :

فغضب - يعني ابن عمر - وقال : ما كنَّا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زنَّائين ولا

____________________

(١) صحيح مسلم : ٢/١٠٢٢ باب نكاح المُتعة. السُّنَن الكبرى للبيهقى : ٧/٢٠٠ - ٢٠١، باب نكاح المُتعة، رواه بأربعة طُرق. شرح معاني الآثار : ٣/٢٤ - ٢٥ باب نكاح المُتعة. مُسند الإمام الشافعي ص١٦٢ - ٢٨٦ط دار الكتب العلمية بيروت، قال :رخَّص لنا أنْ ننكح إلى أجلٍ بالشيء.

(٢) المائدة : ٨٧.

(٣) صحيح مسلم : ٢/١٠٢٢ رقم الحديث ١٦. تهذيب التهذيب لابن حجر : ١٠/٣٧١. السُّنَن الكبرى البيهقي : ٧/٢٣٧، باب ما يجوز أنْ يكون مَهراً بطريقين. كنز العمَّال : ٨/٢٩٤ط حيدر آباد - الهند، قال في آخره :وكنَّا نعتدُّ مِن المُستمتع منهنَّ بحيضة . وقال: أخرجه عبد الرزَّاق.

(٤) صحيح مسلم : ٢/١٠٦١ باب حكم العَزل عن أبي محيريز أنَّه قال : دخلت انا وأبو صرمة إلخ

١٢٤

مُسافحين (١) .

٨ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن أبي سعيد الخدري، قال :كنَّا نتمتَّع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالثوب (٢) .

٩ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن جابر بن عبد الله، قال :كنَّا نتمتَّع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر، حتَّى نهانا عمر أخيراً، يعني : مُتعة النساء (٣) .

١٠ - روى أبو داود الطيالسي بسنده، عن مسلم القرشي، قال :دخلنا على أسماء بنت أبي بكر، فسألناها عن مُتعة النساء، فقالت : فعلناها على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) .

١١ - روى الطحاوي بسنده، عن سعيد بن جبير، قال :سمعت عبد الله بن الزبير يخطُب، وهو يُعرِّض بابن عباس يُعيب عليه قوله في المُتعة .

فقال ابن عباس :يسأل أُمَّه إنْ كان صادقاً ؛ فسألها .

فقالت :صدق ابن عباس، قد كان ذلك .

فقال ابن عباس :لو شئت لسمَّيت رجالاً مِن قريش ولدوا فيها - يعني في المُتعة -(٥)(*) .

١٢ - روى الطحاوي بسنده، عن عطاء، عن ابن عباس، قال : ما كانت المُتعة إلاّ رحمةً

____________________

(١) المُسند : ٣/٩٥.

(٢) المُسند : ٣/٢٢.

(٣) المصدر نفسه : ٣/٣٠٤.

(٤) مُسند أبي داود الطيالسي : ٧/٢١٧.

(٥) شرح معاني الآثار : ٣/٢٤، تحقيق الشيخ محمد زهري النّجار.

(*) -الرضوي : وقال البيهقي : فأبى ابن عباس أنْ ينتكل عن ذلك، حتَّى طفق بعض الشعراء يقول :

أقول للشيخ لمّا طال مجلسه

يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس

هل لك في ناعم خود مبتَّلة

تكون مَثواك حتَّى مصدر الناس

السُّنن الكبرى : ٧/٢٠٥.

١٢٥

رَحِم الله بها هذه الأُمَّة، ولولا نهي عمر بن الخطاب عنها ؛ ما زنى إلاَّ شَقيٌّ.

قال عطاء :كأنِّي أسمعها مِن ابن عباس - إلاّ شَقيّ -(١) .

١٣ - روى الطحاوي بسنده، عن عطاء عن جابر :أنَّهم كانوا يتمتَّعون مِن النساء، حتَّى نهاهم عمر .

ورواه ابن جرير أيضاً، على ما ذكره المُتَّقي في كنز العمَّال ٨/٢٩٣ط، الهند(٢) .

١٤ - ابن حجر العسقلاني، قال : قال عمر ابن شبه :واستمتع سلمة بن أُميَّة مِن سلمى، مولاة حكيم ابن أُميَّة بن الأوقص الأسلمي، فولدت له فجَحد ولدها .

قال ابن حجر : قلت : وذكر ابن الكلبي، وزاد، فبلغ ذلك عمر ؛ فنهى عن المُتعة(٣) .

قال : وروي أيضاً، أنَّ سلمة استمتع بامرأة ؛ فبلغ عمر فتوعَّده.

وقال ابن حزم في المُحلّى :ثبت على تحليل المُتعة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن الصحابة ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، وسلمة، ومغيرة ابنا أُميَّة بن خلف .

قال : وذكر آخرين ( انتهى ).

وقال في ٣/١٣٣ : روى ابن منده - إلى أنْ قال - عن سليمان بن سمير، عن أبيه قال :كنَّا نتمتَّع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) .

وقال أيضاً - في ترجمة سلمى - : إنَّه ذكر هشام الكلبي، في كتاب المثالب أنَّ سلمة بن أُميَّة بن خلف استمتع منها - يعني مِن سلمة - ؛ فولدت له، ثمَّ جحده، فبلغ ذلك عمر ؛ فنهى عن المُتعة(٥) .

١٥ - روى المُتَّقي، عن سليمان بن يسار، عن أم عبد الله ابنة أبي خيثمة : أنَّ رجُلاً قَدِم مِن

____________________

(١) المصدر نفسه : ٣/ ٢٦.

(٢) المصدر نفسه : ٣/٢٦.

(٣) الإصابة في تمييز الصحابة : ٤/٣٣٣ط كلكتا - الهند.

(٤) الإصابة : ط كلكتا : الهند.

(٥) الإصابة : ٤ قسم ١/٣٣٣ط أوَّل بمصر عام ١٣٢٨ ه-.

١٢٦

الشام، فنزل عليها، فقال : إنَّ العُزبة قد اشتدَّت عليَّ ؛ فابغيني امرأة أتمتَّع معها. قالت : فدللته على امرأة، فشارطها، وأشهدوا على ذلك عدولاً، فمكث معها ما شاء الله أنْ يَمكث.

ثمَّ إنَّه خرج، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إليَّ فسألني أحقٌّ ما حُدِّثت ؟

قلت :نعم . قال :فإذا قَدِم فآذنيني به، فلمَّا قَدِم أخبرته ؛ فأرسل إليه . فقال :ما حملكَ على الذي فعلته ؟ قال :فعلتُه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،ثمَّ لم ينهنا عنه حتَّى قبضه الله.

ثمَّ مع أبي بكر، فلم يَنهَ عنه حتَّى قبضه الله. ثمَّ معك، فلم تُحدِّث لنا فيه نَهياً.

فقال عمر :أمْا والذي نفسي بيده، لو كنتُ تقدَّمتُ في نهي لرجمتك بينواً (١) ،حتَّى يُعرَف النكاح مِن السفاح . قال : أخرجه ابن جرير(٢) .

١٦ - الفخر الرازي، في تفسيره الكبير، في سورة النساء، في ذيل تفسير قوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ، قال : وروى محمد بن جرير الطبري، في تفسيره، عن علي بن أبي طالب، أنَّه قال :لولا أنَّ عمر نهى الناس عن المُتعة ؛ ما زنى إلاَّ شَقيٌّ (٣) (*) .

____________________

(١) هكذا وجدتها، ولكنَّ الصحيح لعلَّه هكذا ( بِتَّواً )، بتقديم الباء وتشديد التاء، من البتِّ، أيْ : القطع، فالبيع الباتُّ، أيْ : القطعي الذي لا خيار ولا عود فيه -المؤلف -.

(٢) كنز العمَّال : ٨/٢٩٤، ط. حيدر آباد - الهند.

(٣) مفاتيح الغيب : ١٠/٥١ط دار الفكر بيروت.

(*)الرضوي : وقال : الأُستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد : وأجاز القرآن المُتعة بالنساء المُحدَّدة بوقت، باتِّفاق الرجُل والمرأة، لقاء أجر( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) . وكان ابن عباس، وأُبيّ بن كعب يَقرآن هذه الآية كما يلي :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) . وكان الأجر على الأغلب ضئيلاً، كما ذكر جابر بن عبد الله الصّحابي، قال :كنَّا نستمتع بالقبضة مِن التمرة والدقيق ليالياً، على عهد رسول الله، وأبي بكر . ولم تُنسخ هذه الآية بآية ثانية، بلْ أبطل عمر بعد العمل بها ؛ لأنَّ بعض العرب - على قول ابن الكلبي - استمتعوا بنساءٍ ؛ فولدن لهم أولاداً ؛ فجحدوا الأولاد، ولكنَّ ظلَّ ابن عباس، وطائفة مِن الصحابة يقولون : بإباحتها للضرورة، واتَّبع الناس قول ابن عباس، وسارت فُتياه في الآفاق، حتَّى دخلت في الشعر :

قد قلت للشيخ لمَّا طال مجلسه

يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس

هل لك في رخصةٍ الأطراف آنسةً

تكون مثواك حتَّى مصدر الناس

وسار بعض التابعين فيما بعد، على الترخيص في المُتعة. وكان أحد الأعلام الثقاة، وفقيه أهل مَكَّة في زمانه، تزوَّج نحواً من تسعين امرأة نكاح المُتعة. وكان يرى الرُّخصة في ذلك. ولا شكَّ أنَّ المُتعة الحلال، باتِّفاق المرأة والرَّجل، قد يَسَّرت على الرجال، وخلَّصتهم مِن كثير مِن العُسر. فقد رُخِّص بالمُتعة للمُضطر ؛ للحاجة إلى المرأة في الغزو، أو لعدم استطاعته الزواج في الحَضر ؛ لأنَّ قيودها أخفُّ مِن قيود الزواج ؛ فهي تكون إلى أجلٍ مُسمَّى. وهي لا توجِب الميراث.

الحياة الجنسيَّة عند العرب، ص١٩ط بيروت. السُّنَن الكبرى للبيهقى : ٧/٢٠٥.

١٢٧

١٧ - روى الإمام الشافعي بسنده، عن عروة :أنَّ خولة بنت حكيم، دخلتْ على عمر بن الخطاب فقالت : إنَّ ربيعة بن أُميَّة استمتع بامرأة ؛ فحملت منه، فخرج عمر يَجرُّ رِداءه فَزْعَاً، فقال :

هذه المُتعة، ولو كنت تقدَّمت فيه لرجمت (١) .

١٨ - روى مسلم بسنده، عن أبي نضرة قال :كنتُ عند جابر بن عبد الله، فأتاه آتٍ، فقال : إنَّ ابن عباس، وابن الزبير اختلفا في المُتعتين - يعني مُتعتي الحَجِّ والنساء - فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،ثمّ نهانا عنهما عمر. فلم نَعد لهما (٢) .

ورواه أحمد بن حنبل أيضاً، في مُسنده ١/٥٢ باختلاف في اللفظ، وفي ٣/٣٢٥ - ٣٢٦ باختصار.

____________________

(١) مُسند الإمام الشافعي : ص ١٣٢ ط آگره - الهند، السُّنَن الكبرى للبيهقي : ٧/٢٠٦.

(٢) صحيح مسلم : ٢/١٠٢٣، كتاب النكاح تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

١٢٨

ورواه الطحاوي أيضاً، في شرح معاني الآثار ٢/١٤٢، في كتاب مناسك الحَجِّ، باب ما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به مُحرِما في حَجَّة الوداع : باختصار.

ورواه المُتَّقي أيضاً، في كنز العمَّال ٨/٢٩٤ ط حيدر آباد - الهند، وقال :

أخرجه ابن جرير وفي ص٢٩٣ باختصار.

١٩ - روى أبو داود الطيالسي، عن أبي نضرة، يقول : قلت لجابر بن عبد الله :إِنَّ ابن الزبير ينهى عن المُتعة، وإنَّ ابن عباس يأمر بها .

قال جابر - على يدي دار الحديث - :تمتَّعنا على عهد رسول الله، فلمَّا كان عمر بن الخطاب - وساق الحديث إلى أن قال - فافصلوا حَجَّكم مِن عُمرتكم وأبتُّوا نكاح هذه النساء ؛ فلا أوتى برجُل تزوَّج امرأة إلى أجلٍ إلاّ رجمته (١) .

ورواه البيهقي أيضاً في سُننه ٥/٢١، وفي ٧/٢٠٦، وفيه مِن قول عمر :كانتا مُتعتان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وأنا أنهى عنهما، وأُعاقب عليهما، أحديهما مُتعة النساء، ولا أقدر على رجُل تزوَّج امرأة إلى أجل، إلاَّ غيَّبته بالحجارة، والأُخرى مُتعة الحَجِّ . إلخ.

وذكره المُتَّقي أيضاً في كنز العمَّال ٧/٢٩٤ط حيدر آباد - الهند، وفيه قول عمر :

فأتمُّوا الحَجَّ والعُمرة، كما أمركم الله، وأتمّوا نكاح هذه النساء، فلا أوتى برجل تزوَّج امرأة إلى أجل، إلاّ رجمته بالحجارة .

قال : أخرجه ابن جرير.

٢٠ - المُتَّقي الهندي، عن جابر قال :

تمتَّعنا مُتعة الحَجِّ ومُتعة النساء، على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،فلمَّا كان عمر نهانا.

قال أخرجه ابن جرير(٢) .

٢١ - روى الطحاوي بسنده، عن ابن عمر قال:

____________________

(١) مُسند أبي داود الطيالسي : ٨/٢٤٧.

(٢) كنز العمَّال : ٨/٢٩٣ط حيدر آباد - الهند.

١٢٩

قال عمر :مُتعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،أنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما : مُتعة النساء، ومُتعة الحَجِّ (١) .

المؤلِّف : ثمَّ إنَّك إذا تأمَّلت ما في هذا الباب تماماً، وعرفت أنَّ الله ورسوله قد أحلاّ مُتعة النساء، وحرَّمها عمر؛ علمت أنَّ عمر في تحريمه مُتعة النساء، قد حَكم بغير ما أنزل الله، وقال في دين الله برأيه.

وقد تقدَّم في آخر الباب السابق، قول الله تبارك وتعالى :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) .

وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن قال في ديننا برأيه فاقتلوه ) ؛ فصار نتيجة هذا الباب كالباب السابق عيناً مِن أوَّله إلى آخره.

* * *

____________________

(١) شرح معاني الآثار : ٢/١٤٦ كتاب مناسك الحَجِّ، وذكر المؤلِّف عن أبي قلابة، وقال فيه :أنا أنهى عنهما وأضرب فيهما. وقال : أخرجه ابن جرير وابن عساكر، كنز العمَّال : ٨/٢٩٣ط حيدر آباد - الهند.

وقال : أخرجه أبو صالح كاتب اللّيث.

الرّضوي : لم نعثر على حديث أبي قلابة في مناسك الحَجِّ، في الطبعة التي عندنا.

١٣٠

٤ - باب ( في بِدعة عمر في الطلاق الثلاث )(*) .

المؤلِّف : توضيح ما في هذا الباب بنحو الاختصار.

إِنَّ الطلاق الثلاث في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبي بكر، وشيء مِن زمن عمر كان يُعدُّ بواحدة ؛ فإذا قال الزوج : أنتِ طالق ثلاثاً، أو أنتِ طالق ؛ كان يُحسب ذلك طلاقاً واحداً ؛ فإذا رجع إليها الزوج في العِدَّة، أو عقد عليها بعد العِدَّة حلَّت له، مِن غير حاجة إلى مُحلِّل لها، بأنْ تَنكح زوجاً آخر ويُواقعها ويُطلِّقها.

نعم، إنَّ الزوج إذا طلَّقها، أو رجع إليها في العِدَّة، أو عقد عليها بعد العِدَّة، ثمَّ طلَّقها ثانياً، ثمَّ رجع إليها في العِدَّة.

أو عقد عليها بعد العِدَّة، ثم طلَّقها ثالثاً ؛ فعند ذلك لا يجوز للزوج الرجوع إليها في العدة، ولا العقد عليها بعد العِدَّة، حتَّى تنكح زوجاً غيره، كما في الآية الكريمة، ويواقعها

____________________

(*) فيه أربعة أحاديث.

١٣١

ويُطلِّقها، وتنقضي عدَّتها ؛ فعند ذلك تَحلُّ لزوجها الأوَّل، بمعنى أنَّه إنْ شاء عقد عليها وتزوَّجها.

فعمر بن الخطاب، لمّا رأى في أيام إمارته أنَّ الناس قد أكثروا في الطلاق الثلاث، بمعنى أنَّهم يُطلِّقون أزواجهم بهذا القول أنت طالق ثلاثاً ؛ أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق ؛ عَدَّ ذلك القول طلاقاً ثلاثاً، فلم يَسمح لهم الرجوع إليها في العِدَّة، ولا العقد عليها بعد العِدَّة، حتَّى تنكح زوجاً غيره.

كلُّ ذلك برأيه ونظره ؛ فأبدى رأياً في قِبال رأي الله تعالى ورسوله، وتظهر الثمرة بين الرأيين، فيما إذا طلَّق زوجته بقوله : أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ثمَّ رجع إليها في العِدَّة، أو عقد عليها بعد العِدَّة.

فحَسَب حُكم الله تعالى ورسوله، أنَّها زوجته وهو بَعلها.

وحَسَب حُكم عمر، أنَّها ليست زوجته، ولا هو بَعلها، حتَّى تنكح زوجاً غيره.

فإذا فرض أنَّها قد تزوَّجت بآخر - والحالة هذه - ودخل بها.

فبحَسَب حُكم الله تعالى ورسوله، قد حَرُمت على الثاني مؤبَّداً ؛ لأنَّه قد تزوَّج بذات بَعل، وقد دخل بها.

وبحَسَب حُكم عمر هي حلال له حرام على الأوَّل.

هذا كلُّه توضيح ما في هذا الباب بنحو الاختصار.

وأمَّا الأخبار الواردة في هذا المعنى، أيْ : في إمضاء عمر بن الخطاب الطلاق الثلاث، المعدود واحدة، طلاقاً ثلاثاً عليهم، فهذا تفصيل ما ظفرت عليه على العُجالة.

١ - روى مسلم بسنده، عن ابن عباس، قال :كان الطلاق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وأبي بكر، وسنتين مِن خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب : إنَّ الناس قد استعجلوا في أمر، قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضينا عليهم فأمضاه عليهم (١) .

____________________

(١) صحيح مسلم : ٤/١٨٣ط الآستانة، مُستدرك الحاكم : ٢/١٩٦، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. مُسند أحمد : ١/٣١٤، السُّنن الكبرى للبيهقي : ٧/٣٣٦. سُنن الدار قطني كتاب الطلاق : ٤/٤٦ - ٤٧ ط عالم الكتب، الدُّرُّ المنثور عن تفسير قوله تعالى :( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ) .

قال : أخرجه عبد الرزاق، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والحاكم، والبيهقي

١٣٢

٢ - روى مسلم بسنده، عن طاووس، أنَّ أبا الصهباء قال لابن عباس :

أتعلم أنَّما كانت الثلاث تُجعل واحدة، على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبي بكر، وثلاثاً مِن إمارة عمر ؟

فقال ابن عباس :نعم (١) .

ورواه النسائي أيضاً في صحيحه ج٢، باب طلاق الثلاث ط. الميمنيَّة بمصر، ورواه أبو داود أيضاً في صحيحه ١٣/٢١٦. ط. الطبعة الكستليَّة عام ١٢٨٠ه-.

ورواه الإمام الشافعي أيضاً في مُسنده، في كتاب الطلاق ص١١٢.

وذكره السيوطي أيضاً، في تفسير قوله تعالى : ( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ )، في سورة البقرة(٢) ، وقال: أخرجه الشافعي، وعبد الرزاق، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي.

٣ - روى مسلم بسنده، عن طاووس، أنَّ أبا الصهباء قال لابن عباس :هات مِن هناتك، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وأبي بكر واحدة ؟

فقال : قد كان كذلك، فلمَّا كان في عهد عمر، تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم (٣) .

٤ - روى أبو داود بسنده، عن طاووس أنَّ رجُلاً يُقال له أبو الصهباء، كان كثير السؤال لابن عباس قال :أما علمت أنَّ الرجُل كان إذا طلَّق امرأته ثلاثاً قبل أنْ يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وأبي بكر، وصَدراً مِن إمارة عمر ؟

قال ابن عباس : بلى، كان الرجل إذا طلَّق امرأته ثلاثاً، قبل أنْ يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبي بكر، وصَدراً مِن إمارة عمر، فلمَّا رأى أنَّ الناس تتابعوا

____________________

(١) صحيح مسلم : ٤/١٨٤ط الآستانة. السُّنن الكبرى للبيهقى : ٧/٣٣٦، شرح معاني الآثار : ٣/٥٥ باب الرجل يُطلِّق امرأته ثلاث، تحقيق الشيخ محمد زهرى النجار.

(٢) الدُّرُّ المنثور : ١/٢٧٧.

(٣) صحيح مسلم : ٤/١٨٣ - ١٨٤ ط. الآستانة.

١٣٣

فيها قال : أُجيزهنَّ عليهم(١) .

وذكره السيوطي في الدُّرِّ المنثور، في تفسير قوله تعالى :( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ) ، في سورة البقرة وقال :أجيزوهنَّ عليهم .

* * *

____________________

(١) سُنن أبي داود : ٢/٤٩٠، تحقيق سعيد محمد اللحام، رقم الحديث ٢١٩٩. السُّنن الكبرى : ٧/٣٣٦. سُنن الدار قطني : ٤/٤٦ - ٤٧ط عالم الكتب.

١٣٤

٥ - باب ( إنَّ عمر يُفتي : أنَّ مَن لم يَجد الماء لا يُصلِّي )(*) .

١ - روى مسلم بسنده، عن عبد الرحمان بن أبزي، أنَّ رجُلاً أتى عمر، فقال :إنِّي أجنبت فلم أجد ماءً.

فقال :لا تُصلِّ .

فقال عمّار :أما تذكر - يا أمير المؤمنين - إذ أنا وأنت في سريَّة فأجنبنا، فلم نجد ماءً.

أمَّا أنت فلم تُصلِّ .

وأمَّا أنا فتمعَّكت في التراب فصلَّيت، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّما كان يكفيك أنْ تَضرب بيديك الأرض، ثمَّ تنفخ، ثمَّ تمسح بهما وجهك وكفَّيك ) ؟!

فقال عمر :اتَّقِ الله يا عمّار .

قال: إنْ شِئت لم أُحدِّث به (١) .

٢ - روى النّسائى بسنده، عن عبد الرحمان بن أبزي، قال :كنَّا عند عمر، فأتاه رجُل، فقال : يا أمير المؤمنين، رُبَّما نمكث الشهر والشهرين، ولا نجد الماء .

فقال عمر :

____________________

(*) فيه خمسة أحاديث.

(١) صحيح مسلم : ١/١٩٣ - ١٩٤ط الآستانة. صحيح مسلم : ١/٢٨٠ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي سُنن النسائي : ١/١٦٥ - ١٦٦ التيمُّم في الحضر، سُنن ابن ماجة : ١/١٨٨، باب ما جاء في التيمُّم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، السُّنن الكبرى للبيهقي : ١/٢٠٩ بطُرق عديدة، باب كيفيَّة ذكر التيمّم. شرح معاني الآثار للطحاوي : ١/١١٠ باب صفة التيمّم كيف هي، تحقيق الشيخ محمد زهري النجار.

١٣٥

أمّا أنا، فإذا لم أجد الماء ؛ لم أكُن لأِصلِّي، حتَّى أجد الماء.

فقال عمار بن ياسر :أتذكر يا أمير المؤمنين، حيث كنت بمكان كذا وكذا، ونحن نرعى الإبل، فتعلم أنَّا أجنبنا ؟

قال :نعم .

أمَّا أنا فتمرَّغت في التراب، فأتينا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،فضحك، فقال : ( إنْ كان الصعيد لكافيك)،وضرب بكفَّيه إلى الأرض، ثمَّ نَفخ فيهما، ثمَّ مسح وجهه، وبعض ذراعيه .

فقال - يعني عمر - :اتَّقِ الله يا عمار . فقال :يا أمير المؤمنين، إنْ شئت لم أذكره .

قال : لا، ولكنْ نولِّيك مِن ذلك ما تولَّيت(١) (٢) .

٣ - روى النسائي بسنده، عن ابن أبزي، عن أبيه، قال: أجنب رجُل، فأتى عمر فقال : إنِّي أجنبت فلم أجد ماءً .قال : لا تُصلِّ. قال له عمار : أمْا تذكر أنَّا كنَّا في سريَّة، فأجنبنا .

فأمَّا أنت فلم تُصلِّ. وأمّا أنا فإنِّي تمعَّكت صلَّيت، ثمَّ أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكرت ذلك له، فقال : ( إنَّما كان يكفيك )، وضرب بكفَّيه ضربة، ونفخ فيهما، ثمَّ دلَّك أحديهما بالأُخرى، ثمَّ مسح بهما وجهه. فقال له عمر :شيئاً لا أدري ما هو . فقال: إنْ شئت لا حدَّثته (٣) .

٤ - روى النسائى بسنده، عن عبد الرحمان بن أبزي، عن أبيه :أنَّ رجُلاً سأل عمر بن الخطاب عن التيمم، فلم يَدرِ ما يقول ؛ فقال عمار : أتذكر حيث كنَّا في سريَّة، فأجنبت فتمعَّكت في التراب، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،فقال : ( إنَّما هكذا )، وضرب بيديه على ركبتيه، ونفخ في يديه، ومسح بهما وجهه وكفَّيه مَرَّةً واحدة ؟(٤) .

٥ - روى أبي داود الطيالسي بسنده، عن عبد الرحمان ابن أبزي، قال :أتى رجل عمر، فذكر أنَّه كان في سَفَر فأجنب، ولم يجد الماء . فقال: لا تُصلِّ . فقال عمار :

____________________

(١) سُنن النسائي : ١/١٦٨ - ١٧٠ بشرح السيوطي وحاشية السندي.

(٢) سُنَن النسائي : ١/١٦٨ باب التيمم في السَفَر.

(٣) سُنَن النسائي : ١/١٦٥ - ١٦٦ التيمّم في الحَضر. مُسند الإمام أحمد بن حنبل : ٤/٢٦٥. سُنن أبي داود : ١/٨١ تحقيق سعيد محمد اللّحام.

(٤) سُنن النّسائي : ١/١٦٩ نوع آخر مِن التيمّم. مُسند أحمد بن حنبل : ٤/٣٢٠. كنز العمَّال : ٥/١٤٣ط حيدر آباد - الهند، وقال: أخرجه عبد الرزاق. سُنَن ابن ماجة : ١/١٨٨ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. باب ما جاءَ في التيمم ضربة واحدة.

١٣٦

أمْا تذكر يا أمير المؤمنين، إذ كنتُ أنا وأنت في سريّة، فأجنبنا فلم نجد الماء.

فأمّا أنت فلم تُصلِّ.

وأمّا أنا فتمعَّكت في التراب، وصلَّيت، فلمَّا قَدِمنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكرنا ذلك له ؛ فقال لك : ( أمّا أنت فلم يكُن ينبغي لك أنْ تدع الصلاة.

وأمّا أنت يا عمّار، فلم يكن ينبغي لك أنْ تُمعِّك كما تتمعَّك الدابة، إنَّما كان يُجزئك -وضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده الأرض إلى التراب، فقال - هكذا )، فنفخ فيها، ومسح وجهه ويديه إلى المفصل، وليس فيه إلى الذراعين ؟

ورواه بطريق آخر أيضاً في ص٨٩(١) .

المؤلِّف : قال الله تبارك وتعالى:( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوَّاً غَفُوراً ) ، النساء : ٤٣.

وقال في سورة المائدة بمثل ذلك، إلاّ أنَّه قال في آخر الآية :( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة : ٦.

فمع وجود الآيتين الكريمتين في القرآن المجيد، وكلتاهما في التيمُّم، بلْ وسِيَّما مع ما اتَّفق لعمر وعمار، مِن أنَّهما قد أجنبا في سريَّة، ولم يجدا الماء ؛ فلم يُصلِّ عمر، وتمعَّك عمار في التراب وصلّى، فأتيا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبيَّن لهما كيفيَّة التيمم، بلْ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر [ كما ] في الرواية الأخيرة :

( أمَّا أنت، فلم يكُن ينبغي لك أنْ تدع الصلاة ) إلخ.

كيف قد أفتى عمر مِن إنَّ مَن لم يجد الماء لا يُصلِّي ؟!

أ فهل كان ذلك جهلاً بالآيتين الكريمتين ؟!

أو نسياناً لمِا اتَّفق له ولعمار في السريَّة ؟!

وهذا - لَعمْري - بعيد جِدَّاً، فإنَّ عمر رجل صحابي، كان مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دائماً في السَّفَر والحَضر، والجُمعة، والجَماعة، وغير ذلك، فكيف يجهل آيتي التيمّم ،

____________________

(١) مُسند أبي داود الطيالسي : ٣/ ٨٨. ط حيدر آباد - الهند.

١٣٧

والتيمُّم مِن ضروريَّات الدين الإسلامي، يعرفه كلُّ مسلم، إلاّ الأعرابي، والبدوي الذي هو أجدر أنْ لا يَعلم حدود ما أنز الله ؟!

إلاّ أنْ يُقال : إنَّ الجهل ليس مِن عمر ببعيد، كما يشهد له ما في الرواية الأخيرة مِن أنَّ رجُلاً سأل عمر بن الخطاب عن التيمم، فلم يدر ما يقول، وله شواهد أُخر أيضاً في غير هذا المقام، يظهر لك تفصيلها في بعض الأبواب الآتية إنْ شاء الله تعالى.

أو أنَّ عمر تأوَّل الآيتين، وزعم أنَّ التيمُّم لا يكون مشروعاً في الحَضر، وهذا أبعد مِن الأوَّل بكثير ؛ فإنَّ صريح الرواية الأخيرة - أي رواية الطيالسي -، وظاهر بقيَّة الأخبار، أنَّ الرجل الذي قد سأل عمر قد أجنب في السَّفر، لا في الحَضر، ولم يجد الماء فسأل عمر عن حُكم ذلك، فقال: لا يُصلِّي.

أو أنَّ عمر قد أبدى رأياً في قِبال رأي الله.

فرأي الله جلَّ وعَلا : إنَّ مَن لم يجد الماء يتيمَّم ويُصلِّي.

ورأى عمر : إنَّ مَن لم يجد الماء لا يُصلّي، حتَّى يجد الماء، كما هو ظاهر قول عمر، في الرواية الثانية : أمّا أنا، فإذا لم أجد الماء، لم أكُن لأُصلِّي حتَّى أجد الماء.

بلْ وظاهر قوله في الرواية الأولى والثانية لعمار : اتَّق الله يا عمار.

لمّا عارضه في فَتواه بترك الصلاة، وذكَّره بما اتَّفق لهما في السفر إلى آخره، هو الاحتمال الثالث [ و ] الأخير، وأنَّ له رأياً في قِبال رأي الله جَلَّ وعلا : مِن قَبيل تحريمه مُتعة الحَجّ، وتحريمه مُتعة النساء، وبدعته في الطلاق الثلاث، فيكون عُمر في التيمُّم - أيضاً - مِمَّن حكم بغير ما أنزل الله عن عَمد، وقال في دين الله برأيه لا عن سَهو.

وقد عرفت في باب مُتعة الحَجِّ، وباب مُتعة النساء، وباب بِدعة عمر في الطلاق الثلاث حُكْم مَن حَكَم بغير ما أنزل الله.

* * *

١٣٨

٦ - باب ( إنَّ عمر لا يَفهم معنى الكَلاَلة أبداً )(*) .

١ - المُتَّقي الهندي قال : عن سعيد بن المسيّب : إنَّ عمر سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كيف يورِّث الكَلاَلة ؟

قال : ( أوليس قد بيَّن الله ذلك )، ثمَّ قرأ :( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ ) إلى آخر الآية. النساء : ١٢.

فكأنَّ عمر لم يَفهم ؛ فأنزل الله :( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ ) إلى آخر الآية.

فكأنَّ عمر لم يفهم ؛ فقال لحفصة : إذا رأيت مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طْيب نفس فاسأليه عنها، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أبوك ذكر لك هذا، ما أرى أباك يعلمها أبداً ).

فكان يقول :ما أراني أعلمها أبداً، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما قال .

قال : أخرجه ابن راهويه، وابن مردويه. وهو صحيح : وذكره السيوطي أيضاً في الدُّرّ المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى :( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ ) في آخر سورة النساء، آية ١٧٦ باختلاف يسير.

____________________

(*) فيه خمسة أحاديث.

١٣٩

وقال أيضاً : أخرجه ابن راهويه، وابن مردويه(١) .

٢ - قال الشيخ جلال الدين السيوطي، في ذيل تفسير قوله تعالى :( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ ) في آخر سورة النساء.

ثمَّ قال السيوطي : وأخرج مالك، ومسلم، ابن جرير، والبيهقي، عن عمر، قال : ما سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شيء، أكثر ما سألته عن الكلالة، حتَّى طعن بإصبعه في صدري، وقال : ( تكفيك آية الصيف، التي في آخر سورة النساء ) : آية ١٧٦.

وقال السيوطي : وأخرج ابن جرير، عن عمر قال :

لإَنْ أكون أعلم الكلالة، أحبُّ إليَّ مِن أنْ يكون لي جزية قصور الشام.

وقال : وأخرج ابن جرير، عن الحسن بن مسروق، عن أبيه قال :

سألت عمر وهو يخطُب الناس عن ذي قُرابة لي ورث كَلاَلة، فقال : الكَلاَلَةِ الكَلاَلَةِ الكَلاَلَةِ، وأخذ بلحيته.

ثمَّ قال : والله، لإَنْ أعلمها أحبُّ إليَّ مِن أنْ يكون لي ما على الأرض مِن شيء، سألت عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال : ( ألمْ تسمع الآية التي أنزلت في الصيف فأعادها ثلاث مَرَّات ).

وقال السيوطي : وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن سيرين، قال : كان عمر بن الخطاب إذا قرأ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) .

قال :اللَّهُمَّ مَن بيّنت له الكلالة فلم تتبيَّن لي .

المؤلِّف : إنَّ الكَلاَلَةِ هي الإخوة والأخوات، مِن قِبَل الأم فقط، ومنه قوله تعالى - في أوائل سورة النساء - :( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ) .

وقد تُطلَق الكَلاَلَةِ ويُراد منها الإخوة والأخوات مِن قِبَل الأبوين، أو مِن قِبَل الأب

____________________

(١) كنز العمَّال : ٦/٢٠. ط حيدر آباد - الهند.

١٤٠