سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 83600
تحميل: 5245

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83600 / تحميل: 5245
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( تقتلك الفئة الباغية، وأنت إذ ذاك مع الحَقِّ، والحَقُّ معك.

يا عمار بن ياسر، إنْ رأيت عليَّاً قد سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع عليٍّ ؛ فإنَّه لن يُدْليك في ردى ولنْ يُخرجك مِن هُدى.

يا عمار، مَن تقلَّد سيفاً، أعان به عليَّاً على عدوه ؛ قلّده الله يوم القيامة وِشاحين مِن دُرٍّ، ومَن تقلَّد سيفاً أعان به عدوَّ عليٍّ عليه ؛ قلده الله يوم القيامة وِشاحين مِن نار ).

قلنا :يا هذا، حسبُك رحمك الله، حسبك رحمك الله (١) .

٢ - روى المُتَّقي الهندي عن الثوري، ومعمر عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن أبي صادق، قال :

قَدِم علينا أبو أيُّوب الأنصاري العراق، فقلت له : يا أبا أيُّوب، قد كرَّمك الله بصُحبة نبيِّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنزوله عليك، فمالي أراك تستقبل الناس تُقاتلهم ! تستقبل هؤلاء مَرَّة ! وهؤلاء مَرَّة !

فقال : إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عَهِد إلينا أنْ نُقاتل مع عليٍّ الناكثين، فقد قاتلناهم، وعَهِد إلينا أنْ نُقاتل مع القاسطين، فهذا وجهنا إليهم، يعني : مُعاوية وأصحابه، وعهد إلينا أنْ نُقاتل مع عليٍّ المارقين، فلم أرَهم بعد.

قال : أخرجه ابن عساكر(٢) .

٣ - وروى المُتَّقي الهندي، عن عليٍّ، قال : ( أُمرت بقتال ثلاثة : القاسطين، والناكثين، والمارقين. فأمَّا القاسطون، فأهل الشام، وأمَّا الناكثون فذكرهم. وأمَّا المارقون، فأهل النهروان يعني الحروريَّة ).

قال : أخرجه الحاكم في الأربعين، وابن عساكر(٣) .

المؤلِّف : إنَّ الروايات الواردة في هذا المعنى كثيرة جِدَّاً، وقد ذكرنا مُقداراً مُهمَّاً منها

____________________

(١) تاريخ بغداد : ١٣/١٨٦. كنز العمَّال : ٦/١٥٥ط حيدر آباد - الهند، وزاد فيه : ( لنْ يَدلُّك على ردى، ولن يُخرجك مِن هُدى ).

وقال : أخرجه الديلمي، عن عمار بن ياسر، وعن أبي أيوب.

(٢) كنز العمَّال : ٦/٨٨. ط. حيدر آباد - الهند.

(٣) المصدر نفسه : ٦/٧٢. ط. حيدر آباد - الهند.

٢٨١

في كتابنا : الموسوم بفضائل الخمسة مِن الصحاح السِّتَّة، في الجزء الثاني منه، وعقدنا له باباً مُستقلَّاً سمَّيناه بباب: إنَّ عليَّاًعليه‌السلام أمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين. ( فراجع ).

* * *

٢٨٢

٨ - باب ( في إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عماراً أنْ تقتله الفِئة الباغية وقد قتله مُعاوية وأصحابه )(*) .

المؤلّف : الأخبار الواردة في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ عماراً تقتله الفِئة الباغية، مُتواترة جِدَّاً، بلْ فوق التواتر، حتَّى صار القول المذكور مِن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن الضروريَّات بين المسلمين، وقد ذكرنا قَدراً مُهمَّاً منها، في كتابنا الموسوم بفضائل الخمسة مِن الصحاح السِّتَّة، في الجزء الثاني منه، وقد عقدنا له باباً سمَّيناه ب- : باب إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عماراً أنْ تقتله الفئة الباغية، وقد قتله أهل الشام. ونحن نقتصر ههنا على ذكر جُملة منها، فنقول :

١ - روى الحاكم بسنده، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، قال :

شَهِد خزيمة بن ثابت الجَمل، وهو لا يَسلُّ سيفاً، وشَهِد صِفِّين، قال : أنا لا أضلُّ أبداً بقتل عمار، فأنظر مَن يقتله ؛ فإنِّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( تقتلك الفئة الباغية ).

قال :فلمَّا قُتِل عمّار ؛ قال خزيمة : قد حانت لي الضلالة ثمَّ أقرب .

وكان الذي قتل عماراً أبو غادية المزني بالرمح، فسقط، فقاتل حتَّى قُتل وكان يومئذ

____________________

(*) فيه سبعة عشر حديثاً.

٢٨٣

يُقاتل وهو ابن أربع وتسعين، فلمَّا وقع كَبَّ عليه رجل آخر، فاحتزَّ رأسه، فأقبلا يختصمان، كلٌّ منهما يقول : أنا قتلته.

فقال عمرو بن العاص :والله، إنْ يختصمان إلاَّ في النار، فقال عمرو : هو والله ذاك، والله، إنَّك لتعلمه، ولوددت أنِّي [ مُتُّ ] مِن قبل هذا بعشرين سنة (١) .

٢ - روى الحاكم بسنده، عن محمد بن عمرو بن حزم، قال :لمَّا قُتِل عمار بن ياسر، دخل عمرو بن حزم، على عمرو بن العاص، فقال : قُتل عمار، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( تقتله الفئة الباغية) ؛ فقام عمرو فَزِعا حتَّى دخل على مُعاوية، فقال مُعاوية : ما شأنك ؟

فقال :قُتل عمار بن ياسر.

قال :فماذا ؟

قال عمرو :سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( تقتله الفئة الباغية ).

فقال له مُعاوية :أنحن قتلناه ؟! إنَّما قتله علي وأصحابه ؛ جاؤوا به حتَّى ألقوه بين رماحنا وسيوفنا .

قال الحاكم : صحيح على شرطهما، يعني : شرط الشيخين.

المؤلف : وسيأتي جواب عليٍّعليه‌السلام عن قول مُعاوية، فيقول :

( إنْ كنتُ قتلتُه ؛ فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل حمزة، حين أرسله إلى قتال الكفار ).

٣ - وروى الحاكم بسنده، عن أبي عبد الرحمان السلمي، قال :

شَهِدنا صِفِّين، فكنَّا إذا توادعنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: مُعاوية بن أبي سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه عمرو :

قد قتلنا هذا الرجل ؛ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ما قال !

قال :أيُّ الرجل ؟

قال :عمار بن ياسر .

أما تذكر يوم بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد، فكنَّا نحمل لُبنةً لُبنةً، وعمار يحمل لُبنتين لُبنتين، فمَرَّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمل لُبنتين لُبنتين، وأنت مِمَّن حضر، قال : ( أَما إنَّك

____________________

(١) مُستدرك الصحيحين : ٣/٣٨٥. الطبقات الكبرى : ٣/١٨٥. أُسد الغابة : ٤/٤٧.

٢٨٤

ستقتلك الفئة الباغية، وأنت لَمِن أهل الجَنَّة ).

فدخل عمرو على مُعاوية، فقال : قتلنا هذا الرجل، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال !

فقال :اسكُت، فوالله ما تزال تَرحض (*) في بولك، أنحن قتلناه ؟! إنَّما قتله عليٌّ وأصحابه ؛ جاءوا به حتَّى ألقوه بيننا (١) .

المؤلِّف : قد أُشير - آنفا - إلى ما هو الجواب عن قول مُعاوية، وسيأتي تفصيله بنحو أبسط.

٤ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن عبد الله بن الحارث، قال :

إنِّي لأسير مع مُعاوية، في مُنصرفه مِن صِفِّين بينه وبين عمرو بن العاص، قال : فقال عبد الله بن عمرو بن العاص : يا أبت، ما سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعمار :

( ويحك يا بن سُميَّة، تقتلك الفئة الباغية ).

قال : فقال عمرو لمُعاوية :ألا تسمع ما يقول هذا ؟!

فقال مُعاوية :لا تزال تأتينا بهِنَّة (**) أنحن قتلناه ؟! إنَّما قتله الذين جاءوا به (٢) .

المؤلِّف : قد عرفت الجواب عن ذلك، فلا تغفل.

٥ - وروى الإمام أحمد بسنده، عن حنظلة بن خويلد العنبري، قال :بينما أنا عند مُعاوية، إذ جاء رجلان يَختصمان في رأس عمار، يقول كلُّ واحد منهما : أنا قتلته.

فقال عبد الله بن عمرو :ليَطِب به أَحدُكما نفساً لصاحبه ؛ فإِنِّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( تقتله الفئة الباغية ).

قال مُعاوية :فما بالك معنا ؟!

قال :إنَّ أبي شكاني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فقال: أطع أباك ما دام حيَّاً، ولا تَعصه، فأنا معكم ولستُ أُقاتل (٣) .

٦ - روى ابن سعد بسنده، عن هني مولي عمر بن الخطاب، قال :

____________________

(*) أي : تزلق في بولك.

(١) مُستدرك الصحيحين : ٣/٣٨٧. في تاريخ الأُمم والملوك : ٦/٢٣ مُفصَّلاً.

(**) جمعها هنَّات، وهي خصال الشَّر.

(٢) المُسند : ٢/١٦١.

(٣) المصدر نفسه : ٢/١٦٤.

٢٨٥

كنت أوَّل شيء مع مُعاوية على عليٍّ، فكان أصحاب مُعاوية يقولون : لا والله، لا نقتل عمَّاراً أبداً، إنْ قتلناه، فنحن كما يقولون، فلمَّا كان يوم صِفِّين، ذهبت أنظر في القتلى، فإذا عمار بن ياسر، [ فقال هني:] فجئت إلى عمرو بن العاص، وهو على سريره، فقلت : أبا عبد الله.

قال :ما تشاء ؟

قلت :انظر أُكلِّمك.

فقام: إليَّ.

فقلت :عمار بن ياسر ما سمعت فيه ؟

فقال :قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تقتله الفئة الباغية ) .

فقلت :هو ذا - والله - مقتول .

فقال :هذا باطل !

فقلت :بصر عيني به مقتول.

قال :فانطلق فأرينه ؛ فذهبت به فأوقفته عليه، فساعة رآه انتقع لونه. ثمَّ أعرض في شِقٍّ وقال : إنَّما قتله الذي خرج به (١) .

المؤلِّف : تقدَّم الجواب عن ذلك فلا تغفل.

ابن الأثير في ترجمة ذي الكلاع، قال :

ثمِّ إنَّ ذا الكلاع خرج إلى الشام، وأقام به، فلمَّا كانت الفتنة، كان هو القيِّم بأمر صِفِّين وقتل فيها.

قيل :إنَّ مُعاوية سَرَّه قَتْلُه ؛ وذلك أنَّه بلغه أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمار بن ياسر : ( تقتله الفئة الباغية ) ؛ فقال لمُعاوية وعمرو : ما هذا ؟! وكيف نُقاتل عليَّاً وعماراً ؟!

فقالا : إنَّه يعود إلينا، ويُقتل معنا، فلمَّا قُتل ذو الكلاع، وقُتل عمار، قال مُعاوية : لو كان ذو الكلاع حيَّاً لمال بنصف الناس إِلى علي(٢) . ابن قتيبة، في قَتْل عمار بن ياسر، قال :

ثمَّ قال عمار :اليوم ألقى الأحبَّة (*)محمداً وحِزبه.

ثمَّ حمل عمار وأصحابه، فالتقى عليه رجُلان فقتلاه، وأقبلا برأسه إلى مُعاوية يتنازعان، كلٌّ يقول : أنا قتلته، فقال لهما عمرو بن العاص : والله إنْ تتنازعان إلاَّ في النار. سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : تقتل عماراً الفئة الباغية ، فقال مُعاوية :

____________________

(١) الطبقات الكبرى : ٣ق ١/١٨١. ط ليدن.

(٢) أُسد الغابة في معرفة الصحابة : ٢/١٤٣.

٢٨٦

قبَّحك الله مِن شيخٍ، فما تزال تزلق في بولك، أوَ نحن قتلناه ؟! إِنَّما قتله الذين جاءوا به. إلخ(١) .

المؤلِّف : قد عرفت الجواب عن ذلك، فلا نُعيده ثانياً.

٩ - روى الهيثمي، عن أبي عبد الرحمان السلّمي، قال :شَهِدنا مع عليٍّ صِفِّين - إلى أنْ قال - فكان عمار بن ياسر، علماً لأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسلك وادياً مِن أودية صِفِّين، إلاَّ تبعه أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانتهينا إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وقد ركز الراية .

فقال مالك :يا هاشم أعور وجبناً، لا خير في أعور لا يغشى الناس ؛ فنزع هاشم الراية وهو يقول :

أعور يبغي أهله مَحلاَّ

قد عالج الحياة حتَّى مَلاَّ

لابُدَّ أنْ يَفلَّ أو يُفلاَّ

فقال له عمار :أقبل ؛ فإنَّ الجَنَّة تحت الأبارقة، وقد تزين الحور العين مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحزبه في الرفيق الأعلى فما رجعا حتَّى قُتِلا - إلى أنْ قال - فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه : يا أبت، قد قتلنا هذا الرجل، وقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال .

قال :وأيُّ رجلٍ ؟

قال :عمار بن ياسر .

أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - يوم بناء المسجد، ونحن نحمل لُبنة لُبنة، وعمار يحمل لُبنتين لُبنتين وأنت ترحض - : ( أما أنَّه ستقتلك الفئة الباغية، وأنت مِن أَهل الجَنَّة ) ؟

فدخل عمرو على مُعاوية فقال : قتلنا هذا الرجل، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال.

فقال مُعاوية : أُسكُت، فو الله ما تزال تدحض في بولك، أنحن قتلناه ؟! إنَّما قتله مَن جاءوا به فألقوه بين رِماحنا(٢) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة : ١/١٢٦، الطبعة الأخيرة عام ١٩٦٩ط، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.

(٢) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ٧/٢٤١.

٢٨٧

المؤلِّف : قد عرفت الجواب عن ذلك فلا تغفل.

ثمَّ إنَّ الحديث قد رواه - على ما صرَّح به الهيثمي والطبراني - قال : ورواه أحمد باختصار، وأبو يعلى بنحو الطبراني، والبزَّار.

قال : ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات. ( انتهى ).

ثمَّ إنَّ الظاهر ( وأنت ترحض ) إمَّا أنَّه ستقتلك إلخ، هو قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمار، وإمَّا معنى أَنت ترحض أيْ محموم.

١٠ - قال الهيثمي : وعن عبد الله بن الحارث، أنَّ عمرو بن العاص قال لمُعاوية: أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول - حين كان يبني المسجد - لعمار :

( إِنَّك حريص على الجهاد، وإِنَّك لمِن أهل الجَنَّة، ولتقتلنَّك الفئة الباغية ) ؟

قال :بلى .

قال :فلم قتلتموه ؟!

قال :والله ما تزال تدحض في بولك، نحن قتلناه ؟! إِنَّما قتله الذي جاء به .

قال : رواه الطبراني ورجاله ثقات(١) .

المؤلِّف : قد أُشير إلى الجواب عن قول مُعاوية : إنَّما قتله الذي جاء به. وستعرف تفصيله بنحو أبسط.

١١ - قال الشبلنجي :وفي عقائد الشيخ أبي إِسحاق الفيروزآبادي .

إنَّ عمرو بن العاص، كان وزير مُعاوية، فلمَّا قُتِل عمار بن ياسر أَمسك عن القتال، وتابعه على ذلك خَلق كثير.

فقال له مُعاوية :لِمَ لا تُقاتل ؟!

قال :قد قتلنا هذا الرجل، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول تقتله الفئة الباغية ؛ فدلَّ على أنَّا نحن بُغاة .

قال له مُعاوية :أَمسِك، والله لا تزال تدحض في بولك، أنحن قتلناه ؟! إِنَّما قتله علي وأصحابه جاءوا به حتَّى أَلقوه بيننا.

قال : وفي رواية قال :قتله مَن أرسله إلينا يُقاتلنا، وإِنَّما دفعنا عن أنفسنا فقتل، فبلغ ذلك عليَّاً.

فقال : ( إنْ كنتُ قتلتُه أَنا ؛ فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل حمزة، حين أرسله إِلى قتال الكفَّار )(٢) .

____________________

(١) مجمع الزوائد : ٩/٢٩٧.

(٢) نور الأبصار : ص٨٩ ط القاهرة.

٢٨٨

المؤلِّف : إنْ كان عليٌّعليه‌السلام هو الذي قتل عماراً ؛ حيث أرسله إِلى مُعاوية ؛ فالله تعالى هو الذي قتل جُملة مِن أنبيائه ؛ حيث أرسلهم الى الكفَّار ليدعوهم إلى الإيمان فقُتلوا.

قال الله تبارك وتعالى :( أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) البقرة : ٨٧.

ثمَّ إِنَّ ههنا جُملة مِن الأحاديث، يناسب ذكرها في خاتمة هذا الباب.

منها :

١٢ - ما ذكره المُتَّقي، عن خالد بن الوليد، عن ابنة هشام بن الوليد بن المُغيرة، قال : - وكانت تمرِّض عماراً - قالت :جاء مُعاوية إلى عمار يعوده، فلمَّا خرج مِن عنده قال : اللَّهمَّ، لا تجعل مَنيَّته بأيدينا، فإنِّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( تقتل عماراً الفئة الباغية ).

قال : أخرجه أبو يعلى، وابن عساكر(١) .

ومنها :

١٣ - ما رواه ابن سعد مُسنداً، عن الحسن، قال: قال عمرو بن العاص : إنِّي لأَرجو أنْ لا يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات يوم مات، وهو يُحبُّ رجُلاً، فيُدخله الله النار.

[ قال : ] فقالوا :قد كنَّا نراه يُحبُّك، وكان يستعملك !

[ قال : ] فقال: الله أعلم أحبَّني أمْ تألَّفني، ولكنَّا كُنَّا نراه يُحبُّ رجُلاً.

قالوا :فمَن ذاك الرجل ؟

فقال :عمار بن ياسر .

قالوا :فذاك قتيلكم يوم صِفِّين ؟

قال :قد - والله - قتلناه . ورواه بطريق آخر قال فيه : قال صدقتم، والله لقد قتلناه(٢) .

١٤ - روى مسلم بسنده، عن أبي شماسة المهري، قال :حضرنا عمرو بن العاص، وهو في سياقة الموت، فبكى طويلاً، وحوَّل وجهه إِلى الجدار، فجعل ابنه يقول :

يا أبتاه، أما بشَّرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكذا ؟ أما بشَّرك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكذا ؟ فأقبل بوجهه - وساق الحديث إلى أنْ قال - وما كان أَحداً أحبَّ إليَّ مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنتُ أُطيق أنْ أملأ عيني منه ؛ إِجلالاً له، ولو سُئلت أنْ أصفه ما أطقت ؛ لأَنِّي

____________________

(١) كنز العمَّال : ٧/٧٣. ط. حيدر آباد - الهند.

(٢) الطبقات الكبرى: ٣ ق ١/١٨٨. ط. ليدن.

٢٨٩

لم أكُن أملأ عيني منه، ولو مُتُّ على تلك الحال، لرجوت أنْ أكون مِن أهل الجَنَّة، ثمَّ ولينا أَشياء ما أَدري ما حالي فيها. ( الحديث )(١) .

منها :

١٥ - ما ذكره ابن الأثير، قال :

روى أبن أبي الدنيا، عن محمد بن أَبي معشر، عن أَبيه، قال :

بينا الحَجَّاج جالساً، إذ أقبل رجل مُقارب الخَطو، فلمَّا رآهُ الحَجَّاج قال : مَرحباً بأبي الفادية. وأَجلسه على سريره، وقال : أنت قتلت ابن سميَّة ؟

قال :نعم .

قال :كيف صنعت كذا حتَّى قتلته ؟

فقال الحَجَّاج لأَهل الشام :مَن سرَّه أَنْ ينظر إلى رجلٍ عظيم الباع يوم القيامة، فلينظر إلى هذا ! ثمَّ سارَّه أَبو غادية يسأله شيئاً، فأبى عليه ؛ فقال أبو غادية : نوطِّأ لهم الدنيا، ثمَّ نسألهم فلا يُعطوننا، وزعم أَنِّي عظيم الباع يوم القيامة - إلى أنْ قال : - والله، لو أَنَّ عماراً قتله أهل الأرض لدخلوا النار.

ومنها :

١٦ - ما رواه أبو نعيم بسنده، عن أبي سنان الدؤلي، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :رأيت عمار بن ياسر دَعَا بشراب، فأُتي بقدح مِن لَبن، فشرب منه، ثمَّ قال : صدق الله ورسوله.

اليوم أَلقى الأحبَّة

محمدا وحزبه

إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إنَّ آخر شيء تزوده مِن الدنيا ضَيْحَة لَبن ).

ثمَّ قال :والله، لو هزمونا حتَّى يَبلغونا سعفات هَجَر، لعلمنا أَنَّا على حَقٍّ، وهم على باطل.

١٧ - ثمَّ روى أَبو نعيم، عن أبي المليح الأَنصاري، عن عليٍّ، قال :

( ذكرت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عماراً فقال: أما أنَّه سيشهد معك مَشاهد أجرها عظيم، وذِكْرها كثير، وثناؤها حَسَن)(٢) .

____________________

(١) صحيح مسلم : ١/١١٢، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

مُسند أحمد بن حنبل : ٤/١٩٩، رواه باختلاف في بعض الألفاظ، وقال في آخره :فإذا مُتُّ فلا تبكى عليَّ، ولا تتَّبعني مادحاً، ولا ناراً وشدُّواعليَّ إزاري ؛ فإنِّي مُخاصَم . الحديث.

(٢) حلية الأولياء : ١/١٤١ - ١٤٢.

٢٩٠

بقي شيء : وهو أنَّه قد ورد جُملة مِن الروايات، في لحوق جماعة بعليٍّعليه‌السلام يوم صِفِّين لأجل عمارٍ وأُويس.

وورد جُملة أُخرى مِن الروايات، في تأسُّف عبد الله بن عمر بن الخطاب ؛ أنَّه لِمَ لم يُقاتل الفئة الباغية مع عليٍّعليه‌السلام ! وأنَّه لماذا استقال عليَّاً البيعة !

وورد غير واحد مِن الروايات، في تأسُّف عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ أنَّه لِمَ كان مع الفئة الباغية، أَعني : مُعاوية وأصحابه في يوم صِفِّين، وودَّ أنَّه مات قبله بعشر سنين.

وورد جُملة مُهمَّة مِن الروايات، في الأَمر بملازمة عليٍّعليه‌السلام وعمار عند الفتنة والاختلاف، وقد عقدنا لكلٍّ مِن هذه الأقسام الأربعة باباً مُستقلَّاً، في كتابنا الموسوم ب- : فضائل الخمسة مِن الصحاح السِّتَّة(١) في الجزء الثاني منه، فراجع الأَبواب الأَربعة بدقَّة.

* * *

____________________

(١) طبع هذا الكتاب في العراق وإيران ولبنان أكثر مِن مَرَّة.

٢٩١

٩ - باب ( في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ عليَّاًعليه‌السلام وقومه آية الجَنَّة ومُعاوية وقومه آية النار )(*) .

١ - روى الهيثمي، عن عمرو بن الحمق الخزاعي، قال :

بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سريَّة - إلى أنْ قال - ثمَّ هاجرتُ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبينا أنا عنده ذات يوم، فقال لي :

( يا عمر، وهل لك أنْ أُريك آية الجَنَّة، تأكُل الطعام وتشرب الشراب، وتمشي في الأسواق ! ).

قلت :بلى بأبي أنت !

قال : ( هذا وقومه )،وأشار بيده إلى عليِّ بن أبي طالب عليه‌السلام .

وقال لي : ( يا عمرو، هل لك أنْ أُريك آية النار، تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وتَمشي في الأسواق ! ).

قلت :بلى بأبي أنت .

قال : ( هذا وقومه آية النار )،وأشار إلى مُعاوية .

فلمَّا وقعت الفِتنة، ذكرت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،ففررت مِن آية النار إلى آية الجَنَّة - إلى أنْ قال : -والله إنْ كنتُ في جِحرٍ في جوف جِحر، لاستخرجني بنو أُميَّة حتَّى يقتلوني .

____________________

(*) فيه ثلاثة أحاديث.

٢٩٢

حدَّثني به [ حبيبي ](١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّ رأسي أوَّل رأس يُحتزُّ في الإسلام، ويُنقَل مِن بَلدٍ إلى بلد.

قال : رواه الطبراني في الأوسط(٢) .

٢ - ذكر المُتَّقي الهندي، عن عبيد الله بن رافع :أنَّ مُعاوية طلب عمرو بن الحمق ليقتله ؛ فهرب منه نحو الجزيرة، ومعه رجل مِن أصحاب عليٍّ عليه‌السلام ، يقال له : زاهر، فلمَّا نزلا الوادي نهشت عمرواً حيَّة جوف الليل فأصبح مُنتفِخاً.

فقال لزاهر :تنحَّ عنِّي ؛ فإنَّ خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبرني : أنَّه سيشترك في دَمي الإنس والجِنِّ، ولابُدَّ لي مِن أنْ أُقتل، فقد أصابتني بَلْيَّة الجِنِّ بهذا الوادي.

فبينما هم كذلك، إذ رأيا نواصي الخيل في طلبه ؛ فأمر زاهراً يتغيَّب.

قال: فإذا قُتلت فإنَّهم يأخذون رأسي، فارجع إلى جسدي فادفنه.

فقال له زاهر: بلْ أَنثر نبلي ثمَّ أرميهم، حتى إذا فنيت نبلي قُتلت معك .

قال:لا، ولكنِّي سأزوِّدك مِنِّي ما ينفعك الله به، فاسمع مِنِّي : آية الجَنَّة محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلامتهم عليُّ بن أَبي طالب عليه‌السلام .

وتوارى زاهر، فاقبل القوم، فنظروا إلى عمرو، فنزل إليه رجل منهم آدم(٣) ، فقطع رأسه، وكان أوَّل رأس في الإسلام نصب في الناس، وخرج زاهر إليه فدفنه.

قال : أخرجه ابن عساكر(٤) .

ثمَّ إنَّ ههنا حديثاً يُناسب ذِكره في خاتمة هذا الباب، وهو ما رواه الطحاوي بسنده :

٣ - عن أبي تميم الجيشاني قال :اشترى مُعاوية بن أبي سفيان قلادة، فيها تِبْر وزبرجد

____________________

(١)الرضوي : ما بين المعقوفين موجود في الأصل، الّذي نقل منه المؤلِّف [ طاب ثراه ]، وسقط مِن طبعات هذا الكتاب.

(٢) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ٩/٤٠٦.

(٣) أي أسمر.

(٤) كنز العمَّال : ٧/٦٣. ط. حيدرآباد - الهند.

٢٩٣

ولؤلؤ وياقوت بستمأة دينار، فقام عبادة بن الصمت حين طلع مُعاوية المنبر، أو حين صلَّى الظهر، فقال :

ألاْ إنَّ مُعاوية اشترى الربا وأكله، أَلاْ إنَّه في النار إلى حلقه.

قال الطحاوي : فقد يجوز أنْ تكون تلك القلادة، كان فيها مِن الذهب أكثر مِمَّا اشتُريت به ؛ فكان من عبادة ما كان لذلك(١) .

* * *

____________________

(١) شرح معاني الآثار : ٢/٢٣٨. الطبعة الأُولى عام ١٣٠٠ه-.

٢٩٤

١٠ - باب ( في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه ) )(*) .

١ - الذهبي قال : روى عباد بن يعقوب، عن شريك، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه ).

المؤلِّف : وقد صحَّح الذهبي الحديث المذكور، وكلُّ حديث قد صحَّحه الذهبي، فهو في أعلى درجة الاعتبار، عند أهل السُّنَّة والجماعة(١) .

٢ - الذهبي ذكر حديثاً - قد صرَّح بصحَّته - عن أبي سعيد، رَفَعَه : ( إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه).

وذكر نحوه عن أبي جذعان(٢) .

٣ - ابن حجر - في ترجمة عباد بن يعقوب الرواجني - قال : روي عن شريك، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله مرفوعا : ( إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه )(٣) .

٤ - ابن حجر - في ترجمة علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة - قال : حدَّث حماد بن

____________________

(*) فيه سبعة أحاديث.

(١) ميزان الاعتدال : ٢/١٧.

(٢) ميزان الاعتدال : ٢/١٢٩.

(٣) تهذيب التهذيب : ٥/١١٠. ط. حيدرآباد - الهند.

٢٩٥

سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نصرة، عن أبي سعيد، رَفَعَه : ( إذا رأيتم مُعاوية على هذه الأعواد فاقتلوه ).

قال ابن حجر : وأخرجه الحسن بن سفيان في مُسنده، عن إسحاق، عن عبد الرزَّاق، عن ابن عيينة، عن علي بن يزيد، قال : والمحفوظ عن عبد الرزَّاق، عن جعفر بن سليمان، عن علي، ولكنَّه لفظ ابن عيينة : ( فارجموه )، قال : أورده ابن عدي، عن الحسن بن سفيان(١) .

٥ - ابن حجر - في ترجمة عمرو بن عبيد بن باب - قال : حدَّثنا بندار، حدَّثنا سليمان بن حرب، حدَّثنا حماد بن زيد :قيل لأيُّوب : إنَّ عمرو روى عن الحسن، أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه )(٢) .

٦ - المنَّاوي : ( إذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه ).

قال : أخرجه الديلمي، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) .

المؤلِّف : يحتمل قويَّاً أنْ يكون المُراد مِن المنبر، في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اذا رأيتم مُعاوية على منبري فاقتلوه)، هو مُطلق المنبر ؛ بدعوى أنَّ كلَّ منبر يُصعد عليه في الاسم، ويُخطب عليه، ويُبيَّن الأحكام، فهو منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ويُحتمل أنْ يكون المُراد منه هو خصوص منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان بالمدينة.

ويؤيِّده ما تقدَّم في حديث أبي سعيد : ( إذا رأيتم مُعاوية على هذه الأعواد فاقتلوه ). وعلى أيِّ تقدير، فإنَّ مُعاوية حَسَب الأحاديث المُتقدِّمة، هو مِمَّن يجب قتله، بحُكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد سامح فيه أكثر المسلمين - لا سامحهم الله - فلم يمتثلوا أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يُطيعوا قوله.

أمَّا وجوب قتله على الاحتمال الأوَّل، فواضح ظاهر.

وأمَّا على الاحتمال الثاني، فكذلك ؛ حيث روى أهل السير والتواريخ مَجيء مُعاوية

____________________

(١) تهذيب التهذيب : ٧/٣٢٤ ط. حيدرآباد - الهند.

(٢) تهذيب التهذيب : ٨/٧٤ط. حيدرآباد - الهند.

(٣) كنوز الحقائق في أحاديث خير الخلائق ص٩.

٢٩٦

إلى المدينة وصعَّوده على منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

منهم ابن سعد قال :

٧ - أخبرنا : إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، عن أيُّوب، عن نافع، قال :

لمَّا قَدِم مُعاوية المدينة، حلف على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقتلنَّ ابن عمر(١) .

ثمَّ رواه بطريق آخر عن نافع فراجع.

* * *

____________________

(١) الطبقات الكبرى : ٤/١٣٤ - ١٣٥ط ليدن.

٢٩٧

١١ - باب ( إنَّ ليلة القدر خيرٌ مِن أَلف شهر يملكها بنو أُميَّة )(*) .

١ - روى الترمذي بسنده، عن القاسم بن الفضل الحمداني، عن يوسف بن سعد، قال :

قام رجل إلى الحسن بن عليعليهما‌السلام بعدما بايع مُعاوية، فقال :

سوَّدت وجوه المؤمنين، أو يا مسوِّد وجوه المؤمنين.

فقال : ( لا تؤنِّبني - رحمك الله - فإنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرى بني أُميَّة على منبره ؛ فساءه ذلك ؛ فنزلت :

( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) يا محمد، يعني : نهراً في الجَنَّة، ونزلت :

( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بنو أُميَّة يا محمد ! ).

قال القاسم :فعددناها، فإذا هي أَلف شهر، لا يزيد يوم ولا ينقص (١) .

٢ - روى الحاكم بسنده، عن يوسف بن مازن الرسبي، قال :قام رجل إلى الحسن بن علي، فقال : سوَّدت وجوه المؤمنين.

فقال الحسن : ( لا تؤنِّبني - رحمك الله - فإنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد رأى بني أُميَّة يخطبون على منبره رجُلاً رجُلاً ؛ فساءه ذلك ؛ فنزلت :

____________________

(*) فيه سِتَّة أحاديث.

(١) سُنن الترمذي : ٥/٤٤٤ - ٤٤٥ تحقيق إبراهيم عطوة.

٢٩٨

( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) ، نهر في الجَنَّة، ونزلت :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) تملكها بنو أُميَّة ! ).

قال :فحَسبنا ذلك هو لا يزيد ولا ينقص (١) .

قال الحاكم : هذا إسنادٌ صحيح، ثمَّ روى بسنده، عن سفيان بن الليل الهمداني مِثله.

٣ - ابن جرير، روى بسنده عن القاسم بن الفضل، عن عيسى بن مازن، قال :قلت للحسن بن علي عليهما‌السلام :يا مُسوِّد وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل، فبايعت له، يعني : مُعاوية بن أَبي سفيان.

فقال : ( إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رأى في منامه بني أُميَّة يعلون منبره خليفة ؛ فشقَّ ذلك عليه ؛ فأنزل الله :( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يعني : مُلك بني أُميَّة ! ).

قال القاسم : فحسبنا مُلك بني أُميَّة، فإذا هو ألف شهر(٢) .

٤ - الفخر الرازي، قال : روى القاسم بن الفضل، عن عيسى بن مازن، قال :قلت للحسن بن علي عليهما‌السلام : يا مسوِّد وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل، فبايعت له، يعني : مُعاوية.

فقال : ( إِنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رأى في منامه بني أُميَّة، يطئون منبره واحداً بعد واحدٍ [ قال: وفي رواية ] (ينزون على منبره نزو القردة ؛ فشقَّ ذلك عليه ؛ فأنزل الله تعالى :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) إلى قوله :( ... خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يعني مُلك بني أُميَّة ! ).

قال القاسم : فحسبنا مُلك بني أُميَّة، فإذا هو ألف شهر(٣) .

٥ - الفخر الرازي، قال : إنَّ رجُلاً قام إلى الحسن بن عليعليهما‌السلام وقال :سوَّدت وجوه المؤمنين ؛ بأنْ تركت الإمامة لمُعاوية.

فقال : ( لا تؤذيني - يرحمك الله - فإنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رأى بني أُميَّة في المنام، يصعدون منبره رجُلاً فرجُلاً ؛ فساءه ذلك، فأنزل الله تعالى :( إِنَّا

____________________

(١) مُستدرك الصحيحين : ٣/١٧٠ - ١٧١. الدُّرُّ المنثور : ٦/٣٧٠، وقال السيوطي : أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن يوسف بن مازن. مُستدرك الصحيحين : ٣/١٧٠.

(٢) تفسير الطبري ( جامع البيان ) : ٣٠/١٦٧.

(٣) مفاتيح الغيب التفسير الكبير : ٣٢/٣١، في تفسير سورة القدر.

٢٩٩

أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) ، و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يعني : مُلك بني أُميَّة كذلك، ثمَّ انقطعوا وصاروا مبتورين !) (١) .

٦ - السيوطي قال : وأخرج الخطيب في تاريخه، عن ابن عباس، قال : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني أُميَّة على منبره ؛ فساءه ذلك ؛ فأوحى الله إليه إنَّما هو مُلك يُصيبونه، ونزلت :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

وقال أيضاً : واخرج الخطيب، عن ابن المسيب، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( رأيت بني أُميَّة يصعدون منبري ؛ فشقَّ ذلك عليَّ ؛ فأنزل الله :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) )(٢) .

* * *

____________________

(١) المصدر نفسه : ٣٢/١٣٤، في تفسير سورة الكوثر.

(٢) الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور : ٦/٣٧١.

٣٠٠