التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏0%

التحول المذهبي‏ مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 374

التحول المذهبي‏

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 374
المشاهدات: 130539
تحميل: 6151

توضيحات:

التحول المذهبي‏
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 130539 / تحميل: 6151
الحجم الحجم الحجم
التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وذبيحتهم محرّمة لا يجوز لنا أن نأكل منها )(١) .

ويقول هذا المستبصر أيضاً حول هذه الإشاعات:

( من الإشاعات التي كانت تؤثّر في نفسي وتقع حاجزاً بيني وبين قراءة كتب الشيعة هو أنّ الشيعة يقولون في آخر الصلاة تاه الوحي جبرائيل ثلاث مرّات، وحتى سألت أكثر من عالم عندنا، فقال لي: إحذر هؤلاء الشيعة، فإنّهم يقولون في آخر الصلاة هذه العبارة المذكورة وأنّ الرسالة نزلت على عليّعليه‌السلام وتاه الوحي ونزل بها على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فعند البحث والتحقيق وجدت أنّ الشيعة بريئون من هذه الإشاعات والدعايات بحقّهم فوجدت أنّ الشيعة يقولون في آخر الصلاة ثلاث مرّات: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر )(٢) .

ويقول معتصم سيّد أحمد حول نشاط بعض المؤلّفين والكتّاب أنّهم:

( بذلوا قصارى جهدهم لتزييف الحقائق وتشويه مذهب أهل البيت، بشتى أساليب الدعاية ونشر الأكاذيب.

وقد نجح هؤلاء الكتّاب نجاحاً كبيراً في تعميق الجهل في نفوس أهل مذهبهم وتوسيع الفجوة بينهم وبين معرفة الحقيقة.

فصوّروا التشيّع بأبشع وأقبح ما يكون من الصور، من جراء ما نسجوه من خرافات وأوهام.

ولا أقول هذا مجرد افتراض، إنّما عايشت هذا الجهل مدّة من الزمن، وأحسست به أكثر عندما تفتّحت بصيرتي وأنار اللَّه قلبي بنور أهل البيت، فوجدت مجتمعي يركد في ركام من الجهل والافتراءات على الشيعة، فكلّما أسأل عن الشيعة سواء كان المسؤول عالماً او مثقّفاً كان يجيبني بسلسلة من الأكاذيب على الشيعة فيقول مثلا:إنّ الشيعة تدّعي أنّ الإمام عليعليه‌السلام هو الرّسول ولكن جبرائيل أخطأ وأنزل الرسالة على محمّد، أو أنّهم

____________________

(١) هشام آل قطيط/ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ٢٢-٢٣.

(٢) المصدر السابق: ٢٥٥.

١٨١

يعبدون الإمام عليّاً... وغيرها من الأكاذيب التي لا تمت إلى الواقع بصلة )(١) .

ويضيف معتصم سيّد أحمد:

( إنّ هذا الجهل بالتشيّع، الذي تعيشه مجموعة كبيرة من الأمّة الإسلاميّة ، كان نتاجاً طبيعيّاً لمجهود هؤلاء الكتّاب، لفرض الجهل المطبق على أبناء هذه الأمة لكي لا يتعرّفوا على مذهب التشيّع.

وهذا هو المخطّط الذي بدأ قديماً ليتمّ مسيرته إلى اليوم، فتجد مئات من الكتب المسمومة ضدّ الشيعة في متناول يد الجميع، هذا إذا لم تكن توّزع مجّاناً من قبل الوهّابيّة، ويفترض في هذا الجو المشحون ضدّ الشيعة أن يسمح للكتاب الشيعي بالانتشار، حتى تكون المعادلة متكافئة، وهذا ما لم يحصل، فهذه هي المكتبات الإسلاميّة يكاد يندر فيها الكتاب الشيعي بخلاف المكتبات الشيعيّة سواء كانت تجاريّة أو في المعاهد العلميّة فهي لا تخلوا من كتب ومصادر السنّة بجميع خطوطها و اتّجاهاتها.

وقد لاحظت اختلاف المنهجيّة بين النوعين من الكتب، فتجد كتب الشيعة تهدف إلى تأصيل وإثبات صحّة مذهبها بالأدلّة والبراهين اعتماداً على مصادر ومراجع أهل السنّة، من غير أن تتهجّم على المذاهب الأخرى.

أمّا الكتب التي تحاول الردّ على الشيعة فإنّها تهدف من الأساس ضرب المذهب الشيعي بأي طريقة كانت حتى ولو كانت بالتهم والافتراءات )(٢) .

ويقول إدريس الحسيني حول تجربته في هذا المجال:

( وكنّا دائماً نعتقد أنّ المسلمين، مهما اختلفت طرائقهم، لا يكذبون، وربّما حملنا جهالاتهم على الاشتباه، وربّما حملناها على سبعين محمل وإن كانوا يحملون أفكاراً

____________________

(١) معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ١٩٩.

(٢) المصدر السابق: ٢٠٠-٢٠١.

١٨٢

إلّا على محمل واحد.. فإنّنا بذلك سنحافظ على آدابنا الإسلاميّة وموضوعيّة النقد. وليكن ما يكون عليه هذا الطرف أو ذاك فكلّ إناء ينضح بما فيه.

غير أنّ الواقع الذي انتيهت إليه، يعاكسني ذلك الاعتقاد، فكثير منهم كان تحامله فيه تساهل مع الأكاذيب التي تحاك ضد الإماميّة، حتى وإنّهم ليعلمون أنّها محض أراجيف، منسوبة إلى تلك الطائفة ظلماً وعدواناً.

لقد كتب كثير منهم في الاتّجاه نفسه، والمعطيات نفسها، وتكاثرت كتبهم التي هي إحياء مكرور لتراث النصب والتحامل على طائفة طالما استضعفوها ولفّقوا حولها أجود الأكاذيب.

ويستنتج من حركتهم هذه، أنّهم على جانب كبير من الجهل بالتاريخ الإسلامي وبمذهب الإماميّة، ذلك الجهل الناتج عن سرعتهم في إصدار الأحكام، وفي نواياهم القبيحة في قراءة التراث الإمامي، قراءة تهدف إلى تجميع عناصر لخلق صورةً ملفقة من أجل التعريض بهم لااستيعاب أفكارهم.

وهذا المنهج يختلف اختلافاً جذريّاً، عمّن تواضع للحقيقة، واتّقى اللَّه في البحث عنها.

ومن دون أن نزكّي أنفسنا على أحد يجدر بنا القول:

أنّنا نحن الذين اطّلعنا على هذه المدرسة، اطلاعاً كبيراً، وتربّعنا أمام علمائها لنستمع اليهم، جنباً إلى جنب مع أبناء الطائفة ونهلنا من علومهم، لم نشعر بتلك الخلفيّات التي ذكرها رواد اتّجاه التفريق.

لقد اطّلعنا على تراث الجماعة والتزمنا مبادئه فترة ليست بالقصيرة، واستنشقنا الكيمياء السنّي، استنشاقاً حسناً، وبتنا نعلم خفايا المذهبين )(١) .

ويقول إدريس الحسيني حول إحدى الافتراءات التي الصقت بالشيعة:

( خلال فترة طويلة، ارتبط التشيّع بالعنف والإرهاب، وما شابه ذلك من النعوت

____________________

(١) إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: ٨.

١٨٣

التي تحجب الوجه الآخر المشرق له وهو وجه السلام والحوار والتعايش.

لقد ارتبط عنوان التشيّع بالعنف في الحقب التاريخيّة السابقة، وفي إطار زمني معيّن، فلقد سلك الكثير من الخلفاء في حقّ هذه الطائفة نهجاً ظالماً، مع أنّ الوجه الحضاري المشرق للإسلام، لايكاد يذكر دون ان يرتبط بوجوه شيعيّة على شتى المستويات، في الفكر والأدب والعلوم )(١) .

ويضيف هذا المستبصر:

( ولو تأمّلنا التاريخ على نحو أعمق من المألوف، لرأينا حقّاً أنّ الشيعة أكثر الفرق الإسلاميّة حبّاً للحوار والسلام والتعايش، إذ من المفترض من المظلوم إذا تمكّن من أسباب القوّة أن يعيث فساداً في الأرض، وأن يقيم مجازر ضد العدوّ والصديق لايفرّق في ذلك بين ناقة وجمل، فشأن المظلوم إذا تمكّن من أسباب الانتقام أن لايرحم.

وهذا مالم يفعله الشيعة في مختلف الأطوار التاريخيّة، حيث تمكّنوا من إقامة دول و وجدوا فرصاً وإغراءات جمّة، لكنّهم ثبتوا على المبدأ )(٢) .

ثمّ يقول إدريس الحسيني:

( وقد أصبح شعاراً مقروءاً ومحفوظاً لدى كلّ الشيعة، بأنّ الإنسان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، وهو من كلام الإمام عليعليه‌السلام لليهودي الذي صاحبه في طريقه إلى الكوفة.

إنّ سيرة الأئمّة وتعاليمهم لشيعتهم، تعتبر تراثاً أخلاقيّاً نادراً في تاريخ البشر، و وسيلة للتعايش والحوار مع كلّ الملل والأديان )(٣) .

ثم يؤكّد هذا المستبصر قائلاً:

( لم يكن التشيّع يوماً نهجاً في الإرهاب، ولا مأوى للتآمر، ولا فكراً مغذّياً

____________________

(١) المصدر السابق: ٢٠٩.

(٢) المصدر السابق: ٢١١.

(٣) المصدر السابق: ٢١٦.

١٨٤

للمراهقة السياسيّة وعنف المجرمين وعبث العابثين )(١) .

ويقول ياسين المعيوف البدراني حول هذا الأمر:

( نحن في مواجهة مشكلة كبرى يقف التاريخ أمامها ملجماً وتختفي فيها الحقيقة خلف ركام من الأتربة والأحجار وسيل من الادّعاءات الكاذبة والأقوال الفارغة فتلتوي الطرق الموصولة اليها ولا تعالج قضيّتها بدراسة علميّة ليبدو جوهر المسألة واضحاً ولتظهر الحقيقة كما هي للعيان.

واحدةٌ من كبريّات المشاكل التي عملت على هدم وحدة المسلمين، وهي أنّ الكثير من المؤرّخين أولعوا بذمّ الشيعة ونسبوا اليهم الكثير من الأشياء الباطلة دون تثبّت وتمحيص ودون أيّ وازع ديني أو رادع وجداني )(٢) .

ويقول التيجاني السماوي حول الأثر الذي يتركه الأسلوب غير الموضوعي في مواجهة التشيّع:

( ولكنّ الباحث المنصف عندما يقف على شي‏ء من هذا التحريف والتزييف يزداد عنهم بعداً ويعرف بلا شك أنّهم لا حجّة لديهم غير التضليل والدسّ وتقليب الحقائق بأي ثمن.

ولقد استأجروا كتّاباً كثيرين وأغدقوا عليهم الأموال كما أغدقوا عليهم الألقاب والشهادات الجامعيّة المزيّفة ليكتبوا لهم ما يريدون من الكتب والمقالات التي تشتم الشيعة وتكفّرهم... )(٣) .

وعموماً فمن هنا تبلورت حول معتقدات الإماميّة صور كالحة ليس لها أساس من الصحّة حتى فقد الكثير وضوحَ الرؤية إلى مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، والتبست عليهم السبل، واضطربت عندهم الموازين، وأصبح أمر تمييز الحقّ عن الباطل يتطلّب الكثير

____________________

(١) المصدر السابق: ٢١٧.

(٢) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمونَ: ٧٦.

(٣) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ١٤٩.

١٨٥

من الجهد والعناء.

وفي هكذا أجواء، وفي ظلّ هكذا افتراءات أصبح التشيّع نبزاً و وصمة عار لمن ينتمي إليه في معتقده ومسلكه، وأصبح ديدن عامّة الناس أنّها لا تمرّ على ذكر التشيّع إلّا وتلصق به أوصاف الذم والألقاب المستكرهة.

وبلغ الأمر إلى درجة بحيث غدى الكثير من أهل السنّة لا يرغبون في سماع كلام الشيعة نتيجة تأثّرهم بدعاة السوء.

ولهذا يقول التيجاني السماوي حول حواره مع الأستاذ منعم - أحد الأساتذة العراقيّين - عندما التقى به قبل استبصاره في الباخرة المصريّة التي كانت تذهب من الإسكندريّة إلى بيروت:

( وإذا بالأستاذ العراقي يبتسم ويقول لي: أنّه هو الآخر شيعي. فاضطربت لهذا النبأ وقلت غير مبال: لو كنت أعلم أنّك شيعي لما تكلّمت معك.

قال: ولماذا؟

قلت: لأنّكم غير مسلمين، فأنتم تعبدون علي بن أبي طالب والمعتدلون منكم يعبدون اللَّه، ولكنّهم لا يؤمنون برسالة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنّه خان الأمانة، فبدلاً من أداء الرسالة إلى علي أدّاها إلى محمّد.

واسترسلت في مثل هذه الأحاديث بينما كان مرافقي يبتسم حيناً ويُحوقل أحياناً.

ولمّا أنهيت كلامي سألني من جديد:

أنت أستاذ تدرّس الطلّاب؟

قلت: نعم.

قال: إذا كان تفكير الأستاذ بهذا الشكل فلا لوم على عامّة الناس الذين لا ثقافة لهم )(١) .

وأشار إدريس الحسيني إلى هذه الحقيقة قائلاً:

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٢٩.

١٨٦

( إنّ الرّافضة ظلّت ولا زالت هي عنوان كل معتصم بولاية الأئمّة الطاهرين من أهل البيت، وكان التشيّع ولا يزال تهمة مسقطة للسمعة.

ففي الماضي المتخلّف كانت تهمة التشيّع تعني الجريمة التي لا حدّ فيها غير الإعدام في دولة خلفاء بني أميّة والعبّاس )(١) .

ويقول هذا المستبصر أيضاً:

( فأنا السنّي المنشأ، لم أكن أجد في بيئتنا ما يعرف بالشيعة، تعريفاً حقيقا، وكل مذهب من مذاهب الدنيا، نستطيع الإحاطة به في بيئتنا سوى (الشيعة) فإنّ حصار الوهّابيّة عليهم أقوى من (جدار برلين).

نعم، قد كنّا نعلم أنّ الشيعة أصحاب طريقة غريبة عن كلّ البشر، وأنّ إشكالهم ربما لها - أيضاً - بعض الخصوصيّات، وأن يكون تصوّر الناس للشيعة على أنّهم أصحاب أذناب البقر - كما أشار آل كاشف الغطاء - ليس مبالغة منه، وحال الأمّة كذلك، لقد تعجب الشامي، وهو يسمع أنّ عليّاًعليه‌السلام قُتل بالمحراب، فقال: ( أَوَ عليٌ يُصلّي)؟!

وقد ذكر صاحب العقد الفريد في باب كتاب الياقوتة في العلم والأدب: قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ:

أخبرني رجل من رؤساء التجّار قال: كان معنا في السفينة شيخ شرس الأخلاق، طويل الإطراق، وكان إذا ذكر له الشيعة غضب وأربد وجهه وروى من حاجبيه.

فقلت له يوماً: يرحمك اللَّه، ماالذي تكرهه من الشيعة، فإنّي رأيتك إذا ذكروا غضبت وقبضت؟

قال: ما أكره منهم إلّا هذه الشين في أوّل اسمهم، فإنّي لم اجدها قط إلّا في كلّ شرّ وشؤم وشيطان وشغب وشقاء وشنار وشرر وشَين وشوك وشكوى وشهوة وشتم وشحّ.

قال أبو عثمان: فما ثبت لشيعي بعدها قائمة.

____________________

(١) إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: ١٢.

١٨٧

هكذا كان يفهم اعداء الشيعةِ الشيعةَ. وذلك لأنّهم يجهلون حقيقتهم. و قديماً قال الإمام عليعليه‌السلام (( الإنسان عدو ما جهل ))!

وإذا كرّسنا واقع التجهيل والتغييب، فلربّما - لاسامح اللَّه - ورد من يرى في (السين) السنّية: سوء وسم وسؤر وسحاق وسقم وسخط وسبّ وسقط وسخب وسرقة و... و...

وهذا التجهيل امتدّ اليوم ليأخذ أشكالاً مختلفة، كلّها تنظر إلى المسألة الشيعيّة بمنظار أسود!)(١) .

ويصف أحمد حسين يعقوب مشاعر صديقه صاحب العقليّة المنفتحة بالنسبة إلى التشيّع:

( قال صديقي: إنّك تعلم إنّني رجل من أهل السنّة، وقد ورثت هذا التصنيف وراثة.

وتعلم أيضاً أنّني رجل منفتح الذهن والعقل، وقد اطّلعت على الخطوط العريضة للفكرين: الرأسمالي التحريري والاشتراكي الشيوعي، وأحطت بنظرية الحكم في الإسلام حسب رأي أهل السنّة.

وتعلم كذلك انّني متسامح وديمقراطي أؤمن بالرأي والرأي المعارض، ويتّسع صدري لتعدّد الآراء، وتعدّد الرّسالات، فيمكنني التعايش مع المسلمين واليهود والنّصارى والمجوس وأتباع الأحزاب الدينيّة والقوميّة وحتى الشيوعيّة، ولا أشعر بالغرابة لهذا التعدّد الهائل في المجتمع نفسه، ولا ينتابني أيّ إحساس بالتعصّب.

وبالرّغم من سعة صدري وديمقراطيّتي وتسامحي إلّا أنّ مجرّد ذكر كلمة (شيعة) كافٍ لإثارة استغرابي وحنقي ونفوري، حتى لكأنّني مسكون في (لا شعوري) بكراهيّة الشيعة والتشيّع! )(٢) .

ويقول إدريس الحسيني حول مشاعره بالنسبة للشيعة عندما كان سنّيّاً:

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٢٣-٢٤.

(٢) أحمد حسين يعقوب/ مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة: ٧.

١٨٨

( ما كنت أتصوّر انّ الشيعة مسلمون! فكانت تختلط عندي المسألة الشيعيّة بالمسألة البوذيّة أوالسيخيّة.

والوضع (السنّي) لا يجد حرجاً في أن يملي علينا ذلك، ولا يستحي من اللَّه ولا من التاريخ ليغذّي نزعة التجهيل والتمويه.

انّه كان يكرّس هذه النظرة لدى الأفراد ولا يصحح مغالطاتهم )(١) .

ويقول التيجاني السماوي حول هذا الأمر:

( فلا غرابة أن يشتموا كل من تشيّع له ويرموه بكل عار وشنار حتى وصل الأمر بهم أن يقال لأحد يهودي أحبّ إليه من أن يقال له شيعي.

ودأب أتباعهم على ذلك في كل عصر ومصر وأصبح الشيعي مسبّة عند أهل السنّة والجماعة لأنّه يخالفهم في معتقداتهم وخارج عن الجماعة، فهم يقذفونه بما شاؤوا ويرمونه بكلّ التهم وينبزونه بشتى الألقاب، ويخالفونه في كلّ أقواله وأفعاله )(٢) .

ويقول التيجاني السماوي حول الأسباب الأساسيّة لإنكار أهل السنّة للشيعة:

( فإذا أنكر هؤلاء السنّة على معتقدات الشيعة وأقوالهم فهو لسببين:

أوّلاً: العداء الذي أجّج ناره حكّام بني أميّة بالأكاذيب والدعايات واختلاق‏الروايات المزوّرة.

وثانياً: لأنّ معتقدات الشيعة تتنافى وما ذهبوا إليه من تأييد الخلفاءوتصحيح أخطائهم واجتهاداتهم مقابل النصوص خصوصاً حكّام بني اميّة وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان.

ومن هنا يجد الباحث المتتبّع أنّ الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة نشأ يوم السّقيفة، وتفاقم، وكل خلاف جاء بعده فهو عيالٌ عليه، وأكبر دليل على ذلك أنّ العقائد التي يشنّع أهل السنّة على إخوانهم من الشيعة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع الخلافة

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٥٨.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ مع الصادقين: ١٥٩.

١٨٩

وتتفرّع منه، كعدد الأئمّة والنّص على الإمام، والعصمة، وعلم الأئمة، والبداء والتقيّة والمهدي المنتظر وغير ذلك.

ونحن إذا بحثنا في أقوال الطرفين مجرّدين عن العاطفة، فسوف لانجد بُعداً شاسعاً بين معتقداتهم، ولا نجد مبرّراً لهذا التهويل وهذا التشنيع، لأنّك عندما تقرأ كتب السنّة الذين يشتمون الشيعة يخيّل اليك بأنّ الشيعة ناقضوا الإسلام وخالفوه في مبادئه وتشريعه، وابتدعوا ديناً آخر.

بينما يجد الباحث المنصف في كلّ عقائد الشيعة أصلاً ثابتاً في القرآن والسنّة وحتى في كتب من يخالفهم في تلك العقائد ويشنّع بها عليهم )(١) .

ولهذا يقول ياسين المعيوف البدراني:

( انّ مهمّة من يكتب عن الشيعة وحقيقتها الشرعيّة هي أشد صعوبةً من مهمة الذي يكتب عن أيّ طائفة أخرى من طوائف المسلمين، وذلك لوجود عوامل وعقبات تحتاج إلى دقّة في المعرفة ثمّ إلى إحاطة بالظروف التي أفرزتها تلك العوامل..

إنّ موقف الشيعة وأتباع أهل البيت موقفاً دينيّاً صحيحاً صلباً أمام السلطان ومؤازريه منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وهو الدافع الوحيد إلى إلصاق التهم المختلفة بهم، فقالوا فيهم عيوباً أو شبهات هم منها براء )(٢) .

ويضيف هذا المستبصر قائلاً:

( وقد سمعنا من العلماء الكبار عند إخواننا السنّة أنّ الشيعة أهل خرافات وخلافات وبدع وتعصّب؛ وهذا ما غرسوه باطلاً في عقول الأجيال المسلمة متّخذين من الشيعة موقفاً معادياً بغير الحقّ، وانّ إيضاح هذه القضيّة يحتاج إلى نظرة شاملة مرنة تتحرّك مع الضمير الوجداني وتتحرى الحقيقة )(٣) .

____________________

(١) المصدر السابق: ١٦٢-١٦٣.

(٢) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ٩٥.

(٣) المصدر السابق.

١٩٠

موقف علماء الشيعة إزاء هذه الشبهات:

إنّ علماء ومفكّري الشيعة أدركوا على مرّ العصور عظمة المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم وضخامة الجهد الذي ينبغي بذله من أجل إعادة الصورة الحقيقيّة للتشيّع في أذهان النّاس.

فلهذا بذل الكثير منهم قصارى جهدهم في هذا المجال، وكان لجملة منهم مواقف جبّارة إزاء الحملات المسعورة التي شنّها المخالفون على التشيّع، بحيث أنّهم جعلوا أنفسهم درعاً حصيناً لحماية تعاليم عترة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من أجل صيانتها من كلّ ما يشينها.

وقد قام هؤلاء العلماء خلال بحوثهم العلميّة الرّصينة وكتاباتهم المنطقيّة الشاملة بدرء الشبهات ودحض الافتراءات وتفنيد الادّعاءات وتصحيح الأوهام وإماطة اللثام عن المفاهيم الخاطئة التي كوّنتها الظروف السياسيّة وعمّقتها الأقلام والألسن المأجورة والاتّجاهات المتعصّبة

وقد حاول علماء الشيعة أن يبيّنوا عقائدهم للجميع والإذاعة بها، فألّفوا الكتب وحاولوا نشرها إلى جميع ربوع العالم كي لا ينسب إليهم ما لا يقولون ولا يعتقدون به.

واجتهد هؤلاء العلماء والمفكّرين أن يشبعوا ذلك استدلالاً وبرهاناً من الكتاب والسنّة بنصوص لا تقبل الشك والتأويل، ليستند اليها طلّاب الحقيقة الذين يرغبون في التعرّف على معتقدات الشيعة.

وإلّا فليس من الإنصاف أن يحكم الإنسان على مذهب بما يتلقّاه من أفواه خصومه أو ما يقرأه في كتب مخالفيه، ولا سيّما إذا كان ذلك المحكوم مذهباً حاضراً في الساحة ومجاهراً بمبادئه وأفكاره ومعتقداته ومبينّاً لها في بطون كتبه المنتشرة في أكثر أنحاء العالم، ولهذا يقول مروان خليفات:

( من أراد أن يقوّم جماعة من خلال أقوال خصومهم، فإنّه حتماً سيخفق في

١٩١

نتائجه، وهذا هو الحال لأكثر مَن درسوا التشيّع )(١) .

ومن هنا تكون النتيجة التي يصل إليها الباحث حول التشيّع إذا تلقّى معلوماته من خصومهم مختلفةً عمّا إذا تعرّف على التشيّع من الشيعة أنفسهم.

وهذا ما حدث مع التيجاني السماوي حيث أنّه كان يكره الشيعة نتيجة تعرّفه عليهم من قبل مخالفيهم، ولكنّه بمجرّد الالتقاء بهم في العراق ونبذه للتعصّب، عرف أنّ الواقع على خلاف ما صوّره له البعض.

ويقول التيجاني السماوي حول ما خطر بباله في تلك الفترة حول الإشاعات التي كان متأثّراً بها:

( ولكن كيف أصدّق هذه الإشاعات وقد رأيت بعيني ما رأيت وسمعت بأذني ما سمعت وها قد مضى على وجودي بينهم أكثر من أسبوع ولم أرَ منهم ولم أسمع إلّا الكلام المنطقي الذي يدخل العقول بدون استئذان، بل قد استهوتني عباداتهم وصلاتهم ودعاؤهم وأخلاقهم واحترامهم لعلمائهم حتى تمنّيت أن أكون مثلهم )(٢) .

ومن هذا المنطلق ينبغي لكافّة الباحثين الذين يودّون التعرّف على مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام أن يقوموا بمعرفة التشيّع من كتبهم لا من كتب خصومهم.

ولا عذر لأحد في عالمنا المعاصر بأن يقول بأنّه غير قادر على معرفة التشيّع، لأنّ القدماء الذين عاشوا في ظلّ السلطات التي سلّت سيفها على الشيعة لهم أن يعتذروا بجهلهم في هذا المجال، ولكنّ أبناء اليوم لا يحقّ لهم هذا الاعتذار، لأنّ العصر الذي نحن فيه هو عصر قد أزيلت فيه الكثير من الحجب عن أوجه الحقائق بفضل ارتقاء التقنيّة في إيصال المعلومات.

____________________

(١) مروان خليفات/ وركبت السفينة: ٦١٤.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٤١.

١٩٢

موانع الاستبصار:

إنّ العقيدة التي تتبلور في نفس الإنسان في مرحلة المراهقة تبقى عقيدة غير ناضجة ومحتاجة للوعي الذي يستمد وجوده من البحث والتحليل والاستقراء.

وتبقى هكذا عقيدة متزلزلة وغير محكمة تتلاعب بها الانفعالات النفسيّة وتؤثّر عليها الأجواء المحيطة بكلّ سهولة حتى يترعرع الفرد، ويصل إلى مرحلة النضج العقلي، فينمو وعيه وتتبلور في ذهنه أسئلة تبحث عن إجابات شافية وتعتريه شكوك في المعتقد الذي قد ورثه من البيئة التي عاش في كنفها، ومن هنا يتوجّه الفرد إلى البحث عن الحقيقة.

وهذا ما قام به المستبصرون حيث أنّهم توجّهوا من منطلق الوصول إلى العقيدة الواعية إلى البحث، وحاولوا من خلال التحليل الشمولي أن يتعرّفوا على معتقدات باقي المذاهب، ليتمكّنوا من إثراء رصيدهم المعرفي عن هذا الطريق.

ولكنّ المشكلة تكمن في أنّ الكثير من أهل السنّة - كما يشير المستبصرون إلى ذلك - يصلون خلال بحوثهم إلى أحقّية أتباع مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام و وجوب التمسّك بالثقلين كتاب اللَّه تعالى وعترة الرّسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّهم لا يجدون في ذلك الكفاية في تغيير انتمائهم المذهبي، لأنّهم يواجهون في هذه الحالة الكثير من العقبات التي تمنعهم من التحوّل المذهبي، ويشعرون أنّهم لا يستطيعون اجتياز مرحلة اعتناق الحقيقة من دون تخطّي هذه العقبات، والتي منها:

١٩٣

المانع الأوّل:

التقليد الأعمى‏

يستصعب الكثير من الناس مخالفة المفاهيم التي ورثوها من آبائهم وأسلافهم ولو تبيّن لهم الحق واضحاً كالشمس في رابعة النّهار.

وليس ذلك إلّا نتيجة الوقوع في أسر التقليد الأعمى في الانتماء المذهبي، لأنّ التقليد في العقائد يدفع الإنسان إلى تقديس الموروث، ويخلق العديد من الحواجز النفسيّة التي تمنع الباحث من النظر في أدلة انتمائه.

ولكنّ الواقع يفرض أن يتحدّى الباحث لجج الموروث، وأن يكسّر أغلاله، وأن يتمرّد على سننه في ضوء البراهين الساطعة والحجج القاطعة.

وعلى الباحث أن يعي بأنّ الآباء لو جانبوا الصواب أو اجتهدوا فأخطؤوا، وتبيّن لنا خطؤهم بالدليل والبرهان، فلا داعي لإتباع نهجهم والسير على خطاهم، بل علينا أن نتّبع الحق ولو كان ذلك مخالفاً لأفكارنا ومعتقداتنا الموروثة.

لأن الإنسان المقيّد بالعادات البالية والمتمسّك - من دون بصيرة - بما جاء به الآباء يكون صاحب فكر خامل ومستعبد لا يتمكّن من إعادة مجراه الطبيعي إلّا إذا أطلق نفسه من سلاسل الاستعباد وتحرّر من المحاكاة العمياء وتوجّه بنفسه إلى البحث والاستطلاع والدراسة وطلب العلم والمعرفة متّبعاً أفضل أساليب المنهج العلمي في تلقّي المعرفة.

كما أنّ الذين يعيشون في أسر التقليد الأعمى في أمر العقيدة، والذين يتلقّون العقيدة من موروث الآباء والأجداد بلا تدقيق ولا تمحيص، فإنّهم يحرمون عقولهم من الفهم، لأنّهم يفقدون بالتدريج القدرة على البحث والتساؤل والتمحيص، ويتعوّدون على الاقتباس من الغير دون عناء وفحص أو تدقيق، فلهذا تتضاءل قدرتهم في هذا المجال حتى تغدوا أنفسهم مهيأة ومستعدّة للميل مع كلّ ريح واتّباع كل ناعق في بيداء الضلالة.

١٩٤

ولهذا شنّ القرآن الكريم هجوماً عنيفاً على الذين يتشبّثون بالقيم والآراء والعقائد الموروثة رغم مخالفتها للعقل ومناقضتها للفطرة.

فقال تعالى:

( وإذا قيلَ لهُم اتّبعوُا ما أنزلَ اللَّهُ قالوُا بل نتَّبعُ ما ألفَينَا عليه آباءَنَا أَوَ لَو كان آباؤُهُم لا يَعقِلوُنَ شيئاً ولا يهتدونَ ) (١) .

( وإذا قيلَ لهُم تعَالوا إلى ما أَنزَلَ اللَّهُ وإلى الرَّسول قالوا حسبُنَا ما وَجَدنَا عليه آباءَنَا أَوَ لَو كان آباءُهُم لا يَعلَمونَ شيئاً ولا يَهتَدونَ ) (٢) .

( بَل قالُوا إنّا وجَدنَا آباءَنَا على أمّةٍ وإنّا على آثارِهِم مُهتَدوُنَ * وكذلك ما أَرسَلنَا من قَبلِك في قَريَةٍ من نَذيرٍ إلّا قالَ مُترَفوهَا إنّا وجَدنَا آباءَنَا على أمّة وإنا على آثارِهِم مُقتَدونَ ) (٣) .

وبيّن القرآن في مواضع عديدة بأنّ التقليد الأعمى للآباء كان من أهمّ أسباب إعراض الأمم السابقة عن اتّباع الحق، وأنّه كان من أكبر العوائق التي منعت الأمم من الاستجابة لوحي اللَّه تعالى، وقد ذكر الباري عزّ وجل أنّ أغلبيّة الذين لم يذعنوا للأنبياء كانت ذريعتهم في ذلك التمسّك بموروث الآباء.

وقد ورد في القرآن عن لسان هؤلاء أنّهم قالوا للأنبياء:

( قالوا حسبُنَا ما وَجَدنَا عليه آباءَنَا ) (٤) .

( قالوا أجِئتَنَا لتَلفِتَنَا عمَّا وجَدنَا عليه آباءَنا ) (٢٧٣) .

____________________

(١) البقرة: ١٧٠.

(٢) المائدة: ١٠٤.

(٣) الزحرف: ٢٢-٢٣.

(٣) المائدة: ١٠٤.

(٤) يونس: ٧٨.

١٩٥

( مَا هذا إلّا رجلٌ يريدُ أن يصدّكُم عمّا كان يعبُدُ آباؤُكُم ) (١) .

( أتنهانَا أنْ نعبُدَ ما يعبُدُ آباؤُنَا ) (٢) .

( إنّا وجدنَا آباءَنَا على أمّة وإنّا على آثارهِم مُقتَدُون ) (٣) .

وغير ذلك من الآيات المشيرة إلى هذا المعنى.

ولهذا كان الأنبياءعليهم‌السلام يعاتبون الذين يحملون هذا النمط من التفكير، وقد ورد في قول أحد الأنبياء لقومه انّه قال لهم:

( أوَ لَو جِئتُكُم بأَهدى‏ مِمّا وَجَدتم عليه آباءَكُم ) (٤) .

وقال تعالى:

( أوَ لَو كان آباؤُهُم لا يَعقِلونَ شيئاً ولا يَهتَدوُنَ ) (٥) .

فلهذا ينبغي أن يعي الباحث عن الحقيقة بأنّ أسلافه وإن كانوا شخصيّات معروفة ومرموقة، فانّ شهرتهم لا تصلح أن تكون دليلاً على سلامة رأيهم ما لم تتظافر الأدلّة الشافية على صحّته.

ويشير معتصم سيّد أحمد إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( إنّ النظرة القدسيّة للعلماء السابقين والعظماء تدعو الإنسان إلى تقليدهم مطلقاً والاتّكال على أفكارهم، فالاستسلام لهذا التقليد مدعاة للانحراف عن الحق، فلم يجعل اللَّه عقولهم حجّة علينا، وإنّما عقل كل إنسان حجّة عليه، فلا يمنعنا احترامنا لهم من مناقشة أفكارهم والتدقيق فيها حتى لا ندخل في قوله تعالى:( وقالُوا ربّنا إنّا أطَعنَا

____________________

(١) سبأ: ٤٣.

(٢) هود: ٦٢.

(٣) الزخرف: ٢٢.

(٤) الزخرف: ٢٤.

(٥) البقرة: ١٧٠.

١٩٦

سادتَنا وكبراءَنا فأضلّونَا السّبيلا ) (١) )(٢) .

إذن، من حقّ الأبناء أن يطلبوا من آبائهم الدليل فيما يذهبون إليه، لأنّ التقليد لمجرّد حسن الظنّ بالآخرين بلا بيّنة ولا دليل ولا حجّة، يدفع الإنسان إلى الورود في موارد الهلكة، و الوقوع في مهاوي الردى، ويقود صاحبه إلى مسالك الغواية والضلال، ويصدّه عن اتّباع النور والهدى، فتكون نتيجته التخبّط في الدنيا والخسران والهلاك في الآخرة.

والجدير بالذكر أنّ الدعوة إلى تمحيص الموروث لا يعني ضرب خط البطلان على عقائد الآباء بصورة مطلقة، بل المراد هو أن يبادر الإنسان إلى حركة تصحيحيّة من أجل الوصول إلى قناعة عقليّة تجاه أصول دينه ومعتقداته المذهبيّة، وليكون الإنسان على بصيرة من أمر دينه، ولئلا يقع في الأخطاء التي وقع فيها من سبقه.

لأنّ التابع الذي يقلّد في العقائد من دون بصيرة سيقع تلقائيّاً في كل الأخطاء التي وقع فيها من قبله، ولا معذرة له عند اللَّه عزّ وجل، لأنّ العقائد هي من الشؤون التي لا يصح التقليد فيها.

ويشير ياسين المعيوف البدراني إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( الإسلام لا يرى التقليد والتعبّد كافياً في ممارسة الأصول العقائديّة... بل إنّه يوجب على كل فرد البحث على صحّة هذه العقائد وبصورة مستقلّة بعيدة عن العاطفة والتقليد الأعمى‏ )(٣) .

ولهذا أخبر الباري عزّ وجل عن حسرة المقلّدين في الأمور العقائديّة يوم القيامة قائلاً:

( يَوْمَ تُقَلّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللّهَ وَأَطَعْنَا الرّسُولاَ* وَقَالُوا

____________________

(١) معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ٣٢.

(٢) الأحزاب: ٧.

(٣) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ٤٨.

١٩٧

رَبّنَا إِنّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلّونَا السّبيلاَ* رَبّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيِنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) (١) .

وقال تعالى أيضاً واصفاً حال هؤلاء يوم القيامة:

( وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَى‏ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلّنِي عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولا ) (٢) .

وقال تعالى:

( إذ تبرّأ الّذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبعوا وَرأَوا العذابَ وتقطَّعت بِهِم الأسباب ) (٣)

وقال تعالى:

( وَقَالَ الّذِينَ اتّبَعُوا لَوْ أَنّ لَنَا كَرّةً فَنَتَبَرّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرّءُوا مِنّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النّارِ ) (٤) .

ويقول طارق زين العابدين حول عاقبة من سكنت نفوسهم للموروث من العقائد:

( وما يجدر الإشارة إليه أنّ الذين يُفجعون بالمصير السيئ والنهاية المشؤومة في تلك الحياة الأخرى هم الذين سكنت نفوسهم للموروث من العقائد، ظنّاً منهم أنّه الحقّ، وتلذّذت أنفسهم بنشوة الغفلة وهدأت النفس لها، ولِما أصابوه من هذه الحياة.

وهؤلاء إمّا أنّهم قد أطلقوا للنفس زمامها وحبلها على غاربها بالتهاون والتساهل في أمر الدين ونسيان الحياة الآخرة وعدم مراعاة أمرها بتصحيح اعتقاد أو أداء تكليف، أو أنّهم ركنوا إلى الأوهام في اعتقادهم وغاصوا في بحار التوهّم بحثاً عن اللؤلؤ، دون ان يتفطّنوا إلى أنّ اعتقاداً كهذا لا وجود له حتى يأتي باللؤلؤ النفيس،

____________________

(١) الأحزاب: ٦٦-٦٨.

(٢) الفرقان: ٢٧-٢٩.

(٣) البقرة: ١٦٦.

(٤) البقرة: ١٦٧.

١٩٨

فليس الوهم إلّا عدمٌ محض لا يوجد إلّا في الخيال.

أو أنّ هؤلاء قد استلقَوا في أحضان الظن في أمر العقيدة، وذاقوا بهذا يسيراً من مذاق الحقيقة بعد اختلاطها بقدر جمّ من الباطل، وهم في غمرة هذا المذاق الحلو الذي يتلمّظونه بين كمّ من المرارة ركنوا المذاق الباطل الذي خلطوه به ظنّاً منهم أن للحق مذاقاً كهذا، إذ أنّهم خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيّئاً( إن يتّبعون إلّا الظنَّ وإنّ الظنَّ لا يُغني من الحقّ شيئاً ) (١) .

والذين يمحصّون اعتقادهم الدّيني ليبلغ حدّ اليقين أو قدراً من اليقين تضعُف نسبة الشك والظنّ فيه بصورة تجعل مقدار الشك لا يؤدّي وجوده إلى زوال الطمأنينة في الاعتقاد، فهؤلاء أقرب من غيرهم إلى النهج الذي رسمه النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله لكي يسير عليه الناس بل هؤلاء لا يعجزون عن التماس الأدلّة والحجج القويّة على اعتقادهم هذا من حيث موافقته لآيات القرآن وأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومسلّمات العقل وفطريّاته، فهم في حقيقة الأمر يأنسون في اعتقادهم الممحّص هذا إلى التفسير السليم لنقاط الخلاف بينهم وبين الفرق الأخرى، تفسيراً يخلو من التكلّف الذي لا يُرتضى أبداً في مثل هذه المواقف، بل يقفون على أعتاب التفسير الحكيم لهذه النقاط الخلافيّة دون أن تتلجج النفوس الحرّة في قبوله ودون أن يخالفه القرآن أو الحديث أو مقتضيات العقل المتوازنة.

فهكذا يجب أن يكون الاعتقاد في المسائل الدينيّة الأصليّة، ولا يتأتّى ذلك ببذل الهِمَم في البحث والتحقيق... والتنائي عن العصبيّة والجاهليّة والتقليد الأعمى )(٢) .

وخلاصة المطلب هو أن الباحث الذي يودّ أن تأخذ الأدلّة العلميّة بيده فتنتشله من فهمه الخاطئ‏ ومبادئه الغير صحيحة، عليه أن يحرّر عقله من التقليد ليكون واقعيّاً في

____________________

(١) النجم: ٢٨.

(٢) طارق زين العابدين/ دعوة إلى سبيل المؤمنين: ١٧-١٨.

١٩٩

البحث عن الحقّ.

كما ينبغي لهكذا باحث أن يدرس الأمور بعقليّة نيّرة وبعيدة عن أيّة سلطة تمنعه من الاستقلال في النظر، ليصل إلى حقائق ناصعة ومعارف فاضلة وقناعات ناتجة من بحوث ودراسات واعية.

ولهذا يقول إدريس الحسيني:

( كان لديّ أخ أصغر منّي، يسألني باستمرار عن التشيّع، وكنت أقول له: أنت تعرف تقرأ، فعليك بالبحث الشخصي، وإذا أوقفك شي‏ءٌ، ساعدتك.. فأنا أضجر من أن أورّث للآخرين أفكاراً جاهزة. ولعلّه اليوم وصل! )(١) .

ويقول هشام آل قطيط في هذا المجال:

( والذي يريد أن يصل إلى الحق لابدّ من الوصول وإن طال الطريق.. لكن المشكلة.. أين تكمن؟.. تكمن في فرار الشخص الباحث عن الحقيقة من عبادة السادة والكبراء وتقديس الشخصيّات على حساب الدين.. وعن تقليد الأجداد والآباء.. ويتجرّد من كل موروث فكري، فإن تجرّد من كل ما ذكرت وتمسك بأدلّة القرآن والسنّة النبويّة والآثار الصحيحة المرويّة عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لابدّ أن يدرك الحق وينال مبتغاه الذي هو فيه منى كل طالب ورغبة كل راغب )(٢) .

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين:عليه‌السلام ٣.

(٢) هشام آل قطيط/ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ٣٢٢.

٢٠٠