نشأة الشيعة الامامية

نشأة الشيعة الامامية18%

نشأة الشيعة الامامية مؤلف:
الناشر: دار المؤرخ العربي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 318

  • البداية
  • السابق
  • 318 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16793 / تحميل: 7264
الحجم الحجم الحجم
نشأة الشيعة الامامية

نشأة الشيعة الامامية

مؤلف:
الناشر: دار المؤرخ العربي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

الإهداء

إلى أبي ...

إلى أبي الّذي أنار لي هذا الطريق

ورحلَ ولم يرَ ثمرة جُهوده

نبيلة عبد المـُنعم

٣

٤

المُقدّمة

الشيعة فِرقةٌ مِن أكبر الفِرَق الإسلاميّة التي ظهرتْ بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وقد تطوّرت هذه الفِرقة وانقسمت إلى فِرَقٍ عديدة، مِن أبرزها وأهمها الإماميّة التي كُتب لها الاستمرار؛ لذلك كان هذا الموضوع - نشأة الشيعة الإماميّة - جديراً بالدراسة والبحث.

إنّ بحثَ هذا الموضوع لا يخلو مِن عقباتٍ؛ وذلك لكثرة المصادر والمادّة التي تُقدّمها، فالمصادر غير الإماميّة تُقدّم مادّةً لا يُستهان بها، إلاّ أنّها لا تخلو مِن تناقض، إذ ليس هناك تمييز بين الإماميّة وبين غيرها مِن فِرق الشيعة، كما أنّ هذه المعلومات قد تتأثّر أحيانا بأهواء كاتبيها، لذلك كان اعتمادي على المصادر الإماميّة؛ لإعطاء صورةٍ واضحةٍ عن نشأة الإماميّة لوفرة مادّتها ووضوحها.

اشتملت الرسالة على دراسة نشأة الشيعة الإماميّة، وقد ابتدأتُ مِن عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلّم )؛ وذلك لأنّه بدون الرجوع إلى هذه الفترة لا يُمكن توضيح النشأة الأُولى للشيعة، وقد قسّمتُ الرسالة إلى خمسة فصولٍ:

الفصل الأوّل: دراسة للمصادر التي بحثتْ عن الشيعة الإماميّة، والمصادر الإماميّة وقسمتها إلى مجموعاتٍ بالنسبة لزمن كاتبيها.

أمّا الفصل الثاني: كان دراسةً تاريخيّةً لنشأة وأصل التَشيُّع، ثُمّ مُناقشة الآراء حول بداية التَشيُّع وتطوّره في ضوء الأحداث الرئيسيّة الّتي مرّتْ به.

والفصل الثالث: دراسة للإمامة بنظرِ الشيعة، وبحث إمامة عليّ بن أبي طالب وأدّلة إمامته عند الشيعة، ثُمّ إمامة الأئمّة مِن بعده إلى نهاية إمامة الباقر، كما بحثتُ فيه الدعوة العباسيّة وصلتها بالشيعة.

٥

أمّا الفصل الرابع: فيبحث عن سياسة العباسيّين تجاه الشيعة بما فيهم زيديّة وإماميّة، كما يبحث عن الثورات الزيديّة وموقف الإماميّة مِن هذه الثورات، وعلاقة الشيعة الإماميّة بالعباسيّين.

والفصل الخامس: يبحث في الإمامة، فيبداً مِن إمامة الصادق وأدلّة إمامته، ثُمّ إمامة باقي الأئمّة حتّى نهاية إمامة الإمام الثاني عشر، كما يبحث عن الغَيبَة وظروفها، ثُمّ بحث نظريّة الإمامة عند الشيعة الإماميّة وما اتّصل بها مِن عقائد.

أمّا أساس المنهج الذي سلكته في بحثي، فيعتمد على دراسة النصوص التاريخيّة وما فيها مِن غموضٍ وتضارب أو تشابه، ثُمّ تحليلها واستخلاص النتائج منها، كما كان اهتمامي بدراسة الأحداث التاريخيّة وربطها بظروفها، ثُمّ دراسة ما تكون منها مِن عقائد وأفكار.

وبعد، فأرجو أنْ أكون قد وُفّقتُ في إعطاء صورةٍ عن بعض الجوانب المهمّة مِن تاريخنا.

ويسرّني أنْ أتقدّم بخالص شُكري وتقديري إلى أُستاذي الدكتور عبد العزيز الدوري؛ لِما تقدّم به مِن إرشادات وتوجيهات قيّمة كان لها الفضل الأكبر في إبراز هذه الرسالة، كما أشكر أُستاذي الدكتور صالح أحمد العلي؛ لِما أبداه مِن مُساعدةٍ وتوجيه، والدكتور حسين محفوظ لإعارتي بعض الكُتب وزميلاتي موظّفات مَكتبة معهد الدراسات الإسلاميّة العُليا: ابتسام الصفّار، وأديبة عريم، وفائزة عبد القادر.

نبيلة عبد المـُنعم داود

٦

الفصل الأوّل

١ - دراسة للمصادر

أ - المصادر التاريخيّة

ب - كُتب الفِرَق

ج - المصادر الإسماعيليّة

د - كُتب أهلِ السُنّة

هـ - كُتب الاعتزال

و - كُتب الإماميّة

٧

٨

إنّ مصادر دراسة الشيعة الإماميّة تتكوّن مِن: المصادر التاريخيّة، ومِن كُتب الفِرَق الّتي تتناول بحث عقائد الإماميّة وفِرقهم، ومِن المصادر الإسماعيليّة التي تتناول الإماميّة، ومِن كُتب الاعتزال، ومِن كُتب أهل السُنّة التي تروي أخبار الأئمّة، ومِن المصادر الإماميّة التي تُعطينا صورةً واضحةً عن الشيعة الإماميّة ومبادئهم.

أ - أمّا المصادر التاريخيّة، فتُفيدنا مِن ناحية التطوّر التاريخي لحركةِ الشيعة في ضوءِ الأحداث التي مرّت بها.

(١) وتأتي معلوماتنا التاريخيّة الأُولى عن الأخباريّين الّذين كانوا رواد الكتابة التاريخيّة، ومِن هؤلاء: أبو مِخنف لوط بن يحيى ( ت ١٧٠ هـ )، وقد بدأ بكتابة تاريخ بعض الأحداث بكُتب مُفردة(١) ، وأشهرت كُتبه التي وصلتنا:مقتل الحسين ، وكتابأخبار المـُختار، ففي مقتل الحسين يُعطينا صورةً واضحة عن الحوادث التي جرتْ منذ خُروج الحسين مِن المدينة حتّى مقتله، وتبدو فيها ميول أبي مِخنف الشيعيّة والعراقية، وهذا ما نُلاحظه في حديثه عن مقتل المـُختار. ومعلوماته ذات قيّمة؛ لأنّها أصبحت مادّةً للمؤرّخين فيما بعد، وبالأخص البلاذري والطبري، كما أنّ معلوماته موّثوقٌ بها عند الشيعة الإماميّة، حيث ورد ذِكره في كُتب الرجال، فقد ذكره الطوسي في رجاله(٢) .

____________________

(١) بروكلمان: تاريخ الأدب العربي ج٣ ص ٣٦.

(٢) الطوسي: الرجال ص ٧٩.

٩

(٢) ثُمّ نَصر بن مُزاحم بن سيار المِنقري الكوفي ( ت ٢١٢ هـ )، حيث يُزوّدنا كتابه:( صِفّين ) بمعلوماتٍ وافيةٍ عن وقعة صِفّين تُعدّ مِن أقدم المعلومات التاريخيّة التي اعتمد عليها البلاذري والطبري، إذ يُظهِر لنا أنصار عليٍّ وشيعته في تلك الموقعة، ودورهم فيها وتطوّر الأحداث حتّى خُروج الخوارج.

وتبدو ميول نصر العلويّة في روايته لأحداث صِفّين، كما تَظهر ميوله العراقيّة فهو كوفي كما أنّه شيعي. ذكره ابن النديم في الفهرست(١) ، وعدّه الطوسي مِن أصحاب الإمام الباقر(٢) .

(٣) ومِن المـُؤرّخين الأوَّلين الذين تناولوا الشيعة: أبو حنيفة الدينوري ( ت ٢٧٦ هـ ) في كتابه:( الأخبار الطوال ) ، فبالرغم مِن الإيجاز في الكتاب فقد أورد معلوماتٍ وافيةً عن خلافة عليّ بن أبي طالب وحرب الجمل وصِفّين، كما ذَكر أخبار الحسن بن عليّ وتنازله، ثُمّ يذكر أخبار المـُختار بن عُبيد الثقفي بشيءٍ مِن التفصيل، ثُمّ يُعطي معلوماتٍ عن الدولة العبّاسيّة وبدء الدعوة، ولكنّه بعد الدعوة لا يَذكر شيئاً عن الشيعة، ولا يتناول سياسة العباسيّين تجاههم إلاّ نادراً.

وتظهر أهميّة المعلومات التي يوردها الدينوري لقِدَم فترتها، فهي البدايات بالنسبة لتاريخ الشيعة.

(٤) ويُعطي أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) في كتابه:( أنساب الأشراف ) مَعلوماتٍ مُفصّلة عن الشيعة، فيبدأ بذِكر أخبار عليّ بن أبي طالب مع النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلّم )، ويروي حديث المـُؤاخاة وحديث الراية يوم خَيبر وحديث الغدير، ولهذا الحديث أهميّة عند الشيعة، وقد رواه البلاذري بالرغم مِن أنّه لم يكنْ شيعيّاً، ويبدو أنّ أخباره موثوقٌ بها عند الشيعة، كما يبدو مِن قول المرتضى في( الشافي ) : ( وقد روى أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، وحاله في الثقة عند العامّة والبعد عن مُقاربة الشيعة

____________________

(١) ابن النديم: الفهرست ص ٩٣. أمّا عن المراجع وسَنة الطبع اُنظر عن ذلك: ثبت المراجع.

(٢) الرجال: ص ١٣٩.

١٠

والضبط لِما يرويه معروفٌ )(١) .

ثُمّ يورد أخباراً عن خلافة عليٍّ وعن وقعة الجَمل وصِفّين، وتتّصف أخباره بكونها مُفصّلة، فيذكر قصّة مَقتل عليّ، ثُمّ يَذكر أولاد علي، فيذكر أخبار الحسن ويتكلّم عن أولاد الحسن؛ لأنّه لا يلتزم بالتَسلسل التاريخي وإنّما يسير في ذِكر الأخبار على الأنساب، فيبدأ بالنبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) والعلويّين، ثُمّ العباسيّين ويُتبعها بذكر أخبار الأُمويّين.

ويورد أخبار محمّد النفس الزكيّة وإبراهيم أخيه، ثُمّ يذكر أخبار الحُسين ومقتله بشيءٍ مِن التفصيل، ثُمّ يتكلّم عن زيد بن عليّ وثورته وأخباره مع الإمام الباقر.

كما يورد أخبار المـُختار بن أبي عبيد الثقفي، ويتكلّم عن العباسيّين فيذكر العبّاس بن عبد المـُطلب وابنه عبد الله بن العبّاس ثُمّ محمّد بن عبد الله، ويذكر انتقال الخلافة إلى بني العبّاس، والكلام عن الدعوة العباسيّة وأخبار الخُلفاء العباسيّين، إلاّ أنّه لا يروي أخبار العلويّين وباقي الأئمّة(٢) .

(٥) وقد بحث أحمد بن طاهر الملقب ب طيفور ( ت ٢٨٠ هـ ) في كتابه ( بغداد ) أخبار المأمون مع العلويّين وولاية عليّ بن موسى الرضا لعهد المأمون، والقسم الأوّل مِن الكتاب مفقود، والموجود لدينا يتّصل بعصر المأمون.

(٦) ويأتي بعد هذا أحمد بن يعقوب بن أبي جعفر بن وهب بن

____________________

(١) الشافي في الإمامة: ص ٢٠٧.

(٢) وقد اعتمدّتُ على نسخة الرباط لمخطوطةأنساب الأشراف ؛ لأنّ فيها معلومات غير موجودة في نسخة استانبول التي اعتمد عليها محمّد حميد الله حينما نشر الجُزء الأوّل مِن كتابأنساب الأشراف ، ففي ذِكر أخبار الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) يذكر خبر حجّة الوداع، ولا يذكر خَبر غدير خُم، وإنما يذكر وفاة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ثُمّ السقيفة.

وكذلك في الجُزء الرابع والخامس طبعة القُدس سَنة ١٩٣٦، حيث أنّ المعلومات المذكورة عن ثورة الحسين ومقتله ليست مُطابقةً لِما في نسخة الرباط؛ إذ أنّ نسخة الرباط فيها تفصيلات أكثر، وكذلك فيما يتعلّق بأخبار المـُختار.

١١

واضح الكاتب الأخباري ( المشهور باليعقوبي ) المـُتوفّى سنة ٢٨٢ هـ فيُقدّم معلوماتٍ هامةٍ عن تاريخ الشيعة، وكان اليعقوبي مولى لبني العبّاس، وكان جده مِن موالي أبي جعفر المنصور، ولكنْ بالرغم مِن صلته بالعباسيّين لم يستطع أنْ يُخفي ميوله العلويّة في كتاباته، إلاّ أنّه كان مُعتدلاّ، فقد روى أخبار عليّ بن أبي طالب مع الرسول، وأكّد حديث الغدير بعد حِجّة الوداع، وبيّن أهميّته بالنسبة لاعتقاد الشيعة الإماميّة، وأورد أحداث خلافة عليٍّ وحُروبه في الجمل وصِفّين، ثُمّ خلافة الحسن وأخبار الحسين والتوّابين والمـُختار، كما تكلّم عن الدولة العبّاسية وبدءِ الدعوة وأخبار الشيعة مع العباسيّين، إلاّ أنّ الأخبار التي يذكرها مُختصرة تمشيّاً مع الخطّة التي التزمها في الإيجاز.

وقد تناول الأئمّة الاثني عشر إلى الإمام علي الهادي، وذكر تاريخ كلّ إمامٍ: سَنة ولادته ووفاته وشيئاً مِن أخباره ونُبذاً مِن أقواله بشيءٍ مِن الإيجاز(١) .

(٧) أمّا محمّد بن جرير الطبري ( ت ٣١٠ هـ )، فيُزوّدنا تاريخه:( الرُسل والمـُلوك ) بمعلوماتٍ عن نشأة الشيعة وتَطوّرها، وتمتاز معلوماته بكونها مأخوذةً مِن مصادر مُتعدّدة، ويروي الحوادث بشيءٍ مِن التفصيل.

وكان الطبري شافعيّاً، إلاّ أنّه أسّس مذهباً خاصّاً به تبعه عليه بعض العُلماء، وقد ظهر ذلك في كتاباته ومع أنّه لا يُعطي رأيه في الأحداث التي يرويها، إلاّ أنّه انتقى مِن الروايات الكثيرة التي توفّرت له، وقد روى أخبار عليٍّ مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم )، وذَكر خبر المؤاخاة وحديث الراية وحديث المـَنزلة كما ذَكر خبر حِجّة الوداع، إلا أنّه لم يَذكر حديث الموالاة - أو حديث الغدير - مع العِلم أنّ المصادر الإماميّة تَذكر أنّ له كتاباً حول غدير خُم(٢) ، وقد ذكر ياقوت أنّ له كتاباً في فضائل علي(٣) ، كما ذكر ذلك الذهبي وسمّاه

____________________

(١) اليعقوبي: التاريخ ج٣ ص ٢٤٥.

(٢) اُنظر الطوسي: الفهرست ص ١٧٨، النجاشي: الرجال ص ٢٤٦، ابن شهراشوب: معالم العُلماء ص ١٠٦، ابن طاووس: اليقين في إمرة أمير المؤمنين ص ٩٦.

(٣) ياقوت: مُعجم الأُدباء ج٦ ص ٤٥٢.

١٢

كتاب الولاية(١) .

كما ويورد لنا الطبري معلومات مُفصّلة عن السقيفة، ثُمّ عن خلافة عليّ بن أبي طالب وعن وقعتي الجَمل وصِفّين، وهو في هذا يأخذ معلوماته عن رواة عراقيّين، ومع أنّه اعتمد بالدرجة الأُولى في الجَمل على أبي مِخنف، وفي صِفّين على نصر بن مزاحم، إلا أنّه لا يأخذ بوجهة نظر الشيعة(٢) .

ويبدو أنّ الطبري يهتمّ اهتماماً كبيراً بالثورات، فيُعطي أهميّةً لثورة الحسين ويشرحها بالتفصيل، معتمداً في روايته لأحداثها على أبي مِخنف، وكذا في حركة التوّابين والمـُختار، وتتشابه معلوماته مع معلومات البلاذري في هذه الفترة.

ويتحدّث الطبري بشيءٍ مِن التفصيل عن الدعوة العبّاسية، ويهتمّ بذِكر ثورات أبناء الحسن، ولا يذكر إلاّ القليلاً عن الشيعة الإماميّة، كما أنّ معلوماته عن الأئمّة وصلتهم بالعباسيّين قليلة.

(٨) أمّا أبو الحسن عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي ( ت ٣٤٦ هـ )، فيُعطي في كتابه:( مُروج الذهب ومعادن الجوهر ) أخبار عليّ بن أبي طالب والأحداث في عهده ولكنّها أخبار مُختصرة.

ويمتاز المسعودي بأنّه ينفرد بذِكر أخبارٍ لا تَرد عند بقيّة المـُؤرّخين(٣) ، كما أنّه يتكلّم عن الفِرَق، فهو يتحدّث عن فِرَق الكيسانيّة وأصلها، ويتحدث عن الزيديّة ويَذكر فِرقهم، ثُمّ يتكلّم عن الشيعة الإماميّة ويذكر بعض فِرَقهم، كما يذكر أخبار الأئمّة الاثني عشر حتى يصل إلى ذِكر

____________________

(١) الذهبي: تاريخ الإسلام ج ص ١٩٥.

(٢) يذكر نصر بن مُزاحم في روايته لأحداث صِفّين مجموعةً مِن الأشعار والأراجيز التي تُشير إلى كون عليّ وصي النبيّ، ولا تَرِد هذه عند الطبري بالرغم مِن اعتماده على نصر في رواية أحداث صِفّين.

(٣) مُروح الذهب: ج٣ ص ٨٣ - ٨٤ في كلامه عن المختار ثُمّ في كلامه على فرق الزيديّة، حيث يُعدّد فئاتٍ غير موجودة عند كتاب الفِرق، اُنظر: مروج الذهبي: ج٣ ص ٢٢٠.

١٣

الإمام الثاني عشر(١) ، إلاّ أنّ أخباره مُختصرة، ولعلّ ذلك يعود إلى أنّ المسعودي قد استوفى ذِكر هذه الأخبار في كُتب مُنفصلة؛ لذلك نراه يُشير إلى هذه الأخبار ويذكر أنّه تَحدّث عنها بالتفصيل في كُتبه أمثال: كتاب( المقالات في معرفة الديانات ) (٢) وكتاب( سِرّ الحياة ) (٣) وكتاب( الصفوة في الإمامة ) (٤) وكتاب( حدائق الأذهان في أخبار آل محمّد ) ، وكذلككتاب الوسيط وكتاب أخبار الزمان وقد طُبِع قسمٌ منه، ولكنّ هذه الكُتب لم تصلنا.

(٩) وفي كتابه( التنبيه والإشراف ) تناول المسعودي ظُهور الإسلام وحياة الرسول والخُلفاء وأخبار العلويّين وثورات أبناه الحسن، إلاّ أنّ الأخبار مُختصرة ولكنّه يأتي بمعلومات لا توجد في كُتب التواريخ، كما يتحدّث عن الفِرَق مِثل الشيعة الإماميّة ورأيهم في الإمامة(٥) .

(١٠) أمّا مُطهّر بن طاهر المـَقدسي ( ت ٣٥٥ هـ )، فيورد في كتابه:( البدء والتاريخ ) معلومات عن صفة النبي وأخباره، وأخبار الصحابة أمثال: سلمان الفارسي وأبي ذر وعمّار بن ياسر.

ويُخصّص المـَقدسي فصلاً في ذِكر ( مقالات أهل الإسلام )، يتحدث فيه عن سبب الاختلاف في الإمامة، ويُعدّد الفِرَق فيذكر فِرَق الشيعة ويقول: ( منهم الغالية الغرابيّة والقطعيّة والبيانيّة والكيسانيّة والسبأيّة ...، ويجمعهم الزيديّة والإماميّة(٦) .

فالمـَقدسي يَخلط بين فِرَق الشيعة، ومعلوماته في هذا الباب تختلف عن كِتاب الفِرَق، فهو يُدخل الغلاة ضمن فِرَق الشيعة، ثُمّ يذكر فِرَقاً هي عند مُؤرّخي فِرق الشيعة مِن الغُلاة، كالسبأيّة والغرابيّة وغيرهم ويجعلها فِرَقاً

____________________

(١) مُروج الذهب: ج٤ ص ١٩٩.

(٢) ن. م ج٣ ص ٢٢٠.

(٣) ن. م ج٤ ص ١٩٩.

(٤) ن. م ج٤ ص ٢٧.

(٥) التنبيه والإشراف: ص ٢٣١.

(٦) المقدسي: البدء والتاريخ ج٥ ص ١٢٤.

١٤

قائمة بذاتها، وحين يتحدّث عن هذه الفِرَق يتكلّم عن الإماميّة، ثُمّ يتكلّم عن الزيديّة وعن المغيريّة والبزيغيّة والقطعيّة والواقفة، وحينما يُعدّد أصناف الزيديّة لا يَذكر إلاّ الجاروديّة فقط(١) .

ثُمّ يَذكر المقدسي أخبار خلافة عليٍّ والحسن ومَقتل الحسين والمـُختار، وكذلك أخبار الخُلفاء العباسيّين وثورات أبناء الحسن، إلاّ أنّ الأخبار التي يذكرها مُختصرة.

(١١) ويُعطي أبو الفرج الأصفهاني ( ت ٣٥٦ هـ ) معلوماتٍ وافيةً ومُفصّلةً عن آل أبي طالب ومَن قُتل منهم، في كتابه:( مقاتل الطالبيين ) ، وقد قَسّم الأصفهاني كتابه إلى أقسام، فذَكر مَن قُتل مِن آل أبي طالب في بدء الإسلام، ثُمّ مَن قُتل منهم في أيّام الدولة الأُموية وأيام الدولة العباسية، وهو في ذِكر هذه الأخبار لا يقتصر على ذِكر مقاتل آل أبي طالب، وإنّما يورد ترجمةً لكلّ مَن قُتل منهم، مع ذِكر أخباره ونَسبه وسبب قَتلِه وما قيل فيه مِن المراثي والأشعار، ثُمّ ذكر أخبار الخُلفاء العباسيّين وسيرتهم مع آل أبي طالب، فهو تاريخٌ لآل أبي طالب في أيّام الأُمويّين والعباسيّين، كما أنّه يكشف عن العلاقة بين فرعي الهاشميّين: العلويّين والعباسيين، والنزاع المـُستمر بينهما ودور أبناء الحسن بن عليٍّ في الثورات ضدّ الحُكم العبّاسي.

(١٢) وهناك مخطوَطة بعنوان:( أخبار العبّاس وأولاده ) مجهولة المـُؤلِّف، والكتاب يبدأ بذِكر العبّاس بن عبد المـُطلب ومنزلته مِن النبيّ وأخباره مع النبي، ثُمّ ذِكرِ أولاد العبّاس، والكلام عن عبد الله بن عبّاس ومنزلته وعلمه وأخباره مع الأُمويّين، ويذكر أخبار الإمامة، ويقصد بها إمامة آل العبّاس، وكيفيّة انتقالها إليهم عن طريق محمّد بن الحنفيّة، مع ذِكر ثورة زيد بن عليٍّ وموقف آل العبّاس منها، وهذه المعلومات غير مُتوفّرة في كُتب التواريخ الأُخرى ولا سيّما في أخبار الدعوة العباسيّة، فيذكر صاحب المـَخطوط أسماء الدُعاة العباسيّين وأسماء النُقباء وأساليب الدعاة، كما أنّه

____________________

(١) المقدسي: البدء والتاريخ ج٥ ص ١٣٣.

١٥

يجعل بدء الدعوة بفترةٍ أسبق ممّا جعلها الطبري وبقيّة المـُؤرِّخين، وينتهي إلى انتقال الخلافة إلى العباسيّين وتولّي السفّاح الخلافة.

ويبدو مِن المعلومات التي يُزوّدنا بها صاحب المخطوطة أنّ له صِلةً بآل العبّاس؛ لأنّ المعلومات التي يرويها لا يُمكن أنْ يذكرها إلا مَن كان مُطّلعاً على الدعوة أو أحد رجالها.

ويعتقد الدكتور الدوري أنّ المعلومات التي أوردها صاحب المخطوطة قد أخذها مِن الحَلقة الداخليّة مِن رجال الدعوة العباسيّة، ومِن رجال الدعوة والدُعاة البارزين المـُتّصلين بالعباسيّين دون أفراد الأُسرة العباسيّة(١) .

كما أنّ أُسلوب الكِتاب ومصادرة تُشير إلى أنّه كُتب حوالي مُنتصف القرن الثالث الهجري(٢) .

وقد روى صاحب المخطوطة عن مُعاصرين اتّصل بهم كالبلاذري، فمرّةً يَذكر: قال البلاذري، وأخرى حدّثنا البلاذري(٣) .

(١٣) ويُعطينا صاحب( العيون والحدائق ) أخباراً عن الشيعة أيّام الأُمويّين، وأخبارهم مع العباسيّين وثورات أبناء الحسن، كما يتحدّث عن الدعوة العباسيّة.

وتتشابه معلوماته مع معلومات الطبري، إلاّ فيما يتعلّق بأخبار الدعوة العباسيّة، فإنّه يَنفرد بمعلوماته(٤) .

____________________

(١) الدكتور الدوري: ضوء جديد على الدعوة العباسيّة، مقالة في مجلّة كُلّية الآداب والعلوم: العدد الثاني ١٩٥٧ ص ٦٦.

(٢) ن. م ص ٦٤.

(٣) أخبارهم العبّاس الورقة ٣٦ ب، ٦٥ آ، ٧٣ آ وقد اختصر هذا الكتاب مؤلّف مَجهول في القرن الحادي عشر، وقد ذَكر نفس الأخبار ولكن بإيجاز، وفي مُقدّمة المـُختصر ما يُلقي ضوءاً على شخصيّة المؤلّف، فقد ذَكر صاحب المـُختصر في كلامه: ( وقد دعاني إلى ارتدئ، وذكر العبّاس بن عبد المـُطلب لبانة في نفس وأرب يخصني، وذاك أنّي أنتسب إلى ولاءٍ في هذا البيت الشريف شرعي؛ لأنّ جدّي الذي أنتسب إليه مِن إحدى طرفَي وثاب كان مُكاتباً لعبد الله بن عبّاس.. ثُمّ يذكر أن وثاب تزوج فولد له يحيى صاحب طريقة في قراءة القرآن )، وبعد هذا لا يَذكر شيئاً، ويصل في أخباره إلى خلافة السفّاح ويَذكر خُطبته. نبذة مِن كتاب التاريخ: الورقة ٧.

(٤) العيون والحدائق: ص ١٨٠ - ١٨١.

١٦

وصاحب الكتاب مجهولٌ، والقسم المـُتوفّر مِن كتابه يبدأ مِن خلافة الوليد بن عبد المـَلك إلى خلافة المـُعتصم، وهو الجزء الثالث، ثُمّ الجزء الرابع، ويبدأ مِن حوادث ٢٥٦ هـ - ٣٥١ هـ وهذا الجزء مخطوط لم يُطبع بعد.

(١٤) أمّا مسكويه (ت ٤٢١هـ ) فيسير في رواية الأحداث في كتابه:( تجارب الأُمم ) على طريقة الطبري، فلا يأتي بجديد في معلوماته، والقسم الموجود مِن كتاب مسكويه الجُزء الأوّل ويبدأ مِن سنة ١ هـ - ٤٠هـ نشره كايتاني، وتوجد مَخطوطة تبدأ مِن حوادث سَنة مِن سنة ١٠٤هـ - ١٣٤هـ يتناول فيها أخبار الدعوة العباسيّة، وهو في هذا لا يأتي بأكثر ممّا جاء به الطبري، إلاّ قليلاً.

ثُمّ نُشر قسمٌ آخر مِن تجارب الأُمم يبدأ مِن سنة ٢٩٨هـ - ٢٥١ هـ، وهو في هذا القِسم لا يأتي بجديد أيضاً، فيروي أخبار الطالبيّين مع المأمون وثوراتهم، ويفصل في ذِكر ثورة أبي السرايا مع ذِكر مَن ثار منهم بعده.

(١٥) وذَكر محمّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني - المعروف بابن الأثير الجزري - ( ت ٦٣٠ هـ ) في كتابه:( الكامل في التاريخ ) نفس الأحداث التي أوردها الطبري، وسار على طريقته في ذِكر الحوادث مع إضافات، وقد ذَكر ذلك في خطبة كتابه حيث يقول: ( إنّي قد جمعت في كتابي هذا ما لم يُجمع في كتابٍ واحد ...، فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنّفه الإمام أبو جعفر الطبري، إذ هو الكتاب المـُعوّل عليه عند الكافّة ...، فأخذتُ ما فيه مِن جميع تراجمه ولم أُخلّ بترجمة واحدة منها، وقد ذَكر هو في أكثر الحوادث روايات ذات عدد، كلّ رواية منها مثل التي قبلها أو أقلّ منها، وربما زاد الشيء اليسير أو نقصه فقصدّت أتمّ الروايات، فنقلتها وأضفتُ إليها مِن غيرها ما ليس فيها )(١) .

(١٦) ويروي ابن الطقطقي ( ت ٧٠٩ هـ ) في كتابة: ( الفخري في الآداب السُلطانيّة ) أخبار عليّ بن أبي طالب مع النبيّ، ثُمّ أخبار الشيعة مع

____________________

(١) الكامل في التاريخ: ج١ ص ٥.

١٧

الأُمويّين، وأخبارهم مع العباسيّين، وذَكر أخبار الأئمّة والثورات التي قام بها أبناء الحسن، وهو في روايته للأحداث لم يستطع أنْ يُخفي مُيوله العلويّة.

(١٧) أبو الفدا ( ت ٧٣٢ هـ ) يذكر في كتابه:( المـُختصر في أخبار البشر) خلاصةً عن ما أورده مِن سَبَقه مِن المـُؤرّخين.

(١٨) ويعطي شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨هـ ) في كتابه: ( تاريخ الإسلام) تراجم للصحابة، ويذكر بعض الأخبار التي تهتمّ بها الشيعة، كذِكر حادثة الغدير وغيرها مِن الحوادث، ويأخذ عن الطبري.

(١٩) ويسير ابن كثير ( ت ٧٧٤ هـ ) في كتابه: ( البداية والنهاية في التاريخ ) على طريقة الطبري وابن الأثير في روايته للأحداث، ويأخذ عن الذهبي في بعض الروايات.

(٢٠) ابن خلدون ( ت ٨٠٨ هـ ) يسير على طريقٍ يختلفُ عن بقيّة المـُؤرّخين، فهو لا يكتفي بسرد الحوادث، وإنّما يُحاول أنْ يجدَ فلسفةً وأسباباً للأحداث، فيَذكر في مُقدّمة كتابه:( العِبَر وديوان المـُبتدأ والخبر ) فصلاً عن المِلل، ويتحدث عن الشيعة وبداية ظُهورهم، وسبب ظهور الفِرَق، ثُمّ يورد في العِبَر الأخبار الواردة عند المـُؤرّخين.

(٢١) وأحسن ما كَتبه المقريزي ( ت٨٤٥ هـ ) فائدةً في بحث الشيعة كتابه: ( النزاع والتخاصم فيما بين أُميّة وهاشم ) ، فقد ذَكر العلاقة بين هاشم وأُميّة والعداء بينهما، ومَن قُتل مِن بني هاشم أيّام بني أُميّة.

(٢٢) ويذكر في كتابه:( الخُطط ) أخباراً مُتفرّقة عن الشيعة وبداية ظُهورهم، وعن الرافضة.

(٢٣) أمّا السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) في كتابه: ( تاريخُ الخُلفاء ) ، فيتناول أخبار كلّ خليفةٍ، وتاريخ الشيعة وأخبارهم مع الأُمويّين والعباسيّين.

(٢٤) ويُعطي ابن الشحنة ( ت ٨١٥ هـ ) في كتابه:( روضةُ المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ) والقرماني ( ت ١٠١٩ هـ ) في كتابة:( أخبار الدول

١٨

وآثار الأول ) معلوماتٍ كالتي أوردها المـُؤرّخون الذين سبقوهما، إلاّ أنّهما يُزيدان في ذِكر أخبار الأئمّة ونُبَذٍ مِن أقوالهم.

ب - أمّا كُتُب الفِرَق غير الشيعيّة، فتبحث في تكوين الفِرَق ومنها الشيعة مع ذكر آرائها واختلافاتها.

(٢٥) فيذكر أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري ( ت ٣٢٤ هـ )، في كتابه:( مقالات الإسلاميّين واختلاف المـُصلّين )، الشيعة ويُقسّمهم إلى ثلاث فِرق:

الغُلاة، ويقسمها إلى خمس عشرة فِرقة.

ثُمّ الرافضة، ويُقسّمهم إلى ٢٤ فِرقة، ويُدخل ضمنهم الكيسانيّة، والظاهر أنّه يقصد بالرافضة الإماميّة؛ لأنّه يذكر القطعيّة والواقفة وهؤلاء مِن الإماميّة، بالإضافة إلى هذا يذكر البيانيّة ويعدّها مِن الإماميّة، بينما هي مِن الغُلاة.

ثُمّ يذكر الزيدية، ويُقسّمها إلى ثلاثة أصناف: الجاروديّة والبتريّة والسليمانيّة، وكُلّ هذه الفِرَق يُقسّمها إلى فِرق أُخرى.

وبالإضافة إلى ذلك يذكر مَن خرج مِن آل أبي طالب مُنذ أيّام الأُمويّين حتّى نهاية أيّام المـُكتفي العبّاسي، وكذلك يذكر رأي الشيعة في الإمامة وأقوالهم في الوعد والوعيد والتجسيم والقضاء والقدر.

(٢٦) ويذكر أبو بكر محمّد بن الطيّب بن الباقلاّني ( ت ٤٠٣ هـ )، في كتابة:( التمهيد في الردّ على المـُلحدة والمـُعطّلة والرافضة والخوارج والمـُعتزلة ) ، إمامة عليّ بن أبي طالب، ويُورد أحاديث للرسول في فضل عليٍّ، وينفي أنْ يكون حديث الغدير دليلاً على إمامة عليّ ويردّ على الرافضة في مسائل أُخرى.

(٢٧) ويتحدّث عبد القادر بن طاهر بن محمّد البغدادي ( ت ٤٢٩ هـ )، في كتابة:( الفَرق بين الفِرَق ) ، عن الشيعة، فيذكر أنّ الشيعة ثلاث فِرق، ويُطلق كلمة رافضة على كلّ الشيعة، وعنده أنّ الشيعة هُم الإماميّة والزيديّة والكيسانيّة، ويُقسّم الكيسانيّة إلى فِرقتين، ثُمّ يُقسّم الإماميّة إلى خمس عشرة فِرقة، ولكنّه يُدخِل معهم الغُلاة، ولو أنّه يُخصّص فصلاً للغلاة.

١٩

ويتصرّف البغدادي على خلاف كُتّاب الفِرَق بإعطاء رأيه في الحوادث(١) .

(٢٨) أمّا أبو المـُظفر الاسفراييني ( ت ٤٧١ هـ )، في( التبصير في الدين وتمييز الفِرَقة الناجية عن الفِرَق الهالكين ) ، فيتكلم عن الشيعة وفِرَقهم، وهو لا يَختلف عن البغدادي في تقسيمه إلاّ قليلاً، كما أنّه يُعطي رأيه في الأحداث ويردّ على الشيعة وعلى بقيّة الفِرَق؛ لأنه يرى أنّ الفِرَقة الناجية هُم أهل السُنّة والحديث.

(٢٩) ويتكلّم عبد الكريم الشهرستاني ( ت ٥٤٨ هـ )، في كتابه:( المِلَل والنِحَل ) ، عن الشيعة، فيتحدث عن الزيديّة والكيسانيّة والإماميّة وفِرَقِهم والغُلاة، ثُمّ يذكر عدداً مِن رجال الشيعة ومُصنّفي كُتبهم.

(٣٠) أمّا فخر الدين الرازي ( ت ٦٠٦ هـ )، فيذكر في كتابه:( اعتقادات فِرَق المـُسلمين والمـُشركين ) الشيعةَ ويُسمّيهم الروافض، ويُطلق هذا الاسم عامّة، ويعطي للفِرق نفس التقسيم الذي ذكره البغدادي والاسفراييني، إلاّ أنّه لا يُفصّل في كلامه، إنّما يكتفي بتعريفٍ لكُلّ فِرقة مِن فِرق الشيعة.

(٣١) ويتحدث ّعثمان بن عبد الله بن الحسن الحنفي العراقي ( مِن القرن السابع )، في كتابه:( الفِرَق المـُفتَرقة بين أهل الزيغ والزندقة ) ، عن فِرَق الشيعة المـُختلفة، ويُطلق لفظة الروافض على جميع الشيعة.

ج - وممّا يُفيدنا في بحث الشيعة: مصادر الإسماعيليّة، كما أنّ بعض كُتب الإسماعيليّة أقرب صِلةً بالإماميّة مِن غيرها.

(٣٢) ففي كتاب( الزينة في الكلمات الإسلاميّة ) للرازي المـُتوفّى سَنة ٣٢٢هـ كلامٌ عن الشيعة، فيذكر أصل لفظ التَشيُّع، ثُمّ يتكلّم عن الرافضة ومعناها، كما يتحدّث عن فِرَق الشيعة، وهو في ذلك لا يختلف عمّا يذكره النوبختي وسعد القُمّي، إلاّ فيما يتّصل بالإسماعيليّة، ومهما يُحاول الرازي أنْ لا يُفصح عن كونه إسماعيليّاً إلاّ أنّ أُسلوبه يدلّ عليه.

(٣٣) ويذكر أبو حنيفة النعمانُ بن محمّد بن منصور بن أحمد بن

____________________

(١) وقد اختصر كتاب ( الفَرق بين الفِرَق ) الرسعني في ( مُختصر الفَرق بين الفِرَق ).

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ، ولكن قديم أول ، وآخر لم يزل ، ولا يزال بلا بدء ، ولا نهاية لا يقع عليه الحدوث ، ولا يحول من حال الى حال خالق كل شيء»(١) .

ومن الغريب أن يكون النداء بهذه الفقرات بحرف (يا) مع أنها موضوعة في المصطلح النحوي لنداء البعيد فكيف يلتئم هذا مع إخباره سبحانه عن قربه من العبد بقوله :

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (٢) .

والجواب عن ذلك : بأن الداعي وجد نفسه بعيداً عن ربه نظراً لجرائمه العديدة لذلك استعمل في النداء ما يدل على البعد من حروف النداء إعترافاً منه بتقصيره

٢ ـ اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ. اَللّـهُمَّ اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ. اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ. اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاء. اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ الْبَلاءَ. اَللّهُمَّ اغْفِرْ لي كُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ ، وَكُلَّ خَطيئَة اَخْطَأتُها. اَللّهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ بِذِكْرِكَ ، وَاَسْتَشْفِعُ بِكَ اِلى نَفْسِكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ اَنْ تُدْنِيَني مِنْ قُرْبِكَ وَاَنْ تُوزِعَني شُكْرَكَ ، وَاَنْ تُلْهِمَني ذِكْرَكَ.

__________________

(١) أصول الكافي : كتاب التوحيد / باب معاني الأسماء واشتقاقاتها / حديث (٦).

(٢) سورة ق : آية (١٦).

١٢١

في هذا الفصل من الدعاء نلمح من بين فقراته المواضيع التالية :

١ ـ يوجه الدعاء الداعي بعد القسم على الله بصفاته ، وأسمائه أن ينسق طلبه ، ويحدده على نحو الأهم ، فالأهم ، ولذلك وقبل كل شيء يرى ضرورة تقدمه بطلب غفران الذنوب ، والتجاوز عن معاصيه.

٢ ـ أن الذنوب كما لها مخلفات أخروية من إستحقاق كذلك لها آثار وضعية تتحقق في هذه الدنيا من تعجيل بلاء ، أو تغير نعمة ، أو حبس دعاء ، وهكذا.

٣ ـ التدرج الدعائي في الطلب من الأقل الى الأكثر ، فبينما نرى الداعي يبدأ بطلب المغفرة للذنوب التي تغير النعم مثلاً ، أو غيرها من الذنوب التي تسبب بعض الأمور الخارجية نرى الداعي يترقى ليطلب من ربه أن يغفر له كل ذنب أذنبه ، وكل خطيئة صدرت منه.

وهذا ما نستوضحه عند شرحنا لفقرات الدعاء بالخصوص ، وأن هذا الأسلوب له أثره الخاص في جلب رضا الخالق ، والوصول من وراء ذلك الى الغاية المنشودة له من العفو عما صدر منه مطلقاً.

٤ ـ موضوع الشفاعة : حيث يتقدم الداعي بجعل وبسيط بينه ، وبين خالقه ليتشفع له في تحصيل ما يريده منه ، وتحقيق ما يطلبه منه.

ومن الإِجمال في عرض هذه المطالب المذكورة الى التفصيل :

١٢٢

«اللهم إغفر لي الذنوب التي تهتك العصم»

غفر الشيء : ستره ، والذنوب : جمع ذنب وهو الجرم ، والإِثم.

والعصم : من العصمة ، وهي المنعة. وإعتصمت بالله اذا إمتنعت بلطفه عن المعصية وعصمة الله عبده إذا منعه مما يوبقه(١) .

وفي الحديث : «ما إعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي إلا قطعت أسباب السماوات من بين يديه وأسخت الأرض من تحته»(٢) .

وقد يدرج الداعي من أول الدعاء يتوسل الى ربه ، ويقسم عليه برحمته ، وبقوته ، وهكذا بصفاته ، وأسمائه ، ولكن من هذه الفقرة من دعائه بدء ببيان المقسم ، وهو الشيء الذي كان التوسل ، والقسم لأجله. لذلك يبدو لنا واضحاً التناسق والإِرتباط بين فقرات الدعاء السابقة ، وما بدأ به من الفقرات الآتية «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم».

وقد تضمنت هذه الجملة التماس العبد من ربه غفران الذنوب التي تهتك العصم أي الذنوب التي تكون سبباً في زوال مناعة العبد من الوقوع في الموبقات ، والرذائل.

إن التعبير الدعائي بالذنوب اليت تهتك العصم يعطينا فكرة واضحة عن لطف الله في منح الإِنسان المناعتين المعنوية ، والجسمية

__________________

(١) أقرب الموارد : مادة (عصم).

(٢) مجمع البحرين مادة (عصم).

١٢٣

فالبدن الصحيح له المناعة الكافية عن تلقي الأمراض التي تخز به وتكون سبباً في علته ، أو هلاكه ، ومتى حافظ الإِنسان على الارشادات الصحية كانت مناعته البدنية كافية لصد الأمراض. أما لو خالف ، وأهمل صحته ، فان ذلك معناه عدم مقاومة الجسم لصد أي مرض ، وهجومها عليه ونتيجة ضعف المناعة ، وانعدامها.

وهذا الإِنسان نفسه كما أودعه الله في أصل تكوينه المناعة الجسمية كذلك أودعه المناعة من الوقوع في الموبقات ، والرذائل ، والتي تكون سبباً في هلاكه أخروياً من لطف الله ، وجنته ومن ثم دخوله النار.

هذه المناعة أودعها الله عباده بمنحهم جوهرة العقل ، وهداهم النجدين(١) حيث أبان لهم طريق الخير كما أوضح لهم طريق الشر فإن أعمل الإِنسان عقله ، وامتثل أوامر ربه ، واجتنب نواهيه كان ذلك الإِنسان معصوماً ، وممنوعاً من الوقوع في كل ما يوصله الى العقاب الأخروي.

أما لو خالف ما يمليه العقل عليه من التزام طريق الهداية ، وركب هواه ، وارتكب الذنوب فإن هذا الإِنسان تنعدم عنده المناعة من الوقوع في الرذائل وطبيعي أن تكون نتيجة هذا الإِنسان اليأس ، وانه :( خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ) (٢) .

أما الذنوب التي تهتك ال عصم ، وتكون سبباً في زوال المناعة المعنوية ، فهي كما عن الإِمام الصادق «عليه السلام» :

__________________

(١) كما جاء في الآية الكريمة( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) البلد آية (١٠).

(٢) سورة الحج : آية (١١).

١٢٤

«شرب الخمر واللعب ، والقمار ، وفعل ما يضحك الناس من المزاح ، واللهو ، وذكر عيوب الناس ، ومجالسة أهل الريب»(١) .

ولا بد لنا من التنبيه ونحن أمام هذه الفقرات التي بدأ الداعي فيها طلب غفران الذنوب التي تهتك العصم ، أو تنزل النقم ، أو تغير النعم وغيرها مما سيأتي ذكرها ، فإن الأخبار الكريمة ذكرت تلك الذنوب وعددتها ولكنها ليست أسباباً حقيقية في إيجاد مسبباتها من هتك العصم ، أو إنزال النقم ، بل في الحقيقة إنها مقتضيات لحصول تلك الأمور ـ وعلى سبيل المثال ـ فإن اللعب بالقمار يكون مقتضٍ لزوال مناعة الإِنسان من وقوعه في المحرمات ، والموبقات ، ولكن ـ في نفس الوقت ـ قد لا تترتب على هذا المقتضي النتائج التي ذكرت لها اذا حصل المانع من التأثير ، والمغفرة تأتي في مقدمة ما يمنع من تأثير هذه المقتضيات ، وهكذا الصدقة ، وما شاكل مما يقف في طريق تأثير المقتضي ، وترتيب آثاره.

«اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم»

والنقم : جمع نقمة ، وهي العقوبة. وكما التمس الداعي في الفقرة السابقة أن يغفر الله له الذنوب التي تهتك العصم كذلك تضرع اليه أن يغفر له الذنوب التي تنزل العقوبة بحسب طبعها الأولي الاقتضائي.

أما تلك الذنوب فهي : كما جاء عن الإِمام الصادق «عليه السلام».

__________________ ـ

(١) مجمع البحرين : مادة (عصم).

١٢٥

«نقض العهد ، وظهور الفاحشة ، وشيوع الكذب ، والحكم بغير ما أنزل الله ، ومنع الزكاة ، وتطفيف الكيل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس بخمس قالوا : يا رسول الله ما خمس بخمس؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : ما نقض قوم العهد إلا وسلط الله عليهم عدوهم ، وما ظهرت عنهم الفاحشة إلا وقد فشا فيهم الموت ، وما شاع فيهم الكذب ، والحكم بغير ما انزل الله إلا وقد فشا فيهم الفقر ، وما منعوا الزكاة الا حبس عنهم القطر ، وما طففوا الكيل الا منعوا النبات ، واخذوا بالسنين»(١) .

وقد يقال : لماذا كانت هذه الذنوب بالخصوص تنزل العقوبة والذنوب كلها من هذه الجهة على حد سواء من ناحية الجرأة على المولى وانتهاك حرمته المقدسة بمخالفته أوامره وعدم إجتناب نواهيه؟

والجواب عن ذلك : بأن هذه الذنوب التي مر ذكرها لو تأملناها رأينا مفاسدها تضر بالمجتمع ، وتنخر بكيانه ، أو لا أقل أن يقال : أنها من حيث المجموع تتفشى تضعضع كيان المجتمع المتطامن ، وتجر أبناءه الى الويلات ، والهبوط في مهاوي الرذيلة.

ان بعض هذه الذنوب يكفي لإِفساد مجتمع بكامله فكيف بمجموعها؟

واي مجتمع يرجى منه الخير ، وأبناؤه ينقضون العهد ليسببوا بذلك عدم التزام بأمورهم التجارية ، والإِجتماعية فتشيع الفوضى بينهم ، ولذلك يسلط الله عليهم عدوهم كما أخبر عن ذلك النبي

__________________

(١) شرح دعاء كميل للسبزواري ٦٣ طبع إيران حجر.

١٢٦

صلى الله عليه وآله وسلم فيما تقدم من الحديث. وهكذا لو ظهرت الفاحشة فيما بينهم. ومن الفاحشة الزنى. ولا نحتاج الى بيان ما للزنى من العواقب الوخيمة فلقد كتب في ذلك الكثير ، وبينوا المضار المترتبة على هذه العملية ، وغيرها من الجرائم المذكورة في الحديث. فليس من المستبعد أن يكون حصول هذه الخصال الرديئة ، وإنتشارها موجباً لنزول البلاء ، وتعجيل العقوبة من باب الوقوف أمام تيار هذه الرذائل ، ومدى ما تخلفه من آثار تستوجب مثل هذا القمع الفوري لما في التأخير من عواقب وخيمة إجتماعية.

وقد أخبر القرآن الكريم عن مثل هذا الاجراء الفوري في بعض القضايا المماثلة بقوله تعالى :

( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) (١)

ولسنا في صدد بيان ما جريات وقائع الآية الكريمة من بيان ما بدله أولئك الذين ظلموا (وهم بنو اسرائيل) من مخالفة ما قيل لهم.

بل غرضنا من الإِستشهاد هو أن أولئك القوم حيث لم يلتزموا بما أمروا به ، وبدلوا ما أريد منهم ، لذلك كان جزاؤهم الفوري هو نزول العذاب عليهم كإجراء معاكس إستدعته المشيئة الإِلهية طبقاً للصالح العام ، والمصلحة الإِجتماعية.

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٥٩).

١٢٧

«اللهم إغفر لي الذنوب التي تغير النعم»

النعم : جمع نعمة ، وهي ما تفضل الله على عبده من الرزق ، والعافية والسلامة ، وما الى ذلك من ألطافه التي منحها للمخلوقين.

ويقول اللغويون : أن نعمة الله ما أعطاه الله العبد مما لا يتمنى غيره أن يعطيه إياه»(١) .

أما الذنوب التي تغير النعم فهي كما جاء عن الإِمام الصادق «عليه السلام» :

«ترك شكر النعم ، الإِفتراء على الله ، والرسول ، قطع صلة الرحم ، تأخير الصلاة عن أوقاتها ، الدياثة ، وترك إغاثة الملهوفين المستغيثين ، وترك إعانة المظلومين»(٢) .

ولماذا لا تغير هذه الذنوب النعم التي من الله بها على عباده فشكر المنعم واجب عقلاً ، ولأن عدم شكره متوعد عليه بنص الآية الكريمة في قوله تعالى :( لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) (٣) .

«والكفر بنعمة الله يكون بعدم شكرها أو بإنكار أن الله وهبها ونسبتها الى العلم ، والخبرة ، والكد الشخصي ، والسعي. كأن هذه الطاقات ليست نعمة من نعم الله ، والعذاب الشديد قد يتضمن محق النعمة عيناً بذهابها ، أو سحق آثارها في الشعور فكم من نعمة تكون بذاتها نقمة يشقى بها صاحبها ، وقد يكون عذاباً مؤجلاً الى اجله في

__________________

(١) أقرب الموارد : مادة (نعم).

(٢) شرح دعاء كميل للسبزواري (٦٤).

(٣) سورة إبراهيم : آية (٧).

١٢٨

الدنيا ، أو في الآخرة كما يشاء الله ، ولكنه واقع لأن الكفر بنعمة الله لا يمضي بلا جزاء»(١) .

«وقطع صلة الرحم قال فيها الإِماام أبو جعفر الباقر «عليه السلام» وان اليمين الكاذبة ، وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها»(٢) .

والبلقع في اللغة : هي الأرض القفر.

وليتصور الإِنسان بيته ، وهو يرفل بالنعم التي انعم الله بها عليه من كل جوانبه ، وإذا به بعد قطع رحمه قفر من كل شيء كما يقول الإِمام «عليه السلام» لذلك نرى الإِمام «عليه السلام» في هذه الجملة يلتمس من ربه أن يغفر له الذنوب التي تمحق النعم لتبقى نعمه تعالى عليه متواصلة ، ولئلا يكون محروماً من فيض لطفه الكريم.

«اللهم إغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء»

ولماذا ، وكيف تحبس هذه الذنوب الدعاء ، وتمنعه من التأثير في الإِجابة مع صدوره من قلب ، ولربما في زمانٍ له حرمته ، أو في مكان له قدسيته ، وبعد كل هذا وذاك فإنه سبحانه قريب ، وقريب ، وفوق كل ذلك يجيب دعوة من دعاه؟

وللإِجابة على هذه التساؤلات نقول :

ان معنى الدعاء هو : المناجاة مع الله ، وهو تعبير عن حالة العبد

__________________

(١) في ظلال القرآن في تفسيره لآية (٧) من سورة إبراهيم.

(٢) جامع السعادات : ٢ / ٢٥٨ / مطبعة النجف.

١٢٩

النفسية ، وما هو عليه من الالتجاء ، والتضرع الى خالقه ليتجاوز عن آثامه وخطاياه ، أو هو في حالة التماس يطلب من ربه ما يريد من توفير نعمة ، أو دفع بلاء ، أو ما شاكل من تمنيات مشروعة. وهو في كل هذه الحالات يتجه الى ربٍ مطلعٍ على خفايا الأمور ، ويعلم ما تنطوي عليه السرائر ـ فإذا فرضنا والحالة هذه ـ أن العبد الداعي يقف بين يدي ربه ، وهو يتسم بخبث السريرة ، وسوء النية ، فأي صفاء يجده في قلبه وهو يدعو بلسانه؟ اليس ذلك مجرد لقلقة لسان ، وصدور الفاظ لا تنبعث عن قلب ملهوف؟

إن الإِمام أبو جعفر الباقر «عليه السلام» يحدثنا ليلفت أنظارنا الى مثل هذه القلوب العفنة فيقول :

«ما من عبد مؤمن الا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنباً خرج في تلك النكتة سوداء ، فإذا تاب ذهب ذلك السواد واذا تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض ، ولم يرجع صاحبه الى خير أبداً ، وهو قول الله تعالى :( بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (١) .

والرين : هو الحجاب الكثيف ، والمراد به هنا : حجاب الذنوب ، والآثام وهذه النكت السوداء في القلب ـ كما يقول عنها الحديث ـ ما هي إلا خلفيات هذه الذنوب ، وما تستوجبه من قساوة القلب ، واذا بها حجب متراكمة تظلم القلب ، وتمنع من وصول النور الإِلهي اليه.

__________________

(١) مجمع البحرين : مادة (رون) وفيه ذكر الحديث ، وقد تعرضت له مصادر الحديث من الصحاح الستة باختلاف لفظي بسيط.

١٣٠

«وخير الدعاء ما صدر عن قلب نقي ، وقلبٍ تقي»(١) .

كما جاء في حديث آخر.

ومع سوء النية ، وخبث السريرة كيف يحافظ الداعي على صدر نقي من كل شائبة ، وقلب تقي سليم من الحواجب المظلمة؟

لذلك نرى أمثال هؤلاء الدعاة هم المعنيون بقول الإِماام أمير المؤمنين «عليه السلام» «ثم تدعون فلا يستجاب»(٢) .

وقبل أن ننتقل من هذه الفقرة لا بد لنا من الإِجابة على ما يرد عليها من الإِشكال التالي :

ان الداعي بهذه الفقرة يطلب من ربه أن يغفر له الذنوب التي تحبس الدعاء ، ومع وجود تلك الذنوب ، وفرض محبوسية الدعاء عن الإِجابة ، فإن الدعاء في هذه الصورة أيضاً يكون محبوساً فلا يؤثر أثره فلماذا اذاً يدعو بها ، ويردد «اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء».

والجواب عن ذلك : أنا سبق وأن بينا بأن هذه الذنوب ليست أسباباً حقيقية لايجاد مسبباتها ، بل هي من باب المقتضي لترتب الأثر عليها فلم يثبت أن وجود سوء النية ، والذي ذكر أنه يحبس الدعاء هو الذي اذا وجد عند الإِنسان حبس دعاءه وأعرض الله عن سماع كل دعوة له ـ بل كما قلنا ـ أن ذلك مقتضي لهذا الأثر ، واذا ثبت ذلك

__________________

(١) أصول الكافي : باب (ان الدعاء سلاح المؤمن) حديث ـ

(٢) نهج البلاغة من وصية له «عليه السلام» للحسن والحسين «عليهما السلام» لما ضربه ابن ملجم (لعنه الله).

١٣١

فاحتمال ان دعوة الداعي بهذه الفقرة ليست محبوسة قوي لإِحتمال وجود ما يمنع من تأثير ذلك المقتضي لو كان قد صدر منه ذنب من تلك الذنوب كسوء النية ، وخبث السريرة ، والنفاق مع الإِخوان ، وغير ذلك مما جاء في الخبر المتقدم.

«اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء»

والبلاء : هو الغم. أما الذنوب التي تكون سبباً في نزول البلاء وتورث الغم ، والتي يتوسل الداعي ان يغفرها الله له ، فهي كما جاء عن الإِمام زين العابدين «عليه السلام».

«ترك إغاثة الملهوفين ، وترك معاونة المظلوم ، وتضييع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر»(١) .

وفي بعض الأخبار انها سبع : «الشرك باالله ، وقتل النفس التي حرم الله تعالى ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، والزنا ، والفرار من الزحف ، والسرقة» (٢).

ولا ينافي أن تكون بعض الذنوب تشترك في التأثير فهي ـ مثلاً ـ كما تكون سبباً في نزول النقم ، كذلك تكون سبباً في نزول البلاء. وذلك يعود الى عظم الجرائم حيث تكون مؤثرة بتأثيرين ، أو اكثر تبعاً لما تخلفه من آثار اجتماعية سيئة.

__________________

(١) أسرار العارفين : ٤٢.

(٢) السبزواري في شرح دعاء كميل : ٦٩.

١٣٢

«اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء» (١)

والرجاء : هو الأمل. ورجاه يرجوه رجواً أمل به(٢) .

والذنوب التي تقطع الرجاء هي التي عددها الإِمام «عليه السلام» بقوله : «اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والثقة بغير الله والتكذيب بوعيد الله».

ان هذه الذنوب بطبيعتها تجل العبد بعيداً عن ربه ، وتقطع ذلك الاتصال النفسي بين العبد ، وخالقه ، وعندها يكون مثل هذا الشخص مصداقاً للآية الكريمة :( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) (٣) .

والضلال : ضد الهدى ؛ والمعنى الذي يقصده الداعي بطلب غفران مثل هذه الذنوب هو أن يجنبه الله عنها لئلا يكون ضالاً ، وبعيداً عن ساحة لطفه بإنقطاع رجائه من عفوه ، وكرمه ، فإن القلب المفعم بالإِيمان لا ييأس ، ولا يقنط من رحمته سبحانه معما عظم ذنبه وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

__________________

(١) هذه الفقرة من الدعاء لم توجد في كثير من كتب الدعاء وقد تعرض لها بعض الشراح فأثبتوها في الدعاء ولعلهم اخذوا ذلك من كتاب (المصباح) لتقي الدين ابراهيم بن علي العاملي الكفعمي ، وهو من مصادر كتب الدعاء عند الإِمامية ، وقد تعرضنا لها تبعاً لمن تقدم ليؤتى بها على سبيل الرجاء.

(٢) أقرب الموارد : مادة (رجو).

(٣) سورة الحجر : آية (٥٦).

١٣٣

«والذي لا إله الا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا ، والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ، ورجائه له ، وحسن خلقه ، والكف عن إغتياب المؤمنين ، والذي لا إله الا هو لا يعذب الله مؤمناً بعد التوبة ، والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله ، وتقصيره من رجائه ، وسوء خلقه ، واغتيابه للمؤمنين. والذي لا إله الا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن الله كريم بيده الخيرات يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن الظن به ، ثم يخلف ظنه ، ورجاؤه فاحسنوا بالله الظن ، وارغبوا اليه»(١) .

ومن هذا الحديث يتضح لنا ما للرجاء بالله من الأهمية في حياة العبد ، وبعد انتقاله الى الآخرة ، وعدم القنوط ، واليأس من رحمته الواسعة.

فلا غرو اذا رأينا الإِمام عليه السلام يعلمنا كيف يجب ان يلتمس الداعي من ربه ان يغفر له تلك الذنوب التي تكون السبب في انقطاع العلقة بين المولى وعبده؟ «إن الله يغفر الذنوب جميعاً».

«اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته»

وهكذا يذهب الداعي برجائه الى أقصى حد ويلتفت الى أنه يمثل بين يدي ربٍ كريمٍ جاء في كرمه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوماً : يا كريم العفو فقال له جبرئيل : أتدري ما تفسير يا كريم العفو؟ هو أنه يعفو عن السيئات برحمته ثم يبدلها حسنات

__________________

(١) أصول الكافي : باب حسن الظن بالله / حديث / ٢.

١٣٤

بكرمه»(١) .

فلماذا إضاً يقتصر الداعي في دعائه على طلب المغفرة لبعض الذنوب كالتي تهتك العصم ، أو كالتي تنزل النقم ، أو التي تحبس الدعاء؟ فهل هو بدعائه ، وطلبه يتوجه الى بشر مثله محدود العواطف ليضيق ذرعاً بما يريد منه؟

لا : ولك أن تكرر النفي الى ما لا نهاية ، فإن الداعي يتوجه بطلبه الى ربٍ عطوف يريد منه أن يتفضل عليه ، فيغفر عليه ، فيغفر له كل ذنب أذنبه ، وكل إثم صدر منه ، وهو ـ في الوقت نفسه ـ لم يذهب بعيداً بهذه الأمنيات ، فعوامل الرجاء تدفعه الى الاستزادة من هذا الفيض ما دامت الآيات الكريمة تبشر المذنبين قائلة :( إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) (٢) .

( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) (٣) .

وتترقى آية أخرى فتتحدى جميع البشر فتقول :

( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ ) (٤) .

واذا كان هو مصدر الغفران فقط وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «والذي نفسي بيده الله أرحم بعبده المؤمن من الوالدة الشفيقة بولدها»(٥) .

__________________

(١) جامع السعادات : ١ / ٢٥١ الطبعة الثالثة / مطبعة النجف وهكذا جاء في إحياء العلوم للغزالي : ٤ / ١٢٩ باختلاف بسيط.

(٢) سورة الزمر : آية (٥٣).

(٣) سورة النساء : آية (٤٨).

(٤) سورة آل عمران : آية (١٣٥).

(٥) جامع السعادات : ١ (٢٥١).

١٣٥

إذاً فليذهب بالعبد رجاؤه الى مدارج السمو وليلتمس من ربه ان يغفر له كل ذنب أذنبه ففي رحاب الله يجد ذلك المسكين أمانيه تتحقق فقد ورد في الحديث :

«ان العبد اذا أذنب فاستغفر يقول الله لملائكته أنظروا الى عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنوب ، ويأخذ بالذنب إشهدوا اني قد غفرت له»(١) .

«وكل خطيئة أخطأتها»

والخطيئة : هي الذنب المتعمد ، وقيل إنها الذنب أعم من الإِثم لأن الإِثم لا يكون إلا من عمدٍ ، وهي قد تكون لا عن عمد(٢) .

والتناسق الدعائي يقضي أن يكون المراد بها في هذه الجملة هو : المعنى الثاني لأن الروعة الدعائية تظهر على هذا التفسير فإن الداعي بعد أن تدرج في الالتماس يطلب أن يغفر له الذنب الفلاني ، والذنب الموصوف بكذا. بعد كل هذا أضرب ، وجاء يلتمس أن يغفر له كل ذنب أذنبه ، وطبيعي أن الذنب هو الجرم الذي يصدر عن عمدٍ ، ولكنه حيث وجد من عطف ربه ، وكرمه ما شهد له بانه : يغفر الذنوب جميعاً عدا الشرك به فلماذا لا يذهب الى آخر الشوط ، فيلتمس من ربه أن يتجاوز عن كل ما صدر منه ولو كان ذلك عن غير عمدٍ وهو المسمى (بالخطيئة)؟ فهو يريد أن يفتح صفحة جديدة ليعود كيومٍ ولدته أمه خلواً من كل ذنب جرماً كان ذلك الذنب ، أو

__________________

(١) جامع السعادات : ١ / ٢٥١ الطبعة الثالثة.

(٢) أقرب الموارد ، والقاموس ، وغيرهما : مادة (خطأ).

١٣٦

خطيئة ليرى حلاوة الإِجابة تتمثل له بعد أن ورد في الحديث القدسي «إنما خلقت الخلق ليربحوا علي ، ولم أخلقهم لأربح عليهم»(١) .

كلا : وحاشا له أن يساوم عليهم ، ويربح من وراء عبادتهم ، بل هو منبع الحنو والرقة ، يعاملهم بالحسنى ، وان كانت الذنوب قد سودت وجوههم.

ان كان لا يرجوك الا محسن

فبمن يلوذ ويستجير ـ المجرم

«اللهم اني اتقرب اليك بذكرك»

والمقصود بالتقرب ، هو القرب المعنوي ، لا المكاني لاستحالة ذلك بالنسبة اليه تعالى لإِستلزام التقرب المكاني الى تحديده بالمكان. وتعالى الله عن ذلك سبحانه.

أما الذكر ، فالمراد منه هو الإِتصال بالله ن طريق استحضار اسمائه ، وصفاته المقدسة في قلب الداعي ، على لسانه.

وبهذه الفقرة من الدعاء يكون الداعي قد ختم دور الإِلحاح والالتماس لطلب المغفرة ليبدأ بدور جديد ، وينزل بروحه الى عالم الحياة ، وهي خفيفة نظيفة ليباشر حياته من جديد وعلى أسس جديدة ، وطريقة جديدة مؤكداً بان ما سبق منه من هذا الطلب ، والإِلتماس لم يكن فقط لمجرد التجاوز عن ذنوبه فلرب داعٍ لم يتقرف في حياته من ذلك شيئاً كالأنبياء والأئمة الاطهار ، والصالحين من البشر ، ومع ذلك فهم يلحون في الدعاء ، ويلتمسون المغفرة ، ويقضون الوقت في المناجاة باكين خاشعين ، بل لبيان أن مع الإِلتماس

__________________

(١) جامع السعادات : ١ (٢٥١).

١٣٧

تقرب ، وفي التقرب تأكيد على الإِتصال الحقيقي به سبحانه وتعالى ، على الصعيدين ، الداخلي والخارجي.

الداخلي : حيث يتمثل بما ينطوي عليه القلب من استحضار الله ، وعدم الغفلة عنه.

أما الخارجي : فبأداء كل ما أمر به تعالى ، والاجتناب عما نهى عنه.

وبذلك نرجع الى الدعاء ليعلمنا بأننا يجب ان نعتمد : في الطريقة الجديدة للحياة التي يرضاها لنا الله أن نكون قريبين منه بذكره المتواصل في كل لحظة ، وفي كل عمل نقوم به من أعمالنا ونراقبه في السراء ، والضراء ، وفي كل صغيرة ، وكبيرة ، وبذلك نضمن قربنا منه ، وبعدنا عن الذنوب.

وقد اعطى القرآن الكريم صورة حية لأولئك المقربين منه بقوله تعالى :( رجال لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ) (١) . قلوب حية عطرة منطوية على حب الله ، والقرب منه.

وألنسة رطبة بذكره جلّت قدرته تسبحه ، وتقدسه ، وتذكر نعماءه ، وآلاءه بحيث لا تلهيهم الدنيا بما فيها من تجارة ، وربح وحصول المال ، وما يستتبع ذلك من سعة في الملاذ الدنيوية.

«وأستشفع بك الى نفسك»

والداعي بشر ومهما كان فان من الغرائز البشرية الخوف. أما

١٣٨

الشجاعة واللامبالاة ، فانهما عارضان عليه نتيجة تطبعه ، وإقدامه. واستجابة لنداء الغريزة المذكورة نرى الداعي مهما كررت الآيات الكريمة تنبيء عن غفران الله ، وعفوه ، وأنه يغفر الذنوب جميعاً ، ومع الآيات التي تؤكد على عدم اليأس من روح الله ، ورحمته نقول : مع كل ذلك فهو يستعظم جرمه ، ويستكبر ذنبه ، ويخشى أن لا يستجيب الله لصارخ ندائاته المتعاقبة.

لذلك ، وبدافع من طبيعة الخائف النفسية يبدأ بالبحث عن الشفيع الذي يجعله الواسطة بينه ، وبين ربه. والشفاعة أمر يستسيغه ، ويقويه العرف لتأمين ما يتطلبه الإِنسان من قضاء حوائجه.

ولكن : يا ترى من هو ذلك الشفيع الذي يقبله الله ليتشفع في أمر عبده الخائف؟

ان عظم الذنب يتجسم أمام الداعي ، فيصور له رفض كل شفيع في حقه مهما كانت منزلته ، ومهما كانت رحمة الله واسعة.

وتبدد حيرة الداعي بقية أملٍ تلوح له باللجوء الى مصدر الخوف وهو الله سبحانه ، فهو الخصم ، وهو ـ في الوقت نفسه ـ الحكم ، وهو الأول ، والآخر.

ويأتي التعبير متناسقاً عند ما نرى الداعي يتضرع وهو يقول :

«واستشفع بك الى نفسك»

وكما كان الإِمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام يناجي ربه وهو يقول : «وانا يا سيدي عائذ بفضلك هارب منك اليك»(١) . وحري بالله جلّت عظمته أن لا يرد عن ساحة لطفه عبداً

__________________

(١) من دعاء الامام «عليه السلام» المروي عن أبي حمزة الثمالي.

١٣٩

التجأ اليه تائباً.

إلهي كيف تطرد مسكيناً التجأ اليك من الذنوب هارباً؟

أم كيف تخيب مسترشداً قصد الى جنابك ساعياً؟

ام كيف ترد ضمآناً ورد الى حياضك شارباً؟

كلا وحياضك مترعة في ظنك المحول ، وبابك مفتوح للطلب والوغول ، وأنت غاية المسؤول ، ونهاية المأمول(١) .

«واسئلك بجودك»

الجود : بمعنى السخاء ، وهو بمعنى الكرم ، وقيل : الجواد الذي لا يبخل بعطائه ، وهو من أسماء الله(٢) .

والقسم جاء في هذه الفقرة بصفة محببة للمسؤول وهو الله فإنه يحب الكرم ، ويثيب عليه ، والمورد يستدعي ذلك فإن الداعي يريد من الله ، ويطلب منه. ولا بد ، والحالة هذه من التضرع اليه بما عرف به من الجود ، والسخاء.

«أن تدنيني من قربك»

وترتبط هذه الفقرة من الدعاء بالفقرة السابقة من الدعاء من قوله :

«اللهم اني اتقرب اليك بذكرك»

فالقرب من الله حقيقة تتوقف على جهتين :

__________________

(١) فقرات من دعاء الصباح الذي كان يدعو به الامام علي بن أبي طالب «عليه السلام».

(٢) مجمع البحرين : مادة (جود).

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318