نشأة الشيعة الامامية

نشأة الشيعة الامامية0%

نشأة الشيعة الامامية مؤلف:
الناشر: دار المؤرخ العربي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 318

نشأة الشيعة الامامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: نبيلة عبد المنعم داود
الناشر: دار المؤرخ العربي
تصنيف: الصفحات: 318
المشاهدات: 16144
تحميل: 6718

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 318 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16144 / تحميل: 6718
الحجم الحجم الحجم
نشأة الشيعة الامامية

نشأة الشيعة الامامية

مؤلف:
الناشر: دار المؤرخ العربي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بعثه إليهم: ( أنّ المهدي ابن الوصيّ محمّد بن علي بعثني إليكم أميناً ووزيراً )(١) .

وواضح مِن هذا أنّ المـُختار قد دعا إلى إمامة محمّد بن الحنفيّة(٢) ، كما أنّه كان يُلقّب محمّد بن الحنفيّة بالمهدي، وقد تطوّرت هذه الفِكرة فيما بعد وأصبحت مِن مبادئ الكيسانيّة الرئيسيّة(٣) .

ويُعلّل المسعودي سبب اعتقاد المـُختار بمحمّد بن الحنفيّة، فيقول: ( والذي دفعَ المـُختار الاعتقاد بإمامة محمّد بن الحنفيّة أنّه: كتبَ كتاباً إلى عليّ بن الحسين السجّاد، يُريده على أنْ يُبايع له ويقول بإمامته ويُظهر دعوته، وأنفذ إليه مالاً كثيراً، فأبى عليّ بن الحسين أنْ يقبل ذلك منه أو يُجيبه عن كتابه، وسبّه على رؤوس الملأ في مسجد النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، وأظهر كَذبه وفجوره ودخوله على الناس بإظهار المـَيل إلى آل أبي طالب، فلمّا يَئس المـُختار مِن عليّ بن الحسين كَتب إلى عمّه محمّد بن الحنفيّة يُريده على مِثل ذلك، فأشار عليه عليّ بن الحسين أنْ لا يُجيبه؛ لأنّ باطنه مُخالفٌ لظاهره في الميل إليهم، فهو في عداد أعدائهم لا أوليائهم، ولكنّ ابن الحنفيّة سكتْ عن المـُختار عملاً بنصحية ابن عبّاس، وخوفاً مِن ابن الزُبير(٤) .

ولم يَرد هذا الخبر عند أحدٍ غير المسعودي، وبهذا استطاع المـُختار إيهام الناس بأنّه مُرسل مِن قِبَل ابن الحنفيّة.

ويذكر ابن سعد أنّ المـُختار كان يدعو الناس إلى محمّد بن الحنفيّة فبايعه عدد كبير، إلاّ أنّهم شكّوا في أمره، فأرادوا التأكّد مِن أمره، فسألوا محمّد بن الحنفيّة، فأجابهم ابن الحنفيّة: ( نحنُ حيثُ ترون مُحتسبون، وما أحبّ أنّ لي سلطان الدنيا بقتل مؤمن بغير حقّ، ولوددتُ أنّ الله انتصر لنا بمَن شاء مِن خلقه فاحذروا الكذّابين، واُنظروا لأنفسكم ودينكم )(٥) .

____________________

(١) البلاذري: أنساب الأشراف ج٥ ص ٢١٨.

(٢) الأشعري القُمّي: المقالات والفِرَق ص ٢٥، النوبختي ص ٢٣.

(٣) الأشعري القُمّي: المقالات والفِرَق ص ٢٤.

(٤) المسعودي: مُروج الذهب ج٣ ص ٨٣ - ٨٤.

(٥) ابن سعد: الطبقات ج٥ ص ٧٢.

٨١

فجواب محمّد لا يدلّ على تأييد المـُختار، وكان له تأثير في إضعاف دعوة المـُختار.

ولو تتبّعنا سيرة محمّد بن الحنفيّة فلا نجد ما يُشير إلى أنّه كان طامعاً في الأمر بعد الحُسين، وإنّما كان ممَّن أخلص النُصح للحسن والحسين، وقد أوصى الحسن الحسين به، وقال:( يا أخي، أوصيك بمحمّد أخيك، فإنّه جلدة ما بين العينين ) ، وقال:( يا محمّد أوصيك بالحسين، كانِفه ووازره ) (١) .

واستمرّ المـُختار في الطلب بثار الحسين وتتبّع قتلته، فقتل عُبيد الله بن زياد وعمير بن الحباب وفرات بن سالم وشمر بن ذي الجوشن، وكثيرٌ غيرهم(٢) .

ولم يدمْ أمر المـُختار طويلاً، فقد انتهى أمره بقتاله مع ابن الزبير(٣) .

وتظهر أهميّة حركة المـُختار في أحداث التطوّر على الشيعة بظهور فِرقةٍ جديدةٍ تقول بإمامة محمّد بن الحنفيّة سُمّيت بالكيسانيّة(٤) .

وقد انقسمت الكيسانيّة إلى فِرق عديدة ظهرت نتيجةً لحركة المـُختار، وقد اختلف كُتّاب الفِرق في النَظر إليها، فمنهم مَن عدّها مِن الشيعة، ومنهم مَن عدّها مِن الغُلاة، وقد اتّصلت الكيسانيّة بالسبأيّة في بعض مبادئها، وتطوّرت حتّى أخرجت الإمامة مِن أولاد عليّ إلى أولاد العبّاس. وسنأتي على بيان ذلك في باب الدعوة العبّاسيّة.

وقد امتازتْ هذه الفترة بظهور محمّد بن عليّ بن الحنفيّة، ومحمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس، وأبي محمّد عليّ بن الحسين.

____________________

(١) الدينوري: الأخبار الطوال ص ٢٢١.

(٢) ن. م ص ٢٩٣.

(٣) ن. م ص ٢٩٣.

(٤) نسبة إلى المـُختار بن أبي عبيد الثقفي؛ لأنّ اسمه كيسان، ويُكنّى أبا عمره، ويرى الدينوري أنّ أبا عمره صاحب شرطة المـُختار الدينوري، ص ٢٨٩ ويذكر الأشعري القُمّي في المقالات والفِرَق: أنّ كيسان غير المـُختار، وأنّه مولى لعليّ بن أبي طالب، ( ص ٢١ ) واُنظر:

W.Montgomery watt. Shiism under the Umayyads. Journal of the Royal Asiatic Society

Part. ١,٢ ١٩٦٠ London. P. ١٥٨ ١٦٨

٨٢

فأمّا محمّد بن الحنفيّة، فقد ظهرتْ حوله دعوات كما مرّ مِن دعوة المـُختار له.

وكان محمّد بن عبد الله بن عبّاس لا يزال في بداية أمره.

أمّا أبو محمّد عليّ بن الحسين، فلم يُحاول الاشتراك في الأحداث التي مرّت بعد مَقتل أبيه الحسين، وإنّما انصرف إلى الزُهد، وكان يُلقَّب بزين العابدين؛ لشدّة وَرعه.

وانصرف كذلك إلى مُقاومة حركات الغُلوّ التي ظهرتْ في عصره، يدلّ على ذلك قوله:( أيّها الناس، أحبّونا حبّ الإسلام، فما برح بنا حبّكم حتّى صار علينا عاراً ) (١) .

وامتاز عصر الإمام عليّ بن الحسين بالشدّة في مُعاملة الشيعة، خاصة في زمن ولاية الحجّاج بن يوسف الثقفي الذي كان مَعروفاً بشدّة عدائه للشيعة(٢) .

وفي أيّام عبد المـَلك بن مروان مَرّت على الشيعة فترة هدوء بعدما اشتدّ الحجّاج في مُعاملتهم، فقد ذكر اليعقوبي: أنّ عبد المـَلك أمرَ الحجّاج، وقال له: ( جنّبني دماء آل أبي طالب، فإنّي رأيت آل حَربٍ لمـّا تهجموا لم ينصروا )(٣) .

وحينما جاء عُمر بن عبد العزيز اتبع مع الشيعة وآل الرسول سياسةً مُخالفة لمـَن سبقه، ففي زمنه تركَ لعن عليّ بن أبي طالب على المـَنابر.

وأعطى بني هاشم الخُمس، وردّ فدك، وفي ذلك يقول كثير:

وَليتَ فَلَم تَشتم عَلِيّاً وَلَم تُخِف

بَرِيّاً ولم تَقبَل إِشارَةَ مُجرِمِ(٤)

____________________

(١) الأصبهاني: حِلية الأولياء ج٣ ص ١٣٦، واُنظر: الصحيفة السجاديّة لعليّ بن الحسين، فإنّها أصدق دليلٍ على زُهده وورعه.

(٢) يُروى أنّ رجلاً يُقال أنّه جدّ الأصمعي، وقف للحجاج فقال: أيّها الأمير، إنّ أهلي عفوني فسمّوني عليّاً، وإنّي فقيرٌ بائسٌ، وأنا إلى صِلة الأمير مُحتاج، فتضاحك له الحجّاج وولاّه عملاً.

(٣) اليعقوبي: التاريخ ج٢ ص ٤٧.

(٤) اليعقوبي: التاريخ ج٣ ص ٤٨.

٨٣

وفي أيّام عُمر بن عبد العزيز ابتدأ أمرُ الشيعة العبّاسيّة التي دعتْ إلى أولاد العبّاس، مُستغلّين فترة الهُدوء وحُسن معاملة عُمر بن عبد العزيز، واستمرّ الحال هكذا حتّى ظهور زيد بن عليّ بن الحسين.

ز - وقد ظهر زيد بن علي، وهو أخو محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر في زمن هشام بن عبد المـَلك، فأقدمه هشام واتّهمه أنّه يطلب الخلافة وهو لا يستحقها؛ لأنّه ابن أمة، وكانت مُناقشات ثُمّ أمر هشام بإخراج زيد خوفاً مِن لسانه(١) .

وقد اختلفت المصادر التاريخيّة في زمن خُروج زيد، فالدينوري يذكر أنّ زيداً خَرج سنة ١١٨ هـ(٢) .

أمّا البلاذري، فيرى أنّ زيداً خرج في زَمَن الباقر، وأنّه لم يجد التأييد لحركته مِن الشيعة التي قالت بإمامة محمّد الباقر(٣) .

ولكنّ الباقر، كما تذكر المصادر الإماميّة وبعض المصادر التاريخية أنّه توفّي ما بين سَنة ١١٤ هـ - ١١٧ هـ، فيكون زيد قد خرج بعد وفاة الباقر، أي في عصر الإمام جعفر الصادق(٤) .

أمّا اليعقوبي، فيذكر أنّ زيداً خَرج سَنة ١٢١ هـ(٥) .

والطبري يرى أنّ زيداً قُتل سَنة ١٢١هـ، أو ١٢٢ هـ على اختلاف الروايات(٦) .

وعلى أيّة حال، فالأرجح أنّ زيداً ثار سَنة ١٢١ هـ، أي في عصر الإمام الصادق.

وكانت الشيعة في زمن زيدٍ أكثر مِن جماعة، منهم الذين قالوا بإمامة محمّد بن الحنفيّة وأولاده، وأخرجوا الإمامة إلى محمّد بن عليّ بن عبد الله

____________________

(١) اليعقوبي: التاريخ ج٢ ص ٦٥.

(٢) الدينوري: الأخبار الطوال ص ٣٤٤.

(٣) البلاذري: أنساب الأشراف ج٣ الورقة ٢٢ آ.

(٤) اُنظر: الكليني ج١ ص ٤٧٩، ابن رستم دلائل الإمامة ص ٩٤، اليعقوبي ج٣ ص ٣٨٤.

(٥) اليعقوبي: التاريخ ج٢ ص ٣٩١.

(٦) الطبري: تاريخ الرُسل والمـُلوك ج٧ ص ١٨٠.

٨٤

ابن العبّاس، وهؤلاء الشيعة العبّاسيّة، فقد ذكر صاحب أخبار العبّاس، قال: ( سمعت أبا هاشم يقول، قال لي محمّد بن علي: قد أظلّكم خروج رجلٍ مِن أهل بيتي بالكوفة، يُغترّ في خروجه كما غرّ غيره، فيقتل ضيعة ويصلب فحذر الشيعة قبلكم منه )(١) .

وقد حَذّر بكير بن ماهان أتباعه مِن زيد وأصحابه، قال: ( إنّي أعلمـُ ما تعلمون، ألزموا بيوتكم وتجنّبوا أصحاب زيد ومُخالطتهم )(٢) .

فلم يُشارك هؤلاء في حركة زيد وتركوه، ولم يوافق أيضاً أبناء الحسن زيداً على الثورة، وقد حذّره عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، حيث ذَكر مسكويه كتاباً مِن عبد الله إلى زيد، قال فيه: ( يا بن عمّي، إنّ أهل الكوفة نفخ العلانية، خور السريرة، تقدّمهم ألسنتهم ولا تتابعهم قلوبهم، ولقد تواترت إلي كتبهم فصممتُ عن ندائهم، وألبستُ قلبي غشاءً عن ذكرهم، يأساً منهم واطراحاً لهم، ومالهم إلا ما قال عليّ بن أبي طالب، وذكره بأشياء قالها في أهل العراق )(٣) .

فيظهر مِن هذا أنّ أهل الكوفة بالرغم مِن كونهم شيعة، إلاّ أنّه لا يركن إليهم، وأنّ هُناك دعوة في هذه الفترة لعبد الله بن الحسن بن الحسن.

أمّا الشيعة أتباع محمّد الباقر، فلم يوافقوا زيداً على رأيه، وحذّروه مِن الخُروج، فيذكر المسعودي: أنّ محمّد الباقر حَذّر أخاه زيداً حينما شاوره في الخروج، فأشار عليه بأنْ لا يركن إلى أهل الكوفة؛ إذ كانوا أهل غَدرٍ ومكرٍ، وقال له:( بها قُتل جدّك علي، وطُعن عمّك الحسن، وقُتل أبوك الحُسين، وفيها وفي أعمالها شُتمنا أهل البيت ) (٤) .

إلاّ أنّ زيداً خرج ثائراً وقَدِم الكوفة، فأسرعت إليه الشيعة، وقالت: ( إنّا لنرجوا أنْ يكون هذا الزمان هلاك بني أُميّة ) وجعلوا يُبايعونه سرّاً، وبايعه

____________________

(١) أخبار العبّاس: الورقة ١٠٩ ب.

(٣) ن. م الورقة ١١٠ آ.

(٣) مسكويه: تجارب الأُمم الورقة ٥٣ ب.

(٤) المسعودي: مُروج الذهب ج٣ ص ٢١٧.

٨٥

أربعة عشر ألفاً على جهاد الظالمين(١) .

ويبدو أنّ هناك جماعة مِن الشيعة كانت في شكٍّ مِن أمر زيد، فقد ذَكر البلاذري ( أنّ طائفة مِن الشيعة قالوا لمحمّد بن علي قبل خروج زيد: إنّ أخاك فينا، نبايع؟ فقال:( بايعوه، فهو اليوم أفضلنا )، فلمّا قَدِم الكوفة كتموا زيداً ما سمعوه مِن أبي جَعفر )(٢) .

ويُقال أنّ زيداً طلب منهم أنْ يسألوا أبا جعفر محمّد بن علي، فإنْ أمرهم بالخروج معه خرجوا، فاعتلّوا عليه، ثُمّ قالوا: لو أمرنا بالخروج معك ما خرجنا؛ لأنّا نعلم أنّ ذلك تقيّةً واستحياءً منك، فقال ما قال(٣) .

إلاّ أنّ محمّد الباقر - كما يبدو - لم يتّخذ موقفاً إيجابيّاً مِن حركته، لكنّه لم يَمنع الناس عن نُصرته.

وممّا فرّق الشيعة عن زيد أنّهم سألوه، ما قوله في أبي بكر وعُمر؟ فقال: ( كانا أحقّ البريّة بسُلطان رسول الله، فاستأثرا علينا، وقد وُلّيا علينا وعلى الناس فلم يألوا عن العَمل بالكتاب والسُنّة؛ ففارقوه ورفضوا بيعته، وقالوا: إنّ أبا جعفر محمّد بن علي بن الحسين هو الإمام، وجعفر بن محمّد إمامنا بعد أبيه، وهو أحقّ بها مِن زيد وإنْ كان أخاه )(٤) .

وكان زيد إذا بويع قال: ( أدعوكم إلى كتاب الله وسُنّة نبيّه وجهاد الظالمين والدفع عن المـُستضعفين وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء في أهله وردِّ المظالم ونصرنا أهل البيت على مَن نصبَ لنا الحَرب، أتُبايعون على هذا؟ فبايعوه )(٥) .

ورغم كُلّ هذه الاختلافات بين فئات الشيعة وموقفهم مِن زيد، فقد بايعه في بادئ الأمر عددٌ كبيرٌ إلاّ أنّهم انفضّوا مِن حوله وجعلوها حُسينيّة

____________________

(١) المـَقدسي: البدء والتاريخ ج٦ ص ٤٩.

(٢) البلاذري: أنساب الأشراف ج٣ الورقة ٢١ آ.

(٣) ن. م ج٣ الورقة ٢١ ب

(٤) البلاذري: أنساب الأشراف ج٣ الورقة ٢١ آ.

(٥) ن. م ج٣ الورقة ٢٢ آ، واُنظر: الطبري ج ٧ ص ١٨٣.

٨٦

كما قال زيد(١) .

وأرسل هُشامٌ لمواجهة زيد يوسفَ بن عُمر الثقفي، فقُتل زيدٌ وصُلب و، في ذلك يقول بعض شُعراء بني أُميّة لآل أبي طالب:

صـلبنا لـكم زيـداً على جذع نخلة

ولم نرَ مهديّاً على الجذع يُصلب(٢)

ويذكر اليعقوبي أنّه بعد مَقتل زيد: ( تحرّكت الشيعة بخُراسان، وظهر أمرهم وكَثُر مَن يأتيهم ويميل معهم، وجعلوا يَذكرون للناس أفعال بني أُميّة، وما نالوا مِن آل الرسول، حتّى لم يبقَ بلدٌ إلاّ فشا فيه هذا الخَبر، وظهرت الدُعاة ورُئيت المنامات وتدورست كُتب الملاحم )(٣) .

وهذا الخبر يدلّ على وجود الشيعة بخُراسان، وأنّ هناك دعوة لآل الرسول قام بها أهل خُراسان، ولكنْ كما يبدو أنّ الدعوة هُنا لا يُقصد بها إلى الشيعة أتباع عليّ بن أبي طالب وأولاده، وإنما إلى الشيعة بني العبّاس؛ لأنّه في هذه السَنة توجّه الدُعاة إلى خُراسان.

كما أنّ وجود دعوةٍ لآل البيت في خُراسان كان أمرها معروفاً مِن قِبَل الأُمويّين، فيذكر الطبري أنّهم تمكّنوا مِن القضاء على زيد بواسطة رجلٍ مِن أهل خُراسان: ( فدسّ يوسف بن عُمر مملوكاً خُراسانياً ألكن، وأعطاه خمسة آلاف درهم، وأمره أنْ يلطف لبعض الشيعة فيخبره أنّه قدم مِن خراسان حبّاً لأهل البيت، وأنّ معه مالاً يُريد أنْ يقوّيهم به، فلم يَزل المـَملوك يلقى الشيعة ويُخبرهم عن المال الذي معه حتّى أدخلوه على زيد، فخرج فدلّ يوسف على موضعه )(٤) .

فيبدو أنّ العلويّين كانوا على عِلمٍ بأمر أنصارهم في خُراسان.

وجاء بعد زيد ابنه يحيى ولم يكن بأحسن مِن حظّ أبيه، فقد خرجَ في أيّام الوليد بن زيد بالجوزجان(٥) .

____________________

(١) الطبري: تاريخ الرُسل والمـُلوك ج٧ ص ١٨٤.

(٢) المسعودي: مروج الذهب ج٣ ص ٢١٩.

(٣) اليعقوبي: التاريخ ج٣ ص ٦٦.

(٤) الطبري: تاريخ الرُسل والمـُلوك ج٧ ص ١٨٨.

(٥) المسعودي: مُروج الذَهب ج٣ ص ٢٢٥.

٨٧

فيذكر الطبري: ( لمـّا قُتل زيدٌ عَمدَ رجلٌ مِن بني أسد إلى يحيى بن زيد، فقال له: قُتل أبوك، وأهلُ خراسان لكم شيعة، فالرأي أنْ تخرجَ إليها، قال: وكيف لي بذلك؟ قال: تتوارى حتّى يكفّ عنك الطلب، ثُمّ تَخرج )(١) .

فلمّا سكنَ الطلب خرج يحيى في نفرٍ مِن الزيديّة إلى خُراسان فقُتِل هُناك(٢) .

وتظهر أهميّة ثورة زيد فيما حَدث مِن التطوّرات على الشيعة، فبعد أنْ كانت الشيعة تدين بموالاة عليّ وأبنائه، فقد ظهرتْ نظرة جديدة للإمامة، قالوا: ( إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد الرسول لقرابته وسابقته، ولكنْ كان جائزاً للناس أنْ يُولّوا غيره إذا كان الوالي الذي يولّونه مُجرّباً )(٣) .

ثُمّ جعلوا الإمامة بعد عليّ في الحسن والحُسين وأولادهما، وهي شورى بينهما، فمَن خرج منهم وشَهر سفه ودعا إلى نفسه فهو مُستحقّ الإمامة(٤) .

كما أنّ أتباع زيد ( أجازوا إمامة المـَفضول مع وجود الأفضل، فالبرغم مِن أنّ علياً أفضل الصحابة، إلاّ أنّ الخلافة فُوّضت إلى أبي بكر لمـَصلحةٍ دينيّة رأوها لتسكين الفتنة وتطييب قلوب العامّة، فإنّ عهد الحُروب التي جرتْ في أيّام النبوّة كان قريباً، وسيف أمير المؤمنين لم يجفّ بَعدُ، والضغائن في صُدور القوم مِن طلبِ الثأر كما هي )(٥) .

وقد برّر الإماميّة خُروج زيدٍ بأنّه إنّما خَرج يدعو إلى الرضا مِن آل محمّد، فيَرِد عن الصادق أنّه قال:( إنّ زيد بن عليّ لم يدعُ ما ليس له بحق، وأنّه كان أتقى لله مِن ذلك أنه قال: أدعوكم إلى الرضا مِن آل محمّد ) (٦) .

____________________

(١) الطبري: تاريخ الرُسل والمـُلوك ج٧ ص ١٨٩.

(٢) ن. م ج٧ ص ٢٢٨.

(٣) النوبختي: فِرَق الشيعة ص ٣٧.

(٤) الأشعري القُمّي: المقالات والفِرَق ص ١٨.

(٥) الشهرستاني: المِلَل والنِحَل ج١ ص ٢٤٩ - ٢٥٠.

(٦) الكُليني: الروضة مِن الكافي ج ص ٢٦٤، وذَكر ذلك الصدوق في عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٤٨ - ٢٤٩.

٨٨

كما أنّ الشيعة الإماميّة تؤكّد أنّ زيداً لم يَدّعِ الإمامة؛ لأنّ الإمامة لا تجوز في أخوَين، فيَرِد عن الصادق أيضاً قوله:( لا تعودُ الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً، وإنّما جرتْ مِن عليّ بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى: ( مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ ) (١) ،فلا تكون بعد عليّ بن الحسين إلاّ في الأعقاب وأعقاب الأعقاب ) (٢) .

فلا يُمكن أنْ يكون زيد إماماّ؛ ( لأنّه لم يكن مَنصوصاً عليه )(٣) ، ويذكر صاحب غاية الاختصار أنّ الخلاف بين الشيعة الإماميّة وأتباع زيد ليس على زيد، وإنّما على أتباعه الذين ادّعوا أنّه طلبَ الإمارة لنفسه(٤) ، كما يُنسب قولٌ إلى يحيى بن زيد أنّه قال: ( إنّ أبي لم يكن بإمام، ولكنْ مِن ساداتِ القوم الكرام وزُهّادهم، كان أبي أعقل مِن أنْ يَدّعي ما ليس له بحقّ، وإنّما قال: أدعوكم إلى الرضا مِن آل محمّد، وعَنى بذلك [ ابن ] عمّي جعفراً )(٥) .

وقد كانت آراء زيد سبباً في انفصال كثير مِن الشيعة عنه، وهُنا تأتي لفظة رافضة.

المصادر التاريخيّة ترى أنّ هذه التسمية ظهرت في زمن زيد، ويقول ابن حبيب: ( وبسبب زيد سُميَت الرافضة؛ وذلك أنّهم بايعوه ثُمّ امتحنوه بعد، فتولّى أبا بكر وعُمر فرفضوه )(٦) .

أمّا البلاذري، فيرى أنّ الرافضة ظهرت بعد أنّ انفصل جماعةٌ عن زيد، وقالوا بإمامة أخيه الباقر؛ لأنّه كان يتولّى أبا بَكر وعُمر، فرفضته الجماعة التي تدين بالولاء للباقر(٧) .

____________________

(١) سورة الأنفال ٨: ٧٥.

(٢) الكُليني: الكافي ج١ ص ٢٨٥.

(٣) الطوسي: تلخيص الشافي ج٤ ص ١٩٤.

(٤) ابن زُهرة الحسني: غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلويّة المـَحفوظة مِن الغبار ص ١٣٠.

(٥) الصدوق: عُيون أخبار الرضا ج١ ص ٢٤٩.

(٦) ابن حبيب: المحبر ص ٤٨٣.

(٧) البلاذري: أنساب الأشراف ج٣ الورقة ٢٢ آ.

٨٩

اليعقوبي يذكر ثورة زيد ولكنّه لا يذكر الرافضة(١) ، إلاّ أنّه يَذكر تسمية رافضة في فترةٍ أسبق مِن هذه الفترة، ممّا يدلّ على أنّ استعمال هذه الكلمة قديمٌ، فقد ذَكر رسالةً مِن معاوية إلى عُمرو بن العاص: ( أمّا بعد، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة )(٢) .

فاستعمال رافضة هُنا على الأرجح لمـَن أنكر خلافة علي؛ لأنّ مروان لا يُمكن أنْ يُعدّ مِن الشيعة، كما أنّ أهل البصرة في هذا الوقت عثمانية.

الطبري يذكر أنّ التسمية ظهرتْ بعد خروج زيد وتفرُّق أصحابه، وقولهم سبق الإمام ( وكانوا يزعمون أنّ أبا جعفر محمّد بن عليّ أخا زيد بن عليّ هو الإمام، وكان قد هَلك يومئذٍ، وكان ابنه جعفر بن محمّد حيّاً، فقالوا: جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه، وهو أحقُّ بالأمر بعد أبيه، ولا نتّبع زيد بن علي فليس بإمام، فسمّاهم زيدٌ الرافضة، فهُم اليوم يزعمون أنّ الذي سمّاهم الرافضة المـُغيرة(٣) حيث فارقوه )(٤) .

المسعودي يتكلّم عن زيد وثورته، ولكنّه لا يذكر الرافضة ولا سببَ التسمية في هذه الفترة(٥) .

ويذكر صاحب العيون والحدائق: ( أنّ زيداً سمّى الجماعة التي فارقته الرافضة )(٦) .

وأورد مسكوية في تسمية الرافضة نفس ما أورده الطبري وصاحب العيون والحدائق وأنّ زيداً سمّاهم الرافضة أو المـُغيرة حينما فارقوه بالكوفة تركوه حتّى قُتل(٧) .

____________________

(١) اليعقوبي: التاريخ ج٣ ص ٦٦.

(٢) ن. م ج٢ ص ١٦١.

(٣) المغيرة بن سعيد البجلي يذكر عنه الطبري أنّه كان ساحراً، فأخذه خالد القسري فقتله وصلبه، اُنظر: الطبري ج٧ ص ١٢٩.

(٤) الطَبري: تاريخ الرُسل والمـُلوك ج٧ ص ١٨١.

(٥) المسعودي: مُروج الذَهب ج٣ ص ٢١٧.

(٦) العيون والحدائق: مؤلّف مجهول ص ٩٥ ويورد نفس خبر البلاذري: ج٣ الورقة ٢٢ آ.

(٧) مسكويه: تجارب الأُمم الورقة ٥٥ آ.

٩٠

أمّا المقريزي، فيرى: ( إنّ الروافض هُم الغُلاة في حبّ علي بن أبي طالب وبُغض أبي بكر وعُثمان وعائشة، وزمَن خُروجهم أيّام زيد حينما امتنع مِن لعنِ أبي بكر وعُمر )(١) .

والغُلاة غير الروافض؛ لأنّ الروافض - كما مرّ بنا - هُم القائلون بإمامة علي بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كما بيّنته المصادر التاريخيّة.

وترد في كُتب الجُغرافيّين تسمية الرافضة فيرى المـَقدسي: ( إنّ الروافض عند الشيعة مِن آخر خلافة عليّ وعند غيرهم مِن نفى خلافة العُمرين )(٢) .

أمّا ابن رسته، فيطلق كلمة رافضة على كلّ فِرَق الشيعة وحتّى الزيديّة منهم(٣) .

وقد بحث كتاب الفِرَق تعبير رافضة، فيذكر الأشعري القُمّي: ( إنّما سُمّوا رافضة؛ لأنّ المغيرة بن سعيد هو الذي سمّاهم رافضة لمـّا رفضوه، وكان المـُغيرة بن سعيد يزعم أنّ أبا جعفر أوصى إليه، فقالت فرقةٌ بإمامته يُقال لها المـُغيريّة(٤) .

ويذكر النوبختي أنّه: ( لمـّا توفّي أبو جعفر الباقر افترق أصحابه، فمنهم مِن قال بإمامة محمّد بن عبد الله بن الحسن، وكان المـُغيرة بن سعيد قال بهذا القول فبرئت منه الشيعة ورفضوه، فزعم أنّهم رافضة وهو الذي سمّاهم بهذا الاسم )(٥) .

ويرى الرازي أنّ تسمية الرافضة قديمةٌ، وموجودة في زمن النبيّ في دُعائه على قوم مُشركين يُسمّيهم الرافضة ويدعو إلى قتالهم(٦) .

____________________

(١) المقريزي: الخطط ج٢ ص ٣٥١.

(٢) المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص ٣٨.

(٣) ابن رسته: الأعلاق النفيسة ص ٢١٩.

(٤) الأشعري القُمّي: المقالات والفِرَق ص ٧٧ واُنظر: النوبختي ص ٥٤، الرازي الزينة الورقة ٢١٥.

(٥) النوبختي: فِرَق الشيعة ص ٥٤.

(٦) الرازي: الزينة الورقة ٢١٦.

٩١

ثُمّ يقول الرازي: ( إنّ طائفة مِن الشيعة كانت مجتمعة على أمرٍ واحد قبل ظهور زيد، فانحازت طائفة إلى جعفر بن محمّد وقالوا بإمامته، فسماهم أصحاب زيد الرافضة لرفضهم زيداً )(١) .

فالرازي هُنا يرى أنّ أصحاب زيد هُم الذين أطلقوا التسمية على مَن خرج عن زيد.

ويقول الأشعري في كلامه عن الشيعة: ( الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهُم: الرافضة وإنّما سُمّوا رافضة لرفضهم إمامة أبي بَكر وعُمر، ولكنّه لا يذكر تسمية الرافضة في زمن زيد )(٢) .

البغدادي يُطلق التسمية على كلّ الشيعة ويُدخل الزيديّة ضمنهم، وكذا الاسفراييني وابن حَزم والرسعني والحنفي(٣) .

أمّا الشهرستاني، فيرى أنّ ظُهور الرافضة زمَن زيد، وكذلك الفخر الرازي(٤) .

أمّا ابن قُتيبة، فيطلق اللفظة على كلّ الشيعة ويُدخل حتّى الزيديّة ضِمنها(٥) .

ويرى ابن عبد ربّه أنّ سبب تسميتهم بالرافضة؛ لرفضهم أبا بكر وعُمر، ويُطلق الرافضة على كلّ الشيعة(٦) .

ويبدو ممّا مرّ أنّ التسمية ظَهرت في زَمن زيد حينما خَرج ثائراً في وقت الإمام أبي عبد الله الصادق، وكانت الشيعة التي تدين بإمامته قد تركته؛

____________________

(١) الرازي: الزينة الورقة ٢١٥.

(٢) الأشعري: مقالات الإسلاميّين ص ١٦، ٧٥.

(٣) البغدادي: الفَرقُ بين الفِرَق ص ٢٢، الإسفراييني: التبصير في الدين ص ٣٢، ابن حزم: الفصل في المِلَل والنِحَل ج ١ ص ٨٠، الرسعني: مُختصر الفَرق بين الفِرَق ص ٣٠، الحنفي: الفِرَق المـُفترّقة ص ٣٠.

(٤) الشهرستاني: المِلَل والنِحَل ج١ ص ٢٥١، الفخر الرازي: اعتقادات فِرَق المـُسلمين والمـُشركين ص ٥٢.

(٥) ابن قُتيبة: المعارف ص ٦٢٣.

(٦) ابن عبد ربّه: العُقد الفريد ج٢ ص ٤٠٤.

٩٢

لأنّه خَرج على إمامة مَن هو أولى بالإمامة منه، لكونه منصوصاً عليه مِن قِبَل أبيه الباقر، كما أنّ زيداً تولّى عُمر وأبو بَكر فتركته الشيعة فسمّاهم رافضة.

أمّا إطلاق كلمة رافضة على كلّ الشيعة فلا يصحّ، ولكن يبدو أنّ التسمية جاءت مُتأخرة.

فقلبُ الرافضة إذنْ يُعنى به الشيعة التي دانت بإمامة علي والحسن والحسين وأبناء الحسين، أي على الشيعة الإماميّة كما سُمّوا فيما بعد.

ويظهر أنّ لقب الرافضة غير مُستحب عند مَن لقّب به، فيقول المـَقدسي في كلامه عن الشيعة ( ولقبُهم المذموم الرافضة )(١) .

أو أنّ غير الشيعة كانوا يُحاولون الحطّ مِن شأنهم بتلقيبهم به، فلذلك تنفي الشيعة صفة الذمّ عن هذا اللقب، فيذكر البرقي عن أبي بصير قال، قلت لأبي جعفر: جُعلت فداك، اسم سُمّينا به استَحلّتْ به الوُلاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال:( وما هو؟ ) قال: الرافضة، فقال أبو جعفر:( إنّ سبعين رَجلاً مِن عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى، فلم يكن في قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أنْ ثبّت لهم هذا الاسم في التوارة فإنّي قد نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله ) (٢) .

ويورد أيضاً رواية عن عُيَينة، عن أبي عبد الله، قال: (( والله نِعمَ الاسم الذي مَنحكم الله ما دمتم تأخذون بقولنا ولا تكذبون علينا ) ، قال: وقال لي أبو عبد الله هذا القول أنّي كنت أخبرته أنّ رجُلاً قال لي: إيّاك أنْ تكون رافضيّاً )(٣) .

ويُعلّل ابن رستم الطبري سبب هذه التسمية: ( إنّهم إنّما قيل لهم رافضة؛ لأنّهم رفضوا الباطل وتمسكّوا بالحق )(٤) .

وذكر أيضاً أنّ عمّار الدهني شهد شهادة عند أبي ليلى القاضي، فقال

____________________

(١) المـَقدسي: البدء والتاريخ ج٥ ص ١٢٤.

(٢) البرقي: المـَحاسن ص ١١٩.

(٣) ن. م ص ١١٩.

(٤) ابن رستم الطبري: دلائل الإمامة ص ٢٥٥، الرازي: الزينة الورقة ٢١٦.

٩٣

له: قُم يا عمّار فقد عرفناك لا تُقبَل شهادتك؛ لأنّك رافضي، فقام عمّار يبكي، فقال ابن أبي ليلى: أنت رجلٌ مِن أهل العِلم والحديث، إنْ كان يسوؤك أنْ نقول لك رافضي فتبرّأ مِن الرفض وأنت مِن إخواننا، فقال له عمّار: ما هذا والله إلى حيث ذهبت، ولكنّي بكيتُ عليك وعليّ، أمّا بكائي على نفسي فنسبتي إلى رُتبه شريفة لستُ مِن أهلها )(١) .

وهكذا فالنسبة اختصت بالشيعة الإماميّة، فحاولت الشيعة تفسير هذا اللقب بما هو في صالحهم.

وقد ظهرتْ الزيديّة كخطٍّ جديد مِن خُطوط الحركة الشيعيّة، وتبنّى مبادئها فيما بعد أبناء الحسن والتزموا الثورة والخروج على السُلطان، وقد انقسمت الزيديّة إلى عِدّة فِرَق واختلفت حول الإمامة(٢) .

ولمـّا توفّي أبو جعفر الباقر ظَهر الخلاف بين جماعته، وظهرتْ فِرقٌ لا يُمكن عدّها مِن فِرَق الشيعة - كما سنرى في بحث الإمامة - واعتقدت شيعةٌ بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق(٣) .

فكان مجيء الصادق في هذه الفترة، فترة النشاط الفكري وظهور الاختلافات بين شيعته، فقام بأعظم دورٍ في تطوير الحركة الشيعيّة، كما سنرى ذلك فيما بعد.

____________________

(١) الأشتري: تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ج٢ ص ١٠٦.

(٢) اُنظر كتاب الفِرَق، النوبختي: فَِرق الشيعة ص ١٩، ٥٠، الأشعري القُمّي: المقالات والفِرَق ص ٥٠، ٧١، أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميّين ص ٦٥ - ٧٥ البغدادي: الفَرقُ بين الفِرَق ص ٢٢، ٢٣ الشهرستاني: المِلَل والنِحَل ج١ ص ٤٢٩.

(٣) النوبختي: فِرَق الشيعة ص ٨٤.

٩٤

الفصل الثالث: الإمامـة

١ - الإمامة بنَظر الشيعة

أ - إمامة عليّ بن أبي طالب

ب - إمامة الحسن بن علي

جـ - إمامة الحسين بن علي

د - إمامة عليّ بن الحسين ( زين العابدين )

هـ - إمامة محمّد بن عليّ بن الحسين ( الباقر )

٢ - الدعوة العبّاسيّة وصلتها بالشيعة

٩٥

٩٦

وقد اعتمدّتُ في هذا الجدول على المصادر الآتية:

١ - سعد القُمّي ( ت ٣٠١هـ ) = المقالات والفِرَق

٢ - النوبختي ( ت ٣١٠هـ ) = فِرَق الشيعة

٣ - الكُليني ( ت ٣٢٨هـ ) = الكافي

٤ - البخاري ( كان حيّاً سَنة ٣٢١ هـ ) = سِرّ السِلسلة العلويّة

٥ - ابن رستم الطبري ( مِن عُلماء القرن الرابع ) = دلائل الإمامة

٦ - المـُفيد ( ت ٤١٣هـ ) = الإرشاد

٧ - شمس الدين بن طولون ( ت ٩٥٣هـ ) = الأئمّة الاثني عشر

وقد ذكر في هذا الجدول الأسماء المشهورة والتي تكرّر ذِكرها في الرسالة.

٩٧

(١) الإمامةُ بنظرِ الشيعة:

أ - إمامة عليّ بن أبي طالب.

ترى الشيعة أنّ عليّ بن أبي طالب هو الإمام بعد وفاة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، وتذهب إلى ( أنّ النبيّ نصّ على عليّ بن أبي طالب بالإمامة، ودلّ على وجوب فرض طاعته ولزومها لكلّ مُكلّف )(١) .

ويناقش الُمرتضى مفهوم النصّ ويقول: وينقسم النصّ عندنا في الأصل إلى قِسمين:

أحدهما: يرجع إلى الفعل ويدخل فيه القول.

والآخر: إلى القول دون الفعل.

ويقسم النصّ بالقول دون الفعل إلى نصّ جَلي ونصّ خَفي، فالنص الجَلي ما عَلِم سامعوه مِن الرسول مُراده منه، أو هو النصّ الذي في ظاهره ولفظه التصريح بالإمامة والخلافة، والنصّ الخَفي لا نقطع على أنّ سامعيه مِن الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عَلموا النصّ بالإمامة منه اضطراراً، ولا يمتنع عندنا أنْ يكونوا علموه استدلالاً مِن حيث اعتبار دلالة اللفظ(٢) .

ويُقسّم المـُرتضى النصّ بالقول إلى قِسمين: ( فقِسم منه تفرّد بنقله الشيعة الإماميّة خاصّة، وإنْ كان بعض مَن لم يَفطن بما عليه فيه مِن أصحاب الحديث قد روى شيئاً منه، وهو النصّ الموسوم بالجَلي، والقِسم الآخر رواه الشيعي والناصبي وتلقّاه جميع الأُمة بالقبول على اختلافها، وإنْ كانوا قد اختلفوا في تأويله، وهذا النصّ الخَفي )(٣) .

____________________

(١) الشريف المـُرتضى (ت ٤٣٦ هـ ): الشافي في الإمامة ص ٨٥.

(٢) ن. م ص ٨٥.

(٣) ن. م ص ٨٥ والناصبي هُنا يُقصد به غير الشيعي، كما يرد في المصادر الإماميّة.

٩٨

ويرى ابن المـُطهّر أنّ الأدلّة الدالّة على إمامة عليّ بن أبي طالب كثيرةٌ لا تُحصى، وقد قسّمها إلى أدلّةٍ عقليّةٍ، وأدلّةٍ مأخوذةٍ مِن القرآن، وأُخرى مُستندةٍ إلى السُنّة المنقولة عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، ثُمّ الأدلّة المـُستنبطة مِن أحوال عليّ بن أبي طالب والدالّة على إمامته(١) .

ولفهم فِكرة الإمامة عند الشيعة وتطوّرها نرى مِن الأفضل الرجوع إلى عَصر النبيّ وبداية الدعوة؛ لنُتابع الأخبار الدالّة على الإمامة.

تُرجعُ الشيعة فكرة الإمامة إلى بداية الدعوة المـُحمديّة، فيُشيرون إلى الآية:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (٢) ، ويرون أنّها مِن النصوص الدالّة على إمامة عليّ بن أبي طالب، فقد ذكر فُرات، عن عليّ بن أبي طالب، قال:( لمـّا نزلتْ هذه الآية دعاني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، فقال لي: يا علي، إنّ الله أمرني أنْ: أنذرْ عشيرتك الأقربين، فضقتُ بذلك ذرعاً وعرفت أنّي متى أُباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمتُ عليه حتّى جاءني جبريل، فقال: يا محمّد، إنّك إلاّ تفعل ما تُؤمر به يُعذبْك ربّك، فاصنع لنا صاعاً مِن طعام واجعل عليه رِجل شاة واملأ لنا عسا مِن لبن، ثُمّ اجمع لي بني عبد المـُطلّب حتّى أُكلّمهم وأبُلّغهم ما أُمرت به، ثُمّ دعوتهم له وهٌم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لَهب، فلّما اجتمعوا إليه دعاهم إلى الطعام فلمّا أراد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنْ يُكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لشدّ ما سحركم صاحبكم، فتفرّق القوم ولم يُكلّمهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، فقال: الغد يا علي، فجمعهم ثانيةً فقال: يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّاً في العَرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتُكم به، إنّي قد جئتُكم بخير الدُنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه، فأيّكم يُؤازرني على هذا الأمر على أنْ يكون أخي ووصيّي وخَليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جمعياً، وقلتُ: إنّي لأحدثهم سِنَاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بَطناً وأحمشهم ساقاً أنا يا نبيّ الله أكون

____________________

(١) ابن المـُطهّر الحِلّي ( ت ٧٢٦هـ ): منهاج الكرامة في مَعرفة الإمامة، طُبِع ضِمن كِتاب منهاج السُنّة النبويّة لابن تيميّه في مُقدّمة الكتاب.

(٢) سورة الشعراء ٢٦: ٢١٤.

٩٩

وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثُمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمَرك أنْ تسمع لابنك وتُطيع ) (١) .

فقول الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( أخي ووصيّي ) اتخذتهُ الشيعة دليلاً على إمامة عليّ بن أبي طالب.

وقد ذَكر ذلك عليّ بن إبراهيم القُمّي في تفسيره، قال: قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ):( أيّكم يكون وصيّي ووزيري وينجز عِداتي ويقضي ديني؟ ) فقام عليّ ( عليه السلام ) - وكان أصغرهم سِنّاً وأحمشهم ساقاً وأقلّهم مالاً - فقال:( أنا يا رسول )، فقال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ):( أنتَ هو ) (٢) .

وأورد الخبر أبو حنيفة النُعمان بن محمّد المغربي في ذِكر ولاية عليّ بن أبي طالب، وجعل الآية مِن الآيات الدالّة على ولايته(٣) .

ويقصد بالولاية الإمامة. كما أورده الصدوق، وقال: إنّ هذا الخبر هو العلّة التي ورثَ عليّ بن أبي طالب بها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) دون غيره(٤) .

فوراثة النبيّ هُنا المقصود بها الإمامة.

ويذكر ابن رستم الطبري أنّ علياً والعبّاس تنازعا في تَركة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، فروى عن أبي رافع ( أنّه كان عند أبي بكرٍ إذ جاء عليّ والعبّاس، فقال العبّاس: أنا عمّ رسول الله ووارثه، وقد حال عليٌّ بيني وبين تركته، فقال أبو بكر: فأين كُنت يا عبّاس حين جَمَع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بني عبد المطّلب وأنت أحدهم، فقال: أيكم يؤازرني ويكون وصيّي وخليفتي في أهلي وينجز عدتي ويقضي ديني؟ فقال له العبّاس: فما أقعدك في مجلسك هذا تقدّمته وتأمّرت.

____________________

(١) فُرات بن إبراهيم ( ت ٣٠٠هـ ): تفسير فُرات ص ١١٢، وقد ذَكر الطبري نفس ما أورده فُرات في تفسيره مع فَرقٍ بسيط، فبدَل كلمة لشدّ ما ( لهد ما ) اُنظر: التفسير ج١٩ ص ١٢٢، التاريخ ج٢ ص ٣١٩ - ٣٢١

(٢) عليّ بن إبراهيم القُمّي ( ٣٢٤هـ ): تفسير القُمّي ص ٢٨٦.

(٣) أبو حنيفة محمّد بن النعمان المغربي ( ت ٣٦٤هـ ): دعائم الإسلام ج١ ص ١٥، واُنظر له أيضاً كتاب أساس التأويل ص ٣٣١.

(٤) الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ): عِلَل الشرائع ج١ ص ١٦٩.

١٠٠