تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام0%

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 143

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عبد الله السبيتي العاملي
تصنيف: الصفحات: 143
المشاهدات: 45862
تحميل: 6258

توضيحات:

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 143 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45862 / تحميل: 6258
الحجم الحجم الحجم
تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ابن حبَّان في إمامة المهدي نحوه.قال ابن حجر(١) والإمام الصبَّان(٢) بعد إيراد هذه الأحاديث كلها في كتابيهما :

الصواعق المحرقة وإسعاف الراغبين ما هذا نصُّه : وصحَّ مرفوعاً : (ينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم المهدي : تعال صلِّ بنا، فيقول : لا ؛ إنَّما بعضكم أئمة على بعض، تكرمة الله لهذه الأُمّة).وأخرج ابن عساكر عن علي : (إذا قام قائم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، جُمع الله أهل المشرق وأهل المغرب ؛ فأمَّا الرفقاء، فمن أهل الكوفة.وأمَّا الأبدال، فمن أهل الشام).وأخرج الطبراني أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة : (نبيُّنا خير الأنبياء، وهو أبوك، وشهيدنا خير

الشهداء، وهو عمُّ أبيك حمزة، ومنَّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء، وهو ابن عمِّ أبيك جعفر، ومنَّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك، ومنَّا المهدي).وأخرج ابن ماجة أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي ؛ يملك جبل الديلم والقسطنطينية).قال الإمام الصبَّان - حيث أورد هذا الحديث في كتابه

إسعاف الراغبين -(٣) : زاد في بعض الروايات : (ورومية ومروية).وأخرج أحمد والماوردي أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (ابشروا بالمهدي ؛ رجل من قريش من عترتي، يخرج في اختلاف من الناس وزلزال، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا، ويرضى عنه ساكن الأرض والسماء، ويقسِّم المال صحاحاً بالسوية، ويملأ قلوب أُمّة محمّد غنى، ويسعهم عدله) الحديث(٤) .وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما : (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟).

والأخبار في ذلك متواترة بقطع النظر عمَّا تواتر من طريق العترة الطاهرة، وقد أوردها ابن حجر(٥) ، والإمام الصبَّان(٦) ، والعلاّمة الحسن العدوي الحمزاوي(٧) ، والعلاّمة الشيخ الشبلنجي(٨)

____________________

(١) الصواعق المحرقة، الباب ١١، في تفسير الآية ١٢.

(٢) في كلامه المختص بالمهدي، إسعاف الراغبين، الباب ٢، ص ١٢٤ من النسخة المطبوعة في هامش مشارق الأنوار.وهناك أحاديث تبشر بالمهدي كثيرة غير الذي ذكرناه في الأصل.

(٣) المصدر السابق، ص ١٢٥.

(٤) راجعه في : ابن حجر، الصواعق المحرقة، وإسعاف الصبَّان.

(٥) الصواعق المحرقة، الباب ١١، في تفسير الآية ١٢.

(٦) إسعاف الراغبين، الباب٢.

(٧) مشارق الأنوار، الباب ٤، الفصل ٢ (مختص بالمهدي)، ص ١٠٣.

(٨) نور الأبصار، الباب ٢.

١٢١

وغير واحد من أعلام السُّنة كالإمام المناوي في كنوزه، وفي جواهر العقدين، وعَ-قد ابن ماجه في الجزء الثاني من سننه باباً خاصاً بأحاديث خروج المهدي، وجميع المحدِّثين وسائر المسلمين، ويصحِّحون أحاديث ظهور المهدي ويصرِّحون بتواترها.وكل مَن ذكر اشراط الساعة من علماء السُّنة عدَّ منها ظهور المهدي من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر الزمان، وصرَّح بعضهم بدلالة القرآن على ذلك ؛ حيث يقول :( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ) ؛ ولذا نظموا هذه الآية في سلك الآيات النازلة في أهل البيتعليهم‌السلام .قال ابن حجر(١) :

الآية الثانية عشرة قوله تعالى :( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ) (قال:) قال مقاتل بن سليمان ومَن تبعه من المفسِّرين : أنَّ هذه الآية نزلت في المهدي.(قال:) وستأتي الأحاديث المصرِّحة بأنَّه من أهل البيت النبوي.وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعلي (رضي الله عنهما) وأنَّ الله ليخرج منهما كثيراً طيباً، وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الرحمة ؛ وسرُّ ذلك أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعاذها وذرِّيتها من الشيطان الرجيم، ودعا لعليٍّ بمثل ذلك، وشرح ذلك كلِّه يعلم بسياق الأحاديث الدالّة عليه... إلخ.

قلت : لا كلام في تواتر البشائر النبوية بخروج المهدي من العترة الفاطمية، فظهوره بالجملةعليه‌السلام ممَّا لا ريب فيه، وقد أجمع عليه الخلف والسلف من هذه الأُمّة على اختلافها في مذاهبها ومشاربها.نعم، قد اختلفوا في تشخيص المهدي، وفي أنَّه هل هو مولود أم أنَّه سيولد؟ والذي عليه الإمامية كافَّة أنَّه إنَّما هو الإمام محمّد بن الحسن العسكري وأنَّه ولد ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين، وأُمُّه أُم ولد يقال لها :

نرجس.وكان سنَّه عند وفاة أبيه خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها يحيى صبيا، وقد اعترف بذلك ابن حجر حيث ذكرهعليه‌السلام (٢) : وقد جعل الله هذا الغلام إماماً في حال الطفولة الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبيَّاً.وقد سبق النص عليه في ملَّة الإسلام من نبي الهدى جدِّه (عليه وآله الصلاة والسلام)، ثُمّ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ونصَّ عليه الأئمة كلهم واحداً بعد واحد إلى أبيه الحسن، ونصَّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصَّة شيعته، وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده الشريف، وكان سلف الشيعة على عهد الإمامين الباقرين الصادقين والكاظمين الرضيَّين والجوادين التقيَّين يعلمون بأنَّ المهدي إنَّما هو الوصي

____________________

(١) الصواعق، ص٩٦.

(٢) المصدر، الباب ١١، الفصل ٣، ص١٢٤، وقد ذكر آباءه ثمة بما يدل على إمامتهم، فراجع.

١٢٢

التاسع من ذرِّية الحسين، وأنَّه سيغيب غيبة طويلة يمتحن الله بها عباده المؤمنين.شافههم بهذا كله أئمتهم الميامين نقلاً عن جدِّهم سيد النبيِّين والمرسلين، وتلك نصوص أئمتهم في ذلك كله متواترة، أفردها علماؤنا في مؤلَّفات خاصة وأوردوها في كتب الحديث.

ومَن سبر أحوال السلف من الإمامية وتتبَّع شؤونهم يعلم بأنَّهم كانوا قبل ولادة الإمام المهدي محمّد بن الحسن ينتظرونه ويعلمون أنَّه هو المهدي الذي بشَّر بهِ النبي وأخبر عنهُ أئمة الهدى من أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمَّا ولد المهدي وجدوا ضالتهم وقرَّت به أعينهم، وكانوا في الاعتقاد به على يقين تام، وكانوا يعلمون بأنَّ له غيبتين : صغرى وكبرى.دلَّهم على ذلك النّصوص المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة، وزادهم الإمام المهدي يقيناً بذلك ؛ إذ توخَّى النصح لهم بحكمة بالغة أيَّام غيبته الصغرى التي لم ينقطع فيها عن سفرائه وأوليائه ؛ وكانت نحواً من ثمانين سنة، إذ كان في خلالها يشد قلوب شيعته ويثبِّتهم على الاعتقاد به، ويخبرهم بأنَّه سينقطع وتنقطع أخباره عنهم بالمرة، وأنَّ غيبته طويلة والمصيبة بذلك جليلة.وبثَّ في الشيعة أنَّ الأغيار سيهزؤون بهم ويستخفون فيهم بسبب اعتقادهم به، ولم يأل جهداً ولم يدَّخر وسعاً في تشجيع شيعته وتثبيتهم على القول بإمامته أيَّام غيبته، وأقام لهم العبر وضرب لهم الأمثال، ووعدهم بالثواب وحسن المآب، وأراهم الآيات البيِّنات بواسطة سفرائه الأربعة الهداة، أهل الورع والزهد والتقشُّف والعبادة والعلم والحكمة و النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامّتهم.

فلمَّا استحكمت هذه العقيدة وجرت في نفوس رجال الإمامية ونسائهم مجرى الروح في أجسادهم، شاء الله عزَّ وجل لوليه حينئذ الغيبة الكبرى، فانقطعت السفارة بينه وبين شيعته بوفاة سفرائه.وكانت الإمامية تنتظر هذه الغيبة انتظارهم اليوم لظهوره ؛ ولذا كان إيمانهم بعدها بالمهدي المنتظر أرسخ من ثهلان، لا يؤثِّر فيه كرُّ الجديدين، وسيقوم بعد الغيبة الطويلة بالسيف والبرهان.قال الله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ،( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) ،( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) .ووافقنا في هذه المسألة جماعة كثيرون من أهل السُّنة لا يمكن استقصاؤهم في هذه العجالة، وحسبنا الأربعون من أعاظم أعلامهم الذين ذكرهم شيخنا المتتبِّع، البحَّاثة، ثقة الإسلام، وصدوق المسلمين، قدوتنا المولى النوري في كتابه كشف الأستار المطبوع في إيران والمنتشر في هذه الأقطار، ومَن راجعه

١٢٣

يقف على أسماء الأربعين(١) ، وعلى نصوص أهل السنة في تسنُّنهم وجلالتهم علماً وعملاً، ويعرف

____________________

(١) وهم :

١ - محمّد بن طلحة بن محمّد بن الحسن القرشي النصيبي الشافعي في كتابه : مطالب السؤول.

٢ - محمّد بن يوسف بن محمّد ال كنجي الشافعي في كتابه : البيان.

٣ - الشيخ نور الدين علي بن محمّد ابن الصباغ المالكي في كتابه : الفصول المهمة.

٤ - شمس الدين أبو المظفَّر يوسف بن قرعلي الحنفي سبط ابن الجوزي في آخر كتابه الموسوم ب- : تذكرة خواصِّ الأُمة.

٥ - الشيخ الأكبر، قطب العارفين وإمامهم، محيي الدين بن عربي الطائي الأندلسي في كتابه : الفتوحات، الباب ٣٦٦.

٦ - الشيخ العارف الخبير أبو المواهب عبد الوهاب الشعراني في كتابه : اليواقيت، المبحث ٦٥.

٧ - الشيخ حسن العراقي، العابد الزاهد، الذي اجتمع في المهدي محمّد بن الحسن العسكري في جامع دمشق، وأقام عنده سبعة أيَّام بلياليها فيما ذكره الشعراني في كتابه : لواقح الأنوار في طبقات الأخيار، ط مصر، سنة ١٣٠٥.

٨ - الشيخ علي الخواص البراسي، صاحب المقامات والكرامات الكثيرة، حيث صدَّق الشيخ العراقي فيما أخبره به من الاجتماع بالمهدي، وأنَّ عمرهعليه‌السلام كان يومئذ ٦٢٠ سنة.

٩ - نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الدشتي الحنفي المعروف بالملاّ جامي، شارح كفاية ابن الحاجب، في كتابه : شواهد النبوة.

١٠ - الحافظ محمّد بن محمّد بن محمود البخاري المعروف بخواجة بارسا، من أعيان علماء الحنفية، في كتابه : فصل الخطاب في المحاضرات.

١١ - الحافظ أبو الفتح محمّد بن أبي الفوارس في أربعينه.

١٢ - الشيخ عبد الحق الدهلوي، المحدِّث الفقيه، صاحب التصانيف الشائعة الكثيرة البالغة مئة مجلد، وهو حنفي المذهب، في رسالته التي أفردها لمناقب الأئمة من أهل البيت.

١٣ - السيد جمال الدين عطاء الله بن السيد غياث الدين فضل الله الشيرازي، المحدِّث المعروف، في كتابه : روضة الأحباب، وهو من الكتب المشهورة.

١٤ - الحافظ أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري المعاصر للإمام أبي محمّد الحسن العسكري، وقد كتب عنه بمكَّة.وروى عن الإمام المهدي أيَّام غيبته الصغرى كما في كتاب المسلسلات المشهور بالفضل المبين، وهو كتاب يعرفه محدِّثو السُّنة.

١٥ - حجة الإسلام عبد الله بن أحمد بن محمّد بن الخشَّاب المعروف في كتابه : تاريخ مواليد الأئمة ووفيَّاتهم.

١٦ - ملك العلماء شهاب الدين بن عمر الهندي صاحب التفسير في كتابه المناقب الموسوم ب- : هداية السعداء.

١٧ - العلاّمة المحدِّث، الشيخ المتّقي بن حسام الدين بن القاضي عبد الملك بن قاضي خان القرشي في كتابيه : المرقاة في شرح المشكاة، والبرهان في علامات مهدي آخر الزمان.

١٨ - العلاّمة فضل بن روزبهان شارح شمائل الترمذي في كتابه الذي سمَّاه : إبطال الباطل، ردَّاً على نهج الحق للعلاّمة الحلِّي.

١٩ - الشيخ سليمان بن خواجه كالان الحسين القندوزي في كتابه : ينابيع المودة.

٢٠ - شيخ الإسلام أحمد الجامي.

٢١ - صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة.

٢٢ - الشيخ عبد الرحمن البسطامي في كتابه : درَّة المعارف.

٢٣ - المولوي علي أكبر بن أسد الله المؤودي الهندي

١٢٤

كتبهم المشتملة على التصريح بموافقتهم إيَّانا في هذه المسألة، ويعلم مبلغ اعتبار تلك الكتب من الجلالة عند أهل السنة، ويقرأ عبائر الأربعين من أبطالهم الصريحة بأنَّ المهدي إنَّما هو أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري المولود سنة ٢٥٥ للهجرة، وقد كفانا الإمام النوري (أعلا الله مقامه) مؤنة هذه الأُمور كلها.ومَن عرف أُولئك الأربعين ووقف على كلامهم علم أنَّ الإمامية لم تنفرد في هذه المسألة، ونحن لا نستوحش من الحق وإن خالَفنا فيه الخلق.على أنَّا لا ننكر كون معتقدنا هذا مخالفاً للعادة المألوفة في مدة حياة الإنسان، كما أنَّ خصمنا لا ينكر أنَّ لله خرق العادات.ونحن لولا الأدلة القطعية التي أشرنا إليها ما اعتقدنا ذلك، كما أنَّ خصمنا لولا الأدلة القطعية ما اعتقد ببقاء الخضر حيَّاً من أيَّام موسى بن عمران إلى هذا الزمان، ولا اعتقد ببقاء عدو الله الدجَّال من أيَّام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن يخرج المهدي وينزل عيسىعليهما‌السلام ، وقد عاش نوح ألفي سنة وخمسمئة سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وعمَّر عوج وغيره أعماراً خارقة للعادة.وخوارق العادات كثيرة كقضية أهل الكهف( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِ-ي هَ-ذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ

____________________

في كتابه : المكاشفات.

٢٤ - عبد الرحمن، شيخ مشائخ الصوفية، في كتابه : الانتباه.

٢٥ - القطب المدار الذي كتب عبد الرحمن الصوفي المتقدِّم الذكر كتاب مرآة الأسرار لأجله.

٢٦ - قاضي جواد الساباطي في كتابه : البراهين الساباطية.

٢٧ - الشيخ سعد الدين محمّد بن المؤيَّد بن أبي الحسين المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي في كتابه الذي أفرده لأحوال المهديعليه‌السلام .

٢٨ - الشيخ عامر بن عامر البصري في قصيدته التائية الطويله المسمَّاة ب- : ذات الأنوار.

٢٩ - صدر الدين القونوي في قصيدته الرائية المذكورة في ينابيع المودَّة.

٣٠ - شيخ مشائخ الصوفية، المولى جلال الدين الرومي صاحب المثنوي، كما يدل عليه بعض أشعاره الفارسية الموجودة في ديوانه.

٣١ - الشيخ العارف محمّد الشهير بشيخ عطار في كتابه : مظهر الصفات.

٣٢ - شمس الدين التبريزي.

٣٣ - السيد نعمة الله الولي.

٣٤ - السيد النسيبي.

٣٥ - السيد علي بن شهاب الدين الهمداني في المودَّة العاشرة من كتابه الموسوم ب- : المودَّة في القربى.

٣٦ - علاّمة زمانه الشيخ محمّد الصبَّان في كتابه : الإسعاف.

٣٧ - عبد الله بن محمّد المطيري المدني في كتابه : الرياض الزاهرة.

٣٨ - شيخ الإسلام أبو المعالي محمّد سراج الدين الرفاعي في كتابه الموسوم ب- : صحاح الأخبار.

٣٩ - الناصر لدين الله أحد خلفاء بني العبَّاس.

٤٠ - بعض المصريِّين من مشائخ الشيخ إبراهيم القادري الحلبي.

١٢٥

لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، لكنَّ الأُستاذ أحمد أمين ومَن على شاكلته قد لا يؤمنون بهذا كله، فإذن، علينا أنَّ نقول في جوابهم : لكم دينكم ولي دين.

تنبيه :

جاء في بعض الأحاديث المبشِّرة بظهور المهدي أنَّ اسمه يواطئ اسم النبي، واسم أبيه يواطئ اسم أبي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والكلمة الأخيرة بخصوصها ؛ أعني الكلمة الدالة على أنَّ اسم أبيه يواطئ اسم أبي رسول الله بخصوصها، موضوعةٌ بلا ارتياب ؛ وإنَّما وضعت تقرُّباً إلى الثالث من ملوك بني العبَّاس الملقَّب بالمهدي، وهو محمّد بن عبد الله المنصور.ولا غرو، فإنَّ الدجَّالين يتقرَّبون إلى الملوك بأكثر من هذا ؛ وقد وضعوا - تقرُّباً إلى بني العبَّاس - الحديث الذي رواه الحاكم : (منَّا أهل البيت أربعة : منَّا السفَّاح، ومنَّا المنذر، ومنَّا المنصور، ومنَّا المهدي).ومَن هم السفَّاح والمنصور والمهدي العبَّاسيون الظالمون ليبشِّر وليفتخر بهم رسول الله؟! نعوذ بالله من كل أفَّاك أثيم.ووضعوا أيضاً خبر ابن عدي : (المهدي من ولد عمِّي العبَّاس).

قال الذهبي - كما في الصواعق المحرقة - : تفرَّد به محمّد بن الوليد مولى بني هاشم، وكان يضع الحديث.

قلت : وقد ذكر الذهبي محمّد بن الوليد في ميزانه فقال : محمّد بن الوليد بن أبان القلانسي البغدادي، مولى بني هاشم (العبَّاسيين) (قال:) ابن عدي كان يضع الحديث.وقال أبو عروبة : كذَّاب.فمن أباطيله ما رواه عن مصعب بن سعيد، عن عيسى بن يونس، عن وائل بن داود، عن البيعي، عن الزبير بن العوَّام قال : قال النبي : (اللّهمّ إنَّك جعلت أبا بكر رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة).وقد نصَّ أبو حاتم على عدم صدقه، وضعَّ-فه الدارقطني وسائر أئمة الجرح والتعديل.

تنبيه آخر :

ذهب المناوي إلى أنَّ المهدي من ولد الحسن السبط تمسُّ-كاً برواية أخرجها أبو داود في سننه، وأنت تعلم أنَّها لا تكافئ الصحاح المتواترة الصريحة بأنَّه من ذرِّية الحسين، على أنَّه لا يبعد أن يكون المراد بالحسن في رواية أبي داود إنَّما هو الحسن العسكري، لا الحسن السبط، أو يقال : إنَّ محمّد المهدي بن الحسن العسكري هو من ذرِّية الحسن السبط ومن ذرِّية الحسين كليهما ؛ لأنَّ جدَّه الباقر كان ابن ابن الحسين وابن بنت الحسن، ولذلك ورد في زيارة الرضاعليه‌السلام : (السلام عليك وعلى آبائك السبعة) ؛ وهم: الكاظم، والصادق، والباقر، وزين العابدين، والحسين السبط، والحسن

السبط، وأمير المؤمنين.فعدَّ الحسن السبط من آباء الرضا بالاعتبار الذي ذكرناه.

١٢٦

والحمد لله على هدايته لدينه، والتوفيق لِمَا دعا إليه من سبيله، وصلَّى الله على سيد البشر وأوصيائه الاثني عشر، وسلَّم تسليماً كثيرا.

السيد الحميري كيساني

طالما رأينا صاحب فجر الإسلام يضع الحقائق في ميزان الشك، فإمَّا أن تبقى عنده مشكوكه وإمَّا أن يميل فيها إلى ميوله وأغراضه.أمَّا في الحميري الجعفري، فلم يخالجه شك في أنَّه كان كيسانياً! ولو اطّلع الأُستاذ على أحوال السيد الحميري وشؤونه مع الإمام الصادق، وما صح عنه من القول بإمامته والرجوع إليه، لعلم أنَّه مقصِّر في البحث، بعيد عن تمحيص الحقائق، ناسج على منوال الجاهلين.

والسيد الحميري من سلف الشيعة، فهو محلُّ ابتلائهم وهم به أعرف من غيرهم، فكان على الأُستاذ أن يراجع أحواله في كتبهم.ولو فعل لعلم أنَّهرحمه‌الله ما مات حتى استبصر بهدي الإمام جعفر الصادق ورجع إليه بكل معنى الكلمة، وهو القائل :

تجعفرتُ باسم اللهِ فيمن تَجعفروا

وقد ترحَّم عليه الصادق بعد موته ودعا له، لكنّ بعض المقصِّرين في البحث أو القاصرين، من أهل الجهل المركب، شاؤوا أن يقولوا عن السيد الحميري وعن كُثَيِّر عَزَّة ما قالوا، والحقيقة أنَّهما على رأي الإمامية، وقد مات كُثيِّر على عهد الإمام الباقر فشيَّع جنازته ودعا له وأثنى عليه.

التكتُّم في الأعمال يستلزم الخداع

إنَّ الأُستاذ صاحب فجر الإسلام إنَّما يكتب بقلم العاطفة ويسمع بأُذن العاطفة وينطق بلسان العاطفة، وبذلك القلم سجَّل على الشيعة في فجر الإسلام قوله : (وهذه السرِّية استلزمت الخداع والالتجاء إلى الرموز والتأويل ونحو ذلك)(ص ٢٢٨).نعم، بقلم النعرة سجَّل الأُستاذ هذه العبارة، وهذه مخاتلة في الحياة العلمية كان يستغلُّها سلفه ؛ تنفيذاً لأغراضهم، وسعياً وراء الدرهم والدينار، وطمعاً بالوظائف التي كانوا يطلبونها.والعجب من أهل العصر الحاضر يطلبون المصارحة والمكاشفة بالحقائق ثُمّ يضرب الأُستاذ أحمد أمين على ذلك الوتر ويرجّع تلك الألحان! فأيُّ خداع، وأيُّ رمز التجأ إليهما الشيعة منذ العصر الأول إلى يومنا هذا؟! وهذه كتب المتقدمين منهم والمتأخرين، ومؤلَّفاتهم مطوَّلة وموجزة في الحديث والفقه والتفسير وأُصول الفقه وعلم الكلام وتراجم الرجال والتاريخ والأخلاق والمواعظ والفلسفة، وسائر الفنون عقلية ونقلية، لا تعقيد فيها ولا التواء، ولا رمز ولا خداع، وإنَّ مؤلِّفيها ليتكلَّمون فيها بحرية آرائهم فيما يقتضيه مذهبهم ،

١٢٧

لا يمارون ولا يواربون.ومَن راجعها وجدها مملوءة بالحقائق الراهنة، وفيها من المكاشفة ما يدحض إفك الآفكين الذين يقولون : إنَّ الشيعة تخادع وترمز.

ولعل الذي ألقى الأُستاذ في هذه الهوة السحيقة ما يسمعه من أنَّ الشيعة تعمل بالتقية، فزعم ما زعم.ولم يدرِ هذا المسكين وأصحابه أنَّ العمل بالتقية عند الخوف من استعمال الحرية ليس مخصوصاً بالشيعة ؛ لأنَّ العمل بها - عند الاضطرار إليها - لممَّا جاء به التنزيل وهبط به جبرائيل.قال الله تعالى :( لاَ يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) ، وقال عزَّ من قائل :( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ ) ، والصحاح الدالة على لزوم العمل بالتقية - عند الاضطرار إليها - متواترة، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة، والعقل بمجرده يحكم بذلك.وخلفاء الجور وولاتهم ولاة الظلم كانوا يسومون الشيعة سوء العذاب ؛ يقطِّعون أيديهم وأرجلهم، ويصلِّ بونهم على جذوع النخل، ويسملون أعينهم، فمالُهم كان حِلاًّ، ودمهم طلاًّ، وحرماتهم مهتوكة.وكانوا يُقتلون على الظن والتهمة تحت كل حجر ومدر، وكان علماء السوء يتقرَّبون إلى أُولئك الخلفاء بما يبيح لهم أن يرتكبوا من الشيعة ما كانوا يرتكبون، فاضطرَّت الشيعة عندها إلى التقية مخافة الاستئصال ؛ جرياً على قاعدة العقلاء والحكماء في مثل تلك اللّأواء.ولعمري أنَّ عملهم كان دليلاً على عقلهم وفقههم وحكمتهم، وما كان الله ليمنعهم - والحال هذه - من التقية، وقد قال عزَّ وجل : (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وقال :( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ) ، وقال سبحانه :( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) وأهل السُّنة يعدُّون التقية من مساوي الشيعة بطراً منهم وأشراً، ولو ابتلوا بما ابتلي به شيعة آل محمّد لدانوا بالتقية وأخلدوا إليها.وما ننسى فلا ننسى عمل علماء أهل السَّنة بالتقية لمَّا دعاهم المأمون إلى القول بخلق القرآن، فأجابوه إلى ذلك بألسنتهم، وقلوبهم منعقدة على القول بقدمه، أظهروا له خلاف ما يدينون الله به خوفاً وفرقاً.وشتَّان بين خوفهم من المأمون وخوف الشيعة أيَّام السفيانيين والمروانيين والعبَّاسيين والسلجوقيين والأيوبيين والعثمانيين ؛ حيث كانت الملوك والعمَّال والعلماء والرؤساء وعامة الرعايا مجتمعة على محق الشيعة وسحقهم، ولولا خلودهم إلى التقية ما بقيت منهم هذه البقية، ولماذا لم ينكر الأُستاذ أحمد أمين على أهل السَّنة إذ اتّقوا شرَّ جنكيزخان وهلاكو، فجاروهما في كثير من الأُمور حقنا لدمائهم؟ وما يصنع الضعيف العاقل إذا ابتلي بالغاشمين الأشدّاء وكانوا

١٢٨

أعداءه الألدّاء؟ ولو فرضنا أنَّ الأُستاذ أحمد أمين وغيره من أهل مصر يرون أنَّ حكومتهم جائرة، وأن لا حق لها في الحكم، وإنَّما الحق في ذلك لغيرها، فهل يبيح الشرع لهم مكاشفتها بذلك في حال ضعفهم عنها وخوفهم منها؟ أو يجب عليهم - والحال هذه - مداراتها واتّقاء شرها؟ ما أظن أنَّ أحداً من العقلاء يبيح المصارحة، ولا سيما إذا استلزم منها الضرر العام على الطائفة، والنفوس بفطرتها مجبولة على التقية في مثل هذه المقامات.

والتقية التي ذاعت وشاعت عن الشيعة دون غيرهم إنَّما هي التقية في مسألة الإمامة والخلافة ؛ حيث إنَّهم يرونها مقصورة على أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، فالحكومات الإسلامية كانت تنتقم منهم بسبب ذلك ؛ احتياطاً على سياستها.فكان الشيعي يكتم تشيُّعه احتفاظاً بحياته، يكتم كونه شيعيَّاً ما دام الكتمان ممكناً.أمَّا إذا لم يكن ممكناً، ترك التظاهر بما يخالف أهل السنة من الأقوال والأفعال وجاراهم اتّقاء من الفتنة، كما يفعله اليوم أهل السنة في الحجاز حيث لا يتظاهرون بالأعمال والأقوال التي ينكرها عليهم الوهَّابيون كالأدعية المستحبة في تلك المواقف الكريمة، وكزيارة قبور الأولياء، وكتقبيل الضريح النبوي الأقدس وغيره من ضرائح الأولياء، وكالاستغاثة بسيد الأنبياء والتوسُّل به إلى الله عزَّ وجل وجعله شفيعاً في غفران الذنوب وكشف الكروب، فإنَّ جميع الحجَّاج من سنيين وشيعيين - على اختلاف مذاهبهم - لا يتظاهرون بشيء منها تقيةً من الفتنة وخوفاً من الشرّ والأذى، وكلُّهم يبيحون التدخين ويستعملونه إذا كانوا أحراراً، لكنَّهم في الحجاز لا يتجاهرون به تقيةً وخوفاً، فهل في ذلك بأس عند ذي عقل أو دين؟ وأين هذا من الخداع والرموز التي زعمها حضرة الفيلسوف أحمد أمين؟! فقاتل الله الأهواء الباطلة والأغراض الفاسدة، وقبَّح الله الإرجاف الذي يميت الحقائق ويغيِّر المحور العلمي إلى الزور والبهتان، وكذلك يفعلون، والله المستعان على ما يصفون.

الشيعة تحفظ الأسانيد الصحيحة وتضع فيها الأحاديث

نعوذ بالله من كلِّ أفَّاكٍ خوَّاضٍ بباطله، ومن كلِّ وقاح متتابع في ضلاله، ونستجير بالله من بهتان حضرة الأُستاذ إذا ركب متن أهوائه، ومضى في العدوان والخرص والفلسفة العوراء على غلوائه، فإنَّ الرجل لا يخشى خالقاً، ولا يتَّقي معاداً، ولا يراجع ضميراً، ولا يلوي على وجدان ؛ ألا تراه كيف خلع ودلع، وولع بالإفك والبدع، فقتل كيف ولع؟ ثُمّ قتل كيف ولع؟ ثُمّ جالع(١) فانجلع، فرمى الأبرياء بالشنع، فقال عن الشيعة : (فاشتغل بعض علمائهم بعلم الحديث وسمعوا الثقاة

____________________

(١) جالع : فعل ماض معناه جاوب بالفحش.وانجلع بمعنى : انكشف وافتضح.

١٢٩

وحفظوا الأسانيد الصحيحة، ثمَّ وضعوا بهذه الأسانيد أحاديث تتَّفق ومذهبهم، وأضلوا بهذه الأحاديث كثيراً من العلماء لانخداعهم بالأسانيد)(ص ٣٢٩).

فلينظر إلى هذا الخرَّاص ناظر بعقله، وليفرضه جاهلاً بورع الشيعة، وناسجاً في اتّهامهم على منوال المرجفين المجحفين، فهل يجهل أيضاً فضل جهابذة السُّنة، وجهودهم مدة حياتهم التي أفنوها في نقد الحديث وتمحيص حقائقه بكل دقة واستقصاء؟! ومَن هو أحمد أمين لينسب الجهل والضلال إلى أعلام السُّنة المتخصِّصين بالتنقيب عن شؤون الحديث من كل جهة، المستفرغين كل وسع، والباذلين في سبيل ذلك كل جهد وكل طاقة، حتى صرَّح الحق عن محضه، وأبدت الرغوة عن الصريح، وما من حديث إلاّ تمخَّروه(١) واستشفُّوه(٢) وعجموه عجماً، فأحاطوا بكل ما يتعلق به علماً، فهل يمكن مع تلك الجهود كلها ومع قرب عهدهم أن يخفى عليهم ما قد اكتشفه اليوم هذا المتفلسف الذي تجشَّأ به الدهر الهرم فقاءه أُعجوبة من عجائب السفسطة؟! وما عشت أراك الدهر عجباً! وأيُّ شيء أعجب من زنديق يقوم بالأمس بمرأىً ومسمع من أعلام الأزهر يشك في الكتاب، ويقفوه اليوم أحمد أمين فيشك في السُّنة، فترتجُّ النجف الأشرف وتقشعر أندية العلم فيها لهول هذه الزندقة، ولا نسمع للأزهريين - خَدَمَة الدين وسدنة الكتاب والسنة - صوتاً ينعش المؤمنين ويرد كيد المنافقين، ولَكِنَّما قد يربض الليث للوثب.

أرجو من علماء السُّنة وحَفَظة الشريعة في الأزهر وغيره أن يسمحوا لي بكلمة أرفعها في هذا المقام إليهم ؛ وحاصلها: أنَّ لدى الشيعة أحاديث أخرجوها من طرقهم المعتبرة عندهم، ودوَّنوها في كتب لهم مخصوصة، وهي كافية وافية لفروع الدين وأُصوله، وعليها مدار علمهم وعملهم، و هي - لا سواها - الحجة عندهم، فما أغناهم بها عن حديث غيرهم! صح حديث الغير أو لم يصح، شك فيه الفيلسوف أحمد أمين أو لم يشك.أمَّا أهل السُّنة، فليس عندهم أسانيد يعتبرونها صحيحة إلاّ تلك الأسانيد التي زعم الأُستاذ أنَّ بعض علماء الشيعة وضعوا فيها أحاديث تتَّفق مع مذهبهم، وإذا تمَّت فلسفة هذا الجاهل وسرى ميكروبه هذا في أحاديث أهل السُّنة، فلا جرم أنَّه يقتلها عن آخرها.ومَن يؤمنهم- إذا تمَّت هذه الفلسفة - من كون الشيعة أو غيرهم وضعوا في تلك الأسانيد مقيِّدات لمطلقاتها ومخصِّصات لعموماتها، ووضعوا أوامر لم يأمر الشارع بها ونواهي لم ينه عنها، ووضعوا شروطاً لم يشترطها وأُموراً لم يشترعها،

____________________

(١) يقال: تمخَّر الريح إذا نظر من أين مجراها.

(٢) يقال: استشفَّ الثوب إذا نشره في الضوء، وفتَّش هل فيه عيب أم لا؟

١٣٠

ومتى حصل هذا الشك مع العلم الإجمالي الذي زعمه أحمد أمين، سقطت صحاح السُّنة عن آخرها، وقرَّت عين أحمد أمين وغيره ممَّن يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره.

أمَّا قوله بأنَّ الشيعة وضعوا في تلك الأسانيد أحاديث تتَّفق مع مذهبهم، ففلسفة مزيفة ؛ لأنَّ الشيعة لا تعوِّل على تلك الأسانيد، بل لا تعتبرها، ولا تعرِّج في مقام الاستدلال عليها، فلا تبالي بها وافقت مذهبهم أو خالفته.على أنَّهم أبرُّ وأتقى من أن يجوز عليهم الكذب ولا سيما على الله ورسوله، ولكنّ المنافقين هم الكاذبون.لم يقف الأُستاذ في فلسفته على هذا الحد، بل زاد في طنبورها نغمة ؛ حيث حدَّثنا: أنَّه (كان من الشيعة مَن سُمِّي بالسُّدِّي، ومنهم مَن سُمِّي بابن قتيبة، فكانوا يروون عن السُّدِّي وابن قتيبة فيظن أهل السُّنة أنَّهما المحدِّثان الشهيران، مع أنَّ كلاًّ من السُّدِّي وابن قتيبة الذي يُنقل عنه إنَّما هو رافض غال.وقد ميَّزوا بينهما بالسُّدِّي الكبير والسُّدِّي الصغير، والأول ثقة والثاني شيعي وضَّاع، وكذلك ابن قتيبة غير عبد الله بن مسلم بن قتيبة)(ص ٣٢٩) نعوذ بالله من الغرور ونستجير بعزَّته تعالى من احتقار هذا الرجل لأئمة الدين القوَّامين بأمره، انظر إلى هذا المغرور المُعجب بنفسه! وأعجب منه كيف ينسب إلى علماء الشيعة ما لا يليق إلاّ بأهل الشعوذة والتدجِيل! وهم أبرُّ وأتقى وأحوط على الإسلام من أن تدنِّسهم الآثام.

وأعجب من ذلك أنَّه يصوِّر علماء السُّنة سذَّجاً مغفَّلين في منتهى الجهل بحيث لا يفقهون حديثاً! ومتى كانوا يغترُّون بالتمويهات ويُضَلَّلون بالترَّهات؟ وهم أبعد غوراً وأدقُّ نظراً وأسدُّ رأياً وأكثر انتباهاً من أن تَخفى عليهم هذه السخافات.لكن الأُستاذ إذا لم يصوِّر حفظة الدين وأئمة المسلمين في منتهى القصور لا يكون فيلسوفاً ولا يدعى مكتشفاً، ثمَّ إنَّ السُّدِّي وابن قتيبة لم يكونا من أبطال الحديث! وليس لهما ميزة في رجال السند! فما الذي حمل الشيعة على التمويه باسميهما دون غيرهما من المشاهير؟! وما السُّدِّي إلاّ مفسِّر، وما ابن قتيبة إلاّ مؤرِّخ، والشيعة لا تعتمد في تفسيرها وتاريخها عليهما بخلاف أهل السُّنة كما يعلمه علماء الفريقين.

وقد مثَّل الأُستاذ جهله بأحوال الرجال وبُعده عن علم الحديث وأسانيده ؛ إذ وصف السُّدِّي وابن قتيبة بأنَّهما محدِّثان شهيران! مع أنَّهما لم يشتهرا بالحديث! بل لم يُعرفا به! وجعل السُّدِّي الكبير ثقة من أهل السُّنة والسُّدِّي الصغير شيعيَّا وضَّاعاً.قال: وكذلك ابن قتيبة غير عبد الله بن مسلم ابن قتيبة.وهذا ممَّا يضحك الثكلى! إذ ليس في العلماء مَن يُعرف بابن قتيبة إلاّ أبو محمد عبد الله

١٣١

بن مسلم بن قتيبة الدينوري، صاحب كتاب:مختلف الحديث ، وكتاب:الإمامة والسياسة ، وكتاب:المعارف ، وهو من المنحرفين عن أهل البيت كما نصَّ عليه الدارقطني.وقال البيهقي: كان من الكرَّامية.وتعلم هذا من ترجمته في ميزان الاعتدال.وليس في علماء الشيعة ولا في جهلائهم مَن يُعرف بابن قتيبة، وتلك كتبهم وكتب غيرهم في فهارس الرجال والتراجم تشهد بما نقول.فمَن هو ابن قتيبة الشيعي يا حضرة الأُستاذ؟!

أمَّا لفظ السُّدِّي، فقد أُطلق على إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الكوفي المفسِّر، وهو السُّدِّي الكبير.وهذا رجل شيعي تعتمد عليه أهل السُّنة مع تشيعه كما فصَّله سيِّدنا في مراجعاته الأزهرية، وتلك تفاسير أهل السُّنة مشحونة من أقواله.ويُطلق لفظ السُّدِّي أيضاً على محمد بن مروان، وهو السُّدِّي الصغير، وأصحابنا لا يعرفونه ولا يذكرونه أصلاً، وهو ليس منهم قطعاً، ولا نسبه أحد من الناس إليهم سوى حضرة الأُستاذ! وليته دلَّنا على واحد من العالمين يصرِّح بأنَّ محمد بن مروان السُّدِّي الصغير من أصحابنا! وليته يدلَّنا على واحد من الشيعة روى عنه ولو كلمة واحدة، أو ذكره في شيء ما!

ولو بذل الأُستاذ وسعه واستفرغ عمره في البحث عن ذلك، لرجع بالاعتراف على نفسه بأنَّه من الخرَّاصين الذين ليس على أقلامهم ولا على ألسنتهم من عقولهم ودينهم رقيب، نعوذ بالله من الفضيحة.ولو قطعنا النظر عن كون ابن قتيبة واحداً فقط لا اثنين، وعن كون السُّدِّي الثقة، أعني الكبير، شيعياً لا سنِّياً، وعن كونه مع ذلك حجة عند أهل السُّنة دوننا، وعن كون السُّدِّي الصغير الوضَّاع ليس من طائفتنا، وعن كون الشيعة لم تروِ عنه شيئاً ما، ولم تذكره ولم تتعرَّف به، وإنَّما يعرفه ويروي عنه أهل السُّنة لا نحن، وعن كون السُّدِّي الكبير وابن قتيبة غير مشهورين بالحديث ولا بمعدودين في المحدِّثين، وعن كون أحمد أمين كخابط عشواء في ليلة ظلماء، لو قطعنا النظر عن هذه الأُمور كلها وسلَّمنا لحضرة الأُستاذ أنَّ هناك قتيبتين وسُدِّيين كما ذكر في فلسفته واكتشافه! فما ذنب الشيعة لو نقلوا عن الشيعي فظنَّ الصمُّ البكمُ العميُ أنَّ ذلك عن السنِّي؟!~ولئك الضعفاء والمجهولين ليس إلاّ التضليل والتدجيل ؛ لأنَّ المتبادر من تلك الأسماء عند إطلاقها إنَّما هم أئمة الهدى من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والأُستاذ أحمد أمين يعلم بأنَّ أهل السُّنة كافَّة إذا نقلوا عن ابن يسار البصري مولى زيد بن ثابت يقولون: قال الحسن كذا، وحدَّث الحسن بكذا.وفي أمثالهم المعروفة جالس الحسن أو ابن سيرين، فهل هذا لأنَّ البصري أفضل وأكمل من ريحانة المصطفى وسيد شباب أهل الجنة وخامس أصحاب الكساء؟! أو أنَّه إيهام وتضليل؟

ولو أردنا سرد ما كان من هذا القبيل لطال المقام، وفي هذا القدر كفاية لمَن كانت لله عزَّ وجلَّ فيه عناية.

١٣٢

الشيعة تحشو الكتب بتعاليمها وتنسبها إلى أهل السُّنة

إنَّ هذا الفيلسوف يهتم بتنميق الألفاظ وليس عليه أن تكون المعاني صحيحة، فلا تمنعه من الثرثرة لوازمها الباطلة ولا سمومها القاتلة ؛ لم يكتف بالتشكيك في الصحاح من مسانيد أهل السُّنة حتى أراد تشكيكهم في كتب سلفهم ومؤلَّفات أعلامهم التي أفنوا أعمارهم الشريفة في تهذيبها! ليقطع خط الرجعة عليهم في تعاليمهم الدينية، وهذا أعظم ما يتوخَّاه زنادقة العصر الحاضر.ولهذا الغرض نفسه يهتم أكثرهم في إماتة الكتابة الشرقية واستبدالها باللاتينية ؛ إسقاطاً لجميع الكتب، وإماتة للعلوم والفنون والأديان، وإيثاراً للزندقة والفلسفة الباطلة والجهل المركب الذي يسمُّونه علوماً عصرية، نعوذ بالله.ومَن أنت يا حضرة الأُستاذ ليبالي أهل السُّنة أو الشيعة في تضليلك عن حديثهم وهم جهابذته وصيارفته؟! وكيف يعبأون في تشكيكك بكتب سلفهم وقد رووها عن أصحابها سماعاً وقراءة وإجازة بالأسانيد الصحيحة المرفوعة إلى مؤلِّفيها؟! وتفصيل ذلك موكول إلى الكتب المختصة بهذا الفن من مؤلَّفات الطائفتين، وهي في غاية الكثرة والانتشار.

أمَّا فلسفة الأُستاذ في قوله (ص ٣٢٩): (بأنَّ الشيعة وضعوا الكتب وحشوها بتعاليمهم ونسبوها لأئمة أهل السُّنة ككتاب سر العارفين الذي نسبوه إلى الغزالي، ففلسفة مغسولة مرذولة كسائر سفسطته ؛ إذ يتفلسف رجماً بالغيب وعملاً بالعصبية العوراء.وحاشا لله أن تفعل الشيعة شيئاً ممَّا رماهم به، وهم أبرُّ وأتقى، ولكنَّ المنافقين هم الكاذبون.وما أغنى الشيعة عن سر العارفين بما عندهم من أسرار محمد وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما أغناهم بذلك عن غزل الغزالي.وإنَّ تعاليمهم لثابتة

____________________

السُّنة تجد الأمر كما قلنا.وجُل أصحاب هذه الأسماء ضعفاء لا يركن إليهم، ومع ذلك أطلقوا عليهم الأسماء التي تنصرف إلى أئمة العترة الطاهرةعليهم‌السلام .

١٣٣

بمحكمات الكتاب ونصوص السُّنة، وليس عندهم من التعاليم شيء لا يدل عليه كتاب الله عزَّ وجلَّ أو سنَّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو إجماع أهل الحل والعقد أو يستقل بحكمه العقل، ليحتاجوا إلى الغزالي.ومَن هو الغزالي لينتصروا به وقد انتصر ليزيد بن معاوية في إحياء علومه؟! بل استخف بقتل خامس أصحاب الكساء وسيد شباب أهل الجنة وريحانة المصطفى ؛ إذ لم يرض بلعن المباشر لقتلهعليه‌السلام (١) مع إباحته لعن شيعة آل محمد(٢) !! على أنَّ الشيعة لا تعرفسر العارفين ولا مؤلِّفه، ونسبته إلى الغزالي بمجرَّدها كافية في سقوطه عندهم، وافق تعاليمهم أو خالفها.

ونحن نسأل هذا الخرَّاص فنقول له: أيُّ شيعي استند في تعاليم الشيعة إليه؟ وأيُّ عالم أو جاهل من الشيعة اعتبرسر العارفين أو سر العالمين دليلاً؟! فليدلَّنا حضرة الأُستاذ إنْ كان من الصادقين! وإلاّ فليعلم أنَّه من الخرَّاصين.ومَن أخبر أحمد أمين بأنَّ هذا الكتاب من تأليف الشيعة فلعل أحد علماء السُّنة ممَّن كان يحسد الغزالي ويحاول إسقاطه ويبتغي التشنيع عليه، وَضَع هذا الكتاب ونسبه إليه تنفيراً منه، فهل لحضرة الأُستاذ دليل على نفي هذا الاحتمال؟ ألَم يرجف المرجفون من أهل السُّنة بالغزالي؟ ألَم يجحف عليه معاصروه منهم؟ ألم ينسبوا إليه بعض أقوال المفرِّطين من الصوفية ليُعدَّ من الكافرين؟ أليست هذه الأُمور قرينة على ما قلناه؟ ومع ذلك فإنَّا لا نجزم بأزيد من نفي ما ادَّعاه أحمد أمين وافتراه على الشيعة.وهذا كتاب مروج الذهب للمسعودي محشو بالحوادث التاريخية على ما تقتضيه تعاليم أهل السُّنة مع أنَّ المسعودي من أعلام الشيعة، وهو صاحب كتاب الوصية، فلماذا لم تقل الشيعة أنَّ أهل السُّنة وضعوه وحشَّوه بتعاليمهم ونسبوه إلى علمائنا؟ معاذ الله أن تعوِّل الشيعة على الفلسفة العمياء، وحاشاهم من خرص الخرَّاصين.

الشيعة ملجأ يأوي إليه مَن أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد (ص ٣٣٠)

هذا كلام مَن لا يتَّقي الذم ولا يبالي بالفضيحة، قد أبرز صفحته للخزي، وطرح نفسه في الفضائح، فارتطم في مراغة الذم، وأصبح مضغة في أفواه القارضين.ويحه! كأنَّه يحدِّث عن طائفة

____________________

(١) راجع منه: الآفة الثامنة من آفات اللسان (ج ٣، ص ١١٣) تجد العجب العجاب ؛ حيث جعل لقاتل الحسين توبة مقبولة!! وجعل في لعن المباشر لقتلهعليه‌السلام بيده والآمر بذلك خطراً على مَن يلعنهما!! وفي أواخر صرَّح بأنَّه لا خطر في السكوت عن لعن إبليس!! وصرَّح بأنَّه لا يجوز لعن يزيد!! ولا يجوز أن يقال: إنَّه قتل الحسين أو إنَّه أمر بقتله!!

(٢) راجع منه أيضاً: ج ٣، ص ١١٣.

١٣٤

من الطوائف البائدة التي لم يبق منها في صحيفة الوجود إلاّ ما يتحدَّث به المخرِّفون عنها وتتناوله القصَّاصون.ألا تراه كيف يتحدَّث بكل اطمئنان بما يكذِّبه العيان والوجدان، ولا يبالي بهذه الفضيحة؟! إنَّها لوقاحة ما اشتمل التاريخ على مثلها.كنا نرى في بعض الكتب حملات عنيفة على الشيعة كانت الظروف تسمح بها، وكان التبصيص حول العروش يقتضيها، والآن لا نرى الظروف تسمح بشيء منها ؛ إذن ما بال هذا المتفلسف ينفخ بذلك البوق ويضرب على ذلك الطبل؟! وما المقتضي لأن يزيد في ذلك الطنبور هذه النغمات المزعجة التي تُطرب كل مَن أراد هدم الإسلام، وتُسرُّ كل مَن يسعى بتمزيق وحدته وتفريق أمته؟

ونحن لولا موانع الظروف الحاضرة، لأقمنا البراهين القاطعة والأدلة الساطعة على أنَّ المأوى الذي التجأ إليه كل مَن أراد هدم الإسلام عداوة للنبي وحقداً عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّما هو العرش الذي تبوَّأه الغاشمون الظالمون لآل محمد، الدافعون لهم عن مراتبهم التي رتَّبهم الله فيها.ولولا أُولئك المستبدون المغتصبون وأعوانهم المنافقون، ما كان لأعداء محمد والحاقدين عليه مأوى يلتجئون إليه وسلطان يعتمدون

عليه، بل لولاهم ما عاث في الإسلام عائث، ولا ظهرت فيه بدعة، ولا تمزَّق ثقلا رسول الله كل مُمْزَّق... ولا ولا.. إلى آخر ما سيضطرنا هؤلاء المرجفون بنا إلى مكاشفتهم به، وحينئذ نأتيهم بما لا قبل لهم به! وكل آتٍ قريب (إنْ عادت العقرب).يا حضرة الأُستاذ، إنَّ الشيعة أعظم المسلمين عناء في تأييد الإسلام، وأشدُّهم عليه احتياطاً، وأجلُّهم به عناية، وأجملهم له رعاية، وأبذلهم للنفوس والنفائس في سبيله، وأفضلهم قياماً ببرهانه ودليله، وأصدقهم حفيظة إذا بانت الحقائق وظهرت المصادق، وأرساهم إيماناً بأحكامه، وأرسخهم قدماً في تحليل حلاله وتحريم حرامه، وأثبتهم على مبادئه ؛ تزول الجبال ولا يتزلزلون.ولهم في الذود عن حياضه، والدفاع عن رياضه، والنصرة لأوليائه، والقمع والقدع لأعدائه، والتعظيم لشعائره، والتقديس لمشاعره، والتعبُّد بأدلته، والتفاني في نشر دعوته، مقاماتٌ يصغر في جنبها جهاد الأبطال، وتخفُّ في ميزانها كفَّة الجبال.ودونك مؤلَّفاتهم في مكافحة الملاحدة والزنادقة والطبيعيين وسائر أعداء الإسلام تزيد على عشرات المئات، مطوَّلة ومختصرة، متوناً وشروحاً، للمتقدمين منهم وللمتوسِّطين وللمتأخرين، وكلُّها صواعق مواحق لكل مَن أراد بالإسلام سوءاً.وتلك مؤلَّفاتهم في التوحيد والعدل والمعاد والنبوة والإمامة وسائر العقائد، وفي الحديث، والفقه وأُصوله، والتفسير وسائر علوم القرآن، وفي الدراية وأحوال الرجال، والحكمة العقلية (الفلسفة)، والسير والتاريخ، والأخلاق

١٣٥

وأدواء النفس وعلاجها وغير ذلك ممَّا لو راجعته لوددَّت أنَّك شللت وبكمت! ولم تكن قلت ما قلت أو رقمت في فجورك ما رمت!

لليهودية ظهرت في التشيُّع

هذا كلام مَن لا خلاق له.

اليهودية إنَّما ظهرت في حديث أبي هريرة بأجلى المظاهر ؛ فراجع من كتاب البخاري حديث وضع الجبَّار قدمه في النار، وحديث مجيء الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة بصورة لا يعرفه بها أهل المحشر، ثمَّ مجيئه ثانياً بصورة أخرى يعرفه الناس فيها بساقه ؛ حيث يكشف لهم عنها، إلى كثير من خرافات اليهود التي أخذها أبو هريرة عن كعب الأحبار ونسبها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كحديث خلق آدم على صورة الرحمن الموافق لِمَا في أيدي اليهود من التوراة المحرَّفة.وقد اعترف الشهرستاني بذلك عند ذكره المشبِّهة من أهل السُّنة في كتابه الملل والنحل حيث قال: (وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبي، وأكثرها مقتبسة من اليهود...) إلى آخر كلامه.

ونحن نسأل حضرة الأُستاذ عن مقاتل بن سليمان هل هو من الشيعة؟ وهل الشيعة تذكره إلاّ بالقدح والجرح والوهن والطعن؟ على أنَّه إمام أهل السُّنة في تفسير القرآن وأحد مراجعهم العظام فيه، وقد قال أبو حاتم بن حيان البستي (كما في ترجمة مقاتل من وفيَّات ابن خلِّكان): كان مقاتل يأخذ من اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان مشبِّهاً ؛ يشبه الربَّ بالمخلوقين.(قال:) وكان يكذب مع ذلك في الحديث... إلخ.وأنت إذا راجعت الكلمة الغرَّاء في تفضيل الزهراء (فصل ٢، ص ١٣) يتجلَّى لك ظهور اليهودية في تفسير مقاتل وأصحابه، وأنَّه من أشدِّ الناس عداوة لأمير المؤمنين وشيعته الميامين.

أمَّا القول بالرجعة، فقد بسطناه سابقاً، فراجعه تعلم أنْ ليس فيها من اليهودية شيء، وحاشا لله أن يكون ثمَّة شيء ممَّا يرجفه المرجفون.

وأمَّا ما نقله الأُستاذ عن الشيعة من القول بأنَّ النار محرَّمة على الشيعي، فإفك وبهتان وظلم وعدوان.والشيعة الإمامية مجمعة على أنَّ الناس خلقها الله عزَّ وجلَّ لمَن عصاه، وخلق الجنة لمَن أطاعه، وغاية ما عندهم أنَّ المؤمنين العصاة لا يخلدون في النار، لكنّ أحمد أمين أبى إلاّ أن يستقي من حثالات المرجفين الذين شاؤوا أن يلصقوا بالشيعة كل باطل، فقالوا: إنَّهم كاليهود لا يأكلون لحوم الإبل، ولا يوجبون العدَّة على النساء، وإنَّهم ينكرون الصلاة والصوم والزكاة والحج وسائر الواجبات، إلى كثير من هذه الخرافات.وقد نقلها سيِّدنا في الفصل ١٠ من كتابهالفصول المهمَّة وبسط القول فيها على وجه أثبت فيه عدوان المعتدين المفترين، فجعله

١٣٦

محسوساً ملموساً، فليراجعه حضرة الأُستاذ ومَن لفَّ لفَّه ليعلموا أنَّهم خرَّاصون وأنَّهم مقتولون.وقد أفتى الشيخ نوح الحنفي بكفر الشيعة وقتلهم تابوا أو لم يتوبوا، وحكم بسبي نسائهم وذراريهم ؛ مستدلاًّ على ذلك بأنَّهم يستخفُّون بالدين ويهزؤون بالشرع المبين، وأنَّهم يهينون العلم والعلماء، وأنَّهم يستحلُّون المحرَّمات ويهتكون الحرمات... إلى آخر ما جاء به من الكذب الصريح، وكان إدَّاً( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ) .وقد تصدَّى سيِّدنا لنقل كلامه بألفاظه، ثمَّ ناقشه الحساب فجعله هباء منثوراً ؛ فراجع: (الفصول المهمَّة، فصل ٩، ص ١٣٠، ط ٢) لتعلم الفرق بين الضلال والهدى، والجهل والعلم، والحق والباطل، إنَّ الباطل كان زهوقاً.

النصرانية ظهرت في التشيُّع

إنَّ الرجل مرجف مجحف، ناصب كاذب، ألا لعنة الله على الكاذبين.نسألك - يا حضرة الأُستاذ - عن أحمد بن حائط وعن فضل بن الحدثي وأصحابهما الذين ذكرهم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ؛ أكانوا من الشيعة أم كانوا من أعداء الشيعة وألدِّ خصومها؟ ما أظن الأُستاذ أحمد أمين أو غيره من أهل الوقاحة يقدرون أن يقولوا إنَّهم من الشيعة ؛ لثبوت انحرافهم عن أهل البيت وتظاهرهم في مخاصمة الشيعة.وقد ذكرهمالشهرستاني، فقال:

كان أحمد بن حائط وفضل بن الحدثي من أصحاب النظَّام، وطالعا كتب الفلاسفة أيضاً، وضمَّا إلى مذهب النظَّام ثلاث بدع: الأُولى إثبات حكم من أحكام الإلهية في المسيح، موافقة للنصارى على اعتقادهم أنَّ المسيحعليه‌السلام هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة وهو المراد بقوله تعالى:( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) ، وهو الذي يأتي في ظلل من الغمام وهو المعني بقوله تعالى:( أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) ، وهو المراد بقول النبي: إنَّ الله خلق آدم على صورة الرحمن، وبقوله: يضع الجبار قدمه في النار.

(قال:) وزعم أحمد بن حائط أنَّ المسيح تدرَّع بالجسد الجسماني، وهو الكلمة القديمة المتجسِّدة كما قالت النصارى...).

إلى آخر كلامه فراجعه ؛ لتعلم أنَّ النصرانية لم تظهر في التشيُّع، وإنَّما ظهرت بأجلى المظاهر في سلف أحمد أمين أعداء الشيعة المنحرفين عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمَّا القول بإلهية الإمام أو بنبوته، فقد علم البَر والفاجر، والمسلم والكافر، والعالم والجاهل أنَّها إنَّما هي أقوال الغلاة والخارجين عن دين الإسلام، المعطِّلين لأحكامه.فما ذنب الشيعة والله تعالى يقول:( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) ؟!

فإن قال أحمد أمين: أنَّ أصلهم شيعة. قلنا له: هذا غير معلوم، ولعل

١٣٧

أصلهم سُنَّة.وماذا يقول الأُستاذ أحمد أمين بمَن أراد تشويه الإسلام والطعن به فذكر عقائد هؤلاء الغلاة ليلزم المسلمين بأقاويلهم الباطلة لأنَّ أصلهم من المسلمين، فهل يكون طعنه صحيحاً أم لا؟ فالجواب.. الجواب.

التجسيم والحلول ظهرا في التشيُّع

كذا زعم الفيلسوف المهول أحمد أمين في فجره أو فجوره.وقد علمت أنَّ التجسيم قد ظهر في حديث البخاري وصحيحه عن أبي هريرة وأمثاله، وأنَّ أوَّل مَن أسَّس التجسيم في الإسلام إنَّما هو كعب الأحبار ابن اليهودية، وأخذ عنه ذلك أبو هريرة وأمثاله من ثقات أهل السُّنة ورجال صحاحهم الستّة، فتقوَّلوه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .وسمعت رأي مقاتل بن سليمان في التشبيه، وقد ذكره أبو حنيفة - كما في ترجمة مقاتل منميزان الاعتدال - فقال: وأفرط مقاتل حتى جعل الله مثل خلقه وقد علم الناس أنَّ التشبيه مذهب جماعة من أصحاب الحديث من أهل السُّنة يعرفون بالحشوية، وقد ذكرهم الشهرستاني فيالملل والنحل في الأشاعرة وصرَّح بأنَّهم من محدِّثي أهل السُّنة، وأنَّهم ليسوا من الشيعة.وذكر منهم: نصر، وكهمش، وأحمد الهجيني وغيرهم.وذكر أنَّهم قالوا: إنَّ معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض يجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار والتمكُّن.وأجازوا على ربِّهم الملامسة والمصافحة، وأنَّ المخلصين من المسلمين يعاينونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا من الرياضة والاجتهاد إلى حدّ الإخلاص والاتّحاد.وادّعى بعضهم أنَّهم كانوا يزورون الله ويزورهم.وحكى عن داود الخارمي أنَّه قال: اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمَّا وراء ذلك.وقالوا: إنَّ معبودهم جسم ولحم ودم، وله جوارح وأعضاء ؛ من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأُذنين، وأنَّه أجوف من أعلاه إلى صدره، مصمت ما سوى ذلك، وأنَّ له وفرة سوداء وشعر قطط! حتى قالوا: بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، فعادته الملائكة، وأنَّ العرش ليئطّ من تحته كأطيط الرَّحل الجديد، وأنَّه ليفضل من كل جانب أربعة أصابع.ورووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه قال : لقيني ربي فصافحني وكافحني، ووضع يده بين كتفيَّ حتى وجدت برد أنامله.وقالوا: يجوز أن يظهر الباري بصورة شخص كما كان جبرائيلعليه‌السلام ينزل في صورة أعرابي.وقالوا: إنَّ النبي (ص) لقي ربَّه في أحسن صورة.

وأهل السُّنة كافَّة يروون في ذلك حديثاً يصحِّحونه، وأهل هذه المقالات كلهم سُنِّيون كما اعترف به الشهرستاني ؛ حيث أورد المشبِّهة في كتابالملل والنحل فليراجعه حضرة الفيلسوف أحمد أمين ليعلم أنَّ التجسيم

١٣٨

إنَّما ظهر في سلفه النواصب الحشوية الجامدين، وظهر في الكرّامية من أهل السُّنة أصحاب محمد بن السُّنة الذي ذكره الشهرستاني، وذكر انتسابه إلى أهل السُّنة، وأنَّ عدد طوائفه بلغ اثنتي عشرة فرقة، وأنَّ أُصول تلك الفرقة ستة: العابدية، والنونية، والزرينية، والإسحاقية، و الواحدية، والهصيمية، ولكلٍّ رأي.

وقد نصَّ محمد بن السُّنة على أنَّ معبوده استقر على العرش، وعلى أنَّه بجهة فوق، وعلى أنَّه جوهر.وقال في كتابه المسمَّىعذاب القبر : أنَّه أحديُّ الذات، أحديُّ الجوهر، أنَّه ممَّاس للعرش من الصفحة العليا.وجوِّز عليه الانتقال والتحوُّل والنزول.ومنهم مَن قال: أنَّه على بعض أجزاء العرش، وقال بعضهم: امتلأ العرش به إلى... آخر ما نقله الشهرستاني من خرافاتهم وكفرهم.

والتجسيم معروف عن الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه، ولهم قصص في ذلك ونوادر وحكايات عجيبة يعرفها المتتبِّعون.وعلى هذا الرأي ابن تيميَّة، وابن القيِّم، وابن عبد الوهَّاب وأتباعهم.وقد نقله الشهرستاني عن أحمد بن حنبل، وداود بن علي الأصفهاني، ومالك بن أنس، ومقاتل بن سليمان، وجماعة من أئمة أهل السُّنة.

وأمَّا الحلول والتناسخ، فقد ظهرا في سلف الأُستاذ أحمد أمين ؛ حيث زعم سميَّاه - أحمد حائط، وأحمد بن أيُّوب بن مانوس - أنَّ الله تعالى أبدع خلقه أصحَّاء سالمين، عقلاء بالغين، في دار سوى هذه الدار التي هم فيها اليوم، وخلق فيهم معرفته والعلم به وأسبغ عليهم نعمه ،. (قالا:) ولا يجوز أن يكون أول مَن يخلقه الله إلاّ عاقلاًَ ناظراً معتبراً، فابتدأهم بتكليف شكره، فأطاعه بعضهم في جميع ما أمرهم به، وعصاه بعضهم في جميع ذلك، وأطاعه بعضهم في البعض دون البعض، فمَن أطاعه في الكل أقرَّه في دار النعيم التي ابتدأهم فيها، ومَن عصاه في الكل أخرجه من تلك الدار إلى دار العذاب، وهي النار، ومَن أطاعه في البعض وعصاه في البعض أخرجه إلى دار الدنيا، فألبسه هذه الأجسام الكثيفة، وابتلاه بالبأساء والضرَّاء، والشدَّة والرخاء، والآلام واللَّذات، على صور مختلفة من صور الناس وسائر الحيوانات على قدر ذنوبهم، فمَن كانت معصيته أقل وطاعته أكثر كانت صورته أحسن وآلامه أقل، ومَن كانت ذنوبه أكثر كانت صورته أقبح وآلامه أكثر، ثمَّ لا يزال يكون الحيوان في الدنيا، كرَّة بعد كرَّة، وصورة بعد صورة، ما دامت معه ذنوبه وطاعاته.

هذا رأي أحمد بن حائط وأحمد بن أيُّوب وفضل بن الحدثي وأصحابهم.وكان أحمد بن أيُّوب بن مأنوس يقول: متى صارت النوبة إلى البهيمية ارتفعت التكاليف، ومتى صارت النوبة إلى رتبة النبوة والملك ارتفعت التكاليف أيضاً، وصارت النوبتان عالم الجزاء... إلى آخر ما نقله عنهم الشهرستاني في الملل والنحل فراجعه لتعلم أنَّ التجسيم والحلول إنَّما ظهرا في خصوم التشيُّع

١٣٩

وأعدائه.

ولا ننكر أنَّ في بعض الفرق الضالَّة - التي يطلق عليها لفظ الشيعة - ضلالاً وغلوَّاً وبدعاً توجب الكفر كالكاملية والخطَّابية والأغاخانية و نحوهم، ونحن منهم براء.وإنَّما بحثنا في هذا الكتاب ودفاعنا عن الإمامية الاثني عشرية الذين ذكرهم سيِّدنا في آخر الفصل ١١ من فصوله المهمَّة، فقال: وهم ركن الدين، وشطر المسلمين، وفيهم الملوك والأُمراء، والعلماء والأُدباء، والكتبة والشعراء، والساسة المفكِّرون، والدهاة المدبِّرون، وأهل الحميةالإسلامية، والنفوس العبقرية، والشمم والكرم، والعزائم والهمم.وقد انبثوا في الأنحاء، وانتشروا في الأرض انتشار الكواكب في السماء، فليس من الحكمة ولا من العقل أن يستهان بهم، وهم أهل حول وقوة، وغنى وثروة، وأموال مبذولة في سبيل الدين، وأنفس تتمنَّى أن تكون فداء المسلمين.وليس من التثبُّت أن يعتمد - في مقام النقل عنهم - على إرجاف المرجفين وإجحاف المجحفين( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) ، انتهى كلامه دامت أيَّامه.

وليعلم حضرة الأُستاذ وغيره أنَّ الشيعة الذين ذكرناهم قد اعتصموا بحبل الله جميعاً، وتمسَّكوا بثقلي رسول الله معاً، ودخلوا مدينة علم النبي من بابها، واستنبطوا أحكام الشريعة من سُنَّتها وكتابها، وركبوا سفينة نجاة الأُمّة ولجأوا إلى أمانها، وأتوا من باب حِطَّتها، واستمسكوا بالعروة الوثقى من هدي آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يحلِّلون حلالهم ويحرمون حرامهم.وآل محمد على الحق والهدى الذي كان عليه جدُّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يجوز على شيعتهم شيء ممَّا تقوَّله عليهم المبطلون ونسبه إليهم الدجَّالون الذين يخلطون الحابل بالنابل، ولا يميِّزون بين أهل الحق و الباطل؟ وهب أنَّ شرذمة من الأُمّة ضلَّت ضلالاً مبيناً، فما ذنب مَن كان منها على الهدى؟ وهل يجوز الطعن في المسلمين عامة لوجود بعض الفرق منهم المستوجبة للطعن؟! نعوذ بالله من هذا الخبط والخلط، وبه نستجير من كل خوَّان يحيف على مَن يبغض فيلصق به من الدواهي ما يقتضيه بغضه، ويوجبه حقده، ويوحي إليه ضميره الخبيث، ولا يراقب الله والدار الآخرة، ولا يبالي بما تقوله الناس فيه، والحمد لله الذي عافانا - معشر الشيعة - ممَّا ابتلي به غيرنا.

وهذا آخر ما أردنا الآن نشره من كتابنا هذا في تزييف الكتاب الذي سمَّاه مؤلِّفه: فجر الإسلام، ونحن نسمِّيه: فجور اللِِّئام.وقد كان الأُستاذ فيه كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفِّه، ولا عجب، فإنَّ الجاهل المغرور يفعل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوِّه.نعوذ بالله من كلِّ غالٍ في جهله، وأعمى في طغيانه، ومن كل هائم في أودية الضلال، أو باسط عنانه في الجهل والمحال، وممَّن أطلق لنفسه هواها فاسترسلت به في بطرها وعماها.ونستميح عذراً

١٤٠