تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام0%

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 143

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عبد الله السبيتي العاملي
تصنيف: الصفحات: 143
المشاهدات: 45869
تحميل: 6258

توضيحات:

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 143 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45869 / تحميل: 6258
الحجم الحجم الحجم
تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فيه آيات محكمات وضعوها بحق عليعليه‌السلام .

فإذن كلُّها مشوَّشة وكلُّها محرَّفة وكلُّها لم تخل من وضع الوضَّاعين، وعليه فلا نعرف من أين أخذ معالم دينه؟ وأيُّ إسلام يبحث في عقليته وعلماؤه وضَّاعون ؛ لا حريجة لهم في الدين؟!

نفس صاحب الكتاب لم تسمح له بأن يسير مسترسلاً في تبين مقدار فضيلة صاحب هذه الشخصية أمير المؤمنين عليعليه‌السلام كما سار في غيرها جرياً على سنن بعض السلف ممَّن تقدَّمه، فإنَّهم إذا وقفوا عند هذه الشخصية الكريمة على الله وعلى رسوله وقفوا جامدين، ولقد جهل أحمد أمين ما لمجريات الأحوال من التأثُّرات فكم هنالك من الفضائل كان يتعامى عنها أولئك المؤلِّفون! وكانوا يسقطونها من ميزان الأعمال تمشِّياً مع تلك الأحقاد والأهواء، وجهل الأستاذ أنَّ أمس الدابر غير اليوم الحاضر ؛ فإنَّ سلفه كانوا يقفون عند تلك الشخصية، ولكنَّهم كانوا يكتبون لأمّة كان الجهل ضارباً أطنابه بين نوع أفرادها، فلا يسمحون لأقلامهم بأكثر ممَّا نراه في طبقات ابن سعد وغيره، ولو أنَّ الظروف ساعدتهم على الإغماض أكثر من ذلك لَمَا سمحوا لتلك الأقلام بهذا المقدار أيضاً، ومَن ينعم النظر قليلاً يقف على أمر وراء هذا ؛ إذ يجد هناك نعرة كانت على الأكثر ترمي إلى اتهام الأقلام التي تكتب في فضائل أهل البيت بالكذب، فإذا كتب أحدهم في مناقب أهل البيت الطاهر رموه بكل شائنة ؛ فمرة كذَّاب ومرة وضَّاع... ومرة ومرة، هذا إذا وجدوا مساغاً لهم، وإنْ لم يجدوا مساغاً للطعن يقولون: الكتاب مكذوب عليه، كما فعل صاحب الكتاب فإنَّه أنكر نسبة كتاب سر العالمين للغزالي ؛ وذلك لمقالة فيه تعرَّض فيها للخلافة.

قبل أن أتجاوز هذا المقام أحب أن أعطيك مثلاً صالحاً لتتجلَّى لك تلك النعرة بوضوح: اقرأ غزوة الأحزاب (الخندق) التي انخلعت لها قلوب المسلمين خوفاً، وارتعدت فرائصهم فَرَقاً، وهالهم أمر تلك الجموع( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا ) اقرأها في صحيح مسلم والبخاري تجدها خلواً من ذكر عليعليه‌السلام وهو مبدِّد تلك الكتائب ومفرِّق تلك الجموع بقتل عميد ذلك الجيش عمرو بن ود الذي استبشر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتله فقال: (قتل عليٍّ لعمرو يعدل عبادة الثقلين) وقال: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) وكذلك الصحابة شاركوا النبي بالاستبشار، قال حذيفة اليماني: (لو قُسِّمت فضيلة عليعليه‌السلام بقتل عمرو يوم

٤١

الخندق بين المسلمين لوسعتهم).

على أنَّا نرى الشيخين عنيا بأمور لا وزن لها ولا قيمة وأهملا مثل هذه الفضيلة، فهل لم يسمعاها وقد تحدَّثت بها الركبان، وذكرها أهل السير والمؤرِّخون؟ أو لم تثبت عندهما وقد رواها الثقات، بل هي من الضروريات؟ وإنَّ الشيخ البخاري لا يعدَّها منقبة، ويحدِّثنا عن منقبة للزبير هي: (إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم الأحزاب: (مَن يأتينا بخبر القوم؟) فقال الزبير: أنا، ثم قال: (مَن يأتينا بخبر القوم؟) فقال الزبير: أنا، ثم قال: (مَن يأتينا بخبر القوم؟) فقال الزبير: أنا، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنَّ لكل نبي حواريا وحواريّي الزبير) هذا وقد بتر الحديث ولم يدلَّنا أنَّ الزبير ذهب أم لا؟ ولربَّما تقف مستغرباً إذا قلنا لك: المشهور عند أهل السير أنَّ المرسَل لاستعلام خبر القوم هو حذيفة اليماني ؛ فراجع صحيح مسلم والسيرة الحلبية وتاريخ الطبري.

ولسنا نعلم لو كان النجاح في هذه الحرب الضروس لغير عليعليه‌السلام من الصحابة أكان يهمله الشيخان؟ سؤال بسيط وخطر معاً، والحق أنَّه لو كان الأمر كذلك لسطِّرت فيه الأساطير ومُلئت الطوامير وتعدَّدت طرق الرواية، ولكان فرضاً أن يُذكر في دبر كل صلاة وفي مختلف الأوقات.

إلى هنا أقف معك وأخالك استكشفت جليَّة الأمر واتضح لك أنَّ تلك الأقلام التي كانت تسوِّد تلك الصحائف كانت تمشي وراء الميول والأهواء، ووراء التبصيص حول التيجان لا وراء التمحيص، وإن أردت الزيادة فإنَّا نستلفتك إلى إنكار الجاحظ وابن تيميَّة أنَّ عمرو كان من فرسان العرب وشجعانها المعروفين بالبسالة والجرأة، فليس لقاتله فخر، ومن هنا يتجلَّى لك بوضوح مقدار الانحراف عن عليعليه‌السلام ، ويتجلَّى لك قيمة تلك الأبحاث وقيمة تلك الأشخاص، ولكن من الغريب أن يقوم اليوم أستاذ من أساتذة جامعات مصر فيكتب بذلك القلم الرث الذي أكل عليه الدهر وشرب، ويكيل بتلك الصاع المثقوبة، والناس أصبحت في يقظة وتكشَّفت أمامها ضلالات تلك العصور وهاتيك الخرافات والآراء الزائفة التي كانت تكتب بقلم العصبية العريض.

ومن الغريب أيضاً أن تؤثِّر تلك السياسة الخرقاء التي قضت على أولئك أن لا يؤمنوا بتلك الآيات البيِّنات على نفسية شخصية يُعِدّ نفسَه في طليعة الأحرار الذين تحلَّلوا من تلك القيود وتحلَّلوا من تلك الأنقاض.

٤٢

وإن كان صعب على صاحب الكتاب تصوير هذه الشخصية فنحن نصوِّرها له بقدر ما تستطيعه عقليتنا، ولا يكلِّفنا البحث عناء طويلاً، ونرجع إلى القرآن أول الثقلين اللّذين تركهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنرى تلك الشخصية بارزة من محكم آياته، قال سبحانه وتعالى:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) وقد أجمع أهل القبلة كافَّة حتى الخوارج أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدعُ للمباهلة من النساء سوى بضعته الزهراء، ومن الأبناء سوى سبطيه وريحانتيه من الدنيا الحسن والحسين سيِّديْ شباب أهل الجنة، ومن الأنفس سوى أخيه عليعليه‌السلام .إذن، عليٌّ نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنص الكتاب وإجماعأهل القبلة.وهذا هو (الفضل الذي تعنو له الجباه بخوعاً، وتطَامَن لديه المفارق خشوعاً، ويملأ الصدور هيبة وإجلالاً) والعظمة التي ترمقها الأبصار ويركع أمامها العظماء، والشرف العظيم المشرق في ذروة الكاهل الأعبل.يقول الزمخشري في كشَّافه: (وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء) وعموم الأنفس - الذي يشهد به الجمع المضاف - يشهد لنا بأنَّه (سلام الله عليه) صفوة الصفوة، ولُباب اللُّباب، والخلاصة الصافية من سائر النفوس.

وإليك ما قاله فخر الدين الرازي، قال: (كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي وكان معلِّم الاثني عشرية، وكان يزعم أنَّ علياًعليه‌السلام أفضل من جميع الأنبياء سوى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ويستدل على ذلك بقوله تعالى:( وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) ؛إذ ليس المراد بقوله تعالى:( وَأَنْفُسَنَا ) نفس محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأن الإنسان لا يدعو نفسه، بل المراد غيره، واجمعوا على أنَّ ذلك الغير كان علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فدلَّت الآية على أنَّ نفس علي هي نفس محمد.ولا يمكن أن يكون المراد: أنَّ هذه النفس هي عين تلك، فالمراد أنَّ هذه النفس مثل تلك النفس، وذلك يقتضي المساواة في جميع الوجوه، تركنا العمل بهذا العموم في حق النبوة وفي حق الفضل ؛ لقيام الدلائل على أنَّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله كان نبيَّاً وما كان علي كذلك، ولانعقاد الإجماع على أنَّ محمداً كان أفضل من عليرضي‌الله‌عنه ، فبقي فيما وراءه معمولا به.ثم الإجماع دلَّ على أنَّ محمداً كان أفضل من سائر الأنبياءعليهم‌السلام ؛ فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء، فهذا وجه الاستدلال بظاهر الآية.ثم قال: ويؤيِّد الاستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق والمخالف ؛ وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ومَن أراد أن يرى آدم في علمه، ونوحاً في طاعته، وإبراهيم في خلَّته، وموسى في

٤٣

هيبته، وعيسى في صفوته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب) فالحديث دلَّ على أنَّه اجتمع فيه ما كان متفرِّقاً فيهم ؛ وذلك يدل على أنَّ علياً أفضل من جميع الأنبياء سوى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .قال: وأمَّا سائر الشيعة، فقد كانوا - قديماً وحديثاً - يستدلُّون بهذه الآية على أنَّ علياًرضي‌الله‌عنه أفضل من سائر الصحابة ؛ لأن الآية دلت على أنَّ نفس عليرضي‌الله‌عنه مثل نفس محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ فيما خصَّه الدليل، وكانت نفس محمد أفضل من سائر الصحابةرضي‌الله‌عنه ، فوجب أن يكون نفس عليعليه‌السلام أفضل من سائر الصحابة.هذا تقرير كلام الشيعة، والجواب: أنَّه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أنَّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من علي، فكذلك انعقد الإجماع بينهم قبل ظهور هذا الإنسان (المحمود بن الحسن الحمصي) على أنَّ النبي أفضل ممَّن ليس بنبي، وأجمعوا على أنَّ علياً ما كان نبياً، فلزم القطع بأنَّ ظاهر الآية كما أنَّه مخصوص في حق محمد فكذلك مخصوص في حق سائر الأنبياء) انتهى(١) .(وأنت تراه مع غرامه بنقض المحكَمات، وهيامه بالتشكيكات) لم يناقش الشيعة من حيث تفضيله على سائر الصحابة، وكذلك لم يناقش في صحة الخبر عند الفريقين، وإنَّما مناقشته تدور حول الدعوى بتفضيله على سائر الأنبياء بدعوى قيام الإجماع على أنَّ النبي أفضل ممَّن ليس بنبي، ولكن فات الرازي أنَّ المحمود بن الحسن لا يعرف هذا الإجماع، ويشك فيه.

حسبنا شهادة مثل هذا المفسِّر الذي عُرف بالتشكيك وتشويه وجه الحقائق بالاحتمالات، على أفضيلة عليعليه‌السلام على سائر الصحابة، ولكنّ صاحب الكتاب أشدُّ غراماً وأكثر هياماً بالشك، فإنَّه: (يجد في الشك لذَّة، وفي القلق والاضطراب راحة) ذلك أنَّه شكَّك في القرآن، فكما أنَّه لم يستطع أن يلتمس فضل علي من آية المباهلة كذلك لم يستطع أن يلتمس له فضلاً من قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) والذي عليه أكثر المفسِّرين أنَّها نزلت في عليعليه‌السلام ، وهي برهان ساطع ودليل واضح على إمامته بعد أخيه بلا فصل، ولا ينفع التستُّر بأنَّ لفظة الولي مشتركة بين معاني عديدة في اللُّغة ؛ ذلك أنَّ الولاية الثابتة لله ورسوله على المسلمين هي الثابتة لعليعليه‌السلام ، لقبح استعمال اللفظ المشترك في معنيين باستعمال واحد، بل أحاله المحقِّقون من الأُصوليين، والسبط بن الجوزي في تذكرته في تفسير حديث: (مَن كنت مولاه فعلي مولاه) بعد أن ذكر عشر معان للولاية يقول: (فتعيَّن الوجه

____________________

(١) الجزء الثاني من تفسيره، ص ٤٨٨.

٤٤

العاشر وهو الأولى، ومعناه: مَن كنت أولى به من نفسه.وقال: وقد صرَّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الأصفهاني في كتابه المسمَّى: مرج البحرين، فإنَّه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليعليه‌السلام فقال: (مَن كنت وليه وأولى به من نفسه فعليٌّ وليُّه)، فعُلم أنَّ جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر، ودلَّ عليه قولهعليه‌السلام : (ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، وهذا نص صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته، وكذا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أدر الحق معه حيثما دار وكيف ما دار) فيه دليل على أنَّه ما جرى خلاف بين عليعليه‌السلام وبين أحد من الصحابة إلاّ والحق مع علي، وهذا بإجماع الأُمة) انتهى موضع الحاجة.

ولكن صاحب الكتاب يريد - في عصر النور - أن يلبس ذلك الثوب السمل البالي الذي كان يلبسه أسلافه، فيقف جامداً أمام تلك الشخصية الكريمة على الله وعلى رسوله، وليقف ما شاء وشاءت له الظروف ولغيره ،فإنَّهم لا يزيدونها إلاّ رفعة وتعظيماً وإجلالاً وتكريماً ؛ فإنَّ الشيء إذا تجاوز حدَّه انعكس إلى ضدِّه، ففي البيان والتبيين للجاحظ: (وتنقَّص ابنٌ لعبد الله بن عروة بن الزبير عليّاًرحمه‌الله ، فقال له أبوه: والله، ما بنى الناس شيئاً قطُّ إلاّ هدمه الدين، وما بنى الدين قطُّ شيئاً فاستطاعت الدنيا أن تهدمه ؛ ألَم تر إلى عليٍّ كيف يُظهر بنو مروان من عيبه وذمِّه؟ والله لكأنَّما يأخذون بناصيته رفعاً إلى السماء، وما ترى ما يندبون به موتاهم من التأبين والمدح؟ والله لكأنَّما يكشفون عن الجيف) ورواه في شرح النهج، ج ٢، ص ٤١٤ بزيادة.

أنا أرى في نفسي الباعث قويَّاً لإكبار هذه الشخصية وإعظامها، والإيمان بها إيماناً قويَّاً، وأراها المثل الأعلى لكل فضيلة، وأراني عاجزاً عن بلوغ ما دون الغاية من وصفه، بل والإحاطة باليسير من فضله، وحيث ما انتهى بي القول من ذكر فضائله أجدني قاصراً عن الإلمام بما تستحقُّه تلك الشخصية العظيمة، أقول هذا ولا أخشى لومة لائم ؛ حيث أسمع حديث أُمّ المؤمنين عائشة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه: (خير الخلق والخليقة وأقربهم عند الله وسيلة) (النهج، ج ١، ص ٢٠٢) ولستُ أُكلِّف أُولئك الذين يضربون على وتر التشكيك ويضعون الحقائق الناصعة على مطرقة النقد الإيمانَ بذلك، نعم لستُ أُكلِّفهم أن يؤمنوا بما آمنتُ به( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) ، ولكن أُكلِّفهم أن يتجرَّدوا من العاطفة ولا يميلوا مع الهوى فيأتون بالحقائق شوهاء بوهاء، وإنِّي أُحب أن أدع هذا كلَّه جانباً وأذهب مع هؤلاء الذين يستعظمون التصديق بكل تلك

٤٥

الآيات البيِّنات ويقفون عند تلك الشخصية موقف الجامد الحائر، وأذهب إلى حيث كلمات الفلاسفة وكبار الكتَّاب، ولعلَّنا نسأل فيما بعد: من أين تمكَّن أُولئك الفلاسفة أن يعرفوا تلك الشخصية؟ قال الإمام الشافعي: (ماذا أقول برجل أنكر أعداؤه فضله حسداً وطمعاً، وكتم أحبَّاؤه فضله خوفاً وفَرَقاً، وفاض ما بين هذين ما طبّق الخافقين؟!)، وقال ابن رشد: (إنَّ في كلام علي من عجائب البلاغة وثواقب الحِكَم ما لا يوجد في كلام)، وقال ابن مسكويه: (كل حكيم في الإسلام عيال عليه)، وقال الشيخ الرئيس: (كان عليعليه‌السلام من العلوم في المحل الذي لا تحلِّق إليه البشر)، وقال الغزالي: (أمَّا العلوم، فإنَّه فيها الإمام المتّبع، والرئيس المقتفى أثره)، وقال الطبري: (له في جميع المشاهد الآثار المحمودة المشهورة، وكان محلُّه من العلوم محلَّ القطب من الرحى)، وقال الكاتب المبدع السيد عبد الحميد الزهراوي: (فكان هذا الأسعد... عليّاً الذي صار الإمام - أبا الأئمة وبدر سماء السيادة في الأُمّة... فإنَّ علياً المرتضى هو مَن عرفه العالم كلُّه، وهو ذلك الإمام الأكبر الخليق أن يكون مثال القدس وزكاء النفس، وهو مجمع المعالي وملتقى الأسرار العظمى ومظهر الولاية الكبرى)، وقال محيي الدين الخيَّاط: (لئن فاخر اليونان بديمستينوس والرومان بشيشرون والإفرنسيون بفولتير والانكليز بملتون والإيطاليون بدانتي فنحن نشمخ بأنفنا بالإمام العظيم، والعربي الصميم، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ربِّ الفصاحة والبلاغة)، وقال: (وهو أعلم الصحابة بلا استثناء، وأفصحهم بلا ملاء، وأقضاهم بلا شبهة، وأشجعهم بلا ريب، وأشرفهم حسباً، وأقربهم من النبي نسباً، وأذودهم عنه بالسيف والسنان، وأدرأهم بالبنان والبيان)، وذكر جرجي زيدان في ترجمة جمال الدين الأفغاني: (كان إذا ذكر الإمام في مجلسه يقوم ثم يقعد إجلالاً وتعظيماً)، وقال أمير البيان شكيب أرسلان: (... وإلاّ فقل إن وجد في التاريخ البشري مثل علي بن أبي طالب في كمال صفاته، وكثرة فضائله وعلو مزاياه؟ ومَن كان يقدر أن يقول في عليٍّ شيئاً؟!(١) ، وقال الفيلسوف توماس كارليل: (أمَّا علي، فلا يسعنا إلاّ أن نحبَّه ونتعشَّقه ؛ فإنَّه فتى شريف القدر كبير النفس، يفيض وجدانه رحمة وبِرَّاً ويتلظَّى نجدة وحماسة، وكان أشجع من ليث، ولكنَّها شجاعة ممزوجة برقَّة ولطف ورأفة وحنان)، وقال جبران خليل جبران: (في عقيدتي أنَّ ابن أبي طالب كان أول عربي لازم الروح الكلّية وجاورها وسامرها، وهو أول عربي تناولت شفتاه صدى

____________________

(١) أحمد أمين اليوم يشك في الإمام ولا يعرف عنه شيئاً.

٤٦

أغانيها فردَّدها على مسمع قوم لم يسمعوا مثلها من ذي قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم، فمَن أعجب بها كان إعجابه موثوقاً بالفطرة، ومَن خاصمه كان من أبناء الجاهلية.مات علي بن أبي طالب شهيد عظمته، مات والصلاة بين شفتيه، مات وفي قلبه الشوق إلى ربِّه، ولم يعرف العرب حقيقة مقامه ومقداره حتى قام من جيرانهم الفُرس أُناس يدركون الفارق بين الجوهر والحصى) وقد تركنا كثيراً من غيرها.

بين أيدينا الآن هذه الكلمات الخالدة لمشاهير من أهل الفضل وهي شذرة من بذر ونقطة من بحر من كلام أعاظم قد استطاعوا أن يعرفوا طرفاً من شخصية أمير المؤمنين واستطاعوا أن يتكلَّموا بحرية، فعلينا قبل كل شيء أن نتمسَّك بالحرية ونتجرَّد من كل عاطفة تمسُّ الحقائق ونتحلَّل من تلك القيود والأغلال الضيقة، ثمّ نقف أمام تلك الكلمات الذهبية ونفحص تلك الضمائر الحسَّاسة التي صدرت عنها، فنرى أكانت مؤفة بمرض التبصُّص حول التيجان والعروش أو بمرض العصبية العمياء، فكانت تقودها إلى التصريح بجمل المديح والثناء؟ أو هل يصح أن نرمي أحداً منهم بالتشيُّع؟ لتكون هذه الكلمات في كلا الحالين خفيفة الوزن زهيدة القيمة، أو أنَّه هان على أُولئك الرجال المفكِّرين أن يرسلوا هذه الكلمات الذهبية ولم يكن لديهم من التاريخ ما يصح الاعتماد عليه ويصح أن يكون دليلاً بنظر صاحب الكتاب ومَن يضرب على وتره؟ وإنَّا نُسرف على أنفسنا إن خالجنا شيء من هذه الشكوك، ومن أكبر العار علينا وعلى أي فرد أن يهتك حرمة هؤلاء المفكِّرين فيرميهم بالضعف العلمي أو يلمزهم بالتبصيص حول التيجان أو يقذفهم بالعصبية والتزوير على التاريخ ؛ إذ لو فعلنا ذلك فلا أرى أنَّا بعد هذا نستطيع أن نلمس حقيقة من الحقائق أو نصدِّق بشيء ممَّا نراه على صفحات التاريخ.ولا أرى أنَّ صاحب الكتاب يستطيع بعدُ أن يرى كتابه الضخم على شيء، على أنَّه مهما سمحت لنا الظروف وأوسع الشك لنا مجالاً في ابن رشد أو الغزّالي أو جمال الدين الأفغاني أو الزهراوي، فلا أراها تسمح لنا بالشك في النصراني الغربي والنصراني الشرقي الذي يقدِّس مقام الإمام عليعليه‌السلام ويقدِّر شخصيَّته ويجعلها المثل الأعلى، فيرفعها فوق كل شخصية بعد شخصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا ينبغي أن نرهق أنفسنا بذلك الداء العضال والسم الزعاف وهو ما يسمُّونه (بالشك) ،فنجعله قاعدة لإماتة الحقائق باسم التمحيص، فإنَّه مهما يكن من شيء فلا يسعنا أن نرمي أمثال توماس كارليل وجبران خليل جبران وغيرهما بالعصبية أو التبصيص والتزوير على التاريخ ؛ إذ لا صلة بينهم وبين أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، على أنَّ

٤٧

الطقوس الدينية لا تمسح لهم بتلك الجمل الذهبية.والحق أنَّهم يرهقون أنفسهم بها، ويتحمَّلون من قومهم ما لا قبل لهم به، حينما يصحرون بهذه الحقيقة، ولكنَّ وجدانهم الحي وشعورهم الحسَّاس يأبيان لهم الاستسلام لتلك المواساة التاريخية والضلالات التي كان يتخبَّط بها رهطهم في هاتيك القرون المظلمة، فهم يقفون وقفة المستهزئ الساخر برجال العصبية ومعتقدات عصر الجحود والإنكار، ويقفون موقف الواعظ والخطيب يقاومون الاعتقادات الشاذّة ؛ قال الفيلسوف توماس كارليل: (وبعد، فعلى مَن أراد أن يبلغ منزلة ما في علوم الكائنات أن لا يصدِّق شيئاً البتة من أقوال أُولئك السفهاء!؛فإنَّها نتائج جيل كفر وعصر إلحاد).

إلى هنا وأحسب أنَّك أحسست معي بزلَّة الأُستاذ أحمد أمين وجنايته على أكبر شخصية بارزة بين المسلمين، وأحسست أيضاً بالسؤال الذي نوجِّهه له هو: أنَّ هؤلاء الأفذاذ ألم يطَّلعوا على ما أُحيط بشخصية عليعليه‌السلام من المبالغات والغلو؟ فكيف استطاعوا تصويرها؟ وكيف عرفوا مكانها من العلوم والفضائل النفسية، فجعلوها المثل الأعلى لكل فضيلة يتحلَّى بها الإنسان؟ وهل عثروا على شيء من التاريخ لم يطَّلع عليه الأُستاذ؟ وكيف يعتمد صاحب الكتاب على الطبري والغزّالي والشافعي وغيرهم في كل ما يريد، ولا يعتمد عليهم في هذه الشخصية؟ وهل المُتَّبَع في تمحيص الحقائق هوى النفس والأغراض الطائفية؟ وإذن ،لماذا يعدُّ صاحب الكتاب نفسه في طليعة الأحرار الذين تحلّلوا من تلك الشروط والقيود التي زجّت الحقائق في السجن قروناً عديدة، بل في سجن اللانهاية؟هوار يشكُّ في نسبة نهج البلاغة ما برح الغربي عدوّاً للشرقي وعدوّاً للإسلام، يكيد له المكائد ويتربَّص به الدوائر، والغربي لا يترك سنوح الفرصة لتتبُّع العثرات والمثالب، ولربَّما يختلق مثالب لم تكن، وتصوِّر له نفسيته عثرات بقدر ما يحمل على الإسلام من الحقد، ونتعرَّف ذلك بأيسر نظرة فيما يكتبه بعضهم عن الإسلام أو عن بعض الشؤون الشرقية الاجتماعية أو السياسية أو التاريخية.ونستميح عذراً من القارئ إن أهملنا سرد الأمثلة ؛ فإنَّ لنا من الأمثلة ما لو أردنا سردها لخرجنا عن الموضوع، والمستر هنري في كتابه (الإسلام) ذكر عدة أمثال صالحة لتَعْرِف قيمة أبحاث الغربيين عن الإسلام والمسلمين، ومرَّ عليك ما كتبته آنسة إفرنسية باحثة عن الفردوس.

والخلاصة: أنَّ الغربي يرخي عنان تصوُّراته فيما يكتبه من الحوادث، بسيطة كانت أو غير

٤٨

بسيطة، فلربَّما يقف على شاذ من الحواث فيجعله مقياساً مطّرداً في سائر الحوادث ،فيخبط عندئذ ما شاء وشاءت له عقليته، سواء ذلك في التاريخ الإسلامي أم في الدين الإسلامي، وقد لا يرى شيئاً وإنَّما يختلق أكاذيب ويلفِّق آراء ويجعلها كحقيقة راهنة، ولا نشكّ في أنَّ الكثير منهم يخبط ذلك الخبط عن سوء نيّة وسوء قصد، ولا يستغرب ذلك من قوم يحقدون على الإسلام والمسلمين، ويجهلون تاريخهم وآدابهم وأخلاقهم، ولكنَّ العجب من صاحب الكتاب ومَّن لفَّ لفَّه من كتبة العصر الحاضر الذين ارتاحوا وانشرحوا لآراء الغربيين وتقبَّلوها على هناتها وعلاَّتها ولو كانت هذياناً، بل الأعظم من هذاَّ أنه ربَّما يرونها الحق الذي لا ريب فيه... ولسنا نرى تعليلاً صحيحاً لهذا الضعف القاتل إلاّ التقليد الأعمى، فإنَّ هؤلاء المهووسين حيث رأوا أنّ الغربي تقدَّم تقدُّماً باهراً في الماديات فحسبوا أنَّه تقُّدم في كل شيء، وفهم كل شيء حتى تاريخنا وأدبنا أكثر ممّا َّفهمه علماؤنا، ومن هنا خفَّت روح صاحب الكتاب محلِّقة في الجوّ تقطع مسافة بعيدة لتستشرف رأي الأوربي في نسبة كتاب نهج البلاغة إلى عليعليه‌السلام ، وعادت إلينا برأي الأُستاذ هوار وأنَّه يشكُّ في صحة نسبته إلى عليعليه‌السلام غير أنَّ أحمد أمين غفل عن أنَّ (هوار) يشكُّ في القرآن أيضاً ويقول: (إنَّ شعر أُميّة بن الصلت مصدر من مصادر القرآن)(١) بل يشك في الدين الإسلامي، ويشك في نبوة نبي الإسلام (عليه وآله الصلاة والسلام) ويشك في عليعليه‌السلام ، ويشك في الصحاح الستَّة، وليس شكَّاً فقط، بل يقطع بعدم صحّة كل ذلك، فهل كلها عند حضرة الأُستاذ أحمد أمين محل شك كما هي عند (هوار)؟!

ولابد أن نبقي حق الاعتراض بوجود الفرق بين صحّة دين الإسلام ونبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزول القران وبين نسبة نهج البلاغة إلى عليعليه‌السلام ؛ فإنَّ الدين الإسلامي والقران ونبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الضروريات الأوَّليَّة التي عرفناها بالبديهية والإجماع(٢) ونهج البلاغة ليس كذلك، فإنَّ هناك من بقايا الحزب الأُموي من تأثَّرت نفسه بإثارة الشك في نسبته.

قلنا: الإنصاف يبعثنا على الاعتراف بهذا، إلاّ أنَّ لنهج البلاغة أُسوة في الصحاح

____________________

(١) قال الدكتور طه حسين في كتابه الأدب الجاهلي: (ويرى الأُستاذ هوار أنَّ ورود هذه الأخبار في شعر أُميّة بن الصلت مخالفةً بعض المخالفة لِمَا جاء في القرآن دليلٌ على صحّة هذا الشعر من جهة، وعلى أنَّ النبي قد استقى منه أخباره من جهة أُخرى).

(٢) ولكنّ طه حسين يشك في ذلك ويقول: للقرآن أن يحدِّثنا... إلخ، ولعلّ أحمد أمين زميله حتى في مبادئه هذه

٤٩

الستّة، فإذا صحّ أنَّ نسبته إلى عليعليه‌السلام محل شك عند طائفة من الغربيين والمسلمين، فإنَّ نسبة ما في الصحاح الستِّ إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً محل شك عند طائفة أُخرى من المسلمين، فإذا انضم إلى هذه الطائفة المشكِّكة في الصحاح الستّة (هوار) النوعي من الغربيين ينتج من ذلك - لا محالة - أنَّ نسبة ما في الصحاح إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى الصحابة مشكوك فيها، وإذن لا يمكن العمل بها ولا الأخذ عنها ؛لأنَّ هوار يشك في صحة نسبتها.

وفي الحق أنَّ تقليد هذه الفئة المتطرِّفة سوف يوقف المسلمين موقفاً حرجاً، والانقياد الأعمى سوف يوقع ناشئة المسلمين في هوّة لا منشل لها منها، ولا نقول ذلك عن تكهُّن ،فإنَّ في كتاب الأدب الجاهلي وغيره من الكتب التي قاءها هذا الدهر الهرم دليلاً واضحاً على ما ادَّعيناه.

بقي أنَّ البعض كالصفدي وغيره شك في نسبة نهج البلاغة إلى عليعليه‌السلام ، ونرى أنَّ قيمة هذا الشك زهيدة جداً، هذا إنْ لم نقل إنَّه شطط من الكلام الفارغ الذي لا محصَّل له، وكم هناك من المدنفين بمثل هذه التشكيكات.ولو أردنا أن نتبيَّن الأسباب لهذا الشك فأول ما يلفت نظرنا أنَّ هؤلاء لم يسلكوا طريقاً فنيَّاً في التحليل، ولم يركنوا إلى مقياس علمي يصح الركون إليه، خلا العاطفة والأغراض فإنَّهما المقياس الوحيد بنظر هؤلاء المشكِّكة.ولم يكن الشك بسيطا؛ أي ساذجاً خالياً من الانزعاج والتشويش ليكون له قيمة في مقام العرض، فإنَّ أول ما يجب على الناقد أن يتخلَّى من كل عاطفة تعبث بالحقائق ليتسنَّى له التمحيص وإفراز الزائف من غيره، وبتعبير آخر غير هذا: أنَّ الناقد من هؤلاء المشكِّكين إنَّما جعل ميزان نقده ميله الديني وهواه الشخصي، فهو قبل كل شيء متأثِّر بعاطفة دينية وعاطفة سياسية هي وليدة المذهب القومي الذي يتلفَّع الناقد تحته بجناحيه، وهو في سائر أطواره وأحواله يستنزل الوحي من تلك العاطفة التي يجدر بنا أن نسمّيها العصبية، ولم يكونوا صيارفة أحراراً متجرِّدين عن كل شيء.إذن، ليس من الصحيح أن نسمِّي مثل هذا التأثُّر بالعاطفة مقياساً علمياً نتوصَّل به إلى معرفة الحقائق، ويستحيل علينا أن نطمئن إلى صيرفي اتّخذ هواه وسيلة إلى تزييف الذهب الإبريز وهدم الحقائق وإفنائها لأنَّها لا توافق رغائبه، كل ذلك ليس من الصواب في شيء، فلذلك ترانا نعجب من صاحب الكتاب أن يكون في أبحاثه قلَّد تقليداً أعمى وسار لا يلوي على شيء، وكان الأصلح له أن يتلبَّث قليلاً قبل أن يرسل الحكم مطلقاً وبدونما رويّة، ويستهدف خطراً كبيراً لا تجيزه له الجامعة المصرية التي ينتسب إليها ولا الأدب

٥٠

العربي الذي يدرّسه، فإنَّ هذا السِفر الجليل مكانته من العربية مكان القلب من الجسد (فهو أشرف كلام بعد كلام الله تعالى وكلام نبيِّه، وأغزره مادة، وأرفعه أُسلوباً، وأجمعه لجلائل المعاني)(١) فجدير أن يقال فيه كلمة الفصل ولا يبقى مهملاً من حيث النسبة.

على أنَّا نرى الفريق الأعظم من المسلمين والكثرة المطلقة لا يشكُّون في نسبته إلى علي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإنَّما هناك نزعة أُموية كانت تتغلغل في صدور بعض القوم الذين لا يزال منهم بقية ممَّن جُبلت طينتهم على بغض أهل البيت الطاهر... ولا تزال تلك النزعة تثير في نفوسهم الشك في نسبة نهج البلاغة، بل في نسبة كل فضيلة لعليعليه‌السلام .

والآن أُحبُّ أن أقف معك يسيراً على تلك الأحقاد (البدرية) التي اعتبرُوها أسباباً للشكِّ، وهي أُمور:الأول: ما جاء في (نهج البلاغة) من التعريض والتنديد ببعض الصحابة لاغتصابهم عرش الخلافة والشكوى من ذلك الاعتساف، وأهم ما ورد فيه من ذلك خطبته الشقشقية ؛ فهي التي ملأت قلوبهم قيحاً، وشحنت صدورهم غيظاً، فكانت في عيونهم قذى، وفي حلوقهم شجى، (يضطربون (ممَّا فيها) اضطراب الأرشية في الطَّوِي البعيدة) فلا يرى الرجل منهم ملجأ يأوي إليه ولا عاصما يعتصم به، من تلك (الريح العاصفة والزعزع القاصفة) التي تدمر كل شيء أتت عليه إلاّ أنْ يقول قائلهم: (لولا أن زُجََّ فيه ما ليس منه لكان استظهاره واستظهار الثقلين ككفَّتي ميزان) أو يقول: إنَّه (مشكوك النسبة) أو يقول: (الخطبة الفلانية لفلان والخطبة الفلانية لفلان)(٢) وهكذا دون أن نرى لهم من الأدلة ما يوقف الباحث مطمئناً مستريحاً.

هذا البحَّاثة المحقِّق الذي يحاسب على القليل حسابه على الكثير، العلاّمة ابن أبي الحديد شارح

____________________

(١) كما قاله محيي الدين الخيَّاط.

(٢) القائل هو إسعاف النشاشيبي ؛ فإنَّه ذكر في كتابه (كلمة في اللغة العربية) عدة خُطب ونسبها لبعض العرب ولعمر بن عبد العزيز

وغيرهم.والغريب أنَّه نسب إلى معاوية الخطبة التي أولها: (أيُّها الناس، إنَّا أصبحنا في دهر عنود وزمن كنود) وآخرها: (فلتكن الدنيا أصغر في أعينكم من حثالة القرض، واتّعظوا بمَن كان قبلكم قبل أن يتَّعظ بكم مَن بعدكم، وارفضوها ذميمة فإنَّها رفضت مَن كان أشغف بها منكم... ) وكان الأنسب حيث آثر الظلم والكذب في نسبتها على كل حال أن يلصقها بعمر بن عبد العزيز أو غيره من أمثاله، ومتى كان معاوية - رأس النفاق - زاهداً يحثُّ على رفض الدنيا؟! وهذا التاريخ يحدِّثنا عن بوائقه، وهذا ولده يزيد بمرأى منه ومسمع يلعب بالكلاب ويراود الفتيات والفتيان ويشرب الخمور ويرتكب

الفجور ولا يتناهى عن منكر فَعَلَهُ، وأبوه لا ينكر عليه.أوَ ليس معاوية هو القائل لأهل الكوفة: (ما قاتلتكم لتصوموا وتصلُّوا وإنَّما قاتلتكم لأتأمَّر عليكم) إلى غير ذلك من الفظائع التي لا يقبلها الشرف العربي فضلاً عن الدين الإسلامي، ولكنّ النشاشيبي يتجاهل بكل هذا ولا يبالي بأن يلصق هذه الخطبة بمعاويه المستهتر! وهل يستغل من هذا الإلصاق شيئاً؟ كلاّ، وألف كلاّ، فإنَّ الصفحات التاريخية السوداء بمخازي معاوية تقف سدَّاً حائلاً دون أن يظفر بشيء وإنما يكشف بمدحه وثنائه عن جيف كما قيل.

٥١

نهج البلاغة - الطويل الباع الواسع الاطّلاع كما تدلُّنا على ذلك مؤلَّفاته - يحدِّثنا عن شيخه مصدق بن شبيب الواسطي، فيقول: (قرأتُ على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشَّاب هذه الخطبة، فلمَّا انتهيتُ إلى هذا الموضع، قال: لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له: وهل بقي في نفس ابن عمِّك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسَّف أن لا يكون بلغ من كلامه ما أراد ؟! والله ما رجع عن الأولين ولا عن الآخرين ولا بقي في نفسه أحد لم يذكره.إلى أن قال: فقلت له: أتقول إنَّها منحولة ؟ فقال: لا والله، وإنِّي لأعلم أنَّها كلامه كما أعلم أنَّك مصدِّق.قال: فقلت له :إنَّ كثيراً من الناس يقول: إنَّها من كلام الرضيّرحمه‌الله ، فقال:أنّى للرضيّ وغيره هذا النَّفَس وهذا الأُسلوب... قال الشارح: وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين، وكان في دولة المقتدر قبل أن يُخلق الرضيّ)(١) ، وقد رواها السبط بن الجوزي في تذكرته بنصِّها وفصِّها عن شيخه ابن النفيسي الأنباري بإسناده عن ابن عبَّاس، وأطال في شرح ألفاظها ونسخ البدل في الكلمات وذكر كثيراً من الخطب، وابن الأثير في نهايته ذكرها في عدة مواضع(٢) ولو أنعم النظر الباحث المنصف في شرح النهج للعلاّمة المعتزلي لرأى إسناد كل خطبة من خطبه ممَّا وقع الكلام فيه من أُولئك النواصب، فرويداً رويداً ياحضرة الأُستاذ، لقد حنّ قِدحٌ ليس منها.إنَّ الشريف الرضيّ أصدق لهجة، وأوثق ديناً، وأبرُّ وأتقى، فحاشا لله أن يكذب، وعبقريته لا تجتمع مع الاختلاق والتزوير، وهو أقرب عهداً، وأصح نقداً، وأعرف بلحن آبائه من أُولئك الذين يهاجمون الحقائق وليس لهم دليل سوى العاطفة.

ولقد أسرف أحمد أمين ومَن يضرب على وتره، وأسرف الماضون قبله على أنفسهم وعلى العلم بهذا الشك ؛ ذلك أنَّه لو اتّخذنا الشك مبدءاً للبحث وفتحنا هذا الباب، ونسبنا إلى حملة العلم الخيانة وأضعفنا الثقة بهم، لضاع علينا كثير من الحقائق التاريخية والأدبية، بل والسنّة النبوية، وعميت علينا الأنباء، فلا يصح أن نؤمن بحديث، ولا وقعة تاريخية، ولذهبت آثار السلف أُضحية الشكوك.قال ابن أبي الحديد: (متى فتحنا هذا الباب وسلَّطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو، لم نثق بصحة كلام منقول عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أبداً، وساغ للطاعن أن يطعن ويقول :هذا الخبر منحول، وهذا الكلام مصنوع، وكذلك

____________________

(١) شرح النهج، ج ١، ص ٦٩.

(٢) راجع: مادة جذّاء ومادة شقشق وغيرها فإنَّك تجده في كل مورد يسند الخطبة لعليعليه‌السلام .

٥٢

ما نقل عن أبي بكر وعمررضي‌الله‌عنه من الكلام والخطب والمواعظ والأدب وغيره)(١) ونزيدك إنَّه لو استسلمنا لهذه المهزلة من الشك لَمَا بقي لنا من التأريخ شيء، ولماألّف صاحب الكتاب كتابه الضخم ؛ ذلك أنَّه ما من قضية تاريخية أو أدبية إلاّ ويمكن المناقشة والتشكيك فيها، على أنَّه إذا كانت المسألة مسألة شك، فمن السهل الشك في كل ما في كتاب فجر الإسلام.

الثاني : ما في بعضه من سجع منمَّق وصناعة لفظية لا تُعرف في ذلك العصر على زعمهم.مَن عَذِيرِي من شُذَّاذٍ اتخذوا الأغراض الشخصية والأهواء النفسية أداة لإفناء الحقائق ووسيلة لنقض المحكمات ؛ مشياً وراء الميول و الأهواء الفاسدة ؟

لا نفرض أنَّ علياًعليه‌السلام ابن أُولئك البلغاء الذين خفقت فوق رؤوسهم ألوية الفصاحة وقبضوا على أزمَّة البلاغة فكان لهم الفضل على كل عربي فصيح، ولا نفرض أنَّ علياًعليه‌السلام ارتضع من حِجر النبوة وترعرع في بيت الرسالة وتخرَّج من تلك الكلِّية الإلهية، كل ذلك نتجاوزه ولا نقف عنده قليلاً ولا كثيراً، ولكن، أوَليس عليعليه‌السلام (كان يهتم بالقرآن ويعرف معانيه)? أوَليس كان من أجلِِّّ الصحابة فهماًً للقرآن وأعظمهم تأثُّراً به؟؟ حتى أنَّه (كتبه على تنزيله)(٢) فمَن كانت هذا حاله فلِمَ لا يكون قد تأثَّر بأُسلوب القرآن الشريف واقتفى أثره ونسج على منواله من دقة المعنى وتنميق السَّجَع، ولا من شك بأنَّ القرآن الشريف غيَّر بأساليبه الجديدة البديعة أساليب ذلك العصر وحوَّر البلاغة عن محورها الذي كانت عليه قبل الإسلام وكان هو المرجع للفصحاء والبلغاء وعليعليه‌السلام إمامهم ومقتداهم.ومهما شكَّ الشاكُّون، ومهما وسعهم الشك في أنَّ أي خطبة هي لعليعليه‌السلام وأي خطبة هي ليست له ،فلا يشكُّون في أنَّه (سلام الله عليه) كان خطيب المنبر وربَّ القلم وإمام الفصحاء وسيد البلغاء ومرجعهم.قال عبد الحميد بن يحيى: (حفظت عشرين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثمّ فاضت)، وقال ابن نباته: (حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلاّ سعة ،وهو مئة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب) ولْيَكن عليعليه‌السلام اقتفى أثر القرآن بالسجع المنمق وتناسب الفواصل وتناسقها:( يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) ...( الرَّحْمَانُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ

____________________

(١) ج ٣، ص ٥٤٩.

(٢) طبقات بن سعد، ج ٢، القسم الثاني، ص ١٠١.

٥٣

وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ) فعلى منواله وعلى شاكلته نسج في الصناعة اللّفظية ودقة المعاني.

على أنَّا لا نعلم من أين علم صاحب الكتاب أنَّه لم تكن العرب تعرف السجع المنمَّق والصناعة اللفظية؟! وهذا حكم يحتاج قبل إرساله إلى تتبُّع تام واستقراء عام ويحتاج إلى بيان الحُجَّة وإقامة البرهان والشواهد، ونحن نرى عكس ذلك ؛ هذه خطابة قس بن ساعدة الأيادي في سوق عكاظ تنادي بكذب هذه الدعوى قال: (... مَن عاش مات، ومَن مات فات، وكل ما هو آت آت.مطر ونبات، وأرزاق وأقوات، وآباء وأُمهات، وأحياء وأموات، جمع وأشتات وآيات بعد آيات.إنَّ في السماء لخبراً وإنَّ في الأرض لعِبَراً.ليل داج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فِجاج، وبحار ذات أمواج...) هذا نموذج من كلام الجاهلية نسوقه لك لتعلم أنَّ العرب عرفت السجع المنمَّق، ولكنّ صاحب الكتاب على عادته يهون عليه أن يرتكب كل شيء ويلقي الكلام على هناته وعلاّّته بدونما رويّة.فكأنَّه لا يخشى تبعة إلقاء الكلام مهملاً، ولا يخاف سوء العاقبة وعاقبة الحساب، ونحن لا نريد من الأُستاذ أن يؤمن بما نقول ولكن نريد منه أن يفهم ما يكتب ويكتب ما يفهم ليكون لكلامه وزن، ولا يسترسل مع الشهوات، ولا يقلِّد تقليد الأعمى.

الثالث : (ما فيه من تعبيرات إنَّما حدثت بعد أن نقلت الفلسفة اليونانية إلى العربية) وصاحب الكتاب يضرب لذلك مثلاً: (الاستغفار على ستة معان، والإيمان على أربع دعائم) ويزعم أنَّ هذه - وما أكثرها في كلام عليعليه‌السلام - لم تكن من ذي قبل ولم يعرفها العرب: وأظن أنَّه لا حرج علينا إن قلنا: إنَّا نستشف من هذا جهل الأُستاذ بلغة قومه وتقليده المزري، وكم للأُستاذ أمثال هذه الأغلاط حمله عليها إمَّا الجهل أو العصبية العمياء، ولو تأمَّل قليلاً ورجع إلى السنّة المطهَّرة أقلاً لكان نجا من هذه المهزلة الفاضحة، من أين علم صاحب الكتاب - إن لم يكن قد قلَّد تقليد الأعمى - أنَّ هذه التعبيرات لم تكن من قبل وإنَّما حدثت بعد نقل الفلسفة اليونانية؟ فهل تتبَّع كلمات العرب وتصفَّح أحاديث بلغائهم وكلام فصحائهم فلم يعثر على مثل ذلك التعبير أو ما يشابهه؟ وما أشدَّ ما تعجب إن قلنا لك :إنَّ صاحب الكتاب الذي أخذ على عاتقه البحث في عقليّة الإسلام في فجره لم يطَّلع على السنَّة النبوية، وهي المنبع الفياض لمَن أراد البحث في عقليّة الإسلام!!

نحن نسوق لك مثلاً تعلم منه مقدار تتبُّعه ولتعلم أنَّ مثل هذا التعبير كان في صدر الإسلام.

٥٤

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (بني الإسلام على أربع: ...) وقال: (المهلكات ثلاث: شحٌّ مطاع، وهوى متَّبع، وإعجاب المرء بنفسه)، وقال: (الإثم ثلاث: الإشراك بالله، ونكث الصفقة وترك السنّة، والخروج من الجماعة) أخرجه الديلمي عن أبي هريرة .وقال: (خمس بخمس) الحديث طويل، وهو وما قبله في كنز العمال، وفيه على هذا الرُّوِيِّ والقافية ما شاء الله فليرجع إليه مَن يشاء.

ولندع السنّة المطهَّرة جانباً ولنشكَّ فيها لأنَّ أحمد أمين يشكّ فيها (طبعاً)، ولكن أليس من المشهور - بل المُجمع عليه - أنَّ علياًعليه‌السلام أملى النحو على أبي الأسود الدُّؤَلي، فقال: (الكلمة ثلاث: اسم وفعل وحرف)، وإنْ شكَّ في هذا أيضاً - وهو يشك في القطعيَّات - فلا نراه شاكَّاً في أنَّ واضع النحو أبا الأُسود، أو زياد بن أبيه، قال: الكلمة ثلاث، وكلاهما كانا قبل نقل الفلسفة اليونانية.ولعل الأُستاذ يقول: إنَّ أبا الأسود أو زياداً هما أفصح من عليعليه‌السلام فيجوز أن يقولا ذلك قبل نقل الفلسفة ولا يجوز لعلي.

ولا بد أن نقف هنا يسيراً ونسأل سؤالاً بسيطاً وندع الحكم للمنصفين إنْ وجدناهم: أيُّ فرق بين القول: (الاستغفار على ستّة معان) و(الإيمان على أربع دعائم) وبين قولنا: الكلمة ثلاث أو على ثلاث،وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (المهلكات ثلاث)؟ ولا نعلم ما يكون الجواب!

الشيعة تربط سلمان بعليٍّ

لا يخالطنا شيء من الشك بأنَّ صاحب الكتاب يرمي إلى مقاصد أُخرى - غير البحث عن الحالة العقلية في صدر الإسلام - لا ترتبط كثيراًً بموضوع البحث، وقد لا يكون بينه وبينها صلة، وتراه لا يبالي إن تعثَّر في استنتاج تلك المقاصد فيطلق الكلام مرسلاً وبدونما رويّة ولا تثبُّت، وإنَّا نأسف كل الأسف أن يستخدم الأُستاذ أحمد أمين العاطفة المذهبية، أو أنَّ العاطفة تستخدمه، فهي تماشيه جنباً لجنب فتتصرَّف بقلمه وعقله وفكره بقدر ما تستطيع.فنظرة بسيطة في كتابه توقف الباحث على مقدار تحامله الذميم والنعرة الطائفية الممقوتة.

وخذ لك مثلاً قوله: (وربطه (يعني سلمان الفارسي) الشيعة بعلي والحسن والحسين)(ص ١٨٢) وأنت ترى أنَّ كل حرف من هذه الجملة يمثِّل لنا شكلاً من أشكال النعرة الطائفية التي يرزح تحت جورها ويئن من ثقل قيودها، ولسنا نريد أن ننكر أنَّ سلمان مرتبط بالشيعة، فإنَّه فرَطُنا وصالح سلفنا، ومن أقطاب التشيُّع في الصدر الأول، ومن الذين بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالبعليه‌السلام والموالاة له، ولكن نريد أن

٥٥

يتبيَّن عتب الأُستاذ بإسناد الحقائق.والذي يتسع له المقام أن يقول: إنَّ الشيعة لم تربط سلمان بعلي والحسن والحسين وإنَّما ربطه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم، فهذا الطبري يحدِّثنا أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (سلمان منَّا أهل البيت) (ج ٣، ص ٤٥)، وأبو الفداء عدَّه ممَّن تخلَّفوا عن البيعة ومالوا مع علي بن أبي طالب، والسيرة الحلبية تحدِّثنا أنَّ سلمان (تنافس فيه المهاجرون والأنصار فقال المهاجرون: سلمان منَّا، وقال الأنصار: سلمان منَّا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (سلمان منَّا أهل البيت) وإلى ذلك يشير بعضهم:

لقد رقى سلمان بعد رقِّه

منزلة شامخة البنيان

وكيف لا والمصطفى قد عدَّه

من أهل بيته العظيم الشان(١)

والمعتزلي ابن أبي الحديد يقول: (روينا عن عائشة قالت: كان لسلمان مجلس من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينفرد به بالليل حتى يكاد يغلبنا على رسول الله)(ج ٤، ص ٢٢٤)(ورواه في الاستيعاب، ج ٢، ص ٥٩) ويقول[المعتزلي]: (كان سلمان من شيعة عليعليه‌السلام وخاصَّته، وتزعم الإمامية أنَّه أحد الأربعة الذين حلقوا رؤوسهم وأتوه متقلِّدين سيوفهم في خبر يطول وليس هذا مورد ذكره، وأصحابنا لا يخالفونهم في أنَّ سلمان كان من الشيعة وإنَّما يخالفونهم في أمر أزيد من ذلك).ولقد صح ذلك بطرق الشيعة الإمامية، فعن أبي جعفر (سلام الله عليه) وقد ذُكر عنده سلمان الفارسي، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : (مه، لا تقولوا: سلمان الفارسي، ولكن قولوا: سلمان المحمدي ؛ ذلك منَّا أهل البيت).وفي العيون عن الرضاعليه‌السلام عن آبائهِ عن عليعليه‌السلام قال: (قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سلمان منَّا أهل البيت).

وأمَّا أنَّه كان قبل الإسلام مخلصاً للمجوسيَّة يسجد للنار المضرمة والشمس المشرقة، فحديث غريب يصعب علينا أن نؤمن به ؛ فإنَّ الحقائق مهما التبست واندرست معالمها وخفيت عن أبصار الكثيرين، فإنَّ العقول الكبيرة الراجحة لا تعدم طريق الوصول إلى الحقائق الراهنة، ومهما أظلمت الأجواء وتلبَّدت الغيوم الكثيفة وأُسدلت السدائل فإنَّ العقول الفطرية تخترق كل ذلك وتصل بفطرتها إلى وجود الخالق القدير.

وفي الحق أنَّا لا نحتاج في إثبات الخالق إلى الدليل المنطقي ؛ فإنَّ العقول بذاتها وقوَّتها الفطرية تشهد بوجود الصانع وتجلِّيه على الكائنات، سئل أعرابي عن الدليل على وجوده تعالى، فقال:

____________________

(١) السيرة الحلبية، ص ٢٤٢.

٥٦

(البعرة تدل على على البعير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، لا تدل على اللطيف الخبير؟!) وتتجلَّى بوضوح هذه الحقيقة بأيسر وقفة على أحوال ذي العقول الكبيرة والآراء الصحيحة كقس بن ساعده الأيادي وسيف بن ذي يزن الحميري وزهير بن أبي سلمى المازني ولبيد بن ربيعة العامري ومئات العشرات من أضراب هؤلاء، فإنَّا نراهم - كما يحدِّثنا عنهم التاريخ - قد اعترفوا بالإله ونفوا الشريك عنه، ولم يكن فيهم نبي أو رسول، اللهمَّ إلاّ العقل الفطري وهو الرسول الباطني، وإنَّما كانوا في الجاهلية عصر الظلام الحالك، إذاً ما ظنُّنا بسلمان صاحب الشعور الحي والنفس العبقرية والإيمان الكامل، فإنَّه في بدء إسلامه فاق الصحابة بحسن إسلامه وقوة إيمانه، فكان من أقواهم يقيناً وأشدهم عقيدة وأرسخهم إيماناً وأسبقهم إلى التخلُّق بأخلاق النبي والتحلِّي بآدابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجماع القول: إنَّه بلغ الغاية وكان المثل الأعلى لكل فضيلة وصل إليها صحابي.

ومن الغريب أن تظن أنَّ سلمان كان مجوسيَّاً وكان مخلصاً للمجوسيَّة، ومن الغريب أيضاً أن نقول: إنَّه قضى معظم حياته وهو جاهل بحقيقة الواحد الأحد، وكان فرداً من أُفراد أسرته يعبد النار أو يسجد للأصنام ولم يدرك بعقله وفطرته ما أدركه غيره من عقلاء الأُمم، ولا من شك أنَّ هذا استهانة بأكبر صحابي كان المثل الأعلى لكل فضيلة، ولا من شك أيضاً أنَّ هذه جناية كبرى على التاريخ، ولكن صاحب الكتاب يهون عليه أن يرتكب مثل هذه الهفوات، وكنَّا نربأ به عن أن يكون سطحياً إلى حدٍّ يرى أنَّ سلمان كان مجوسيَّاً ؛ فإنَّ نفسية سلمان التي عرفنا إخلاصها للإسلام يستحيل عليها أن تكون متأثِّرة بالمجوسية، وعقليته الكبيرة لا تسمح له بأن يعبد النار المضرمة أو الصخرة المنحوتة، على أنَّه يبعُد على مَن كان مخلصاً للمجوسيَّة أن يتأثَّر بالإسلام ويفهم الإسلام كما يريد الإسلام من أول يوم يعتنق فيه الإسلام كما قرَّر ذلك صاحب الكتاب في غير موضع من كتابه.

تحدِّثنا طبقات ابن سعد وغيرها أنَّ سلمان تنقَّل في أديان مختلفة ؛ فكان مجوسيَّاً مخلصاً للمجوسيَّة حتى أنَّه (كان قاطن النار التي كان يوقدها أهله) ،وهو حديث غريب لابدَّ لنا أن نعرض عنه ؛ ذلك لأنَّ النظر في سيرة سلمان لا يبقي لنا مجالاً للشك بأنَّه لم يكن مجوسيَّاً وإنَّما كان يضرب في الأرض يطلب دين الله.قال في الاستيعاب: (كان سلمان يطلب دين الله ويتبع

٥٧

مَن يرجو ذلك عنده) .إذن، نحن لا نشك بأنَّ سلمان كان يخالف عقيدة قومه، فلذلك كان من الصعب عليه أن يجتمع مع قوم يختلف معهم في الدين والعاطفة ولا تجمعه وإيَّاهم المشاعر والمدارك، ومن هنا كان يجد سلمان من نفسه السأم من هذا المجتمع الموبوء، وإذا لم يكن له سبيل لأنْ يظهر ما امتلأ به قلبه من الاعتراف بالواحد الأحد الصمد، ولا يستطيع أن يقلب عقيدة قومه، فلابد أنَّه كان دائماً ينزع إلى التخلُّص من هذه الحياة الذميمة، فخرج لوجهه يضرب في الأرض لطلب الحق الذي امتلأ قلبه إيمانا به.قال الصدوق في إكمال الدين: (إنَّ سلمان ما سجد قط لمطلع الشمس، وإنَّما كان يسجد لله عزَّ وجلَّ، وكانت القبلة التي أُمر بالصلاة إليها شرقيّة، وكان أبواه يظنَّان أنّه إنَّما يسجد للشمس كهيئتهم).وقال: (كان ممَّن ضرب في الأرض لطلب الحجة سلمان الفارسي، فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم ومن فقيه إلى فقيه ويبحث عن الأسرار ويستدل بالأخبار ؛ منتظراً لقيام سيّد الأولين والآخرين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعمئة سنة حتى بُشِّر بولادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

إذن قوة الإيمان كانت تبعث سلمان لأن يضرب في الأرض ويتجوَّل في البلاد ؛ باحثاً عن ذلك النور الذي سينبثق في قلب البلاد

العربية (مكَّة)، ولأجل الوصول إلى المنقذ العربي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحمَّل المشاق ووقع في أسر العبودية ورضي بالاسترقاق، تناقلتهُ الأيدي إلى أن وصل إلى يثرب، فثَمَّة غاية سلمان وثَمَّة سعادته ,وهناك حياته الطيبة الهادئة حيث عرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوة الإيمان الذي كان قد امتلأ قلبه به ،وعرفه بتلك العلامات والأمارات التي قرأها في الكتب السماوية.قال في الاستيعاب: (إنَّ سلمان الفارسي قبل إسلامه أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصدقة، فقال: هذه صدقة عليك وعلى أصحابك، فقال: ( يا سلمان، إنَّا أهل البيت لا تحلُّ لنا الصدقة) فرفعها ثم جاءه من الغد بمثلها، فقال :هذه هدية، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (كلوا) ). فكان امتناع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أكل الصدقة من جملة الأمارات التي استدل بها سلمان على نبوة النبي ؛ إذ كان يعرف أنَّ ذلك من خصائصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

علي يستغل القصص

قرأنا قبل فجر الإسلام كتاب الأدب الجاهلي فرأينا دكتور الأدب الجاهلي يتعثَّر في بحثه ويناقض بعضه بعضاً، فحسبنا أنَّ هذه المناقضات القبيحة بيضة الديك لأُستاذ الأدب الجاهلي حتى طلع علينا فجر الإسلام، فرأينا صاحبه يضرب على ذلك الوتر، ويرجع تلك الألحان ،

٥٨

ويقرِّر المناقضات القبيحة، ويعسر علينا أن نعرف النتائج الصالحة التي يستغلونها من هذه المناقضات.

إنَّا لنقرأ قول صاحب الكتاب: (وقد نما القصص بسرعة لأنَّه يتَّفق مع ميول العامة، وأكثرَ القُصَّاصُ من الكذب حتى رووا أنَّ علي بن أبي طالب طردهم من المساجد واستثنى الحسن البصري لتحرِّيه الصدق في قوله)(ص ١٩٢).نعم ،إنَّا لنقرأ ذلك فيتعسَّر علينا - بل يتعذَّر - أن نلائمه بالكلام الذي بعده بلا فصل: (ويظهر أنَّه (يعني القصص) اتُّخذ أداة سياسية من عهد الفتن بين علي ومعاوية يستعين بها كلٌّ على ترويج حزبه والدعوة له)، فإنَّك تراه يقرِّر المناقضة القبيحة التي ليست على شيء من المنطق، ولسنا نعلم سبب هذا الانقلاب سريعاً! فكأنَّه نسي أنَّه قرَّر في السطر الأول أنَّ علياً لم يحبَّ أن يستغل من القصص، فطردهم من المساجد، فجاء يقرِّر في السطر الثاني أنَّ علياً استعان بالقُصَّاص على ترويج حزبهِ وتأييد دعوتهِ، فهل هناك تناقض فاضح أقبح من هذا؟

على أنَّه من العسر جداً على صاحب الكتاب أو غيره أن يستطيع إثبات أنَّ علياً في وقت من الأوقات استغل القصص في ترويج حزبه، وأنَّى يجد الباحث من التاريخ برهاناً على ذلك وعلي (سلام الله عليهِ) يقول: (من حدَّثكم حديث داود على ما يرويه القُصَّاص جلدتهُ مئة وستين ؛ وهي حدُّ الفرية على الأنبياء)؟(١) .

ولقد همَّ صاحب الكتاب أن يجعل ذلك الاستغلال حقيقة ثابتة وأن يصبغه بصبغة علمية فساق الدليل كقياس منطقي يستحيل الشك فيه أو الاعتراض عليه، وكلَّما أجهدنا الفكر علَّنا نأخذ منه هذه النتيجة التي حسب أنَّها نتيجة الشكل الأول، فلم نستطع ولم نهتد إلى ذلك سبيلاً، وإليك نص الدليل فلعلك تساعدني على أخذ هذه النتيجة، قال: (ويدلُّك على ذلك ما نقلناه عن الليث بن سعد وما روى ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب: أنَّ علياًرضي‌الله‌عنه قنت فدعا على قوم من أهل حربه، فبلغ ذلك معاوية فأمر رجلاً أن يقُصَّ بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام).

دعنا عن الشك في صحة هذا ولنفرض صحته، فأيُّ صلة بين الدعاء في القنوت وبين الاستغلال من قصص القُصَّاص؟ فإنَّ صاحب الكتاب قد فسَّر لنا القصص بأنَّه الذي يتَّفق مع ميول العامة وأنَّه الذي يدخله الكذب ؛ ولذلك طرد عليعليه‌السلام القُصَّاصين من المسجد، فلذلك عسر علينا جداً أن نفهم الصلة بين الدعاء في القنوت وبين القصص؟ وعسر علينا أن

____________________

(١) الهدى إلى دين المصطفى، ص ١٠٢، ج ١.

٥٩

نفهم الدعاء كيف يدخلهُ الكذب (والكذب عبارة عن اللامطابقة للواقع)؟ وكيف يوصف بأنَّه يتَّفق مع ميول العامّة؟

نعم، ربَّما يتَّفق هذا مع ما ذكره عن الليث بن سعيد من أنَّ قصَّص الخاصّة هو الذي جعله معاوية يولي رجلاً على القصص، فإذا سلَّم من صلاة الصبح، جلس وذكر الله عزَّ وجل وحمده ومجَّده وصلَّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنوده، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافَّة(ص ١٩١) ،لكنّ الصلة بين الدعاء في القنوت وبين القصص، وبين الاستغلال من هذا النحو الذي يسمِّيه صاحب الكتاب قصصاً لا تزال مجهولة عندنا.

الأديان أصل التفسير

صاحب الكتاب يعطينا صورة اُخرى من الفلسفة الغريبة لا نعلم متى هبطت على مصر ومن أين دخلت عليها، ويسمعنا نغمة اُخرى غير تلك النغمات التي وقّع عليها من قبل، نلمح منها رأيا جديداً في المذاهب الإسلامية ورجال المذاهب، ولسنا مغالين إن أوجزنا ذلك الرأي بهذه الجمل: (فساد رجال الدين، وفساد المذاهب الإسلامية، وإفساد التعاليم الإسلامية).فهو ينقم على الدين ورجاله معاً، ولعلنا لا نستغرب ذلك إذا علمنا أنَّ صاحب الكتاب من المولعين في الاسترسال في الشهوات في سائر الأعمال مهما كلَّفه الأمر من الفوضى في الحياة العلمية، وممَّن جعل أغراضه الشخصية وأهواءه النفسية أصلاً يسير عليه في كتابه، ولا نستغرب أيضاً من رأيه في رجال التفسير إذا وقفنا عليه في قوله: (وبعد، فيظهر أنَّ تفسير القرآن كان في عصر من العصور متأثِّراً بالحركة العلمية فيه، وصورة منعكسة لِمَا في العصر من آراء ونظريات علمية ومذاهب دينية من ابن عبَّاس إلى الأُستاذ محمد عبده) (ص ٢٤٧).نعم، لا نستغرب من هذا الرأي في المذاهب ورجال المذاهب إذا عرفنا الأصل الذي يسير عليه، وصاحب الكتاب لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى المذاهب نفسها ؛ فهو ينقم عليها ويلصق بها ما يشينها (بزعمه)، وتلتمس بوضوح هذه النقمة على المذاهب إذا وقفت يسيراً عند قوله: (كذلك كرهوا (يعني الذين استباحوا التفسير بالرأي) أن يعتنق الرجل مذهباً من المذاهب الدينية كالاعتزال والإرجاء والتشيُّع، ويجعل ذلك أصلاً يفسَّر القرآن على مقتضاه)(ص ٢٤٠)، فإنَّك تراه من خلال هذه الكلمات يتذمَّر من سائر المذاهب ولا يفرِّق في النقمة عليها، فهو يرميها بسهم واحد، ويقرِّر أنَّ القرآن تابعٌ للمذاهب والمعتقدات يفسِّره رجال الدين بما تميل إليه

٦٠