تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام0%

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 143

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عبد الله السبيتي العاملي
تصنيف: الصفحات: 143
المشاهدات: 45845
تحميل: 6258

توضيحات:

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 143 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45845 / تحميل: 6258
الحجم الحجم الحجم
تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نفوسهم وتوحيه إليهم معتقداتهم، وحسبما تقتضيه الظروف الزمنية، لا أنَّ العقائد تابعة للقرآن كما هو الواجب المقرَّر في الإسلام الصحيح.ويصح أن نقول: إنَّ صاحب الكتاب يرى أنَّ رجال الدين (من ابن عبَّاس إلى محمد عبده) جعلوا القرآن كالكرة يلعبون به ؛ فكل منهم يرمي به إلى حيث وجهته المذهبية وميله الاعتقادي، ولا من شك (بزعمه) أنَّهم ربَّما يذهبون بعيداً عن ظواهر ألفاظ الكتاب العزيز وعن المناحي التي يتطلَّبها أُسلوبه العربي ؛ ذلك لأنَّ التفاسير بنظر صاحب الكتاب هي: (صورة منعكسة لِمَا في العصر من آراء ونظريات، حتى لتستطيع إذا جمعت التفاسير التي أُلفت في عصر من العصور أن تتبين فيها مقدار الحركة العلمية وأيَّ الآراء كان سائداً شائعاً وأيَّها غير ذلك وهكذا) فإنَّ هذه الجمل القليلة تعطينا صورة صادقة من نفسيّة أحمد أمين وتحكي لنا رأيه في المفسِّرين أجمع.

والذي أظن أنَّ القارئ الكريم يستطيع أن يوافقني على استفادة التعميم لسائر المذاهب الإسلامية، وأنَّ المذاهب الثلاثة التي ذكرها كانت مثالاً فحسب ؛ بقرينة كاف التشبيه، ولعلّه ليس الأمر كذلك ؛ فإنَّه يُخرج الأشاعرة، فإنَّهم وحدهم وصل الدين إلى أعماق قلوبهم، وهم الذين تابعوا القرآن!!!

وليس يعنيني أن يكون المعتزلة أو المرجئة أو غيرهما من الفرق المخالفة للشيعة قد جعلوا القرآن أُلعوبة يفسِّرونه بما يوافق ميولهم، والذي يعنيني أن أفهم أنَّ صاحب الكتاب علامَ استند بحكمه أنَّ التشيُّع كان أصلاً يفسَّر على مقتضاه القرآن؟ فهل اطَّلع على تفاسير الشيعة؟ أو اجتمع مع أحد علمائها فباحثه في التفسير ورآه اتّخذ التشيُّع أصلاً للتفسير ليسترسل في حكمه القاسي كأنَّه يلمس أمراً محسوساً؟ ومهما أردنا أن نحتاط في الكلام معه فلا نرى بُدّاً من أن نفاجئك في أنَّه لم يرَ أحداً من علماء الشيعة ولا اطّلع على تفسير من تفاسيرهم، وإلاّ لَمَا تخبَّط في بحثه ولا تعثَّر في كلامه، والحق أنَّه اقترف حوباً كبيراً على أُمة كبيرة منتشرة في طول البلاد وعرضها وتفاسيرها تعلن بكذبه عليها، وليرجع كل مَن أراد التثبُّت في النقل إلى مجمع البيان للإمام الكبير الطبرسي.

والذي نراه أنَّ صاحب الكتاب اعتمد في حكمه على سلفه (الصالح) ؛ فإنَّهم كثيراً ما كانوا يبهتون الشيعة بمثل هذه الأقوال المزيَّفة كالذي نسبه ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث) إلى الشيعة ؛ فمن ذلك تفسير قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) أنَّها عائشة، وقوله

٦١

تعالى:( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ) أنَّه طلحة والزبير، وعلى هذا الأساس وحده اعتمد الأُستاذ صادق الرافعي في كتابه إعجاز القرآن (ص ١٥٩) فاستباح السبَّ والشتم وتهتك بما لا يحسن من مثله.لست أفهم، بل يعسر عليَّ أن أفهم، كيف استطاع صاحب الكتاب ومَن يضرب على وتره (في عصر النور) عصر العلم، عصر تمحيص الحقائق، عصر توفُّر الكتب وانتشارها وسهولة اجتلابها ،أن يقلِّد هذا التقليد الأعمى، ويطلق العنان لنفسه ويجعل فكره وعقله وراء قلمه ويسترسل في الحكم؟ أوَلم يعلم أن تلك الآراء الفاسدة كانت تُدلي بها عقول رجال تقيَّدوا بالعاطفة المشوِّهة للحقائق؟ وسطَّرتها أقلام كانت تبصبص حول التيجان والعروش؟!

يا هذا، الشيعة أبرُّ وأتقى، وأشدُّ حريجة في الدين وأعلم بحلاله وحرامه، وأعلم بالقرآن خاصِّه وعامِّه ومحكمه ومتشابهه، ورخصه وعزائمه، وناسخه ومنسوخه من الأشاعرة وغيرهم، وهم يتبعون في تفسيره أهل بيت النبوة عدل القرآن الذين لا يفارقونه حتى يردون الحوض علىرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

بآل محمد عُرف الصواب

وفي أبياتهم نزل الكتاب

الشيعة يضعون الأحاديث وينسبونها لعلي

ما أشدَّ ما يتمسَّك صاحب الكتاب بالباطل، وما أشدَّ ما يحرص على انتقاص الشيعة بكل ما له من قوة وإرادة، وما أشدَّ ما ينسب إليهم إفكاً وبهتاناً، وفي كل ذلك يخال أنَّه يتمشَّى على صراط مستقيم وجادة قويمة، ويحسب أنَّ عَلَم الظفر يخفق على رأسه، ويظن أنَّ العالم يرى هذا بحثاً قيِّماً وفلسفة ذات قيمة، وما أشدَّ تعجُّبك إذا وقفنا معه يسيراً للحساب فعلمت أنَّ مثله( كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) .

لقد عرفت وستعرف أنَّ صاحب الكتاب لا يعرف راوية من رواة الشيعة ولا محدِّثاً من محدِّثيهم، ولا يعرف شيئاً من دخيلة أمرهم، ولا يعرف أنَّهم عرب أم عجم، كل ذلك يجهله.إذن ،أفلا تعجب وأنت تراه يتكهَّن في نتائجه وأحكامه القاسية؟ أو ليس من البلية على العلم أن يقول الأُستاذ: (ومنها أنَّه كان لعلي من الشيعة ما لم يكن لغيره، فأخذوا يضعون وينسبون له ما يظنُّون أنَّه يُعلي من قدره العلمي)(ص ٢٤٣) يقول ذلك عن تعصُّب وبدونما رويَّة ولا مبالاة، ولا ينظر في العواقب، فكأنَّ قوله الفصل فلا يصح أن يحاسب عليه.

ليس من الصعب علينا أن نحدِّد عقلية صاحب الجامعة ومقدرته العلمية وبين يدينا كتابه

٦٢

وآراؤه المزيَّفة، ولا شك أنَّا سوف ننتهي إلى نتيجة بسيطة في الغاية، ولا تؤاخذنا إن قلنا: إنَّ النتيجة هي (الجهل)، ولا غرابة في ذلك ؛ لأنَّ باحثاً يتهجَّم على طائفة فينسب لرجالها ورواتها الكذب والوضع وهو لا يعرف من رجالها ورواتها أحداً، أفلا يصح أن يقال :إنَّه جاهل؟

ما ذنب الشيعة إذا كان رواة السُّنة ومحدِّثوها ورجالها كذَّابين وضَّاعين لا حريجة لهم في الدين، يختلقون على الصحابة ما لا يقولون؟ ويتبيَّن لنا ذلك بمراجعة مؤلَّفات الشيعة في الحديث والتفسير ؛ فإنَّك تجدها خلواً - إلاّ قليلاً - من الرواية عن عليعليه‌السلام سواء في التفسير وغيره، وما ينسب لعليعليه‌السلام إنَّما نراه مبثوثاً في تفاسير أهل السُّنة ومن طرقهم، ونحن شيعته لا نروي عنه في التفسير وغيره إلاَّ نادراً.إذن رواة السُّنة ومحدِّثوهم هم الوضَّاعون.ولَعمرُ الله لقد روَّعوا الحديث من كثرة الوضع، فإنَّهم كانوا يتزلَّفون إلى أُمرائهم وخلفائهم فيضعون من الأحاديث ما تقتضيه السياسة الزمنية ؛ يدلُّك على ذلك ما رواه الأعمش، قال: (لمَّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ،جاء إلى

مسجد الكوفة، فلمَّا رأى كثرة مَن استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً، وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أنِّي أكذب على الله ورسوله وأُحرق نفسي بالنار؟ والله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنَّ لكل نبي حرماً وإنًّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور، فمَن أحدث فيه حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قال: وأشهد بالله أنَّ عليَّاً أحدث فيها حدثاً) فكان جزاؤه من معاوية أن أكرمه وولاّه المدينة(١) ، وأبو هريرة من أكبر رواتهم وشيوخهم المعتمدين وأكثرهم رواية ؛ فقد بلغ حديثه ٥٣٤٧ وهو يزيد عدداً على المجموع من حديث عليعليه‌السلام وأبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وعائشة وسائر نساء النبي وبناته وسبطيه، وقد رماه الصحابة بالكذب وافتعال الحديث، وضربه عمر بالدرَّة، وقال له: قد أكثرت من الرواية وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) وروي أنَّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مئة ألف درهم حتى يروي أنَّ هذه الآية نزلت في عليعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى:( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ) وأنَّ الآية الثانية نزلت في ابن ملجم، وهي قوله تعالى:( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ

____________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد، ج ١، ص ٣٥٩.وذكر أنَّ قوله: (ما بين عير إلى ثور) غلط ؛ لأنَّ ثور بمكَّة، وهو جبل بمكة يقال له: ثور أطحل.وقال: والصواب ما بين عير إلى أُحد.

(٢) المصدر نفسه، ص ٣٦٠.

٦٣

يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) فلم يقبل، فبذل لهُ مئتي ألف درهم، فلم يقبل، فبذل له أربعمئة ألف، فقبل وروى ذلك(١) ،إلى أمثال هذا ممَّا لو شرحناه لخرجنا عن الموضوع.وليس من موضعنا التعرُّض لنقد رجال الحديث(٢) وإنَّما ضربنا لك مثلاً لتكون على بصيرة من رواة أهل السُّنة ومحدِّثيهم.إذن، ما بال صاحب الكتاب ينبز الشيعة ويلمزهم (غيري جنى وأنا المعذَّب) تمشِّياً مع العاطفة؟!

وأراني مضطراً- بدافع بيان الحقيقة-لأن أُحاسب الأُستاذ محاسبة دقيقة غير هذا الحساب، إلاّ أنَّ الخطر الذي أُحسُّه يحول بيني وبين التبسُّط في البحث ؛ لئلاّ يقودنا ذلك إلى نتائج غير صالحة قد لا تلتئم مع العصر الحاضر الذي نطلب فيهِ الوفاق، على أنَّنا مدافعون لا مهاجمون، ولكنّ هذا لا يكون مبرِّراً، فلا يصح منَّا الإهمال إذاً، فالذي نرغب في الوقوف عليه هو أن نسأل صاحب الكتابأوّلا: هل اطّلع على تفاسير الشيعة فوجد الروايات المنسوبة إلى عليعليه‌السلام بكثرة تستوجب التوقُّف والريب إلى حد يصح له الحكم على رواة الشيعة أنَّهم كذَّابون وضَّاعون؟ أو أنَّه رأى تلك الأحاديث مبثوثة في تفسير الطبري والدر المنثور وغيرهما من تفاسير أهل السُّنة فصحَّ له أن يتَّخذ ذلك حجة وشاهداً صحيحاً على أنَّ الشيعة كذَّابون وضَّاعون، وقل لي: متى كانت الشيعة تعتبر تفسير الطبري وتعتمد عليه وتصحِّح ما ورد فيه عن عليعليه‌السلام ليكون ذلك كرواية منهم فيصح- والحال هذه- لصاحب الكتاب أن يلمز ويهمز؟

والذي تستريح إليه في الجواب هو أنَّ الأُستاذ لم يرَ تفسيراً من تفاسير الشيعة ولا سِفراً من أسفار حديثهم، ولم يسمع أنَّهم صحَّحوا كل رواية وردت عن عليعليه‌السلام ، ولم يقف على أحوال طبقات الرواة منهم ليعلم الكاذب منهم والصادق، كل ذلك يجهله تماماً.إذن، فشاهده على أنَّ الشيعة وضعوا ونسبوا إلى عليعليه‌السلام ما يظنُّون أنَّه يعلي قدره العلمي محض النعرة الطائفية التي يزعم أنَّه تحلَّل منها.

ثانياً: كيف بلغ الحال بعليعليه‌السلام إلى حد يحتاج في إعلاء قدره العلمي إلى وضع الشيعة وهو (أعلم الصحابة بلا مراء)، أخرج ابن سعد وغيره عن عمر بن الخطاب، قال: عليٌّ أقضانا.وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال: أقضى أهل المدينة علي.وأخرج ابن سعد عن ابن عبَّاس قال: إذا

____________________

(١) شرح النهج، ج ١، ص ٣٦١.

(٢) ولقد كتب في ذلك العلاّمة الشهير البحَّاثة السيد عبد الحسين شرف الدين كتاباً لم يسبق له نظير وسَمَه: تحفة المحدِّثين فيمَن أخرج منه البخاري ومسلم من المضعَّفين.

٦٤

حدَّثنا ثقة عن عليّ بفتوى لا نعدوها.وأخرج عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب يتعوَّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن، يعني علياً.وأخرج عن ابن المسيَّب أيضاً: لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا عليّ.وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال: أفرض أهل المدينة وأقضاها علي.وذُكِر علي عند عائشة فقالت: إنَّه أعلم مَن بقي بالسُّنة.وقال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: كان لعلي ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له القِدمُ في الإسلام والصهر برسول الله والفقه في السنة والنجدة في الحرب والجودُ في المال اه-.

وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عبَّاس قال: ما أنزل الله( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلاَّ وعلي أميرها وشريفها.قال: ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان من كتابه العزيز، وما ذكر عليَّاً إلاّ بخير.وأخرج ابن عساكر عن ابن عبَّاس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي.وأخرج عنه أيضا قال: نزل في علي ثلاثمئة آية.وأخرج الطبراني عن ابن عبَّاس أيضاً قال: كانت لعلي ثمانية عشر منقبة ما كانت لأحد في هذه الأُمة.وأخرج أبو يعلى عن عمر بن الخطَّاب: لقد أُعطي علي ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحبُّ إليَّ من حُمر النِّعم: تزويجه ابنته، وسكناه في المسجد لا يحلُّ لي ما يحل له، والراية يوم خيبر.وأخرج أحمد عن ابن عمر نحوه، وأخرج السلفي في الطيوريَّات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن علي ومعاوية، فقال: اعلم أنَّ عليَّاً كان كثير الأعداء، ففتَّش له أعداؤه شيئاً فلم يجدوه، فجاؤوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه ؛ كيداً منهم له اه-. ولمَّا دخل علي الكوفة دخل عليه حكيم من العرب، فقال: والله، لقد زيَّنتَ الخلافة وما زيََّنتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها اه-. إلى آخر ما ذكره ابن حجر في الفصل الثالث من الباب التاسع من صواعقه فراجع.

فمتى كان أئمة الشيعة - وهم أعدال كتاب الله وثقل رسول الله - يحتاجون في تكوُّنهم العلمي إلى الفضائل المكذوبة (وهم الراسخون في العلم، وينبوع الحكمة، وصفوة الأُمم، وخيرة العرب والعجم، ولباب البشر، ومصاص بني آدم، وزينة الدنيا، وحلية الدهر، والطينة البيضاء، والمغرس المبارك، والنصاب الوثيق، ومعدن المكارم، وينبوع الفضائل، وأعلام العلم، وإيمان الإيمان) وقل لي: هل احتاج الشيعة في وقت من الأوقات إلى تعمُّد الكذب كما احتاجه البكريُّون؟

مهما كان شكل الجواب، ومهما كانت هويَّته، ومهما حاولنا الاختصار، ومهما حاولنا أن لا نمسَّ العواطف ولا نثيرها، ومهما تكلَّفنا مراعاة الظروف، ومهما تكلَّفنا الاحتشام في القول، لو

٦٥

حاولنا كل ذلك وفوق ذلك، نرى أنَّ الصدق يكلِّفنا ثمناً باهظاً قد ننهض به وقد لا ننهض، ويكلِّفنا البغضاء والشحناء، والزمن عصيب، نحن أحوج فيه إلى الاتفاق، بيد أنَّ ذلك لا يبرِّر لنا أن نترك الجواب هملاً.

لقد علم كل أحد أنَّ علياً لم يسجد لصنم، ولم يكن في زمن من الأزمان مجهول المكانة العلمية عند سائر المسلمين - اللَّهُمَّ إلاّ النواصب الذين مرقوا من الدين - إلى حد يحتاج الشيعة في إعلاء قدره العلمي إلى الوضع، وقل لي: أي صحابي بلغ شأوَه وارتقى في الفضائل مرتقاه؟! وهو الإمام المتَّبع والرئيس المقتفي أثره، البالغ في العلوم الغاية القصوى والمكان الأسمى والمحل الذي لا تحلِّقه عقول البشر، ومحلُّه منها محلَّ القطب من الرحى، غير مدافَع ولا ممانَع.

والشيعة أشد حريجة وأعرف بحلال محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وحرامه، وأكثر المسلمين تورُّعاً وخوفاً من الله، وأشدُّهم محافظة على أحكام الدين، وأبر وأتقى من أن يستحلُّوا الكذب على أولياء الله ورسله ويجعلوا القرآن عرضة للتفسير حسب ميولهم وأهوائهم.

وأيضاً ما احتاجت الشيعة في تشييد معالم دينها وإقامة صرحه إلى الكذب كما احتاج غيرهم، فوضعوا ووضعوا ونسبوا، فإنَّ طريقتهم واضحة وصراطهم مستقيم.ولو أردنا أن نحدِّثك عما افتُعِل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاتنا العد وأعيانا الإحصاء وخرجنا عن موضوعنا، ولكن ،لا ضير علينا إن سقنا لك مثلاً لتعلم ما وراء الأكمة، رووا (أنَّ شاعراً أنشد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شعراً، فدخل عمر، فأشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الشاعر أن اسكت، ولمَّا خرج عمر قال له: عُد فعاد، فدخل عمر، فأشار بالسكوت مرة ثانية، فلمَّا خرج عمر سأل الشاعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الرجل، فقال: هذا عمر بن الخطَّاب وهو رجل لا يحب الباطل(١) . فأيُّ وضع أقبح من هذا وأفظع؟ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الباطل وعمر لا يحب الباطل؟!

ولسنا نعلم ماذا كان ذلك الشعر الذي أنشده الشاعر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وهل كان من نوع الباطل ؛ أي من الغزل والتشبب بالغواني والغلمان، أو كان مدحاً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ولعلنا نستفيد من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بناءً على ما زعمه الكاذبون: (وهو رجل لا يحب الباطل) أنَّ الشعر كان تصبُّباً بالغانيات!!

أجل، وأقصّ عليك حديثاً آخراً تعرف منه إلى أيِّ حدٍّ كان الاحتياج شديداً إلى الاستغلال من الكذب، رووا أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (وزِنتُ بأُمَّتي فرجحتُ، ووزِن أبو بكر بها فرجح َ،

____________________

(١) النهج، ج ٣، ص ١٤٢.

٦٦

ووزِن عمر بها فرجحَ ثم رجح ثمَّ رجح)(١) إذن، فعُمَر أرجح من النبي وأفضل عند الله، وإذن، لسنا نعلم لماذا لم يكن عُمر نبيَّاً؟ ولا نعلم إلى مَن نوجِّه السؤال؟ وبالطبع إلى الأُستاذ أحمد أمين وزميله.ورووا أنَّ النبي قال: (ما أبطأ عني جبريل إلاّ ظننت أنَّه بُعث إلى عمر)(٢) .

وهذا صاحب الكتاب يحدِّثنا أنَّ أبا ذر كان يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (إنَّ الله وضع الحق على لسان عمر يقولبه)(ص ١٧٦).ونحن لا نريد أن نفاجئك بالتشكيك في الحديث أو في قوة عمر الفطرية وإصابته، والذي نريد أن نذكر لك بعض قضايا ذكرها الأُستاذ تدلُّنا على وهن الحديث وعلى مقدار العثار والتناقض الذي وقع فيه، قال: (ولمَّا اختلفوا في المسألة المشتركة، وهي التي توفِّيت فيها امرأة عن زوج وأُم وإخوة لأُم وإخوة أشقَّاء، كان عمر يعطي للزوج النصف وللأُم السدس وللإخوة للأُمِّ الثلث فلا يبقى شيء للإخوة الأشقَّاء، فقيل له: هب أنَّ أبانا كان حماراً ألسنا من أُم واحدة؟ فعدل عن رأيه وأشرك بينهم)(ص ٢٨٥) ومن هنا سُمِّيت الشبهة الحمارية، ولسنا نعلم أنَّ الحق الذي وضع على لسان عمر يقول به كان إعطاؤه الأول أو الثاني؟ ولكن الإمام مالكاً في موطَّئه يسجِّل أنَّ عمر لم يصل إلى مدلول الكتاب في قضائه الأول ولا الثاني.

وإليك مثلاً آخر تستدل به على قوة عمر الفطرية، قال الأُستاذ: (روي أنَّ عمر استعمل قدامه بن مظعون على البحرين، فقدم الجارود على عمر فقال: إنَّ قدامة شرب فسكر) فقال عمر: مَن يشهد على ما تقول؟ قال الجارود: أبو هريرة يشهد على ما أقول، قال عمر: يا قدامة، إنِّي جالدك، قال: والله لو كنت شارباً كما يقولون ما كان لك أن تجلدني، قال عمر: وَلِمَ؟ قال: لأنَّ الله يقول:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا ) فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم ّاتَّقوا وآمنوا ثم ّاتقوا وأحسنوا، شهدتُ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بدراً وأُحداً والخندق والمشاهد)(ص ٢٣٧) فكان من القوة الفطرية أن عجز عن الجواب وأدار بعينيه إلى مَن كان جالساً من الصحابة فقال: (ألا تردُّون عليه قوله؟).

وتتجلَّى بوضوح قوته الفطرية وإصابته إذا سمعنا قصة الرجل الذي قتلته امرأة أبيه وخليلها

____________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) المصدر نفسه.وهذا الحديث يدل على أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان شاكَّاً في نبوَّته، وهذا كما ترى لا يتَّفق مع أُصول الدين الإسلامي ولا مع مذهب من المذاهب الإسلامية.

٦٧

ورأينا عمر يتردد في قتلهما لأنه لا يعلم هل يقتل الكثير بالواحد أو لا؟ ولولا عليعليه‌السلام يقول له: أرأيت لو أنَّ نفراً اشتركوا في سرقة جزور فأخذ هذا عضواً وهذا عضواً أكنت قاطعهم؟ قال: نعم، فقال كذلك) لذهب دم القتيل أُضحية القوى الفطرية، والحق الذي وضع على لسانه، ولكن ما أشدّ ما تعجب حينما ترى صاحب الكتاب يعد تلك القضايا من مفاخر عمر ويحسبها نموذجا من قواه الفطرية وإصابته في معرفة العدل والظلم وخبرته الواسعة وكفاءته فيقول: (فعقله عقل قضائي) وفوق ذلك فقد يراه أفضل الصحابة!!!

كلمة إجمالية عن الشيعة

لفظة الشيعة:

في لسان العرب: (والشيعة القوم الذين يجتمعون على الأمر، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، والشيعة أتباع الرجل وأنصاره، قال: وقد غلب هذا الاسم على مَن يتولَّى عليَّاً وأهل بيته (رضوان الله عليهم أجمعين)، حتى صار لهم اسما خاصاً، فإذا قيل: فلان من الشيعة، عُرف أنَّه منهم.وأصل ذلك من المشايعة وهي المتابعة، وفي أقرب الموارد: الشيعة الفرقة على حدة، وتقع على الواحد والاثنين والمذكّر والمؤنّث، وغلب هذا الاسم على كل مَن يتولَّى عليَّاً وأهل بيته حتى صار اسما لهم خاصاً، والشيعي مَن تولَّى عليَّاً وكان من الشيعة.

وقال الأزهري: (الشيعة قوم يهوون عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويوالونهم).

وفي الملل والنحل: الشيعة هم الذين تابعوا عليَّاً على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته، وقال ابن خلدون في مقدِّمته: (الشيعة لغة هم: الصحب والأتباع، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلِّمين الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه (رضي الله عنهم)، وربَّما أُطلق عليهم اسم الرافضة.وبعضهم خصَّ هذا الاسم بفرقة من شيعة الكوفة - كما في المصباح المنير - لأنَّهم رفضوا زيد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام حين نهاهم عن الطعن في الصحابة، وهذا تعليل غير مستقيم كما هو واضح، والذي نراه أنَّ هذا النبز وليد التشاجر والخلاف بين الشيعة والسنّة في تلك العصور المظلمة ،أطلقه دعاة التفرقة وأصحاب الأهواء والافتراء ظنَّاً منهم أنَّ ذلك وأمثاله سوف يكون سبباً لتفرق جماعة الشيعة وإبادة هذه الطائفة.

تكوُّن الشيعة ونشأتها:

اختلفت الآراء في زمان تكوُّن الشيعة وكثرت التكهُّنات، حتى أنَّه قد يصعب على

٦٨

الباحث معرفة زمان نشأتها إلاّ بعد عناء طويل ؛ فذهب بعضهم إلى أنَّ الشيعة تكوَّنت بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسببها مسألة الخلافة، وأنَّ البذرة الأُولى هي الجماعة التي قالت: إنَّ عليَّاً أولى بالخلافة من غيره من المهاجرين والأنصار، ومن هنا وقع بعض المتطفِّلين في الخبط وزعم أنَّ الشيعة فرقة سياسية لا دينية ؛ ذلك أنَّهم تحزَّبوا للعلويين ومالوا إلى جعل الخلافة في جانبهم دون غيرهم، وذهب قوم إلى حدوث نشأة

الشيعة، ويرى بعضهم (أنَّ أساسها فارسي ؛ لأنَّ العرب تدين بالحرية والفُرس يدينون بالمُلك)، وعن بعضهم: (أنَّ الشيعة أخذوا أكثر معتقداتهم عن المعتزلة)(١) إلى ما هنالك من أقوال نشأ بعضها من الخلط والخبط وعدم معرفة الصدر الأول من الإسلام، وبعضها وليد العصبية الممقوتة والتقليد الأعمى.

وإنَّا لنستغرب هذا الخلط والخبط، وتشعُّب هذه الآراء حتى كأنَّ الطائفة الشيعية من بقايا الأُمم البائدة في الأعصر القديمة، فلا يرى الباحث مناصاً عن التكهُّن.

ولو أردنا أن نبحث عن أسباب هذا الغموض فلا شك أنَّه سوف ينتهي بنا البحث إلى أنَّ السياسة الأُموية الخرقاء هي التي ضغطت على الشيعة فقتلتهم تحت كل حجر ومدر، وجعلت الأقلام والآراء مقيَّدة، فلا يستطيع الكاتب أن يكتب ولا الشيعي أن يدافع بحريّة.

لقد علمتَ أنَّ الشيعة هم الذين يوالون عليَّاًعليه‌السلام ويتابعونه ويفضِّلونه على سائر الصحابة من المهاجرين والأنصار، ونرى أنَّه في بدء الإسلام دخل في الإسلام مَن يتابع عليَّاً ويفضِّله ؛ وهو العبد الصالح أبو ذررضي‌الله‌عنه ، فإنَّه كان رابع المسلمين، ونرى سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه يقول: (بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له).إذن، من الإسراف على العلم وعلى أنفسنا أن نشكَّ في أنَّ الشيعة هي أقدم فرق المسلمين، وقد كان يطلق هذا الاسم على نفر من أصحاب رسول الله على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .قال في روضات الجنَّات نقلاً عن الجزء الثالث من كتاب الزينة في تفسير الألفاظ المتداولة بين أرباب العلوم لأبي حاتم الرازي ما نصُّه: (إنَّ أول اسم ظهر في الإسلام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الشيعة، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة، وهم: أبو ذر وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وعمَّار بن ياسر، إلى أن آن أوان صِفِّين فاشتهر بين موالي عليعليه‌السلام ، وعلى مَن كان أتباع معاوية بالسُّني) ففي الحق أنَّ التشيُّع ظهر منذ انبثق

____________________

(١) العرفان، م ٥، ج ٢.

٦٩

نور الإسلام من جبل فاران، وأضاءت به أرجاء الحجاز، ودوَّت صرخة (لا إله إلاّ الله) في هاتيك الشعاب، فالتشيُّع ظهر في العرب وعرفه الحجاز قبل أيِّ قطر، ثمّ اليمن ؛ فإنَّه انبثق فيه نور التشيُّع على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .وأمَّا أنَّه تجاوزه في ذلك العهد، فممَّا لا نعلمه، والذي نرجِّحه أنَّه لم يتجاوز اليمن إلى خلافة عثمان، كما نرجح أنَّه ظهر في سورية قبل ظهوره في غيرها من الأقطار الإسلامية، ففي تلك القطعة الصغيرة من سواحل سورية الغربية ظهر التشيُّع لحلول أبي ذر الغفاري بين ظهرانيهم، وأبو ذر هذا ممَّن عرفه كل أحد بميله الشديد إلى علي، وكان من شيعته، وفوق هذا كان داعية له، فأقام في الشام يبث دعوته لا يرهب في ذلك صولة ولا قوة، ولم يكن يثني عزيمته أو يلين شكيمته التهديد و الوعيد، وكان يخرج من الشام إلى الساحل يدعو الناس إلى علي، وقد لبَّاه الكثيرون.وله هناك مقامان مقام في الصرفند قريب من صيدا ومقام في ميس الجبل وهي قرية مشرفة على غور الأردن، والمقامان إلى الآن معروفان مشهوران بالانتساب إليه وقد اتُّخذا مسجدين، هذا ممَّا قام عليه التواتر بين أهل هاتيك البلاد ويدلُّنا على ذلك استغاثة معاوية بعثمان ؛ حيث كتب له أنَّ أبا ذر أفسد علينا الشام، فأمره بردِّه إلى المدينة، فأرسله مهاناً على بعير ضالع بغير وطاء.يقول ابن أبي الحديد: (فكتب عثمان إلى معاوية: أمَّا بعد، فاحمل جندباً إليّ على أغلظ مركب وأوعره، فوجَّه به مع مَن سار به الليل و النهار، وحمله على شارف ليس عليها إلاّ قتب، حتى قدم المدينة وقد سقط لحم فخديه من الجهد)(١) ونحن لا يسعنا - ولا يسع أحداً - أن يسلِّم للطبري وابن الأثير وأمثالهما مراوغتهم عن إظهار الحقيقة وأنَّ الأمر الذي أحرج معاوية وأخرج غضبه عن مكمنه وأخرجه عن حلمه حتى شتم أبا ذر ونال منه ما نال هو رأيه في الأموال وشكاية الأغنياء منه، وقل لي متى كان يخرج عن حلمه لمثل هذا الأمر؟! بل الذي أخرجه عن سياسته في تحلُّمه أمر أعظم من هذا، هو إفساد الشام عليه بالدعوة لخصمه وعدوِّه في الجاهلية والإسلام، التي كادت تقضي على آمال معاوية وتذهب أتعابه أدراج الرياح.

وأمَّا التشيُّع في فارس، فالذي نستطيع أن نجزم به ويساعدنا عليه التاريخ أن مبدأه كان في أواخر الدولة الأُموية، ولم يكن له ذلك الانتشار و الظهور ولا ثابت الأركان حتى ولا في زمان البويهيِّين، إلى أن انقرضت الدولة الخوارزمية، وقامت مقامها الدولة المغولية، وتعاقبت ملوكها إلى زمن السلطان أولجايتو محمد المغولي الملقّب بشاه خُدا بَنْدَه المتوفَّى سنة ٧١٦ فإنَّه

____________________

(١) شرح النهج، ج ١، ص

٧٠

الذي أظهر التشيُّع في فارس ودعا إليه، وأمر بأن يخطب بأسماء الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام على المنابر، وسبّب هذا الانقلاب وقوع حادث اقتضى إحضار الإمام أبي محمد الحسن بن المطهَّر الحلِّي الشهير بالعلاّمة من العراق وكان من أعلام الشيعة وأفذاذها، فجمع الشاه خُدا بَنْدَه العلماء وأمرهم بالمناظرة في المذاهب(١) .

وهكذا سلاطين إيران كانوا يهتمُّون ببث دعوة التشيُّع والتبشير به، ومع ذلك لم تصبح حكومة فارس شيعية محضة إلاّ في زمن الشاه عبّاس الصفوي

الكبير، فإنَّ مذهب التشيُّع حينذاك صار رسمياً، وأخذ العلماء يتوافدون على إيران ويردُّون على الشاه، وكانوا عنده موضع التَجِلَّة والاحترام والإكبار والإعظام.

بلاد الشيعة:

يقف الباحث الذي يسبر غور التاريخ مستغرباً عند ما يرى أنّ الشيعة اليوم وقبل اليوم تشغل جزءاً كبيراً في الشرق الأدنى والأقصى، ويرى أنَّ بقاءها من أكبر المعجزات، بل من خوارق العادات ؛ لأنهَّ مهما فتَّش صفحات التاريخ ليجد أُمة من الأُمم أصابها من النوائب والظلم والاعتساف والقتل الذريع والنهب ما أصاب الطائفة الشيعية فلا نظن أنَّه يجد ،

____________________

(١) خلاصة تلك الحادثة أنَّ الشاه خُدا بَنْدَه(محمد المغولي) غضب على زوجته فقال: أنت طالق ثلاثاً، ثمّ ندم واستفتى العلماء في الرجوع

إليها، فقالوا: لا بدَّ من المحلِّل، فقال: عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة، أوليس لكم هنا اختلاف؟ فقالوا: لا، وقال له أحد وزرائه: إنَّ عالماً بالحلَّة يقول ببطلان هذا الطلاق، فكتب كتاباً إلى العلاّمة الحسن بن المطهَّر، فلمَّا فهم العلماء قالوا: إنَّ له مذهباً باطلاً ولا عقل للروافض، ولا يليق بالملك أن يطلب رجلاً خفيفاً.ولمَّا حضر العلاّمة جمع الشاه علماء المذاهب الأربعة ودخل العلاّمة عليهم وأخذ نعليه في يديه وجلس إلى جانب الشاه، فارتاح العلماء لهذا الفعل الغريب وكأنَّهم استظهروا على الملك فقالوا: ألم نقل لك أنَّهم ضعفاء العقول، فقال الملك: اسألوه عن كل ما فعل، فقالوا له: لِمَ جلست إلى جانب

الملك؟ فقال: ليس في المجلس مكان غيره، فقالوا له: لماذا أخذت نعلك معك وهذا ممَّا لا يليق بعاقل في مجالس الملوك؟ فقال: خفت أن يسرقه الحنفية كما سرق أبو حنيفة نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصاح الحنفية: حاشا وكلاّ، متى كان أبو حنيفة في زمان رسول الله؟! فقال: لعل السارق

الشافعي، فقال الشافعية: لم يكن الشافعي زمان رسول الله، فقال: لعل السارق مالك، والجواب عيناً، فقال: لعل السارق أحمد بن حنبل، فأجابه الحنابلة بما تقدَّم، وحينئذ التفت العلاّمة إلى الملك وقال: لقد علمت أنَّه لم يكن أحد من أئمة هذه المذاهب في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا في زمن أحد من صحابته، فهذه إحدى بدع أهل السنَّة أن اختاروا أربعة من مجتهديهم وقلَّدوهم ولم يجيزوا لأحد غير هؤلاء الأربعة أن يفتي الناس برأيه ولو كان أفضل من هؤلاء! وأمَّا نحن الشيعة، فتابعون لعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام نفس رسول الله ووصيه وأخيه ووزيره، ولكل عالم منَّا بلغ مرتبة الاجتهاد أن ينظر في أخبار محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآل محمد ويعمل بنظره ويفتي الناس برأيه.وأمَّا طلاق الملك زوجته، فباطل ؛ لاختلال شروطه ومنها العدالة، فهل أوقع الملك الطلاق بمحضر عدلين؟ فقال: لا.وبعد هذا أخذ معهم بالمناظرة حتى أفحمهم وتشيَّع الملك وحاشيته. انتهى بتصرُّف منَّا.

٧١

وحسبك شاهداً أنَّ معاوية كتب نسخة واحدة إلى عماله: (أنْ برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) وأنَّه لكتاب قتل الشيعة تحت كل حجر ومدر ونفاهم عن عقر دارهم، وكان أشدَّ الناس بلاء أهل الكوفة، وما لاقاه الشيعة من ظلم بني العبَّاس أشدُّ وطئاً وأشنع فعلاً، وبالرغم عن هذه المذابح فإنَّ الدليل الواضح على صحة ما تمسَّك به الشيعة كان لا يزال يبعث في النفوس الرغبة إلى اعتناق مذهب التشيُّع، حتى أنَّ الشيعة اليوم يعدّون ثلث المسلمين تقريباً، يسكنون في بلاد متعدِّدة في إيران والهند والعراق والأفغان واليمن وسوريا والحجاز والصين وروسيا وبخارى والأناضول والبحرين وجاوه.

عقائد الشيعة:

كنت أودُّ أن أبسط القول في عقائد الشيعة إلاّ أنَّ مراعاة الاختصار أوقفتني عن ذلك، ولكن أقول إجمالاً: إنَّ الشيعة لا يفترقون عن سائر المسلمين في أُصول العقائد إلاّ في الإمامة وعصمة الإمام ووجوب العدل على الله تعالى، فإنَّهم يقولون بعدله، فلا يظلم أحداً مثقال ذرة، وهناك بعض المسائل كقِدَم القرآن والتجسيم وعدم عصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنَّ الشيعة في كل ذلك يعارضون الفِرق التي تقول بذلك، فهم يعتقدون بحدوث الفرقان وعدم تجسيم الإله وعصمة النبي عن الكبائر والصغائر في الكبر والصغر قبل النبوة وبعدها، وتفصيل ذلك في الكتب الكلامية.وعلى الإجمال أنا ضامن لك أنَّه ما من قول للشيعة إلاّ وفيه رواية من طرق السُّنة في الغالب يمكن للباحث أن يحتج بها.وأمَّا الفروع، فالضروري منها كالصوم والصلاة والحج والزكاة والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يخالفون غيرهم من المسلمين في شيء منها.وأمَّا الفروع النظرية المتعلِّقة بالعبادات والمعاملات وإن اختلفوا عن غيرهم في بعضها إجمالاً إلاّ أنَّه ليس هذا إلاّ كاختلاف الحنفي مع المالكي أو مع الشافعي وهكذا.

هذه كلمة إجمالية عن الشيعة قدَّمناها لك لتعرف قيمة بحث صاحب الكتاب عنهم، وكان الإنصاف يقضي على صاحب الكتاب أن يعتدل في

سيره، ويتبع في بحثه الأُصول المتَّبعة قديماً وحديثاً ؛ فإنَّ كل مَن يريد أن يطرق باب البحث في موضوع من الموضوعات ويحلِّل ذلك الموضوع تحليلاً فنِّياً لا بد أن يدرسه درساً صحيحاً أولاً ثمّ يكتب ما يبدو له، فيكون حينذاك بحثه قيِّماً ونتائجه صالحة ذات قيمة في سوق العلم، فهل يصح أن يكون طبيباً مَن لم

٧٢

يتعلَّم الطب؟ أو مصوِّراً مَن لا يعرف فنَّ التصوير؟

أهل البيت أولى الناس أن يخلفوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ولكنَّ صاحب الكتاب لم يشأ أن يدرس حياة الشيعة بالدرس الصحيح النزيه، فيكتب عنهم وعن رأيهم في الخلافة عن علم وبصيرة، ويكون حراً غير مقيَّد بتلك القيود والأغلال الثقيلة التي ملكت عليه عقليَّته فجعلته مقيَّداً مرة بتلك الآراء الفاسدة التي كان سلفه يسوِّد بها الصحائف ظناً منهم أنَّ ذلك يشوِّه صفحة تاريخ الشيعة، ومرة ثانية باجتهاداته المزيَّفة، فهو يحدِّثنا أنَّه (كانت البذرة الأُولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنَّ أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه، وأولى أهل البيت العبَّاس عمِّ النبي، وعلي ابن عمِّه، وعلي أولى من العبَّاس لِمَا بيَّ-نَّا من قبل، والعبَّاس نفسه لم ينازع علياً في أولويَّته بالخلافة)(ص ٣١٧) ولا نعلم أنَّ حديثه هذا أكان عن اجتهاد منه أو استند فيه إلى تاريخ، ولقد عرفت أنَّ التاريخ يساعد على أنَّ البذرة الأُولى للشيعة كانت منذ أشرقت شمس الهداية على جبال فاران، مضافاً إلى ما عرفته عن كتاب الزينة أنَّ أول اسم ظهر في الإسلام على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الشيعة.وليت صاحب الكتاب حدَّثنا من أين علم أن الشيعة تقول: إنَّ أهل بيت النبي بما فيهم العبَّاس هم أولى

بالخلافة؟ وهل رأى في كتاب من كتب الشيعة قولاً أو احتمالاً في أنَّ العبَّاس كان له الحق أن يلي الخلافة أو لائقاً لها؟

والذي أظن أنّ الذي أوقعه في هذا الخطأ - وما أكثر خطأه - أنَّه كتب وهو يجهل مذهب الشيعة ويجهل معتقدات الشيعة، وإنَّما سمع أنَّ الشيعة تقول: الخلافة في أهل البيت فظن أنَّ العبَّاس من أهل البيت الذين لهم الحق في أن يلوا الخلافة.

لا نريد أن نندب عليه شيئاً سوى كتابه الذي ملأه جهلاً ومناقضات قبيحة، ووضعه بين يدي الجامعة المصرية وبين يدي ناشئتها وبين يدي زملائه أساتذة الأدب وتاريخ الأدب، ليمثِّل بذلك الحياة العلمية الأدبية ويمثِّل الحرية في البحث والحرية في الرأي.وإنَّا نرتاح حينما نراه يتحدَّث أنَّ الشيعة في عصر كانت ترى أنَّ العبّاس عمِّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بالخلافة، وأنَّها في عصر آخر تطوَّرت فكانت ترى أنَّ عليَّاً هو الذي يجب أن يكون خليفة لأنَّ النبي استخلفه ونصَّ عليه، نرتاح لذلك لأنَّا نعلم أنَّ بهذه المناقضات القبيحة أفسد عليه رأيه وأسقط كتابه من ميزان الأعمال الصالحة والآراء الناضجة، ولأنَّا نعلم - ويعلم كل أحد - أنَّ الشيعة لم تتطوَّر

٧٣

في شيء من ذلك ولا في عصر من العصور، فإنَّ النفر الذين كانوا البذرة الأُولى للشيعة إنَّما تابعوا عليَّاً بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن الباعث لهم على مبايعته أنَّه من أهل بيت نبيِّهم، كما لم يكن الباعث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فيما يعتقد الشيعة) على استخلاف علي أنَّه ابن عمِّه ومن أهل بيته، وإنَّما كان ذلك بأمر من الله تعالى، ولقد عرفت ما قاله سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه : (بايعنا رسول الله على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له) ولا من شك بأنَّ مبايعة الرسول على شيء لا تكون إلاَّ بأمر منه، كما أنَّ أمره لا يكون إلاّ عن أمر الله تعالى ؛ فإنَّه( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) .

وأمَّا أنَّ الدعوة لعليعليه‌السلام ظهرت بسيطة، فلعلها محاولة تُستقى من القول بأنَّ الشيعة حزب سياسي قام ضد سقيفة بني ساعدة (النزيهة)، وهذه محاولة سنأتي عليها فيما بعد، ولكن نقول هنا: إنَّ الحق- الذي لا نبالي إنْ صرَّحنا به -أنَّ السُّنة حزب سياسي وليد الظروف الزمنية والطقوس، أعان عليه تهتُّك معاوية وعدل علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وليس من الشاق العسر علينا إثبات ذلك إن أراد أحمد أمين ولفيفه أن يفتقوا الرتق، ولهم علينا شرطهم أن لا نعتمد على شيء من تاريخ الشيعة.

لا نصَّ على الخليفة

لقد عرفنا التاريخ الذي يدمدم في أحداث عثمان وبوائق معاوية وفظائع يزيد ويتلوَّن عند سبر الحقائق الراهنة، وعرفناه كيف يشيد ذكر جماعة من الأصحاب ويخلِّد أسماءهم ولو بالافتعالات، وكيف يغمط حقوق آخرين ويتعامى عن مآثرهم وفضائلهم، وعرفناه أنَّه في ذلك كلِّه يمشي وراء الأهواء والأغراض، تقوده العصبية والتبصبص.إذن، فما بال صاحب الكتاب يستريح إلى هذه الخلاصة التاريخية: (أن لا نص على الخليفة، فتُرك الأمر لإعمال الرأي ؛ فالأنصار أدَّاهم رأيهم إلى أنَّهم أولى بها، والمهاجرون كذلك، وأصحاب علي إلى أنَّ الخلافة ميراث أدبي)(ص ٣١٧) ولماذا اعتمد الأُستاذ على هذا التاريخ المزيَّف ولم يوسِّع المجال للفكر والتمحيص؟ ولماذا يشك في كثير من الأشياء التاريخية ولم يشك في هذه الخلاصة؟ ولماذا لم ينس عواطفه المذهبية ليكون ضميره نزيهاً، وفكره مطلقاً، وقلمه حرَّاً غير مأسور للعاطفة، ورأيه محترماً؟ فإنَّ ثقافة العصر الحاضر لا أظنُّها تسمح له بالاستلام للتقاليد الممقوتة.

الغربي سيِّدُ صاحب الكتاب وإمامه المتَّبع، يقطع الفيافي والقفار ويخوض غمار البحار

٧٤

ويركب المخاطر والأهوال، ويعرِّض نفسه للأُسود الكاسرة والوحوش الضارية، ويبذل الأموال الطائلة والنفائس ممَّا تملكه يداه، كل ذلك ليكتشف حقيقة تاريخية، إذن، ما بال صاحب الكتاب لا يفحص عن حديث القائلين: (إنَّ أصحاب علي أدَّى رأيهم إلى أنَّ الخلافة ميراث أدبي) أو أنَّه نصٌّ من

النبي؟ فإنَّ ذلك لا يكلِّفه شيئاً ممَّا يتكلَّفه الغربي! فإنْ لم يجد في مصر من الشيعة من يمكنه إثبات ذلك بالدليل والبرهان، فأنا ضامن له بأنَّه يجد في العراق أو سورية أو إيران أو اليمن أو غيرها من بلاد الشيعة مَن يجيبه ويبيِّن له أنَّ أصحاب علي لم يقولوا بأن الخلافة ميراث أدبي، بل قالوا: إنَّه نصٌّ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لم يرد أنَّ عليَّاً احتجَّ بالنصِّ على خلافته

قل لي بربِّك في أيِّ حالة تنتظر منه أن يحتج بالنص على خلافته؟ أحين جاؤوا فنادوه وهو ممتنع عن بيعتهم في داره ومعه أهل بيته وثلَّة من

شيعته، فلمَّا أبى أن يخرج إليهم دعا عظيمُهم بالحطب والنار وقال: (والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقنَّها على مَن فيها، فقيل له: يا أبا

حفص، إنَّ فيها فاطمة؟ قال: وإنْ)؟(١) أم حين وقفت فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وراء الباب فقالت لهم: (لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر

منكم ؛ تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تُعطونا حقَّنا)؟(٢) أم حين نادت بأعلى صوتها: (يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطَّاب، وابن أبي قحافة؟) ؟ أم حين أخرجوا عليَّاً وبضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعدو خلفه عدو المذعورات (فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، قال: (فإن لم أفعل؟) قالوا: إذن- والله- نضرب عنقك، قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله، فقال عمر: أمَّا عبد الله فنعم، وأمَّا أخو رسول الله فلا)؟(٣) أم حين لحق بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصيح ويبكي وينادي: (يابن أُم، إنَّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)؟(٤) أم حين طفق يرتئي بين أن يصول بيد جذَّاء أو يصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأى أنَّ الصبر على هاتا أحجى، فصبر وفي العين قذى وفي الحلق شجا؟

____________________

(١) راجع: أوائل كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) هذا من الأخبار المتواترة ولا سيَّما من طريق العترة الطاهرة، وقد ذكره الإمام ابن قتيبة في أوائل الإمامة والسياسة، وإذا كانت مكابرتهم إلى هذا الحد، أي إلى حد لم يشاؤوا أن يعترفوا بأنَّه أخو رسول الله، فكيف يصغون إلى النصِّ بخلافته؟!

(٤) المصدر نفسه.

٧٥

ما بايع أبا بكر مبايعوه (وهم الجمهور) ولا بسط يده لبيعتهم حتى اتَّخذوا ذلك النصَّ ظهرياً وكان لديهم نسياً منسياً، وما أخذوا بهذا الحزم ليبقوا مجالاً يتسنَّى فيه لعلي أن يحتج به عليهم فيكبحهم ويفضحهم ويقطع خط الرجعة عليهم، وكيف يسمحون له - وهم أهل السلطة - بأن يحتج عليهم بما يرفع سلطتهم ويلغي دولتهم وينقض عقدهم وعهدهم، ويوجب الطعن المؤبَّد في جماعتهم وفي كل فرد من أشخاصهم؟

وعلي لم يكن قادراً على ذلك إلاّ إذا تحيَّز إلى فئة وأعلن عليهم حرباً عَوَاناً، لكنّ إعلان الحرب عليهم في تلك الظروف يوجب نحر الإسلام في لبّته، وحاشا أمير المؤمنين أن يؤثِر إلاّ الاحتفاظ بالدين والاحتياط على المسلمين، فأغضى على القذى وشرب على الشجى وصبر على أخذ الكَظم وعلى أمرِّ من طعم العلقم(١) ومن راجع الفصول المهمّة في تأليف الأُمة(ص ٨٤) يجد تفصيل هذه الجملة، على أنَّ عليَّاًعليه‌السلام كان يغتنم الفرص فيحتج بنصوص خلافته بقدر ما تسمح له تلك الفرص ؛ كما فصَّله سيدنا في مراجعاته الأزهرية ومناظراته البشْرِيَّة، قال أيَّده الله في المراجعة(١٦):

الخامس : ما أخرجه غير واحد من ثقاة المحدِّثين وأئمَّتهم - واللفظ للإمام أحمد في صفحة ١٧٠ من الجزء الرابع من مسنده - من حديث زيد بن أرقم عن

أبي الطفيل قال: جمع عليٌ الناسَ في الرحبة ثم ّقال: (أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لَمَا قام) فقام ثلاثون من الناس فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: (أتعلمون أنِّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) قالوا: نعم يا رسول الله، (قال: مَن كنت مولاه فهذا مولاه، اللَّهُمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه) فحدَّث أبو الطفيل بعدها زيد بن أرقم بهذه المناشدة وما سمعه في جوابها من الصحابة، فقال له زيد: (كما في صفحة ٣٧٠ من الجزء الرابع من مسند أحمد) فما تُنكِر؟ أنا قد سمعت رسول الله يقول ذلك).وكان في هؤلاء الثلاثين اثنا عشر بدريَّاً فيما أخرجه غير واحد من المحدِّثين كالإمام أحمد في صفحة ٨٨ من الجزء الأول من مسنده، وربَّ رجالٍ أقعدهم بغض أمير المؤمنين عن القيام بواجب الشهادة فأصابتهم دعوته كأنس بن مالك ؛ حيث قال له أمير المؤمنين: (ما لك لا تقوم مع أصحاب رسول الله فتشهد بما سمعته يومئذ منه؟) فقال: يا أمير المؤمنين، كبرت سنّي ونسيت! فقال علي: (إنْ كنت كاذباً، فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة) فما قام حتى ابيضَّ وجهه برصاً، ذكر

____________________

(١) كما قال فيما هو ثابت عنه.

٧٦

هذه الحكاية عن أنس قوم كثيرون كالإمام ابن قتيبة الدينوري ؛ حيث ذكر أنساً في أهل العاهات من كتابه (المعارف)، ونقلها ابن أبي الحديد عن جماعة من شيوخ البغداديين في أول صفحة ٣٦٢ من المجلَّد الأول من شرح النهج، وفي صفحة ١٩ من الجزء الأول من مسند أحمد ما يشهد بذلك، حيث أخرج من حديث عليعليه‌السلام عن سماك بن عبيد بن الوليد العبسي قال: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدَّثني أنَّه شهد عليَّاً في الرحبة قال: (أنشد الله رجلاً سمع رسول الله وشهده يوم غدير خم إلاّّ قام، ولا يقم إلاّ مَن قد رآه) فقام اثنا عشر رجلاً (يعني من أهل بدر)، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه ؛ حيث أخذ بيده يقول: الحديث.وآخره أنَّ ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم، فأصابتهم دعوته.وروى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد الله (كما في صفحة ٢٠٩ من الجزء الأول من شرح النهج للعلاّمة المعتزلي) قال: لمَّا بلغ عليَّاً أنَّ الناس يتَّهمونه فيما يذكره من تقديم النبي وتفضيله إيَّاه على الناس قال: (أنشد الله مَن بقي ؛ مَن لقي رسول الله وسمع مقاله يوم غدير خم إلاّ قام فشهد بما سمع) فقام ستة ممَّن عن يمينه من أصحاب رسول الله وستّة ممَّن عن شماله من الصحابة أيضاً، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك اليوم وهو رافع بيد علي: (مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللَّهُم وال مَن والاه وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله، وأُحب مَن أحبه وأُبغض مَن أبغضه).

أليس هذا من احتجاجه بالنص على خلافته؟ بلى والله، ولو أراد أن يحتجَّ بمجرَّد فضائله لذكر بعض سوابقه أو مناقبه أو مواقفه أو خصائصه أو شيئاً ممَّا نزل الوحي والقرآن به من فضله أو لمعة ممَّا ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جلالة قدره وعظم شأنه، فإنَّ ذلك أكثر من أن يحصى وأظهر من أن يخفى، لا يجحده جاحد فيحتاج في إثباته إلى شاهد وإنَّما يحتاج إلى الشهود منصبه المجحود، وما جمع الناس إلاّ لإثبات ذلك المنصب كما لا يخفى، وكم تظلَّم وتألَّم واستعدى الله على قريش حيث أكفأوا إناءه وصغَّروا قدره، ومَن راجع كلامه وجد الكثير منه يرمي إلى اغتصابهم حقَّه الذي جعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله له، والتفصيل في كتاب: المراجعات الأزهرية والمناظرات البِشريَّة.وهذا القدر كافٍ لتزييف نظرية الأُستاذ أحمد أمين حيث يقول: لم يرد نص من طريق صحيح أنَّ عليَّاً ذكر نصَّاً من آية أو حديث يفيد أنَّ رسول الله عيَّنه للخلافة(ص ٢١٨). وقد علمت وعلم الناس كافَّة أنَّ حديث الغدير قطعي الصدور ؛ حتى اعترف بتواتره جماعة من خصوم الشيعة كصاحب الفتاوي الحامدية في رسالته الصلوات الفاخرة في الأحاديث

٧٧

المتواترة.أمَّا احتجاج علي به في الرُّحبة، فقد رواه الإمام أحمد بن حنبل بسند كلُّه من رجال البخاري ومسلم، فاحتجاجهعليه‌السلام به- إذن- قد ورد من طريق صحيح، على أنَّ الدواعي لكتمانه أكثر من أن تحصى، فلا عجب من عدم وروده وإنَّما العجب من وروده، وقد ورد والحمد لله رب العالمين.

الشيعة يتمسَّكون بالنصوص التي لا يعرفها جهابذة أهل السُّنة

ما أشدَّ ما تعجب حينما ترى صاحب الكتاب ينفق ما عنده من قوة ويبذل ما يستطيعه من جهد ليثبت أنَّ الشيعة ليسوا على شيء من الإيمان، وما أشدَّ ما يتمسَّك بالأقوال الباطلة والآراء الزائفة ؛ كل ذلك ليسقط الشيعة من ميزان الأعمال.وليس هذا بالأمر العجيب على مَن تأثَّر بالعاطفة، فإنَّ هذه روح سارية ينزع إليها كل مَن تعرَّض للشيعة، ولكنَّ العجيب أن يقوم اليوم رجال يزعمون أنَّهم تشبَّعوا بروح الحرية والإخلاص للأُّمة، ويموِّهون على الناس أنَّهم تحلَّلوا من كل قيد وكل نزعة، ولا يريدون إلاَّ الإصلاح ورتق الفتق ولمَّ الشعث، وإذا رأيت ما يكتبون تعلم أنَّهم من بقايا تلك القرون الماضية بنزعاتهم وعواطفهم كأنَّ الدهر غفل عنهم، ومنهم صاحب الكتاب أُستاذ الجامعة المصرية اليوم.

نحن لا نشك بأنَّه يخدع نفسه بتلك النتائج التي يصل إليها عندما يستعرض مذهب الشيعة ؛ ذلك أنَّه ليس من الصواب في شيء أن يستمد صاحب الكتاب بحثه عن الشيعة من آراء رجال ثارت في نفوسهم العاطفة المذهبية فتأثَّرت أقلامهم، وكانوا يرخون العنان لتلك الأقلام فتسطِّر ما توحيه إليها تلك العاطفة بكل ما يصل إليها من أوهام، ولا يرى أحدهم بُدَّاً إن أراد أن يبحث أو ينقد إلاّ أن يجعل تلك النعرة ميزان البحث ومقياس النقد، ولا يبالي بالعثار الذي يتخبَّط فيه والتزوير الذي يرتكبه.

نسوق لك مثلاً من أُولئك الرجال المؤلِّفين: ابن خلدون وتحامله على النبي وأهل بيت النبي (صلوات الله عليهم)، يقول :(ونعوذ بالله ممَّا يقول( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) ): (وشذَّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به، بنوه على مذاهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أُصول واهية)... إلخ، عجباً لِمَ لا تسيخ الأرض بأهلها، ولم لا يموت المسلم أسفا !! ابن خلدون ومَن يتولاَّهم على السُّنة والهدى، وأهل البيت شذَّاذ مبتدِعون؟!

٧٨

فيا موْتُ زُرْ إنّ الحياةَ ذَميمَةٌ

ويا نَفْسُ جِدّي إنّ دهرَكِ هازِل

وهل يعلم ابن خلدون وأتباع ابن خلدون مَن هم أهل البيت؟ هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، والذين فرض القرآن مودَّتهم وباهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم سفينة النجاة وأمان الأُمة وأحد الثقلين.ذهب ابن خلدون بما كسبت يداه وسيلقى غداً جزاءه، فنحن نسأل أنصاره اليوم عن الشذوذ الذي شذَّه أهل البيت والبدع التي ابتدعوها؟! فهل أباحوا لحوم الكلاب ونكاح الأب بنته من الزنا؟ أم أباحوا للرجل أن ينكح المرأة فيطأها، ثمّ يخلعها فوراً على بذل شيء، ثم ّيعقد لنفسه عليها بمهر عقد نكاح آخر، ثم يطلِّقها قبل أن يمسًَّها بعد العقد الثاني، فتتزوَّج رجلاً ثانياً في تلك الساعة على تلك الكيفية، ثمّ تتزوَّج الثالث والرابع إلى ما لا نهاية له، بدون عدِّة ولا انفصال مع كونها شابة؟! وإذا وقع عقد النكاح بين الرجل وهو في أقصى المغرب والمرأة وهي في أقصى المشرق، فحملت تلك المرأة التي لم تر ذلك الرجل ولم يرها أصلاً، فولدت والحال هذه بنين عديدة وبنات كثيرة؟! فهل بلغكم أنَّ أهل البيت وشيعتهم حكموا في المسألة فوق العقل، فألحقوا تلك البنات والبنين بذلك الرجل المسكين الذي لم يستظل بسماء تلك العاهر ولا أقلَّته أرضها أبدا ؟ وهل أباح أهل البيت وشيعتهم الوضوء بالنبيذ، والتكبير بالفارسية، والوقوف في الصلاة على رجْل واحدة، وقراءة دوبلك سبز (اكتفاء بلفظة فارسية معناها: مدهامَّ-تان)، والسجود على العذرة اليابسة، والتعمُّم في الصلاة بعمامة منسوجة من شعر الخنزير وعليه ثوب أقل من ربعه ملطَّخ بالعذرة، وهو مع ذلك جلد ميتة مدبوغ، ثم يختم صلاته بضرطة عمداً؟ وهل جوَّزوا أن يبقى الولد في بطن أُمِّه أربع سنين؟ أو أو إلى ما هنالك من شواذّ ابتدعها غيرهم كالقول بأنَّ حكم الحاكم يقلب الحقيقة ويغيِّر الواقع ؛ فلو أنَّ رجلاً اعتدى على رجل آخر فادَّعى الزوجية على امرأته، وهو يعلم نفسه مبطلاً، فرفع دعواه هذه إلى القاضي ولفَّق شاهدي زور، فشهدا له بما ادَّعاه من أنَّ عقد نكاحه عليها سابق على عقد نكاحها على زوجها الحقيقي، شهدا هذه الشهادة الباطلة ،وهما يعلمان أنَّها باطلة، وتمكَّن المدَّعي المُبطل من تزكيتهما على وجه تمَّت له الموازين عند القاضي، فحكم القاضي بأنَّ تلك المرأة زوجته، فهل بلغكم أنَّ أهل البيت وشيعتهم أفتوا في هذه المسألة بما أفتى به غيرهم ؛ من أنَّها: (حلَّت ظاهراً وفي الواقع ونفس الأمر) للمبطل المزوِّر، وحرمت (ظاهراً وفي الواقع ونفس الأمر) على زوجها؟! حاشا لله أن يكون ذلك من أعدال القرآن وحزبهمعليهم‌السلام .

٧٩

هذه كتب فقهائهم في الأُصول والعقائد ملأت الخافقين، فليتصفَّحها صاحب الكتاب وغيره من هؤلاء المتهوِّسين وليدلنا على مواضع الشذوذ والابتداع منها.

يبقى لنا سؤال آخر، هو: إنَّه كيف يُبنى الفقه على تناول الصحابة بالقدح؟ وكيف يكون تناول الصحابة - كلاً أو بعضاً- دليلاً لحكم شرعي؟؟ أنا لا أعلم ذلك، ولا (الفيلسوف) ابن خلدون يعلم هذيانه، ولا أتباع ابن خلدون يعلمون ذلك.

اتِّهام الشيعة بتناول بعض الصحابة هو الذي حمل أقلام أهل السُّنة على أن تنفث السم الزعاف وتتهتَّك بالسباب والشتم، ولا يبالون بأنَّ الرجل منهم قد يزل قلمه زلَّة توجب مروقه من الدين كما مرق ابن خلدون ؛ فإنَّه لم يشتم الشيعة فحسب، بل شتم أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وسفينة النجاة، وباب حِطّة، وأعدال كتاب الله عزَّ وجل.

نعم، لقد اتَّهم الشيعة بتناول بعض الصحابة، وعبثاً نحاول لو أردنا تبرئتهم من هذه التهمة، ونرى الكلام بذلك لغواً بحتاً ؛ فإنَّ هؤلاء المهووسين لا يركنون إلى براءتهم ولو أقمنا على ذلك البراهين الساطعة، إذن، فلندع هذا الباب موصداً، ولكن نريد أن نتعرَّف المدرك لتطاول أهل السُّنة على إخوانهم الشيعة وهينمتهم عليهم، وقذفهم إيَّاهم بكل أنواع الشتم والسب، والحكم عليهم بالكفر وإباحة الأموال والأعراض - كما عرفت عن الشيخ نوح الحنفي - ومهما فتَّشنا عن المدرك لتلك الأحكام القاسية فلا نجد مدركاً سوى ما ينسب إليهم من تناول بعض الصحابة بالقدح، وإن صح أن يكون هذا مدركاً لهذه الأحكام فجدير بأهل السُّنة أن يحكموا بكفر كثير من الصحابة، فإنَّ التاريخ يحفظ لنا على صفحاته أحاديث عن شتم بعض الصحابة لبعض، بل قتل بعضهم لبعض، فهذا التاريخ يحدِّثنا أنَّ عمررضي‌الله‌عنه قال: (قتلني الله إن لم أقتل سعداً)، وقال عن حاطب: منافق، مع أنَّ حاطباً مهاجر بدري، وهمَّ بإحراق بيت فاطمة أو بيوت بني هاشم كما في رواية المسعودي وغيره ونص عليه الشهرستاني في مِلله(ص ٤١)، وحدَّثنا عن كلام سعد بن عبادة وحباب بن المنذر (رضي الله عنهما) وإهانتهما يوم السقيفة للصحابة، وحدَّثنا أنَّ عثمان شتم أبا ذر ونفاه، وأنَّه شتم عمَّاراً وجلده وجلد ابن مسعود، وأنَّ عائشة قالت: أشهد أنَّ عثمان جيفة على الصراط، وقالت: اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً ؛ اقتلوه فقدك كفر.وأنَّ معاوية شتم أبا ذر، وأنَّه أول مَن أعلن سبَّ أمير المؤمنين والحسن والحسين وابن عبَّاس حتى صار الشتم والسب سُنَّة تبعه عليه علوج بني أُمية وأشياعهم، وأنَّه دسَّ السمَّ لسبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٨٠