استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 384
المشاهدات: 156527
تحميل: 7170


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156527 / تحميل: 7170
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال الشمس ابن الجزري : كذا وقع هذا الحديث من المسلسلات السعيدة والعهدة فيه على البلاذري ) .

ترجمة وليّ الله الدهلوي

هو : وليّ الله بن عبد الرحيم الدهلوي المتوفّى سنة ١١٨٠ ، قال في معجم المؤلفين ٤/٢٩٢ : فقيه ، أُصولي ، محدّث ، مفسّر .

مع الأعور الواسطي

وبما ذكرنا يظهر عداء الأعور الواسطي لأهل البيتعليهم‌السلام ، فإنّه مضافاً إلى إنكاره وجود الإمام المهدي بن الحسن العسكري وإمامته ، يردُّ على تسميته بصاحب الزمان ويجعلها من الفسوق ، حيث يقول في (رسالته ) .

( أكبر الفسوق تسمية هذا المفقود بصاحب الزمان ، ولا صاحب للزمان غير الله تعالى ، ما أجرأهم على الله ) !!

مع ابن حجر المكي

وابن حجر المكّي ـ أيضاً ـ عاند الحق ، وتكلّم في أهله حيث قال في (الصواعق ) :

( ثمّ المقرّر في الشريعة المطهّرة أنّ الصغير لا تصحّ ولايته ، فكيف ساغ لهؤلاء الحمقى المغفّلين أن يزعموا إمامة من عمره خمس سنين ، وأنّه أُوتي الحكم صبيّاً ، مع أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يخبر به ، ما ذلك إلاّ مجازفةً وجرأةً على الشريعة الغَرَّاء .

قال بعض أهل البيت : وليت شعري من المخبر لهم بهذا ؟ وما طريقه ؟

ولقد صاروا بذلك وبوقوفهم بالخيل على ذلك السرداب وصياحهم بأن يخرج إليهم ضحكة لأُولي الألباب .

١٨١

ولقد أحسن القائل :

ما آن للسّرداب أن يلد الذي

كـلّمتموه بـجهلكم ما آنا

فـعلى عقولكم العفاء فإنّكم

ثـلّثتم الـعنقاء والـغيلانا

وقد قال ابن حجر بترجمة الإمام الحسن العسكري :

( ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة ، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة ، ويسمّى القائم المنتظر ، قيل : لأنّه ستر بالمدينة وغاب فلم يعلم أين ذهب )(١) .

أقول :

لقد أرسل بعض الناصبة من أهل بغداد هذا الشعر إلى النجف الأشرف ، فانبرى للجواب عنه الشيخ ميرزا حسين النوري الطبرسي بكتاب (كشف الأستار عن الإمام الغائب عن الأبصار ) ثمّ نظم غير واحدٍ من العلماء الأعلام مطالب هذا الكتاب في أشعارٍ لهم جواباً عن الشعر المذكور ، منهم : الشيخ محمّد جواد البلاغي ، والسيّد محسن الأمين العاملي ، والشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء ...

ثمّ إنّ العلماء الذين ذكرهم السيّد هم عدّة من وقف على كتبهم ، ولكنّ من يقول بمقالة الشيعة الإماميّة في موضوع الإمام الثاني عشر من أكابر أهل السنّة في مختلف العلوم والفنون كثيرون ، ومنهم الذين أضافهم حفيد السيّد في كتابه (الإمام الثاني عشر ) وهم :

١ ـ الشيخ محي الدين ابن عربي ، المتوفّى سنة ٦٣٨ .

٢ ـ رشيد الدين الدهلوي الهندي ، المتوفّى سنة ١٢٤٣ .

٣ ـ صلاح الدين الصفدي ، المتوفّى سنة ٧٦٤ .

٤ ـ الشيخ العطّار النيسابوري ، المتوفّى سنة ٦١٨ .

٥ ـ الشيخ صدر الدين أبو المجامع الحمويني ، المتوفّى سنة ٧٢٣ .

ـــــــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢/٤٨٣ .

١٨٢

ثمّ إنّا قد استدركنا عليه في طبعته النجفيّة عام ١٣٩٣ بأعلامٍ آخرين من أهل السنّة في مختلف القرون ، وهم :

١ ـ الحافظ أحمد بن محمّد البلاذري البغدادي ، المتوفّى سنة ٢٧٩ .

٢ ـ الحافظ أو محمّد الحسين بن مسعود البغوي ، المتوفّى سنة ٥١٦ .

٣ ـ الحافظ شمس الدين ابن الجزري ، المتوفّى سنة ٨٣٣ .

٤ ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ، المتوفّى سنة ٩١١ .

٥ ـ أبو عبد الله ابن الخشاب ، المتوفّى سنة ٥٦٧ .

٦ ـ المؤرّخ ابن الأزرق ، المتوفّى سنة ٥٩٠ .

٧ ـ المؤرّخ ابن خلكان ، المتوفّى سنة ٦٨١ .

٨ ـ المؤرّخ الشيخ ابن الوردي ، المتوفّى سنة ٧٤٩ .

٩ ـ الحافظ أبو بكر البيهقي ، المتوفّى سنة ٤٥٨ .

١٠ ـ الحافظ أبو الفتح ابن أبي الفوارس ، المتوفّى سنة ٤١٢ .

١١ ـ الشيخ علي القاري الهروي ١٠١٤ .

١٢ ـ الحسين بن معين الدين الميبدي ، شارح ديوان الإمام علي ، المتوفّى سنة ٨٧٠.

١٣ ـ الشيخ عبد الله المطيري صاحب كتاب (الرياض الزاهرة ) .

١٤ ـ الشيخ سعد الدين الحموي ٦٥٠ .

١٥ ـ جلال الدين محمّد الرومي العارف المشهور بالمولوي ٦٢٨ .

١٦ ـ شمس الدين التبريزي ، المتوفّى في منتصف القرن السابع الهجري .

١٧ ـ الشيخ عبد الرحمان البسطامي ٨٥٨ .

١٨ ـ السيد النسيمي ٩٠١ .

١٩ ـ الشيخ صدر الدين القونوي ٦٧٢ .

٢٠ ـ الشيخ حسن العراقي ، أوائل القرن الحادي عشر .

٢١ ـ الشيخ علي الخواص .

٢٢ ـ السيّد مؤمن بن حسن الشبلنجي ١٢٩٠ .

١٨٣

٢٣ ـ الشيخ حسن العدوي الحمزاوي صاحب (مشارق الأنوار ) المتوفّى سنة ١٣٠٣ .

٢٤ ـ المولى محمّد الشهير بابن بدر الدين الرومي ، شيخ الحرم المدني ، المتوفّى سنة ١٠٠١ .

٢٥ ـ الشيخ سليمان بن أحمد القندوزي الحنفي ، المتوفّى سنة ١٢٩٤ .

التجسيم والمجسّمة

قد ينسب في بعض الكتب إلى الفرقة المحقّة القول بالتجسيم ، وإلى خصوص هشام بن الحكم ، والقول بأنّه سبعة أشبار بشبر نفسه وهذا افتراء محض عليه وعلى الطائفة ، وتعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.

تبرئة الشهرستاني هشام بن الحكم

ولقد أحسن الشهرستاني ، وهو من أعلام علماء أهل السنّة ، حيث ردَّ على الكعبي نسبة القول بذلك إلى هشام ، فقد جاء في (الملل والنحل ) ما نصّه :

( حكى الكعبي عن هشام بن الحكم أنّه قال : هو جسم ذو أبعاض ، له قدر من الأقدار ولكن لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا تشبهه ونقل عنه أنّه قال : هو سبعة أشبار بشبر نفسه )(١) .

ثمّ قال بعد كلامٍ له :

( وهذا هشام بن الحكم صاحب غورٍ في الأُصول ، لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة ، فإنّ الرجل وراء ما يلزمه على الخصم ودون ما يظهره من التشبيه ، وذلك أنّه ألزم العلاّف فقال : إنّك تقول إنّ الباري تعالى عالم بعلم وعلمه ذاته ، فيشارك المحدثات في أنّه عالم بعلم ويباينها في أنّه علمه ذاته ، فيكون عالماً لا كالعالمين ، فلم لا تقول هو جسم لا كالأجسام ، وصورة لا

ـــــــــــــــــ

(١) الملل والنحل ١ : ١٨٤ .

١٨٤

كالصّور ، وله قدر لا كالأقدار ، إلى غير ذلك )(١) .

ترجمة الشهرستاني

وأبو الفتح عبد الكريم الشهرستاني الفقيه ، المتكلّم ، صاحب التصانيف ، من أعلام العلماء المحققين عند القوم :

قال اليافعي في (مرآة الجنان ) :

( أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني ، المتكلّم على مذهب الأشعري ، كان إماماً مبرّزاً فقيهاً متكلّماً ، تفقّه على أبي نصر القشيري وأحمد الخوافي وغيرهما ، وبرع في الفقه ، وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري وتفرّد فيه ، وصنّف كتباً منها : نهاية الإقدام في علم الكلام ، وكتاب الملل والنحل ، وتلخيص الأقسام لمذاهب الأنام ، وكان كثير المحفوظ ، حسن المحاورة )(٢) .

وعلى الجملة ، فإنّ نسبة هذا القول الباطل إلى الفرقة المحقّة أو خصوص هشام باطلة ، والناسب كاذب ولا حاجة إلى إطالة الكلام في ذلك ، وقد بحث عنه بالتفصيل في محلّه .

ـــــــــــــــــ

(١) الملل والنحل ١ : ١٨٥ .

(٢) مرآة الجنان ٣ : ٢٢١ ـ ٢٢٢ السَّنة : ٥٤٨ .

١٨٥

المجسّمون من أهل السنّة

ولكنّ العجب من هؤلاء ، كيف يغفلون أو يتغافلون عن القائلين بهذه المقالة في صفوف علمائهم وهم كثيرون :

ابن تيميّة وابن القيّم

فابن تيميّة ، قد ثبت عنه القول بذلك :

قال ابن حجر المكّي في (أشرف الوسائل في شرح الشمائل ) في ذكر إرخاء العمامة على الكتفين :

( قال ابن القيّم عن شيخه ابن تيميّة إنّه ذكر شيئاً بديعاً وهو : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا رأى ربّه واضعاً يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة .

قال العراقي : ولم نجد لذلك أصلاً ، بل هذا من قبيل رأيهما وضلالهما ، إذ هو مبنيٌّ على ما ذهبا إليه ، وأطالا في الاستدلال له والحطّ على أهل السنّة في نفيهم له ، وهو إثبات الجهة والجسميّة لله ، تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً ، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ، ما يصمّ عنه الآذان ويقضى عليه بالزور والكذب والضلال والبهتان ، قبّحهما الله وقبّح من قال بقولهما ، والإمام أحمد وأجلاّء مذهبه مبرّؤون عن هذه الوصمة القبيحة ، كيف وهي كفرٌ عند كثيرين ) .

وقال الجلال الدواني في (شرح عقائد العضدي ) :

 ( ولابن تيميّة أبي العبّاس أحمد وأصحابه ميل عظيم إلى إثبات الجهة ومبالغة في القدح في نفيها ، ورأيت في بعض تصانيفه أنّه لا فرق عند بديهة العقل بين أن يقال هو معدوم أو يقال طلبته في جميع الأمكنة فلم أجده ، ونسب النافين إلى التضليل ، هذا مع علوّ كعبه في العلوم النقليّة والعقليّة ، كما يشهد به من تتبّع تصانيفه ) .

١٨٦

وقال المفتي صدر الدين ، وهو من أكابر فضلاء السنّة في الهند في رسالته (منتهى المقال ) التي قرّظها علماؤهم بتقريظات عديدة :

( قال شيخ الأُمّة الهمام ، سند المحدّثين الشيخ محمّد البريسي ، في كتابه إتحاف أهل العرفان برؤية الأنبياء والملائكة والجان : قد تجاسر ابن تيميّة الحنبلي ـ عامله الله تعالى بعدله ـ وادّعى أنّ السفر لزيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرام ، وإنّ الصلاة لا تقصر فيه لعصيان المسافر به ، وأطال في ذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر منه الطباع ، وقد عاد شؤم كلامه عليه حتّى تجاوز الجناب الأقدس المستحق لكلّ كمال أنفس ، وخرق سياج الكبرياء والجلال ، وحاول إثبات منافي العظمة والكمال ، بادّعائه الجهة والتجسيم ، ونسبة من لم يعتقدهما إلى الضلالة والتأثيم ، وأظهر هذا الأمر على المنابر ، وشاع وذاع ذكره بين الأكابر والأصاغر ، وخالف الأئمّة المجتهدين في مسائل كثيرة ، استدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة ، فسقط من أعين علماء الأُمّة ، وصار مثلة بين العوام فضلاً عن الأئمّة ، وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة ، وزيّفوا حججه الداحضة الكاسدة ، وأظهروا عور سقطاته وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته ) .

وهذه بعض الجُمل الواردة في المنشور السلطاني في ابن تيمية :

 ( وكان الشقيّ ابن تيميّة في هذه المدّة قد بسط لسان قلمه ومدَّ عنان كلمه ، وتحدّث في مسائل القرآن والصفات ، ونصّ في كلامه على أُمورٍ منكرات ، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون ، وفاه بما يمجّه السلف الصالحون ، وأتى في ذلك بما أنكره أئمّة الإسلام ، وانعقد على خلافه إجماع العلماء الأعلام ، واشتهر من فتاواه في البلاد ما استخفّ به عقول العوام ، وخالف في ذلك علماء عصره وفقهاء شامه ومصره ، وبعث رسائله إلى كلّ مكان ، وسمّى كتبه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، ولمّا اتّصل بنا ذلك من سلكه من هذه المسالك وأظهروه ، من هذه الأحوال وأشاعوه ، وعلمنا أنّه استخفّ قومه فأطاعوه ، حتّى اتّصل بنا أنّهم صرّحوا في حقّ الله بالحرف والصوت والتجسيم ، فقمنا في حقّ الله تعالى مشفقين من هذا النبأ العظيم ) .

إلى آخر المنشور الطويل ، المثير لأوليائه العويل ، الهادم لأساس فخرهم الجزيل ومجدهم الأثيل .

١٨٧

بل قال ابن تيمية بقِدَم العرش ، فأثبت للباري شريكاً في الأزليّة ، كما ذكر الدوّاني في (شرح العقائد ) بذكر القِدَم الجنسي للعالم :

( وقد قال به بعض المحدّثين المتأخّرين ، وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيميّة القول به في العرش ) .

وقال المولوي عبد الحليم ـ من علماء الهند ـ في حاشية شرح العقائد المسماة (حلّ المعاقد ) :

( كان تقيّ الدين ابن تيميّة حنبليّاً ، لكنّه تجاوز عن الحدّ وحاول إثبات ما ينافي عظمة الحقّ تعالى وجلاله ، فأثبت له الجهة والجسم ، وله هفوات أُخر كما يقول : إنّ أمير المؤمنين سيّدنا عثمانرضي‌الله‌عنه كان يحبّ المال ، وإنّ أمير المؤمنين سيّدنا عليرضي‌الله‌عنه ما صحّ إيمانه ؛ فإنّه آمن في حال صباه ، وتفوّه في حقّ أهل بيت النبيّ ( صلّى الله عليه وعليهم ) ما لا يتفوّه به المؤمن المحقّ ، وقد ورد الأحاديث الصحاح في مناقبهم في الصحاح .

وانعقد مجلس في قلعة حبل ، حضر العلماء الأعلام والفقهاء العظام ، ورئيسهم كان قاضي القضاة زين الدين المالكي ، وحضر ابن تيميّة ، فبعد القيل والقال ، بهت ابن تيميّة وحكم قاضي القضاة بحبسه ، وكان ذلك سنة سبع مائة وخمس من الهجرة ، ثمّ نودي بدمشق وغيره : من كان على عقيدة ابن تيميّة حلَّ ماله ودمه ؛ كذا في مرآة الجنان للإمام أبي محمّد عبد الله اليافعي ، ثمّ تاب وتخلّص من السجن سنة سبع مائة وسبع من الهجرة ، وقال : إنّي أشعريّ ، ثمّ نكث عهده وأظهر مكنونه ومرموزه ، فحبس حبساً شديداً مرّةً ثانية ، ثمّ تاب وتخلّص من السجن وأقام في الشام ، وله هناك واقعات كتبت في كتب التواريخ .

وردّ أقاويله وبيّن أحواله الشيخ ابن حجر في المجلّد الأوّل من الدرر الكامنة ، والذهبي في تاريخه ، وغيرهما من المحقّقين .

١٨٨

هذا كلام وقع في البين والمرام أنّ ابن تيميّة لمّا كان قائلاً بكونه تعالى جسماً قال بأنّه ذو مكان ، فإنّ كلّ جسمٍ لابدّ له من مكان على ما ثبت ، ولما ورد في الفرقان الحميد( الرّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) قال : إنّ العرش مكانه ، ولمّا كان الواجب أزليّاً عنده وأجزاء العالم حوادث عنده ، فاضطرّ إلى القول بأزليّة جنس العرش وقدمه ، وتعاقب أشخاصه الغير المتناهية ، فمطلق التمكّن له تعالى أزليّ ، والتمكّنات المخصوصة حوادث عنده ، كما ذهب المتكلّمون إلى حدوث التعلّقات ) .

وهذا نصّ كلام الحافظ ابن حجر بترجمة ابن تيمية من (الدرر الكامنة ) : ( وافترق الناس فيه شيعاً :

فمنهم : من نسبه إلى التجسيم ، لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطيّة وغيرهما من ذلك ، بقوله : إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله ، وإنّه مستوٍ على العرش بذاته ، فقيل له : يلزم من ذلك التحيّز والانقسام ، فقال : أنا لا أسلّم إنّ التحيّز والانقسام من خواصّ الأجسام ، فأُلزم بأنّه يقول بالتحيّز في ذات الله .

ومنهم : من ينسبه إلى الزندقة ؛ لقوله إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستغاث به ، وإنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان أشدّ النّاس عليه في ذلك النور البكري ، فإنّه لمّا عُقِدَ له المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين : يعزّر ، فقال البكري : لا معنى لهذا القول ، فإنّه إن كان تنقيصاً يقتل ، وإن لم يكن تنقيصاً لا يعزّر .

ومنهم : من ينسبه إلى النفاق ، لقوله في عليّ ما تقدّم ، ولقوله إنّه كان مخذولاً حيث ما توجّه ، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها ، وإنّما قاتل للرياسة لا للديانة ، ولقوله : إنّه كان يحبّ الرياسة ، وإنّ عثمان كان يحبّ المال ، ولقوله : أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول ، وعليّ أسلم صبيّاً والصبيّ لا يصحّ إسلامه على قول ، ولكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل وما نسبه من الثناء على قصّة أبي العاص بن الربيع وما يُؤخذ من مفهومها ، فإنّه شنّع في ذلك فألزموه بالنفاق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يبغضك إلاّ منافق ) .

١٨٩

ونسبه قوم إلى أنّه يسعى في الإمامة الكبرى ، فإنّه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه ، فكان ذلك مولّداً لطول سجنه وله وقائع شهيرة ، وكان إذا حوقق وأُلزم يقول لم أرد هذا إنّما أردت كذا ، فيذكر احتمالاً بعيداً )(١) .

بعض شيوخ الحديث

وبعض شيوخ أهل الحديث ـ أيضاً ـ ذهب إلى هذا القول الفاسد ، فقد قال البيهقي في كتاب (الأسماء والصفات ) :

( وقد زلّ بعض شيوخ أهل الحديث ، ممّن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال ، فحاد عن هذه الطريقة حين روى حديث النزول ، ثمّ أقبل على نفسه ، فقال : إن قال قائل كيف ينزل ربّنا إلى السماء ؟

قيل له : ينزل كيف يشاء

فإن قال : هل يتحرّك إذا نزل ؟

فقال : إن شاء تحرّك وإن شاء لم يتحرّك .

وهذا خطأ فاحش عظيم ، والله تعالى لا يوصف بالحركة ؛ لأنّ الحركة والسكون يتعاقبان في محلٍّ واحد ، وإنّما يجوز أن يُوصف بالحركة من يجوز أن يُوصف بالسكون ، وكلاهما من أعراض الحدث وأوصاف المخلوقين ، والله تبارك وتعالى متعال عنهما ليس كمثله شيء )(٢) .

الذهبي

والذهبي ، الذي يُعدّ من أكابر حفّاظهم المحققين ، هذا مذهبه ، كما نصّ على ذلك علماؤهم الأعلام ، كالسبكي في (طبقات الشافعية ) حيث قال :

( وأمّا تاريخ شيخنا الذهبي غفر الله له ، فإنّه على جمعه وحسنه مشحونٌ بالتعصّب المفرط لا واخذه الله ، فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين أعني الفقراء الذين هم صفوة الخلق ، واستطال بلسانه على كثير من الأئمّة الشافعيين

ـــــــــــــــــ

(١) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ١ : ١٥٥ ـ ١٥٦ .

(٢) الأسماء والصفات للبيهقي ٣ : ٦١٥ ـ ٦١٦ .

١٩٠

والحنفيين ، ومال فأفرط على الأشاعرة ، ومدح فزاد في المجسمة ، هذا وهو الحافظ المِدْرَه والإمام المبجّل )(١) .

وقال السبكي أيضاً :

( ونقلت من خطّ الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي (رحمه‌الله ) ما نصّه : الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا شكّ في دينه وورعه وتحرّيه فيما يقوله في الناس ، ولكنّه غلب عليه مذهب الإثبات ومنافرة التأويل والغفلة عن التنزيه ، حتّى أثّر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً عن أهل التنزيه وميلاً قويّاً إلى أهل الإثبات ، فإذا ترجم واحداً منهم يطنب في وصفه ، بجميع ما قيل فيه من المحاسن ، ويبالغ في وصفه ويتغافل عن غلطاته ويتأوّل له ما أمكن ، وإذا ذكر أحداً من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحوهما ، لا يبالغ في وصفه ويكثر من قول مَن طعن فيه ، ويعيد ذلك ويبديه ويعتقده ديناً وهو لا يشعر ، ويُعرض عن محاسنهم الطافحة فلا يستوعبها ، وإذا ظفر لأحدٍ منهم بغلطةٍ ذكرها ، وكذلك فعله في أهل عصرنا إذا لم يقدر على أحدٍ منهم بتصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ، ونحو ذلك ، وسببه المخالفة في العقائد ، إنتهى .

والحال في حقّ شيخنا الذهبي أزيد ممّا وصف ، وهو شيخنا ومعلّمنا ، غير أنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع )(٢) .

وقال السبكي في (طبقاته ) :

( اعلم أنّ أبا إسماعيل عبد الله بن محمّد الهروي ، الذي يسمّيه المجسّمة

ـــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعية للسبكي ٢ : ٢٢ .

(٢) طبقات الشافعية للسبكي ٢ : ١٣ .

١٩١

شيخ الإسلام قال : سألت يحيى بن عمّار عن ابن حبّان قلت : رأيته ؟

قال : وكيف لم أره )(١) .

ولا يخفى أنّ مراده من (المجسّمة ) هو (الذهبي ) ، فهو الذي وصفه بـ (شيخ الإسلام ) كما في (ميزان الاعتدال ) حيث قال :

( قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام سألت يحيى بن عمّار عن أبي حاتم )(٢) .

أبو القاسم ابن مندة

وابن مندة ـ أيضاً ـ من القائلين بثبوت الجهة للباري عزّ وجل ، فقد قال اليافعي في (مرآة الجنان ) :

( الحافظ أبو القاسم عبد الرحمان بن مندة الأصبهاني صاحب التصانيف ، كان ذا هيبةٍ ووقار ، وله أصحاب وأتباع

قال الذهبي : وفيه تسنّن مفرط ، أوقع بعض العلماء في الكلام في معتقده وتوهّموا فيه التجسيم ، قال : وهو بريء منه فيما علمت ، ولكن لو قصّر من شأنه لكان أولى به .

قلت : وكلام الذهبي هذا يحتاج إلى إيضاح ، فقوله : فيه تسنّنٌ مفرط ، أي يبالغ في الأخذ بظواهر السنّة والاستدلال بها وجحد حملها فيه التجسيم ؛ لأنّ الجري على اعتقاد الظواهر ومنع التأويل فيها يدلّ على ذلك ، والكلام فيه يطول ، وقد أوضحت ذلك في الأُصول

وقوله : لو قصّر من شأنه لكان أولى به ، أي لو ترك المبالغة في التظاهر بذلك والاستشهار به لكان أولى

وأمّا قوله : وهو بريء منه ، فشهادة على أمرٍ باطل والله أعلم بحقيقته ، وغاية ما ثمَّ أنّه ما

ـــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعية للسبكي ٣ : ١٣٢ .

(٢) ميزان الاعتدال ٦ : ٩٩/٧٣٥٢ .

١٩٢

يصرّح بالتجسيم بلسانه لكنّه يقول بالجهة ، وأسلم ما في ذلك أنّه يلزم منه القول بالتجسيم ، وفي ملزوم المذهب خلاف مشهور عند العلماء ، هل هو مذهب أم لا ؟

هذا إذا اقتصر على اعتقاد الجهة ، فأمّا إذا اعتقد الحركة والنزول والجارحة فصريح في التجسيم )(١) .

ولا تتوهَّمن أن هذه المقالات الفاسدة إنّما قال بها المتأخّرون من تلقاء أنفسهم ، فإنّهم قد تبعوا فيها أسلافهم ...

جماعة من القدماء

فإنّ ذلك مذهب جماعة من القدماء فقد قال في (الملل والنحل ) بعد ذكر مذهب أحمد بن حنبل وأمثاله من منع تأويل الآيات الدالّة على التشبيه :

( وليس ـ أي هذا المذهب ـ من التشبيه في شيء ، غير أنّ جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشويّة صرّحوا بالتشبيه ، مثل الهشامين من الشيعة ، ومثل مضر وكهمس وأحمد الهجيمي وغيرهم من أهل السنّة قالوا : معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض روحانيّة وجسمانيّة ، ويجوز عليه الانتقال والصعود والنزول والاستقرار والتمكّن .

فأمّا مشبّهة الشيعة ، فسيأتي مقالاتهم في باب الغلاة .

وأمّا مشبّهة الحشويّة ، فقد حكى الأشعري عن محمّد بن عيسى أنّه حكى عن مضر وكهمس وأحمد الهجيمي أنّهم أجازوا على ربّهم الملامسة والمصافحة ، وإنّ المخلصين من المسلمين يعانقونه في الدنيا والآخرة ، إذا بلغوا في الرياضة والإجتهاد إلى حدّ الإخلاص والإتحاد المحض ، وحكى الكعبي عن بعضهم أنّه كان يُجوّز الرؤية في الدنيا وأن يزوره ويزورهم

ـــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان وعبرة اليقظان ٣ : ٧٦ ـ ٧٧ ترجمة الحافظ أبي القاسم عبد الرحمان بن مندة .

١٩٣

ويحكى عن داود الجواربي أنّه قال : أعفوني عن اللّحية والفرج ، وسلوني عمّا وراء ذلك ، وقال : إنّ معبوده جسم ولحم ودم ، وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأُذنين ، وهو مع ذلك جسم لا كالأجسام ، ولحم لا كاللحوم ، ودم لا كالدماء ، وكذلك سائر الصفات ، وهو لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء

وحكي أنّه قال : هو أجوفٌ من أعلاه إلى صدره ومصمّت ما سوى ذلك ، وأنّ له وفرةً سوداء ، وله شعر قطط .

وأمّا ما ورد في التنزيل من الاستواء واليدين والوجه والرجلين والجنب والمجيء والإتيان والفوقيّة وغير ذلك ، فأجروها على ظاهرها ، يعني ما يُفهم عند الإطلاق على الأجسام ، وكذلك ما ورد في الأخبار من الصورة في قوله : خلق آدم على صورة الرحمان ، وقوله : يضع الجبّار قدمه في النّار ، وقوله : قلب المؤمنين بين إصبعين من أصابع الرحمان ، وقوله : خمّر طينة آدم بيده أربعين صباحاً ، وقوله : فوضع يده أو كفّه على كتفي فوجدت برد أنامله في صدري ، إلى غير ذلك ، أجروها على ما يتعارف في صفات الأجسام )(١) .

أكثر المحدّثين

وهو قول أكثر المحدّثين ، فيما نسب إليهم جلال الدين الدواني في (شرح العقائد ) حيث قال :

( وأكثر المجسّمة هم الظاهريون المتبعون لظواهر الكتاب والسنّة ، وأكثرهم المحدّثون ) .

ونسب ابن الجوزي في (تلبيس إبليس ) ذلك إلى عموم المحدّثين :

( واعلم أنّ عموم المحدّثين حملوا ظاهر ما نقلوا من صفات الباري

ـــــــــــــــــ

(١) الملل والنحل ١ : ١٠٥ ـ ١٠٦ .

١٩٤

سبحانه وتعالى على مقتضى الحسّ فشبّهوا ؛ لأنّهم لم يخالطوا الفقهاء ، فيعرفوا حمل المتشابه على مقتضى المُحْكَم ) .

مقاتل بن سليمان

ومقاتل بن سليمان من القائلين بالتشبيه والتجسيم ، وهو ـ كما في (الملل والنحل ) ـ من أئمّة السلف ، وفي عداد أحمد بن حنبل وأمثاله ، قال الشهرستاني :

( فأمّا أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصبهاني وجماعة من أئمّة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدّمين عليهم من أصحاب الحديث ، كمالك بن أنس ومقاتل بن سليمان ، سلكوا طريق السلامة وقالوا : نؤمن بما ورد به الكتاب والسنّة ، ولا نتعرّض للتأويل )(١) .

وقد ورد قوله بالتجسيم في (المواقف ) حيث قال :

( والمجسّمة قالوا هو جسم حقيقة فقيل : مركّب من لحمٍ ودم ، كمقاتل ابن سليمان )(٢) .

وفي (منهاج السنة ) :

( قال الأشعري في المقالات : وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان : إنّ الله جسم ، وإنّه جثّة وأعضاء وعلى صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم ، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين ، ومع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه )(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) الملل والنحل ١ : ١٠٤ .

(٢) شرح المواقف في علم الكلام ٣ : ٣٨ .

(٣) منهاج السنّة ١ : ٣٧٢ .

١٩٥

وإذا كان الأشعري ينسب ذلك إلى مقاتل ، فلا يصغى إلى تشكيكات بعض الناس .

وأيضاً ، فقد جاء بترجمة مقاتل من (الأنساب ) ما نصّه :

( أبو الحسن مقاتل بن سليمان الخراساني مولى الأزد ، أصله من بلخ ، وانتقل إلى البصرة ، وبها مات بعد قدوم الهاشميّة ، وكان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان مشبّهاً يُشبّه الربّ بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث ، وكان أبو يوسف القاضي يقول : قال أبو حنيفة (رحمه‌الله ) يا أبا يوسف احذر صنفين من خراسان : الجهميّة والمقاتليّة )(١) .

وهكذا في (ميزان الاعتدال ) :

( قال أبو حنيفة : أفرط جهم في نفي التشبيه ، حتّى قال : إنّه تعالى ليس بشيء ، وأفرط مقاتل ـ يعني في الإثبات ـ حتّى جعله مثل خلقه )(٢) .

وفيه : ( قال ابن حبّان : كان يأخذ عن اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان يشبّه الربّ بالمخلوق ، وكان يكذب في الحديث )(٣) .

نعيم بن حمّاد

ومنهم نعيم بن حمّاد قال السمعاني في (الأنساب ) بترجمته :

( يقال له : الفارض ؛ لأنّه يعرف الفرائض وقسمة المواريث معرفة حسنة ،

ـــــــــــــــــ

(١) الأنساب للسمعاني ٢ : ٣٣٧ .

(٢) ميزان الاعتدال ٦ : ٥٠٥/٨٧٤٧ .

(٣) ميزان الاعتدال ٦ : ٥٠٧ .

١٩٦

واشتهر بهذه النسبة حتّى كان يقال له نعيم الفارض ـ إلى أن قال ـ وكان من العلماء ولكنّه ربّما يهمّ ويخطي ومن ينجو من ذلك ؟

ثبت في المحنة حتّى مات في الحبس ، وسمع منه حمزة الكاتب في الحبس ، وكان قد امتنع عن القول بخلق القرآن ، وكان يقول : أنا كنت جهميّاً فلذلك عرفت كلامهم ، فلمّا طلبت الحديث علمت أنّ أمرهم يرجع إلى التعطيل )(١) .

وقال الذهبي بترجمته في ( ميزان الاعتدال ) :

( نعيم بن حمّاد الخزاعي المروزي ، أحد الأئمّة الأعلام ، على لين في حديثه

قال الخطيب : يقال : إنّ نعيم بن حمّاد أوّل من جمع المسند .

وقال الحسين بن حبّان : سمعت يحيى بن معين يقول : نعيم بن حمّاد صدوق وأنا أعرف الناس به ، وكان رفيقي في البصرة ، كتب عن روح بن عبادة خمسين ألف حديث وكذا وثّقه أحمد .

وروى إبراهيم بن الجنيد عن ابن معين : ثقة .

وقال أحمد العجلي : ثقة صدوق .

وقال العبّاس بن مصعب في تاريخه : نعيم بن حمّاد وضع كتباً في الردّ على الجهميّة ، وكان من أعلم النّاس بالفرائض .

وقال الحافظ أبو علي النيسابوري : سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حمّاد وتقدّمه في العلم ومعرفة السنن )(٢) .

وأمّا قوله بالتجسيم ، فقد حكاه ابن الجوزي في (تلبيس ابليس ) فإنّه قال :

ـــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٤ : ٣٣٣ .

(٢) ميزان الاعتدال ٧ : ٤١ ـ ٤٢/٩١٠٩ .

١٩٧

 ( قال أبو يحيى : وقد حكى كثير من المتكلّمين : أنّ مقاتل بن سليمان ونعيم بن حمّاد وداود الجواربي ، يقولون : إنّ الله صورة وأعضاء ، أفترى هؤلاء كيف يثبتون له القدم دون الآدميّين ، ولم لا يجوز عليه عندهم ما يجوز على الآدميّين ، من مرضٍ وتلف ) إلى آخر ما أفادو وأجاد(١) .

وقال الخطيب :

( نعيم بن حمّاد بن معاوية بن الحارث ، أبو عبد الله الخزاعي ، الأعور المروزي ، كان قد سكن مصر ، ولم يزل مقيماً حتّى أُشخص للمحنة في القرآن إلى سرّ من رأى في أيّام المعتصم ، فسُئل عن القرآن فأبى أن يجيبهم إلى أنّ القرآن مخلوق ، فسُجن إلى أن مات في السجن ، سنة ثمان وعشرين ومائتين ، وأُلقي في حفرةٍ ، ولم يكفّن ولم يُصلَّ عليه .

وروى مسنداً إلى مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أُمّ الطّفيل قالت : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكر إنّه رأى ربّه تعالى في المنام في أحسن صورة ، شابّاً موفّراً ، رجلاه في خصر عليه نعلان من ذهب ، على وجهه فراش من ذهب .

وروى الخطيب عقيب هذا الخبر عن نعيم بإسناده يرفعه، قال : سمعت أبا عبد الرحمان النسوي يقول : ومن مروان بن عثمان حتّى يصدّق على الله عزّ وجلّ ؟

وقال صالح بن محمّد : إنّ نعيماً كان يحدّث من حفظه ، وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها )(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) تلبيس إبليس : ١٠٠ .

(٢) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠٦ ـ ٣١٤ ملخّصاً .

١٩٨

البـداء

اعلم :

أنّ علماء الطائفة المحقّة قد ذكروا في كتبهم العقيدة بالبداء ، وبيّنوا أدلَّتها العقليّة والنقليّة ، لكنَّ بعض الناس لمّا جهلوا بهذه الحقيقة ولم يطّلعوا على أدلّتها ، جعلوا يشنّعون علينا ، وينسبون إلينا القول بعروض الندم أو الجهل على الباري ، عزّ وجلّ وتعالى عمّا يقول الظّالمون علوّاً كبيراً ...

فرأينا من المناسب التعرّض لهذا المطلب بإيجاز ، رفعاً للشبهة ودفعاً للتهمة وأُسوةً بعلمائنا الأبرار الذين وضعوا رسائل مفردة في هذه المسألة ، تبييناً للعقيدة ودفاعاً عن المذهب .

وأمّا من يتفوّه بذلك وهو عالم بواقع الحال ، ففي قلبه مرضٌ لا يمكننا علاجه ، ونكل أمره إلى الله ، وكفى به حسيباً ...

هذا ، وسيكون بحثنا في مقامات :

أحدها :

في نقل كلام الشيخ المجلسي وجماعة من علمائنا .

والآخر :

في نقل روايات من طرق أهل السنّة متضمّنة للتغيير والتبديل في المقدّرات الإلهيّة ، وهي عين مفاد أحاديث البداء .

والثالث :

في ذكر موارد وقوع البداء في كتب الجمهور .

١٩٩

كلام الشيخ المجلسي وسائر علمائنا الأعلام

قال العلامة الشيخ محمّد باقر المجلسي صاحب (بحار الأنوار ) بعد رواية نبذةٍ من أحاديث البداء وأقوال العلماء فيه :

( ولنذكر ما ظهر لنا من الآيات والأخبار بحيث تدلّ عليه النصوص الصريحة ، ولا تأبى عنه العقول الصحيحة ، فنقول وبالله التوفيق :

إنّهمعليهم‌السلام إنّما بالغوا في البداء ؛ ردّاً على اليهود الذين يقولون : إنّ الله قد فرغ من الأمر والنظام ، وبعض المعتزلة الذين يقولون : إنّ الله خلق الموجودات دفعةً واحدةً على ما هي عليه الآن ، معادن ونباتاً وحيواناً وإنساناً ، ولم يتقدّم خلق آدم على خلق أولاده ، والتقدّم إنّما يقع في ظهورها لا في حدوثها ووجودها ، وإنّما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة ، وعن بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكيّة ، وبأنّ الله تعالى لم يؤثّر حقيقةً إلاّ في العقل الأوّل ، فهم يعزلونه تعالى عن ملكه ، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء .

فنفواعليهم‌السلام ذلك ، وأثبتوا أنّه تعالى كلّ يوم في شأنٍ ، من إعدام شيء وإحداث آخر ، وإماتة شخص وإحياء آخر إلى غير ذلك ، لئلاّ يترك العباد التضرّع إلى الله ومسألته وطاعته ، والتقرّب إليه بما يصلح أُمور دنياهم وعقباهم ، وليرجوا عند التصدّق على الفقراء وصلة الأرحام وبرّ الوالدين والمعروف والإحسان ما وُعِدوا عليها ، من طول العمر وزيادة الرزق ، وغير ذلك .

ثمّ اعلم : أنّ الآيات والأخبار تدلّ على أنّ الله تعالى خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات :

أحدهما : اللّوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلاً ، وهو مطابق لعلمه تعالى .

٢٠٠