استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 384
المشاهدات: 156354
تحميل: 7160


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156354 / تحميل: 7160
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

استخراج المرام

من

استقصاء الإفحام

للعلم الحجّة آية الله

السّيّد حامد حسين اللّكهنوي

بحوث وردود

تأليف

السيّد علي الحسيني الميلاني

القسم الأوّل ـ العقائد

١

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

كلمة المؤلّف

الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على خير خلقه محمّدٍ وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأوّلين والآخرين .

وبعد :

فإنّ كتاب (استقصاء الإفحام ) من مؤلّفات آية الله المجاهد ، والمحقّق الفذ ، والقدوة الرائد ( السيّد مير حامد حسين النيسابوري اللكهنوي ) الملقّب بـ (صاحب عبقات الأنوار ) كتاب لم يُصنّف مثله في بابه ، وقد كنت سمعت به منذ أنْ تعرَّفت على كتاب ( العبقات ) وعلى مؤلّفه الجليل ، وذلك لمّا زار المحقّق الحجّة والعلاّمة الكبير المرحوم السيّد محمّد سعيد نجل آية الله السيّد ناصر حسين نجل السيّد (صاحب العبقات ) كربلاء المقدّسة ، ونزل ضيفاً على سيّدي الوالد آية الله السيّد نور الدين الميلاني ، قبل حوالي أربعين سنة ...

لقد حدّثني السيّد السعيد ـرحمه‌الله ـ عن آبائه وآثارهم ، وشرح لي كثيراً من مآثرهم وأخبارهم ، وعرّفني بكتبهم وأسفارهم ، ثمّ رغّبني في مشروع كتاب (العبقات ) وشرعت بذلك من ذلك الوقت وكانت (النفحات )(١) .

وكان كتاب (استقصاء الإفحام ) من جملة الكتب التي تحدّث عنها ،

ـــــــــــــــــ

(١) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار طبع في ٢٠ جزء .

٢

     

لا سيّما وأنّه كان قد ألّف في النجف الأشرف ، عندما كان يدرس في حوزتها العلميّة الكبرى ، كتاب (الإمام الثاني عشر ) ـ الذي استفاد فيه كثيراً من (استقصاء الإفحام ) ـ واقترح عليّ إعادة طبعه ، فوُفّقت لذلك مع تعاليق وإضافات ثمينة ، والحمد لله(١) .

ثمّ رأيت أكابر الطائفة ، يذكرون (استقصاء الإفحام ) في تقاريظهم لمؤلّفات (صاحب العبقات ) ، ووجدت جماعةً من العلماء الأعلام ينقلون عنه ويستندون إليه في مؤلّفاتهم المختلفة ...

وهكذا ازداد شوقي إلى (استقصاء الإفحام ) ، إلى أن وقفت عليه قبل أعوام ، وقرأته من أوّله إلى آخره ، فألفيته مثل ( العبقات ) في البحث والتحقيق والمتانة ، وفي القوّة والدقّة والرصانة ، وإنْ لم يشتهر كاشتهاره .

فعزمت على إخراج مطالبه التي لم يسبق إليها أحدٌ من أعلامنا الماضين ، وكان عيالاً عليه فيها كثير من علمائنا المتأخّرين ، وانتهزت لذلك فرص العطل ، وواصلت العمل بلا ملل ، حتّى وفقني الله عزّ وجلّ ، لتنظيم فرائده ، وترتيب فوائده ، فجاءت في أربعة أبواب وملحقاتٍ وخاتمة .

فالباب الأوّل : في المسائل الإعتقاديّة .

والباب الثاني : في التفسير والمفسّرين .

والباب الثالث : في الصّحاح الستّة وأصحابها .

والباب الرابع : في أئمّة المذاهب الأربعة .

أمّا الملحقات : فهي بحوثّ في ( مسائل فقهيّة ) وفي ( القياس ) و( الاستحسان ) .

ـــــــــــــــــ

(١) طُبع كتاب ( الإمام الثاني عشر ) في النجف الأشرف ، مطبعة القضاء ، سنة ١٣٩٣ .

٣

وأمّا الخاتمة : فتحقيقٌ عن ( حديث الحوض ) وما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام في ( الصّحابة ) .

وقد وضعت له مقدّمةً ، تعرّضت فيها لما تمتاز به العلوم الدينيّة وأعلامها ، عند الفرقة الإماميّة عن سائر الفرق الإسلاميّة ، وللتعريف بالكتاب وموضوعاته ومؤلّفه العظيم وأُسرته الأبرار ، بالاستفادة من ( دراسات في كتاب العبقات ) وهي مقدّمة ( نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ) .

والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله ، وأنْ يوفّقنا للدفاع عن الحق وأهله ، وأنْ يحشرنا في زمرة أتباع الأئمّة المعصومين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، إنّه أكرم الأكرمين .

علي الحسيني الميلاني

١٠ ربيع الثاني ١٤٢٤

٤

تقديم

افتراق الأُمّة

لقد افترقت الأُمّة الإسلاميّة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

 إلى فرقٍ كثيرة ، وطوائف شتّى ...

( كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (١) .

وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى ...

والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبر عن ذلك ، وأعلن بأنّ فرقةً واحدةً فقط منها ناجية ، والباقي في النار ...(٢) .

ثمّ أرشد الأُمّة إلى تلك الفرقة ، وعرّفها لهم كما في الأحاديث والأخبار ...

وبذلك وقعت المحنة ، وحصل الاختبار كما قال تعالى :

( أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) (٣) .

معالم الفرقة النّاجية

وكان على كلّ باحثٍ ـ إذا ما أراد أن يعرف الفرقة الحقّة الناجية ـ أنْ

ـــــــــــــــــ

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٥٣ سورة الروم ٣٠ : ٣٢ .

(٢) إشارة إلى حديثٍ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة في سننهم ، وأحمد في المسند ٢ : ٣٣٢ .

(٣) سورة العنكبوت ٢٩ : ٢ ـ ٣ .

٥

يعرض معالم الدين عند الفرق على الكتاب والسنّة ؛ لأنّهما المصدران الأصليّان والأساسيّان في جميع الشئون الدينيّة ، والمعارف الإسلاميّة ، فما وافقهما أو كان مستنبطاً منهما أُخذ به ، وما لم يكن كذلك طُرح وتُرك ، إذ ما من شيءٍ إلاّ وبه كتاب أو سنّة :

روى الشيخ الكليني بإسناده عن حمّاد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول :

( ما من شيءٍ إلاّ وفيه كتابٌ أو سنّة ) .

وعن عمر بن قيس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : سمعته يقول :

( إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأُمّة إلاّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وجعل لكلّ شيءٍ حدّاً وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه ، وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّا ) .

وعن المعلّى بن خنيس ، قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( ما من أمرٍ يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصلٌ في كتاب الله عزّ وجلّ ، ولكنْ لا تبلغه عقول الرجال ) .

وعن سماعة عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال : قلت له : أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تقولون فيه ؟

قال :( بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) .

وعن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( كتاب الله فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ، ونحن نعلمه ) (١) .

وإذا كان أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام يؤكّدون ـ كما في الأخبار الكثيرة الواردة عنهم ـ على ضرورة الرجوع إليهم في كلّ الأُمور والأخذ منهم

ـــــــــــــــــ

(١) راجع : الكافي ١/٥٩ باب الرد إلى كتاب الله والسنّة ...

٦

والتمسّك بهم فإنّ ذلك ما أوصى به رسول الله ، الصّادق الأمين ، في الأحاديث الثابتة عنه ، المرويّة في كتب جميع الفرق .

ومن أشهر تلك الأحاديث قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( كأنّي قد دعيت فأجبت ، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى وعترتي ) (١) .

دور الأئمّة في حفظ الدين ونشر العلم

وفي هذا الباب روايات خاصّة بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، بيّن فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلة الإمام ومقامه العلمي ، وأنّه ما من شيء من العلوم إلاّ ولابدّ أنْ يؤخذ منه ويرجع إليه فيه ويتّبع قوله ...

ومن أشهر تلك الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب ) (٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣/١٠٩ وهذا هو الحديث المعروف بحديث الثقلين ، أخرجه المحدّثون والمفسّرون وسائر العلماء ، في مختلف الكتب وبألفاظٍ مختلفة ، فراجع :

مسند أحمد ٥/١٨١ و٣/٢٦ وغيرهما ، والمصنَّف لابن أبي شيبة ١٠/٥٠٥ ، صحيح الترمذي ٥/٦٦٣ ، جامع الأُصول ١/٢٧٨ ، الطبقات الكبرى ١/١٩٤ ، المعجم الكبير ٣/٦٢ ، مصابيح السنّة ٤/١٩٠ ، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : ٣٣٦ ، مجمع الزوائد ٩/١٦٥ ، فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣/١٤ ، الصواعق المحرقة : ٢٣٣ وغيرها من كتب المتقدّمين والمتأخّرين من أهل السنّة ومن شاء التفصيل فليرجع إلى كتاب ( نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ) الأجزاء ١ ـ ٣ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣/١٢٧ وهذا هو حديث مدينة العلم ، ورواته من الأئمّة الأعلام

٧

حيث أفاد أنّ العلوم كلّها مجموعة عنده ، وأنّه يجب على الناس طلب العلم ، وأنّ الطريق الوحيد إليه هو مولانا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وكذلك كان أمير المؤمنينعليه‌السلام فقد كان المرجع الوحيد للمتصدّين للأمر ، وكبار الصحابة ، فكم من مشكلةٍ علميّة عجزوا عن حلّها أو مسألةٍ فقهيّة جهلوا الحكم الشرعي فيها ، فكان هو المرجع وإليه المفزع ، حتّى قال الحافظ النووي بترجمته :

( وسؤال كبار الصّحابة له ، ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة ، والمسائل المعضلات ، مشهور )(١) .

وإنّ ذلك من أقوى الأدلّة على إمامته المطلقة ، وولايته العامّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ من أُولى الصفات المعتبرة في الإمام ـ عند علماء الكلام من الخاصّة والعامّة ـ هو العلم :

قال شارح المواقف : ( المقصد الثاني ، في شروط الإمامة ، الجمهور على أنّ الإمامة ومستحقّها من هو مجتهد في الأُصول والفروع ، ليقوم بأُمور الدين ، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشّبه في العقائد الدينيّة ، مستقلاًّ بالفتوى في النوازل وأحكام الوقائع ، نصّاً واستنباطا ، لأنّ أهمّ مقاصد الإمامة حفظ العقائد

ـــــــــــــــــ

عند السنّة كثيرون جدّا ، فراجع :

تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب ، بترجمة الإمام عليعليه‌السلام ، تاريخ ابن كثير ٧/٣٥٩ ، جامع الأُصول ٩/٤٧٣ ، جمع الجوامع ١/٣٧٣ ، تاريخ بغداد ٢/٣٧٧ و٤/٣٤٨ و٧/١٧٢ و١١/٢٠٤ ، الرياض النضرة ٢/٢٥٥ ، فيض القدير ٣/٤٧ ، تاريخ الخلفاء : ١٧٠ ، المعجم الكبير ١١/٦٥ ، أُسد الغابة ٤/٢٢ ، تذكرة الحفّاظ ٤/٢٨ ، مجمع الزوائد ٩/١١٤ ، عمدة القاري في شرح البخاري ٧/٦٣١ ، إتحاف السادة المتقين ٦/٢٤٤ ومن شاء التفصيل فليرجع إلى كتاب ( نفحات الأَزهار ) الأجزاء ١٠ ـ ١٢ .

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١/٣٤٦ .

٨

وفصل الحكومات ورفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشّرط )(١) .

وليس فقط رجوع كبار الصحابة وغيرهم بل العلوم الإسلاميّة كلّها منه أُخذت وعنه انتشرت ...

أمّا في المدينة المنوّرة ، فقد عرفت أنّه كان المرجع للمتقمّصين للخلافة ولغيرهم ، حتّى اشتهر عن عمر بن الخطّاب قوله : ( لو لا علي لهلك عمر )(٢) ، و ( أقضاها علي )(٣) و ( لا أبقاني الله بعدك يا علي )(٤) .

وعن سعد بن أبي وقّاص ـ في كلامٍ له عن الإمامعليه‌السلام يخاطب الناس ـ ( ألم يكن أعلم الناس )(٥) .

وعن ابن عبّاس : ( والله ، لقد أُعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وايم الله ، لقد شارككم في العشر العاشر )(٦) .

وعن أبي سعيد الخدري : ( أقضاهم علي )(٧) .

وعن ابن مسعود : ( كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة علي )(٨) .

وعن عائشة : ( علي أعلم الناس بالسنّة )(٩) .

وأمّا مكّة المكرّمة ، فقد عاش فيها الإمام منذ ولادته حتّى الهجرة ،

ـــــــــــــــــ

(١) شرح المواقف ٨/٣٤٩ .

(٢) الاستيعاب : ٣/١١٠٣ ، فيض القدير ٤/٣٥٧ .

(٣) الاستيعاب : ٣/١١٠٢ .

(٤) الرياض النضرة : ٢/١٩٧ ، فيض القدير ٤/٣٥٧ .

(٥) المستدرك : ٣/٥٠٠ .

(٦) الاستيعاب : ٣/١١٠٤ ، الرياض النضرة ٢/١٩٤ .

(٧) فتح الباري : ٨/١٣٦ .

(٨) الاستيعاب : ٣/١١٠٥ .

(٩) الرياض النضرة : ٢/١٩٣ .

٩

وسافر إليها بعد الاستيطان بالمدينة غير مرّة ، ولا ريب في أخذ أهل مكّة منه العلم والمعرفة في خلال هذه المدّة .

على أنّ تلميذه الخاص ـ أعني عبد الله بن العبّاس ـ كان بمكّة مدّةً مديدة ينشر العلم ، ويفسّر القرآن ، ويعلّم المناسك ، ويدرّس الفقه ، قال الذهبي بترجمته :

( الأعمش ، عن أبي وائل قال : استعمل علي بن عبّاس على الحج ، فخطب يومئذٍ خطبةً لو سمعها الترك والروم لأسلموا ، ثمّ قرأ عليهم سورة النور فجعل يفسّرها )(١) .

وروى ابن سعد عن عائشة : ( إنّها نظرت إلى ابن عبّاس ومعه الخلق ليالي الحج ، وهو يسئل عن المناسك ، فقالت : هو أعلم مَن بقي بالمناسك )(٢) .

وقال ابن عبد البر :

( روينا أنّ عبد الله بن صفوان مرّ يوماً بدار عبد الله بن عبّاس بمكّة ، فرأى فيها جماعةً من طالبي الفقه )(٣) .

واعترف ابن تيميّة بهذه الحقيقة قال السيوطيّ : ( قال ابن تيميّة : أعلم الناس بالتفسير أهل مكّة ؛ لأنّهم أصحاب ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) ، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عبّاس، وسعيد بن جُبير وطاووس ، وغيرهم )(٤) .

وأمّا الشام ، فقد انتشر العلم فيه عن أبي الدرداء ، وهو تلميذ عبد الله بن مسعود ، وابن مسعود من تلامذة الإمام ، فانتهى إليهعليه‌السلام علم أهل الشام :

ـــــــــــــــــ

(١) تذكرة الحفّاظ : ١/٤٠ ـ ٤١ .

(٢) الطبقات الكبرى : ٢/٢٨٢ .

(٣) الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ٣/٩٣٧ .

(٤) الإتقان في علوم القرآن : ٢/٥٣٧ .

١٠

روى الحافظ أبو العبّاس المحبّ الطبري : ( عن أبي الزعراء عن عبد الله ، قال : علماء الأرض ثلاثة ، عالم بالشام ، وعالم بالحجاز ، وعالم بالعراق فأمّا عالم أهل الشام فهو أبو الدرداء ، وأمّا عالم أهل الحجاز فهو عليّ بن أبي طالب ، وأمّا عالم أهل العراق فأخ لكم .

وعالم أهل الشام وعالم أهل العراق يحتاجان إلى عالم أهل الحجاز ، وعالم أهل الحجاز لا يحتاج إليهما أخرجه الحضرمي )(١) .

وأمّا البصرة ، فقد ورد إليها الإمامعليه‌السلام بنفسه ، وتلك خطبه ومواعظه فيها مدوّنة في كتب التاريخ .

وأيضاً ، فقد أخذ أهل البصرة وتفقّهوا على ابن عبّاس حيث كان والياً على البصرة من قِبَل الإمام ، وهو من أشهر تلاميذه وملازميه بلا كلام ، قال الحافظ ابن حجر :

( إنّ ابن عبّاس كان يغشى الناس في رمضان وهو أمير البصرة ، فما ينقضي الشهر حتّى يفقّههم )(٢) .

وأمّا الكوفة ، فقد تعلّم أهلها القرآن والسنّة منهعليه‌السلام مباشرةً ، مدّة بقائه بها ولو كانوا قد تعلّموا شيئاً من ذلك قبل وروده إليها ، فمن عبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر ، وهما من تلامذتهعليه‌السلام .

وأمّا اليمن ، فقد روى الكلّ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بعثه إلى اليمن قاضياً ، والقضاء هو الفقه ، فهو أفقه الأُمّة ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــ

(١) الرياض النضرة في مناقب العشرة : ٣/١٩٩ ـ ٢٠٠ .

(٢) الإصابة في معرفة الصحابة : ٤/١٥٠ .

١١

ـ فيما رواه الفريقان ـ ( أقضاكم علي )(١) .

وهو الذي فقّه أهل اليمن وعلّمهم ، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين بعثه إليهم :( اللّهمّ اهد قلبه وثبّت لسانه ) (٢) .

فهذا بعث علي إلى اليمن ، وهذا شأنه في العلم وموقعه من الفقه ، فقد انتشر العلم في تلك البلاد بواسطته .

وأمّا معاذ بن جبل ، فقد بعثه النبي إلى طائفةٍ من اليمن ( ليجبره ) بعد أنْ ( أغلق ماله عن الدين فباع النبي ماله كلّه في دينه ، حتّى قام معاذ بغير شيء )(٣) .

وأمّا شأن معاذ في العلم والفقه فلا يقاس بالإمام ـ كما لا يقاس به غيره ـ بل في نفس خبر بعثه إلى اليمن ما يدلّ على فسقه أو جهله بأدنى الأحكام الشرعيّة(٤) .

وهكذا كان حال سائر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد كانوا الحافظين لحدود الشريعة المقدّسة ، من أن يتلاعب بها المبتدعون ، بإدخال شيءٍ في الدين أو نقص شيءٍ منه ، وللعقائد الثابتة من الشبهات ، والأُمّة من الضّلالات ، وبواسطتهم انتشرت المعارف الإسلاميّة ، ومنهم أخذ فقهاء

ـــــــــــــــــ

(١) ورد بألفاظٍ مختلفة في : المستصفى في علم الأُصول ١/٧٠ ، تاريخ دمشق ٥١/٣٠٠ ، حلية الأولياء ١/٦٥ ، الطبقات الكبرى ٢/٢٥٨ و٢٥٩ ، كشف الخفاء ١/١٦٢ .

(٢) سنن ابن ماجة ٢/٧٧٤ ح٢٣١٠ ، كتاب الأحكام ، باب ذكر القضاء ، سنن أبي داود ٣/٢٩٩ ـ ٣٠٠ ح٣٥٨٢ ، سنن البيهقي ٥/١١٦ ح٨٤١٩ ، مسند عبد بن حميد : ٦١ ح٩٤ ، تاريخ بغداد ١٢/٤٤٤ رقم ٦٩١٦ ، الطبقات الكبرى ٢/٢٥٧ ، دلائل النبوّة للبيهقي ٥/٣٩٧ ، نصب الراية ٥/٣٦ وغيرها .

(٣) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣/١٤٠٤ .

(٤) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣/١٤٠٥ .

١٢

المذاهب ، وقد جاء ذلك كلّه بتراجمهم في كتب مخالفيهم أيضا :

* فقد ذكروا بترجمة الإمام علي بن الحسين زين العابدين : أنّه كان ( أفضل هاشميٍّ في زمانه )(١) و ( كان كثير الحديث )(٢) وقد سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيما رواه الفريقان عن جابر بن عبد الله ـ( سيّد العابدين ) (٣) ، وأنّه قد روى عنه الزهري في جماعةٍ من أكابر القوم(٤) .

والزهري هو الذي دوَّن السنّة لمّا أمر بذلك عمر بن عبد العزيز ، بعد قرنٍ من منع عمر بن الخطّاب كتابة الأحاديث النبويّة .

* وبترجمة الإمام محمّد بن علي الباقر : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي سمّاه بهذا اللّقب ، في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري الذي أشرنا إليه .

وروى ابن قتيبة : ( إنّ هشاماً قال لزيد بن علي : ما فعل أخوك البقرة ؟

فقال زيد : سمّاه رسول الله باقر العلم وأنت تسمّيه بقر ! فاختلفتما إذن )(٥) .

وقال الجوهري : ( التبقّر : التوسّع في العلم وكان يقال : محمّد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب الباقر ؛ لتبقّره في العلم )(٦) .

وقال الزبيدي صاحب تاج العروس : ( وقد ورد في بعض الآثار عن جابر

ـــــــــــــــــ

(١) تهذيب التهذيب : ٧/٣٠٤ وفي ط ٢٦٨ .

(٢) تهذيب التهذيب : ٧/٣٠٤ وفي ط ٢٦٨ .

(٣) الصواعق المحرقة : ١٢٠ ، تذكرة الخواص : ٣٣٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٤/١٩٦ ، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة : ٢/٣٣١ .

(٤) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب وغيره .

(٥) عيون الأخبار : ١/٢١٢ .

(٦) صحاح اللُّغة : ( ب ق ر ) .

١٣

ابن عبد الله الأنصاري : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له :

( يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمّد ، يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ) خرّجه أئمّة النسب )(١) .

روى عنه من الأئمّة : الزهري والأوزاعي والأعمش وأبو حنيفة وابن جريج(٢) .

* وبترجمة الإمام جعفر بن محمّد الصادق :

عن مالك بن أنس : ( اختلفت إليه زماناً ، فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصالٍ : إمّا مصلٍّ وإمّا صائمٍ وإمّا يقرأ القرآن وما رأيته يحدّث إلاّ عن طهارة )(٣) .

وعن أبي حنيفة : ( ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة : إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمّد ، فهيّئ له من المسائل الشداد ، فهيّأت له أربعين مسألة

ثمّ بعث إليّ أبو جعفر ـ وهو بالحيرة ـ فأتيته فدخلت عليه ، وجعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلمّا أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمّد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلّمت عليه وأومأ إليّ ، فجلست ، ثمّ التفت إليه فقال :

يا أبا عبد الله ، هذا أبو حنيفة .

قال جعفر : نعم ثمّ أتبعها : قد أتانا كأنّه كره ما يقول فيه قوم أنّه إذا

ـــــــــــــ

(١) تاج العروس في شرح القاموس : ( ب ق ر ) .

(٢) تهذيب التهذيب : ١٠/٤٠١ و٩/٣١٢ ، حلية الأولياء ٣/١٨٨ ، تذكرة الحفّاظ ١/١٢٤ .

(٣) تهذيب التهذيب : ٢/٨٩ .

١٤

رأى الرجل عرفه .

ثمّ التفت المنصور إليّ فقال : يا أبا حنيفة ، ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك

فجعلت أُلقي عليه فيجيبني ، فيقول :

أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربّما تبعناهم وربّما خالفنا جميعاً .

حتّى أتيت على الأربعين مسألة .

ثمّ قال أبو حنيفة : ألسنا روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس )(١) .

فهذا كلام مالك وأبي حنيفة وهما من تلامذته ، وقال الآلوسي في كلامٍ له :

( هذا أبو حنيفة يفتخر ويقول بأفصح لسان : لولا السّنتان لهلك النّعمان )(٢) .

وعن أبي حاتم الرازي : ( لا يسأل عن مثله )(٣) .

وعن ابن حِبّان : ( كان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً )(٤) .

وقال النووي : ( اتّفقوا على إمامته وجلالته )(٥) .

وقال الشهرستاني : ( قد أقام بالمدينة مدّةً يفيد الشيعة المنتمين إليه ،

ـــــــــــــــــ

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة : ١/٢٢٢ ، تذكرة الحفّاظ : ١/١٥٧ .

(٢) مختصر التحفة الاثنى عشريّة : ٨ .

(٣) تهذيب التهذيب : ٢/٨٩ .

(٤) تهذيب التهذيب : ٢/٨٨ .

(٥) تهذيب الأسماء واللُّغات : ١/١٥٥ .

١٥

ويفيض على الموالين أسرار العلوم ، ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّةً )(١) .

وقال اليافعي :

( له كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، قد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصّوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة ، يتضمّن رسائله وهي خمسمائة رسالة )(٢) .

وقال ابن حجر :

( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في البلدان وروى عنه الأئمّة الأكابر ، كيحيى بن سعيد وابن جريج ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني )(٣)

* وبترجمة الإمام موسى بن جعفر الكاظم : إنّه كان يُدعى : (العبد الصالح ) من عبادته واجتهاده(٤) .

وإنّه : (إمام من أئمّة المسلمين )(٥) .

وقال الذهبي :

( موسى الكاظم الإمام القدوة ذكره أبو حاتم فقال : ثقةٌ صدوق ، إمامٌ من أئمّة المسلمين ...

له مشهد عظيم مشهور ببغداد ، دُفن معه فيه حفيده الجواد ، ولولده عليّ ابن موسى مشهد عظيم بطوس )(٦) .

وقال ابن حجر :

( هو وارث أبيه علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سمّي

ـــــــــــــــــ

(١) الملل والنحل : ١/١٤٧ .

(٢) مرآة الجنان : ١/٣٠٤ .

(٣) الصواعق المحرقة : ١١١ .

(٤) تهذيب التهذيب : ١٠/٣٠٢ ، تاريخ بغداد ١٣/٢٧ ، تهذيب الكمال ٢٩/٤٤ ، صفوة الصفوة ٢/١٢٤ .

(٥) تهذيب الأسماء : ١/٣٠٢ .

(٦) سِيَر أعلام النبلاء : ٦/٢٧٠ .

١٦

الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ،وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم )(١) .

* وبترجمة الإمام عليّ بن موسى الرضا : أنّه كان يفتي بمسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن نيّف وعشرين سنة(٢) .

وقال الذهبي :

( علي بن موسى الرضا ، أحد الأعلام هو الإمام أبو الحسن كان سيّد بني هاشم في زمانه وأجلّهم وأنبلهم ، وكان المأمون يعظّمه ويخضع له ويتغالى فيه ، حتّى أنّه جعله وليَّ عهده من بعده وكتب بذلك إلى الآفاق )(٣) .

وذكر أبو الفرج ابن الجوزي وغيره في خبر جعل المأمون الإمام وليّ العهد :

( وذلك أنّه نظر في بني العبّاس وبني عليّ ، فلم يجد أحداً أفضل ولا أورع ولا أعلم منه ، وأنّه سمّاه الرضي من آل محمّد ، وأمر بالبيعة له )(٤) .

روى عنه من الأئمّة : أحمد بن حنبل(٥) .

وأخرج عنه : الترمذي وأبو داود وابن ماجة .

وروى الحافظ ابن حجر عن الحاكم أبي عبد الله قوله : ( سمعت أبا بكر محمّد بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر ابن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعةٍ من مشايخنا ـ وهم إذ

ـــــــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ١١٢ .

(٢) تهذيب التهذيب : ٧/٣٣٨ ، المنتظم ١٠/١٢٠ ، تذكرة الخواص : ٣٥١ .

(٣) تاريخ الإسلام ، حوادث ٢٠١ ـ ٢١٠ ص : ٢٦٩ .

(٤) المنتظم في تاريخ الأُمم : ١٠/٩٣ ، وفيات الأعيان : ٢/٤٣٢ وغيرهما .

(٥) سِيَر أعلام النبلاء : ٩/٣٨٧ .

١٧

ذاك متوافرون ـ إلى زيارة قبر عليّ بن موسى الرضا بطوس ، فرأيت من تعظيمه ـ يعني ابن خزيمة ـ لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا )(١) .

وجاء في غير واحدٍ من الكتب :

إنّه لمّا دخل الإمامعليه‌السلام نيسابور راكباً ، خرج إليه علماء البلد وبأيديهم المحابر والدّوى، وتعلَّقوا بلجام دابّته وحلّفوه أن يحدّثهم بحديثٍ عن آبائه ، فقال :

( حدّثني أبي موسى الكاظم عن أبيه عليّ بن أبي طالب ، قال : حدّثني حبيبي وقرّة عيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : حدّثني جبريل قال : سمعت ربّ العزّة يقول : لا إله إلاّ الله حصني ، فمن قالها دخل حصني وأمن من عذابي ) .

وفي روايةٍ : أنّه روى عن آبائه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :

( سألت رسول الله : ما الإيمان ؟ قال : معرفة بالقلب وإقرار باللّسان وعمل بالأركان ) .

وعن أحمد بن حنبل : إن قرأت هذا الإسناد على مجنونٍ برئ من جنونه .

هذا ، وكان على رأس العلماء الذين طلبوا من الإمام أن يحدّثهم :

أبو زرعة الرازي ، ومحمّد بن أسلم الطوسي ، وياسين بن النضر ، وأحمد ابن حرب ، ويحيى بن يحيى ...

وقد عدّ أهل المحابر والدّوى الذين كانوا يكتبون ، فأنافوا على عشرين ألفاً(٢) .

* فهؤلاء ـ وسائر الأئمّة الإثنى عشر ـ هم المؤسّسون لمذهب الإماميّة ،والمشيّدون لأركان العلوم الإسلاميّة .

ـــــــــــــــــ

(١) تهذيب التهذيب : ٧/٣٣٩ .

(٢) أخبار أصبهان : ١/١٣٨ ، المنتظم : ١٠/١٢٠ وغيرهما .

١٨

وقد علم ممّا تقدّم :

١ ـ إنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كان كلّ واحّدٍ منهم أعلم الناس في زمانه وأفضلهم ، وقد شهد بذلك المخالف كالمؤالف .

٢ ـ إنّ العلوم الإسلاميّة إنّما انتشرت في البلاد بواسطة الأئمّةعليهم‌السلام في كلّ عصر ، فالصّحابة العلماء : كابن عبّاس وابن مسعود وأُبيّ بن كعب وأبي ذر الغفاري وأمثالهم ، تعلّموا من أمير المؤمنين ، وكذلك التابعون قد أخذوا عنه وعن الأئمّة من بعده ، والصحابة من تلامذته .

٣ ـ إنّ علماء المذاهب الأُخرى قد حضروا عند الأئمّة ، ومنهم أخذوا وعنهم رووا ، وعلى رأسهم : مالك بن أنس وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل ...

نشر العلم والمعرفة بشتّى الطرق

ثمّ إنّ نشر الأئمّةعليهم‌السلام للعلوم وتعليمهم الأُمّة معارف الدين ، لم يقتصر على طريقٍ من الطرق ، أو أُسلوب من الأساليب بل لقد استفادوا لذلك من كافّة الوسائل وشتّى الطّرق : كالكتابة ، والخطابة ، والدعاء ، والإملاء ، والتدريس ؛

ففي الوقت الذي منعت الحكومة ـ ولأغراضٍ عديدة ـ من تدوين السنّة النبويّة الشريفة ، لم يقنع أميرالمؤمنينعليه‌السلام بأُجوبة الإستفتاءات ، وحلّ المشكلات ، وتعليم العلوم ، بل عمد إلى الكتابة أيضاً وحثَّ عليها يقول الحافظ السيوطي :

( كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم ،

١٩

فكرهها كثير منهم ، وأباحتها طائفة وفعلوها ، منهم : علي وابنه الحسن )(١) .

وما كتبهعليه‌السلام كان موجوداً لدى أبنائه، ينظرون فيه وينقلون عنه ، كما لا يخفى على من راجع أحاديثهم ...(٢) .

وكتب أيضاً كاتبه الجليل علي بن أبي رافع : ( وهو تابعي ، من خيار الشيعة ، كانت له صحبة مع أمير المؤمنين ، وكان كاتباً له ، وحفظ كثيراً ، وجمع كتاباً في فنون الفقه ، كالوضوء والصلاة وسائر الأبواب ، وكانوا يعظّمون هذا الكتاب )(٣) .

وعن الإمام الصّادقعليه‌السلام مخاطباً أصحابه :

( أُكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا ) (٤) .

( أُكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون إلاّ بالكتاب ) (٥) .

( ما يمنعكم من الكتاب ؟ إنّكم لن تحفظوا حتّى تكتبوا ، إنّه خرج من عندي رهط من أهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها ) (٦) .

وورد الحثّ على الإحتفاظ بالكتب :

( احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها )(٧) .

وأمّا خطب الأميرعليه‌السلام من على منبر الكوفة ، فما زالت محطّ

ـــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي : ٢ : ٦٥ .

(٢) انظر كتاب : وسائل الشيعة ، في مختلف الأبواب منه .

(٣) رجال النجاشي : ٦/٢ .

(٤) وسائل الشيعة : ٢٧ : ٣٢٣/ ٣٣٨٤٤ .

(٥) مستدرك الوسائل : ١٧ : ٢٨٥/ ٢١٣٥٩ .

(٦) مستدرك الوسائل : ١٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣/ ٢١٣٨٣ .

(٧) وسائل الشيعة : ٢٨ : ٣٢٣/ ٣٣٨٤٥ .

٢٠