استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام10%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 164032 / تحميل: 7820
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

استخراج المرام

من

استقصاء الإفحام

للعلم الحجّة آية الله

السّيّد حامد حسين اللّكهنوي

بحوث وردود

تأليف

السيّد علي الحسيني الميلاني

القسم الأوّل ـ العقائد

١

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

كلمة المؤلّف

الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على خير خلقه محمّدٍ وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأوّلين والآخرين .

وبعد :

فإنّ كتاب (استقصاء الإفحام ) من مؤلّفات آية الله المجاهد ، والمحقّق الفذ ، والقدوة الرائد ( السيّد مير حامد حسين النيسابوري اللكهنوي ) الملقّب بـ (صاحب عبقات الأنوار ) كتاب لم يُصنّف مثله في بابه ، وقد كنت سمعت به منذ أنْ تعرَّفت على كتاب ( العبقات ) وعلى مؤلّفه الجليل ، وذلك لمّا زار المحقّق الحجّة والعلاّمة الكبير المرحوم السيّد محمّد سعيد نجل آية الله السيّد ناصر حسين نجل السيّد (صاحب العبقات ) كربلاء المقدّسة ، ونزل ضيفاً على سيّدي الوالد آية الله السيّد نور الدين الميلاني ، قبل حوالي أربعين سنة ...

لقد حدّثني السيّد السعيد ـرحمه‌الله ـ عن آبائه وآثارهم ، وشرح لي كثيراً من مآثرهم وأخبارهم ، وعرّفني بكتبهم وأسفارهم ، ثمّ رغّبني في مشروع كتاب (العبقات ) وشرعت بذلك من ذلك الوقت وكانت (النفحات )(١) .

وكان كتاب (استقصاء الإفحام ) من جملة الكتب التي تحدّث عنها ،

ـــــــــــــــــ

(١) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار طبع في ٢٠ جزء .

٢

     

لا سيّما وأنّه كان قد ألّف في النجف الأشرف ، عندما كان يدرس في حوزتها العلميّة الكبرى ، كتاب (الإمام الثاني عشر ) ـ الذي استفاد فيه كثيراً من (استقصاء الإفحام ) ـ واقترح عليّ إعادة طبعه ، فوُفّقت لذلك مع تعاليق وإضافات ثمينة ، والحمد لله(١) .

ثمّ رأيت أكابر الطائفة ، يذكرون (استقصاء الإفحام ) في تقاريظهم لمؤلّفات (صاحب العبقات ) ، ووجدت جماعةً من العلماء الأعلام ينقلون عنه ويستندون إليه في مؤلّفاتهم المختلفة ...

وهكذا ازداد شوقي إلى (استقصاء الإفحام ) ، إلى أن وقفت عليه قبل أعوام ، وقرأته من أوّله إلى آخره ، فألفيته مثل ( العبقات ) في البحث والتحقيق والمتانة ، وفي القوّة والدقّة والرصانة ، وإنْ لم يشتهر كاشتهاره .

فعزمت على إخراج مطالبه التي لم يسبق إليها أحدٌ من أعلامنا الماضين ، وكان عيالاً عليه فيها كثير من علمائنا المتأخّرين ، وانتهزت لذلك فرص العطل ، وواصلت العمل بلا ملل ، حتّى وفقني الله عزّ وجلّ ، لتنظيم فرائده ، وترتيب فوائده ، فجاءت في أربعة أبواب وملحقاتٍ وخاتمة .

فالباب الأوّل : في المسائل الإعتقاديّة .

والباب الثاني : في التفسير والمفسّرين .

والباب الثالث : في الصّحاح الستّة وأصحابها .

والباب الرابع : في أئمّة المذاهب الأربعة .

أمّا الملحقات : فهي بحوثّ في ( مسائل فقهيّة ) وفي ( القياس ) و( الاستحسان ) .

ـــــــــــــــــ

(١) طُبع كتاب ( الإمام الثاني عشر ) في النجف الأشرف ، مطبعة القضاء ، سنة ١٣٩٣ .

٣

وأمّا الخاتمة : فتحقيقٌ عن ( حديث الحوض ) وما ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام في ( الصّحابة ) .

وقد وضعت له مقدّمةً ، تعرّضت فيها لما تمتاز به العلوم الدينيّة وأعلامها ، عند الفرقة الإماميّة عن سائر الفرق الإسلاميّة ، وللتعريف بالكتاب وموضوعاته ومؤلّفه العظيم وأُسرته الأبرار ، بالاستفادة من ( دراسات في كتاب العبقات ) وهي مقدّمة ( نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ) .

والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله ، وأنْ يوفّقنا للدفاع عن الحق وأهله ، وأنْ يحشرنا في زمرة أتباع الأئمّة المعصومين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، إنّه أكرم الأكرمين .

علي الحسيني الميلاني

١٠ ربيع الثاني ١٤٢٤

٤

تقديم

افتراق الأُمّة

لقد افترقت الأُمّة الإسلاميّة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

 إلى فرقٍ كثيرة ، وطوائف شتّى ...

( كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) (١) .

وكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى ...

والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أخبر عن ذلك ، وأعلن بأنّ فرقةً واحدةً فقط منها ناجية ، والباقي في النار ...(٢) .

ثمّ أرشد الأُمّة إلى تلك الفرقة ، وعرّفها لهم كما في الأحاديث والأخبار ...

وبذلك وقعت المحنة ، وحصل الاختبار كما قال تعالى :

( أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) (٣) .

معالم الفرقة النّاجية

وكان على كلّ باحثٍ ـ إذا ما أراد أن يعرف الفرقة الحقّة الناجية ـ أنْ

ـــــــــــــــــ

(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٥٣ سورة الروم ٣٠ : ٣٢ .

(٢) إشارة إلى حديثٍ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة في سننهم ، وأحمد في المسند ٢ : ٣٣٢ .

(٣) سورة العنكبوت ٢٩ : ٢ ـ ٣ .

٥

يعرض معالم الدين عند الفرق على الكتاب والسنّة ؛ لأنّهما المصدران الأصليّان والأساسيّان في جميع الشئون الدينيّة ، والمعارف الإسلاميّة ، فما وافقهما أو كان مستنبطاً منهما أُخذ به ، وما لم يكن كذلك طُرح وتُرك ، إذ ما من شيءٍ إلاّ وبه كتاب أو سنّة :

روى الشيخ الكليني بإسناده عن حمّاد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول :

( ما من شيءٍ إلاّ وفيه كتابٌ أو سنّة ) .

وعن عمر بن قيس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : سمعته يقول :

( إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأُمّة إلاّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وجعل لكلّ شيءٍ حدّاً وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه ، وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّا ) .

وعن المعلّى بن خنيس ، قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( ما من أمرٍ يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصلٌ في كتاب الله عزّ وجلّ ، ولكنْ لا تبلغه عقول الرجال ) .

وعن سماعة عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال : قلت له : أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تقولون فيه ؟

قال :( بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) .

وعن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( كتاب الله فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ، ونحن نعلمه ) (١) .

وإذا كان أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام يؤكّدون ـ كما في الأخبار الكثيرة الواردة عنهم ـ على ضرورة الرجوع إليهم في كلّ الأُمور والأخذ منهم

ـــــــــــــــــ

(١) راجع : الكافي ١/٥٩ باب الرد إلى كتاب الله والسنّة ...

٦

والتمسّك بهم فإنّ ذلك ما أوصى به رسول الله ، الصّادق الأمين ، في الأحاديث الثابتة عنه ، المرويّة في كتب جميع الفرق .

ومن أشهر تلك الأحاديث قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( كأنّي قد دعيت فأجبت ، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى وعترتي ) (١) .

دور الأئمّة في حفظ الدين ونشر العلم

وفي هذا الباب روايات خاصّة بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، بيّن فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلة الإمام ومقامه العلمي ، وأنّه ما من شيء من العلوم إلاّ ولابدّ أنْ يؤخذ منه ويرجع إليه فيه ويتّبع قوله ...

ومن أشهر تلك الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب ) (٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣/١٠٩ وهذا هو الحديث المعروف بحديث الثقلين ، أخرجه المحدّثون والمفسّرون وسائر العلماء ، في مختلف الكتب وبألفاظٍ مختلفة ، فراجع :

مسند أحمد ٥/١٨١ و٣/٢٦ وغيرهما ، والمصنَّف لابن أبي شيبة ١٠/٥٠٥ ، صحيح الترمذي ٥/٦٦٣ ، جامع الأُصول ١/٢٧٨ ، الطبقات الكبرى ١/١٩٤ ، المعجم الكبير ٣/٦٢ ، مصابيح السنّة ٤/١٩٠ ، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : ٣٣٦ ، مجمع الزوائد ٩/١٦٥ ، فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣/١٤ ، الصواعق المحرقة : ٢٣٣ وغيرها من كتب المتقدّمين والمتأخّرين من أهل السنّة ومن شاء التفصيل فليرجع إلى كتاب ( نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ) الأجزاء ١ ـ ٣ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣/١٢٧ وهذا هو حديث مدينة العلم ، ورواته من الأئمّة الأعلام

٧

حيث أفاد أنّ العلوم كلّها مجموعة عنده ، وأنّه يجب على الناس طلب العلم ، وأنّ الطريق الوحيد إليه هو مولانا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وكذلك كان أمير المؤمنينعليه‌السلام فقد كان المرجع الوحيد للمتصدّين للأمر ، وكبار الصحابة ، فكم من مشكلةٍ علميّة عجزوا عن حلّها أو مسألةٍ فقهيّة جهلوا الحكم الشرعي فيها ، فكان هو المرجع وإليه المفزع ، حتّى قال الحافظ النووي بترجمته :

( وسؤال كبار الصّحابة له ، ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة ، والمسائل المعضلات ، مشهور )(١) .

وإنّ ذلك من أقوى الأدلّة على إمامته المطلقة ، وولايته العامّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ من أُولى الصفات المعتبرة في الإمام ـ عند علماء الكلام من الخاصّة والعامّة ـ هو العلم :

قال شارح المواقف : ( المقصد الثاني ، في شروط الإمامة ، الجمهور على أنّ الإمامة ومستحقّها من هو مجتهد في الأُصول والفروع ، ليقوم بأُمور الدين ، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشّبه في العقائد الدينيّة ، مستقلاًّ بالفتوى في النوازل وأحكام الوقائع ، نصّاً واستنباطا ، لأنّ أهمّ مقاصد الإمامة حفظ العقائد

ـــــــــــــــــ

عند السنّة كثيرون جدّا ، فراجع :

تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب ، بترجمة الإمام عليعليه‌السلام ، تاريخ ابن كثير ٧/٣٥٩ ، جامع الأُصول ٩/٤٧٣ ، جمع الجوامع ١/٣٧٣ ، تاريخ بغداد ٢/٣٧٧ و٤/٣٤٨ و٧/١٧٢ و١١/٢٠٤ ، الرياض النضرة ٢/٢٥٥ ، فيض القدير ٣/٤٧ ، تاريخ الخلفاء : ١٧٠ ، المعجم الكبير ١١/٦٥ ، أُسد الغابة ٤/٢٢ ، تذكرة الحفّاظ ٤/٢٨ ، مجمع الزوائد ٩/١١٤ ، عمدة القاري في شرح البخاري ٧/٦٣١ ، إتحاف السادة المتقين ٦/٢٤٤ ومن شاء التفصيل فليرجع إلى كتاب ( نفحات الأَزهار ) الأجزاء ١٠ ـ ١٢ .

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١/٣٤٦ .

٨

وفصل الحكومات ورفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشّرط )(١) .

وليس فقط رجوع كبار الصحابة وغيرهم بل العلوم الإسلاميّة كلّها منه أُخذت وعنه انتشرت ...

أمّا في المدينة المنوّرة ، فقد عرفت أنّه كان المرجع للمتقمّصين للخلافة ولغيرهم ، حتّى اشتهر عن عمر بن الخطّاب قوله : ( لو لا علي لهلك عمر )(٢) ، و ( أقضاها علي )(٣) و ( لا أبقاني الله بعدك يا علي )(٤) .

وعن سعد بن أبي وقّاص ـ في كلامٍ له عن الإمامعليه‌السلام يخاطب الناس ـ ( ألم يكن أعلم الناس )(٥) .

وعن ابن عبّاس : ( والله ، لقد أُعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وايم الله ، لقد شارككم في العشر العاشر )(٦) .

وعن أبي سعيد الخدري : ( أقضاهم علي )(٧) .

وعن ابن مسعود : ( كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة علي )(٨) .

وعن عائشة : ( علي أعلم الناس بالسنّة )(٩) .

وأمّا مكّة المكرّمة ، فقد عاش فيها الإمام منذ ولادته حتّى الهجرة ،

ـــــــــــــــــ

(١) شرح المواقف ٨/٣٤٩ .

(٢) الاستيعاب : ٣/١١٠٣ ، فيض القدير ٤/٣٥٧ .

(٣) الاستيعاب : ٣/١١٠٢ .

(٤) الرياض النضرة : ٢/١٩٧ ، فيض القدير ٤/٣٥٧ .

(٥) المستدرك : ٣/٥٠٠ .

(٦) الاستيعاب : ٣/١١٠٤ ، الرياض النضرة ٢/١٩٤ .

(٧) فتح الباري : ٨/١٣٦ .

(٨) الاستيعاب : ٣/١١٠٥ .

(٩) الرياض النضرة : ٢/١٩٣ .

٩

وسافر إليها بعد الاستيطان بالمدينة غير مرّة ، ولا ريب في أخذ أهل مكّة منه العلم والمعرفة في خلال هذه المدّة .

على أنّ تلميذه الخاص ـ أعني عبد الله بن العبّاس ـ كان بمكّة مدّةً مديدة ينشر العلم ، ويفسّر القرآن ، ويعلّم المناسك ، ويدرّس الفقه ، قال الذهبي بترجمته :

( الأعمش ، عن أبي وائل قال : استعمل علي بن عبّاس على الحج ، فخطب يومئذٍ خطبةً لو سمعها الترك والروم لأسلموا ، ثمّ قرأ عليهم سورة النور فجعل يفسّرها )(١) .

وروى ابن سعد عن عائشة : ( إنّها نظرت إلى ابن عبّاس ومعه الخلق ليالي الحج ، وهو يسئل عن المناسك ، فقالت : هو أعلم مَن بقي بالمناسك )(٢) .

وقال ابن عبد البر :

( روينا أنّ عبد الله بن صفوان مرّ يوماً بدار عبد الله بن عبّاس بمكّة ، فرأى فيها جماعةً من طالبي الفقه )(٣) .

واعترف ابن تيميّة بهذه الحقيقة قال السيوطيّ : ( قال ابن تيميّة : أعلم الناس بالتفسير أهل مكّة ؛ لأنّهم أصحاب ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) ، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عبّاس، وسعيد بن جُبير وطاووس ، وغيرهم )(٤) .

وأمّا الشام ، فقد انتشر العلم فيه عن أبي الدرداء ، وهو تلميذ عبد الله بن مسعود ، وابن مسعود من تلامذة الإمام ، فانتهى إليهعليه‌السلام علم أهل الشام :

ـــــــــــــــــ

(١) تذكرة الحفّاظ : ١/٤٠ ـ ٤١ .

(٢) الطبقات الكبرى : ٢/٢٨٢ .

(٣) الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ٣/٩٣٧ .

(٤) الإتقان في علوم القرآن : ٢/٥٣٧ .

١٠

روى الحافظ أبو العبّاس المحبّ الطبري : ( عن أبي الزعراء عن عبد الله ، قال : علماء الأرض ثلاثة ، عالم بالشام ، وعالم بالحجاز ، وعالم بالعراق فأمّا عالم أهل الشام فهو أبو الدرداء ، وأمّا عالم أهل الحجاز فهو عليّ بن أبي طالب ، وأمّا عالم أهل العراق فأخ لكم .

وعالم أهل الشام وعالم أهل العراق يحتاجان إلى عالم أهل الحجاز ، وعالم أهل الحجاز لا يحتاج إليهما أخرجه الحضرمي )(١) .

وأمّا البصرة ، فقد ورد إليها الإمامعليه‌السلام بنفسه ، وتلك خطبه ومواعظه فيها مدوّنة في كتب التاريخ .

وأيضاً ، فقد أخذ أهل البصرة وتفقّهوا على ابن عبّاس حيث كان والياً على البصرة من قِبَل الإمام ، وهو من أشهر تلاميذه وملازميه بلا كلام ، قال الحافظ ابن حجر :

( إنّ ابن عبّاس كان يغشى الناس في رمضان وهو أمير البصرة ، فما ينقضي الشهر حتّى يفقّههم )(٢) .

وأمّا الكوفة ، فقد تعلّم أهلها القرآن والسنّة منهعليه‌السلام مباشرةً ، مدّة بقائه بها ولو كانوا قد تعلّموا شيئاً من ذلك قبل وروده إليها ، فمن عبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر ، وهما من تلامذتهعليه‌السلام .

وأمّا اليمن ، فقد روى الكلّ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بعثه إلى اليمن قاضياً ، والقضاء هو الفقه ، فهو أفقه الأُمّة ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــ

(١) الرياض النضرة في مناقب العشرة : ٣/١٩٩ ـ ٢٠٠ .

(٢) الإصابة في معرفة الصحابة : ٤/١٥٠ .

١١

ـ فيما رواه الفريقان ـ ( أقضاكم علي )(١) .

وهو الذي فقّه أهل اليمن وعلّمهم ، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين بعثه إليهم :( اللّهمّ اهد قلبه وثبّت لسانه ) (٢) .

فهذا بعث علي إلى اليمن ، وهذا شأنه في العلم وموقعه من الفقه ، فقد انتشر العلم في تلك البلاد بواسطته .

وأمّا معاذ بن جبل ، فقد بعثه النبي إلى طائفةٍ من اليمن ( ليجبره ) بعد أنْ ( أغلق ماله عن الدين فباع النبي ماله كلّه في دينه ، حتّى قام معاذ بغير شيء )(٣) .

وأمّا شأن معاذ في العلم والفقه فلا يقاس بالإمام ـ كما لا يقاس به غيره ـ بل في نفس خبر بعثه إلى اليمن ما يدلّ على فسقه أو جهله بأدنى الأحكام الشرعيّة(٤) .

وهكذا كان حال سائر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد كانوا الحافظين لحدود الشريعة المقدّسة ، من أن يتلاعب بها المبتدعون ، بإدخال شيءٍ في الدين أو نقص شيءٍ منه ، وللعقائد الثابتة من الشبهات ، والأُمّة من الضّلالات ، وبواسطتهم انتشرت المعارف الإسلاميّة ، ومنهم أخذ فقهاء

ـــــــــــــــــ

(١) ورد بألفاظٍ مختلفة في : المستصفى في علم الأُصول ١/٧٠ ، تاريخ دمشق ٥١/٣٠٠ ، حلية الأولياء ١/٦٥ ، الطبقات الكبرى ٢/٢٥٨ و٢٥٩ ، كشف الخفاء ١/١٦٢ .

(٢) سنن ابن ماجة ٢/٧٧٤ ح٢٣١٠ ، كتاب الأحكام ، باب ذكر القضاء ، سنن أبي داود ٣/٢٩٩ ـ ٣٠٠ ح٣٥٨٢ ، سنن البيهقي ٥/١١٦ ح٨٤١٩ ، مسند عبد بن حميد : ٦١ ح٩٤ ، تاريخ بغداد ١٢/٤٤٤ رقم ٦٩١٦ ، الطبقات الكبرى ٢/٢٥٧ ، دلائل النبوّة للبيهقي ٥/٣٩٧ ، نصب الراية ٥/٣٦ وغيرها .

(٣) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣/١٤٠٤ .

(٤) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣/١٤٠٥ .

١٢

المذاهب ، وقد جاء ذلك كلّه بتراجمهم في كتب مخالفيهم أيضا :

* فقد ذكروا بترجمة الإمام علي بن الحسين زين العابدين : أنّه كان ( أفضل هاشميٍّ في زمانه )(١) و ( كان كثير الحديث )(٢) وقد سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيما رواه الفريقان عن جابر بن عبد الله ـ( سيّد العابدين ) (٣) ، وأنّه قد روى عنه الزهري في جماعةٍ من أكابر القوم(٤) .

والزهري هو الذي دوَّن السنّة لمّا أمر بذلك عمر بن عبد العزيز ، بعد قرنٍ من منع عمر بن الخطّاب كتابة الأحاديث النبويّة .

* وبترجمة الإمام محمّد بن علي الباقر : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي سمّاه بهذا اللّقب ، في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري الذي أشرنا إليه .

وروى ابن قتيبة : ( إنّ هشاماً قال لزيد بن علي : ما فعل أخوك البقرة ؟

فقال زيد : سمّاه رسول الله باقر العلم وأنت تسمّيه بقر ! فاختلفتما إذن )(٥) .

وقال الجوهري : ( التبقّر : التوسّع في العلم وكان يقال : محمّد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب الباقر ؛ لتبقّره في العلم )(٦) .

وقال الزبيدي صاحب تاج العروس : ( وقد ورد في بعض الآثار عن جابر

ـــــــــــــــــ

(١) تهذيب التهذيب : ٧/٣٠٤ وفي ط ٢٦٨ .

(٢) تهذيب التهذيب : ٧/٣٠٤ وفي ط ٢٦٨ .

(٣) الصواعق المحرقة : ١٢٠ ، تذكرة الخواص : ٣٣٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٤/١٩٦ ، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة : ٢/٣٣١ .

(٤) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب وغيره .

(٥) عيون الأخبار : ١/٢١٢ .

(٦) صحاح اللُّغة : ( ب ق ر ) .

١٣

ابن عبد الله الأنصاري : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له :

( يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمّد ، يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ) خرّجه أئمّة النسب )(١) .

روى عنه من الأئمّة : الزهري والأوزاعي والأعمش وأبو حنيفة وابن جريج(٢) .

* وبترجمة الإمام جعفر بن محمّد الصادق :

عن مالك بن أنس : ( اختلفت إليه زماناً ، فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصالٍ : إمّا مصلٍّ وإمّا صائمٍ وإمّا يقرأ القرآن وما رأيته يحدّث إلاّ عن طهارة )(٣) .

وعن أبي حنيفة : ( ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة : إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمّد ، فهيّئ له من المسائل الشداد ، فهيّأت له أربعين مسألة

ثمّ بعث إليّ أبو جعفر ـ وهو بالحيرة ـ فأتيته فدخلت عليه ، وجعفر بن محمد جالس عن يمينه ، فلمّا أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمّد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلّمت عليه وأومأ إليّ ، فجلست ، ثمّ التفت إليه فقال :

يا أبا عبد الله ، هذا أبو حنيفة .

قال جعفر : نعم ثمّ أتبعها : قد أتانا كأنّه كره ما يقول فيه قوم أنّه إذا

ـــــــــــــ

(١) تاج العروس في شرح القاموس : ( ب ق ر ) .

(٢) تهذيب التهذيب : ١٠/٤٠١ و٩/٣١٢ ، حلية الأولياء ٣/١٨٨ ، تذكرة الحفّاظ ١/١٢٤ .

(٣) تهذيب التهذيب : ٢/٨٩ .

١٤

رأى الرجل عرفه .

ثمّ التفت المنصور إليّ فقال : يا أبا حنيفة ، ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك

فجعلت أُلقي عليه فيجيبني ، فيقول :

أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربّما تبعناهم وربّما خالفنا جميعاً .

حتّى أتيت على الأربعين مسألة .

ثمّ قال أبو حنيفة : ألسنا روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس )(١) .

فهذا كلام مالك وأبي حنيفة وهما من تلامذته ، وقال الآلوسي في كلامٍ له :

( هذا أبو حنيفة يفتخر ويقول بأفصح لسان : لولا السّنتان لهلك النّعمان )(٢) .

وعن أبي حاتم الرازي : ( لا يسأل عن مثله )(٣) .

وعن ابن حِبّان : ( كان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً )(٤) .

وقال النووي : ( اتّفقوا على إمامته وجلالته )(٥) .

وقال الشهرستاني : ( قد أقام بالمدينة مدّةً يفيد الشيعة المنتمين إليه ،

ـــــــــــــــــ

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة : ١/٢٢٢ ، تذكرة الحفّاظ : ١/١٥٧ .

(٢) مختصر التحفة الاثنى عشريّة : ٨ .

(٣) تهذيب التهذيب : ٢/٨٩ .

(٤) تهذيب التهذيب : ٢/٨٨ .

(٥) تهذيب الأسماء واللُّغات : ١/١٥٥ .

١٥

ويفيض على الموالين أسرار العلوم ، ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّةً )(١) .

وقال اليافعي :

( له كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، قد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصّوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة ، يتضمّن رسائله وهي خمسمائة رسالة )(٢) .

وقال ابن حجر :

( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في البلدان وروى عنه الأئمّة الأكابر ، كيحيى بن سعيد وابن جريج ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني )(٣)

* وبترجمة الإمام موسى بن جعفر الكاظم : إنّه كان يُدعى : (العبد الصالح ) من عبادته واجتهاده(٤) .

وإنّه : (إمام من أئمّة المسلمين )(٥) .

وقال الذهبي :

( موسى الكاظم الإمام القدوة ذكره أبو حاتم فقال : ثقةٌ صدوق ، إمامٌ من أئمّة المسلمين ...

له مشهد عظيم مشهور ببغداد ، دُفن معه فيه حفيده الجواد ، ولولده عليّ ابن موسى مشهد عظيم بطوس )(٦) .

وقال ابن حجر :

( هو وارث أبيه علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سمّي

ـــــــــــــــــ

(١) الملل والنحل : ١/١٤٧ .

(٢) مرآة الجنان : ١/٣٠٤ .

(٣) الصواعق المحرقة : ١١١ .

(٤) تهذيب التهذيب : ١٠/٣٠٢ ، تاريخ بغداد ١٣/٢٧ ، تهذيب الكمال ٢٩/٤٤ ، صفوة الصفوة ٢/١٢٤ .

(٥) تهذيب الأسماء : ١/٣٠٢ .

(٦) سِيَر أعلام النبلاء : ٦/٢٧٠ .

١٦

الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ،وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم )(١) .

* وبترجمة الإمام عليّ بن موسى الرضا : أنّه كان يفتي بمسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن نيّف وعشرين سنة(٢) .

وقال الذهبي :

( علي بن موسى الرضا ، أحد الأعلام هو الإمام أبو الحسن كان سيّد بني هاشم في زمانه وأجلّهم وأنبلهم ، وكان المأمون يعظّمه ويخضع له ويتغالى فيه ، حتّى أنّه جعله وليَّ عهده من بعده وكتب بذلك إلى الآفاق )(٣) .

وذكر أبو الفرج ابن الجوزي وغيره في خبر جعل المأمون الإمام وليّ العهد :

( وذلك أنّه نظر في بني العبّاس وبني عليّ ، فلم يجد أحداً أفضل ولا أورع ولا أعلم منه ، وأنّه سمّاه الرضي من آل محمّد ، وأمر بالبيعة له )(٤) .

روى عنه من الأئمّة : أحمد بن حنبل(٥) .

وأخرج عنه : الترمذي وأبو داود وابن ماجة .

وروى الحافظ ابن حجر عن الحاكم أبي عبد الله قوله : ( سمعت أبا بكر محمّد بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر ابن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعةٍ من مشايخنا ـ وهم إذ

ـــــــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ١١٢ .

(٢) تهذيب التهذيب : ٧/٣٣٨ ، المنتظم ١٠/١٢٠ ، تذكرة الخواص : ٣٥١ .

(٣) تاريخ الإسلام ، حوادث ٢٠١ ـ ٢١٠ ص : ٢٦٩ .

(٤) المنتظم في تاريخ الأُمم : ١٠/٩٣ ، وفيات الأعيان : ٢/٤٣٢ وغيرهما .

(٥) سِيَر أعلام النبلاء : ٩/٣٨٧ .

١٧

ذاك متوافرون ـ إلى زيارة قبر عليّ بن موسى الرضا بطوس ، فرأيت من تعظيمه ـ يعني ابن خزيمة ـ لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرّعه عندها ما تحيّرنا )(١) .

وجاء في غير واحدٍ من الكتب :

إنّه لمّا دخل الإمامعليه‌السلام نيسابور راكباً ، خرج إليه علماء البلد وبأيديهم المحابر والدّوى، وتعلَّقوا بلجام دابّته وحلّفوه أن يحدّثهم بحديثٍ عن آبائه ، فقال :

( حدّثني أبي موسى الكاظم عن أبيه عليّ بن أبي طالب ، قال : حدّثني حبيبي وقرّة عيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : حدّثني جبريل قال : سمعت ربّ العزّة يقول : لا إله إلاّ الله حصني ، فمن قالها دخل حصني وأمن من عذابي ) .

وفي روايةٍ : أنّه روى عن آبائه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :

( سألت رسول الله : ما الإيمان ؟ قال : معرفة بالقلب وإقرار باللّسان وعمل بالأركان ) .

وعن أحمد بن حنبل : إن قرأت هذا الإسناد على مجنونٍ برئ من جنونه .

هذا ، وكان على رأس العلماء الذين طلبوا من الإمام أن يحدّثهم :

أبو زرعة الرازي ، ومحمّد بن أسلم الطوسي ، وياسين بن النضر ، وأحمد ابن حرب ، ويحيى بن يحيى ...

وقد عدّ أهل المحابر والدّوى الذين كانوا يكتبون ، فأنافوا على عشرين ألفاً(٢) .

* فهؤلاء ـ وسائر الأئمّة الإثنى عشر ـ هم المؤسّسون لمذهب الإماميّة ،والمشيّدون لأركان العلوم الإسلاميّة .

ـــــــــــــــــ

(١) تهذيب التهذيب : ٧/٣٣٩ .

(٢) أخبار أصبهان : ١/١٣٨ ، المنتظم : ١٠/١٢٠ وغيرهما .

١٨

وقد علم ممّا تقدّم :

١ ـ إنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كان كلّ واحّدٍ منهم أعلم الناس في زمانه وأفضلهم ، وقد شهد بذلك المخالف كالمؤالف .

٢ ـ إنّ العلوم الإسلاميّة إنّما انتشرت في البلاد بواسطة الأئمّةعليهم‌السلام في كلّ عصر ، فالصّحابة العلماء : كابن عبّاس وابن مسعود وأُبيّ بن كعب وأبي ذر الغفاري وأمثالهم ، تعلّموا من أمير المؤمنين ، وكذلك التابعون قد أخذوا عنه وعن الأئمّة من بعده ، والصحابة من تلامذته .

٣ ـ إنّ علماء المذاهب الأُخرى قد حضروا عند الأئمّة ، ومنهم أخذوا وعنهم رووا ، وعلى رأسهم : مالك بن أنس وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل ...

نشر العلم والمعرفة بشتّى الطرق

ثمّ إنّ نشر الأئمّةعليهم‌السلام للعلوم وتعليمهم الأُمّة معارف الدين ، لم يقتصر على طريقٍ من الطرق ، أو أُسلوب من الأساليب بل لقد استفادوا لذلك من كافّة الوسائل وشتّى الطّرق : كالكتابة ، والخطابة ، والدعاء ، والإملاء ، والتدريس ؛

ففي الوقت الذي منعت الحكومة ـ ولأغراضٍ عديدة ـ من تدوين السنّة النبويّة الشريفة ، لم يقنع أميرالمؤمنينعليه‌السلام بأُجوبة الإستفتاءات ، وحلّ المشكلات ، وتعليم العلوم ، بل عمد إلى الكتابة أيضاً وحثَّ عليها يقول الحافظ السيوطي :

( كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم ،

١٩

فكرهها كثير منهم ، وأباحتها طائفة وفعلوها ، منهم : علي وابنه الحسن )(١) .

وما كتبهعليه‌السلام كان موجوداً لدى أبنائه، ينظرون فيه وينقلون عنه ، كما لا يخفى على من راجع أحاديثهم ...(٢) .

وكتب أيضاً كاتبه الجليل علي بن أبي رافع : ( وهو تابعي ، من خيار الشيعة ، كانت له صحبة مع أمير المؤمنين ، وكان كاتباً له ، وحفظ كثيراً ، وجمع كتاباً في فنون الفقه ، كالوضوء والصلاة وسائر الأبواب ، وكانوا يعظّمون هذا الكتاب )(٣) .

وعن الإمام الصّادقعليه‌السلام مخاطباً أصحابه :

( أُكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا ) (٤) .

( أُكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون إلاّ بالكتاب ) (٥) .

( ما يمنعكم من الكتاب ؟ إنّكم لن تحفظوا حتّى تكتبوا ، إنّه خرج من عندي رهط من أهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها ) (٦) .

وورد الحثّ على الإحتفاظ بالكتب :

( احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها )(٧) .

وأمّا خطب الأميرعليه‌السلام من على منبر الكوفة ، فما زالت محطّ

ـــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي : ٢ : ٦٥ .

(٢) انظر كتاب : وسائل الشيعة ، في مختلف الأبواب منه .

(٣) رجال النجاشي : ٦/٢ .

(٤) وسائل الشيعة : ٢٧ : ٣٢٣/ ٣٣٨٤٤ .

(٥) مستدرك الوسائل : ١٧ : ٢٨٥/ ٢١٣٥٩ .

(٦) مستدرك الوسائل : ١٧ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣/ ٢١٣٨٣ .

(٧) وسائل الشيعة : ٢٨ : ٣٢٣/ ٣٣٨٤٥ .

٢٠

أنظار أهل العلم ومحور أفكار أهل الفهم فقد زخرت بأسرار الحكمة الإلهيّة ، وكشفت عن أستار كثير من المعارف الدينيّة ، واشتملت على أُمّهات الحقائق المعنويّة فيها براهين إثبات المبدأ والمعاد ، ومباحث صفات الباري وآيات عظمته وحكمته ...

ثمّ جاءت هذه المعاني في قالب الأدعية ، على لسان حفيده الإمام السجّادعليه‌السلام وعرف بالصحيفة السجّاديّة .

وجاءت على شكل الإملاء عن الإمام الصادقعليه‌السلام فيما نقله المفضَّل بن عمر ، وعرف بكتاب : توحيد المفضّل .

وأمّا جلسات الدّرس والسؤال والجواب ، فعن الحافظ أبي العبّاس ابن عقدة الكوفي المتوفى سنة ٣٣٣ أنّه وضع كتاباً في أسماء تلامذة الإمام الصادقعليه‌السلام ، فذكر ترجمة ٤٠٠٠ رجل منهم(١) .

وعن الحسن الوشاء :

( إنّي أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ ٩٠٠ شيخ كلٌّ يقول : حدّثني جعفر بن محمّد )(٢) .

ومن هنا ، انتشر التشيّع وأحاديث أهل البيتعليهم‌السلام بين أهل الكوفة ، وأصبحت الكوفة مركزاً من مراكز الإشعاع الفكريّ لمذهب العترة الطاهرة ، ومعقلاً من معاقل أتباعهم الأخيار ، ودخلت رواياتهم في كتب أهل السنّة ، وخاصّةً صحاحهم المعروفة ، فإنّهم ـ وإنْ نبزوهم بالرفض للمتقدّمين على عليعليه‌السلام ـ لم يتمكّنوا من رفض رواياتهم ؛ لاتّصافهم بأسمى صفات الوثاقة ، وأتمّ شروط الإعتبار والإعتماد ؛ حتّى قال الذهبي :

ـــــــــــ

(١) تاريخ الكوفة : ٤٠٨ .

(٢) رجال النجاشي : ٣٩ ـ ٤٠/٨٠ .

٢١

 (أبان بن تغلب [م، عو] الكوفي ، شيعي جلد، لكنّه صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته .

وقد وثّقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم وأورده ابن عدي وقال : كان غالياً في التشيّع وقال السعدي : زائغ مجاهر .

فلقائل أن يقول : كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة والإتقان ، فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة ؟

وجوابه : إنّ البدعة على ضربين : فبدعة صغرى ، كغلوّ التشيّع أو كالتشيّع بلا غلو ولا تحرّف ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق ، فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة ، وهذه مفسدة بيّنة )(١) .

ولذا قال السيّد شرف الدين العاملي (رحمه‌الله ) :

( وتلك صحاحهم الستّة وغيرها تحتجُّ برجالٍ من الشيعة ، وصمهم الواصمون بالتشيّع والانحراف ، ونبزوهم بالرفض والخلاف ، ونسبوا إليهم الغلوّ والإفراط والتنكّب عن الصراط ، وفي شيوخ البخاري رجال من الشيعة نُبزوا بالرفض ووُصموا بالبغض ، فلم يقدح ذلك في عدالتهم عند البخاري وغيره ، حتّى احتجّوا بهم في الصّحاح بكلّ ارتياح.

إنّ الشيعة إنّما جروا على منهاج العترة الطاهرة واتّسموا بسماتها ، وإنّهم لا يطبعون إلاّ على غرارها ولا يضربون إلاّ على قالبها ، فلا نظير لمن اعتمدوا عليه من رجالهم في الصّدق والأمانة ، ولا قرين لمن احتجّوا به من أبطالهم في الورع والإحتياط ، ولا شبيه لمن ركنوا إليه من أبدالهم في الزهد والعبادة وكرم

ـــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال : ١/٥ .

٢٢

الأخلاق وتهذيب النفس ومجاهدتها ومحاسبتها بكلّ دقة ، آناء اللّيل وأطراف النهار ، لا يبارون في الحفظ والضبط والإتقان ، ولا يجارون في تمحيص الحقائق والبحث عنها بكلّ دقّة واعتدال .

وقد علم البرّ والفاجر حكم الكذب عند هؤلاء الأبرار ، والأُلوف من مؤلَّفاتهم المنتشرة تلعن الكاذبين ، وتعلن أنّ الكذب في الحديث من الموبقات الموجبة لدخول النار ، ولهم في تعمّد الكذب في الحديث حكم قد امتازوا به ، حيث جعلوه من مفطّرات الصائم ، وأوجبوا القضاء والكفّارة على مرتكبه في شهر رمضان ، كما أوجبوهما بتعمّد سائر المفطّرات ، وفقههم وحديثهم صريحان بذلك ،

فكيف يتّهمون ـ بعد هذا ـ في حديثهم وهم الأبرار الأخيار قوّامون اللّيل صوّامون النهار ؟

وبماذا كان الأبرار من شيعة آل محمّد وأولياؤهم متّهمين ، ودعاة الخوارج والمرجئة والقدريّة غير متّهمين ، لو لا التحامل الصريح أو الجهل القبيح ؟

نعوذ بالله من الخذلان ، وبه نستجير من سوء عواقب الظلم والعدوان ) .

ثمّ ذكر السيّد أسماء مائةٍ من رجال الشيعة الواردين في أسناد الصّحاح الستّة ...(١) .

أقول :

إنّ من النقاط الجديرة بالذكر في تراجم العلماء الشيعة والسنّة في كتب التاريخ والرجال لأهل السنّة :

أوّلاً :

إنّهم يترجمون للرجل من أهل السنّة وإن كان خاملاً ، وأمّا إن كان من علماء الشيعة فيحاولون التناسي عنه وإنْ كان كبيراً فيهم ، ولذا ترى تراجم

ـــــــــــــــــ

(١) المراجعات : ١٠٢ ـ ١٠٣ بتلخيص .

٢٣

علماء الإماميّة في كتب القوم الرجاليّة والتاريخيّة قليلة جدّاً .

وثانياً :

إنّه إن كان من أهل السنّة يتعرّضون لجميع جوانب حياته ، فيذكرون مشايخه وتلامذته ومؤلّفاته ومناقبه ، وما قيل فيه وحتّى أسفاره أمّا العالم الإمامي فيختصرون الكلام بترجمته جدّاً ، وربّما لا يترجمون لشخصيّة من أكابرهم المشهورين إلاّ بأسطرٍ أو سطرين !

ثالثاً :

ـ وهي المهمّة هنا ـ أنّك ترى بتراجم علمائهم ارتكاب الكبائر والموبقات الموجبة لدخول النار ، ولا تجد شيئاً من ذلك بتراجم علماء الإماميّة ، ولو كان أحدهم متّهماً ـ ولو من قِبَل الخصوم ـ بموبقةٍ ، لذكروا بل وهرّجوا !

وسنورد نماذج من تراجم علماء الإماميّة ، ونماذج من الموبقات المذكورة بتراجم علماء السنّة .

أهمُّ العلوم في المدرسة الشيعيّة

وكان أكثر الاهتمام والاشتغال ـ في مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام بمسائل العقائد وعلوم القرآن الكريم والأحكام الفقهيّة ، وعلى هذه الأُمور كانت تدور بحوثهم وحلقات دروسهم ، وفيها ألّفوا الكتب ووضعوا الرسائل التي لا تُحصى ، ونبغ فيها العلماء الفطاحل الأعلام في مختلف القرون :

علم الكلام

ففي علم الكلام ، قال الشيخ الحرّ العاملي ـ وعن السيّد حسن الصّدر ـ ما ملخّصه:

٢٤

إنّه لمّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن من شيعة عليعليه‌السلام إلاّ أربعة مخلصون : سلمان والمقداد وأبوذر وعمّار ، ثمّ تبعهم جماعة ، وكانوا يكثرون بالتدريج ، فلمّا أخرج عثمان أباذر إلى الشام تشيّع على يده جماعة كثيرون ، ثمّ أخرجه معاوية إلى القرى ، فوقع في جبل عامل فتشيّعوا من ذلك اليوم(١) .

وفي الصحابة أيضاً : ابن عبّاس وقيس بن سعد بن عبادة وصعصعة بن صوحان وأبو الطفيل في جماعةٍ آخرين(٢) .

أمّا في أصحاب الأئمّة وتلامذتهم ، فالمشهورون منهم في علم الكلام :

سليم بن قيس الهلالي

والأصبغ بن نباتة

وكميل بن زياد النخعي

والحارث الهمداني

وهشام بن الحكم

وهشام بن سالم الجواليقي

وحمران بن أعين

وأبو جعفر محمّد بن علي بن النعمان الأحول، الملقّب بمؤمن الطاق

وقيس الماصر

وعلي بن إسماعيل بن ميثم التمّار

والفضل بن شاذان النيسابوري

ـــــــــــــــــ

(١) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : ٣٥١ .

(٢) أعيان الشيعة ١ : ١٣٣ .

٢٥

وقد اشتهر من أعلام الإماميّة في علم الكلام :

أبو جعفر ابن قبة الرازي

والحسن بن الحسين النوبختي

والشيخ المفيد البغدادي

والسيّد المرتضى الموسوي

والشيخ أبو الفتح الكراجكي

والشيخ أبو جعفر الطوسي

والشيخ نصير الدين الطوسي

والعلاّمة الحلّي

علوم القرآن

واشتهر في علوم القرآن من الإماميّة بعد طبقة الصحابة :

ميثم بن يحيى التمّار

وسعيد بن جبير

وإسماعيل بن عبد الرحمن السدّي، وهو المعروف بالسدّي الكبير

ومحمّد بن السائب الكلبي

وأبو حمزة الثمالي

وهشام بن محمّد الكلبي

وأبان بن تغلب

ويونس بن عبد الرحمن

والحسن بن محبوب السرّاد

٢٦

ومحمّد بن مسعود العيّاشي

وفرات بن إبراهيم الكوفي

وعلي بن إبراهيم القمّي

وأبو جعفر الطوسي

وابن شهر آشوب السروي

وأبو علي الطبرسي

والعلاّمة الحلّي

علم الفقه والحديث

وأمّا الفقهاء والمحدّثون الكبار من أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام ومن بعدهم ، فنذكر منهم جماعةً :

علي بن أبي رافع

وأبو حمزة الثمالي

وجابر بن يزيد الجعفي

وزيد بن علي بن الحسين

وأبان بن تغلب

ومحمّد بن مسلم الطائفي

وأبو بصير يحيى بن القاسم

وزرارة بن أعين

ومعاوية بن عمّار الدّهني

ومعروف بن خرّبوذ المكّي

٢٧

وجميل بن درّاج

وصفوان بن يحيى

وعبيد الله بن موسى العبسي

وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي

وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي

ومحمّد بن يعقوب الكليني

وابن الجنيد الإسكافي

وابن أبي عقيل العماني

وابن بابويه الصدوق القمي

والمفيد البغدادي

والسيّد المرتضى الموسوي

وأبو جعفر الطوسي

وأبو الفتح الكراجكي

وابن إدريس الحلّي

وأبو القاسم جعفر بن الحسن الحلّي

والعلاّمة الحلّي

وهنا فوائد :

الفائدة الأُولى :

قد ظهر ممّا تقدّم أنّ الأصل في العلوم الإسلاميّة ـ الموجودة بأيدي المسلمين ، والتي نبغ فيها العلماء الأعلام في مختلف القرون ـ هم أئمّة أهل

٢٨

البيتعليهم‌السلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين وباب مدينة العلم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

الفائدة الثانية :

إنّ من أعلام الإماميّة من تضلّع وتبحّر في عدّةٍ من العلوم الإماميّة ، فالشيخ أبو جعفر الطوسي ـ مثلاً ـ فقيه ، مفسّر ، متكلّم ، محدّث ، وهذا في علماء هذه الطائفة كثير ، وبين علماء سائر الفرق قليل .

الفائدة الثالثة :

إنّ الجوامع الحديثيّة المعروفة عند الإماميّة ، والتي عليها المدار في الفقه والحديث ، هي الكتب الأربعة :

١ ـ الكافي للشيخ أبي جعفر الكليني

٢ ـ من لا يحضره الفقيه ، للشيخ ابن بابويه الصّدوق القمّي

٣ ـ تهذيب الأحكام

٤ ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار

وكلاهما للشيخ أبي جعفر الطوسي .

ثمّ الكتب الأربعة الثانية :

١ ـ بحار الأنوار ، للشيخ محمّد باقر المجلسي

٢ ـ الوافي، للشيخ الفيض الكاشاني

٣ ـ وسائل الشيعة ، للشيخ الحرّ العاملي

٤ ـ مستدرك وسائل الشيعة ، للشيخ النوري الطبرسي .

الفائدة الرابعة :

إنّ الكتب الفقهيّة التي ألّفها أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام كانت تحتوي

٢٩

أُمّهات المسائل في كثيرٍ من الأبواب ، ثمّ أُلّفت الكتب الكبار شيئاً فشيئاً ، حتّى توسّع الفقه الشيعي ، وصُنّف فيه الموسوعات الضخمة مثل (الحدائق الناضرة ) للشيخ يوسف البحراني ، و(جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ) للشيخ محمّد حسن النجفي المعروف بصاحب الجواهر .

تنبيه :

قد اكتفينا في طبقات العلماء في مختلف العلوم بذكر أسماء جماعةٍ من أشهرهم في كلّ علم ، ابتداءً بالأصحاب وانتهاءً بالعلاّمة الحلّي (رحمه‌الله ) .

وأمّا من جاء بعد العلاّمة ـ وإلى يومنا هذا ـ من أكابر العلماء فلا يعدّون كثرة .

٣٠

تراجم أعلام الشيعة في كتب السنّة

ولأجل أنْ نعرّف بطائفةٍ من أعلام الإماميّة في الكلام والفقه والحديث وعلوم القرآن ، ونشيد بدورهم في حفظ هذه العلوم ، ونشرها بين الأمّة في مختلف الأدوار والأعصار ، وخاصّةً على لسان المخالفين ، فإنّا نورد هنا طرفاً من تراجم علماء الشيعة في كتب أهل السنّة ، مع الإلتفات إلى النقاط التي ذكرناها سابقاً :

الأصبغ بن نباته

وهو من رجال ابن ماجة ، وثّقه جماعة ، وتكلّم فيه آخرون لتشيّعه ، حتّى قال ابن حبّان :

( فتن بحبّ عليٍّ فأتى بالطامّات فاستحقّ الترك )

وقال ابن عدي : ( عامّة ما يرويه عن علي لا يتابعه أحد عليه وإذا حدّث عنه ثقة فهو عندي لا بأس بروايته ، وإنّما أتى الإنكار من جهة من روى عنه )

وذكر العقيلي : ( كان يقول بالرّجعة ) ، وقال ابن سعد : ( كان على شرطة علي )(١) .

الحارث الهمداني

قال الذهبي : ( حديث الحارث في السنن الأربعة ، والنسائي مع تعنّته في الرجال فقد احتجّ به وقوّى أمره ، والجمهور على توهين أمره مع روايتهم

ـــــــــــــــــ

(١) تهذيب التهذيب : ١/٣١٦ ـ ٣١٧ .

٣١

لحديثه في الأبواب ، فهذا الشعبي يكذّبه ثمّ يروي عنه ، والظاهر أنّه كان يكذّب في لهجته وحكاياته ، وأمّا في الحديث النبوي فلا، وكان من أوعية العلم ) .

وروى عن ابن أبي داود : كان الحارث الأعور أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس ، تعلّم الفرائض عن علي .

وأورد الذهبي : تكلّم بعضهم فيه ، وكلماتهم كلّها ترجع إلى تشيّعه(١) .

ونحن تكفينا رواية النسائي وسائر أصحاب السنن عنه .

كُميل بن زياد

من رجال النسائي ، ووثّقه ابن سعد وابن معين والعجلي وابن حبّان وابن حجر العسقلاني وغيرهم(٢) .

سعيد بن جُبَير

روى الكشي بإسناده عن أبي عبد الله الصادق ، قال :

( إنّ سعيد بن جبير كان يأتمّ بعلي بن الحسين عليه‌السلام ، وكان علي بن الحسين يثني عليه ، وما كان سبب قتل الحجّاج له إلاّ على هذا الأمر ، وكان مستقيماً ) (٣) .

وروى البلاذري بإسناده عن سعيد بن جُبَير عن ابن عبّاس ، قال :

( يوم الخميس وما يوم الخميس ، اشتدّ فيه وجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

ـــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال : ١/٤٣٥ .

(٢) تهذيب التهذيب : ٨/٤٠٢ ، تقريب التهذيب ٦/١٣٦ .

(٣) رجال الكشي : ١١٩/١٩٠ .

٣٢

إيتوني بالدواة والكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّون معه بعدي أبداً ، فقالوا : أتراه يهجر ! وتكلّموا ولغطوا ، فغمّ ذلك رسول الله وأضجره وقال :إليكم عنّي ، ولم يكتب شيئاً )(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني :

( ع ـ سعيد بن جبير الأسدي ، مولاهم ، الكوفي ، ثقة ثبت فقيه قُتل بين يدي الحجّاج سنة ٩٥ )(٢) .

وقال ابن الجزري :

( التابعي الجليل والإمام الكبير ، عرض على عبد الله ابن عبّاس ، وعرض عليه أبو عمرو بن العلاء والمنهال بن عمرو

قال إسماعيل بن عبد الملك : كان سعيد بن جبير يؤمّنا في شهر رمضان ، فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ وليلة بقراءة زيد بن ثابت ، قتله الحجّاج بواسط شهيداً في سنة ٩٥ وقيل سنة ٩٤ )(٣) .

أبو حمزة الثمالي

ذكر النديم في كتب التفسير : كتاب تفسير أبي حمزة قال :

( واسمه ثابت ابن دينار ، من أصحاب علي ـ يعني الإمام زين العابدين ـ من النجباء الثقات ، وصحب أبا جعفر ـ يعني الإمام الباقر ـ )(٤) .

وترجم له علماؤنا ووثّقوه ، ورووا عن الإمام أبي عبد اللهعليه‌السلام قوله :

( أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه ) (٥) .

ـــــــــــــــــ

(١) أنساب الأشراف : ١/٥٦٢ .

(٢) تقريب التهذيب : ١/٢٩٢ .

(٣) غاية النهاية : ١/٣٠٥ .

(٤) الفهرست : ٣٦ .

(٥) رجال النجاشي : ١١٥ .

٣٣

وقد روى عنه من أصحاب الصّحاح الستّة : النسائي في مسند علي ، وأبو داود وابن ماجة(١) والترمذي(٢) .

لكنْ تكلّم فيه جماعة من أجل التشيّع ، فقد عدّه السليماني في قومٍ من الرافضة(٣) ، وفي التقريب : رافضي(٤) .

وروى الذهبي : إنّه ذكر حديثاً في ذكر عثمان بن عفّان فنال منه ، فقام ابن المبارك وفرّق ما كتب عنه(٥) .

جابر بن يزيد الجعفي

قال الذهبي : ( جابر بن يزيد [د ، ت ، ق] بن الحارث الجعفي ، الكوفي ، أحد علماء الشيعة ، له عن أبي الطفيل والشعبي وخلق ، وعنه : شعبة وأبو عوانة وعدّة .

قال ابن مهدي عن سفيان : كان جابر الجعفي ورعاً في الحديث ، ما رأيت أورع منه في الحديث .

وقال شعبة : صدوق

وقال يحيى بن أبي بكر عن شعبة : كان جابر إذا قال أخبرنا ، وحدّثنا ، وسمعت ، فهو من أوثق الناس .

وقال وكيع : ما شككتم في شيء فلا تشكّوا أنّ جابراً الجعفي ثقة .

وقال ابن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول : قال سفيان الثوري لشعبة :

ـــــــــــــــــ

(١) تقريب التهذيب : ١/١١٦ .

(٢) ميزان الاعتدال : ١/٣٦٣ .

(٣) ميزان الاعتدال : ١/٣٦٣ .

(٤) تقريب التهذيب : ١/١٦٦ .

(٥) ميزان الاعتدال : ١/٣٦٣ .

٣٤

لئن تكلَّمت في جابر الجعفي لأتكلّمنّ فيك ) .

ثمّ نقل عن جرير بن عبد الحميد أنّه تكلّم فيه ؛ لأنّه ( كان يؤمن بالرجعة ) .

وعن سفيان بن عيينة أنّه تركه لمّا سمعه قال : دعا رسول الله عليّاً فعلّمه ممّا تعلّم ، ثمّ دعا عليٌّ الحسنَ فعلّمه ممّا تعلّم ، ثمّ دعا الحسنُ الحسينَ فعلّمه ممّا تعلّم ، ثمّ دعا ولده حتّى بلغ جعفر بن محمّد .

وعن زائدة : جابر الجعفي رافضيٌّ يشتم أصحاب النبي .

وعن الحميدي : سمعت رجلاً يسأل سفيان :

أرأيت ـ يا أبا محمّد ـ الذين عابوا على جابر الجعفي قوله : حدّثني وصيّ الأوصياء ؟

فقال سفيان : هذا أهونه(١) .

فكان تشيّعه والعقائد الشيعيّة عنده هي السبب لتكلّم من تكلّم فيه ...

هشام بن الحكم

قال النديم : ( من متكلّمي الشيعة ، ممّن فتق الكلام في الإمامة وهذّب المذهب والنظر ، وكان حاذقاً بصناعة الكلام ، حاضر الجواب )(٢) .

محمّد بن مسلم

من أصحاب الإمام أبي جعفر الباقر ، والإمام أبي عبد الله الصادقعليهما‌السلام ، وقد روى أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال :

(أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة : محمّد بن مسلم وبريد بن معاوية وليث بن البختري

ـــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ / ٣٧٩ .

(٢) الفهرست : ٢٢٣ .

٣٥

المرادي وزرارة بن أعين ) (١) .

وأنّه قال فيهم :( أربعة نجباء أُمناء الله على حلاله وحرامه، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست ) (٢) .

وأنّه :( هؤلاء حفّاظ الدين ، وأُمناء أبي على حلاله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسّابقون إلينا في الآخرة ) (٣) .

وقال العلماء في حقّه : فقيه ورع ، وجه أصحابنا بالكوفة ، من أوثق الناس .

وذكروا أنّه توفّي سنة ١٥٠(٤) .

وترجم له علماء الجمهور في أغلب كتبهم ، ولم يتكلّم فيه أحد منهم بشيء .

وقد أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، واستشهد به البخاري ، وروى له في كتاب الأدب المفرد(٥) .

معاوية بن عمّار

من أصحاب الإمام محمّد الباقر ، وجعفر الصادقعليهما‌السلام ، وله كتب في المسائل الفقهيّة ، مثل : كتاب الصلاة وكتاب الحج وكتاب الزكاة وكتاب

ـــــــــــــــــ

(١) رجال الكشي : ٢٣٨ / ٤٣٢ .

(٢) رجال الكشي : ١٧٠ / ٢٨٦ .

(٣) رجال الكشي : ١٣٦ ـ ١٣٧ / ٢١٩ .

(٤) رجال الكشي : ١٦١ ـ ١٦٩ ، رجال النجاشي : ٣٢٣ / ٨٨٢ ، رجال الشيخ : ٢٩٤ / ٤٢٩٣ ، خلاصة الأقوال : ٢٥١ / ٨٥٨ .

(٥) تهذيب الكمال : ٢٦ / ٤١٦ .

٣٦

الطلاق ...

قال النجاشي : كان وجهاً من أصحابنا ومقدّماً ، كبير الشأن ، عظيم المحل ، ثقة ، وكان أبوه عمّار ثقة في العامّة ، وجهاً ومات معاوية سنة ١٧٥(١) .

وأخرج عنه مسلم والنسائي والترمذي والبخاري في أفعال العباد(٢) .

قال الذهبي وابن حجر : صدوق(٣) .

حمران بن أعين

من رجال ابن ماجة ، روى عن أبي الطفيل وغيره .

كان يتقن القرآن ، وقرأ عليه حمزة الزيّات ، وروى عنه جماعة من الأكابر ، منهم : سفيان الثوري .

ترجم له البخاري في تاريخه فلم يذكر له جرحاً .

وقال ابن عدي ـ بعد أن ذكر له بعض الأخبار ـ :

( وحمران ـ هذا ـ له غير ما ذكرنا من الحديث وليس بالكثير ، ولم أر له حديثاً منكراً جدّاً فيسقط من أجله ، وهو غريب الحديث ، ممّن يكتب حديثه ) .

وذكره ابن حبّان في الثقات .

وقد تكلّم فيه جماعة من أجل التشيّع ، ورماه بعضهم بالغلوّ في التشيّع وآخرون بالرفض .

وقال ابن الجزري : ( حمران بن أعين ، أبو حمزة الكوفي ، مقرئ كبير ،

ـــــــــــــــــ

(١) رجال النجاشي : ٤١١/١٠٩٦ وانظر : خلاصة الأقوال : ٢٧٣/٩٩٥ .

(٢) تقريب التهذيب : ٢/٢٦٠ .

(٣) ميزان الاعتدال : ٤/١٣٧ ، تقريب التهذيب ٢/٢٦٠ .

٣٧

أخذ القراءة عرضاً عن عبيد بن نضلة وأبي حرب بن أبي الأسود وأبيه أبي الأسود ويحيى بن وئاب ومحمّد بن علي الباقر روى القراءة عنه عرضاً حمزة الزيّات .وكان ثبتاً في القراءة ، يُرمى بالرفض .

قال الذهبي : توفّي في حدود الثلاثين والمائة أو قبلها )(١) .

معروف بن خرّبوذ

من أصحاب الإمام زين العابدين ، والإمام الباقر ، والإمام الصادقعليهم‌السلام .

قال الكشي : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ، وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين : زرارة ومعروف بن خربوذ ...(٢) .

وقد أخرج عنه : البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة .

قال الذهبي : صدوق شيعي(٣) .

وقال ابن حجر : صدوق ربّما وهم ، وكان أخباريّاً علاّمةً(٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) التاريخ الكبير : ٣/٨٠ ، الكامل في الضعفاء : ٣/٣٦٦ ، ميزان الاعتدال : ١/٦٠٤ ، كتاب الثقات : ٤/١٧٩ ، غاية النهاية في طبقات القرّاء : ١/٢٦١ .

(٢) رجال الكشي : ٢٣٨/٤٣١ .

(٣) ميزان الاعتدال : ٤/١٤٤ .

(٤) تقريب التهذيب : ٢/٢٦٤ .

٣٨

الحسن بن محبوب السرّاد

روى عن الإمام موسى بن جعفر ، والإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، وثّقه أصحابنا وقالوا : كان جليل القدر ، يُعدّ في الأركان الأربعة في عصره(١) .

ولم أجد له ترجمةً في كتب القوم ، إلاّ عند ابن حجر ، نقلاً عن شيخ الطائفة ، ولم يذكر سوى أسماء مشايخه ، والرواة عنه(٢) .

السدّي الكبير

ذكره شيخ الطائفة في أصحاب الإمام زين العابدين والإمام الباقرعليهما‌السلام (٣) .

وأخرج عنه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة(٤) .

ووثّقه : أحمد والعجلي وابن حبّان ، وقال النسائي : صالح ، وقال ابن عدي : مستقيم الحديث ، صدوق(٥) .

وقال ابن حجر : صدوق يهم ، رُمي بالتشيّع(٦) .

ـــــــــــــــــ

(١) رجال الشيخ الطوسي : ٣٣٤ ، خلاصة الأقوال : ٩٧/٢٢٢ ، قاموس الرجال : ٣/٣٤٧ ، الفهرست للشيخ الطوسي : ٩٦/١٦٢ .

(٢) لسان الميزان : ٢/٢٨٨ الطبعة الحديثة .

(٣) رجال الشيخ : ١٠٩/١٠٦٢ .

(٤) تقريب التهذيب : ١/٧٣ .

(٥) تهذيب التهذيب : ١/٢٧٤ .

(٦) تقريب التهذيب : ١/٧٣ .

٣٩

بل قال الذهبي : ( قال حسين بن واقد المروزي : سمعت من السدّي ، فما قمت حتّى سمعته يشتم أبابكر وعمر ، فلم أعد إليه )(١) .

الحسن بن الحسين النوبختي

أبو محمّد الحسن بن الحسين بن علي بن العبّاس بن إسماعيل بن أبي سهل ابن نوبخت ، النوبختي ، البغدادي ، الكاتب ، المتوفّى سنة ٤٠٢ .

هو من كبار علمائنا من آل نوبخت ، وقد ترجم له الخطيب البغدادي ، فقال : ( كان سماعه صحيحاً ، وقال الأزهري : كان النوبختي رافضيّاً رديء المذهب ، سألت البرقاني عن النوبختي ، فقال : كان معتزليّاً وكان يتشيّع إلاّ أنّه تبيّن أنّه صدوق )(٢) .

وقال ابن حجر : ( قال العقيقي : كان يذهب إلى الاعتزال ، ثقة في الحديث .

وقال البرقاني : كان معتزليّاً وكان يتشيّع إلاّ أنّه تبيّن أنّه صدوق )(٣) .

وقال السمعاني : ( كان معتزليّاً رافضيّاً ، رديء المذهب ، إلاّ أنّه صدوق صحيح السّماع )(٤) .

أبو جعفر الكليني

قال الذهبي : ( الكليني ، شيخ الشيعة وعالم الإماميّة ، صاحب التصانيف ،

ـــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال : ١/٢٣٧ .

(٢) تاريخ بغداد : ٧/٢٩٩ .

(٣) لسان الميزان : ٢/١٩٩ ـ ٢٠١ الطبعة القديمة .

(٤) الأنساب : ٥/٥٢٩ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384