استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 384
المشاهدات: 156521
تحميل: 7170


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156521 / تحميل: 7170
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والآخر : لوح المحو والإثبات ، فيثبت فيه شيئاً ثمّ يمحوه ، لحكم كثيرة لا تخفى على أُولي الألباب ، مثلاً يكتب إنّ عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه : أنّ مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره ، فإذا وصل الرحم ـ مثلاً ـ يمحى الخمسون ويكتب مكانه ستّون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللّوح المحفوظ إنّه يصل عمره ستّون ، كما أنّ الطبيب الحاذق إذا اطّلع على مزاج شخصٍ يحكم بأنّ عمره بحسب هذا المزاج يكون ستّين سنةَ ، فإذا شرب سمّاً ومات أو قتله إنسان فنقص من ذلك أو استعمل دواء قوي مزاجه به فزاد عليه ، لم يخالف قول الطبيب ، والتغيّر الواقع في هذا اللّوح مسمّى بالبداء ؛ إمّا لأنّه شبيه به ، كما في سائر ما يطلق عليه سبحانه من الابتلاء والاستهزاء والسخرية وأمثالها ؛ أو لأنّه يظهر للملائكة أو للخلق إذا أُخبروا بالأوّل خلاف ما علموا أوّلاً .

وأيّ استبعاد في تحقّق هذين اللّوحين ؟

وأيّة استحالة في هذا المحو والإثبات حتّى يحتاج إلى التأويل والتكلّف ، وإن لم يظهر الحكمة فيه لنا بعجز عقولنا عن الإحاطة بها ؟

مع أنّ الحكم فيه ظاهرة :منها : أن يظهر للملائكة الكاتبين في اللّوح والمطّلعين عليه ، لطفه تعالى بعباده ، وإيصالهم في الدنيا إلى ما يستحقّونه فيزدادوا به معرفة .

ومنها : أن يعلم العباد ـ بإخبار الرسل والحججعليهم‌السلام ـ أنّ لأعمالهم الحسنة مثل هذه التأثيراتت في صلاح أُمورهم ، ولأعمالهم السيّئة تأثيراً في فسادها ، فيكون داعياً لهم إلى الخيرات ، صارفاً لهم عن السيّئات

فظهر أنّ لهذا اللّوح تقدّماً على اللّوح المحفوظ ، من جهة صيرورته سبباً لحصول بعض الأعمال ، فبذلك ينقش في اللّوح المحفوظ حصوله ، فلا يتوهّم أنّه بعد ما كتب في هذا اللّوح حصوله لا فائدة في المحو والإثبات .

ومنها : إنّه إذا أخبر الأوصياء أحياناً من كتاب المحو والإثبات ، ثمّ أخبروا بخلافه ، يلزمهم الإذغان به ويكون في ذلك تشديد للتكليف عليهم ، تسبيباً لمزيد الأجر لهم ، كما في سائر ما يبتلي الله عباده به من التكاليف الشاقّة ، وإيراد الأُمور التي يعجز أكثر العقول عن الإحاطة بها ، وبها يمتاز المسلّمون الذين فازوا بدرجات اليقين عن الضعفاء الذين ليس لهم قدم راسخ في الدين .

٢٠١

ومنها : أن يكون هذه الإخبار تسليةً لقومٍ من المؤمنين المنتظرين لفرج أولياء الله وغلبة الحقّ وأهله ، كما روي في فرج أهل البيتعليهم‌السلام وغلبتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام لو كانوا أخبروا الشيعة ـ في أوّل ابتلاءهم باستيلاء المخالفين وشدّة محنتهم ـ أنّه ليس فرجهم إلاّ بعد ألف سنة أو ألفي سنة ، ليئسوا ورجعوا عن الدين ، ولكنّهم أخبروا شيعتهم بتعجيل الفرج ، وربّما أخبروهم بأنّه يمكن أن يحصل الفرج في بعض الأزمنة القريبة ؛ ليثبتوا على الدين ويثابوا بانتظار الفرج ، كما مرّ في خبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه ) .

وقال ـرحمه‌الله ـ بعد إيراد حديثين :

( فأخبارهم ـعليهم‌السلام ـ بما يظهر خلافه ظاهراً ، من قبيل المجملات والمتشابهات التي تصدر عنهم ، ثمّ يصدر بعد ذلك تفسيرها وبيانها ، وقولهم : يقع الأمر الفلاني في وقت كذا معناه إن كان كذا ، أو إن لم يقع الأمر الفلاني الذي ينافيه ، ولم يذكروا الشرط كما قالوا في النسخ قبل الفعل ، وقد أوضحناه في باب ذبح إسماعيلعليه‌السلام .

فمعنى قولهمعليهم‌السلام : ما عبد الله بمثل البداء ، إنّ الإيمان بالبداء من أعظم العبادات القلبيّة ؛ لصعوبته ومعارضة الوساوس الشيطانيّة فيه ، ولكونه إقراراً بأنّ له الخلق والأمر ، وهذا كمال التوحيد ، أو المعنى أنّه من أعظم الأسباب والدواعي إلى عبادة الربّ تعالى كما عرفت .

وكذا قولهم : ما عُظِّم الله بمثل البداء ، يحتمل الوجهين ، وإن كان الأوّل فيه أظهر .

وأمّا قول الصادقعليه‌السلام : لو علم النّاس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه .

فلما مرّ أيضاً ، من أنّ أكثر مصالح العباد موقوفة على القول بالبداء ، إذ لو اعتقدوا أنّ كلّ ما قُدِّرَ في الأزل فلابدّ من وقوعه حتماً ، لَمَا دعوا الله في شيء من مطالبهم ، وما تضرّعوا إليه وما استكانوا لديه ، ولا خافوا منه ولا رجوا إليه ، إلى غير ذلك ممّا قد أومأنا إليه .

وأمّا إنّ هذه الأُمور من جملة الأسباب المقدّر في الأزل ، أن يقع الأمر بها لا بدونها ، فممّا لا يصل إليه عقول أكثر الخلق .

٢٠٢

فظهر أنّ هذا اللّوح وعلمهم بما يقع فيه من المحو والإثبات أصلح لهم من كلّ شيء )(١) .

أقول :

ومثله في إثبات علم الله عزّ وجلّ بالأشياء كلّها قبل كونها ، وأنّه ليس معنى أخبار البداء ظهور الأمر له تعالى ، كلمات غيره من أعلام الطائفة ، بل صريح بعضهم أنْ أخذ (البداء ) بمعنى العلم بعد الجهل كفر :

قال الشيخ الصدوق :

( وعندنا : من زعم أنّ الله تعالى يبدو له اليوم في شيءٍ لم يعلمه أمس ، فهو كافر ، والبراءة منه واجبة )(٢) .

وقال الشيخ المفيد :

( وليس هو الانتقال من عزيمةٍ إلى عزيمة ، ولا من تعقّب الرأي ، تعالى الله عمّا يقول المبطلون علوّاً كبيراً )(٣) .

وقال الشيخ الطوسي :

( والوجه في هذه الأخبار : ما قدّمنا ذكره من تغيير المصلحة فيه ، واقتضائها تأخير الأمر إلى وقتٍ آخر على ما بيّناه ، دون ظهور الأمر له تعالى ، فإنّا لا نقول به ولا نجوّزه ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ) .

بل قال : ( فأمّا من قال بأنّ الله تعالى لا يعلم بشيءٍ إلاّ بعد كونه ، فقد كفر وخرج عن التوحيد )(٤) .

وكذلك كلام غير هؤلاء من علمائنا المتقدّمين والمتأخّرين .

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٤ : ١٢٩ ـ ١٣٣ .

(٢) كتاب التوحيد : ١٣٥ باب العلم .

(٣) تصحيح الاعتقاد : ٢٠٠ .

(٤) كتاب الغيبة : ٤٣٠ ـ ٤٣١ .

٢٠٣

روايات السنّة في البداء

والروايات والأخبار المخرّجة في كتب أهل السنّة من طرقهم ، الدالّة على عقيدة البداء عن الصحابة والتابعين كثيرة :

فالرواية الأُولى : ما أخرجه جماعة من الأئمّة عن مجاهد .

قال السيوطي في تفسيره (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهدرضي‌الله‌عنه ، قال : قالت قريش حين أُنزل :( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ) ما نراك يا محمّد تملك من شيءٍ ولقد فُرغ من الأمر ، فأُنزلت هذه الآية تخويفاً ووعيداً لهم :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) إنّا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ويحدث الله تعالى في كلّ رمضان ، فيمحو الله ما يشاء ويثبت من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم )(١) .

الرواية الثانية : عن ابن عباس كما في (الدر المنثور ) حيث قال :

( أخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شُعب الإيمان ، عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه في قوله :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) قال : ينزل الله في كلّ شهر رمضان إلى سماء الدنيا ، فيدبّر أمر السنة إلى السنة في ليلة القدر ، فيمحو الله ما يشاء ويثبت ، إلاّ الشقاوة والسعادة والحياة والمماة )(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١ و٢) الدر المنثور ٤ : ٦٥٩ .

٢٠٤

الرواية الثالثة : عن جابر ، ففي (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن سعد وابن جرير وابن مردويه عن الكلبيرضي‌الله‌عنه في الآية قال : يمحو الله من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه .

فقيل له : من حدّثك بهذا ؟

قال : أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رباب الأنصاري عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وقال السيوطي في رسالته (إفادة الخبر بنصّه في زيادة العمر وانقصه ) :

( أخرج ابن جرير وابن مردويه في تفسيرهما عن الكلبي في قوله :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه .

فقيل : من حدّثك بهذا ؟

قال : أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رباب الأنصاري عن النبيّ ـ صلَّى الله عليه وسلّم ـ ) .

الرواية الرابعة : عن أبي الدرداء ، قال عمر بن عادل في (اللّباب ) :

( روى أبو الدرداء ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ينزل الله تعالى في آخر ثلاث ساعات يبقين من اللّيل ، فينظر في الساعة الأُولى منهنّ في أُمّ الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت )(٢) .

الرواية الخامسة : ما رواه ابن مردويه في تفسيره ، وابن عساكر في تاريخه عن أمير المؤمنين ، فقد قال السيوطي في (إفادة الخبر بنصّه ) :

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٤ : ٦٦٠ .

(٢) اللباب في علوم الكتاب ١١ : ٣٢٠ .

٢٠٥

 ( أخرج ابن مردويه في تفسيره وابن عساكر في تاريخه عن عليّرضي‌الله‌عنه : أنّه سال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ )

فقال : لأقرّنّ عينك بتفسيرها ، ولأقرّنّ عين أُمّتي بعدي بتفسيرها :

الصدقة على وجهها وبرّ الوالدين واصطناع المعروف ، يحوّل الشقاء سعادةً ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء ) .

وفي (الدر المنثور ) بتفسير الآية :

( أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عليّرضي‌الله‌عنه إنّه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الآية ، فقال له : لأقرّنّ عينك بتفسيرها ، ولأقرّنّ عين أُمّتي بعدي بتفسيرها :

الصدقة على وجهها وبرّ الوالدين واصطناع المعروف ، يحوّل الشقاء سعادةً ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء )(١) .

وقال القاضي ثناء الله في (تفسيره ) :

( سأل عليّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الآية ـ يعني( يَمْحُوا اللّهُ ) الآية ـ قال : لأقرّنّ عينك بتفسيرها وأقرّنّ عين أُمّتي بتفسيرها : الصدقة على وجهها وبرّ الوالدين واصطناع المعروف ، يحوّل الشقاء سعادةً ويزيد في العمر .

مر ، أي رواه ابن مردويه .

قلت : المراد بهذا القضاء المعلّق ) .

الرواية السادسة : ما أخرجه الحاكم وصحّحه ، كما في (الدر المنثور )

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٤ : ٦٦١ .

٢٠٦

 ( أخرج الحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال : لا ينفع الحذر مِن القدر ، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر )(١) .

الرواية السابعة : عن قيس بن عباد ، أخرجها ابن جرير .

قال في (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن جرير عن قيس بن عباد ـ رضي الله عنه ـ قال : العاشر من رجب يمحو الله فيه ما يشاء )(٢) .

الرواية الثامنة : أخرجها جماعة عن قيس بن عباد أيضاً .

قال في (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن قيس بن عبادرضي‌الله‌عنه قال : لله أمر في كلّ ليلة العاشر من الأشهر الحرم ، أمّا العاشر من الأضحى فيوم النحر ، وأمّا العاشر من المحرّم فيوم عاشورا ، وأمّا العاشر من رجب ففيه يمحو الله ما يشاء ويثبت .

قال: ونسيت ما قال في ذي القعدة )(٣) .

الرواية التاسعة : عن عمر بن الخطّاب ، أخرجها جماعة .

قال في (الدر المنثور ) :

( أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه إنّه قال ـ وهو يطوف بالبيت ـ : اللهمّ إن كنت كتبت عليّ شقاوةً أو ذنباً فامحه ، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُمّ الكتاب ، فاجعله سعادةً ومغفرة )(٤) .

الرواية العاشرة : عن ابن مسعود :

ـــــــــــــــــ

(١ ـ ٤) الدر المنثور ٤ : ٦٦١ .

٢٠٧

 ( أخرج ابن أبي شيبة في المصنّف وابن أبي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قال : ما دعا عبدٌ قط بهذه الدعوات إلاّ وسّع الله عليه في معيشته :

يا ذا المنّ ولا يمنّ عليه ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا الطَّوْل ، لا إله إلاّ أنت ، ظهر اللاّجين وجار المستجيرين ، ومأمن الخائفين ، إن كنت كتبتني عندك في أُمّ الكتاب شقيّاً ، فامح عنّي اسم الشقاوة وثبّتني عندك سعيداً ، وإن كنت كتبتني عندك في أُمّ الكتاب محرّماً مقتَّراً علَيّ رزقي ، فامح حرماني ويسّر رزقي وثبّتني عندك سعيداً موفّقاً للخير ، فإنّك تقول في كتابك الذي أنزلت : ( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ ) ) .

هكذا في (الدر المنثور )(١) .

ورواه عمر بن عادل الحنبلي في تفسيره (اللباب في علوم الكتاب ) عن ابن مسعود وعمر ، فقال :

( عن ابن عمر وابن مسعود أنّهما قالا : يمحو السعادة والشقاوة ويمحو الرزق والأجل ويثبت ما يشاء .

وروي عن عمر : إنّه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللّهمّ إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني وثبّتني في أهل السعادة والمغفرة ، فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُمّ الكتاب ، ومثله عن ابن مسعود )(٢) .

وقال الفخر الرازي بتفسير الآية :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ ) .

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٤ : ٦٦١ .

(٢) اللباب في علوم الكتاب : ١١/٣٢٠ .

٢٠٨

 ( في هذه الآية قولان :

الأوّل : إنّها عامّة في كلّ شيء ، كما يقتضيه ظاهر اللّفظ ، قالوا : إنّ الله يمحو من الرزق ويزيد فيه ، وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر .

وهو مذهب عمر وابن مسعود .

ورواه جابر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

أقول :

وقد ذُكر مذهب ابن مسعود وعمر بن الخطّاب بتفسير الآية ، في تفسير ابن كثير والقرطبي والواحدي وابن الجوزي والبيضاوي وغيرهم ، وقد نُسب ذلك في بعضها إلى غيرهما من الصّحابة أيضاً .

الرواية الحادية عشر : أخرجها ابن جرير عن مجاهد .

قال السيوطي في (الدر المنثور ) و (إفادة الخبر بنصّه ) :

( أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ )

قال : الله ينزّل كلّ شيءٍ يكون في السنة في ليلة القدر ، فيمحو ما يشاء من الآجال والأرزاق والمقادير ، إلاّ الشقاوة والسعادة ) .

الرواية الثانية عشر : أخرجها جماعة عن ابن عبّاس .

قال في (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن جرير ومحمّد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه ، عن ابن عبّاس :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) قال : من أحد الكتابين هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت وعنده أُمّ الكتاب أي جملة

ـــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ١٩ : ٦٤ ـ ٦٥ .

٢٠٩

لكتاب )(١) .

الرواية الثالثة عشر : رواها ابن جرير عن كعب الأحبار ، وهو جليل القدر عندهم ، وإنْ كذَّبه ابن عبّاس في بعض الأحاديث ، كما في (حياة الحيوان )(٢) .

قال السيوطي في (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن جرير عن كعب ـ رضي الله عنه ـ أنّه قال لعمر ـ رضي الله عنه ـ : يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة

قال : وما هي ؟

قال : قول الله :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ ) (٣) .

وهذه الرواية ـ بالإضافة إلى دلالتها على البداء ـ تدلّ على أفضليّة كعب الأحبار من عمر ، بل الثلاثة ، فقد ادّعى العلم بجميع الأُمور المستقبلة إلى يوم القيامة ، والقوم لم يكذّبوه في هذه الدعوى التي ليس لأحدٍ من الثلاثة أنْ يدَّعيها .

وإذا جاز لكعبٍ أن يدّعي مثل هذه الدّعوى ، وأنْ يتلقّاها القوم بالتصديق ، فلماذا يستبعدون ما ورد في هذا الباب عن الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ؟

قال في (البحار ) :

( عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ إنّه قال :لولا آية في كتاب الله ، لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن ، إلى يوم القيامة وهي هذه الآية : ( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ ) )(٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٤ : ٦٦٠ .

(٢) حياة الحيوان ١ : ٢٥٨ .

(٣) الدر المنثور ٤ : ٦٦٤ .

(٤) بحار الأنوار ٤ : ٩٧ .

٢١٠

وأيضاً في (البحار ) :

( عن زرارة عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : كان عليّ بن الحسين ـ عليهما السلام ـ يقول : لو لا آية في كاب الله لحدّثتكم بما يكون إلى يوم القيامة ، فقلت : أيّة آية ؟

قال : قول الله :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ ) (١) .

الرواية الرابعة عشر : رواها ابن جرير عن الضحاك، قال في (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن جرير عن الضحّاك ـ رضي الله عنه ـ في الآية ، قال : يقول : أنسخ ما شئت وأصنع في الآجال ما شئت ، إن شئت زدت فيها وإن شئت نقصت ، وعنده أُمّ الكتاب

قال : جملة الكتاب وعلمه ، يعني بذلك ما ينسخ منه وما يثبت )(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٤ : ١١٨ .

(٢) الدر المنثور ٤ : ٦٦٤ .

٢١١

من موارد وقوع البداء في أخبار القوم

فإنْ قيل : إنّ مفاد هذه الروايات تجويز وقوع التغيير في التقدير الإلهي ، لكنّ أخبار البداء عند الإماميّة تدلّ على وقوع التغيير بعد اطّلاع الأنبياء ، أو الملائكة ، أو غيرهم ، على الأمر الأوّل ، وهذا ما لا تدلّ عليه روايات القوم .

قلنا : إنّه وإنْ كان ما ذكرناه كافياً لدفع هذه الشبهة ، لكنّا ـ مع ذلك ـ نأتي بأحاديثهم في جملةٍ من القضايا الواقعة من هذا القبيل .

قصّة الأبرص والأعمى والأقرع في بني إسرائيل

فمنها : قصّة الثلاثة في بني إسرائيل ، وأنّه ( بدا لله ) فيهم :

أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة أنّه سمع رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : ( إنّ ثلاثةً في بني إسرائيل : أبرص وأقرع وأعمى ، بدا لله أنْ يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً .

فأتى الأبرص فقال : أيّ شيء أحبّ إليك ؟

قال : لون حسن وجلد حسن ، قد قذرني الناس .

قال : فمسحه ، فذهب عنه ، فأُعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً .

فقال : أيّ المال أحبّ إليك ؟

قال : الإبل أو قال البقر ـ هو شك في ذلك أنّ الأبرص والأقرع قال أحدهما الإبل وقال الآخر البقر ـ فأعطى ناقةً عشراء فقال : يبارك لك فيها .

وأتى الأقرع فقال : أيّ شيء أحبّ إليك ؟

قال : شعر حسن ويذهب عنّي هذا ، قد قذرني الناس .

قال : فمسحه ، فذهب ، وأُعطي شعراً حسناً .

قال : فأيّ المال أحبّ إليك ؟

قال : البقر .

قال : فأعطاه بقرةً حاملاً وقال : يبارك لك فيها .

وأتى الأعمى فقال : أيّ شيء أحبّ إليك ؟

قال : يردّ الله إليَّ بصري ، فأبصر به الناس .

٢١٢

قال : فمسحه ، فردّ الله إليه بصره .

قال : فأيّ المال أحبّ إليك ؟

قال : الغنم فأعطاه شاةً والداً .

فأُنتج هذان وولّد هذا ، فكان لهذا وادٍ من إبل ، ولهذا وادٍ من بقر ، ولهذا واد من الغنم )(١) .

قصّة يونسعليه‌السلام

ومنها : قصّة يونس كما في (الدر المنثور ) حيث قال :

( أخرج ابن مردويه عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ يونس دعا قومه ، فلمّا أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب ، فقال : إنّه يأتيكم يوم كذا وكذا ، ثمّ خرج عنهم ، وكانت الأنبياءعليهم‌السلام إذا وعدت قومها العذاب خرجت ، فلمّا أظلّهم العذاب خرجوا ، ففرّقوا بين

ـــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، الباب : ٩٤٧ .

٢١٣

المرأة وولدها وبين السّخلة وأولادها ، وخرجوا فعجّوا إلى الله وعلم الله منهم الصدق ، فتاب عليهم وصرف عنهم العذاب ، وقعد يونس في الطريق يسأل عن الخبر ، فمرّ به رجل ، فقال : ما فعل قوم يونس ؟

فحدّثه بما صنعوا ، فقال : لا أرجع إلى القوم فقد كَذِبْتُم ، وانطلق مغاضباً يعنى مراغماً )(١) .

وفي (الدر المنثور ) أيضاً :

( أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) قال : لمّا دعا يونسعليه‌السلام على قومه ، أوحى الله إليه : إنّ العذاب مصبحهم ، فقال لهم ، فقالوا : ما كذب يونسعليه‌السلام وليصبحنا العذاب ، فتعالوا حتّى نخرج سخال كلّ شيء فنجعلها مع أولادنا لعلّ الله أن يرحمنا ، فأخرجوا النساء مع الولدان وأخرجوا الإبل مع فصلانها ، وأخرجوا البقر مع عجاجيلها ، وأخرجوا الغنم مع سخالها فجعلوها فجعلوها أمامهم وأقبل العذاب ، فلمّا رأوا جأروا إلى الله ودعوا وبكى النساء والولدان ، ورغت الإبل وفصلانها ، وخارت البقر وعجاجيلها ، وثغت الغنم وسخالها ؛ فرحمهم الله فصرف ذلك العذاب عنهم ، وغضب يونسعليه‌السلام فقال : كذبت ، فهو قوله( إذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً ) (٢) .

وفي (تفسير ) القاضي ثناء الله :

( أخرج ابن أبي حاتم عن عليّرضي‌الله‌عنه قال : تعيبَ على قوم يونس يوم عاشورا ، وكان يونس قد خرج ينتظر العذاب وهلاك قومه ، فلم ير شيئاً ، وكان من كذب ولم يكن له بيّنةٌ قتل ، فقال يونس : كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتهم ، فانطلق عاتباً على ربّه مغاضباً لقومه ) .

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٤ : ٣٩٢ .

(٢) الدر المنثور ٥ : ٦٦٧ .

٢١٤

وفيه :

( قال عروة بن الزبير وسعيد بن جُبير وجماعة : وذهب عن قومه مغاضباً لربّه ، إذ كشف عن قومه العذاب بعدما وعدهم ، وكره أن يكون بين قوم جرّبوا عليه الخلف فيما وعدهم واستحيى منهم ، ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب عنهم ، وكان غضب من ظهور خلف وعده وأن يسمّى كذّاباً ، لا كراهيّة لحكم الله عزّ وجلّ .

وفي بعض الأخبار : إنّه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جرّبوا عليه الكذب ، فخشي أن يقتلوه لمّا لم يأتهم العذاب للميعاد ، فغضب ) .

وقال السيوطي في (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن أبي حاتم واللالكائي في السنّة عن عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال : إنّ الحذر لا يردّ القدر ، وإنّ الدعاء يردّ القدر ، وذلك في كتاب الله :( إلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ ) .

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال : إنّ الدعاء ليردّ القضاء ، وقد نزل من السماء ، اقرأوا إن شئتم :( إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ ) دعوا ، فصرف عنهم العذاب )(١) .

قصّة موسىعليه‌السلام

ومنها : ما رووه في قصة موسىعليه‌السلام .

قال السيوطي في (الدر المنثور ) :

( أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن مجاهد :( وَوَاعَدْنَا مُوسَى‏ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً ) قال : ذو القعدة( وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ) قال : إنّ موسى قال لقومه : إنّ ربي

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٤ : ٣٩٢ .

٢١٥

وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأخلف هارون فيكم ، فلمّا اتّصل موسى إلى ربّه زاده الله عشراً ، فكانت فتنتهم في العشر التي زادها الله )(١) .

وفي حديثٍ طويل أخرجه السيوطي عن العدني وعبد بن حميد والنسائي وجماعة غيرهم : إن قوم موسى قالوا :

( فما بال موسى وعدنا ثلاثين ليلة ثمّ أخلفنا )(٢) .

ومنها : ما جاء في قصّة الرجل الذي أتى وكر طائر قال الدميري في (حياة الحيوان ) :

( وفي تاريخ ابن النجّار وعوالي أبي عبد الله المثنّى بن أنس بن مالك الأنصاري قاضي البصرة وعالمها ومسندها ، وهو من كبار شيوخ البخاري ، من حديث الحسن بن أبي الحسن البصري .

عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كان فيمن قبلكم رجل يأتي وكر طائرٍ ، كلّما أفرخ يأخذ فرخه ، فشكى ذلك الطائر إلى الله تعالى ما يفعل به ، فأوحى الله إليه : إن عاد فسأهلكه ، فلمّا أفرخ الطائر خرج ذلك الرجل كما كان يخرج ، فبينما هو في بعض الطريق فسأله سائل فأعطاه رغيفاً كان معه يتغذّاه ثمّ مضى ، حتّى أتى الوكر فوضع سلّمه ثمّ صعد وأخذ الفرخين ، وأبواهما ينظران إليه ، فقالا : ربّنا إنّك لا تخلف الميعاد وقد وعدتنا أن تهلك هذا إذا عاد ، وقد عاد وأخذ فرخينا ولم تهلكه ؟!

فأوحى الله إليهما : ألم تعلما أنّي لا أُهلك أحداً تصدّق في يومه بميتة سوءٍ )(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٣ : ٥٣٥ .

(٢) الدر المنثور ٥ : ٥٧٧ مع فرق .

(٣) حياة الحيوان للدميري ٢ : ١٥١ .

٢١٦

قصّة القصّار

ومنها : ما جاء في قصّة القصّار الذي مرّ على عيسىعليه‌السلام ، رواها الزندوبستي في (روضة العلماء ) قال :

( حدّثنا أبو عبد الله المطوّعي بإسناد له عن وهب ـرحمه‌الله ـ قال : كان عيسى النبي صلوات الله عليه قاعداً مع الحواريّين ، إذ مرّ قصّار على ظهره حزمة ثياب ، فقال عيسىعليه‌السلام للحواريّين : إنّ هذا القصّار سالماً مع ثيابه ، فتعجّب الحواريّون بذلك ، فقال عيسى للقصّار : أخبرني عن قصّتك

قال : خرجت بالغداة ومعي ثلاثة أرغفة ، فاستقبلني سائل فدفعت إليه واحداً فدعا وقال : صرف الله عنك السّوء ، فمضيت فاستقبلني سائل آخر فسألني فدفعت إليه الرغيف الثاني ، فقال : صرف الله عنك البلاء ، فإذا فتحت حزمة ثيابي رأيت فيها حيّةً سوداء تلتهب النّار من عينها وفي عنقها سلسلتان ، وإذا ملكان يمدّان تلك الحيّة حتّى إذا أخرجاها من حزمة ثيابي

فقال عيسى : لذلك الرغيف سلّمك الله تعالى وزاد في عمرك ) .

قصّة الرجل من قوم صالحعليه‌السلام

ومنها : قصّة الرجل من قوم صالح ، الذي كان يؤذي الناس ، فيما روي في كتاب (حياة الحيوان ) حيث قال :

( روى أحمد في كتاب الزهد عن سالم بن أبي الجعد ، قال : كان رجل من قوم صالحعليه‌السلام قد آذاهم ، فقالوا : يا نبيّ الله أُدع الله عليه ، فقال : اذهبوا ، فقد كفيتموه

قال : وكان يخرج كلّ يومٍ يحتطب

قال : فخرج يومئذ معه رغيفان ، فأكل أحدهما وتصدّق بالآخر

قال : فاحتطب ثمّ جاء بحطبه سالماً لم يصبه شيء ، فجاؤوا إلى صالحعليه‌السلام وقالوا : قد جاء بحطبه سالماً لم يصبه شيء

٢١٧

قال : فدعاه صالحعليه‌السلام وقال له : أيّ شيءٍ صنعت اليوم ؟

قال : خرجت ومعي قرصان ، فتصدّقتُ بأحدهما وأكلت الآخر

فقال صالح : حُلَّ حطبك ، فحلّه ، فإذا فيه أسود مثل الجذع عاضّ على جذل من الحطب ، فقال : بهذا دفع عنك ، يعني بالصدقة )(١) .

قصّة الملكين

ومنها : قصّة الملكين من بني إسرائيل رواها صاحب (مختار مختصر تاريخ بغداد ) عن عبد الصمد بن علي ، قال :

( حدّثني أبي عن جدّي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه كان في بني إسرائيل ملكان أخوان على مدينتين ، وكان أحدهما بارّاً برحمه عادلاً على رعيّته ، وكان الآخر عاقّاً برحمه جائراً على رعيّته ، وكان في عصرهما نبيّ ، فأوحى الله إلى ذلك النبيّ : إنّه قد بقي من عمر هذا البارّ ثلاث سنين ، وبقي من عمر هذا العاقّ ثلاثون سنة

قال : فأخبر النبيّ رعيّة هذا ورعيّة هذا ، فأحزن ذلك رعيّة الجائر وأحزن ذلك رعيّة العادل

قال : ففرّقوا بين الأطفال والأُمّهات وتركوا الطعام والشراب ، وخرجوا إلى الصحراء يدعون الله تعالى أن يمتّعهم بالعادل ويزيل عنهم أمر الجائر

فأقاموا ثلاثاً ، فأوحى الله إلى ذلك النبيّ أن أخبر عبادي بأنّي قد رحمتهم وأجبت دعائهم ، فجعلت ما بقي من عمر هذا البارّ لذلك الجائر ، وما بقي من عمر الجائر لهذا البارّ .

قال : فرجعوا إلى بيوتهم ، ومات العاقّ لتمام ثلاث سنين ، وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة ، ثمّ تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتَابٍ إِنّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ) ) .

ـــــــــــــــــ

(١) حياة الحيوان ١ : ٣٧ ( الأسود السالخ ) .

٢١٨

ورواه أبو الحسن البزّار في كتابه في (فضائل أهل البيت ) على ما نقل عنه في كتاب (مفتاح كنز الدراية ) حيث قال :

( قال الإمام الثقة أبو الحسن علي بن معروف البزّار ، في حديث البرّ والصّلة ، وهو من آخر الجزء : حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصّمد بن موسى بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، قال : حدّثني محمّد بن إبراهيم الإمام ، عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس ، قال : حدّثني أبي عن جدّي عبد الله ( رضي الله عنهما ) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال : كان في بني إسرائيل ملكان أخوان على مدينتين ، وكان أحدهما بارّاً برحمه ، عادلاً في رعيّته ، وكان الآخر عاقّاً لرحمه ، جائراً على رعيّته ، وكان في مصرهما نبيّ ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبيّ : إنّه قد بقي من عمر هذا البارّ ثلاث سنين ، وبقي من عمر هذا العاقّ ثلاثون سنة ، فأخبر ذلك النبيّ رعيّة هذا ورعيّة هذا ، فأحزن ذلك رعيّة العادل وأحزن ذلك رعيّة الجائر

قال : ففرّقوا بين الأطفال والأُمّهات ، وتركوا الطعام والشراب ، وخرجوا إلى الصحراء يدعون الله عزّ وجلّ أن يمتّعهم بالعادل ، ويزيل عنهم أمر الجائر ، فأقاموا ثلاثاً ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبيّ أن أخبر عبادي إنّي قد رحمتهم فأجبت دعائهم ، فجعلت ما بقي من عمر هذا البارّ لذلك الجائر وما بقي من عمر الجائر لهذا البارّ

قال : فرجعوا إلى بيوتهم ، ومات العاقّ لتمام ثلاث سنين ، وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة ، ثمّ تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتَابٍ إِنّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ ) )(١) .

والعجب من الدهلوي صاحب (التحفة الاثنى عشرية ) حيث يروي هذه القصّة في كتابه (بستان المحدّثين ) المنتحل من (مفتاح كنز دراية المسموع ) ومع ذلك يردّ على أخبار أهل الحق في مسألة البداء ، وهذه عبارة (بستان المحدّثين ) حيث ذكر بأنّ ( جزء فضائل أهل البيت ) صنّفه أبو الحسن علي بن معروف البزّار ، وفي آخره في حديث البرّ والصلة :

ـــــــــــــــــ

(١) مفتاح كنز الدراية ـ مخطوط .

٢١٩

 ( حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصّمد بن موسى بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، قال : حدّثني محمّد بن إبراهيم الإمام ، عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس ، قال : حدّثني أبي عن جدّي عبد اللهرضي‌الله‌عنه قال :

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه كان في بني إسرائيل ملكان أخوان على مدينتين ، كان أحدهما بارّاً برحمه ، عادلاً في رعيّته ، وكان الآخر عاقّاً لرحمه ، جائراً على رعيّته ، وكان في عصرهما نبيّ ، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبيّ : قد بقي من عمر هذا البارّ ثلاث سنين ، وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة ، ثمّ تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

 ( وَمَا يُعَمّرُ مِن مُعَمّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتَابٍ إِنّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ) ) .

قصّة الملك الذي إذا ذكر ذكر عمر

ومنها : قصّة الملك الذي إذا ذكر ذكر عمر ، ففي (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن سعد في الطبقات ، عن كعب ، قال : كان في بني إسرائيل ملك ، إذا ذكرناه ذكرنا عمر ، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه ، وكان إلى جنبه نبيّ يُوحى إليه ، فأوحى الله إلى النبيّ أن يقول له : أعهد عهدك واكتب وصيّتك ؛ فإنّك ميّت إلى ثلاثة أيّام

فأخبره النبيّ بذلك ، فلمّا كان اليوم الثالث ، وقع بين الجدار والسرير ، ثمّ جاء إلى ربّه ، فقال : اللّهمّ إن كنت تعلم إنّي كنت أعدل في الحكم وإذا اختلف الأمر اتّبعت هداك وكيت وكيت ، فزدني في عمري حتّى يكبر طفلي وتربو أمتي ، فأوحى الله إلى النبي أنّه قد قال كذا وكذا وقد صدق ، وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة ، ففي ذلك ما يكبر ولده وتربوا أمته ، فلمّا طُعِن عمر ، قال كعب : لئن سأل عمر ربّه ليبقيّنه ، فأخبر بذلك عمر ، فقال : اللّهمّ اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم )(١) .

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٣ : ٤٤٩ .

٢٢٠