استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام20%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 164167 / تحميل: 7829
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

إنّ كلمة (الرحمة) التي ذكرت هنا لها مفهوم واسع ، ويدخل ضمنه كل خير وبركة وسعادة ، سواء في هذه الحياة أو في العالم الآخر ، وهذه الجملة في الواقع جاءت مقابلة لحال المنافقين الذين لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته.

ولا شك أنّ وعد الله للمؤمنين قطعي ويقيني لأنّ الله قادر وحكيم ، ولا يمكن للحكيم أن يعد بدون سبب ، وليس الله القادر بعاجز عن الوفاء بوعده حين وعد( إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

الآية الثّانية شرحت جانبا من هذه الرحمة الإلهية الواسعة التي تعم المؤمنين في بعديها المادي والمعنوي. فهي أوّلا تقول :( وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) ، ومن خصائص هذه النعمة الكبيرة أنّها لا زوال لها ولا فناء ، بل الخلود الأبدي ، لذا فإن المؤمنين والمؤمنات سيكونون( خالِدِينَ فِيها ) .

ومن المواهب الإلهية الأخرى التي سوف ينعمون بها هي المساكن الجميلة ، والمنازل المرفهة التي أعدها الله لهم وسط الجنان( وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) .

(عدن) في اللغة تعني الإقامة والبقاء في مكان ما ، ولهذا يطلق على المكان الذي توجد فيه مواد خاصّة اصطلاح (معدن) ، وعلى هذا المعنى فإنّ هناك شبها بين الخلود وعدن ، لكن لما أشارت الجملة السابقة إلى مسألة الخلود ، يفهم من هذه الجملة أن جنات عدن محل خاص في الجنّة يمتاز على سائر حدائق الجنّة.

لقد وردت هذه الموهبة الإلهية بأشكال وتفسيرات مختلفة في الرّوايات وكلمات المفسّرين ، فنطالع في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عدن دار الله التي لم ترها عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، لا يسكنها غير ثلاثة : النّبيين ، والصدّيقين ، والشّهداء»(1) .

وفي كتاب الخصال نقل عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنتي التي واعدني الله ربّي ، جنات عدن فليوال علي بن أبي

__________________

(1) مجمع البيان ، ذيل الآية.

١٢١

طالبعليه‌السلام وذريتهعليهم‌السلام من بعده».(1) ويتّضح من هذا الحديث أن جنات عدن حدائق خاصّة في الجنّة سيستقر فيها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجماعة من خلّص أصحابه وأتباعه. وهذا المضمون قد ورد في حديث آخر عن عليعليه‌السلام ، ويدل على أن جنات عدن مقر إقامة نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

بعد ذلك تشير الآية إلى الجزاء المعنوي المعد لهؤلاء ، وهو رضى الله تعالى عنهم المختص بالمؤمنين الحقيقيين ، وهو أهم وأعظم جزاء ، ويفوق كل النعم والعطايا الأخرى( وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ) .

إنّ اللذة المعنوية والإحساس الروحي الذي يحس ويلتذ به الإنسان عند شعوره برضى الله سبحانه وتعالى عنه لا يمكن أن يصفه أي بشر ، وعلى قول بعض المفسّرين فإنّ نسمة ولحظة من هذه اللذة الروحية تفوق نعم الجنّة كلها ومواهبها المختلفة والمتنوعة واللامتناهية.

من الطبيعي أنّنا لا نستطيع أن نجسم ونرسم صورة في أفكارنا عن أي نعمة من نعم الحياة الأخرى ونحن في قفص الحياة الدنيا وحياتها المحدودة ، فكيف سنصل إلى إدراك هذه النعمة المعنوية والروحية الكبرى؟!

نعم ، يمكن إيجاد تصور ضعيف عن الاختلافات المادية والمعنوية التي نعيشها في هذه الدنيا ، فمثلا يمكن إدراك الاختلاف في اللذة بين اللقاء بصديق عزيز جدا بعد فراق طويل ولذّة الإحساس الروحي الخاص الذي يعتري الإنسان عند إدراكه أو حلّه لمسألة علمية معقدة صرف في تحصيلها والوصول إلى دقائقها الشهور ، بل السنين ، أو الانشداد الروحي الذي يبعث على النشاط والجد في لحظات خلوص العبادة ، أو النشوة عند توجه القلب وحضوره في مناجاة تمتزج بهذا الحضور ، وبين اللذة التي نحس بها من تناول طعام لذيذ وأمثالها من اللذائذ ، ومن الطبيعي أن هذه اللذائذ المادية لا يمكن مقارنتها باللذائذ المعنوية ، ولا يمكن

__________________

(1) كتاب الخصال ، على ما نقل في نور الثقلين ، ج 2 ، ص 241.

١٢٢

أن تصل إلى مصافها.

من هنا يتّضح التصور الخاطئ لمن يقول بأن القرآن الكريم عند ما يتحدث عن الجزاء والعطاء الإلهي الذي سيناله المؤمنون الصالحون يؤكّد على النعم المادية ، ولا يتطرق إلى النواحي المعنوية ، لأن الجملة أعلاه ـ أي : رضوان من الله أكبر ـ ذكرت أن رضوان الله أكبر من كل النعم ، خاصّة وأنّها وردت بصيغة النكرة ، وهي تدل على أن قسما من رضوان الله أفضل من كل النعم المادية الموجودة في الجنّة ، وهذا يبيّن القيمة السامية لهذا العطاء المعنوي.

إن الدليل على أفضلية الجزاء المعنوي واضح أيضا ، لأنّ الروح في الواقع بمثابة (الجوهر) والجسم بمكان (الصدف) ، فالروح كالآمر والقائد ، والجسم كالجندي المطيع والمنفذ ، فالتكامل الروحي هو الهدف ، والجسم وسيلة ولهذا السبب فإن إشعاعات الروح وآفاقها أوسع من الجسم واللذائذ الروحية لا يمكن قياسها ومقارنتها باللذائذ المادية والجسمية ، كما أن الآلام الروحية أشدّ ألما من الآلام الجسمية.

وفي نهاية أشارت الآية إلى جميع هذه النّعم المادية والمعنوية ، وعبرت عنها بأنّ( ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

* * *

١٢٣

الآية

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) )

التّفسير

جهاد الكفار والمنافقين :

وأخيرا ، صدر القرار الإلهي للنّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجوب جهاد الكفار والمنافقين بكل قوّة وحزم( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) ولا تأخذك بهم رأفة ورحمة ، بل شدد( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) . وهذا العقاب هو العقاب الدنيوي ، أمّا في الآخرة فإن محلهم( وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .

إن طريقة جهاد الكفار واضحة ومعلومة ، فإنّ جهادهم يعني التوسل بكل الطرق والوسائل في سبيل القضاء عليهم ، وبالذات الجهاد المسلح والعمل العسكري ، لكن البحث في أسلوب جهاد المنافقين ، فمن المسلم أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجاهدهم عسكريا ولم يقابلهم بحد السيف ، لأنّ المنافق هو الذي أظهر الإسلام ، فهو يتمتع بكل حقوق المسلمين وحماية القانون الإسلامي بالرغم من أنّه يسعى لهدم الإسلام في الباطن فكم من الأفراد لا حظّ لهم من الإيمان ، ولا يؤمنون حقيقة بالإسلام ، غير أنّنا لا نستطيع أن نعاملهم معاملة غير المسلمين.

اذن ، فالمستفاد من الرّوايات وأقوال المفسّرين هو أنّ المقصود من جهاد

١٢٤

المنافقين هو الاشكال والطرق الأخرى للجهاد غير الجهاد الحربي والعسكري ، كالذم والتوبيخ والتهديد والفضيحة ، وربّما تشير جملة( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) إلى هذا المعنى.

ويحتمل في تفسير هذه الآية : أنّ المنافقين يتمتعون بأحكام الإسلام وحقوقه وحمايته ما دامت أسرارهم مجهولة ، ولم يتّضح وضعهم على حقيقته ، أمّا إذا تبيّن وضعهم وانكشفت خبيئة أسرارهم فسوف يحكمون بأنّهم كفار حربيون ، وفي هذه الحالة يمكن جهادهم حتى بالسيف.

لكن الذي يضعف هذا الاحتمال أنّ إطلاق كلمة المنافقين على هؤلاء لا يصح في مثل هذه الحالة ، بل إنّهم يعتبرون من جملة الكفار الحربيين ، لأنّ المنافق ـ كما قلنا سابقا ـ هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر.

* * *

١٢٥

الآية

( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) )

سبب النّزول

ذكرت في سبب نزول هذه الآيات أقوال وآراء مختلفة ، وكلّها تتفق على أن بعض المنافقين قد تحدثوا بأحاديث سيئة وغير مقبولة حول الإسلام والنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد أن فشا أمرهم وانتشرت أسرارهم أقسموا كذبا بأنّهم لم يتفوهوا بشيء ، وكذلك فإنّهم قد دبروا مؤامرة ضد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنّها قد أحبطت.

ومن جملتها : أنّ أحد المنافقين ـ واسمه جلاس ـ سمع بعضا من خطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّام غزوة تبوك ، وأنكرها بشدّة وكذبها ، وبعد رجوع المسلمين إلى المدينة حضر رجل يقال له : عامر بن قيس ـ كان قد سمع جلاس ـ عند النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبلغه كلام جلاس ، فلما حضر جلاس وسأله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك أنكر ، فأمرهما

١٢٦

النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقسما بالله ـ في المسجد عند المنبر ـ أنّهما لا يكذبان ، فاقتربا من المنبر في المسجد وأقسما ، إلّا أن عامرا دعا بعد القسم وقال : اللهم أنزل على نبيّك آية تعرّف الصادق ، فأمّن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون على دعائه. فنزل جبرئيل بهذه الآية ، فلمّا بلغ قوله تعالى :( فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ ) قال جلاس : يا رسول الله ، إنّ الله اقترح عليّ التوبة ، وإنّي قد ندمت على ما كان منّي ، وأتوب منه ، فقبل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توبته.

وكما أشرنا سابقا فقد ذكر أن جماعة من المنافقين صمموا على قتل النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طريق عودته من غزوة تبوك ، فلمّا وصل إلى العقبة نفروا بعيره ليسقط في الوادي، إلّا أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أطلع بنور الوحي على هذه النّية الخبيثة ، فرد كيدهم في نحورهم وأبطل مكرهم. وكان زمام الناقة بيد عمار يقودها ، وكان حذيفة يسوقها لتكون الناقة في مأمن تام ، وأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين أن يسلكوا طريقا آخر حتى لا يخفي المنافقون أنفسهم بين المسلمين وينفّذوا خطتهم.

ولما وصل إلى سمع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقع أقدام هؤلاء أو حوافر خيولهم أمر بعض أصحابه أن يدفعوهم ويبعدوهم ، وكان عدد هؤلاء المنافقين اثني عشر أو خمسة عشر رجلا ، وكان بعضهم قد أخفى وجهه ، فلمّا رأوا أن الوضع لا يساعدهم على تنفيذ ما اتفقوا تواروا عن الأنظار ، إلّا أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرفهم وذكر أسماءهم واحدا واحدا لبعض أصحابه(1) .

لكن الآية ـ كما سنرى ـ تشير إلى خطتين وبرنامجين للمنافقين : إحداهما : أقوال هؤلاء السيئة. والأخرى : المؤامرة والخطة التي أحبطت ، وعلى هذا الأساس فإنا نعتقد أن كلا سببي النزول صحيحان معا.

__________________

(1) ما ذكرناه اقتباس من تفسير مجمع البيان والمنار وروح المعاني وتفاسير أخر.

١٢٧

التّفسير

مؤامرة خطرة :

إنّ ارتباط هذه الآية بالآيات السابقة واضح جدّا ، لأنّ الكلام كان يدور حول المنافقين ، غاية ما في الأمر أنّ هذه الآية تزيح الستار عن عمل آخر من أعمال المنافقين ، وهو أن هؤلاء عند ما رأوا أن أمرهم قد انكشف ، أنكروا ما نسب إليهم بل أقسموا باليمين الكاذبة على مدّعاهم.

في البداية تذكر الآية أن هؤلاء المنافقين لا يرتدعون عن اليمين الكاذبة في تأييد إنكارهم ، ولدفع التهمة فإنّهم( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا ) في الوقت الذي يعلمون أنّهم ارتكبوا ما نسب إليهم من الكفر( وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ) وعلى هذا فإنّهم قد اختاروا طريق الكفر بعد إعلانهم الإسلام( وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) ومن البديهي أن هؤلاء لم يكونوا مسلمين منذ البداية ، بل إنّهم أظهروا الإسلام فقط ، وعلى هذا فإنّهم بإظهارهم الكفر قد هتكوا ومزّقوا حتى هذا الحجاب المزيف الذي كانوا يتسترون به.

وفوق كل ذلك فقد صمّموا على أمر خطير لم يوفقوا لتحقيقه( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ) ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى تلك المؤامرة لقتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة العقبة ، والتي مرّ ذكرها آنفا ، أو أنّه إشارة إلى كل أعمال المنافقين التي يسعون من خلالها إلى تحطيم المجتمع الإسلامي وبثّ بذور الفرقة والفساد والنفاق بين أوساطه ، لكنّهم لن يصلوا إلى أهدافهم مطلقا.

ممّا يستحق الانتباه أن يقظة المسلمين تجاه الحوادث المختلفة كانت سببا في معرفة المنافقين وكشفهم ، فقد كان المسلمون ـ دائما ـ يرصدون هؤلاء ، فإذا سمعوا منهم كلاما منافيا فإنّهم يخبرون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به من أجل منعهم وتلقي الأوامر فيما يجب عمله تجاه هؤلاء. إنّ هذا الوعي والعمل المضاد المؤيّد بنزول الآيات أدى إلى فضح المنافقين وإحباط مؤامراتهم وخططهم الخبيثة.

١٢٨

الجملة الأخرى تبيّن واقع المنافقين القبيح ونكرانهم للجميل فتقول الآية : إنّ هؤلاء لم يروا من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي خلاف أو أذى ، ولم يتضرروا بأي شيء نتيجة للتشريع الإسلامي، بل على العكس ، فإنّهم قد تمتعوا في ظل حكم الإسلام بمختلف النعم المادية والمعنوية( وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (1) وهذه قمة اللؤم.

ولا شك أنّ إغناءهم وتأمين حاجاتهم في ظل رحمة الله وفضله وكذلك بجهود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستحق أن ينقم من جرائه هؤلاء المنافقون ، بل إنّ حقّه الشكر والثناء ، إلّا أنّ هؤلاء اللؤماء المنكرين للجميل والمنحرفي السيرة والسلوك قابلوا الإحسان بالإساءة.

ومثل هذا التعبير الجميل يستعمل كثيرا في المحادثات والمقالات ، فمثلا نقول للذي أنعمنا عليه سنين طويلة وقابل إحساننا بالخيانة : إنّ ذنبنا وتقصيرنا الوحيد أنّنا آويناك ودافعنا عنك وقدّمنا لك منتهى المحبّة على طبق الإخلاص.

غير أنّ القرآن ـ كعادته ـ رغم هذه الأعمال لم يغلق الأبواب بوجه هؤلاء ، بل فتح باب التوبة والرجوع إلى الحق على مصراعيه إن أرادوا ذلك ، فقال :( فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ ) . وهذه علامة واقعية الإسلام واهتمامه بمسألة التربية ، ومعارضته لاستخدام الشدّة في غير محلّها وهكذا فتح باب التوبة حتى بوجه المنافقين الذين طالما كادوا للإسلام وتآمروا على نبيّه وحاكوا الدسائس والتهم ضده ، بل إنّه دعاهم إلى التوبة أيضا.

هذه في الحقيقة هي الصورة الواقعية للإسلام ، فما أظلم هؤلاء الذين يرمون

__________________

(1) ممّا يستحق الانتباه أن الجملة أعلاه بالرغم من أنّها تتحدث عن فضل الله ورسوله ، إلّا أن الضمير في( مِنْ فَضْلِهِ ) جاء مفردا لا مثنى ، والسبب في ذلك هو ما ذكرناه قبل عدة آيات من أن أمثال هذه التعبيرات لأجل إثبات حقيقة التوحيد ، وأن كل الأعمال بيد الله سبحانه ، وأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ما عمل عملا فهو بأمر الله سبحانه ، ولا ينعزل عن إرادته سبحانه.

١٢٩

الإلام بأنّه دين القوة والإرهاب والخشونة

هل توجد في عالمنا المعاصر دولة مستعدة لمعاملة من يسعى لإسقاطها وتحطيمها كما رأينا في تعامل الإسلام السامي مع مناوئيه ، مهما ادّعت أنّها من أنصار المحبة والسلام؟! وكما مرّ علينا في سبب نزول الآية ، فإنّ أحد رؤوس النفاق والمخططين له لما سمع هذا الكلام تاب ممّا عمل ، وقبل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توبته.

وفي نفس الوقت ومن أجل أن لا يتصور هؤلاء أن هذا التسامح الإسلامي صادر من منطق الضعف ، حذّرهم بأنّهم إن استمروا في غيهم وتنكّروا لتوبتهم ، فإنّ العذاب الشديد سينالهم في الدّارين( وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) وإذا كانوا يظنون أنّ أحدا يستطيع أن يمدّ لهم يد العون مقابل العذاب ا لإلهي فإنّهم في خطأ كبير ، فإنّ العذاب إذا نزل بهم فساء صباح المنذرين :( وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) .

من الواضح بديهة أنّ عذاب هؤلاء في الآخرة معلوم ، وهو نار جهنم ، أمّا عذابهم في الدنيا فهو فضيحتهم ومهانتهم وتعاستهم وأمثال ذلك.

* * *

١٣٠

الآيات

( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) )

سبب النّزول

المعروف بين المفسّرين أنّ هذه الآيات نزلت في رجل من الأنصار يدي ثعلبة بن حاطب ، وكان رجلا فقيرا يختلف إلى المسجد دائما ، وكان يصر على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو له بأن يرزقه الله مالا وفيرا ، فقال له النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه» أو ليس الأولى لك أن تتأسى بنبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتحيا حياة بسيطة وتقنع بها؟ لكن ثعلبة لم يكف ولم يصرف النظر عن أمله ، وأخيرا قال للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والّذي بعثك بالحق نبيّا ، لئن رزقني الله لأعطين كل الحقوق وأؤدي كل الواجبات ، فدعا له النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فلم يمض زمان ـ وعلى رواية ـ حتى توفي ابن عم له ، وكان غنيّا جدّا ،

١٣١

فوصلت إليه ثروة عظيمة ، وعلى رواية أخرى أنّه اشترى غنما ، فلم تزل تتوالد حتى أصبح حفظها ورعايتها في المدينة أمرا غير ممكن ، فاضطر أن يخرج إلى أطراف المدينة ، فألهته أمواله عن حضور الجماعة ، بل وحتى الجمعة.

وبعد مدّة أرسل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاملا إلى ثعلبة ليأخذ الزكاة منه ، غير أن هذا الرجل البخيل الذي عاش لتوّه حياة الرفاه امتنع من أداء حقوق الله تعالى ، ولم يكتف بذلك ، بل اعترض على حكم الزّكاة وقال : إنّ حكم الزكاة كالجزية ، أي أنّنا أسلمنا حتى لا نؤدي الجزية ، فإذا وجبت علينا الزكاة فأي فرق بيننا وبين غير المسلمين؟

قال هذا في الوقت الذي لم يفهم معنى الجزية ولا معنى الزكاة ، أو أنّه فهمه ، إلّا أن حبّ الدنيا وتعلقه بها لم يسمح له ببيان الحقيقة وإظهار الحق ، فلمّا بلغ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قاله قال : «يا ويح ثعلبة! يا ويح ثعلبة» ، فنزلت هذه الآيات.

وقد ذكرت أسباب أخر لنزول هذه الآيات تشابه قصّة ثعلبة مع اختلاف يسير.

ويفهم من أسباب النزول المذكورة ومن مضمون الآيات أنّ هذا الشخص ـ أو الأشخاص المذكورين ـ لم يكونوا من المنافقين في بداية الأمر ، لكنّهم لهذه الأعمال ساروا في ركابهم.

التّفسير

المنافقون وقلّة الاستيعاب :

هذه الآيات في الحقيقة تضع إصبعها على صفة أخرى من صفات المنافقين السيّئة ، وهي أنّ هؤلاء إذا مسّهم البؤس والفقر والمسكنة عزفوا على وتر الإسلام بشكل لا يصدق معه أحد أنّ هؤلاء يمكن أن يكونوا يوما من جملة المنافقين ، بل ربّما ذمّوا ولاموا الذين يمتلكون الثروات والقدرات الواسعة على عدم استثمارها في خدمة المحرومين ومساعدة المحتاجين!

١٣٢

إلّا أنّ هؤلاء أنفسهم ، إذا تحسّن وضعهم المادي فإنّهم سينسون كل عهودهم ومواثيقهم مع الله والناس ، ويغرقون في حبّ الدنيا ، وربّما تغيّرت كل معالم شخصياتهم ، ويبدؤون بالتفكير بصورة أخرى وبمنظار مختلف تماما ، وهكذا يؤدي ضعف النفس هذا إلى حبّ الدنيا والبخل وعدم الإنفاق وبالتالي يكرّس روح النفاق فيهم بشكل يوصد أمامهم أبواب الرجوع إلى الحق.

فالآية الأولى تتحدث عن بعض المنافقين الذين عاهدون الله على البذل والعطاء لخدمة عباده إذا ما أعطاهم الله المال الوفير( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) .

إلّا أنّهم يؤكّدون هذه الكلمات والوعود ما دامت أيديهم خالية من الأموال( فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) غير أن عملهم هذا ومخالفتهم للعهود التي قطعوها على أنفسهم بذرت روح النفاق في قلوبهم وسيبقى إلى يوم القيامة متمكنا منهم( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) وإنّما استحقوا هذه العاقبة السيئة غير المحمودة( بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ ) .

وفي النهاية وبّخت الآية هؤلاء النفر ولامتهم على النوايا السيئة التي يضمرونها ، وعلى انحرافهم عن الصراط المستقيم ، واستفهمت بأنّهم( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) .

* * *

ملاحظات

وهنا يجب الانتباه إلى عدّة ملاحظات :

1 ـ يمكن أن نرى بوضوح تام من خلال جملة( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ ) أنّ النسبة والعلاقة بين الكثير من الذنوب والصفات السيئة ، بل وحتى بين الكفر

١٣٣

والنفاق ، هي نسبة وعلاقة العلة والمعلول ، لأنّ الجملة الآنفة الذكر تبيّن وتقول بصراحة : إنّ سبب النفاق الذي نبت في قلوبهم وحرفهم عن الجادة هو بخلهم ونقضهم لعهودهم ، وكذلك الذنوب والمخالفات الأخرى التي ارتكبوها ، ولهذا فإنّنا نقرأ في بعض العبارات أن الكبائر في بعض الأحيان تكون سببا في أن يموت الإنسان وهو غير مؤمن ، إذ ينسلخ منه روح الإيمان بسببها.

2 ـ إنّ المقصود من( يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) والذي يعود ضميره إلى الله سبحانه وتعالى هو يوم القيامة ، لأن تعبير( لِقاءَ رَبِّهِ ) وأمثاله في القرآن يستعمل عادة في موضوع القيامة. صحيح أن فترة العمل ـ التي هي الحياة الدنيا ـ تنتهي بموت الإنسان ، وبموته يغلق ملف أعماله الصالحة والطالحة ، إلّا أن آثار تلك الأعمال تبقى تؤثر في روح الإنسان إلى يوم القيامة.

وقد احتمل جماعة أنّ ضمير (يلقونه) يعود إلى البخل ، فيكون المعنى : حتى يلاقوا جزاء بخلهم وعقابه. ويحتمل كذلك أن يكون المراد من لقاء الله : لحظة الموت. إلّا أن جميع هذه خلاف ظاهر الآية ، والظاهر ما قلناه.

ولنا بحث في أنّه ما هو المقصود من لقاء الله في ذيل الآية (64) من سورة البقرة.

3 ـ ويستفاد أيضا ـ من الآيات أعلاه ـ أنّ نقض العهود والكذب من صفات المنافقين ، فهؤلاء سحقوا جميع العهود المؤكدة مع ربّهم ولم يعيروها أية أهمية ، فإنّهم يكذبون حتى على ربّهم ، والحديث المعروف المنقول عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكّد هذه الحقيقة ، حيث

يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للمنافق ثلاث علامات : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان»(1) .

ومن الملفت للنظر وجود هذه العلامات الثلاث مجتمعة في القصّة المذكورة ـ قصّة ثعلبة ـ فإنّه كذب ، وأخلف وعده ، وخان أمانة الله ، وهي الأموال التي رزقه الله

__________________

(1) مجمع البيان ، ذيل الآية.

١٣٤

إيّاها ، وهي في الحقيقة أمانة الله عنده.

وقد ورد الحديث المذكور في الكافي بصورة أشد تأكيدا عن الإمام الصادقعليه‌السلام عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول : «ثلاث من كن فيه كان منافقا ، وإن صام وصلى وزعم أنّه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف»(1) .

نذكر هنا أن من الممكن أن تصدر الذنوب المذكورة من المؤمنين ، إلّا أنّها نادرة ، أمّا استمرار صدورها فهو علامة روح النفاق في ذلك الشخص.

4 ـ وهنا ملاحظة أخرى ينبغي أن ننبه عليها ، وهي أن ما قرأناه في هذه الآيات ليس بحثا تاريخيا مختصا بحقبة مضت من الزمان ، بل هو بيان واقع أخلاقي واجتماعي يوجد في كل عصر وزمان ، وفي كل مجتمع ـ بدون استثناء ـ توجد نماذج كثيرة تمثل هذا الواقع.

إذا لا حظنا واقعنا الذي نعيشه ودققنا فيه ـ وربّما إذا نظرنا إلى أنفسنا ـ فسنكتشف نماذج من أعمال ثعلبة بن حاطب ، وطريقة تفكيره في صور متعددة وأشخاص مختلفين ، فإنّ الكثيرين في الأوضاع العادية أو عند إعسارهم وفقرهم يكونون من المؤمنين المتحرقين على دينهم والثابتين على عهدهم حيث يحضرون في الحلقات الدينية ، وينضوون تحت كل لواء يدعو إلى الإصلاح وإنقاذ المجتمع ، ويضمون أصواتهم إلى كل مناد الحق والعدالة ، ولا يألون جهدا في سبيل أعمال الخير ، ويصرخون ويقفون بوجه كل فساد.

أمّا إذا فتحت أمامهم أبواب الدنيا ونالوا بعض العناوين والمراكز القيادية أو تسلطوا على رقاب الناس ، فستتغير صورهم وسلوكهم ، والأدهى من كل ذلك أن تتبدل ماهيتهم ، وعندئذ سيخمد لهيب عشقهم لله ، ويهدأ ذلك الهيجان والتحرق على دين الله ، وتفتقدهم تلك الحلقات والجلسات الدينية ، فلا يساهمون في أية خطة إصلاحية ولا يسعون من أجل ذلك الحق ، ولا تثبت لهم قدم في مواجهة

__________________

(1) سفينة البحار ، ج 2 ، ص 607.

١٣٥

الباطل.

هؤلاء وقبل أن يصلوا الى مآربهم لم يكن لهم محل من الإعراب ، أو أثر في المجتمع ، لذا سيعاهدون الله وعباده بألف عهد وميثاق بأنّهم إن تمكنوا من الأمر ، أو امتلأت أياديهم من القدرات والأموال فسيفعلون كذا وكذا ، ويتوسلون للوصول الى أهدافهم بطرح آلاف الإشكالات والانتقادات فى حق المتصدين ويتهمونهم بعدم معرفتهم بإدارة الأمور ، وعدم إحاطتهم بوظائفهم وواجباتهم ، أمّا إذا وصلوا الى ما يرومونه وتمكنوا من الأمر ، فسينسون كل تلك الوعود والعهود ويتنكرون لها ، وستتبخر كل تلك الإيرادات والانتقادات وتذوب كما يذوب الجليد في حرارة الصيف.

نعم ، إنّ ضعف النفس هذا واحدة من العلامات البارزة والواضحة للمنافقين ، وهل النفاق إلّا كون صاحبه ذا وجهين ، وبتعبير آخر : هل هو إلّا ازدواج الشخصية؟ إن سيرة هكذا أفراد وتأريخهم نموذج للشخصية المزدوجة ، لأن الإنسان الأصيل ذو الشخصية المتينة لا يكون مزدوج الشخصية.

ولا شك أنّ للنفاق درجات مختلفة ، كالإيمان ، تماما ، فالبعض قد ترسخت فيهم هذه الخصلة الخبيثة الى درجة اقتلعت كل زهور الإيمان بالله من قلوبهم ، ولم تبق لها أثرا ، بالرغم من أنّهم ألصقوا أنفسهم بالمؤمنين وادعوا أنّهم منهم.

لكن البعض الآخر مع أنّهم يملكون إيمانا ضعيفا ، وهم مسلمون بالفعل ، إلّا أنّهم يرتكبون أعمالا تتفق مع سلوك المنافقين ، وتفوح منها رائحة الازدواجية ، فهؤلاء ديدنهم الكذب ، إلّا أن ظاهرهم الصدق والصلاح ، ومثل هؤلاء يصدق عليهم أيضا أنّهم منافقون وذوو وجهين.

أليس الذي عرف بالأمانة لظاهره الصالح ، واستطاع بذلك أن يكسب ثقة واطمئنان الناس فأودعوه أماناتهم ، إلّا أنّه يخونهم في أماناتهم ، هو في واقع الحال مزدوج الشخصية؟

١٣٦

وكذلك الذين يقطعون العهود والمواثيق ، لكنّهم لا يفون بها مطلقا ، ألا يعتبر عملهم عمل المنافقين؟

إن من أكبر الأمراض الاجتماعية ، ومن أهم عوامل تخلف المجتمع وجود أمثال هؤلاء المنافقين في المجتمعات البشرية ونحن نستطيع أن نحصي الكثير منهم في مجتمعاتنا الاسلامية إذا كنّا واقعيين ولم نكذب على أنفسنا. والعجب أنّنا رغم كل هذه العيوب والمخازي والبعد عن روح التعليمات والقوانين الإسلامية ، فإننا نحمّل الإسلام تبعة تخلفنا عن الركب الحضاري الأصيل!

* * *

١٣٧

الآيتان

( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (80) )

سبب النّزول

وردت عدّة روايات في سبب نزول هذه الآيات في كتب التّفسير والحديث ، يستفاد من مجموعها أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد صمّم على إعداد جيش المسلمين لمقابلة العدو ـ وربّما كان ذلك في غزوة تبوك ـ وكان محتاجا لمعونة الناس في هذا الأمر ، فلما أخبرهم بذلك سارع الأغنياء إلى بذل الكثير من أموالهم ، سواء كان هذا البذل من باب الزكاة أو الإنفاق ، ووضعوا هذه الأموال تحت تصرف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أمّا الفقراء ، كأبي عقيل الأنصاري أو سالم بن عمير الأنصاري ، لما لم يجدوا ما ينفقونه لمساعدة جنود الإسلام ، فقد عمدوا إلى مضاعفة عملهم ، واستقاء الماء

١٣٨

ليلا ، فحصلوا على صاعين من التمر ، فادخروا منه صاعا لمعيشتهم ومعيشة أهليهم ، وأتوا بالآخر إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقدموه ، وشاركوا بهذا الشيء اليسير ـ الذي لا قيمة له ظاهرا ـ في هذا المشروع الإسلامي الكبير.

غير أنّ المنافقين الذين لا همّ لهم إلّا تتبع ما يمكن التشهير به بدلا من التفكير بالمساهمة الجدية فإنّهم عابوا كلا الفريقين ، أمّا الأغنياء فاتهموهم بأنّهم إنّما ينفقون رياء وسمعة، وأمّا الفقراء الذين لا يستطيعون إلّا جهدهم ، والذين قدموا اليسير وهو عند الله كثير ، فإنهم سخروا منهم بأن جيش الإسلام هل يحتاج إلى هذا المقدار اليسير؟ فنزلت هذه الآيات ، وهددتهم تهديدا شديدا وحذرتهم من عذاب الله.

التّفسير

خبث المنافقين :

في هذه الآيات إشارة إلى صفة أخرى من الصفات العامّة للمنافقين ، وهي أنّهم أشخاص لجوجون معاندون وهمهم التماس نقاط ضعف في أعمال الآخرين واحتقار كل عمل مفيد يخدم المجتمع ومحاولة إجهاضه بأساليب شيطانية خبيثة من أجل صرف الناس عن عمل الخير وبذلك يزرعون بذور النفاق وسوء ظن في أذهان المجتمع ، وبالتالي إيقاف عجلة الإبداع وتطور المجتمع وخمول الناس وموت الفكر الخلّاق.

لكن القرآن المجيد ذم هذه الطريقة غير الإنسانية التي يتبعها هؤلاء ، وعرّفها للمسلمين لكي لا يقعوا في حبائل مكر المنافقين ومن ناحية أخرى أراد أن يفهم المنافقون أن سهمهم لا يصيب الهدف في المجتمع الإسلامي.

ففي البداية يقول : إنّ هؤلاء( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ

١٣٩

أَلِيمٌ ) .

«يلمزون» مأخوذة من مادة (لمز) بمعنى تتبع العيوب والعثرات ، و «المطوّعين» مأخوذة من مادة (طوع) على وزن (موج) بمعنى الطاعة ، لكن هذه الكلمة تطلق عادة على الأفراد الذين دأبهم عمل الخيرات ، وهم يعملون بالمستحبات علاوة على الواجبات.

ويستفاد من الآية أعلاه أنّ المنافقين كانوا يعيبون جماعة ، ويسخرون من الأخرى ، ومن المعلوم أن السخرية كانت تنال الذين يقدمون الشيء القليل ، والذين لا يجدون غيره ليبذلوه في سبيل الإسلام ، وعلى هذا لا بدّ أن يكون لمزهم وطعنهم مرتبطا بأولئك الذين قدموا الأموال الطائلة في سبيل خدمة الإسلام العزيز ، فكانوا يرمون الأغنياء بالرياء ، ويسخرون من الفقراء لقلّة ما يقدمونه.

ونلاحظ في الآية التي تليها تأكيدا أشد على مجازاة هؤلاء المنافقين ، وتذكر آخر تهديد بتوجيه الكلام وتحويله من الغيبة إلى الخطاب ، والمخاطب هذه المرّة هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت :( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) .

وإنّما لن يغفر الله لهم لأنّهم قد أنكروا الله ورسالة رسوله ، واختاروا طريق الكفر ، وهذا الإختيار هو الذي أرداهم في هاوية النفاق وعواقبه المشؤومة( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) . ومن الواضح أن هداية الله تشمل السائرون في طريق الحق وطلب الحقيقة ، أمّا الفساق والمجرمون والمنافقون فإنّ الآية تقول :( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) .

* * *

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

قصّة بعض الفضلاء

ومنها : قصّة تغيّر الأمر الإلهي في قبض روح بعض الفضلاء من أهل السنّة ، كما حكاه الشعراني في (لواقح الأنوار ) بترجمة الشيخ محمد الشريبي ، إذ قال :

( وأخبرني والده الشيخ أحمد ـ أيضاً ـ وصدّقه على ذلك الإمام العالم العلاّمة شهاب الدين البهوني الحنبلي ، قال : مرضت مرّةً حتّى أشرفت على الموت ، وحضرني عزرائيل ، ورأيته جالساً عندي لقبض روحي ، فدخل عليّ والدي ، فقال لعزرائيل : راجع ربّك فإنّ ذلك الأمر تغيَّر ، فخرج عزرائيل وأنا أعيش إلى الآن ، والحكاية لها أكثر من ثلاثين سنة )(١) .

تبدّل حال الرجل

ومنها : تبدّل حال الرّجل من الشقاوة إلى السعادة ، كما ذكر القاضي ثناء الله في (تفسيره ) بعد ذكر مذهب ابن مسعود وعمر ، قال :

( ويوافق مذهب عمر وابن مسعود ( رضي الله عنهما ) ما ذكر في المقامات المجدديّة : أنّ المجدّدرضي‌الله‌عنه نظر ببصيرة الكشف مكتوباً في ناصية ملاّ طاهر اللاّهوري ( شقيّ ) ، وكان ملاّ طاهر معلّماً لابنيه الكريمين محمّد سعيد ومحمّد معصوم ( رضي الله عنهما ) ، فذكر المجدّدرضي‌الله‌عنه ما أبصر لولديه الشريفين ، فالتمسا منه ( رضي الله عنهم ) أن يدعو الله سبحانه أن يمحو عنه الشقاوة ويثبت مكانه السعادة ، فقال المجدّدرضي‌الله‌عنه : نظرت في اللّوح المحفوظ ، فإذا فيه : إنّه قضاءٌ مبرم لا يمكن ردّه ، فألجأه ولداه الكريمان في الدعاء لمّا التمسا منه ، فقال المجدّدرضي‌الله‌عنه : تذكّرت ما قال غوث الثقلين السيّد السند محي الدين عبد القادر الجيليرضي‌الله‌عنه : إنّ القضاء المبرم أيضاً يردّ بدعوتي ، فدعوت الله سبحانه ، وقلت : اللّهمّ رحمتك واسعة وفضلك غير مقتصرٍ على أحد ، أرجوك وأسألك من فضلك العظيم أن تجيب دعوتي في محو كتاب الشقاء من ناصية ملاّ طاهر وإثبات السعادة مكانه ، كما أجبت دعوة السيّد السندرضي‌الله‌عنه قال : فكأنّي أنظر إلى ناصية ملاّ طاهر

ـــــــــــــــــ

(١) لواقح الأنوار ـ ترجمة الشيخ محمّد الشريبي .

٢٢١

إنّه مُحِي منها كلمة ( شقيّ ) وكُتب مكانه ( سعيد ) وما ذلك على الله بعزيز ) .

قصّة أبي رومي

ومنها : قصّة أبي رومي ، التي رووها عن ابن عباس ، كما في (الدر المنثور ) قال :

( أخرج ابن مردويه والديلمي عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال : كان أبو رومي من شرّ أهل زمانه ، وكان لا يدع شيئاً من المحارم إلاّ ارتكبه ، وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لئن رأيت أبا رومي في بعض أزقّة المدينة لأضربنّ عنقه .

وإنّ بعض أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه ضيف له ، فقال لامرأته : اذهبي إلى أبي رومي فخذي لنا منه بدرهم طعاماً حتّى ييسّر الله تعالى فقالت له : إنّك لتبعثني إلى أبي رومي وهو أفسق أهل المدينة ؟!

فقال : اذهبي فليس عليك منه بأس إنْ شاء الله تعالى ، فانطلقت فضربت عليه الباب ، فقال : من هذا ؟

قالت : فلانة

قال : ما كنت لنا بزوّارة ؟!

ففتح لها الباب فأخذها بكلام رفث ، ومدّ يده إليها فأخذتها رعدة شديدة ، فقال : ما شأنك ؟

قالت : إنّ هذا عمل ما عملته قطّ

قال أبو رومي : ثكلت أبا رومي أُمّه ، هذا عمل عَمِله وهو صغير لا تأخذه رعدة ولا يبالي على أبي رومي ، عهد الله إن عاد لشيء من هذا أبداً .

فلمّا أصبح غدا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : مرحباً يا أبا رومي وأخذ يوسّع له المكان ، وقال له : يا أبا رومي ما عملت البارحة ؟

فقال : ما عسى أن أعمل يا نبيّ الله ، أنا شرّ أهل الأرض ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله قد حوّل مكتبك إلى الجنّة فقال :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) ) .

٢٢٢

وأخرج يعقوب بن سفيان وأبو نعيم عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال : كان أبو رومي من شرّ أهل زمانه ، وكان لا يدع شيئاً من المحارم إلاّ ارتكبه ، فلمّا أصبح غدا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا رآه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعيد قال : مرحباً يا أبا رومي وأخذ يوسّع له المكان ، فقال له : يا أبا رومي ، ما عملت البارحة ؟

قال : ما عسى أن أعمل يا نبيّ الله ، أنا شرّ أهل الأرض

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله جعل مكتبك إلى الجنّة ، فقال :( يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمّ الْكِتَابِ ) (١) .

وبعد :

فهل يبقى المعاندون يشنّعون على الإماميّة رواياتهم في البداء وعقيدتهم في هذه الحقيقة الدينيّة ؟

وهل يستمرّون على التبحّج بكلام سليمان ابن جرير الزيدي(٢) وأمثاله من أعداء أهل البيت ؟

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٤ : ٦٦٣ .

(٢) انظر الملل والنحل ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ .

٢٢٣

الميثـاق والصّـور

رأي السيّد المرتضى في خبر الميثاق

لقد نسب الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب (التحفة الإثني عشريّة ) ـ تبعاً لشيخه الكابلي صاحب (الصواقع ) ـ إلى السيّد المرتضى ـ رضي الله عنه ـ الحكم بوضع خبر الميثاق ، وقد أجاب عن ذلك علماؤنا الأعلام في ردودهم على كتاب (التحفة ) بالجملة والتفصيل ، وكان مجمل كلامهم : إنّ السيّد المرتضى لم يكذّب أخبار الميثاق المرويّة بالطرق المختلفة والأسانيد المتكثّرة ، ونحن نذكر أوّلاً كلام (التحفة ) ثمّ نعقّبه بنصّ عبارة السيّد المرتضىرحمه‌الله ؛ ليتّضح واقع الحال ، ويظهر كذب الدهلوي فيما نُسب إلى السيّد من المقال :

قال الدهلوي في (التحفة ) عند تعداد موارد غلوّ الإماميّة في الأئمّة المعصومين عليهم الصلاة والسلام :

( الثاني ـ قولهم : إنّ الله تعالى أخذ من الملائكة والأنبياء الميثاق على ولاية الأئمّة وطاعتهم .

وهذا ـ أيضاً ـ خلاف العقل تماماً ؛ لأنّ أخذ الميثاق من الأنبياء على ذلك ـ مع العلم القطعي بعدم معاصرتهم للأئمّة ـ عبث محض ، إذ الغرض من أخذ الميثاق هو النصرة والإعانة وبيان المناقب ونشر المدائح ، وأيّ فائدةٍ في ذلك مع عدم اتّحاد الزمان

وأمّا أخذ الميثاق منهم على بيان وصف خاتم الأنبياء كما في القرآن المجيد ؛ فلأنّ نصوص نبوّته وصفاته ونعوته نازلة في الكتب السماويّة ومصرَّح بها فيها ، ووجود أهل الكتاب في زمانه وإظهار تلك النصوص على يده مقطوع به ، فلذا أخذ الميثاق من الأنبياء على تفهيم تلك النصوص وتبليغها إلى أُممهم ، وأخذ ذلك الميثاق من الأُمم أيضاً ؛ حتّى تبقى تلك النصوص قرناً بعد قرن ، من دون تغيير وتبديل ، إلى أنْ يأتي وقت الحاجة إلى إظهارها والاحتجاج بها .

٢٢٤

بخلاف إمامة الأئمّة ، فلا هي ممّا نزل في كتب الأنبياء ، ولا هي ممّا أُبلغ به الأُمم ، ولا ممّا وقعت الحاجة إلى إظهاره ؛ لأنّ الإمامة إنّما تثبت بالنصّ من النبي ؛ لكونها نيابةً عنه ، ولم يراجع أهل الكتاب بشأنها ولم يكن لقولهم فيها اعتبار ، ولو كان أخذ الميثاق في هذا الأمر ضروريّاً ، لأُخذ من أبي بكر وعمر وعثمان ، بل كان على النبيّ أنْ يأخذ منهم كتاباً في أنْ ليس لهم حقٌّ في الإمامة ، ويستشهد على ذلك الثقات ، ويودعه عند الأمير ، لا أنْ يأخذ الميثاق من موسى وعيسى وهارون ، الذين ليس لهم ولا لأتباعهم دخلٌ في غصب الإمامة من الأئمّة أو تقريرها والتسليم بها .

ومستمسك هؤلاء في هذا الغلوّ الباطل ، ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر يقول : إنّ الله أخذ ميثاق النبيّين بولاية عليّ بن أبي طالب .

وما رواه محمّد بن بابويه في كتاب التوحيد ، عن داود الرّقي ، عن أبي عبد الله في خبرٍ طويل ، قال : ( لمّا أراد الله أن يخلق الخلق نشرهم بين يديه ، وقال : من أنا ؟

فكان أوّل من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة ـعليهم‌السلام ـ فقالوا : أنت ربّنا

فحمّلهم العلم والدين ثمّ قال للملائكة : هؤلاء حملة علمي وديني وأمانتي من خلقي ، ثمّ قال لبني آدم : أقرّوا لله بالربوبيّة ولهؤلاء النّفر بالطاعة ، فقالوا : نعم ربّنا أقررنا ) .

في هذه الرواية والرواية السابقة لم يذكر أخذ الميثاق من الملائكة ، وإنّما الغرض من الرواية الثانية مجرّد إظهار فضل الأئمّة ، وشرفهم عند الملائكة ، ومن الواضح أنْ لا معنى لأخذ الميثاق من الملائكة ، ولذا لم يدخل الملائكة في أخذ ميثاقٍ من المواثيق ؛ لأنّ الميثاق إنّما يؤخذ من المكلَّفين ؛ لأنّهم الذين يحتمل منهم الطاعة والعصيان ، بخلاف الملائكة فإنّهم :

( لاَ يَعْصُونَ اللّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

فأيّ فائدةٍ في أخذ الميثاق منهم ؟

وأيضاً ، فلم يذكر في الرواية الأخيرة أخذ الميثاق من الأنبياء ، إلاّ أنْ يستفاد ذلك من عموم لفظ ( بني آدم ) ولكنْ قد أشتهر أنّه : ما من عام إلاّ وقد خصّ منه البعض .

٢٢٥

وأيضاً ، فإنّ هذه الرواية فيها أخذ ميثاق الطاعة للنبيّ والأمير والأئمّة فقط ، فلابدَّ وأنْ يكون وجوب الطاعة للأنبياء أُولي العزم وغيرهم ـ الذي لا شكّ في ثبوته ـ قد وقع بطريق البداء !

والرواية التي تعجب هؤلاء القوم ، تجدها في مجاميع الشيخ ابن بابويه ، فقد روى ابن بابويه في خبرٍ طويل عن ابن عبّاس عن النبي ، أنّه لمّا أُسري به وكلّمه ربّه ، قال بعد كلامٍ : إنّك رسولي إلى خلقي وإنّ عليّاً وليّ المؤمنين ، أخذت ميثاق النبيّين وملائكتي وجميع خلقي بولايته .

وأحوال الصفّار وابن بابويه ورجالهما ـ خصوصاً محمّد بن مسلم وغيره ـ معروفة ، وركّة ألفاظ هذه الأخبار تشهد بكونها كذباً وافتراءً ، ومع هذا ، فإنّ أهل السنّة ـ والحمد لله ـ في غنىً عن توهين وتضعيف هذه الأخبار أو تأويل هذه المفتريات ؛ لأنّ الشريف المرتضى ـ الملقَّب بزعم الشيعة بـ ( علم الهدى ) ـ قد أثبت جدارته بهذا اللقب في كتابه (الدرر والغرر ) بتكذيب خبر الميثاق بكلّ جزمٍ وحتم ، وكفى الله المؤمنين القتال )(١) .

التحقيق فيما نُسب إلى السيّد المرتضى

حاصل هذا الكلام دعوى موافقة السيّد المرتضى العامّةَ في إنكار أخذ الميثاق على ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام من الأنبياء والملائكة ، وهل هذا إلاّ محض البهتان وصريح الإفك وواضح الهذيان ؟

وتوضيح ذلك :

أوّلاً : إنّ السيّد المرتضى لم يذكر في كتابه (الدرر والغرر ) خبر الميثاق أصلاً ، فضلاً عن أن يكذّب أو يصدّق به ، نعم ، قد ذكر السيّد قوله تعالى( وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) وأنكر أن يكون المراد منها أنّ الله تعالى أخذ من جميع ذريّة آدم الذين في ظهره الميثاق على الإقرار بمعرفته تعالى ، وأنّه أشهدهم على ذلك ، وإنّما ذكر للآية تأويلاً آخر ، وأيّ ربطٍ لذلك بتكذيب أخبار الميثاق ؟!

ــــــــــــــ

(١) التحفة الاثني عشريّة : ١٦١ .

٢٢٦

وثانياً : إنّه على فرض أنّ السيّد ينكر وقوع أخذ الميثاق في عالم الأرواح ، فأين الدليل من كلامه على إنكار أخذ الميثاق على الإطلاق ، كما يدّعيه الدهلوي ؟

وكيف يثبت بذلك تضعيف خبر الصفّار وخبر ابن بابويه ، الدالّين على مطلق أخذ ميثاق ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟

فظهر أنّ نسبة تكذيب أخبار الميثاق على الإطلاق إلى السيّد المرتضى كذب بحت وبهتان صريح ، وهذا كتاب (الغرر والدرر ) موجود بين أيدي الناس ، ونسخه شائعة في البلاد ...

وبعد ، فإنّ العلماء قد اختلفوا في معنى الآية المباركة على قولين ، فذهب الأكثر إلى الأخذ بظاهرها ، وقالوا : بأنّ ذريّة آدم كانوا في عالم الأرواح ذوي عقولٍ ـ كما هم في هذا العالم ـ وقد أخذ منهم الميثاق ، وقال جماعة ـ منهم السيّد المرتضى ـ بتأويل الآية على معنىً آخر ، وهذا نصُّ عبارة السيّد في الكتاب المذكور :

( إنّه تعالى ، لمّا خلقهم وركّبهم تركيباً يدلّ على معرفته ، ويشهد بقدرته ووجوب عبادته ، وأراهم العبر والآيات والدلائل في غيرهم وفي أنفسهم ، كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم ، وكانوا ـ في مشاهدة ذلك ومعرفته وظهوره فيهم على الوجه الذي أراده الله تعالى وتعذر امتناعهم منه وانفكاكهم من دلالته ـ بمنزلة المقرّ المعترف ، وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى :( ثُمّ اسْتَوَى‏ إِلَى السّماءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَللأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة ولا منهما جواب ، ومثله قوله تعالى :( شَاهِدِينَ عَلَى‏ أَنْفُسِهِم بِالْكُفْرِ ) ونحن نعلم أنّ الكفّار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم ، وإنّما لما يظهر منهم ظهوراً لا يتمكّنون من دفعه كانوا بمنزلة المعترفين به )(١) .

فدلَّ هذا الكلام منه على أنّه غير منكرٍ لأصل الميثاق ، وإنّما له كلامٌ في كيفيّته ، وله رأيٌ في تأويل الآية .

ـــــــــــــــــ

(١) الغرر والدرر أمالي السيّد المرتضى ١ : ٣٠ .

٢٢٧

رأي الغزالي في خبر الميثاق

وهذا بخلاف الغزّالي مثلاً ـ من علماء القوم ـ فإنّه ينكر أصل الميثاق ، كما في كتابه (المضنون به على أهله ) :

 ( فقيل له ـ أي للغزالي ـ : إن كانت الأرواح حادثة مع الأجساد ، فما معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، وقولهعليه‌السلام : أنا أوّل الأنبياء خلقاً وآخرهم بعثاً ، وقالعليه‌السلام : كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين ؟

فقالرضي‌الله‌عنه : شيء من هذه لا يدلّ على قدم الروح ، بل يدلّ على حدوثه وكونه مخلوقاً ، نعم ، ربّما يدلّ بظاهره على تقدّم وجوده على الجسد ، وأمر الظواهر ضعيف وتأويلها يمكن ، والبرهان القاطع لا يدرء بالظواهر ، بل يسلّط على تأويل الظواهر ، كما في ظواهر التشبيه في حقّ الله .

وأمّا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فأراد بالأرواح أرواح الملائكة ، وبالأجساد أجساد العالم من العرش والكرسي والسماوات والكواكب والماء والهواء والأرض ، كما أنّ أجساد الآدميّين بجملتهم صغيرة بالإضافة إلى الأرض ، وجرم الأرض أصغر من الشمس بكثير ، ثمّ لا نسبة لجرم الشمس إلى فلكه ، ولا لفلكه إلى السماوات التي فوقه ، ثمّ كلّ ذلك اتّسع له الكرسي ، إذ وسع كرسيّه السماوات والأرض ، والكرسي صغير بالإضافة إلى العرش ، فإذا تفكّرت في جميع ذلك ، استحقرت جميع أجساد الآدميّين ، ولم تفهمها من مطلق لفظ الأجساد .

فكذلك فاعلم وتحقّق : أنّ أرواح البشر بالإضافة إلى أرواح الملائكة كأجسادهم بالإضافة إلى أجساد العالم ، ولو انفتح لك باب معرفة أرواح الملائكة لرأيت الأرواح البشريّة كسراج اقتبس من نار عظيمة طبّق العالم ، وتلك النار العظيمة هي الروح الأخير من أرواح الملائكة ، ولأرواح الملائكة ترتيب ، ولكلّ واحد انفراد بمرتبة ، ولا يجتمع في مرتبة واحدة اثنان ، بخلاف

٢٢٨

الأرواح البشريّة المتكثّرة مع اتّحاد النوع والمرتبة ، أمّا الملائكة فكلّ واحدٍ نوعٌ برأسه وهو كلّ ذلك النوع ، وإليه الإشارة بقوله تعالى :( وَإِنّا لَنَحْنُ الصّافّونَ ) وبقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الراكع منهم لا يسجد ، والقائم منهم لا يركع ، وإنّه ما من واحد إلاّ له مقام معلوم ، فلا تفهمنّ إذاً من الأرواح والأجساد المطلقة أرواح الملائكة .

وأمّا قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : أنا أوّل الأنبياء خلقاً وآخرهم بعثاً ؛ فالخلق هاهنا هو الإيجاد ، فإنّه قبل أن ولدته أُمّه ليس موجوداً مخلوقاً ، ولكنّ الغايات والكمالات سابقة في التقدير لاحقة في الوجود ، وهو معنى قولهم : أوّل الفكرة آخر العمل بيانه : أنّ المقدّر المهندس أوّل ما يتمثّل صورته في تقديره ، وهي دار كاملة ، وآخر ما يوجد في أثر أعماله هي الدار الكاملة ؛ فالدار الكاملة أوّل الأشياء في ذهنه تقديراً وآخرها وجوداً ؛ لأنّ ما قبلها من ضرب اللبنات وبناء الحيطان وتركيب الجذوع وسيلة إلى غاية الكمال وهي الدار ، فالغاية هي الدار ، ولأجلها تُقدّر الآلات والأعمال )(١) .

فإن لم يتيسّر الوقوف على كتاب الغزالي ، فقد نقل المتأخّرون مقالته في كتبهم ، ففي (المواهب اللدنيّة ) ـ مثلاً ـ جاء محصّل المقالة المذكورة ، حيث قال :

( فإن قلت : إنّ النبوّة وصف ، ولابدّ أن يكون الموصوف به موجوداً ، وإنّما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضاً ، فكيف يوصف به قبل وجوده وإرساله ؟

ـــــــــــــــــ

(١) المضنون به على أهله وهذا الكلام موجود في رسالته ( الأجوبة الغزالية في المسائل الأخروية ) ضمن ( مجموعة رسائل الإمام الغزالي ) : ١٧٨ ـ ١٨٠ .

٢٢٩

قلت : أجاب الغزالي في كتابالنفخ والتسوية عن هذا وعن قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : أنا أوّل الأنبياء خلقاً وآخرهم بعثاً ، بأنّ المراد بالخلق هنا التقدير دون الإيجاد ، فإنّه قبل أنْ ولدته أُمّه لم يكن موجوداً مخلوقاً ، ولكن الغايات والكمالات سابقة في التقدير لاحقة في الوجود )(١) .

فإنّ هذا الكلام يفيد أنّ الغزالي ينكر تقدّم خلق الأرواح على الأجساد ، ولا يسلّم بأنّ للخلق وجوداً سابقاً على ولادتهم الظاهريّة في هذا العالم ، ولا يرى خلقةً للنبيّ قبل وجوده الظاهري ، فضلاً عن القول بالوجود في عالم الذرّ .

ومن الواضح أنّ أخذ الميثاق في عالم الأرواح فرع على وجودها فيه .

فالغزالي ينكر وقوع الميثاق في ذلك العالم ، مع دلالة الأحاديث الكثيرة الواردة من طرقهم في ذلك ، وكونها مخرّجةً في كتابي البخاري ومسلم ، وفي الموطّأ لمالك(٢) ، وغيرها من كتبهم كما أنّ السيوطي أخرج ما يقارب الخمسين حديثاً في أخذ الميثاق من ذريّة آدم في عالم الأرواح ، بذيل الآية المباركة من (الدرّ المنثور )(٣) .

وقد نصَّ الشعراني في (اليواقيت ) على ابتناء كثيرٍ من الاعتقادات في إثبات الحشر والنشر على مسألة الميثاق(٤) .

وحينئذٍ ، فكلّ جوابٍ يذكرونه من طرف الغزالي ، فهو الجواب من طرف السيّد المرتضى لو صحّت النسبة إليه !

ـــــــــــــــــ

(١) شرح المواهب اللدنيّة بالمنح المحمّدية : ١ : ٣٦ .

(٢) الموطأ ٢ : ٨٩٨ ـ ٨٩٩/٢ كتاب القدر ، باب النهي عن القول بالقدر .

(٣) الدر المنثور ٣ : ٥٩٨ ـ ٦٠٧ .

(٤) اليواقيت والجواهر : ٤٣٩ ـ ٤٤٢ .

٢٣٠

رأي مجاهد في آية الميثاق

هذا ، وقد أنكر مجاهد أخذ الميثاق من الأنبياء ، والتزم بتحريف الآية المباركة الناصّة على ذلك ، كما ذكر السيوطي في (تفسيره ) إذ قال :

( أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله تعالى :

( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ)

قال : هي خطأ من الكتّاب ، وهي في قراءة ابن مسعود : ميثاق الذين أُوتوا الكتاب .

وأخرج ابن جرير عن الربيع ، أنّه قرأ : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أُوتوا الكتاب ، قال : وكذلك كان يقرؤها أُبي بن كعب ، قال الربيع : ألا ترى إنّه يقول :( ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنصُرُنّهُ ) لتؤمننّ بمحمّد ولتنصرنّه

قال : هم أهل الكتاب )(١) .

حول كلام الطبرسي في آية الصّور

وقد نُسب إلى الشيخ الطبرسي بل إلى الشيخ المفيد القول بأنّ ( الصور ) في قوله تعالى:

( وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السّماوَاتِ وَمَن فِي الأَرْض ِ ) (٢) هو ( جمع صورة ) وليس المراد ( صور إسرافيل ) .

وهذه النسبة باطلة ، وقد نشأت من الخطأ والغلط في فهم عبارة الشيخ المجلسي ...

فإنّ هذا المتوهّم قد نظر إلى قول الشيخ المجلسي :

( وأمّا الصور فيجب الإيمان به ، على ما ورد في النصوص الصريحة ، وتأويله بأنّه جمع الصورة كما

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٢ : ٢٥٢ .

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٦٨ .

٢٣١

مرَّ من الطبرسي وقد سبقه الشيخ المفيد )(١) وغفل عن كلامه السابق ، حيث قال :

( قال الطبرسي في قوله تعالى :( وَنُفِخَ فِي الصّورِ ) : اختلف في الصور .

فقيل : هو قرن ينفخ فيه عن ابن عباس وابن عمر

وقيل : هو جمع صورة ، فإنّ الله يصوّر الخلق في القبور كما صوّرهم في أرحام الأُمّهات ، ثمّ ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ وهم في أرحام أُمّهاتهم عن الحسن وأبي عبيدة

وقيل : إنّه ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات : النفخة الأُولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق يصعق من في السماوات والأرض بها فيموتون ، والثالثة نفخة القيام لربّ العالمين فيحشر الناس بها من قبورهم )(٢) .

فهذا كلام صاحب (مجمع البيان ) ، وأين اختيار القول الذي نسب إليه ؟

فقول الشيخ المجلسي : ( كما مرّ من الطبرسي ) يعني : كما مرَّ نقل هذا القول ـ الذي قاله غير الطبرسي ـ من الطبرسي ، حيث نقله في تفسيره ، لا أنّه قائل به ومعتقد له .

بل لعلّ في تقديمه القول الأوّل إشارة إلى اختياره له بل إنّ كلامه في تفسير الآية المذكورة صريح في ذلك ، فإنّه قال في (مجمع البيان ) :

(( وَنُفِخَ فِي الصّورِ ) وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل

ووجه الحكمة في ذلك : إنّها علامة جعلها الله ليعلم بها العقلاء آخر أمرهم في دار التكليف ثمّ تجديد الخلق ، فشبّه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل والنزول ، ولا تتصوّره النفوس بأحسن من هذه الطريقة

وقيل : إنّ الصّور جمع صورة ، فكأنّه ينفخ

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٦ : ٣٣٦ .

(٢) بحار الأنوار ٦ : ٣١٨ .

٢٣٢

في صور الخلق )(١) .

ثمّ قال ـرحمه‌الله ـ : (( فَصَعِقَ مَن فِي السّماوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ ) أي : يموت من شدّة تلك الصيحة التي يخرج من الصور جميع من في السماوات والأرض ، يُقال : صعق فلان : إذا مات بحال هائلة شبيهةٍ بالصيحة العظيمة ) .

قال : (( ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ) يعني : نفخة البعث ، وهي النفخة الثانية

وقال قتادة في حديثٍ رفعه : إنّ ما بين النفختين أربعين سنة

وقيل : إنّ الله تعالى يفني الأجسام كلّها بعد الصعق وموت الخلق ثمّ يعيدها

وقوله :( فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ) إخبار عن سرعة إيجادهم ؛ لأنّه سبحانه إذا نفخ النفخة الثانية أعادهم عقيب ذلك ، فيقومون من قبورهم أحياء )(٢) .

وعلى هذا المنوال كلامه في تفسيره الآخر (جوامع الجامع ) في قوله تعالى :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) (٣) : ( والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل نفختين ، فيفنى الخلق بالنفخة الأُولى ويحيون بالثانية وعن الحسن إنّه جمع صورة )(٤) .

وقد قال في (مجمع البيان ) بتفسيرها : ( وأمّا الصور فقيل فيه إنّه قرن ينفخ فيه إسرافيلعليه‌السلام نفختين ، فيفنى الخلائق كلّهم بالنفخة الأُولى ويحيون بالنفخة الثانية ، فتكون الأُولى لانتهاء الدنيا والثانية لابتداء الآخرة

وقال الحسن : هو جمع صورة ، كما أنّ السور جمع سورة ، وعلى هذا فيكون معناه : يوم ينفخ الروح في الصور .

ويؤيّد الأوّل : ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله

ـــــــــــــــــ

(١) مجمع البيان في تفسير القرآن ٨ : ٤٥٩ .

(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٦٠ .

(٣) سورة الأنعام ٦ : ٧٣ .

(٤) جوامع الجامع ١ : ٥٨٤ .

٢٣٣

وسلَّم ) إنّه قال :

( كيف أنتم وقد التقم صاحب القرن وحنا جبينه وأصغى سمعه ينتظر أنْ يُؤمر فينفخ ؟

قالوا : فكيف نقول يا رسول الله ؟

قال :قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ) .

والعرب تقول : نفخ الصور ونفخ في الصور ، قال الشاعر :

لولا ابن جعدة لم يفتح قهندزكم

ولا خراسان حتّى ينفخ الصور )(١)

وكما أيّد القول الأوّل هنا بالحديث ، كذلك أيّده به بتفسير( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) حيث قال : ( وقد ورد ذلك في الحديث ) أي : إنّ القول الآخر لا مؤيّد له في الأحاديث ...

وقال بتفسير( فَإِذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ ) : ( الناقور فاعول من النقر ، كهاضوم من الهضم وحاطوم من الحطم ، وهو الذي من شأنه أن ينقر فيه للتصويت به ) قال :

( معناه : إذا نفخ في الصور ، وهي كهيئة البوق ، عن مجاهد

وقيل : إنّ ذلك في النفخة الأُولى وهو أول الشدّة الهائلة العامّة

وقيل : إنّه النفخة الثانية ، وعندها يحيي الله الخلق ، وتقوم القيامة وهي صيحة الساعة ، عن الجبائي )(٢) .

وعلى الجملة ، فإنّ التتبع في كلمات الشيخ الطبرسي في المواضع المختلفة من تفسيريه ، يفيد أنّ ما نُسب إليه من إنكار الصور بالمعنى بالمذكور من غرائب التوهّمات ، بل من عجائب الافتراءات .

حول كلام المفيد في معنى ( الصور )

وأمّا ما نُسب إلى الشيخ المفيد (رحمه‌الله ) من تأويل (الصور ) ، وأنّه يقول

ـــــــــــــــــ

(١) مجمع البيان ٤ : ٩٥ .

(٢) مجمع البيان ١٠ : ١٩١ و ١٩٥ .

٢٣٤

بأنّه جمع للصّورة ، ففيه كلام كذلك ، ومجرّد قول الشيخ المجلسي ( وسبقه الشيخ المفيد ) لا يكفي ، إذ يحتمل أن يكون مراده أنّ الشيخ المفيد قد سبق الشيخ الطبرسي في نقل القول المذكور عن بعض العامّة .

ولو سلّمنا أنّ الشيخ المفيد يجوّز أنْ يكون (الصور ) جمعاً للصورة ، فإنّه لا ينكر (الصور ) بمعنى (القرن ) الذي ينفخ فيه إسرافيلعليه‌السلام ، لثبوت ذلك في الكتاب والسنّة ، غاية ما هناك أنّه جوّز في بعض تلك الأدلّة أنْ يكون (الصور ) جمعاً للصورة ، وذلك لا يلازم إنكار كون المراد هو (القرن ) في البعض الآخر كما هو واضح ...

فإنْ كان الخصم في شكٍّ من هذا ، ذكرنا له كلام إمامه الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) فإنّه يصدّق ما قلناه تماماً ، وهذا نصّه :

( المسألة الثالثة : قوله تعالى :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) لا شبهة أنّ المراد منه يوم الحشر ، ولا شبهة عند أهل الإسلام أنّ الله سبحانه خلق قرناً ينفخ فيه ملك من الملائكة ، وذلك القرن مسمّى بالصور على ما ذكر الله هذا المعنى في مواضع من الكتاب الكريم ، ولكنّهم اختلفوا في المراد بالصّور في هذه الآية على قولين : الأوّل : إنّ المراد منه ذلك القرن الذي ينفخ فيه وصفته مذكورة في سائر السور ، والقول الثاني : إنّ الصور جمع صورة ، والنفخ في الصور عبارة عن النفخ في صور الموتى )(١) .

فلو فرض تفسير الشيخ المفيد لفظ (الصور ) في بعض الموارد بـ (جمع الصورة ) ، فإنّ هذا لا يستلزم كونه منكراً وجود (الصور ) بمعنى (النفخ ) ، وكيف

ـــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ١٣ : ٣٣

٢٣٥

يجوز نسبة ذلك إليه ؟ والحال أنّ كلامه في (أجوبة المسائل السروية ) صريح في الاعتقاد بالصور

وهذه عبارة السؤال والجواب على ما نقل في (البحار ) :

( ما قوله ـ أدام الله تأييده ـ في عذاب القبر وكيفيّته ؟

ومتى يكون ؟

وهل تردّ الأرواح إلى الأجساد عند التعذيب أم لا ؟

وهل يكون العذاب في القبر أو يكون بين النفختين ؟

الجواب :

الكلام في عذاب القبر طريقه السمع دون العقل ، وقد ورد عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام أنّهم قالوا :

( ليس يعذّب في القبر كلّ ميّت ، وإنّما يعذّب من جملتهم من محّض الكفر محضاً ، ولا ينعم كلّ ماض لسبيله ، وإنّما ينعم منهم من محّض الإيمان محضاً ، فأمّا سوى هذين الصنفين فإنّه يلهى عنهم )

وكذلك روي : أنّه لا يُسئَل في قبره إلاّ هذان الصنفان خاصّة ، فعلى ما جاء به الأثر من ذلك يكون الحكم ما ذكرناه .

فأمّا عذاب الكافر في قبره ، ونعيم المؤمنين فيه ، فإنّ الخبر ـ أيضاً ـ قد ورد بأنّ : الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنّة من جنانه ينعمه فيها إلى يوم الساعة ، فإذا نُفِخ في الصور أُنشىء جسده الذي بُلي في التراب وتمزّق ، ثمّ أعاده إليه وحشره إلى الموقف وأمر به إلى جنّة الخلد ، فلا يزال منعّماً ببقاء الله عزّ وجلّ ، غير أنّ جسده الذي يُعاد فيه لا يكون على تركيبه في الدنيا ، بل تعدّل طباعه وتحسّن صورته ، فلا يهرم مع تعديل الطباع ، ولا يمسّه نصبٌ في الجنّة ولا لغوب .

والكافر يجعل في قالب كقالبه في الدنيا ، في محلّ عذاب يعاقب به ونار يعذّب بها حتّى الساعة ، ثمّ أُنشئ جسده الذي فارقه في القبر ويعاد إليه ، ثمّ يعذّب به في الآخرة إلى الأبد ، ويركّب ـ أيضاً ـ جسده تركيباً لا يفنى معه ، وقد

٢٣٦

قال الله عزّ وجلّ اسمه :

( النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدّ الْعَذَابِ)

وقال في قصّة الشهداء :

 ( وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ ) .

فدلّ أنّ العذاب والثواب يكونان قبل يوم القيامة وبعدها .

والخبر وارد بأنّه يكون مع فراق الروح الجسد من الدنيا ، والروح هاهنا عبارة عن الفعّال الجوهر البسيط ، وليس بعبارة عن الحياة التي يصحّ معها العلم والقدرة ؛ لأنّ هذه الحياة عرض لا يبقى ولا يصحّ الإعادة فيه .

فهذا ما عوّل عليه بالنقل وجاء به الخبر على ما بيّنّاه )(١) .

هذا كلام الشيخ المفيد ، وهو نصّ قاطع في أنّه غير منكر للصور ، بل ذكر عقيدته على أساس الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام وجعلها المعوَّل عليه والمعتَمد .

ولا يتوهّم أنّ هذا الكلام أيضاً ، يحتمل كون المراد من الصور هو نفخ الأرواح في الأجساد ، وأنّ الصور جمع الصورة ؛ لأنّ هذا الإحتمال فاسد قطعاً ، وكلامه صريح في أنّ المراد من (الصور ) هو (القرن ) لا جمع الصورة ، ويدلّ على ذلك وجهان :

الأوّل : قوله : ( فإذا نفخ في الصور أُنشئ جسده ) فإنّه يدلّ بوضوحٍ على أنّ إنشاء الجسد إنّما يكون بعد نفخ الصور ، فنفخ الصور متقدّم على إنشاء الجسد الذي بلي في التراب وتمزّق ، وهذا مقتضى الشرط والجزاء ؛ فإنّ الجزاء متفرّعٌ على وجود الشرط متأخّرٌ عنه

ومن البديهي أنّه لو كان (الصور ) جمع الصّورة ، وكان المراد نفخ الأرواح في الأجساد ، لم يكن تأخّر إنشاء

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٦ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ عن أجوبة المسائل السرويّة .

٢٣٧

الجسد ، وإلاّ لزم تأخّر الشيء عن نفسه ؛ لأنّ النفخ في الصور ـ على تقدير كون (الصور ) جمع الصورة ـ هو نفخ الأرواح في الأجساد ، فلابدّ من إنشاء الأجساد قبل النفخ حتى ينفخ فيها الأرواح .

الثاني : إنّ لفظة ( ثمّ ) في قوله : ( ثمّ أعاد إليه وحشره إلى الموقف ) صريحٌ في تأخّر إعادة الروح إلى الجسد ، عن نفخ الصور وإنشاء الجسد ، كما هو ظاهر لفظة ( ثمّ ) الموضوعة للتراخي والبعديّة ، ولا ريب أنّ أعادة الروح إلى الجسد هو عين نفخ الروح فيه فلو كان المراد من( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ ) هو جمع الصورة ، وكان المراد من النفخ هو نفخ الأرواح في الأجساد ، لزم تأخّر الشيء عن نفسه .

وتلخّص : أنّ الشيخ المفيد (رحمه‌الله ) يقول بوجود الصور بمعنى القرن ، وبوقوع النفخ فيه كما دلّت عليه الأدلّة ، وقد أشار إليها في جواب السؤال ونصَّ على الاعتماد عليها فلا يجوز نسبة غير ذلك إليه ألبتّة .

عقيدة الحسن البصري وأبي عبيدة

لكنّها عقيدة الحسن البصري وأبي عبيدة وغيرهما من أهل السنّة ، وقد نصّ غير واحدٍ من أعلام القوم على أنّها خلاف ما عليه أهل السنّة والجماعة :

قال العيني في (عمدة القاري ) بشرح قول البخاري : ( باب نفخ الصور ) :

( الصور ، وهو بضمّ الصاد وسكون الواو ، وذكر عن الحسن أنّه قرأها بفتح الواو جمع الصورة ، وتأوّله على أنّ المراد النفخ في الأجسام ليعاد إليها الأرواح

قال الأزهري : إنّه خلاف ما عليه أهل السنّة والجماعة )(١) .

ـــــــــــــــــ

(١) عمدة القاري بشرح البخاري ٢٣ : ٩٨ باب نفخ الصور .

٢٣٨

بل هو عقيدة جماعة

وليس هذا قول الحسن وحده ، ففي (فتح الباري ) ما نصّه :

( باب نفخ الصور ، تكرّر ذكره في القرآن ، في الأنعام والمؤمنين والنمل والزمر وقاف وغيرها ، وهو بضمّ المهملة وسكون الواو ، وثبت كذلك في القراآت المشهورة والأحاديث ، وذكر عن الحسن البصري أنّه قرأها بفتح الواو جمع صورة ، وتأوّله على أنّ المراد النفخ في الأجساد ليعاد إليها الأرواح

وقال أبو عبيدة في المجاز : يقال الصور يعني بسكون الواو جمع صورة ، كما يقال سور المدينة جمع سورة

قال الشاعر :

لمّا أتى خــبر الزبير

تواضعت صور المدينة

فيستوي معنى القراءتين .

وحكى مثله الطبري عن قوم وزاد : كالصوف جمع صوفة .

قالوا : والمراد بالنفخ في الصور ـ وهي الأجساد ـ أن تعاد فيها الأرواح ، كما قال تعالى :( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي ) .

وتعقّب قوله : جمع ، بأنّ هذه أسماء أجناس لا جموع .

وبالغ النحّاس وغيره في الردّ على التأويل المذكور .

وقال الأزهري : إنّه خلاف ما عليه أهل السنّة والجماعة )(١) .

وقال الرازي في (تفسيره ) :

( اعلم : إنّ الله سبحانه لمّا قال :( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ذكر أحوال ذلك اليوم ، فقال :( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ ) وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : إنّ الصور آلة ، إذا نفخ فيها يظهر صوتٌ عظيم جعله الله علامةً

ـــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح البخاري ١١ : ٣٠٨ باب نفخ الصور .

٢٣٩

لخراب الدنيا وإعادة الأموات

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قرن ينفخ فيها .

وثانيها : إنّ المراد من الصور مجموع الصور ، والمعنى : فإذا نفخ في الصور أرواحها ، وهو قول الحسن ، وكان يقرأ بفتح الواو ، وبالفتح والكسر عن أبي رزين ، وهو حجّة لمن فسّر الصّور بجمع صورة .

وثالثها : إنّ النفخ في الصور استعارة ، والمراد منه البعث والحشر .

والأولى الأوّل )(١) .

وقال ابن الأثير في (النهاية ) :

( وفيه ذكر النفخ في الصور ، هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيلعليه‌السلام عند بعث الموتى إلى المحشر

وقال بعضهم : إنّ الصور جمع صورة ، يريد صور الموتى ينفخ فيه الأرواح ، والصحيح الأوّل ؛ لأنّ الأحاديث تعاضدت عليه تارةً بالصور وتارةً بالقرن )(٢) .

وقال محمد طاهر في (مجمع البحار ) :

( ونفخ في الصور ، هو قرن ينفخ فيه إسرافيلعليه‌السلام عند بعث الموتى إلى المحشر ، وقيل : هو جمع صورة يريد صور الموتى ينفخ فيها الأرواح ، والصحيح الأوّل لتظاهر الأحاديث فيه )(٣) .

وفي (الصحاح ) :

( الصور القرن قال الراجز :

ـــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢١ .

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ( صور ) .

(٣) مجمع البحار ( صور ) .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384