استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 384
المشاهدات: 156341
تحميل: 7160


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156341 / تحميل: 7160
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لقد نطحــناهم غداة الجمعين

نطحاً شديداً لا كنطح الصورين

ومنه قوله تعالى :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) قال الكلبي : لا أدري ما الصور ، ويقال : هو جمع صورة مثل بسرة وبسر ، أي ينفخ في صور الموتى الأرواح ، وقرأ الحسن يوم ينفخ في الصور ، والصور ـ بكسر الصاد ـ لغة في الصور جمع صورة )(١) .

وفي (تفسير البغوي ) :

( والصور قرن ينفخ فيه قال مجاهد كهيئة البوق ، وقيل : هو بلغة أهل اليمن

وقال أبو عبيدة : الصور هو الصور جمع الصورة ، وهو قول الحسن .

والأول أصحّ )(٢) .

بل هو القول المشهور بينهم

وظاهر (تفسير النيسابوري ) أنّه قول مشهور :

( وفي الصور قولان ، أشهرهما : أنّه القرن ، يؤيّده قوله تعالى :( فَإِذَا نُقِرَ فِي النّاقُور ِ ) وإنّه تعالى يُعرّف أُمور الآخرة بأمثال ما شوهد في الدنيا ، ومن عادة الناس النفخ في البوقات عند الأسفار وفي العساكر ، فجعل الله تعالى النفخ في تلك الآلة علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات .

وأقربهما من المعقول أنّ الصور جمع صورة ، يؤكّده قراءة من قرأ بفتح الراء ، ويقال : صورة وصُوَر وصِوَر ، كدرّة ودُرَر )(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) صحاح اللّغة ٢ : ٧١٦.

(٢) تفسير البغوي ٢ : ٣٧٧ .

(٣) تفسير النيسابوري ٤ : ٥٧٠ .

٢٤١

وهو قول أهل اللُّغة منهم

وصريح كلام السجستاني في (غريب القرآن ) إنّه قول أهل اللّغة ، قال :

( قال أهل اللّغة : الصّور جمع صورة ينفخ فيها روحها فتحيى ، والذي جاء في التفسير أنّ الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل والله أعلم )(١) .

وقال محمّد بن أبي بكر الرازي في (غريب القرآن ) :

( الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل : وقيل هو جمع صورة مثل بسرة وبسر ، فقوله تعالى( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) أي ينفخ في صور الموتى أرواحها ، وقرأ الحسنرضي‌الله‌عنه ( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) بفتح الواو )(٢) .

وقال النسفي في (تفسيره ) :

( يوم ينفخ ، ظرف لقوله : وله الملك ، في الصور هو القرن بلغة اليمن ، أو جمع صورة )(٣) .

وفي (تفسير الرازي ) :

( وأمّا قوله تعالى :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) ففيه وجوه :

أحدها : إنّه شيء يشبه بالقرن ، وإنّ إسرافيلعليه‌السلام ينفخ فيه بإذن الله تعالى ، وإذا سمع النّاس ذلك الصوت ـ وهو في الشدّة بحيث لا تحتمله طبايعهم ـ يفزعون عنده ويصعقون ويموتون ، وهو كقوله تعالى :( فَإِذَا نُقِرَ فِي النّاقُورِ ) . وهذا قول الأكثرين .

وثانيها : يجوز أن يكون تمثيلاً لدعاء الموتى ، فإنّ خروجهم من قبورهم

ـــــــــــــــــ

(١) غريب القرآن : ٢٤٥ باب الصاد المضمومة .

(٢) غريب القرآن ( صور ) .

(٣) تفسير النسفي مدرك التنزيل ١ : ٣٧٢ .

٢٤٢

كخروج الجيش عند سماع صوت الآلة .

وثالثها : إنّ الصّور جمع الصورة )(١) .

وقال ابن الملقن في ( شرح البخاري ) :

( والذي عليه المفسّرون : إنّ الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل

قال أهل اللغة : هو جمع صورة مثل بسرة وبسر ينفخ فيها الروح نفخاً

وقرأ الحسن بفتح الواو ، والصور بكسر الصاد لغة في الصور جمع صورة ، وأنكره النحاس وقال : لا يعرف هذا أهل التفسير

قال : والحديث على أنّه الصور الذي ينفخ فيه إسرافيل ـ عليه السلام ـ ) .

وفيه أيضاً :

( قال القرطبي : وليس الصور جمع صورة كما زعم بعضهم أنّه ما ينفخ في صور الموتى ، بدليل الأحاديث المذكورة ، والتنزيل ـ أيضاً ـ يدلّ على ذلك ، قال تعالى :( ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ) ولم يقل فيها ، فعلم أنّه ليس بجمع صورة

وقال الكلبي : لا أدري ما الصور ، ويقال : هو جمع صورة مثل بسر وبسرة أي ينفخ في صورة الموتى الأرواح

وقرأ الحسن :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ ) وإلى هذا ذهب أبو عبيدة معمر ، وهو مردود بما ذكرناه ، وأيضاً : لا ينفخ في الصور للبعث مرّتين ، بل ينفخ مرّةً واحدة ، فإسرافيل ينفخ في الصور الذي هو القرن ، والله هو الذي يحيي الصور فينفخ فيها الروح ، كما قال تعالى( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا ) ،( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي ) وقد أنكر بعض أهل الزيغ أن يكون الصور قرناً

قال أبو الهيثم : من قال ذلك فهو كمن أنكر العرش

ـــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ٢٤ : ٢١٩ .

٢٤٣

والميزان وطلب لها تأويلات )(١) .

بل هو عقيدة البخاري !!

لقد ثبت أنّ أصحابنا لا يقولون بهذه المقالة الفاسدة ، بل القائلون بها هم من أهل السنّة ، كالحسن البصري ، وأبي عبيدة ، وصاحب سراج العقول ، وغيرهم من الأئمّة ...

ولو أنّ الخصم أجاب بأنّ الحسن البصري قدري ، وقد كفّره العلماء المحقّقون ، ومن حكم عليه بالكفر فلا يستبعد صدور مثل هذه الأباطيل منه ، وأمّا أبو عبيدة العالم اللّغوي النحوي فلا عبرة بقوله ، وكذا من تبعه واستحسن مقالته ...

قلنا له : فما تقول في إمامك البخاري ، وقد ذهب إلى هذا المذهب في كتابه (الصحيح ) عند جمهوركم :

لقد قال البخاري بتفسير سورة الأنعام من كتابه ، في الآية( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) : ( الصور جماعة صورة ، كقوله سورة وسور )(٢) .

وقال القسطلاني بشرحه :

( الصور ـ بضم الصاد وفتح الواو ـ في قوله تعالى :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) جماعة صورة

أي : يوم ينفخ فيها روحها فتحيى ، كقوله : سورة وسور ، بالسين المهملة فيهما .

قال ابن كثير : والصحيح أنّ المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيلعليه‌السلام ،

ـــــــــــــــــ

(١) شرح صحيح البخاري لابن الملقن ، عن تفسير القرطبي ٧ : ٢٠ ـ ٢١ والآية في سورة الأنعام : ٧٣ .

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٧٠ .

٢٤٤

 للأحاديث الواردة فيه )(١) .

وقال القاضي عياض :

( قوله في التفسير : الصور جمع صورة ، كقولك : صورة وصور ، كذا لأبي ذر

أي جمع على صور وصور بسكون الواو وفتحها ، وهو خير من رواية غيره ، كقولك سورة وسور ، بالسين ، إذ ليس مقصود الباب ذلك وهذا أحد تفاسير الآية )(٢) .

وقال ابن حجر العسقلاني :

( قوله : الصور جماعة صورة كقوله سورة وسور ، بالصاد أوّلاً وبالسين ثانياً ، كذا للجميع ، إلاّ في رواية أبي أحمد الجرجاني ففيها : كقولك صورة وصور ، بالصاد في الموضعين ، والاختلاف في كسون الواو وفتحها

قال أبو عبيدة في قوله تعالى :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ ) يقال : إنّها جمع صورة ، ينفخ فيها روحها فتحيى ، بمنزلة قولهم : سورة المدينة ، واحدها سورة قال النابغة :

ألم تر أنّ الله أعطاك سورةً

ترى كلّ ملك دونها يتذبذبُ

والثابت في الحديث أنّ الصور قرن ينفخ فيه ، وهو واحد لا إسم جمع )(٣) .

أقول :

لقد بان في غاية الوضوح والظهور ، طهارة أذيال أعلامنا الصدور عن التلوّث بوضح المصير إلى إنكار الصور ، وأنّ عزو هذا الإنكار إليهم كذب

ـــــــــــــــــ

(١) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ٧ : ١١٦ .

(٢) مشارق الأنوار على صحاح الآثار ٢ : ٦٥ .

(٣) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨: ٢٣٢ .

٢٤٥

وزور لكنّ أئمّة القوم هم الذين حرّفوا كلام الله وأحاديث الرسول ، كالحسن البصري وأبي عبيدة النحوي اللّغوي وصاحب سراج العقول ، وغيرهم من أعلامهم الفحول وأعجب من ذلك كلّه : أنّ البخاري الذي هو عندهم ابن بجدّة النقد والبراعة ، وحامل لواء أهل السنّة والجماعة ، قد تفوّه بهذا التفسير المهجور ، فاستحقّ كلّ أنواع التشنيع والتحقير ...

معاجز نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وربّما نسب بعضهم إلى علمائنا تكذيب المعاجز النبويّة ، كردّ الشمس وشقّ القمر ، وتكلّم الحيوانات مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشهادة الأشجار وغيرها برسالته ...

وحاشا علماء الطائفة المحقّة من إنكار هذه المعجزات وأمثالها ، وأين كلماتهم الصريحة في ذلك ؟

وما هو المستند في هذه النّسبة إليهم ؟

إنّ هذه النسبة كذب وافتراء ...

والقضيّة بالعكس ...

فقد وجدنا في علماء القوم من ينكر المعجزات النبويّة الصحيحة الثابتة بالأحاديث المجمع عليها .

ردّ الشمس

فحديث ردّ الشمس الثابت بأخبار الفريقين ، المذكور في كتاب (الشفاء ) للقاضي عياض في عداد المعجزات النبويّة ، والذي أخرجه الطحاوي ، عن أسماء بنت عميس ، بطريقين ، وقال :

( هذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات )(١) .

وقال القاضي عياض :

( حكى الطحاوي أنّ أحمد بن صالح كان يقول : لا ينبغي لمن سبيله

ـــــــــــــــــ

(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ : ٥٤٩ .

٢٤٦

العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء ؛ لأنّه من علامات النبوّة )(١) .

وحتّى الكابلي صاحب (الصواقع ) ومقلّدوه ، الذين أنكروا كثيراً من الأُمور الثابتة ، أذعنوا بثبوت حديث ردّ الشمس ، قال في الصواقع : ( وأمّا ردّ الشمس فكانت معجزة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّه صلّى العصر فأنزل عليه الوحي وكان رأسه في حجر عليّ وهو لم يصلّ العصر ، فلمّا فرغ ورأى الشمس قد غربت دعا ربّه أن يردّها ، فاستجاب دعاءه وردّ الشمس وصلّى عليّ العصر ، فلمّا فرغ غربت الشمس )(٢) .

وقال صاحب (التحفة ) ما تعريبه :

(وأمّا ردّ الشمس، فقد صحّحه أكثر أهل السنّة ، كالطحاوي وغيره ، وهو من معجزات النبيّ بلا ريب ، وقد كان ذلك لمّا فات وقت صلاة العصر على حضرة الأمير ، فدعاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يؤدّي صلاته )(٣) .

وقد وضع غير واحد من الحفّاظ رسالة مفردة في هذا الحديث :

منهم : السيوطي ، وقد أسمى رسالته ( كشف اللبس في حديث ردّ الشمس ) وقال في أوّلها :

(وبعد، فإنّ حديث ردّ الشمس معجزة لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صحّحه الإمام أبو جعفر الطحاوي وغيره ) .

وقال في هذا الحديث أيضاً :

( ثمّ الحديث صرّح جماعة من الأئمّة والحفّاظ بأنّه صحيح )(٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ : ٥٤٩ .

(٢) الصواقع الموبقة ـ مخطوط .

(٣) التحفة الاثني عشريّة : ٢٢٦ في الأدلّة العقليّة على إمامة الأميرعليه‌السلام .

(٤) كشف اللبس في حديث ردّ الشمس ـ المقدّمة .

٢٤٧

ومنهم : أبو الحسن شاذان الفضلي ، وقد أدرج السيوطي رسالته في (كشف اللبس ) .

ومنهم : أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني ، فإنّه وضع رسالةَ في هذا الحديث وأسماها : مسألة في تصحيح ردّ الشمس وترغيم النواصب الشمس ، وقد اعترف بذلك ابن تيميّة في منهاجه

وقد صحّح الحسكاني فيها الحديث بطرقٍ متعدّدة وأورد أقوال العلماء الكبار ، وذكر أنّه مرويٌّ عن أسماء بنت عميس وأمير المؤمنين وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري ...

من المنكر لهذه المعجزة

ومع ذلك كلّه ، فقد نكر بعضهم ـ تقليداً للنواصب ـ هذا الحديث الذي يعدّ من معاجز النبوّة ، ومن فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ...

ومن هؤلاء : ابن تيميّة الحراني ، فقد كذّب هذا الحديث ، وردّ على الحفّاظ كلامهم في تصحيحه وتحامل على الطحاوي وأمثاله من الأئمّة حتّى قال :

( وحديث ردّ الشمس له ، قد ذكره طائفة كأبي جعفر الطحاوي والقاضي عياض وغيرهما ، وعدّوا ذلك من معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنْ المحقّقون من أهل المعرفة بالحديث يعلمون أنّ هذا الحديث كذب موضوع )(١) .

فانظر كيف يكذّب الحديث ويطعن في الأئمّة المصحّحين له ...

ومن هؤلاء : ابن الجوزي ، إذ أورده في (الموضوعات ) وقال :

ـــــــــــــــــ

(١) منهاج السنة ٤ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ .

٢٤٨

 ( هذا حديث موضوع بلا شك ) .

ثمّ جعل ـ بعد كلامٍ له ـ يعترض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول :

( قال المصنّف : ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنّه نظر إلى صورة فضله ولم يلمح عدم الفائدة فيها ، فإنّ صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاءً ، فرجوع الشمس لا يعيدها أداء )(١) .

وأضاف في باطله في (تلبيس إبليس ) وزاد بأنْ قال :

( وغلوّ الرافضة في حبّ عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ حملهم على أنْ وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله ، أكثرها يشينه ويؤذيه ، وقد ذكرت منها جملةً في كتاب الموضوعات ، منها : إنّ الشمس غابت ففاتت عليّاًرضي‌الله‌عنه العصر ، فرُدّت له الشمس

وهذا من حيث النقل موضوع محال لم يروه ثقة ، ومن حيث المعنى فإنّ الوقت قد فات وعودها طلوع مجدّد ، فلا يرد الوقت )(٢) .

فانظر كيف يبالغون في إنكار المعاجز والفضائل ويحاولون طمس الحقائق ، ولا وازع لهم في هذا السبيل عن تكذيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونسبة العبث واللغو إليه ، إلاّ أنّه ليس بغريبٍ ممّن يجوّز على الله صدور القبائح العظام تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً .

ومن هؤلاء : الأعور الواسطي ، فإنّه كذّب الحديث وجعله من رواية الإماميّة إذ قال : ( ومنها دعواهم ردّ الشمس لعلي ، وهو مكذوبٌ لم يأت إلاّ

ـــــــــــــــــ

(١) كتاب الموضوعات ١ : ٣٥٥ ـ ٣٥٧ .

(٢) تلبيس إبليس : ١١٤ .

٢٤٩

بنقلهم وهم أخصام لا يقوم مجرّد نقلهم على الخصم حجّة )(١) .

فانظر إلى هذا الناصبي الذي زاد على سلفه ـ ابن تيميّة ـ في البغض والحقد والعناد ، فإنّ ذاك يعترف بتصحيح الطحاوي وغيره من أئمّة السنّة ، وهذا يدّعي أنّه من رواية الشيعة فحسب ، مع أنّ من رواته : ابن شاهين وابن مردويه وابن مندة ، كما في (المقاصد الحسنة )(٢) وغيرها ، وقد رواه الطبراني بطرق متعدّدة ، والخطيب والدولابي وابن أبي شيبة كما في ( كشف اللبس )

وقد ألّف فيه غير واحدٍ من الأعلام كما عرفت ، كأبي الحسن شاذان الفضلي والسيوطي ، والحسكاني ، وقد جزم به الإمام القرطاجني كما في (تنزيه الشريعة )(٣) .

بل لقد كذّب الأعور سلفه المعترف برواية الطحاوي والقاضي عياض وغيرهما له ، وكذّب أحمد بن صالح الذي قال : ( لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حديث أسماء ) وكذَّب غير هؤلاء من الأئمّة الأعلام من أهل السنّة ...

فهذا حال هؤلاء القوم ، وهذه مواقفهم من معاجز النبيّ ومناقب الوصي ، عليهما وآلهما الصلاة والسلام ...

انشقاق القمر

وكذّب بعضهم كذلك انشقاق القمر لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال

ـــــــــــــــــ

(١) رسالة الأعور في الردّ على الرافضة ـ مخطوط .

(٢) المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة : ٢٧٠/٥١٩ .

(٣) تنزيه الشريعة الغرّاء ١ : ٣٧٩ .

٢٥٠

الكرماني في ( الكواكب الدراري ) :

( إنشقاق القمر آية عظيمة لا يعادلها شيء من آيات الأنبياءعليهم‌السلام ؛ لأنّه ظهر من ملكوت السماء ، والخطب فيه أعظم والبرهان به أظهر ؛ لأنّه خارج عن جملة طباع ما في هذا العالم المركّب من العناصر .

وقد أنكر بعضهم هذا الخبر فقالوا : لو كان له حقيقة لم يخف أمره على عوام الناس ، ولتواترت به الأخبار ؛ لأنّه أمر محسوس مشاهد والناس فيه شركاء ، وللنفوس دواع على نقل الأمر الغريب والخبر العجيب ، ولو كان لذكر في الكتب ودوّن في الصّحف ، ولكان أهل التنجيم والسِيَر والتواريخ عارفين به ، إذ لا يجوز إطباقهم على إغفاله مع جلالة شأنه وجلاء أمره )(١) .

وحتّى ابن تيمية اعترف بهذه المعجزة ، ويعرّض بالمنكرين :

( وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس ، ومع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه ، وأخرجوه في الصحاح والسنن والمسانيد من غير وجه ، ونزل به القرآن ، فكيف تردّ الشمس التي تكون بالنهار ولا يشتهر ذلك ولا ينقله أهل العلم نقل مثله ، ولا يعرف قط أنّ الشمس رجعت بعد غروبها .

وإن كان كثير من الفلاسفة والطبيعيّين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر وما يشبه ذلك ، فليس الكلام في هذا المقام )(٢) .

من المنكرين لهذه المعجزة

ومع هذا كلّه، فقد أنكر الحليمي ـ وهو من كبار علماء القوم ـ انشقاق

ـــــــــــــــــ

(١) وانظر الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ، باب انشقاق القمر في آخر المناقب وتفسير سورة الانشقاق من كتاب التفسير .

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٢٩١ .

٢٥١

القمر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والأعجب من ذلك اعتماد الفخر الرازي على منع الحليمي وإنكاره ، في مقابلة أهل الحق ، حيث جاء في كتابه (نهاية العقول ) في كلامٍ له :

( ثمّ نقول : لا نزاع في شيءٍ من المقدّمات إلاّ في قولكم : الأمر العظيم الواقع بمشهد الخلق العظيم لابدّ وأنْ يتواتر

فإنّا نقول : ليس الأمر كذلك ، فإنّ انشقاق القمر ، وفتح مكّة أنّه كان بالصلح أو بالقهر ، وكونبسم الله الرحمن الرحيم هل هو من كلّ سورةٍ أم لا ؟

وكون الإقامة مثنى أو فرادى ، مع مشاهدة الصحابة لذلك مدّة حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ يومٍ خمس مرّات ، وكذلك أحكام الصّلاة والزكاة ، مع مشاهدتهم هذه الأُمور من النبيعليه‌السلام مدّة حياته ، كلّ ذلك أُمور عظيمة وقعت بمشهد أكثر الأُمّة ، ثمّ إنّه لم ينتشر شيءٌ منها )(١) .

ثمّ قال الرازي في مقام الجواب عن هذا التقرير :

( أمّا الانشقاق ، فقد منع الحليمي وقوعه ، بحمل :( انشَقّ الْقَمَرُ ) على أنّه سينشقّ

وإنْ سلّمنا وقوعه فلعلَّ المشاهدين ما كانوا في حدّ التواتر ؛ لأنّه آية ليليّة ، وأكثر الناس كانوا تحت السقوف ، فلذلك لم ينتشر )(٢) .

فانظر إلى الحليمي كيف يحمل الآية المباركة على خلاف ظاهرها ! وإلى الرازي كيف يستند إلى كلام الحليمي ليعارض به استدلال الإماميّة !

وقد قام الإجماع من المسلمين على وقوع الانشقاق :

قال الحافظ القاضي عياض :

ـــــــــــــــــ

(١) نهاية العقول ـ مخطوط .

(٢) نهاية العقول ـ مخطوط .

٢٥٢

 ( فصل ـ في انشقاق القمر وحبس الشمس قال الله تعالى :

( اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مّسْتَمِرّ ) أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي وإعراض الكفرة عن آياته ، وأجمع المفسّرون وأهل السنّة على وقوعه ) .

ثمّ قال بعد ذكر الروايات :

( وأكثر طرق هذه الأحاديث صحيحة ، والآية مصرّحة ، ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول بأنّه لو كان هذا لم يخف على أهل الأرض ، إذ هو شيء ظاهر لجميعهم )(١) .

وقال :

( أمّا انشقاق القمر ، فالقرآن نصّ بوقوعه وأخبر عن وجوده ، ولا يعدل عن ظاهرٍ إلاّ بدليل ، وجاء برفع احتماله صحيح الأخبار من طرقٍ كثيرة ، فلا يوهن عزمنا خلاف أخرق يحلُّ عرى الدين ، ولا يلتفت إلى سخافة مبتدع يلقي الشك على قلوب ضعفاء المؤمنين ، بل نرغم بهذا أنفه وننبذ بالعراء سخفه )(٢) .

أقول :

هذا بعض الكلام على إنكار القوم ما ثبت من معاجز النبي عليه وآله الصلاة والسلام ...

وأمّا إنكارهم لما ثبت من معجزات وكرامات الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ، فموارده كثيرة جدّاً ، فما أكثر المعجزات العلويّة المرويّة في كتب

ـــــــــــــــــ

(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ : ٥٤٣ و ٥٤٧ .

(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ : ٤٩٥ .

٢٥٣

الفريقين ، يستدلّ بها أهل الحقّ في مباحث الإمامة ، ويكذّبها أهل الخلاف ، أمثال ابن تيميّة والأعور وغيرهما .

أضف إلى ذلك : إنّ الحليمي وأبا إسحاق يكذّبان كرامات الأولياء مطلقاً ، وهذا ـ بعمومه ـ يشمل كرامات الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام .

قال شارح المواقف :

( المقصد التاسع : في كرامات الأولياء وأنّها جائزة عندنا ، خلافاً لمن منع جواز الخوارق واقعة ، خلافاً للأُستاذ أبي إسحاق والحليمي منّا وغير أبي الحسين من المعتزلة .

قال الإمام الرازي في الأربعين : المعتزلة ينكرون كرامات الأولياء ، ووافقهم الأُستاذ أبو إسحاق منّا ، وأكثر أصحابنا يثبتونها ، وبه قال أبو الحسين البصري من المعتزلة )(١) .

ـــــــــــــــــ

(١) شرح المواقف ٨ : ٢٨٨ .

٢٥٤

إسلام آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ربّما نسب بعض المتعصّبين المفترين من أهل السنّة إلى الشيعة القول بعدم طيب ولادة آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا بهتانٌ عظيم ، اللّهمّ العن قائله ومعتقده ومثبته ألف ألف لعنة ، وأذقه حرّ النار وأصله سعيراً ...

ولكنّ الكثيرين من أهل السنّة قائلون بعدم إسلام وإيمان آباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعياذ بالله .

أباطيل الأعور الواسطي

بل الأعجب من ذلك ردّ بعضهم على الإماميّة تشنيعهم على أهل السنّة وإعابتهم القول بذلك !!

ألا ترى كيف يدافع الأعور الواسطي عن هذه المقالة الفاسدة والزعم الباطل ، ويردّ على أهل الحق ، قائلاً :

( ومنها : إعابتهم قول أهل السنّة بكفر أبوي النبي ؛ وذلك حقّ لا إعابة على أهل السنّة ؛ لوجوه :

الأوّل : إنّ نصّ القرآن والأحاديث والتواريخ عن مجموع الكفّار من قريش ، مثل : أبي لهب عمّ النبي وأبي جهل ، ومن أسلم منهم ، مثل : أبي سفيان وغيرهم : أنّ محمّداً سفّه ما كان آباؤنا عليه من عبادة الأصنام ، ونحن لا نرغب عن ملّة عبد المطّلب .

الثاني : إنّ الله يقول لمن عرف الإسلام به :

( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإيمَانُ) فمن أين جاء الإيمان لأبويه .

الثالث : إنّ الرافضة يزعمون أنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه رمى أصنام قريش عن الكعبة ، وعبد المطّلب وعبد الله من رؤوسهم ، فأيّ شيء أخبرهم عن عدم عبادتهما ؟

قالوا : نقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة .

قلنا : معناه لم يكن سفاح بل عن عقود وأنكحة .

قالوا : كيف يمكن خروج نبيّ من كافر ؟

قلنا : كثير من الأنبياء ، كخروج إبراهيمعليه‌السلام من آزر .

٢٥٥

قالوا : عمّه أو خاله ؟

قلنا : يكذب ذلك أنّ الله تعالى سمّاه أباً بقوله :( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أَتَتّخِذُ أَصْنَاماً ) ويقول إبراهيم لآزر : يا أبتِ ، مراراً كثيرة

وأيضاً : العم ابن الجد لأبٍ ، والخال ابن الجد لأُمّ ، وحينئذٍ فيكون جدّه كافراً ، ولا ينتفع الرافضة بشيءٍ من هذه الدعوى ؛ ودليل كفره شهادة ابنه عليه ، كقوله تعالى :

( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناماً فنظلُّ لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذْ تدعون أو ينفعونكم أو يضرّون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون)

وكقوله تعالى :

( مَا هذِهِ التّمَاثِيلُ الّتِي أَنْتُم لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ) (١) .

أقول :

إنّها خرافات ركيكة وهفوات سخيفة :

فأمّا ما ذكره في الوجه الأوّل ، فلا دليل عليه في القرآن والحديث ، ولو فرض أنّ مجموع الكفّار قالوا كذلك ، فأيّ اعتبارٍ بقول الكفّار ؟

وأمّا ما ذكره في الوجه الثاني ، فليس إلاّ وساوس ظلمانيّة ، وتلبيسات شيطانيّة ، ومحصّلها الكفر والزندقة والإلحاد .

ـــــــــــــــــ

(١) رسالة الأعور الواسطي في الرد على الرافضة ـ مخطوط .

٢٥٦

وأمّا ما ذكره في الوجه الثالث ، ففي غاية الضعف ولا محصَّل له ، وأيّ ارتباط لمقصوده بقضيّة كسر الأصنام ، التي رواها ابن أبي شيبة وأبو يعلى وأحمد والطبري والحاكم والخطيب والنسائي وأمثالهم من الأعلام(١) .

وهل رئاسة عبد المطّلب وعبد الله لقريش تستلزم عبادة الأصنام ؟

إنّه لا يقول بذلك إلاّ الجهلة الأغثام والسفهاء اللئام !

كيف لا ؟ وقد قال السيوطي في (طراز العمامة في الفرق بين العمامة والقمامة ) في بيان المسالك التي سلكها في إثبات إسلام أبوي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( الثالث : إنّهما كانا على دين إبراهام ، ما عبدا قطّ في عمرهما الأصنام ، وأحاديث هذا المسلك قويّة السند ، كثيرة العدد ، عظيمة المدد ، لا يقوم لردّها أحد ) .

وأمّا ما ذكره عن إبراهيم ( عليه السلام ) ، فبطلانه يتّضح بمراجعة (رسائل السيوطي ) و(المنح المكيّة ) لابن حجر المكي ، وأمثالهما .

وبالجملة ، فإنّ القائلين منهم بهذا القول الباطل والرأي الفاسد كثيرون ، ولنذكر كلمات بعضهم :

ـــــــــــــــــ

(١) كنز العمّال للمتقي الهندي ، عن أبن شيبة وأبي يعلى وابن جرير ، مسند أحمد ١ : ٨٤ ، خصائص علي : ٢٢٥ الحديث ١٢٢ ، المستدرك ٢ : ٣٦٦ و٣ : ٥ .

٢٥٧

وابن كثير المدمشقي

قال ابن كثير الدمشقي في تاريخه (البداية والنهاية ) :

( وإخباره ـ عليه السلام ـ عن أبويه وجدّه عبد المطلب بأنّهم من أهل النّار ، لا ينافي الحديث الوارد عنهم ـ من طرق متعددة ـ أنّ أهل الفترة والأطفال والمجانين والصمّ يمتحنون في العرصات يوم القيامة ، كما بسط سنداً ومتناً عند قوله تعالى :

( وَمَا كُنّا مُعَذّبِينَ حَتّى‏ نَبْعَثَ رَسُولاً ) فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب ، فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب .

والحديث الذي ذكره السهيلي ـ في إسناده مجاهيل ـ إلى أبي الزناد عن عروة عن عائشة : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل ربّه أن يُحيي أبويه فأحياهما وآمنا به .

فإنّه منكر جدّاً ، وإنْ كان ممكناً بالنظر إلى قدرة الله تعالى ، لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه )(١) .

وكذّب أبو الخطّاب ابن دحية أيضاً حديث السهيلي ، ونصَّ على أنّه موضوع ، قال القسطلاني :

( قال ابن دحية : هذا الحديث موضوع ، يردّه القرآن والإجماع ، انتهى

وقد جزم بعض العلماء بأنّ أبويهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناجيان وليسا في النّار ، متمسّكاً بهذا الحديث وغيره

وتعقّبه عالم آخر ، بأنّه لم ير أحداً صرّح بأنّ الإيمان بعد انقطاع العمل بالموت ينفع صاحبه ، فإن ادّعى أحدٌ الخصوصيّة فعليه الدليل ، انتهى

وقد سبقه بذلك أبو الخطّاب ابن دحية وعبارته : من مات كافراً لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة ، بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه ذلك

ـــــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية تاريخ ابن كثير ٢ : ٢٨١ .

٢٥٨

فكيف بعد الإعادة )(١) .

وقد أطنب ابن كثير في المسألة في (تفسيره ) بتفسير قوله تعالى :

 ( مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى‏ مِن بَعْدِ مَاتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) ، وقال :

( قال الإمام أحمد : حدّثنا الحسن بن موسى ، حدّثنا زهير ، حدّثنا زبيد ابن الحرث اليامي ، عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال :

كنّا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزل بنا ونحن معه ، قريب من ألف راكب ، فصلّى ركعتين، ثمّ أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطّاب وفدّاه بالأب والأُم ، وقال : يا رسول الله ! مالك ؟

قال: إنّي سألت ربّي عزّ وجلّ في الاستغفار لأُمّي فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمةً لها من النّار .

وإنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها لتذكّركم زيارتها خيراً ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فكلوا وأمسكوا ما شئتم ، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية ، فاشربوا في أيّ وعاء شئتم ولا تشربوا مسكراً .

وروى ابن جرير من حديث علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قدم مكّة ، أتى رسم قبر ، فجلس إليه فجعل يخاطب ، ثمّ قام مستعبراً ، فقلنا : يا رسول الله ! إنّا رأينا ما صنعت .

قال : إنّي استأذنت ربّي في زيارة قبر أُمّي فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها ، فلم يأذن لي ، فما رُئي باكياً أكثر من يومئذٍ .

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدّثنا أبي ، حدّثنا خالد بن خداش ،

ـــــــــــــــــ

(١) المواهب اللدنيّة بالمنح المحمّديّة ١ : ٩٠/ ذكر رضاعه .

٢٥٩

حدّثنا عبد الله بن وهب ، عن ابن جريح عن أيوب بن هاني ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً إلى المقابر فأتبعناه ، فجاء حتّى جلس إلى قبرٍ منها ، فناجاه طويلاً ، ثمّ بكى ، فبكينا لبكائه ، ثمّ قام ، فقام إليه عمر بن الخطّاب فدعاه ثمّ دعانا ، فقال : ما أبكاكم ؟

قلنا : بكينا لبكائك .

قال : إنّ القبر الذي جلست عنده قبر آمنة ، وإنّي استأذنت ربّي في زيارتها فأذن لي ، وإنّي استأذنت ربّي في الدعاء لها ، فلم يأذن لي وأنزل علَيّ :

( مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى ‏ ) ، فأخذني ما يأخذ الولد للوالد ، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنّها تذكّر الآخرة .

حديث آخر في معناه : قال الطبراني : حدّثنا محمّد بن علي المروزي ، حدّثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب ، حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أقبل من غزوة تبوك واعتمر ، فلمّا هبط من ثنية عسفان ، أمر أصحابه أن يستندوا إلى العقبة حتّى يرجع إليهم ، فذهب فنزل على قبر أُمّه ، فناجا ربّه طويلاً ، ثمّ إنّه بكى ، فاشتدّ بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه ، وقالوا : ما بكى نبيّ الله هذا البكاء إلاّ وقد أُحدث في أُمّته شيءٌ لا يطيقه ، فلمّا بكى هؤلاء قام فرجع إليهم ، فقال : ما يبكيكم ؟

فقالوا : يا نبيّ الله ! بكينا لبكائك ، قلنا : لعلّه أُحدث في أمّتك شيءٌ لا تطيقه

قال : لا ، وقد كان بعضه .

ولكن نزلت على قبر أُمّي ، فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة ، فأبى الله أن يأذن لي ، فرحمتها وهي أُمّي فبكيت ، ثمّ جاءني جبرئيل فقال :

( مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى‏ ) فتبرّأ أنت من أُمّك ، كما تبرّأ إبراهيم من أبيه ، فرحمتها وهي أُمّي .

ودعوت ربّي أن يرفع عن أُمّتي أربعاً ، فرفع عنهم اثنين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين ، دعوت ربّي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض ، وأن لا يلبسهم شيعاً ، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض ، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج .

٢٦٠