استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 384
المشاهدات: 156279
تحميل: 7160


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156279 / تحميل: 7160
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهذا ـ أي ما ذهب إليه ابن الصلاح وأتباعه ـ بخلاف ما قاله الجمهور من الفقهاء والمحدّثين ؛ لأنّ انعقاد الإجماع على المزيّة على غيرهما من مرويّات ثقات آخرين ممنوع ، والإجماع على مزيّتهما في أنفسهما لا يفيد ؛ ولأنّ جلالة شأنهما وتلقّي الأُمّة بكتابيهما ـ لو سلّم ـ لا يستلزم ذلك القطع والعلم ، فإن القدر المسلّم المتلقّى بين الأُمة ليس إلاّ أنّ رجال مرويّاتهما جامعة للشروط التي اشترطها الجمهور لقبول روايتهم ، وهذا لا يفيد إلاّ الظن، وأمّا أن مرويّاتهما ثابتة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا إجماع عليه أصلاً ، كيف ؟ ولا إجماع على صحّة جميع ما في كتابيهما ؛ لأنّ رواتهما منهم قدريّون وغيرهم من أهل البدع ، وقبول رواية أهل البدع مختلف فيه ، فأين الإجماع على صحّة مرويّات القدريّة ، غاية ما يلزم أنّ أحاديثهما أصحّ الصحيح ، يعني إنّها مشتملة على الشروط المعتبرة عند الجمهور على الكمال ، وهذا لا يفيد إلاّ الظن القوي هذا هو الحق المتّبع )(١) .

أسماء الأئمّة الرواة للخبر المذكور

ونحن نذكر أسماء الأئمّة الأعلام من أهل السنّة ، الرواة لأحاديث عدم دخول ولد الزنا الجنّة ليكون دليلاً على ما ذكرنا ، وليتّضح أنّ لهذه الأحاديث أصلاً في كتب القوم ، فلا يغترَّ بكلام القاري أحد ، وهؤلاء هم :

١ ـ أحمد بن حنبل .

٢ ـ ابن أبي شيبة .

٣ ـ عبد بن حميد الكشي .

٤ ـ سفيان بن سعيد الثوري .

٥ ـ عبد الرزاق بن همام .

٦ ـ أبو عيسى الترمذي .

٧ ـ أبو عبد الرحمان النسائي .

٨ ـ أبو داود السجستاني .

٩ ـ ابن ماجة القزويني .

ـــــــــــــــــ

(١) فواتح الرحموت ـ شرح مسلم الثبوت ٢ : ١٢٣ .

٣٢١

١٠ ـ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري .

١١ ـ أبو حاتم ابن حبّان .

١٢ ـ أبو الحسن الدارقطني .

١٣ ـ أبوبكر البيهقي .

١٤ ـ أبو نعيم الأصبهاني .

١٥ ـ أبو الطاهر الحسن بن أحمد بن فيل(١) .

١٦ ـ أبو العباس أحمد بن جعفر الخرائطي(٢) .

١٧ ـ عبد الرحمان بن أبي حاتم الرازي .

١٨ ـ أبو الشيخ الأصبهاني .

١٩ ـ أبو سليمان الخطابي .

٢٠ ـ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري .

٢١ ـ أبو القاسم الطبراني .

٢٢ ـ أبو يعلى الموصلي .

٢٣ ـ أبو بكر الخطيب البغدادي .

٢٤ ـ أبو بكر ابن مردويه .

٢٥ ـ محب الدين ابن النجار البغدادي .

٢٦ ـ أبو الخير الطالقاني .

٢٧ ـ أبو القاسم الرافعي .

٢٨ ـ زكي الدين عبد العظيم المنذري .

٢٩ ـ أبو إسحاق الثعلبي .

٣٠ ـ جار الله الزمخشري .

٣١ ـ أبو السعادات ابن الأثير ، صاحب جامع الأُصول .

٣٢ ـ أبو الحسن ابن الأثير ، صاحب أُسد الغابة .

٣٣ ـ محمّد بن إسحاق بن منده .

ـــــــــــــــــ

(١) توجد ترجمته في الأنساب ( البالسي ) .

(٢) توجد ترجمته في الأنساب ( الخرائطي ) وفي مرآة الجنان حوادث ٣٢٧ .

٣٢٢

٣٤ ـ أبو علي ابن السكن .

٣٥ ـ أبو العبّاس نجم الدين القمولي .

٣٦ ـ عبد العزيز البخاري صاحب ( كشف الأسرار ـ شرح أُصول البزدوي ) .

٣٧ ـ مسعود بن عمر التفتازاني .

٣٨ ـ شمس الدين ابن خلكان .

٣٩ ـ ابن حجر العسقلاني .

٤٠ ـ جلال الدين السيوطي .

٤١ ـ الملاّ علي المتقي .

٤٢ ـ أبو الخير السخاوي .

٤٣ ـ شمس الدين العلقمي .

٤٤ ـ عبد الرؤوف المناوي .

٤٥ ـ ابن العرّاق .

٤٦ ـ الشيخ رحمة الله السندي .

٤٧ ـ ابن روزبهان الخنجي .

٤٨ ـ ابن الجزري الدمشقي .

٤٩ ـ شهاب الدين الخفاجي .

٥٠ ـ الشيخ عبد الحق الدهلوي .

تنبيه

ذكر السيوطي في (اللآلي المصنوعة ) تكلُّم ابن الجوزي في بعض طرق الحديث ، كقوله في أحدها : ( عبد الكريم متروك ) .

٣٢٣

أقول :

إن كان المراد ( عبد الكريم بن مالك الجزري ) فهو ثقة من رجال الكتب الستّة ، كما في (تقريب التهذيب )(١) .

وإنْ كان المراد ( عبد الكريم بن أبي المخارق ) فهو من أعيان التابعين ، ومن رجال الترمذي والنسائي وابن ماجة والبخاري ومسلم في التعاليق ، كما في (الكاشف )(٢) .

وتكلّم ابن الجوزي في رواية الدار قطني بأنّ ( أبو إسرائيل الملائي ) ضعيف .

وفيه : إنّه من رجال الترمذي وابن ماجة ، كما في (الكاشف )(٣) و (التقريب ) وقال ابن حجر : ( صدوق )(٤)

وقد كان أبو إسرائيل مؤكّداً على ثبوت الحديث ، كما في (اللآلي المصنوعة ) .

وتكلّم في رواية عبد بن حميد بسبب ( إبراهيم بن مهاجر ) .

وفيه : إنّه من رجال الترمذي وابن ماجة وأبي داود والنسائي ، بل ومسلم كما في (الكاشف ) و (التقريب ) بل نصَّ ابن حجر على أنّه ( صدوق )(٥) .

وتكلّم في رواية عبد الرزاق لكون ( جابان ) في طريقه .

وفيه : إنّه قد وثّقه ابن حبّان ، وقال ابن حجر : ( مقبول )(٦) .

ـــــــــــــــــ

(١) تقريب التهذيب ١ : ٥١٦ .

(٢) الكاشف للذهبي ٢ : ٢٠٠ .

(٣) الكاشف ١ : ٧٦ .

(٤) تقريب التهذيب ١ : ٦٩ .

(٥) الكاشف ١ : ٥٠ ، تقريب التهذيب ١ : ٤٤ .

(٦) تقريب التهذيب ١ : ١٢٢ .

٣٢٤

حول كتاب سليم بن قيس الهلالي

قال الفيض آبادي ما محصّله معرّباً :

كنّا نعتقد منذ القديم ، وعلى أثر التتبع والنظر في أُصول وقواعد مذهب الشيعة ، أنّ أصحّ الكتب عندهم قبل القرآن ، هو : كتاب الكافي لأبي جعفر الكليني ، وقد أرسل إليّ في هذه الأيّام بعض الأصدقاء كتاب التفسير لأهل البيت الطاهرين ، لجامعه شيخ مشايخ الإماميّة علي بن إبراهيم القمّي أُستاذ الكليني ، ومجلَّد كتاب الفتن من بحار الأنوار للشيخ محمّد باقر مع ترجمته لمجتهد العصر وعلاّمة الدهر ، فوجدت الشيخ المذكور ـ أعني أفضل متكلّمي الشيعة المتأخّرين الشيخ المجلسي ـ ينصّ على أنّ كتاب سليم بن قيس هو الأقدم والأفضل .

ولديَّ من كتاب سليم نسخة ، أوّلها :

قال : حدّثني أبوطالب محمّد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة ٣٣٤ ، قال : أخبرني أبو عمر عصمة بن أبي عصمة البخاري ، قال : حدّثنا أبوبكر أحمد بن المنذر بن أحمد الصنعاني بصنعاء ـ شيخ صالح مأمون ، جار إسحاق بن إبراهيم الدميري ـ قال : حدّثنا أبوبكر عبد الرزاق بن همام بن النافع الصنعاني الحميري ، قال : حدّثنا أبو عروة معمر بن راشد البصري ، قال : دعاني أبان بن أبي عيّاش ، قبل موته بنحو شهر ...

ونقل المجلسي عن النعماني أنّه وصف الكتاب المذكور بأنّه أصل من الأُصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو أقدمها ؛ لأنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الكتاب هو عن رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ، ومن جرى مجراهم ممّن شهد رسول الله وأمير المؤمنين وسمع منهما ، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها وتعوّل عليها .

وجلالة قدر هذا الكتاب ظاهرة ـ أيضاً ـ من كتب الشيخين عند تلك الطائفة .

وقد وصف البرقي مؤلّفه بأنّه من الأولياء الكاملين من أصحاب أمير المؤمنين .

وجعله الميرزا محمّد الأسترابادي في منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال ـ تبعاً لأسلافه ـ من المعدّلين والمعتمدين .

٣٢٥

وكيف لا يكون كذلك ، وقد عدَّه الإمام الأعظم الحلّي في خلاصة الأقوال والشيخ محمّد تقي والد الفاضل المجلسي في رجال روضة المتّقين ، من خُلّص أصحاب المرتضى .

بل إنّه ـ كما قال بعض الأجلّة ـ إنّما صنّف الكتاب المذكور بأمرٍ من أمير المؤمنين.

وفي البحار ، من طريق عمر بن أُذينة ، عن أبان : إنّ سليماً قد احتاط في هذا الكتاب إلى حدٍّ ـ والعياذ بالله ـ لم يثق بما رواه عن أمير المؤمنين وحده ، وكذا كلّ من أصحابه الثلاثة ، يعني سلمان وأبا ذر والمقداد ، حتّى يسمع الخبر من البقيّة ، فإذا اجتمعوا على شيءٍ كتبه ، وهذا هو صريح كلامه ، حيث قال :

( أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبرّ ، عن عليّ بن أبي طالب وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود ، ليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلاّ سألت عنه الآخر ، حتّى اجتمعوا عليه جميعاً ) .

وقد جاء في آخر النسخة : أنّه قد عرض الكتاب كلّه على سيّد الساجدين وكان في مجلسه أبو الطفيل صحابي رسول الله ، وعمر بن أبي سلمة ابن أُم المؤمنين أُم سلمة ( رضي الله عنها ) ، فأقرّوه كلّهم .

وفي البحار : ( قال أبان : فحججت من عامي ذلك ، فدخلت على عليّ ابن الحسين وعنده أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان من خيار أصحاب عليّعليه‌السلام ، ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن أُم سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعرضته عليه وعرضت على علي بن الحسين ذلك أجمع ، ثلاثة أيام ، كلّ يومٍ إلى اللّيل ، ويغدو عليه عمر وعامر ، فقرأته عليه ثلاثة أيام فقال لي : صدق سليمرحمه‌الله ، هذا حديثنا كلّه نعرفه ، وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة : ما فيه حديث إلاّ وقد سمعته من علي ومن سلمان وأبي ذر ومن المقداد ) .

والإمام محمّد الباقرعليه‌السلام ، بعد أنْ استمع إلى قصّة الكتاب ومؤلّفه ، جعل يمدحه بالصدق والسداد والرشد والرشاد .

ولا يخفى على أحد : أنّ يعقوباً الكليني الذي استفاد كثيراً من سليم وأمثاله ، لم يصل إلى هذه المراتب العالية ، وكتابه الذي شحنه بروايات الملحدين في الآفاق ، من أمثال زرارة وشيطان الطاق ، لا يصل إلى هذه المراتب القصوى .

٣٢٦

ورواة كتاب سليم من أجلاّء أصحاب سيّد الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمثالهم ، الذين هم ـ كما وصفهم الإمام الرضا ـ كالنجوم في السماء ، وهو كتابٌ مقبولٌ عند أئمّة الهدى ، من أوّله إلى آخره ، ويعدُّ جامعه فيمن لازم أمير المؤمنين وكان من كمّل أصحابه الأطياب ، بالإضافة إلى الوقائع الكثيرة التي شاهدها سليم منذ زمن إمامته إلى زمان إمامة الإمام الباقر .

أمّا الكليني فقد سمع ذلك عن لسان الآخرين .

ولمزيد الاعتماد ودفع الاشتباه وتحقيق الأُمور ، رجع سليم إلى الحسنينعليهما‌السلام أيضاً ، كما في اعتقادات صدوق المتشيّعين وصحيفة المتّقين وليس الخبر كالمعاينة .

وبالنظر إلى هذه الوجوه اليقينيّة ، فلو حلف أحد على صحّة كتاب سليم ما كان حانثاً .

نقد الكلام المذكور

أقول :

وفي هذا الكلام افتراءات وخرافات وأغلاط ، نتعرّض فيما يلي لبعضها :

أوّلاً : ما ذكره من أنّا نقول بأنّ الكافي أصحّ من القرآن الكريم ، من أقبح الافتراءات وأشنع الأكاذيب وأفظع التّهم حاشا أهل الحق من ترجيح كلامٍ أو كتابٍ على كتاب الله العظيم ...

وثانياً : نسبة ترجمة كتاب بحار الأنوار إلى سلطان العلماء قدّس سرّه ، لا أساس لها من الصحّة .

وثالثاً : ما عزاه إلى صاحب البحار من القول بتفضيل كتاب سليم على كتاب الكافي ، باطل كذلك ، إذ لا دلالة لكلامه على هذا بوجهٍ من الوجوه ، بل المستفاد من كلامه ترجيحه سائر الأُصول المعتبرة على كتاب سليم ، حيث قال : ( والحقّ أنّ بمثل هذا ـ أي اشتماله على قصّة محمّد بن أبي بكر الآتي تفصيلها

٣٢٧

ـ لا يمكن القدح في كتابٍ معروفٍ بين المحدّثين ، اعتمد عليه الكليني والصّدوق وغيرهما من القدماء ، وأكثر أخباره مطابقة لما روي بالأسانيد الصحيحة في الأُصول المعتبرة )(١) ، إذ تراه يستدل لاعتبار كتاب سليم باعتماد الكليني وغيره من المحدّثين عليه ، وبمطابقة أخباره لما في الأُصول المعتبرة ، فكان مطابقة أخباره لذلك دليلاً على اعتباره ...

وبالجملة ، فإنّ دعوى أفضليّة كتاب سليم من كتاب الكليني ممنوعة جدّاً ، ولا دليل عليها في كلام الشيخ المجلسي أصلاً .

وما حكاه عن النعماني فظاهره أنّ كتاب سليم أصل من أفضل الأُصول ومن أقدمها ، فلا دلالة فيه على كونه أفضل الأُصول كلّها ...

ورابعاً : إنّ كنية ( عصمة بن أبي عصمة ) هي ( أبو عمرو ) لا ( أبو عمر ) فما ذكره خطأ .

وخامساً : إنّ نسبة إسحاق بن إبراهيم إلى ( الدير ) فهو ( الديري ) وقوله ( الدميري ) خطأ وترجمته مذكورة في الكتب الرجالية ، وليته رجع إليها ، وقد وثّقه غير واحدٍ من الأعلام .

تنبيه على خطأٍ لصاحب التحفة

هذا ، وقد توهّم الدهلوي صاحب (التحفة ) أنّ لسليم بن قيس كتابين لا كتاب واحد ، وقد نشأ هذا التوهّم لديه عندما أراد ترجمة عبارة كتاب (الصواقع ) ـ لكون (التحفة ) منحولةً منه ـ التي هذا نصّها :

( الرواية السادسة :

إنّه روى سليم بن قيس الهلالي في كتابه ، من

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٣٠ : ١٣٤ ، الباب ١٩ .

٣٢٨

احتجاجات الأشعث بن قيس ، في خبرٍ طويل ، أنّ أمير المؤمنين ، قال : لمّا قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومال النّاس إلى أبي بكر فبايعوه ، حملت فاطمة وأخذت بيد الحسن والحسين ، ولم أدع أحداً من أهل بدر وأهل السّابقة من المهاجرين والأنصار ، إلاّ ناشدتهم الله حقّي ودعوتهم إلى نصرتي ، فلم يستجب لي من جميع الناس إلاّ أربع رهط : الزبير وسلمان وأبو ذر ومقداد

وهو دالّ على أنّه لم يجب عليه التقيّة ؛ لأنّه لو وجبت لم يظهر أمره لمن بايع أبا بكر ، فإنّ التقيّة تنافي الإظهار .

الرواية السابعة :

روى سليم بن قيس في كتابه الآخر المشهور لدى الشيعة بكتاب أبان بن أبي عيّاش الذي يرويه عن سليم : أنّ أبا بكر بعث قنفذاً إلى علي حين بايعه الناس ولم يبايعه علي ، وقال له : انطلق إلى علي وقل له : أجب خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانطلق فبلّغه ) .

فقال في الوجه السادس : ( ذكر سليم بن قيس الهلالي في كتابه ) ثمّ قال في السابع : ( ذكر سليم بن قيس في كتابه الذي رواه عنه أبان ) ، فتوهّم الدهلوي من اختلاف التعبير تعدّد الكتاب ، كما لا يخفى على من راجع (التحفة )(١) وما هو إلاّ تفنّن في العبارة ؛ لأنّ كتاب سليم ليس إلاّ ما رواه أبان لكنّ الدهلوي غفل عن ذلك .

وسادساً : إنّ الذي يجده الناظر في رجال البرقي هو كون سليم بن قيس من أولياء أمير المؤمنين

وأمّا كلمة ( الكاملين ) فإضافة من الفيض آبادي .

وسابعاً : وما حكاه عن العلاّمة الحلي ـ أيضاً ـ غير خالٍ من التحريف والتصحيف ؛ لأنّ المذكور في (خلاصة الأقوال ) بالنص هو : ( وقال السيّد علي

ـــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثنى عشريّة : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ .

٣٢٩

بن أحمد العقيقي : كان سليم بن قيس من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، طلبه الحجّاج )(١) وليس فيه ( من خُلّص أصحاب ) ، فكانت كلمة ( خُلّص ) إضافةً من الفيض آبادي .

وثامناً : وأمّا أن ( سليماً ) صنَّف هذا الكتاب بأمرٍ من الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فلا ندري من أين جاء به ؟ وممّن سمعه ؟ ولماذا لم يذكر اسم بعض الأجلّة الذي عزا إليه هذه الدعوى ؟

وتاسعاً : وكبرت كلمة تخرج من فيّ هذا الرجل ، إذ نسب إلى سليم أنّه كان إذا سمع شيئاً من أمير المؤمنينعليه‌السلام وحده لم يكتبه حتّى يسمعه من سلمان ـ أيضاً ـ مثلاً وكيف يمكنه إرجاع الضمير في ( أحدهم ) إلى كلّ من ذكر ليشمل الإمامعليه‌السلام أيضاً بل ظاهر كلام سليم أنّه متى ما سمع شيئاً من أحد الثلاثة منفرداً لم يكتبه ( حتّى اجتمعوا عليه جميعاً ) ، فلا يعمّ الكلام الإمامعليه‌السلام ...

لا يقال : إنّ هذا أيضاً غير جائز ؛ لأنّه طعن في الثلاثة .

لأنّا نقول : ليس الأمر كذلك ، وإنّما كان ذلك احتياطاً من سليم ، كما صرّح هو في حديثٍ سمعه من أبي ذر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال : ( يا أبا الحسن ، وأنت يا سلمان ، وأنت يا مقداد ، تقولون كما قال أبوذر ؟

قالوا : نعم ، صدق

قلت : أربعة عدول ، ولو لم يخبرني منكم غير واحدٍ ما شككت في صدقه ، ولكنْ أربعتكم أشدّ لنفسي وبصيرتي )(٢) .

هذا ، ولا مانع من عود الضمير في ( أحدهم ) إلى جميع الأربعة ؛ لجواز

ـــــــــــــــــ

(١) خلاصة الأقوال رجال العلاّمة الحلّي : ٨٣ ترجمة سليم بن قيس الهلالي .

(٢) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٧٢٦/ الحديث ١٩ .

٣٣٠

أن يكون مقصد سليم هو الاحتجاج بالخبر على المخالفين لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فكان يأخذ الخبر من غيره من الصحابة ـ أيضاً ـ ليتمّ الاحتجاج به عليهم ، كما هو دأب المصنّفين من أهل الحق ، إذ لا يكتفون بما يروونه عن الأئمّة الأطهار في مقام إلزام الخصوم وحتّى الإمام نفسهعليه‌السلام قد اضطرّ إلى مناشدة الأصحاب غير مرّة ، كما هو معلوم ...

وعاشراً : لقد نقل عن الإمام السجّادعليه‌السلام تصديقه كتاب سليم ، لكنَّ السند ضعيف ، ففي (منتهى المقال ) :

( وفي كش ـ بسندٍ ضعيف ـ في جملة حديث : وزعم أبان أنّه قرأه على عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال : صدق سليم رحمة الله عليه ، هذا حديث نعرفه )(١) .

وقد كان على الفيض آبادي التنبيه على هذا !

والحادي عشر : إنّه ليس في شيءٍ من الكتب الرجالية ما يدلّ على تصديق الإمامعليه‌السلام وتأييده لكتاب سليم ومن ادّعى فعليه البيان .

نعم هناك رواية فيها تصديق الإمامعليه‌السلام لخبرٍ رواه سليم بن قيس في سبب اختلاف الناس في الحديث ، رواها الكشي في كتابه ، وهذا نصّها :

( محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن كيسان ، عن إسحاق ابن إبراهيم ، عن ابن أُذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، قال :

قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّي سمعت من سلمان ومقداد ومن أبي ذر أشياء في تفسير القرآن ومن الرواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي اللهعليه‌السلام أنتم تخالفونه ـ وذكر الحديث بطوله .

ـــــــــــــــــ

(١) منتهى المقال في الرجال ٣ : ٣٧٦/١٣٥٦ ترجمة سليم بن قيس .

٣٣١

قال أبان : فقدّر لي بعد موت علي بن الحسين أنّي حججت ، فلقيت أبا جعفر محمّد بن علي ، فحدّثته بهذا الحديث كلّه ، لم أخط منه حرفاً ، فاغرورقت عيناه ، ثمّ قال :

صدق سليم ، قد أتى أبي بعد قتل جدّي الحسين وأنا قاعد عنده ، فحدّثه بهذا الحديث بعينه ، فقال له أبي : صدقت ، قد حدّثني أبي وعمّي الحسن ـعليهما‌السلام ـ بهذا الحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام الحديث )(١) .

وبهذا ظهر تدليس الفيض آبادي .

والثاني عشر : قد طعن في الكافي ، وشتم زرارة ومؤمن الطاق ، ولقّبه بـ ( شيطان الطاق ) ، وقد نقل بعض أهل السنّة أنّ أوّل من لقّبه بذلك هو إمامهم الأعظم ( أبو حنيفة ) ؛ لكثرة إلزامات مؤمن الطاق وإفحاماته للخصوم في مختلف المسائل والمناظرات ، فلا عجب من أنْ يتّبعه على ذلك المقلّدون له ، عناداً للحقّ وعداوةً لأهل البيتعليهم‌السلام ، لا سيّما وأنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان يقدّمه ويثني عليه وقد صرَّح بكلّ هذا الحافظ ابن حجر ، حيث ترجم لمؤمن الطاق ، قائلاً :

( محمّد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة البجلي الكوفي ، أبو جعفر الملقَّب بشيطان الطاق ، نُسب إلى سوقٍ في طاق المحامل بالكوفة ، كان يجلس للصرف بها ، فيقال : إنّه اختصم مع صيرفيٍّ آخر في درهمٍ زائف فغلب ، فقال : أنت شيطان الطاق .

وقيل : إنّ هشام بن الحكم شيخ الرافضة لمّا بلغه أنّهم لقّبوه شيطان الطاق ، سمّاه هو : مؤمن الطاق .

ويقال : إنّ أوّل من لقّبه بشيطان الطاق أبو حنيفة ، في مناظرةٍ جرت بحضرته بينه وبين بعض الحروريّة .

ــــــــــــ

(١) رجال الكشي : ١٠٤ ـ ١٠٥/١٦٧ بترجمة سليم بن قيس الهلالي .

٣٣٢

ويقال : إنّ جعفراً الصّادق كان يقدّمه ويثني عليه )(١) .

والثالث عشر : إنّه زعم اعتراف الإمام الرضاعليه‌السلام بكون أصحاب النبي كالنجوم ، مشيراً إلى حديث : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ...

لكن المراد من ( الأصحاب ) في ( حديث النجوم ) عند أهل الحق هم ( أهل البيت ) خاصّةً ، وهم يروون ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأسانيد ، ومن ذلك : ما رواه الشيخ الصدوق في (معاني الأخبار ) قال :

( حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه‌الله ) قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غياث بن كلوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( ما وجدتم في كتاب الله عزّ وجلّ ، فالعمل لكم به لا عذر لكم في تركه ، وما لم يكن في كتاب الله عزّ وجلّ وكانت فيه السنّة منّي ، فلا عذر لكم في ترك سنّتي ، وما لم يكن فيه سنّة منّي ، فما قال أصحابي فقولوا به ، إنّما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم ، بأيّها أُخذ أُهتدي ، بأيّ أقاويل أصحابي أخذتم

اهتديتم ، واختلاف أصحابي لكم رحمة .

فقيل : يا رسول الله ، من أصحابك ؟

قال : أهل بيتي ) .

قال محمّد بن علي مؤلّف هذا الكتاب : إنّ أهل البيتعليهم‌السلام لا يختلفون ، ولكن يفتون للشيعة بمرّ الحق ، وربّما أفتوهم بالتقية ، فما يختلف من قولهم فهو للتقيّة ، والتقيّة رحمة للشيعة )(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) لسان الميزان ٦ : ٣٧٨/٧٨٧٢ .

(٢) معاني الأخبار : ١٥٦ ـ ١٥٧ .

٣٣٣

وأمّا الخبر في (عيون الأخبار ) الذي توهّم حمل حديث النجوم فيه على الصحابة ، فهو ما رواه الصدوق بقوله :

( حدّثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى الصّولي ، قال : حدّثنا محمّد بن موسى بن نصر الرازي ، قال : حدّثني أبي قال : سُئل الرضاعليه‌السلام عن قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ، وعن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوا لي أصحابي .

فقال :هذا صحيح ، يريد من لم يغيّر ولم يبدّل .

قيل : وكيف نعلم أنّهم قد غيّروا وبدّلوا ؟

قال :ما يروونه من أنّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قال :

ليذادنّ رجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي ، كما تذاد غرائب الإبل عن الماء ، فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي

فيُقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : بُعداً لهم وسحقاً .

أفترى هذا لمن لم يغيّر ولم يبدّل ؟! )(١) .

لكنّ جواب الإمامعليه‌السلام : ( هذا صحيح ) متوجّه إلى الحديث الثاني وهو قوله : ( دعوا لي أصحابي ) وأمّا الحديث الأوّل ـ وهو حديث النجوم ـ فقد فسّره حديث (معاني الأخبار ) وبذاك المعنى يكون صحيحاً أيضاً ولابدّ من أن يكون المراد ذلك ؛ لأنّه يدلّ على العصمة ، ولا أحد يقول بعصمة الصحابة ...

إلاّ أنّ حديث أصحابي كالنجوم ، ساقط عند أئمّة القوم : كأحمد ، والبزّار ، وابن حزم ، والبيهقي ، وابن حجر ، وغيرهم ، من السابقين واللاحقين ، فمنهم من نصّ على ضعفه ، ومنهم من رماه بالوضع والكذب فراجع : (البحر المحيط في تفسير القرآن ) لأبي حيان الأندلسي ، و (المرقاة في شرح المشكاة ) للقاري ، و (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ) لابن الجوزي ، و (فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ) للمناوي ، و(فواتح الرحموت ـ شرح مسلَّم الثبوت ) لعبد العلي الأنصاري وغيرها من كتب القوم في العلوم المختلفة ...

ـــــــــــــــــ

(١) عيون الأخبار ٢ : ٨٧/٣٣ الباب ٣٢ .

٣٣٤

وإن شئت التفصيل فارجع إلى الرسالة المصنَّفة في خصوص حديث النجوم(١) .

والرابع عشر : ما ذكره من أن سليماً قد حضر الوقائع في زمن إمامة الإمام الباقرعليه‌السلام ، غلط فضيح ، لِما سيأتي من أنّ سليماً قد توفي في أيام الإمام السّجادعليه‌السلام .

والخامس عشر : ما ذكره لترجيح كتاب سليم على الكافي ، من أن الكليني قد روى الوقائع والأخبار بالواسطة ، أمّا سليم ، فقد كان معاصراً لها ومشاهداً لها فيه : إنّ الكليني وإنْ لم يشهد الوقائع والقضايا ، لكنّه رواها عمّن شهدها أو سمعها من المعصوم .

هذا ، مع قطع النظر عن الإسناد إلى سليم ، ومن روى عنهم ثقة الإسلام الكليني .

وأمّا بالنظر إليه ، فالحال مختلف كما لا يخفى على أُولي الأفهام ، فإنّ أسناد بعض أحاديث الكافي فاضل على أسناد كتاب سليم ، وأسناد بعضها مفضول ، فالحكم بترجيح أحد الجانبين على الإطلاق لا يصلح للقبول .

والسادس عشر : ما ذكره من رجوع سليم إلى الحسنينعليهما‌السلام لمزيد التحقيق ، نقلاً عن اعتقادات الصدوق وصحيفة المتقين ، إنْ أراد رجوعه إليهما في جميع ما في كتابه ، فهو ممنوع ؛ لأنّ القدر الثابت أنّه رجع إليهما وذكر لهما خصوص ما سمعه من أمير المؤمنينعليه‌السلام من الخبر الطويل في سبب اختلاف الناس في الحديث ، فهذا هو الذي عرضه عليهما ، وقد صدّقاه فيه ، وأمّا سائر أخبار كتابه ، فلا دليل عليه أصلاً ...

ـــــــــــــــــ

(١) رسالة في حديث أصحابي كالنجوم إحدى ( الرسائل العشر ) المطبوعة ، للسيّد علي الحسيني الميلاني ، وقد استفيد فيها من بحوث السيّد مير حامد حسين كثيراً .

٣٣٥

لقد جاء في كتاب سليم ، بعد أخذه الجواب من الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( قال سليم بن قيس : ثمّ أتيت الحسن والحسينعليهما‌السلام بالمدينة فحدّثتهما بهذا الحديث عن أبيهما قالا : صدقت ، قد حدّثك أمير المؤمنين بهذا الحديث ونحن جلوس عنده ، وقد حفظنا ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما حدّثك ، فلم تزد فيه حرفاً ولم تنقص منه حرفاً )(١) .

فلا دلالة له على عرض سائر أخباره عليهما ، كما لا يتوهّم منه عدم الاعتماد على نقل الإمامعليه‌السلام ، والعياذ بالله ، وإنّما أراد أن يعلم أنّ ما حفظه عنه مطابق للواقع بلا زيادةٍ ونقصان أو لا ...

أقول :

هذا تمام الكلام على ما ذكره الفيض آبادي في هذا الفصل من كلامه، الذي يحاول فيه إثبات أفضليّة كتاب سليم بن قيس عند أهل الحق من سائر كتبهم ، ثمّ يبدأ بفصلٍ آخر ، فيذكر المطاعن والإشكالات على الكتاب ، فيستنتج من الفصلين : أنّ الكتاب الذي أُلّف بأمر أمير المؤمنين ، وعُرض على الأئمّة الطاهرين ، وكان أفضل الكتب عند الطائفة ، يشتمل على أباطيل وأكاذيب وبذلك يريد القدح والطعن على المذهب وأئمّته وأتباعه هذا كلّ ما يريده هذا الرجل ...

وقد عرفت ما في كلماته في الفصل السابق .

وقد افتتح الفصل الثاني من كلامه بأنْ نسب إلى الشيخ المجلسي في (بحار الأنوار ) القول بأنّ بعض الأعاظم من الإماميّة يقدحون في الكتاب ويطعنون على مؤلّفه ، وذكر أنَّ الحسن بن علي بن داود ـ وهو الإمام في نقد الرجال ، وشيخ الطائفة في معرفة أحاديث الأئمّة كما قال ـ نقل عن رجال الشيخ أنّه يقال : ( ينسب إليه الكتاب المشهور ، وهو موضوع ) .

قال : والسبب في ذمّ وجرح هؤلاء الأكابر لكتاب سليم ، وكما يظهر من كلام الإمام الأعظم الحلّي وأساتذته في ( خلاصة الأقوال ) وغيره هو : اشتمال الكتاب على الافتراءات العظيمة والأكاذيب الكبيرة .

ـــــــــــــــــ

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٦٢٨/ الحديث العاشر .

٣٣٦

أقول :

هذا كلامه قبل الورود فيما زعمه من موارد النقد والإيراد في كتاب سليم .

ولكنّ ما نقله عن المجلسي في (البحار ) من طعن بعض أعاظم الإماميّة في الكتاب ومؤلّفه ، كذب واضح ، فإنّ الشيخ المذكور لم يذكر في كتابه طعناً من أحدٍ لا تلويحاً ولا تصريحاً لا في كتاب سليم ولا في مؤلّفه ...

قضيّة محمّد بن أبي بكر مع أبيه

وإنّ أوّل ما تعرّض له هذا الرجل واهتمّ به في مقام الطعن في كتاب سليم ، هو : قضيّة أنّ محمّد بن أبي بكر قد حضر أباه عند احتضاره وكلّمه ووَعَظَه قال : وهذا من الافتراءات العظيمة ؛ لأنّ محمّداً ولد في حجّة الوداع ، وكان في وقت موت أبيه ابن ثلاث سنين ، فكيف يمكنه أن يعظ أباه ؟

إلاّ أنّ الرجل قد أضاف ـ من عنده ـ إلى القضيّة أشياء ، لا عين لها في كتاب سليم ولا أثر ، ونحن ننبّه على إضافاته المكذوبة ، ثمّ نتكلّم على أصل القضيّة :

١ ـ لقد زعم أنّ في كتاب سليم : أنَّ محمّداً ذكّر أباه الاعتقاد بالتوحيد والنبوّة وحقوق أهل البيت النبوي ...

والحال أنّ الذي في كتاب سليم إنّما هو إلقاء كلمة التوحيد فقط ، وهذه عبارته :

( فقلت له لمّا خلوت به : يا أبت قل لا إله إلاّ الله

قال : لا أقولها أبداً ، ولا أقدر عليها حتّى أدخل التابوت )(١) .

٢ ـ لقد ذكر أنّ محمّداً تكلَّم عن إمامة أمير المؤمنين وخصائصه ، من العلم بما كان وما يكون ، وتحدّثه مع الملائكة وظاهر كلامه وجود هذا في

ـــــــــــــــــ

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٢٢/ الحديث السابع والثلاثون .

٣٣٧

كتاب سليم في خبر قضيّة محمّد مع أبيه ، والحال أنّه لا عين لذلك فيه ولا أثر ، كما لا يخفى على من أجال فيه النظر .

فإنْ أراد الاعتذار عن ذلك بأنّه قد نقله عن غير كتاب سليم ، فلا يُصغى إليه ؛ لأنَّ الكلام في كتاب سليم ...

٣ ـ لقد ذكر أنّ محمّداً قد استدلَّ ببعض الآيات القرآنيّة ، رفعاً لاستبعاد الناس أنّ الملائكة كانت تحدّث أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فإنْ كان غرضه وجود هذا في كتاب سليم ، توجّه إليه السؤال : هل إنّ استدلاله كان في حال صغر سنّه وحين احتضار أبيه ، أو في الأزمنة المتأخّرة ؟

فإنْ أراد وقوع ذلك منه في الأزمنة المتأخرة ، فأيّ ربطٍ لذلك ببحثه عن حال كتاب سليم ، واشتماله على الافتراءات ؟

وإنْ أراد وقوع ذلك منه في حال صغره ووقت احتضار أبيه ، فهذا كذب على سليم وكتابه .

يقول سليم في كتابه ما نصّه : ( قلت : وهل تحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء صلوات الله عليهم ؟

قال ـ أي محمّد بن أبي بكر ـ أما تقرأ القرآن :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ ولا نبيّ ولا محدّث ) قلت : أمير المؤمنين محدَّث ؟

قال : نعم ، وكانت فاطمة محدَّثةً ولم تكن نبيّةً ، ومريم محدَّثة ولم تكن نبيّة ، وأمّ موسى محدَّثة ولم تكن نبيّة ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبيّةً )(١) .

هذا ، ومن قرأ كتاب سليم ، علم أنّ لقائه مع محمّد بن أبي بكر إنّما كان بعد موت أبيه بزمنٍ طويل ؛ لأنّ لقائه كان بعد موت أبي عبيدة الجرّاح ،

ـــــــــــــــــ

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٢٣ ـ ٨٢٤/ الحديث السابع والثلاثون .

٣٣٨

المتوفّى في السنة الثامنة عشرة كما في (الاستيعاب )(١) ، بل كان بعد موت معاذ ، وموته متأخر عن موت أبي عبيدة فمحمّد عند هذه المكالمة ـ في أقل تقدير ـ ابن ثمان أو عشر سنين وأيّ مانعٍ من أنْ تصدر منه تلك الاستدلالات حينئذٍ ؟

٤ ـ لقد ادّعى الإجماع على ولادة محمّد بن أبي بكر في حجّة الوداع ، وهذا منه جهلٌ أو تجاهل قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في كتاب (تحصيل الكمال في أسماء الرجال ) : ( محمّد بن أبي بكر الصديق ، هو أبو القاسم محمّد ابن أبي بكر ، ولد عام حجّة الوداع بذي الحليفة أو بالشجرة ، سنة ثمان )(٢) .

وذكر ابن الأثير في (جامع الأُصول ) بترجمته أنّه ولد بالشجرة ، أي عام ثمان(٣) .

وقال تقي الدين المكّي بترجمته من (العقد الثمين في تاريخ بلد الله الأمين ) :

( محمّد بن أبي بكر الصديق ، واسمه عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي التيمي أبو القاسم ، ولد عام حجّة الوداع أو بالشجرة )(٤) .

وكذا في (تهذيب الكمال ) و (الاستيعاب ) وغيرهما ، حيث ذكر القول بولادته في الشجرة ، أي في السنة الثامنة من الهجرة .

٥ ـ ومن العجب دعواه رواية الكليني في الكافي ولادته في حجّة الوداع .

إنّ للشيخ الكليني في الكافي روايتين في الباب ، وهذه ألفاظهما :

ـــــــــــــ

(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٢ : ٧٩٤/١٣٣٢ بترجمة أبي عبيدة .

(٢) تحصيل الكمال في أسماء الرجال رجال المشكاة ترجمة محمّد بن أبي بكر .

(٣) جامع الأصول ٣ : ٧١/١٣٤٩ كتاب الحج ، الباب الثاني ، الفصل الأوّل .

(٤) العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ٢ : ٢١٤/٢٢٠ .

٣٣٩

أمّا الأُولى فهي : ( علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام : إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر ، فأمرها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلَّم ) حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهلّي بالحج ، فلمّا قدموا مكّة وقد نسكوا المناسك ، وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً ، فأمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تطوف بالبيت وتصلّي ، ولم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك )(١) .

وأمّا الثانية فهكذا : ( عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عمر بن أبان الكلبي ، قال : ذكرت لأبي عبد اللهعليه‌السلام المستحاضة ، فذكر أسماء بنت عميس ، فقال : إنّ أسماء ولدت محمّد بن أبي بكر بالبيداء ، وكان في ولادتها البركة للنساء لمن ولدت منهنّ أو طمثت ، فأمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستثـفرت وتنطقت بمنطقة وأحرمت )(٢) .

فهل تجد في هذين الخبرين ذكراً لحجّة الوداع ؟

٦ ـ ولم يكتف بالإسناد إلى الكافي ، بل أسند ذلك إلى الكشي أيضاً ، والحال أنّه لا أثر من ذلك في رجال الكشي ، بل ليس بكلامه بترجمة محمّد ذكر من ولادته أصلاً ، فضلاً عن كونها في حجّة الوداع وهذه ألفاظها في الكتاب المذكور :

( محمّد بن أبي بكر : حدّثني محمّد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القميّان قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي ، قال : حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، عن علي بن أسباط ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول :

ـــــــــــــــــ

(١) الكافي ٤ : ٤٤٩/١ ، كتاب الحج .

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٤/٢ ، كتاب الحج .

٣٤٠