استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 384
المشاهدات: 156271
تحميل: 7160


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156271 / تحميل: 7160
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كان مع أمير المؤمنينعليه‌السلام خمسة نفر من قريش ، وكانت ثلاثة عشر قبيلة مع معاوية ؛ فأمّا الخمسة : محمّد بن أبي بكر (رحمه‌الله ) ، أتته النجابة من قبل أمّه أسماء بنت عميس ، وكان معه هاشم بن عتبة بن أُبي وقّاص المرقال ، وكان معه جعدة بن هبيرة المخزومي ، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام خاله ، وهُوَ الذي قال له عتبة بن أبي سفيان : إنّما لك هذه الشدّة في الحرب من قبل خالك ، فقال له جعدة : لو كان خالك مثل خالي لنسيت أباك ، ومحمّد ابن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، والخامس سلف أمير المؤمنين ابن أبي العاص بن ربيعة ، وهو صهر النبيعليه‌السلام أبو الربيع .

حمدويه وإبراهيم ابنا نصير ، قالا : حدّثنا أيّوب ، عن صفوان ، عن معاوية ابن عمّار وغير واحد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : كان عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر لا يرضيان أن يعصى الله عزّ وجلّ .

محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني علي بن محمّد القمي قال : حدّثني أحمد ابن محمّد بن عيسى ، عن رجل ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جميل بن دراج ، عن حمزة بن محمّد الطيّار ، قال : ذكرنا محمّد بن أبي بكر عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

رحمه الله وصلّى عليه ، قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام يوماً من الأيّام : أُبسط يدك أبايعك

فقال : أوما فعلت ؟

قال : بلى

فبسط يده ، فقال : أشهد أنّك إمام مفترض الطاعة وأنّ أبي في النّار

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( كان النجابة من قبل أُمّة أسماء بنت عميس رحمة الله عليها ، لا من قبل أبيه ) .

حمدويه بن نصير ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام : إنّ محمّد بن أبي بكر بايع عليّاًعليه‌السلام على البراءة من أبيه .

٣٤١

حمدويه وإبراهيم ، قالا : حدّثنا محمّد بن عبد الحميد ، قال : حدّثني أبو جميلة عن ميسر بن عبد العزيز ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال :( بايع محمّد ابن أبي بكر على البراءة من الثاني ) .

حمدويه ، حدّثني عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمان ، عن موسى بن مصعب ، عن شعيب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول :

( ما من أهل بيتٍ إلاّ ومنهم نجيب من أنفسهم ، وأنجب النجباء من أهل بيت سوءٍ منهم محمّد بن أبي بكر ) (١) .

٧ ـ وأسنده إلى النجاشي أيضاً ، والحال أنْ لا ذكر لمحمّد بن أبي بكر في كتابه أصلاً ، فلا ذكره في أوائل الكتاب ، حيث عدّ جمعاً من أصحاب أمير المؤمنين ، ولا ذكره في باب المحمّدين فكيف بولادته في حجّة الوداع ؟

٨ ـ وكذا إسناد المطلب إلى رجال الغضائري ، فأمّا أصل كتابه ، فليس موجوداً ، وأمّا الرجاليّون كالعلاّمة الحلّي وابن داود والشيخ بهاء الدين اللاّهيجي والسيّد مصطفى التفرشي والميرزا الأسترابادي وأبي علي الحائري الذين ينقلون كلماته في تراجم الرجال فلم ينقلوا في كتبهم عنه في محمّد شيئاً ، فضلاً عن ذلك النقل الخاص المتعلِّق بتولّده فمن أين هذا الإسناد ؟

٩ ـ والعلاّمة الحلّي لم يقل في محمّدرضي‌الله‌عنه في (خلاصة

ـــــــــــــــــ

(١) رجال الكشي : ٦٣ ـ ٦٤/١١١ ـ ١١٦ ترجمة محمّد بن أبي بكر .

٣٤٢

الأقوال ) إلاّ : ( محمّد بن أبي بكر ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، من خواصّ عليّعليه‌السلام (١) .

فبأيّ دليلٍ نسب إليه القول بولادة محمّد في حجّة الوداع ؟

حلّ الإشكال بذكر النظائر

وأمّا حلّ الإشكال ، فنقول : إنّ منشأ هذا الإشكال ليس إلاّ الاستبعاد ، ومجرّد الاستبعاد لا يكون دليلاً ، بل يرتفع إذا حَصَلَ له نظير أو نظائر في التاريخ ، ولا شكّ أنّ الله تعالى قادر على خلق أفرادٍ متميّزين في الفهم والذكاء ونحن نذكر هنا بعضهم :

استقلّ بالكتابة وعمره أربع سنين

قال في (منهج المقال ) بترجمة المولى السيّد عبد الكريم بن طاووس العلوي الحسيني : ( استقلّ بالكتابة واستغنى عن المعلّم في أربعين يوماً ، وعمره إذ ذاك أربع سنين )(٢) .

وإذا كان كذلك ، فأيّ استبعاد في أنْ يأمر الابن البالغ ثلاث سنين أو أكثر أباه بقول كلمة لا إله إلاّ الله ، وهي من أُولى الكلمات التي ينطق بها أطفال المسلمين ؟

ــــــــــــ

(١) خلاصة الأقوال رجال العلاّمة الحلّي : ١٣٨/٣ باب محمّد .

(٢) منهج المقال في علم الرجال : ١٩٦ .

٣٤٣

حفظ القرآن وهو ابن أربع سنين

وقال الشعراني في (لواقح الأنوار ) :

( ومنهم : أبو محمّد سفيان بن عيينة ـ رضي الله عنه ـ حفظ القرآن وهو ابن أربع سنين ، وكتب الحديث وهو ابن سبع سنين )(١) .

وفي (الكواكب الدراري ) :

( وأمّا سفيان ، فهو بضمّ السين على المشهور وحكي كسرها وفتحها أيضاً ، وهو أبو محمّد ابن عيينة بن أبي عمران الهلالي الكوفي ، سكن مكّة ومات بها قال : قرأت القرآن وأنا ابن أربع سنين ، وكتبت الحديث وأنا ابن سبع سنين )(٢) .

وإذا أمكن قراءة القرآن لمن هو في سنّ أربع سنين ـ والحال أنّ عمر بن الخطّاب تعلّم سورة البقرة فقط في اثنتي عشرة سنة كما في (الدر المنثور )(٣) ـ كان من السّهل قبول تلقين كلمة لا إله إلاّ الله فقط ، ممّن هو في سنّ ثلاث سنين أو أكثر .

سمع الحديث وهو ابن أربع سنين

وأخرج مسلم بإسناده عن عبد الله بن الزبير ، قال : ( كنت أنا وعمر بن سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان ، فكان يطأطئ لي مرّةً فأنظر وأطأطئ له مرّةً فينظر ، فكنت أعرف أبي إذا مرَّ على فرسه في السلاح إلى بني قريظة قال : وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير ، قال : فذكرت ذلك لأبي ، فقال : ورأيتني يا بني ؟ قلت : نعم ) .

فقال النووي بشرحه : ( وفي هذا الحديث دليل لجواز ضبط الصبي وتمييزه وهو ابن أربع سنين

فإنّ ابن الزبير ولد عام الهجرة في المدينة ، وكان الخندق سنة أربع من الهجرة على الصحيح ، فيكون في وقت ضبطه لهذه القصّة دون أربع سنين

ــــــــــــــ

(١) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ـ ترجمة سفيان بن عيينة .

(٢) الكواكب الدراري في شرح البخاري ١ : ١٦ .

(٣) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ١ : ٥٤ .

٣٤٤

وفي هذا ردّ على ما قاله جمهور المحدّثين أنّه لا يصحّ سماع الصبي حتّى يبلغ خمس سنين ، والصواب صحّته متى حصل التمييز وإنْ كان ابن أربع أو دونها

وفيه منقبة لابن الزبير لجودة ضبطه لهذه القصّة مفصّلةً في هذا السن )(١) .

* والألطف من ذلك ما جاء عن عبد الله بن محمّد بن عبد الرحمان الأصبهاني في غير واحدٍ من الكتب ، مثل : (الكفاية ) للخطيب ، و (علوم الحديث ) لابن الصلاح ، و (تدريب الراوي ) للسيوطي ، و (عمدة القاري ) للعيني وغيرها ...

قال الخطيب : ( سمعت القاضي أبا محمّد عبد الله بن محمّد بن عبد الرحمن الأصبهاني ، يقول : حفظت القرآن ولي خمس سنين ، وحملت إلى أبي بكر ابن المقري لأسمع منه ولي أربع سنين .

فقال بعض الحاضرين : لا تسمعوا له فيما قرأ فإنّه صغير .

فقال لي ابن المقري : اقرأ سورة الكافرون ، فقرأتها ولم أغلط فيها .

فقال : اقرأ سورة التكوير ، فقرأتها .

فقال لي غيره : اقرأ سورة والمرسلات ، فقرأتها ولم أغلط فيها .

فقال ابن المقري : اسمعوا له والعهدة علَيّ .

سمعت أبا صالح صاحب أبي مسعود أحمد بن الفرات يقول : العجب من إنسانٍ يقرأ والمرسلات عن ظهر قلبه ولا يغلط فيها .

ـــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم للنووي ١٥ : ١٨٩ ـ ١٩٠ كتاب الفضائل ، فضائل طلحة والزبير .

٣٤٥

وحكي أنّ أبا مسعود ورد أصبهان ولم تكن كتبه معه ، فأملى كذا وكذا ألف حديث عن ظهر قلبه ، فلمّا وصلت الكتب إليه قوبلت بما أملى ، فلم تختلف إلاّ في مواضع يسيرة )(١) .

وقال العيني : ( حفظ القرآن أبو محمّد عبد الله بن محمّد الأصبهاني وله خمس سنين ، فامتحنه فيه أبو بكر ابن المقري ، وكتب له بالسماع وهو ابن أربع سنين )(٢) .

فأيّ عجبٍ من محمّد بن أبي بكر إذا أمر أباه بأنْ يقول : لا إله إلاّ الله ؟

* وماذا يقول القائل إذا سمع ما جاء في (علوم الحديث ) لابن الصّلاح وغيره من الكتب من أنّه ( قد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : رأيت صبيّاً ابن أربع سنين وقد حمل إلى المأمون ، وقد قرأ القرآن ونظر في الرأي ، غير أنّه إذا جاع بكى )(٣) ؟

وعلى هذا الأساس ، ذهب العلماء من الفريقين إلى أنّه يعتبر كلّ صغيرٍ بحاله ، فمتى فهم الخطاب وميّز ما يسمعه ، صحّ سماعه وإنْ كان دون خمس سنين ، كما جاء في كتاب (شرح البداية ) للشهيد الثاني من أصحابنا ، وفي (عمدة القاري ) و(المنهل الروي ) و (علوم الحديث ) وغيرها من كتب القوم .

ـــــــــــــــــ

(١) الكفاية في علم الرواية : ٦٤ ـ ٦٥/ باب ما جاء في سماع الصغير .

(٢) عمدة القاري في شرح البخاري ٢ : ٦٨ ، كتاب العلم ، باب قول النّبي : اللهمّ علّمه الكتاب .

(٣) علوم الحديث : ٧٥/ النوع الرابع والعشرون ، معرفة كيفيّة سماع الحديث ...

٣٤٦

كان يقوم الليل وهو ابن ثلاث سنين

فإن بقي شيء من الشك والاستبعاد بعد ما تقدَّم ، أوردنا ما ذكره أعلام القوم بترجمة سهل التستري ، من أنّه كان يقوم الليل وهو ابن ثلاث سنين قال اليافعي : ( وكان سبب سلوكه للطريق خاله محمّد بن سوار ، فإنّه قال : كنت ابن ثلاث سنين ، وكنت أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمّد بن سوار ، وكان يقوم باللّيل ، وكان يقول : يا سهل ، اذهب ونم فقد شغلت قلبي .

وقال لي يوماً خالي : ألا تذكر الله الذي خلقك ؟

فقلت : كيف أذكره ؟

فقال : قل بقلبك في الليل في فراشك ثلاث مرّات من غير أن تحرّك به لسانك : الله معي، الله ناظري ، الله شاهدي .

فقلت )(١) .

وكذا في (أحكام الدلالة على تحرير الرسالة ) للشيخ زكريا الأنصاري وغيره .

وإذا كان هذا ممكناً ممّن هو ابن ثلاث سنين ، فقول محمّد لأبيه : قل لا إله إلاّ الله أمكن ...

سمع الحديث وعمره أقل من ثلاث سنين

وإذا كان ذلك ـ أيضاً ـ لا يكفي لرفع الاستبعاد عن قضيّة محمّد ، فقد ذكر القوم سماع الصبيّ الذي سنّه أقل من ثلاث سنين للحديث من بعض الأئمّة ، وقبول ما حدّث به ، وقد جاء ذلك في (فتح الباقي ـ شرح ألفية العراقي )

للشيخ أبي يحيى زكريا الأنصاري ، حيث قال :

( وكذا يقبل عندهم صبي حمل الحديث ، ثمّ روى بعد البلوغ ما تحمّل في حال صباه .

ومنع قومٌ القبول هنا ، أي مسألة الصبي ؛ لأنّ الصبي مظنّة عدم الضبط .

ـــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ٢ : ١٤٩ .

٣٤٧

وردّ عليهم بإجماع الأُمّة على قبول حديث جماعةٍ من صغار الصحابة ، تحمّلوه في حال صغرهم ، كالسبطين الحسن والحسين ابني بنتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة ، وكعبد الله بن الزبير والنعمان بن بشير وعبد الله بن عبّاس .

مع إحضار أهل العلم من المحدّثين وغيرهم للصّبيان مجالس التحديث ، ثمّ قبولهم منهم ما حدّثوا به من ذلك بعد الحلم أي البلوغ ، كما وقع للقاضي أبي عمرو الهاشمي ، فإنّه سمع سنن أبي داود من اللؤلؤي وله خمس سنين ، واعتدّ الناس بسماعه وحملوه عنه ، وقال يعقوب الدورقي : حدّثنا أبو عاصم ، قال : أتيت بابني إلى ابن جريج وسنّه أقل من ثلاث سنين ، فحدّثه )(١) .

توكّل في عقد الزواج وله ثلاث سنين

بل لقد تحمّل الطفل الذي له ثلاث سنين الوكالة في عقد الزواج ! وذلك ما أخرجه أحمد في (المسند ) في تزوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأُمّ سلمة أُم المؤمنين ، ورواه عنه ابن القيّم في (زاد المعاد ) قال :

( قال الإمام أحمد في المسند : حدّثنا عفّان بن حماد بن سلمة ، أخبرنا ثابت ، قال : حدّثني ابن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أُمّ سلمة : أنّها لمّا انقضت عدّتها من أبي سلمة ، بعث إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : مرحباً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّي امرأة مصبية ، وليس أحد

ـــــــــــــــــ

(١) فتح الباقي ـ شرح ألفيّة العراقي ٢ : ١٥ ـ ١٨/ متى يصحّ تحمّل الحديث ...

٣٤٨

من أوليائي حاضراً الحديث ، وفيه :

فقالت لابنها عمر : قم ، فزوّج رسول الله ، فزوّجه )(١) .

وأخرجه سائر المحدّثين بطرقٍ أُخرى .

وروى ابن الأثير في (أُسد الغابة ) قال :

( أخبرنا يعيش بن صدقة بإسناده عن أحمد بن شعيب : أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم ، نا يزيد، عن حمّاد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، حدّثني ابن عمر ابن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أمّ سلمة ، قال : لمّا انقضت عدّتها من أبي سلمة ، بعث إليها أبو بكر يخطبها عليه ، فلم تزوّجه ، فبعث إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر بن الخطّاب يخطبها عليه ، فقالت : أخبر رسول الله إنّي أمرأة غيرى ، وإنّي امرأة مصبية ، وليس أحد من أوليائي شاهداً

فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر ذلك له ، فقال : ارجع إليها فقل لها :

أمّا قولك : إنّي امرأة غيرى ، فأدعو الله فيذهب غيرتك .

وأمّا قولك : إنّك امرأة مصبية ، فستكفين صبيانك .

وأمّا قولك : ليس أحد من أوليائي شاهداً ، فليس أحد من أوليائك ـ شاهد ولا غائب ـ يكره ذلك .

فقال لابنها عمر : قم فزوّج رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فزوّجه )(٢) .

هذا ، وقد كان لعمر بن أبي سلمة في ذلك الوقت ثلاث سنين أو سنتان ، إذ كان له يوم قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسع سنين بالاتفاق ، فإن كان قد وقع الزواج المذكور في شهر شوال من السنة الرابعة من الهجرة

ـــــــــــــــــ

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ١ : ٢٦/ فصل في أزواجه .

(٢) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ٦ : ٣٤٢ ترجمة أُمّ سلمة ( رضي الله عنها ) .

٣٤٩

فهو ابن ثلاث ، وإن كان قد وقع في السنة الثالثة فعمره أقل من سنتين .

وقد التفت ابن القيّم إلى هذه الأُمور عندما قال بعد رواية الحديث :

( وفي هذا نظر ، فإنّ عمر هذا ، كان سنّه لمّا توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسع سنين ، ذكره ابن سعد ، وتزوّجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شوّال سنة أربع ، فيكون له من العمر حينئذٍ ثلاث سنين ، ومثل هذا لا يزوّج .

قال ذلك ابن سعد وغيره ) .

وكأنّه لذلك اضطرّ أحمد بن حنبل لأنْ ينكر صغر سنّ عمر بن أبي سلمة ، قال ابن القيّم :

( ولمّا قيل ذلك للإمام أحمد ، قال : من يقول إنّ عمر كان صغيراً ؟

قال أبو الفرج ابن الجوزي : ولعلّ أحمد قال هذا قبل أن يقف على مقدار سنّه ، فقد ذكر مقدار سنّه جماعة من المؤرخين ، ابن سعد وغيره ) .

ومن العلماء من اضطرّ لأنْ يحرّف الحديث ، فيجعل الذي زوَّج سلمة من رسول الله عمر بن الخطّاب لا ابنها عمر ، لكنّ هذا أيضاً غير مفيد ، فقد روى ابن القيّم عن الواقدي :

( إنّ رسول الله خطب أُمّ سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة ، فزوّجها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يؤمئذٍ غلام صغير )(١) .

أجابت ابنة ابن عربي في مسألةٍ فقهيّة وهي في سنّ الرضاعة

وإنْ تعجب ، فعجبٌ قصّة ابنة ابن عربي الأندلسي صاحب (الفتوحات ) ، إذْ أجابت عن مسألةٍ فقهيّة جهلها عمر بن الخطّاب وكبار الأصحاب ، وهي في

ـــــــــــــــــ

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ١: ٢٦ ـ ٢٧.

٣٥٠

سنّ الرضاعة ، نحو سنةٍ أو قريب منها !!

ذكر ذلك ابن عربي في كتابه المذكور ، والشعراني في مختصره المسمّى (لواقح الأنوار القدسيّة ) وأورده الحلبي في (سيرته ) حيث قال بعد ذكر المتكلّمين في المهد :

( ويضمّ لهؤلاء ما ذكر الشيخ محي الدين ابن عربي رحمه الله سبحانه : قلت لابنتي زينب مرّةً ـ وهي في سنّ الرضاعة ، قريباً عمرها من سنة ـ : ما تقولين في الرجل يجامع حليلته ولم ينزل ؟

فقالت : يجب عليه الغسل فتعجّب الحاضرون من ذلك .

ثمّ إنّي فارقت تلك البنت وغبت عنها سنةً في مكة ، وكنت أذنت لوالدتها في الحج ، فجاءت مع الحج الشامي ، فلمّا خرجت لملاقاتها رأتني من فوق الجمل وهي ترضع ، فقالت بصوت فصيح قبل أن تراني أُمّها: هذا أبي ، وضحكت ، ورمت بنفسها إليّ .

قال : وقد رأيت ـ أي علمت ـ من أجاب أُمّه بالتسميت وهو في بطنها حين عطست ، وسمع الحاضرون كلّهم صوته من جوفها. شهد عندي الثقات بذلك )(١) .

تكلّم محمّد مع أبيه عند موته في المصادر السنيّة

وبعد ، فلا يتوهمنّ أحدٌ بانحصار خبر تكلّم محمّد بن أبي بكر مع أبيه عند موته ، بكتاب سليم بن قيس ، فقد وجدنا في (سرّ العالمين ) وهو من

ـــــــــــــــــ

(١) السيرة الحلبيّة ١ : ٧٧ ـ ٧٨/ باب ذكر مولده ( ص ) .

٣٥١

مؤلفات أبي حامد الغزالي كما اعترف بذلك الذهبي في ( ميزانه )(١) أنّه ( دخل محمّد بن أبي بكر على أبيه في مرض موته فقال له : يا بني ، ائت بعمّك عمر لأُوصي له بالخلافة ، فقال : يا أبت ، كنت على حقٍّ أو باطل ؟

فقال : على حق ، فقال : وصّ بها لأولادك إن كانت حقّاً ، وإلاّ فمكّنها لسواك ثمّ خرج إلى علي ، فجرى ما جرى )(٢) .

ووجدنا هذا في (تذكرة خواص الأُمّة )(٣) لسبط ابن الجوزي ـ وهو من علماء أهل السنّة ، وقد اعتمد كبار علمائهم على كتبه ، واستندوا إلى أقواله ، ووصفوه بالإمامة والحفظ ونحو ذلك من الأوصاف الجليلة وترجم له غير واحد من المشاهير ، كمحمود بن سليمان الكفوي في كتابه المعروف الذي وضعه بتراجم علماء الحنفيّة وأسماه بـ (كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ) إذ قال فيه :

( يوسف بن قزغلي بن عبد الله البغدادي ، سبط الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، صاحب مرآة الزمان في التاريخ ، ذكره الحافظ شرف الدين في معجم شيوخه ، كان والده مع موالي الوزير عرف الدين بن هجيرة ، ويقال في والده قزغلي بحذف القاف وبالقاف أصح .

ولد في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ببغداد ، ونشأ ببغداد وتفقّه وبرع وسمع من جدّه لأُمّه ، وكان حنبليّاً فتحنبل في صغره لتربية جدّه ، ثمّ رحل إلى الموصل ، وسمع بالموصل ، ثمّ رحل إلى دمشق وهو ابن نيف وعشرين سنة

ـــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٥٠٠ ترجمة الحسن الصباح وانظر سِيَر أعلام النبلاء ١٩ : ٣٢٨ بترجمة الغزالي .

(٢) سرّ العالمين : ١١/ باب في ترتيب الخلافة والمملكة .

(٣) تذكرة خواص الأُمّة : ٦٢ .

٣٥٢

وسمع بها ، وتفقّه على جمال الدين الحصيري ، وتحوّل حنفيّاً لمّا أنابه قزغلي ابن عبدالله كان على مذهب الحنفيّة .

وكان إماماً عالماً فقيهاً واعظاً جيّداً نبيهاً ، يلتقط الدرر من كلمه ، ويتناثر الجوهر من حكمه ، ويصلح المذنب عندما يلفظ ، ويتوب الفاسق العاصي حينما يعظ ، يصدع القلب بخطابه ، ويجمع العظام النخرة بجنابه ، لو استمع له الصخر لانفلق ، والكافر الجحود لآمن وصدّق ، وكان طلق الوجه ، دائم البشر ، حسن المجالسة ، مليح المحاورة ، يحكي الحكايات الحسنة وينشد الأشعار المليحة ، وكان فارساً في البحث ، عديم النظير ، مفرط الذكاء ، إذا سلك طريقاً ينقل فيها أقوالاً ويخرج أوجهاً ، وكان من وحداء الدهر بوفور فضله وجودة قريحته وغزارة علمه وحدّة ذكائه وفطنته ، وله مشاركة في العلوم ومعرفة بالتواريخ .

وكان من محاسن الزمان وتواريخ الأيّام ، وله القبول التام عند العلماء والأُمراء والخاص والعام ، وله تصانيف معتبرة مشهورة ) .

ووجدناه في رواية الحافظ السمهودي ، بلفظ : ( ودخل محمّد بن أبي بكررضي‌الله‌عنه على أبيه في مرض موته ، فقال : ائت بعمّك عمر لأُوصي له بالخلافة

فقال : يا أبة ، كنت على حقٍّ أم على باطل ؟

قال : على حق

قال : فارض لولدك ما رضيت لنفسك ) .

وهل قدح أحدٌ من أعلام الإماميّة في كتاب سليم ؟

قد عرفت أنّ ما نسبه إلى صاحب البحار من أنّ بعض أعاظم الإماميّة طعن في سليم بن قيس وكتابه ، لا أساس له من الصحّة ...

والعلاّمة الحلّي في كتاب (خلاصة الأقوال ) لا يقول بعدم اعتبار الكتاب ، ونسبة ذلك إليه كذب آخر ، وإنّما ذكر الاختلاف حوله ، ثمّ حكم بعدالة سليم ، وتوقّفه عن قبول بعض أخبار الكتاب لا يدلّ على القول بعدم اعتبار الكتاب ؛ لأنّ التوقّف في قدر معيّنٍ من الروايات يشعر بقبول ما عداه ، والتوقّف عن القبول لذلك القدر لا يعني الردّ له .

٣٥٣

وكلمات الرجل في اسم الشيخ حسن بن داود الحلّي واسم كتابه ، مضطربة جدّاً ، ممّا يدلّ على جهله بأسماء علماء أهل الحق وأسماء كتبهم ، فكيف يريد التكلّم عن أحوالهم والحال هذه ؟ لكن لا اختصاص لهذا الجهل بهذا الرجل فقد سبقه إلى ذلك صاحب (الصواقع ) وصاحب (التحفة ) على عادته .

ثمّ إنّ هذا الشيخ وإنْ كان من كبار علماء الطائفة ، إلاّ أنّ غرض الرجل من وصفه بالإمام المقتدى وشيخ الطائفة ، الأفقه الأعرف بالأحاديث غير خافٍ على النبيه وإلاّ فإنّ أحداً من أصحابنا لم يصفه بهذه الألقاب .

والذي في كتاب ابن داود الحلّي نقلاً عن الشيخ الطوسي هو : ( ينسب إليه الكتاب المشهور ) وليس في العبارة جملة ( وهو موضوع ) !

بل إنّ الشيخ يقول في (الفهرست ) ما نصّه :

( سليم بن قيس الهلالي ، يكنّى أبا صادق ، له كتاب ، أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن أبي القاسم الملقّب بماجيلويه ، عن محمّد بن علي الصيرفي ، عن حمّاد بن عيسى وعثمان بن عيسى ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس ورواه حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن سليم بن قيس )(١) .

هذا ، ولم ينقل أحد من الرجاليّين عن الشيخ القول بوضع كتاب سليم بن قيس أبداً ، وهذه كتبهم متوفّرة لكلّ أحد .

وبعد ؛ فلو فرض اشتمال كتاب سليم ـ الذي ليس من الكتب التي يستنبط منها أحكام الحلال والحرام في الشريعة ، وإنّما موضوعه الأحاديث والأخبار المتعلّقة بحوادث صدر الإسلام والوقائع بعد وفاة النبي عليه وآله الصلاة والسلام ـ على خبرٍ لا يرتضيه بعض علماء الطائفة ، فإنّ ذلك لا يوجب طعناً في المذهب الحق بخلاف أهل الخلاف ، فإنّ جميع معالم مذاهبهم من الأُصول والفروع متّخذة من هذه الكتب التي بأيدينا ، ممّا سمّي بالصحاح وغيرها ، والحال أنّه قد ثبت باعتراف أئمّتهم اشتمال الكتابين المشهورين بالصحيحين ـ فضلاً عن غيرهما ـ على الأباطيل والأكاذيب والموضوعات ، كما ستقف ـ بحمد الله تعالى ـ على بعض التفصيل في ذلك ، وبالله التوفيق .

ـــــــــــــــــ

(١) كتاب الفهرست للشيخ الطوسي : ١٤٣/٣٤٦ .

٣٥٤

هل كان سليم يرى أنّ الأئمّة ثلاثة عشر ؟

ونُسب إلى سليم في كتابه القول بكون الأئمّة ثلاثة عشر لا اثني عشر ، وقد روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال : من ادّعى أنّه إمام وليس بإمام ، يوم القيامة( تَرَى الّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُم مُسْوَدّةٌ ) قال الراوي : قلت : وإنْ كان علويّاً فاطميّاً ؟

قال : وإن كان علويّاً فاطميّاً .

وفي ( اعتقادات ) الصدوق : والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، فمن ادّعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون ، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون وفي (الفصول المهمّة ) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :

( ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم : من ادّعى الإمامة من الله وليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام نصيباً ) .

ومقتضى هذه الأخبار وأمثالها : خروج المدعي للإمامة كذباً ، وكذا القائل بإمامته ، عن الإسلام .

وكيف يجتمع هذا مع تلك المناقب الجليلة التي تذكر لسليم وكتابه ؟

أقول :

إنّه على فرض وجود هذا المعنى في كتاب سليم ، فإنّ جعل ذلك من افتراءات سليم افتراء على سليم ؛ لأنّ من يدّعي وجوده في كتاب سليم لا يقول بثبوت نسبة الكتاب إليه .

إلاّ أنّه قد تبيّن بعد النظر الدقيق والفحص التام في ألفاظ الكتاب : عدم وجود ما يدلُّ على إمامة ثلاثة عشر إمام بعد النبي ، بأنْ يكون هناك إمام آخر غير الأئمّة وأوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاثني عشر بل الأمر بالعكس ، فقد وقع التصريح في مواضع عديدة من الكتاب بكون الأئمّة اثني عشر ، وأنّ الأحد عشر منهم من أولاد أميرالمؤمنين وسيّد الوصيّين علي ابن أبي طالب :

فمنها : نقلاً عن عبد الله بن جعفر ، أنّه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

( ليس في جنّة عدنٍ منزل أفضل ولا أشرف ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي ، ومعي ثلاثة عشر من أهل بيتي ، أوّلهم عليّ

٣٥٥

وابنتي فاطمة ، وابناي الحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، هداة مهتدون ، أنا المبلّغ عن الله وهم المبلّغون عنّي ، وهم حجج الله على خلقه وشهداؤه في أرضه ، وخزّانه على علمه ومعادن حكمه ، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله ، لا تبقى الأرض طرفة عين إلاّ ببقائهم ولا تصلح إلاّ بهم ، يخبرون الأُمّة بأمر دينهم ، حلالهم وحرامهم ، يدلّونهم على رضا ربّهم وينهونهم عن سخطه ) (١) .

ومنها : عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( علي أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أُمّتي وولي كلّ مؤمنٍ بعدي ، ثمّ ابني الحسن ثمّ ابني الحسين ، ثمّ تسعة من ولد ابني الحسين ، واحد بعد واحد ، القرآن معهم وهم مع القرآن ، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا علّيّ الحوض ) (٢) .

ومنها : عن عليّ (عليه السلام ) في حديث :

( فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف ، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط : سلمان وأبا ذر والمقداد ، وسمّى من يكون من أئمّة الهدى ، الذين أمر الله المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة ، فسمّاني أوّلهم ، ثمّ ابني هذا ـ وأدنى بيده إلى الحسن ـ ثم الحسين ، ثمّ تسعة من ولد ابني هذا ـ يعني الحسين ـ ) (٣) .

ومنها : عن عليعليه‌السلام أنّه قال :

( يا سليم ، إنّ أوصيائي أحد عشر

ـــــــــــــــــ

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٤٠ ، الحديث الثاني والأربعون .

(٢) المصدر نفسه ٢ : ٦٤٥ ، الحديث الحادي عشر .

(٣) المصدر نفسه ٢ : ٦٥٨ ، الحديث الحادي والعشرون .

٣٥٦

رجلاً من ولدي ، أئمّة هداة مهديّون ) (١) .

وإذا كان سليم يروي هذه النصوص في كتابه ، فلا يعقل أنْ يروي ما يدلّ على كون الأئمّة ثلاثة عشر ، فيتناقض ويكذّب تلك النصوص المتكثّرة ، ومن هنا ، فقد قال الدهلوي في (التحفة ) أنّ من حكم العقل أنّه إذا روى الإنسان حديثاً عن بعض الأكابر أن لا يروي هو ما يكذّب ذلك الحديث .

والظاهر وقوع الإشتباه ممّن نسب إلى كتاب سليم القول بكون الأئمّة ثلاثة عشر ، وكأنّ منشأ الاشتباه ما رآه في الكتاب من الخبر في أنّه سيكون من ولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر إماماً ، فتوهّم أنّ الأئمّة من بعده علي والإثنا عشر، فهم ثلاثة عشر إماماً .

لكنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام داخل في الأثني عشر ، وعدّه في أولاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجازاً صحيح بلا ريب ؛ لكونه بمنزلة ابنه بلا كلام قال الشيخ التقي المجلسي : ( بل فيه ـ أي في كتاب سليم ـ إنّ الأئمّة اثنا عشر من ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو على التغليب ، مع أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان بمنزلة أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أنّه كان أخاه ، وأمثال هذه العبارة موجودة في الكافي وغيره )(٢) .

وقال أبو علي في (منتهى المقال ) :

( وأمّا كون الأئمّة ثلاثة عشر ، فإنّي تصفّحت الكتاب من أوّله إلى آخره ، فلم أجده فيه ، بل في مواضع عديدة إنّهم اثنا عشر ، وأحد عشر من ولد

ـــــــــــــــــ

(١) المصدر نفسه ٢ : ٨٢٤ ، الحديث السابع والثلاثون .

(٢) روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه ١٤ : ٣٧١ .

٣٥٧

علي )(١) .

وتلخّص :

أنّه لم يثبت عند القائلين باعتار كتاب سليم وجود إمامة غير الأئمّة الاثني عشر فيه ، كما هو في نفس الأمر كذلك ...

ووقوع الاشتباه ممّن يقدح في كتاب سليم ولا يرى اعتباره ليس بعزيز ، وما أكثر الأوهام والأغلاط الواقعة من محدّثي أهل السنّة ، وليس منهم أحد إلاّ وقد صدر منهم الوهم والغلط ، حتّى الصّحابة ، كما يظهر بالرجوع إلى (عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة ) وغيره من كتب تلك العصابة .

هل لكتاب سليم راوٍ غير أبان ؟

لقد نسب إلى تصانيف الشيخين ، ومؤلفات الحسنين , وإفادات علي بن أحمد العقيقي ، وعلي بن أبي طالب القيرواني : إنّ سليماً لم يكن يظهر كتابه لأحدٍ ، حتّى إذا كان آخر عمره ويأس من الحياة ، قال ابن أبي عياش :

( فدعاني وخلابي ، وقال : يا أبان ! قد جاورتك فلم أر منك إلاّ ما أُحبّ ، وإنّ عندي كتباً سمعتها عن الثقات وكتبتها بيدي ، فيها أحاديث لا أُحبّ أن تظهر للنّاس ؛ لأنّ النّاس ينكرونها ويعظّمونها وهي حقّ ـ إلى أن قال ـ :

وإنّي هممت حين مرضت أن أحرقها ، فتأثّمت من ذلك وفظعت به ، فإن جعلت لي عهد الله وميثاقه أن لا تخبر بها أحداً ما دمت حيّاً ، ولا تحدّث بشيءٍ منها بعد موتي ، إلاّ من تثق به كثـقتك بنفسك ، وإن حدث بك حدث أن تدفعها إلى من تثق به من شيعة عليّ بن أبي طالب ، ممّن له دين وحسب .

ـــــــــــــــــ

(١) منتهى المقال ٣ : ٣٧٩/ ترجمة سليم بن قيس .

٣٥٨

فضمنت ذلك له ، فدفعها إليّ ، وقرأها كلّها علّيّ ، فلم يلبث سليم أن هلك .

فنظرت فيها بعده ، وفظعت بها ، وأعظمتها واستصعبتها ؛ لأنّ فيها هلاك جميع أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من المهاجرين والأنصار والتابعين ، غير عليّ بن أبي طالب وأهل بيته ـعليهم‌السلام ـ وشيعته .

فكان أوّل من لقيت ـ بعد قدومي البصرة ـ الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو يومئذ متوار من الحجّاج، والحسن يومئذ من شيعة عليّ بن أبي طالب، من مفرطيهم، نادم متلهّف على ما فاته من نصرة عليّ والقتال معه يوم الجمل ، فخلوت به في شرقي دار أبي خليفة الحجّاج بن أبي غياث ، فعرضتها عليه ، فبكى ، ثمّ قال : ما في حديثه شيء إلاّ حقّ ، قد سمعته من الثقات من شيعة عليّ وغيرهم )(١) .

فمن مراجعة هذه الكتب يظهر انحصار رواية كتاب سليم بأبان بن أبي عياش ...

وأبان عند الإماميّة ضعيف أو كذّاب ؟

لكنّ أجلاّء هذه الطائفة ، كابن داود وغيره من أكابر فنّ التـنقيد ، يصرّحون بضعفه ، وجمع منهم قالوا : هو مفتر كذّاب ، وأنّه الذي افترى على سليم ووضع الكتاب عليه ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار .

أقول :

أمّا قول (الشيخين ) بانحصار رواية كتاب سليم بأبان بن أبي عياش ، فإنْ أراد من (الشيخين ) : الكشّي والنجاشي ؛ ـ كما هو مصطلح العلاّمة المجلسي في أوائل البحار ـ فهما غير قائلين بالمقالة المذكورة ، كما لا يخفى على من طالع كتابيهما وهذه عبارة الكشي : ( سليم بن قيس الهلالي : حدّثني محمّد بن الحسن البراثي ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن كيسان ، عن إسحاق بن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن ابن أُذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، قال : هذا نسخة كتاب سليم بن قيس العامري ثمّ الهلالي ، دفعه إليّ أبان بن أبي عياش وقرأه ، وزعم أبان أنّه قرأه على عليّ بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) ، قال : صدق سليم ـ رحمة الله عليه ـ هذا حديث نعرفه .

ـــــــــــــــــ

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٥٨ ـ ٥٥٩ مقدّمة الكتاب .

٣٥٩

محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا الحسن بن علي بن كيسان ، عن إسحاق ابن إبراهيم ، عن ابن أُذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال قلت لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّي سمعت من سلمان ومن مقداد ومن أبي ذر أشياء في تفسير القرآن ومن الرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخالفونهم ، وذكر الحديث بطوله .

فقال أبان : فقدّر لي بعد موت علي بن الحسينعليهما‌السلام أنّي حججت ولقيت أبا جعفر محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، فحدّثته بهذا الحديث كلّه لم أخط منه حرفاً ، فاغرورقت عيناه ، ثمّ قال : صدق سليم ، قد أتى أبي بعد قتل جدّي الحسينعليه‌السلام وأنا قاعد عنده ، فحدّثه بهذا الحديث بعينه ، فقال له أبي : صدقت ، قد حدّثني أبي وعمّي الحسن بهذا الحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقالا : صدقت ، قد حدّثك بذلك ونحن شهود ، ثمّ حدّثاه أنّهما سمعا ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ ذكر الحديث بتمامه )(١) .

وعبارة النجاشي ليس فيها ذكرٌ من رواية أبان ، فضلاً عن كون الرواية منحصرة فيه ، بل صرّح برواية إبراهيم بن عمر اليماني ، وهذا نصّ كلامه :

( سليم بن قيس الهلالي ، يكنّى أبا صادق ، له كتاب ، أخبرني علي بن أحمد القمي ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه ، عن محمّد بن علي الصيرفي ، عن حمّاد بن عيسى وعثمان بن عيسى ، قال حمّاد بن عيسى : وحدّثنا إبراهيم بن عمر اليماني ، عن سليم بن قيس بالكتاب )(٢) .

وإنْ أراد من ( الشيخين ) الطوسي والنجاشي ـ كما هو مصطلح التقي المجلسي في رجال روضة المتّقين ـ فقد عرفت كلام النجاشي آنفاً ، وكلام الشيخ الطوسي في (الفهرست ) سابقاً ، وقد ذكر تعدّد الطريق إلى الكتاب

ـــــــــــــــــ

(١) رجال الكشي : ١٠٤ ـ ١٠٥/١٦٧ .

(٢) رجال النجاشي : ٨/٤ .

٣٦٠