استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

استخراج المرام من استقصاء الإفحام15%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 384

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 384 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 164166 / تحميل: 7829
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

صاحب كتاب (عبقات الأنوار ) الكبير في الإمامة ، من ذوي العناية بالكتاب والتوفّر على جمع الآثار ، أنفق الأموال الطائلة على نسخها ووراقتها ، وفي كتابه (عبقات الأنوار ) المطبوع في الهند ما يشهد على ذلك .

وقد اشتملت خزانة كتبه على أُلوف من المجلّدات ، فيها كثير من نفائس المخطوطات القديمة )(١) .

وفي (أحسن الوديعة ) بترجمته :

( وله مكتبة كبيرة في لكهنو وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب ، ولا سيّما كتب المخالفين ) .

وجاء في (صحيفة المكتبة ) الصادرة عن مكتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام في النجف الأشرف ، في ذكر المكتبات التي زارها العلاّمة الحجّة المجاهد صاحب الغدير في مدينة لكهنو بالهند ، ما نصّه :

(مكتبة الناصريّة العامّة ، تزدهر هذه المكتبة العامرة بين الأوساط العلميّة وحواضر الثقافة في العالم الإسلامي بنفائسها الجمّة ، ونوادرها الثمينة ، وما تحوي خزانتها من الكتب الكثيرة في العلوم العالية من الفقه وأُصوله ، والتفسير ، والحديث والكلام ، والحكمة والفلسفة ، والأخلاق ، والتاريخ ، واللّغة ، والأدب ، إلى معاجم ومجاميع وموسوعات في الجغرافيا ، والتراجم ، والرجال ، والدراية ، والرواية .

وهي نتيجة فكرة ثلاثة من أبطال العلم والدين ، جمعت يمين كلّ منهم قسماً من هذه الثروة الإسلاميّة الطائلة في حياته السعيدة ، فأسدى بها إلى أُمّة القرآن الكريم خدمةً كبيرة ، تُذكر وتُشكر مع الأبد ، ولم يكتف أولئك الفطاحل بذلك إلى أن وقف كلّ منهم ماله عليه وقفاً ، فغدت يقضي بها كلّ عالم مأربه ، ويسدّ بها كلّ ثقافي حاجته .

ـــــــــــــــــ

(١) أعيان الشيعة : ٤/٣٨١ ، بترجمة السيّد حامد حسين .

٨١

وكانت النواة لها مكتبة السيّد محمّد قلي الموسوي ثمّ حذا حذوه وضمّ كتبه إليها نجله القدوة والأُسوة السيّد حامد حسين ثمّ شفعت تلك المكتبة بمكتبة شبله السيّد ناصر حسين .

وهذه المكتبة العامرة تسمّى باسمه ، يناهز عدد كتبها اليوم ثلاثين ألفاً من المطبوع والمخطوط ، يقوم بإدارة شؤونها شقيقا الفضيلة : السيّد محمّد سعيد العبقاتي ، والزعيم المحنّك السيّد محمّد نصير العبقاتي ، وقد شيّدت لها حين كنّا في تلكم الديار بهمّتهما القعساء بناية فخمة تقع في أهدء مكان ، قد خصّصت لها الإدارة المحلّيّة لمتصرّفية لكهنو والإدارة المركزيّة للشؤون الثقافيّة للحكومة الهنديّة ، منحة ماليّة سنويّة لإدارة شؤونها ، وتسديد رواتب موظّفيها ، وهي وإن كانت جلّ ذلك فضلاً عن الكلّ ، إلاّ أنّها مساعدة تحمد عليها وتقدّر ) .

ثمّ ذكر الكاتب أسماء نفائس من هذه الخزانة ممّا وقف عليه العلاّمة الأميني وغيره.

وقال صاحب (نزهة الخواطر ) بترجمته : ( وسافر في سنة ١٢٨٢ للحج والزيارة ، واقتبس من الكتب النادرة في الحرمين ، ورجع إلى الهند وانصرف إلى المطالعة والتأليف واقتناص الكتب النادرة ، وكثير منها بخطّ مؤلّفيها ، من كلّ مكان ، وبكلّ طريق ، وأنفق عليها الأموال الطائلة ) .

تصانيفه

قال شيخنا العلاّمة الطهراني :

( وله تصانيف جليلة نافعة ، تموج بمياه التحقيق والتدقيق ، وتوقف على ما لهذا الحبر من المادّة الغزيرة ، وتعلم الناس

بأنّه بحر طامٍ لا ساحل له ) .

ومصنّفاته كثيرة ومتنوّعة ، منها :

١ ـ الذرائع في شرح الشرائع ، في الفقه .

٢ ـ العضب البتّار في مبحث آية الغار .

٣ ـ الدرر السنيّة في المكاتيب والمنشآت العربيّة .

٨٢

٤ ـ إفحام أهل المين في ردّ إزالة الغين .

٥ ـ كشف المعضلات في حلّ المشكلات .

٦ ـ شوارق النصوص في مناقب اللّصوص .

٧ ـ عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار ، في الردّ على الباب السابع من (التحفة الاثنى عشريّة ) وهو في الإمامة .

٨ ـ استقصاء الإفحام واستيفاء الانتقام في نقض منتهى الكلام ، وهو الكتاب الذي نقدّم له وتكلّمنا حوله .

قال المحقّق التبريزي :

( وقد صرّح بعض الأكابر ببلوغ مؤلّفاته المائتين مجلّداً )(١) .

وقال الشيخ الطهراني :

( الأمر العجيب أنّه ألّف الكتب النفائس والموسوعات الكبار وهو لا يكتب إلاّ بالحبر والقرطاس الإسلاميّين ، لكثرة تقواه وتورّعه ، وأمر تحرّزه عن صنائع غير المسلمين مشهور متواتر )(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) ريحانة الأدب : ٣/٤٣٢ .

(٢) طبقات أعلام الشيعة ـ نقباء البشر في أعلام القرن الرابع عشر : ١/٣٤٧ .

٨٣

أشهر مصنّفاته :

وإنّ أشهر مصنّفاته وأهمّها وأوسعها هي الكتب الثلاثة الأخيرة ، وخاصّةً كتاب (عبقات الأنوار ) الذي لقّب به المؤلّف واشتهر بـ (صاحب العبقات ) .

وقد ألّف كتاب (شوارق النصوص ) ثمّ (العبقات ) ثمّ كتاب (استقصاء الإفحام ) .

١ ـ استقصاء الإفحام

أمّا كتاب (استقصاء الإفحام ) فقد تقدّم التعريف به ، وسنذكر فيما بعد عملنا فيه .

٢ ـ شوارق النصوص

وأمّا كتاب (شوارق النصوص ) فقد تناول فيه ما رواه القوم في كتبهم في فضل المشايخ الثلاثة بالبحث والتحقيق في السند والدلالة ، على ضوء كلمات أئمّتهم في الجرح والتعديل ، ونصوص عبارات عظمائهم في الحديث والكلام ، فأثبت سقوط تلك الأحاديث عن درجة الإعتبار ، وأنه لا يجوز الاستناد إليها والاحتجاج بها في باب من الأبواب وقد طبع هذا الكتاب في الآونة الأخيرة وهو كتاب فريد في بابه ...

٣ ـ عبقات الأنوار

وأمّا كتابه (عبقات الأنوار ) فقد قال الميرزا أبو الفضل الطهراني :

( عبقات الأنوار : تصنيف السيّد الجليل ، المحدّث العالم العامل ، نادرة الفلك وحسنة الهند ، ومفخرة لكهنو وغرّة العصر ، خاتم المتكلّمين ، المولوي الأمير حامد حسين المعاصر الهندي اللّكهنوي ( قدّس سرّه ) وضوعف برّه ، الذيأعتقد أنّه لم يصنّف مثل هذا الكتاب المبارك منذ بداية تأسيس علم الكلام حتّى الآن في مذهب الشيعة ، من حيث الإتقان في النقل ، وكثرة الإطّلاع على كلمات المخالفين ، والإحاطة بالروايات

٨٤

الواردة من طرقهم في باب الفضائل فجزاه الله عن آبائه الأماجد خير جزاء ولد عن والده ، ووفّق خلفه الصالح لإتمام هذا الخير الناجح ) (١) .

وقال السيّد الأمين :

( عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار بالفارسيّة ، لم يكتب مثله في بابه في السلف والخلف ، وهو في الردّ على باب الإمامة من (التحفة الاثنى عشريّة ) للشاه عبد العزيز الدهلوي ، فإنّ صاحب التحفة أنكر جملةً من الأحاديث المثبتة إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأثبت المترجم تواتر كلّ واحدٍ من تلك الأحاديث مِن كتب مَن تسمّوا بأهل السُّنّة .

وهذا الكتاب يدلّ على طول باعه وسعة اطّلاعه ، وهو في عدّة مجلّدات ، منها مجلّد في حديث الطير وقد طبعت هذه المجلّدات ببلاد الهند ، وقرأت نبذاً من أحدها فوجدت مادّةً غزيرة وبحراً طامياً ، وعلمت منه ما للمؤلّف من طول الباع وسعة الاطّلاع .

وحبّذا لو ينبري أحدٌ لتعريبها وطبعها بالعربيّة ، ولكن الهمم عند العرب خامدة )(٢) .

وقال شيخنا الحجّة الطهراني :

ـــــــــــــــــ

(١) شفاء الصدور : ٩٩ ـ ١٠٠ .

(٢) أعيان الشيعة : ٤/٣٨١ .

٨٥

 ( وهو أجلّ ما كتب في هذا الباب من صدر الإسلام إلى الآن )(١) .

وقال أيضاً :

( هو من الكتب الكلاميّة التاريخيّة الرجاليّة ، أتى فيه بما لا مزيد عليه لأحدٍ من قبله )(٢) .

وقال المحدّث الكبير الشيخ القمّي ، ما تعريبه :

( لم يؤلّف مثل كتاب (العبقات ) من صدر الإسلام حتّى يومنا الحاضر ، ولا يكون ذلك لأحدٍ إلاّ بتوفيقٍ وتأييدٍ من الله تعالى ورعايةٍ من الحجّةعليه‌السلام (٣) .

وقال المحقّق الشيخ محمّد علي التبريزي ، ما تعريبه :

( ويظهر لمن راجع كتاب (عبقات الأنوار ) أنّه لم يتناول أحد منذ صدر الإسلام حتّى عصرنا الحاضر علم الكلام ـ لاسيّما باب الإمامة منه ـ على هذا المنوال وظاهر لكلّ متفطّن خبير أنّ هذه الإحاطة الواسعة لا تحصل لأحدٍ إلاّ بتأييد من الله تعالى وعناية من وليّ العصر عجّل الله فرجه )(٤) .

وقال العلاّمة الحجّة المجاهد الشيخ الأميني ، في المؤلّفين في حديث الغدير :

( السيّد مير حامد حسين ابن السيّد محمّد قلي الموسوي الهندي اللّكهنوي المتوفّى سنة ١٣٠٦ عن ٦٠ سنة ، ذكر حديث الغدير وطرقه وتواتره ومفاده في مجلّدين ضخمين ، في ألف وثمان صحائف ، وهما من مجلّدات

ـــــــــــــــــ

(١) أعلام الشيعة : ١/٣٤٨ .

(٢) مصفى المقال في مصنّفي علم الرجال : ١٤٩ .

(٣) هدية الأحباب في المعروفين بالكنى والألقاب : ١٧٧ ، وانظر الفوائد الرضويّة : ٩١ ـ ٩٢ .

(٤) ريحانة الأدب في المعروفين بالكنية واللقب : ٣/٤٣٢ .

٨٦

كتابه الكبير (العبقات ) .

وهذا السيّد الطاهر العظيم ـ كوالده المقدّس ـ سيف من سيوف الله المشهورة على أعدائه ، وراية ظفر الحقّ والدين ، وآية كبرى من آيات الله سبحانه ، قد أتمّ به الحجّة وأوضح المحجّة .

وأمّا كتابه (العبقات ) فقد فاح أريجه بين لابتي العالم ، وطبّق حديثه المشرق والمغرب ، وقد عرف من وقف عليه أنّه ذلك الكتاب المعجز المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

وقد استفدنا كثيراً من علومه المودعة في هذا السفر القيّم ، فله ولوالده الطاهر منّا الشكر المتواصل ، ومن الله تعالى لهما أجزل الأُجور )(١) .

أقول :

والحمد لله الذي وفّقني لتأليف كتاب (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ) وإخراجه للناس في ٢٠ مجلّداً ، فمجلّد في سبع آيات وهي : آية الولاية ، وآية التطهير ، وآية المودّة ، وآية المباهلة ، وآية الإنذار ، والآية : وقفوهم إنهم مسؤولون ، والآية : السّابقون السّابقون .

وتسعة عشر مجلّداً في الأحاديث ، وهي : حديث الغدير ، وحديث المنزلة ، وحديث الطير ، وحديث مدينة العلم ، وحديث النور ، وحديث السفينة ، وحديث التشبيه ، وحديث الثقلين .

التقاريظ على كتبه

ولمّا وصلت كتب السيّد مير حامد حسين إلى الأقطار الإسلاميّة

ــــــــــــــ

(١) الغدير في الكتاب والسنّة والأدب : ١/١٥٦ .

٨٧

والعواصم العلميّة فيها ، كالنجف الأشرف ، واطّلع عليها كبار الفقهاء ، ووقف عليها رجالات الحديث والكلام والعلماء الأعلام في سائر العلوم ، أكبروها غاية الإكبار ، وأثنوا عليها وعلى مؤلّفها العظيم الثناء البالغ الجليل ، وأرسلوا إلى السيّد المؤلّف ونجله رسائل التقريظ والتبجيل ، شاكرين الله تعالى على هذه النعم ومعبّرين عن غاية سرورهم واعتزازهم بهذه الموهبة .

وقد جمعت نصوص تلك التقاريظ في كتاب سمّي بـ (سواطع الأنوار في تقاريظ عبقات الأنوار ) ، ونحن نكتفي بذكر نصوص بعضها :

ـ ١ ـ

تقريظ سيّد الطائفة في عصره المجدّد السيّد الميرزا الشيرازي(١)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أبدع بقدرته على وفق إرادته فطرة الخليقة ، وكلاًّ بحسب قابليّته ما يليق به من صبغة الحقيقة ، فعلّم آدم الأسماء ، واصطفى أكابر ذرّيّته وخلّص صفوته للبحث عن حقائق الأشياء ، والاطّلاع على ما في بطون الأنبياء ، فألهمهم علوم حقائقه ، وأعلمهم نوادر دقائقه ، وجعلهم مواضع ودائع أسراره ، وطالع طوالع أنواره ، فاستنبطوا وأفادوا ، واستوضحوا وأجادوا ، والصلاة

ـــــــــــــــــ

(١) هو السيّد الميرزا محمّد حسن الشيرازي النجفي ، أعظم علماء عصره وأشهرهم ، وأعلى مراجع الإماميّة في الأقطار الإسلاميّة في زمانه ، حضر على الشيخ محمّد تقي صاحب حاشية ( المعالم ) والسيّد حسن المدرّس ، والشيخ محمّد إبراهيم الكلباسي في أصفهان ، وفي النجف الأشرف على الشيخ صاحب ( الجواهر ) ، والشيخ الأنصاري ، والشيخ حسن آل كاشف الغطاء ، وكان أيّام زعامته مقيماً في سامراء المشرّفة ، وقصّة ( التنباك ) وفتواه بتحريمه مشهورة .

ولد سنة ١٢٣٠ وتوفّي سنة ١٣١٢ ( أعلام الشيعة )

٨٨

والسلام على من حبّه خير وأبقى ، وآله الذين مَن تمسّك بهم فقد استمسك بالعروة الوثقى .

أمّا بعد : فلمّا وقفت بتأييد الله تعالى وحسن توفيقه على تصانيف ذي الفضل الغزير ، والقدر الخطير ، والفاضل النحرير ، والفائق التحرير ، والرائق التعبير ، العديم النظير ، المولوي السيّد حامد حسين ، أيّده الله في الدارين ، وطيّب بنشر الفضائل أنفاسه ، وأذكى في ظلمات الجهل من نور العلم نبراسه .

رأيت مطالب عالية ، تفوق روائح تحقيقها الغالية ، عباراتها الوافية دليل الخبرة ، وإشاراتها الشافية محلّ العبرة ، وكيف لا ؟ وهي من عيون الأفكار الصافية مخرجة ، ومن خلاصة الإخلاص منتجة ، هكذا هكذا وإلاّ فلا ، العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء من الأخيار ، وفي الحقيقة أفتخر كلّ الافتخار ، ومن دوام العزم ، وكمال الحزم ، وثبات القدم ، وصرف الهمم ـ في إثبات حقّيّة أهل بيت الرسالة بأوضح مقالة ـ أغار ؛ فإنّه نعمة عظمى وموهبة كبرى ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

أسأل الله أن يديمه لإحياء الدين ولحفظ شريعة خاتم النبيّين صلوات الله عليه وآله أجمعين .

فليس حياة الدين بالـسيف والقنا

فأقلام أهل العلم أمضى من السيفِ

والحمد لله على أنّ قلمه الشريف ماضٍ نافع ، ولألسنة أهل الخلاف حسام قاطع ، وتلك نعمة منّ الله بها عليه ، وموهبة ساقها إليه .

وإنّي وإنْ كنت أعلم أنّ الباطل فاتح فاه من الحنق ، إلاّ أنّ الذوات المقدّسة لا يبالون في إعلاء كلمة الحق ، فأين الخشب المسنّدة من الجنود المجنّدة ، وأين ظلال الضلالة من البدر الأنور ، وظلام الجهالة من الكوكب الأزهر .

أسأل الله ظهور الحق على يديه ، وتأييده من لديه ، وأن يجعله موفّقاً منصوراً مظفّراً مشكوراً ، وجزاه الله عن الإسلام خيراً والرجاء منه الدعاء مدى الأيّام ، بحسن العاقبة والختام ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

حرّره الأحقر حسن الحسيني

في ذي الحجّة الحرام سنة ١٣٠١

( الختم المبارك )

٨٩

ـ ٢ ـ

تقريظ خاتمة المحدّثين الميرزا حسين النوري(١)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خصّنا من بين الفرق بالفلج ، وأيّدنا ما دونهم بأوضح الحجج ، والصلاة على مَن اصطفاه لدين قيّم غير ذي عوج ، وعلى آله الذين نشروا لواء الحقّ ولو بسفك المهج ، وأحضوا على العلم ولو بخوض اللّجج ، عجّل الله لهم النصر والفرج ، وصلّى الله عليهم ما مدحت الثغور بالبلج ، ووصفت الحواجب بالزجج .

ـــــــــــــــــ

(١) هو إمام أئمّة الحديث والرجال في الأعصار المتأخّرة ، مؤلّفاته تربو على العشرين ، أشهرها وأهمّها ( المستدرك ) استدراك فيه على كتاب ( وسائل الشيعة ) وهو أحد المجاميع الثلاثة المتأخّرة ، في ثلاث مجلّدات كبار تشتمل على زهاء ( ٢٣٠٠٠ ) حديث ، وقد ختمها بخاتمة ذات فوائد جليلة ، وله في بعض مؤلّفاته آراء لم يوافقه عليها سائر العلماء .

ولد سنة ١٢٥٤ وتوفّي سنة ١٣٢٠ ( أعلام الشيعة )

٩٠

وبعد : فإنّ العلم مشرع سلسال لكن على أرجائه ضلال ، وروض مسلوف لكن دونه قلل الجبال دونهنّ حتوف ، وإنّ من أجلّ من اقتحم موارده ، وارتاد آنسه وشارده ، وعاف في طلابه الرّاحة ، ورأى في اجتلاء أنواره مروحة وراحة ، حتّى فاز منه بالخصل ، بل وأدرك الفرع منه والأصل ؛ السّد السديد ، والركن الشديد ، سبّاح عيالم التحقيق ، سيّاح عوالم التدقيق ، خادم حديث أهل البيت ، ومن لا يشقّ غباره الأعوجي الكميت ، ولا يحكم عليه لو ولا كيت ، سائق الفضل وقائده وأمير الحديث ورائده ، ناشر ألوية الكلام ، وعامر أندية الإسلام ، منار الشيعة ، مدار الشريعة ، يافعة المتكلّمين ، وخاتمة المحدّثين ، وجه العصابة وثبتها ، وسيّد الطائفة وثقتها ، المعروف بطنطنة الفضل بين ولايتي المشرقين ، سيّدنا الأجل حامد حسين ، لا زالت الرواة تحدّث من صحاح مفاخره بالأسانيد ممّا تواتر من مستفيض فضله المسلسل كلّ معتبرٍ عال الأسانيد .

ولعمري ، لقد وفى حقّ العلم بحقّ براعته ، ونشر حديث الإسلام بصدق لسان يراعته ، وبذل من جهده في إقامة الأود ، وإبانة الرشد ما يقصر دونه العيوق ، فأنّى يدرك شأوه المسح السابح السبوق !!

فتلك كتبه قد حبت الظلام وجلت الأيّام ، وزيّنت الصدور وأخجلت المدور ، ففيها (عبقات ) أنوار اليقين و (استقصاء ) شافٍ في تقدير نزهة المؤمنين ، وظرائف طرف في إيضاح خصائص الإرشاد هي غاية المرام من مقتضب الأركان ، وعمدة وافية في إبانة نهج الحقّ لمسترشد الصراط المستقيم إلى عماد الإسلام ونهج الإيمان ، وصوارم في استيفاء إحقاق الحقّ هي مصائب النواصب ، ومنهاج كرامة كم له في إثبات الوصيّة بولاية الإنصاف من مستدرك مناقب ، ولوامع كافية لبصائر الأُنس في شرح الأخبار ، تلوح منها أنوار الملكوت ، ورياض مونقة في كفاية الخصام من أنوارها المزرية بالدرّ النظيم تفوح منها نفحات اللاهوت .

فجزاه الله عن آبائه الأماجد خير ما جزى به ولداً عن والد ، وأيّد الله أقلامه في رفع الأستار عن وجه الحقّ والصواب ، وأعلى ذكره في الدين ما شهد ببارع فضله القلم والكتاب ، وملأت بفضائله صدور المهارق وبطون الدفاتر ، ونطقت بمكارمه ألسنة الأقلام وأفواه المحابر .

٩١

آمين آمين لا أرضى بواحدةٍ

حتّى أُضيف إليها ألف آمينا

وصلّى الله على سيّدنا محمّدٍ والميامين من عترته وسلّم تسليماً .

كتب بيمناه الدائرة الخاثرة العبد المذنب المسيء حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي.

في ليلة الثاني عشر من شهر الصيام

في الناحية المقدّسة سرّ من رأى ـ سنة ١٣٠٣ حامداً مصلّياً

ـ ٣ ـ

تقريظ الفقيه الكبير الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري(١)

 (... چون متدرّجاً مجلّدات كتب مؤلّفات ومصنّفات آن جناب سامىصفات ـ كه عبارت از ( استقصاء الإفحام ) و ( عبقات ) بوده باشد ـ در اين صفحات به دست علماء وفضلاى اين عتبات عرش درجات ملحوظ ومشاهد افتاد ، به أضعاف مضاعف آنچه شنيده مى شد ديده شد ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمّ فُصّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) از صفحاتش نمودار ( كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرّبُونَ ) از أوراقش پديدار ، از عناوينش ( آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ ) پيدا ، و از مضامينش ( هذا بَلاَغٌ لِلنّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذّكّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ ) هويدا ، از فصولش عالمى را تاج تشيّع و استبصار بر سر نهاده ، و از ابوابش به سوى ( جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) بابها گشاده ، كلماتش ( وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشّيَاطِينِ ) كلامش ( أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ ) مفاهيمش ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاّ تَعْبُدُوا الشّيْطَانَ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مّبِينٌ ) مضامينش در لسان حال أعداء ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) دلائلش ( هذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتّقِينَ ) براهينش ( كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .

ـــــــــــــــــ

(١) من كبار الفقهاء ومراجع التقليد ، درس في النجف الأشرف ثمّ انتقل إلى كربلاء المقدّسة ، واشتغل بالتدريس والتصنيف حتّى توفّي في ١٦ ذي القعدة سنة ١٣٠٩ ودُفن في الصحن الحسيني الشريف .

٩٢

براى دفع يأجوج ومأجوج مخالفين دين مبين سدّى است متين ، و از جهت قلع و قمع زمره معاندين مذهب و آئين چون تيغ أمير المؤمنين ، سيمرغ سريع النقل عقل از طيران به سوى شرف اخبارش عاجز ، هماى تيزپاى خيال از وصول به سوى غرف آثارش قاصر كتبى به اين لياقت و متانت و اتقان تا الآن از بنان تحرير نحريرى سر نزده ، وتصنيفى در اثبات حقّيّت مذهب و ايقان تا اين روز ظاهر نگشته .

از (عبقاتش ) رائحه تحقيق وزان ، و از (استقصايش ) استقصا بر جميع دلائل قوم عيان ، ولله درّ مؤلّفها ومصنّفها :

( أَكَانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى‏ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النّاسَ وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا أَنّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنّ هذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ )

ولده السيّد ناصر حسين

ولد في ١٩ جمادى الثانية سنة ١٢٨٤ ، وقرأ العلوم على والده العلاّمة والمفتي محمّد عبّاس وغيرهما من الأعلام ، وله تصانيف كثيرة ومتنوّعة .

* قال السيّد محسن الأمين العاملي :

( إمام في الرجال والحديث ، واسع التتبّع ، كثير الإطّلاع ، قوي الحافظة ، لا يكاد يسأله أحد عن مطلب إلاّ ويحيله إلى مظانّه من الكتب مع الإشارة إلى عدد الصفحات ، وكان أحد الأساطين والمراجع في الهند ، وله وقار وهيبة في قلوب العامّة ، واستبداد في الرأي ومواظبة على العبادات ، وهو معروف بالأدب والعربيّة معدود من أساتذتهما وإليه يرجع في مشكلاتهما ، وخطبه مشتملة على عبارات جزلة وألفاظ مستطرفة ، وله شعر جيّد )(١) .

* وقال العلاّمة المحدّث القمّي ـ في ذيل ترجمة السيّد حامد حسين ـ ما تعريبه :

( وجناب السيّد مير ناصر حسين خلفه في جميع الملكات والآثار ، ووارث ذاك البحر الزخّار ، وهو مصداق قوله :

إنّ السريّ إذا سرى فبـــنفسه

وابن السريّ إذا سرى أسراهما

ولم يترك جهود والده تذهب سُدى ، بل اشتغل بتتميم عبقات الأنوار

ـــــــــــــــــ

(١) أعيان الشيعة : ١٠/٢٠١ .

٩٣

وأخرج إلى البياض حتّى الآن عدّة مجلّدات وطبعت ، أدام الباري بركات وجوده الشريف وأعانه لنصرة الدين الحنيف )(١) .

* وقال المحقّق العلاّمة الشيخ التبريزي ما تعريبه ملخصاً :

( السيّد ناصر حسين الملّقب بـ (شمس العلماء ) كان عالماً متبحّراً ، فقيهاً أُصوليّاً ، محدّثاً رجاليّاً ، كثير التتبّع واسع الاطّلاع ، دائم المطالعة ، من أعاظم علماء الإماميّة في الهند والمرجع في الفتيا لأهالي تلك البلاد )(٢) .

* وقال المحقّق الشيخ محمّد هادي الأميني :

( إمام في الفقه والحديث والرجال والأدب )(٣) .

* وقال العلاّمة السيّد محمّد مهدي الأصفهاني :

( شمس العلماء السيّد ناصر حسين ، عارف بالرجال والحديث ، واسع التتبّع ، كثير الاطّلاع ، دائم المطالعة ، وهو أحد مراجع أهالي الهند ، ولد سلّمه الله في ١٩ جمادى الثانية ١٢٨٤ )(٤) .

* وقال العلاّمة السيّد مرتضى حسين اللاهوري:

( هذا السيّد العظيم شبلٌ من ذاك الأسد ، آية من آيات الله ، قد أتمّ به الحجّة وأوضح المحجّة ، كان فقيهاً محدّثاً رجالياً متضلّعاً ، أديباً متطلّعاً ، وخطيباً مفوّهاً عالي الهمّة ، ونبيه المنزلة ، واسع العطاء ، كريم الأخلاق ، ليّن الجانب ، ذا فكرة وقّادة ، حصيف الرأي ، مرجع الأُمور ، نافذ الأمر ، ومع أعمال المرجعيّة وأشغاله الكثيرة كان ضابطاً للأوقات ، مثابراً على التحقيق والبحث ، عاكفاً على

ـــــــــــــــــ

(١) هدية الأحباب : ١٧٧ .

(٢) ريحانة الأدب : ٤/١٤٤ ـ ١٤٥ .

(٣) معجم رجال الفكر والأدب : ٣٩٠ .

(٤) أحسن الوديعة : ١٠٤ .

٩٤

التصنيف والتأليف ، حتّى في أضيق الأحوال والمرض والأسقام ، يروح ويغدو دائماً في المكتبة ويجلس طول النهار ، فكتب وأكثر وصنّف وأفاض ، فأتمّ قسماً هامّاً من تأليف عبقات الأنوار ، ونشر كتب والده ، ووسّع في المكتبة ، إلى أن صارت تلك الخزانة من أكبر خزائن الكتب للشيعة وأشهرها في العالم )(١) .

بين السيّد حامد حسين والمولوي الفيض آبادي

ولم يقتصر الردّ والإيراد بين السيّد حامد حسين والمولوي فيض آبادي على الكتابين (منتهى الكلام ) و (استقصاء الإفحام ) .

فلقد ردّ السيّد على كتاب (إزالة الغين ) للفيض آبادي ، بكتاب (إفحام أهل المين ) .

كما حاول الفيض آبادي أنْ يكتب ردّاً على كتاب (عبقات الأنوار ) ، واستعان لذلك ببعض كبار العلماء ، إلاّ أنّه قد فشل ، وهذا ما جاء في كتاب (نزهة الخواطر ) بترجمة المولوي السهسواني ، إذ قال :

( مولانا أمير حسن السهسواني ، الشيخ الفاضل العلاّمة حسن بن لياقت علي بن حافظ علي بن نور الحق ، الحسيني السهسواني ، أحد العلماء المشهورين بالفضل والكمال.

ولد سنة ١٢٤٧ ببلدة سهسوان ، قرأ بعض الكتب الدرسيّة فدرّس وأفاد مدّةً من الزمان وكان غايةً في سرعة الحفظ وقوّة الإدراك والفهم وبطوء النسيان ، حتّى قال غير واحدٍ من العلماء : إنّه لم يكن يحفظ شيئاً فينساه .

ـــــــــــــــــ

(١) الفضل الجلي طبع بمقدّمة كتاب تشييد المطاعن .

٩٥

وكان له يد بيضاء في معرفة النحو واللُّغة ، وأُصول الفقه ، والكلام ، والجدل ، والرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ، وسائر فنون الحديث واختلاف المذاهب .

وكان فيه زهد وقناعة باليسير في الملبس والمأكل ، يقوم بمصالحه ولا يقبل الخدمة في غالب الأوقات ؛ لئلاّ يفوته خدمة العلم .

وإنّي سمعت بعض الفضلاء يقول : إنّ مولانا حيدر علي الفيض آبادي استقدمه إلى حيدر آباد ، ورتّب له ثلاثمائة ربيّة شهريّاً يعينه في الرد على عبقات الأنوار ؛ لأنّ أوقاته لا تفرغ لذلك ، لكثرة الخدمات السلطانيّة ، فأبى قبوله ، وقال: إنّي لا أرضى بأنْ احتمل همّ ثلاثمائة ربيّة ، أين أضعها ؟ وفيم أبذلها ؟

قال : وكان مولانا حيدر علي يصنّف الكتب ويدرّس ، فلمّا رحل إلى حيدر آباد وولي الخدمة الجليلة تأخّر عن ذلك حتّى احتاج إلى أنْ يولي غيره أمر التصنيف ، فإنّي لا أُريد أن أُضيّع العلم بالمال ، إنتهى .

وللسيّد أمير حسن تعليقات على طبيعيّات الشفا ، وله رسالة في إثبات الحق ، ورسالة في الرد على الشيعة ، ورسائل أُخرى لم تشتهر باسمه .

وكان لا يقلّد أحداً من الأئمّة الأربعة ، بل يتتبّع النصوص ويعمل بالكتاب والسنّة .

مات يوم الإثنين لإحدى عشرة خلون من صفر سنة ١٢٩١ )(١) .

ـــــــــــــــــ

(١) نزهة الخواطر : ٧/٨١ ـ ٨٢ .

٩٦

عملنا في الكتاب

إنّه قد علم ممّا تقدّم : إنّ كتاب (استقصاء الإفحام ) يحتوي على قضايا مهمّة ومسائل أساسيّة ، ففيه بحثّ قرآني على ضوء روايات القوم في كيفيّة جمع القرآن وما ورد عن عثمان وغيره حوله ، وهو بحثٌ لا يوجد في أيّ كتابٍ قبله .

وكذا تحقيقه في القول بالتجسيم ومسألة البداء ، وغيرهما من البحوث الاعتقاديّة ...

ثمّ دراسته للكتب والمؤلّفين ، فهو يدافع عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ويثبت اعتباره ، ويناقش اعتبار الصحاح الستّة وأحوال مؤلّفيها ، وكذلك يدافع عن تفسير علي بن إبراهيم القمّي ، ثمّ يتعرّض لطبقات المفسّرين وكتب التفسير عند أهل السنّة ، وينظر في أحوالها على ضوء ما جاء في كتب القوم .

وما يذكره حول عقائد أبي حنيفة وأخذه بالقياس ، وما قيل فيه وفي مالك والشافعي وغيرهم من أئمّة الفقه ممّا يتبيّن امتياز مذهب الإماميّة الآخذين فقههم عن أهل البيتعليهم‌السلام عن المذاهب الأُخرى ...

فهذه بحوثٌ ودراسات ونقود وردود قد اجتمعت في هذا الكتاب ، وكثير منها ـ إنْ لم نقل كلّها ـ ممّا تفرّد به السيّد المؤلّف ، ولم يسبقه إليها غيره .

التعريب : ولمّا كان الكتاب باللّغة الفارسيّة ، فقد قمنا بتعريب مطالبه ونقلها إلى العربيّة ، لكن الترجمة ليست حرفيّةً وإنْ حاولنا ذلك قدر الإمكان .

التلخيص : وقد لخّصنا المطالب ، بحذف المكرّر وإسقاط ما لا دخل له فيه ، فهو تلخيص دقيق لا يفوّت شيئاً من فوائد الكتاب ولا يخلّ بالمقصود .

التنسيق : وبذلنا الجهد الكبير للتنسيق بين المواضيع ؛ لأنّها كانت متشتّتةً جدّاً ، بسبب أنّ كثيراً منها أو كلّها إنّما جرى على قلم الفيض آبادي بصورة الجمل المعترضة ، فاهتمّ السيّد المؤلّف بذلك ولم يسكت عنه ، بل فصّل الكلام في موضعه ، ومن الطبيعي حينئذٍ أن ينقطع الكلام وينفصل بعضه عن البعض فجمعنا كلّ بحثٍ في مكانٍ واحدٍ تحت عنوانٍ يخصّه ، ليصل القارئ إلى النتيجة المطلوبة منه بسهولة .

٩٧

وأيضاً ، فقد حاولنا التنسيق بين المطالب من الناحية الموضوعيّة ، من البحوث الاعتقاديّة والفقهيّة ، والتفسيريّة ، والحديثيّة ، وجعلنا بحوثاً في المجلّد الأخير تحت عنوان الملحقات ...

الإضافة والتعليق : ثمّ أضفنا إلى مطالب الكتاب ـ في بعض فصوله ـ ما رأينا من الضروري إضافته تكميلاً للبحث ، كما علّقنا على مواضع منه في داخله بقدر الحاجة ، وفي النيّة التعليق في الهامش على كلّ الكتاب في الطبعة اللاّحقة بعد مراجعته وتكميل نواقصه وتصحيح أخطائه إن شاء الله تعالى.

التحقيق : وقد وثّقنا النصوص المنقولة في الكتاب ، وأرجعناها إلى المصادر بعد تطبيقها عليها بقدر الإمكان .

وقد سمّينا هذا المجهود باسم (استخراج المرام من استقصاء الإفحام ) .

الباب الأوّل :

مسائل اعتقاديّة

الصحيحان أصحُّ من القرآن ؟

القرآن الكريم كلام الله عزّ وجلّ ...

والأخبار الواردة عن النبي وآله الأطهار في تلاوته وحفظه والعمل به والرجوع إليه كثيرة جدّاً ، ولا خلاف بين العلماء في وجوب تعظيمه بكلّ أنحاء التعظيم وحرمة إهانته مطلقاً ، وذلك مذكور في محلّه من الفقه الشيعي .

وقد أفتى الأعاظم من علماء الإماميّة بأنّ القرآن الكريم لم يقع فيه أيّ نقصٍ في سوره وآياته ، معرضين عن الروايات الواردة في بعض كتبهم الظاهرة في ذلك ، لكون أكثرها ضعيفاً في السّند ، وأنّ القليل المعتبر فيها معارض بما هو أقوى دلالةً وسنداً وأكثر عدداً لاسيّما وأنّه قد تقرّر أن ليس عند جمهور الطائفة الإماميّة الإثني عشريّة كتابٌ صحيحٌ من أوّله إلى آخره ، فضلاً عن أن يقولوا بقطعيّة صدور جميع ألفاظه عن النبي والأئمّة عليهم الصّلاة والسلام ...

٩٨

أمّا أهل السنّة ، فجمهورهم على القول بصحّة ما أُخرج في كتابي البخاري ومسلم المعروفين بالصحيحين .

بل إنّ كثيراً من المحقّقين منهم ذهبوا إلى أنّ جميع ألفاظ هذين الكتابين مقطوعة الصدور ، وهذه كلمات كبار علمائهم تنادي بهذا المعنى :

قال السيوطي : ( وذكر الشيخ ـ يعني ابن الصّلاح ـ : إنّ ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحّته ، والعلم القطعي حاصل فيه ، خلافاً لمن نفى ذلك .

قال البلقيني : نقل بعض الحفّاظ المتأخّرين مثل : قول ابن الصّلاح عن جماعةٍ من الشافعيّة كأبي إسحاق وأبي حامد الإسفرانيين والقاضي أبي الطيّب والشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، وعن السرخسي والزاغوني من الحنابلة ، وابن فورك وأكثر أهل الكلام من الأشعريّة ، وأهل الحديث قاطبة ، ومذهب السلف عامّة بل بالغ ابن طاهر المقدسي في صفوة التصوّف ، فألحق به ما كان على شرطهما وإنْ لم يخرجاه .

وقال ابن كثير : وأنا مع ابن الصلاح فيما عوّل عليه وأرشد إليه .

قال السيوطي : قلت : وهو الذي أختاره ولا أعتقد سواه(١) .

إلاّ أنّ في نفس هذين الكتابين وكذا في سائر كتبهم من الصحاح والمسانيد والمعاجم المشهورة ، رواياتٍ وآثاراً كثيرة ، عن جمعٍ كبير من كبار الصّحابة وأعلام التابعين ، مفادها وقوع الخطأ والحذف والنقصان في ألفاظ القرآن ...

ألا تكون النتيجة لهاتين المقدّمتين هي ( الصّحيحان أصحُّ من القرآن ) ؟

فإمّا أنْ ترفع اليد عن صحّة الكتابين ـ فضلاً عن القول بقطعيّة صدور ما فيهما ـ وهو مقتضى التحقيق ، كما سيأتي في ( المجلّد الثاني ) من هذا الكتاب ، وعن ثبوت تلك الأخبار والآثار ، كما هو الحق ، وإمّا أنْ يلتزم بالنتيجة المذكورة .

وهذا طرفٌ ممّا جاء في كتبهم حول القرآن الكريم :

ــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي ١ : ١٣١ ـ ١٣٤ ملخّصاً .

٩٩

الأخبار والآثار في وقوع النقص والغلط في القرآن

في كتب السنّة

ذهب من القرآن كثير !

قال السيوطي في (الدرّ المنثور ) :

( أخرج أبو عبيد وابن الضّريس وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر ، قال : لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ، ما يدريه ما كلّه ؟ قد ذهب منه قرآنٌ كثير ، ولكن يقل : قد أخذت ما ظهر منه )(١) .

سورة الأحزاب

وقال السيوطي في (الإتقان ) :

( قال ـ أي أبو عبيد ـ : حدّثنا إسماعيل بن جعفر ، عن المبارك بن فضالة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش قال : قال أُبيّ بن كعب كأيّن تعدّ سورة الأحزاب ؟ قلت أثنتين وسبعين آية أو ثلاثاً وسبعين آية

قال : إن كانت لتعدل سورة البقرة ، وإن كنّا لنقرأ فيها آية الرّجم

قلت : وما آية الرّجم ؟

قال : إذا زنا الشّيخ والشّيخة فارجموهما ألبتّة نكالاً من الله والله عزيز

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ١ : ٢٥٨ .

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

١٨١

وأنّ أيام الخلاف والاقتتال قد انتهت، فها هو المأمون يستعدّ لإرجاع الحقّ إلى أصحابه، وها هو صاحب الحقّ قد أقبل، وستغدو الأيام رخيّةً سهلةً، لكنّهم كانوا واهمين، فالإمامعليه‌السلام يعرف حقّ المعرفة أنّ المأمون غير جادٍّ في عرضه، وأنّه يتظاهر بالرّغبة في التّنازل عن الحكم لأمر في نفسه، وإذا تجاوزنا المأمون إلى بطانته وأجهزته حوله، لرأينا أنّهم أحرص على الملك والجاه والدنيا، لذا فقد رفض الإمام عرض المأمون، فما كان من المأمون إلاّ أن عرض عليه ولاية العهد بعده، والعرض الجديد لم يكن حبّاً بالإمام، وميلاً إلى الحقّ، بل هو تغطية لمآرب أخرى، فالمأمون يرمي من ورائه للحصول على شرعيّةٍ لحكمه، كما يرمي إلى إسكات الثّائرين عليه، ومرّةً ثانيةً يرفض الإمام عرضه، فيلحّ المأمون ويهدّد، ويمعن في تهديداته حتى التلويح بالقتل، بل التصريح به، ويروى أنّ المأمون قال للإمام حين رأى امتناعه عن القبول بما يعرضه عليه: إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه، وقد أمنت سطوتي، فبا لله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك.

١٨٢

١٨٣

كان الإمامعليه‌السلام يتوقّع كلّ هذا، كان يعرفه حين دخل مسجد جدّه الرسول في المدينة يودّعه، ويقول وهو يبكي: إنّي أخرج من جوار جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأموت في غربةٍ. كان يدرك ذلك وهو في طريقه من المدينة إلى خراسان مغلوباً على أمره.

وأخيراً فلم يجد أمام إلحاح المأمون وتشدّده بدّاً من القبول، إنّما بشروط لا مناص منها، فقال للمأمون: أنا أقبل ذلك على أن لا أولّي أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنّةً، وأكون في الأمر من بعيدٍ مشيراً.

رضي المأمون، وتمّت البيعة للإمام بولاية العهد، بحضور الوزراء والقادة والأعيان، وحشدٍ كبير من الناس. ووزّع المأمون الأموال والهدايا عليهم، وتزاحم الشعراء على تقديم مدائحهم.

وبهذه المناسبة ضرب المأمون الدراهم وطبع عليها اسم الرضاعليه‌السلام . وصار الخطباء يفتتحون خطبهم بالدعاء للمأمون والرضاعليه‌السلام .

١٨٤

وفي خراسان عقد الإمام مجالس المناظرة مع العلماء والأطبّاء وغيرهم، فكان علمه وسعة اطّلاعه مبعثاً لعجبهم، وكان المأمون يحضر بعض هذه المجالس، ولا يستطيع أن يخفي غيظه وحسده لمكانة الإمام، رغم ادّعائه تشجيع العلوم والأبحاث، وكان الإمام حين يرى منه ذلك، يختصر أحاديثه ويوجزها ما أمكنه، خاصّةً وأنّه أدرك أنّ الموكلين بأموره وقضاء حوائجه كانوا في الحقيقة عيوناً للمأمون عليه، فكانعليه‌السلام يتلوّى من الألم، ويتمنّى لنفسه الموت ليتخلّص من حياةٍ تحيط بها المكاره، وكان يقول: اللهم إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت فعجّله لي الساعة.

صلاة لم تتمّ

لمّا حضر عيد الفطر في السنة التي عقد فيها المأمون ولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام ، أرسل إليه بالركوب إلى العيد والصلاة بالناس والخطبة بهم، فبعث إليه الإمام الرضا: لقد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول هذا الأمر (يعني قبوله لولاية العهد(، فأعفني من الصلاة بالناس. فألحّ عليه المأمون وقال له: أريد بذلك أن تطمئنّ إليك قلوب الناس، ويعرفوا فضلك. فأجابه الإمام إلى طلبه على شرط أن يخرج إلى الصلاة كما كان يخرج إليها

١٨٥

رسول الله وأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب من بعده، فقال له المأمون: اخرج كيف شئت. ثمّ أمر القوّاد والحجّاب والناس أن يبكّروا إلى باب الرضاعليه‌السلام ، ليرافقوه إلى الصلاة.

وصباح العيد وقف الناس في الطّرقات وعلى السطوح ينتظرون خروجه، ووقف الجند والقادة على بابه وقد تزيّنوا وركبوا خيولهم. قام الإمام فاغتسل ولبس ثيابه، وتعمّم بعمامةٍ بيضاء من قطن، فألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه، ومسّ شيئاً من الطيب، وقال لمن معه: افعلوا مثل ما فعلت، فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمّر سراويله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: الله اكبر، فكبّر معه الناس، ولما رآه القادة والجند على تلك الصّورة، ترجّلوا عن خيولهم، ونزعوا أحذيتهم من أرجلهم، ومشوا خلفه حفاةً، ثم كبّر الرضاعليه‌السلام ، وكبّر معه الناس، وارتفعت أصواتهم بالتكبير حتى سمعت من كلّ الجهات، وضجت المدينة بالمكبّرين، وخرج الناس من منازلهم، وازدحمت بهم الشوارع والطرقات بشكلٍ لم تشهده (مرو) من قبل، وصدق فيه قول الشاعر:

ذكروا بطلعتك النبيّ فهلّلوا *** لمّا طلعت من الصّفوف وكبّروا

١٨٦

حتى انتهيت إلى المصلّى لابساً

نور الهدى يبدو عليك ويظهر

ومشيت مشية خاشعٍ متواضعٍ

لله لا يزهو ولا يتكبّر

ولو أنّ مشتاقاً تكلّف فوق ما

في وسعه لسعى إليك المنبر

كان المأمون يريده أن يخرج للصلاة كما يخرج الملوك، تحفّ بهم الزّينات ومعالم العظمة، ويستغلّون المناسبة لعرض قوّتهم وهيبتهم في النفوس، بينما يرى الإمام أنّ للمناسبة قداستها الروحيّة، ترفع فيها آيات الخضوع والعبوديّة لله تعالى، وترتفع الأصوات بحمده والتكبير له، وشتّان بين ما أراد المأمون وما فعله الإمام ، فما كان من المأمون إلاّ أن بعث إليه يقول:

لقد كلّفناك شططاً (أي زيادةً عن الحدّ( وأتعبناك يابن رسول الله، ولسنا نحبّ لك إلاّ الراحة، فارجع، وليصلّ بالناس من كان يصلي بهم.

فرجع الإمامعليه‌السلام ، لأنّ هذا هو ما يتمنّاه.

أموت في غربةٍ

منذ ذلك اليوم، وقد رأى المأمون تجاوب الناس مع الإمام، وكيف كان توجّههم إليه عميقاً، أحسّ بالمرارة تغلي في أحشائه، وتذكّر أيام أبيه هارون الرّشيد مع الإمام

١٨٧

الكاظمعليه‌السلام ، وكان يرى حفاوة الرشيد البالغة بالإمام، وإكرامه له، وهو (أي المأمون( لا يعرفه، فسأل أباه قائلاً: من هذا الرجل الذي عظّمته وقمت من مجلسك لأجله، وجلست بين يديه؟ قال الرشيد: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده. فقال المأمون: أليست هذه الصفات كلّها لك وفيك؟ فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حقّ، والله يا بنيّ إنّه لأحقّ بمقام رسول الله منّي ومن الخلق أجمعين، فقال له المأمون: إذا كنت تعرف ذلك فتنحّ عن الملك وسلّمه لأصحابه، فقال: يا بنيّ إنّ الملك عقيم، والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك.

تذكّر المأمون هذه الواقعة مع أبيه، ولا يزال صدى العبارة الأخيرة يرنّ في مسامعه: والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك.

وما له يسلّط على هذا الملك رجلاً يلتفّ الناس حوله إذا حضر، وتهفو إليه قلوبهم إن غاب، يجلّونه ويقدّرونه؟ أليس أبوه الذي قال: إنّ الملك عقيم؟ أليس بالأمس القريب قتل أخاه وعشرات الألوف من الناس في سبيل هذا الملك؟

١٨٨

تذكّر كلّ هذا وصمّم أمراً، صمّم أن يريح نفسه من هذا الهمّ الذي جلبه على نفسه بيديه، وقرّر أن يتخلّص من الإمام.

ولم يطل الأمر كثيراً، وكان قد مضى على الإمام في ولاية العهد ما يقرب من سنتين، حين استشهد مسموماً، واتّهم المأمون بقتله، لكنّه أنكر التّهمة، وأظهر عليه الأسى والحزن. وكان استشهاده سنة ٢٠٣ للهجرة بطوس، ودفن في مشهد. ويختلف الناس لزيارة قبره من جميع أنحاء العالم. ويروى عنه أنّه قال: من زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة.

عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى السلام.

١٨٩

الإمام محمد الجوادعليه‌السلام

الاسم: الإمام محمد الجوادعليه‌السلام

اسم الأب: الإمام علي الرضاعليه‌السلام

اسم الأم: خيزران

تاريخ الولادة: ١٠ رجب سنة ١٩٥ للهجرة

محل الولادة: المدينة

تاريخ الاستشهاد: ٦ ذي الحجة سنة ٢٢٠ للهجرة

محل الاستشهاد: الكاظمية

محل الدفن: الكاظمية

المواجهة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

في يوم دافئ، وأشعّة الشمس تتسلّل برفق عبر أزقّة مدينة بغداد، وتبدأ انتشارها فوق السّهول المترامية الأطراف حولها، خرج المأمون العباسي مع نفر من حاشيته للصيد، وقد امتطوا جيادهم يسابقون بها الريح، مصطحبين صقورهم وكلابهم، قاصدين السّهول الممتدّة حول المدينة.

بغداد في تلك الأيام كانت مدينةً كبيرةً جداً، تحيط بها مزارع البرتقال وكروم العنب وأشجار النّخيل، يزيّنها العشب الأخضر والورود.

كان الموكب يجتاز شوارع العاصمة، مثيراً الرعب والذّعر في قلوب الناس. وفي أحد الشوارع صادف مجموعةً من الصبية يلعبون ويتراكضون، وما إن شعر الصبيّة باقتراب خيل الحاكم حتى هربوا في كلّ

١٩٠

اتّجاهٍ؛ وتلك كانت صورة الحكّام المرعبة، فقد ترك أسلاف المأمون كالرّشيد والمنصور وهشامٍ والحجاج بصمات البطش والإرهاب في النفوس.

خلت الساحة من الأطفال، عدا طفل منهم، انتصب شامخاً أمام الموكب غير آبهٍ به، ممّا أثار دهشة المأمون، فأمر بإحضار الصبيّ إليه، وخاطبه قائلاً: لماذا لم تهرب مع الصبية الآخرين؟ قال الصبيّ: مالي ذنب فأفرّ منه، ولا الطريق ضيّق فأوسّعه عليك، فسر حيث شئت.

قال المأمون متعجّباً من جرأة الغلام: من تكون أنت؟ قال: أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

قال المأمون: ما تعرف من العلوم؟

قال: سلني عن أخبار السّماوات.

(لقد سأل المأمون الغلام الصغير عمّا يعرفه من العلوم، والعلوم لا يعرفها إلاّ من درسها، وقضى السنين في تعلّمها، فكيف يسأل عنها غلاماً صغيراً؟

والجواب أنّ المأمون يعلم ذلك، لكنّه بعد أن

١٩١

عرف أنّ الغلام هو ابن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وأنّه فرع من الشجرة المباركة، شجرة أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين يتوارثون العلوم والمعارف، كلاّ عمّن سبقه، سأله هذا السؤال الطبيعيّ).

ترك المأمون الإمام مبتعداً نحو السّهول، وهو غارق في التفكير بأمر هذا الغلام، ومضى النهار إلا أقلّه، والمأمون لا يجد صيداً، فأطلق أحد صقوره يبحث عن طريدة؛ حلّق الصّقر عالياً وغاب عن الأنظار ساعةً، عاد بعدها وهو يحمل حيّةً بين مخالبه، وألقاها أمام المأمون، أمر المأمون بوضع الحيّة في صندوق وقال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الغلام في هذا اليوم، وعلى يديّ. ثمّ عاد أدراجه نحو بغداد.

وفي طريق عودته، التقى بالصبيّة أنفسهم وابن الرضا بينهم، فاقترب منه قائلاً (وكأنّما يتابع معه حديث الصباح):

وما عندك من أخبار السماوات؟

أجاب الإمام قائلاً: حدثني أبي عن آبائه، عن النبيّ، عن جبرائيل، عن ربّ العالمين أنّه قال: بين السماء والهواء عجاج (والعجاج هو الغبار أو الدخان)

١٩٢

يتلاطم به الأمواج. فيه حيات خضر البطون، رقط الظهور (لونها مبقّع بالبياض والسواد(، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، ليمتحنوا به العلماء.

فقال المأمون: صدقت، وصدق أبوك، وصدق جدّك، وصدق ربّك.

كان هذا هو اللّقاء الأول بين الإمام والمأمون، وتوالت اللّقاءات، وتعرّف المأمون أكثر وأكثر على مناقب الإمام العالية، وضلوعه بالعلم والمعرفة، وصمّم أن يزوّجه ابنته.

اعتراض العباسيين

كان المأمون يرمي من تزويج ابنته من الإمام الجوادعليه‌السلام ، إلى اكتساب رضى السادة العلويين، وإزالة ذكرى الموت المفاجئ للإمام الرضاعليه‌السلام من الخواطر، مدّعياً الصفاء معهم، كما يرمي من جهة ثانية إلى أن يكون الإمام الجواد على مقربةٍ منه، ليتمكّن من مراقبته بواسطة عيونه وجواسيسه، ومعرفة تحرّكاته واتّصالاته، وقد سبق للمأمون أن اتّبع الأسلوب نفسه مع الإمام الرضاعليه‌السلام .

ولمّا علم العباسيون بالأمر، ثقل عليهم

١٩٣

واستكبروه، وخافوا أن ينتهي الأمر مع الجواد إلى ما انتهى إليه مع أبيه الرضا، فيفوز بولاية عهد المأمون.

اجتمع نفر منهم إلى المأمون قائلين: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تصرف النظر عن هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا؛ فإنّا نخاف أن تخرج عنّا أمراً قد ملكناه، وتنزع عنّا عزّاً قد ألبسناه، فقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم آل عليّ قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك معهم، وقد كنّا في وهلةٍ (فزع( من عملك مع الرضا ما عملت، حتّى كفانا الله ألمهمّ من ذلك، فالله الله أن تردّنا إلى غم انحسر عنّا (زال عنا(، فاصرف رأيك عن ابن الرضا، واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لها دون غيرهم.

فأجابهم المأمون: أمّا ما كان بينكم وبين آل أبي طالب، فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم. وأمّا ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعاً للرّحم، وأعوذ بالله من ذلك وأمّا أبوجعفرٍ محمد (الجواد( بن عليّ فقد اخترته لتبريزه (تفوّقه( على كافّة أهل الفضل في العلم، مع صغر سنّه.. وأنا

١٩٤

١٩٥

أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، ليعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا: أتزوّج ابنتك وقرّة عينك صبياً لم يتفقّه في دين الله، ولم يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضه من سننه؟ فأمهله ليتأدّب ويقرأ القرآن ويتفقّه في الدين، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: ويحكم، إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّه لأفقه منكم وإن شئتم فامتحنوه، فإن كان كما وصفتم قبلت منكم

فقالوا: لقد رضينا لك ولأنفسنا بامتحانه؛ فخلّ بيننا وبينه، لنعيّن من يسأله بحضرتك عن شيءٍ من فقه الشريعة، فإن أصاب الجواب لم يكن لنا اعتراض، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا أمره.

قبل المأمون، وعيّن لهم يوماً لذلك.

ثم اجتمع رأيهم على يحيى بن أكثم ، قاضي القضاة يومذاك، على أن يسأل الإمام مسألة لا يعرف الجواب عنها، ووعدوه بأموالٍ وفيرةٍ إن هو استطاع ذلك.

مجلس الامتحان

وفي اليوم الذي عيّنه المأمون، حضر الإمام وقاضي القضاة والمأمون، كما حضر كبار العباسييّن، وأعيان الدولة، وجلس الناس على مراتبهم، بينما أجلس المأمون الإمام الجواد إلى جانبه.

من الجدير بالذكر أنّ تلك المجالس الفخمة التي كان العباسيون يقيمونها من وقت إلى آخر، لم تكن بالنسبة إليهم إلاّ مجالس ترفٍ ولهوٍ، ولم تكن تعقد بناءً على التعاليم الإسلامية التي تراعي أصول التساوي بين الناس، ولم يسيروا فيها على خطى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخطى الإمام عليّعليه‌السلام ، في جعلها مجالس للمذاكرة في تعاليم الإسلام وأحكامه، ممّا يعود بالفائدة على الجميع، بل كانت مجالس للمناظرة والمبارزة الكلاميّة وإلقاء الأشعار والخطب. فحضور الإمام في هذا المجلس لم يكن حضور مشارك أو حتى ضيفٍ، بل كان - في الواقع - حضوراً قهريّاً إجبارياً لا يستطيع منه فكاكاً على أيّ حالٍ، فقد جلس الإمام في مكانٍ فخمٍ مزيّن إلى جانب المأمون، كما جلس النبيّ يوسف

١٩٦

- من قبل - إلى جانب فرعون مصر. وفي قصص الأنبياء دروس للناس، تبيّن لهم الحقائق الكامنة وراء الأحداث التاريخية المختلفة باختلاف الأزمان، فها هو يوسف النبي، يجلس إلى جوار فرعون مصر ويدير له شؤون دولته، وفي يوم آخر، يقوم نبيّ آخر هو موسىعليه‌السلام ، ضدّ فرعون آخر، فيهزمه ويقضي عليه. ولكنّ الكثرين لا يفكّرون في أحداث التاريخ، ويعجزون عن فهمها وإدراك مغزاها. تقول الآية الشريفة:

( لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسّائلين ) .

ساد المجلس صمت مطبق، والكلّ يتطلّع إلى رؤية الإمام الجواد، هذا القادم الجديد إلى بغداد، والذي لم تقع عليه أعين الناس من قبل، ورؤية مقدرته، وهو ابن تسع سنين، في مواجهة قاضي قضاة بغداد، ويتساءلون: هل في مقدور حفيد رسول الله أن يصمد أمام أسئلة هذا العالم الكبير؟

قطع القاضي يحيى بن أكثم حبل الصمت، والتفت إلى المأمون قائلاً:

أيأذن لي أميرالمؤمنين بأن أوجّه سؤالاً إلى أبي

١٩٧

جعفر بن الرّضا؟

أجاب المأمون: عليك أن تأخذ الإذن منه.

التفت يحيى بن أكثم إلى الإمام الجواد قائلاً:

(أتأذن لي - جعلت فذاك - في مسألة؟ فقال له أبو جعفر: سل إن شئت. قال يحيى: ماذا تقول في محرم قتل صيداً؟ أجاب الإمام:

قتله في حلّ أوحرم؟ عالماً كان المحرم أم جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حرّاً كان أم عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أم معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كباره؟ مصرّاً على ما فعل أم نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد في أوكاره أم نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله، أو بالحجّ كان محرماً؟

فتحيّر يحيى بن أكثم، وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى عرف أهل المجلس أمره).

لم يكن يحيى بن أكثم قد سمع - حتى يومه ذاك - بأكثر من وجه واحدٍ للمحرم الذي يقتل صيداً، ولم يعرف لذلك سوى حكم واحدٍ، ويفاجأ الآن بأنّ سؤالاً قصيراً واحداً يحتاج - في الإجابة عليه - إلى كلّ

١٩٨

ذلك التفصيل الكبير.

تحيّر يحيى بن أكثم، وتحيّر معه كلّ من حضر المجلس، وأدركوا بأنّ الإمام الجوادعليه‌السلام بحر من العلم والمعرفة؛ فقد أعطاهم - على صغر سنه - درساً في الأحكام، وهو أنّ الحكم في كلّ مسألةٍ يختلف باختلاف ظروفها وملابساتها.

ويروى أنّ المأمون طلب من الإمام أن يسأل يحيى بن أكثم كما سأله، فأجابه الإمام إلى طلبه، وسأل القاضي سؤالاً لم يعرف الإجابة عليه، وقال: والله لا أهتدي لجوابك، ولا أعرف الوجه في ذلك، فإن رأيت أن تفيدنا. فاستجاب الإمام إلى رغبته، وأعطاه جواب المسألة.

عند ذاك، أقبل المأمون على من حضره من أهل بيته قائلاً: ويحكم، إنّ أهل هذا البيت خصّوا من بين الخلق بما ترون من الفضل، وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين. وقبل الإسلام منه، ولم يدع أحداً في سنه غيره؟ أفلا تعلمون الآن ما خصّ

١٩٩

الله به هؤلاء القوم، وأنّهم ذريّة بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم؟ فقالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين، إنّ ما تراه هو الصّواب.

زواج سياسيّ

سرّ المأمون لخروجه من المراهنة منتصراً، ورأى أن يستغلّ الفرصة المتاحة، فالتفت نحو الإمام قائلاً:

يا بقيّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد علمت فضلك ومنزلتك، واخترتك زوجاً لابنتي (أمّ الفضل)، وإنّي - رغم معارضة الكثيرين لهذا الزّواج - أطلب منك القبول.

تردّد الإمام؛ فهو يعرف تماماً ما يرمي إليه المأمون من هذه المصاهرة، ويدرك الأهداف التي تكمن وراءها، فهي ليست في الواقع إلاّ زواجاً سياسيّاً، يحقّق للمأمون أغراضه في تهدئة وإرضاء العلويّين وفي جعل الإمام الجواد قريباً منه وتحت مراقبته.

شعر الإمام بالضيق، لكنّه كان يدرك حرج الموقف، فهو لا يستطيع أن يرفض طلب المأمون أمام هذا الجمع الكبير من أعيان بغداد، ورجالات الدولة وقوّادها، ففي الرّفض إهانة عظيمة للمأمون، والله

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384