استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 456
المشاهدات: 209599
تحميل: 7048


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209599 / تحميل: 7048
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي رواية : إنّ الزبير ـ لمّا قال له ابنه ذلك ـ غضب ، فقال له ابنه : والله لقد فضحتنا فضيحةً لا نغسل منها رؤوسنا أبداً فحمل الزبير حملة منكرة) (١) .

انتهى بقدر الضرورة .

وفي هذه العبارة أيضاً فوائد كثيرة لا تخفى على من تأمّل فيها ، فلا الاعتذار بأنّ الطرفين ما كان قاصدين لاشتعال الحرب ينفع ، ولا الاعتذار للزبير بنسيان ما قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له من قبل...

لكن العجيب جدّا ً: إصرار عبد الله على الحرب ، فإنّه لم يرتدع عنها بما ارتدع به أبوه ، وهو كلام رسول الله الذي ذكّره الإمام به ، بل جعل يؤنّب أباه ويحاول أنْ يعيده إلى القتال ويغريه إلى الحرب .

كلام الإمام في عبد الله بن الزبير

وهكذا كان عبد الله يسعى في البغض والعداء لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، حتّى أنّه حاول جاهداً لأنْ يورّط أباه بعد أنْ اختار الانعزال ، واعتراض عليه قائلاً : ( لقد فضحتنا فضيحةً لا نغسل منها رؤوسنا أبداً )...

والذي يظهر من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ المروي في كتب الفريقين ـ أنّ عبد الله هو السبب في مفارقة الزبير لأهل البيتعليهم‌السلام ...

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة خواصّ الأُمّة في معرفة الأئمّة : ٧١ ـ ٧٢ .

١٢١

روى سبط ابن الجوزي قال :

( وفي رواية : إنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه لمّا التقى بالزبير قال له :( كنّا نعدّك من خيار بني عبد المطّلب ، حتّى بلغ ابنك السوء ففرّق بيننا وبينك ، أليس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لك كذا وكذا ) وذكر الحديث )(١) .

وروى ابن الأثير :

وكان عليٌّ ـرضي‌الله‌عنه ـ يقول :( ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ له عبد ا لله ) (٢) .

وروى ابن عبد البر :

قال عليّ بن أبي طالب ـرضي‌الله‌عنه ـ :( ما زال الزبير يُعدُّ منّا أهل

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة خواصّ الأُمّة : ٧٢.

(٢) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ٣ : ١٣٩ / ٢٩٤٧ .

١٢٢

البيت حتّى نشأ عبد الله ) (١) .

بين عبد الله بن الزبير والإمام الحسينعليه‌السلام

ومن دلائل حبّه وشدّة عداوته لأهل البيت الأطهار ( عليهم الصلاة والسلام ) : موقفه مع الإمام السبط الشهيد الحسين بن علي في مكّة المكرّمة ، وهذا من القضايا التاريخيّة الثابتة :

قال ابن فهد المكّي في( إتحاف الورى بأخبار أُمّ القرى ) :

( وفيها خرج الحسين بن عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه من المدينة إلى مكّة ، فلقيه عبد الله بن مطيع فقال : جلت فداك أين تريد ؟ فقال :( فأمّا الآن فمكّة وأمّا بعد ، فإنّي أستخير الله تعالى ) ، قال : خار الله لك وجعلنا فداك ، فإذا أتيت مكّة فإيّاك أنْ تقرب الكوفة فإنّها بلدة مشؤومة ، بها قُتِل أبوك وخُذِل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ، ألزم الحرم فإنّك سيّد العرب لا يعدل بك أهلُ الحجاز أحداً ، ويتداعى إليك الناس من كلّ جانب ، لا تُفارق الحرم فداك عمّي وخالي ، فو الله لئن هلكت لنُسترقّنّ بعدك .

فأقبل حتّى نزل مكّة وأهلها يختلفون إليه ويأتونه ومن بها من المعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة ، فهو قائم يُصلّي عندها عامّة النّهار ويطوف ، ويأتي الحسين فيمن يأتيه ، ولا يزال يشير عليه بالرأي وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير ؛ لأنّ أهل الحجاز لا يُبايعونه ما دام الحسين بالبلد .

وأرسل أهل الكوفة الحسين في المسير إليهم ، فلمّا أراد المسير إلى

ـــــــــــــــــــ

(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ : ٩٠٦/ ١٥٣٥ .

١٢٣

الكوفة أتاه عمر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام فقال له : إنّي أتيتك لحاجة أُريد ذكرها نصيحة لك ، فإنْ كنت ترى أنّك مُستنصِح قلتها وأدّيت ما علَيّ من الحقّ فيها ، وإنْ ظننت أنّك لا تستنصحني كففت عمّا أُريد .

فقال :( قل ، فو الله ما استغشّك وما أحملنّك بشيءٍ من الهوى ) .

قال له : قد بلغني أنّك تريد العراق ، وإنّي مشفقٌ عليك أنْ تأتي بلداً فيها عمّاله وأُمراؤه ، ومعهم بيوت الأموال ، وإنّما النّاس عبيد الدّنيا والدرهم ، فلا آمن عليك أنْ يُقاتلك من وعدك نصره ومَن أنت أحبّ إليه ممّن يُقاتلك معه .

فقال له الحسين :( جزاك الله خيراً يا ابن عم ، قد علمتُ أنّك مشيت بنصح وتكلّمت بعقل ، ومهما يُقضى من أمر يكن ، أخذتُ برأيك أو تركت ، فأنت عندي أحمدُ مُشير وأنصح ناصح ) .

وأتاه عبد الله بن عبّاس فقال : قد اُرجف النّاس أنّك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت صانع ؟

فقال له :( قد أجمعت السير في أحد يوميّ هذين ، إنْ شاء الله تعالى ) .

فقال له ابن عبّاس : فإنّي أُعيذك بالله من ذلك ، أخبرني أتسير إلى قومٍ قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدّوهم ، فإنْ كانوا فعلوا فسر إليهم ، وإنْ كانوا إنّما دعوك إليهم ، وأميرهم عليهم قاهرٌ عليهم وعمّاله تجبى بلاده ، فإنّما دعوك إلى الحرب ، ولا آمن عليك أنْ يغرّوك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك ، ويستنفروا إليك ويكونوا أشدّ النّاس عليك .

فقال الحسين :( إنّي أستخير الله وأنظر ما يكون ) .

فخرج ابن عبّاس .

وأتاه ابن الزبير ، فحدّثه ساعة ثمّ قال : ما أدري ما تركنا هؤلاء القوم

١٢٤

وكفنّا عنهم ، ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر دونهم ، خبّر ما تريد أن تصنع ؟

فقال الحسين :( لقد حدّثت نفسي بإتيان الكوفة ، ولقد كتب إليّ شيعتي بها وأشراف النّاس ، وأستخير الله تعالى ) .

فقال له ابن الزبير : أمّا لو كان لي بها مثل شيعتك لما عدلت عنها .

ثمّ خشي أنْ يتّهمه فقال : أما إنّك لو أقمت بالحجاز ، ثمّ أردت هذا الأمر هاهنا ، حالفنا عليك وساعدناك وبايعنا لك ونصحنا لك .

فقال له الحسين :( إنّ أبي حدّثني أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أنْ أكون أنا ذلك الكبش ) .

قال : فأقم إنْ شئت ، ولك الأمن تُطاع ولا تُعصى .

قال :( ولا أُريد هذا أيضاً ) .

ثمّ إنّهما اخفيا كلامهما ، فالتفت الحسين إلى من هناك وقال :( أتدرون ما يقول ) ؟

قالوا : لا ندري جعلنا الله فداك .

قال إنّه يقول :أقم في هذا المسجد أجمع لك النّاس .

ثمّ قال له الحسين :( والله لأن اُقتل خارجاً منها بشبر أحبُّ إليَّ من أن اُقتل فيها ، ولأنْ اُقتل خارجاً منها بشبرين أحبّ إليّ أن اُقتل خارجاً منها بشبر ، وأيم الله لو كنت في جحر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتّى يقضوا بي حاجتهم ، والله ليعتدّنّ علَيّ كما اعتدت يهود في السبت ) .

فقام ابن الزبير ، فخرج من عنده .

فقال الحسين :( إنّ هذا ليس شيء من الدنيا أحبّ إليه من أنْ أخرج من الحجاز ، وقد علم أنّ النّاس لا يعدلونه بي ، فودّ أنّي خرجت حتّى يخلو له ) .

١٢٥

فلمّا كان مِن العشي أو من الغداة أتاه ابن عبّاس فقال : يا ابن عمّ ، إنّي أتصبّر ولا أصبر ، إنّي أتخوّف عليك وهذا اليوم الهلاك و الاستيصال ، إنّ أهل العراق قوم غدرٍ ولا تقربنّهم ، أقم بهذا البلد فإنّك سيّد أهل الحجاز ، فإنْ كان أهل العراق يريدونك كما زعموا ، فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم وعدوّهم ثمّ أقدم عليهم ، وإنْ أبيت إلاّ أنْ تخرج فسر إلى اليمن ، فإنّ فيها حصوناً وشعباً ، وهي أرض طويلة عريضة ، ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن النّاس في عزلة ، فتكتب إلى النّاس، وبُثّ دعاتك ، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية .

فقال الحسين :( يا ابن عمّ ، إنّي أعلم ـ والله ـ أنّك ناصحٌ مُشفق ، وقد أزمعت وأجمعت السير ) .

فقال له ابن عبّاس : فإنْ كنت سائراً ، فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فإنّي خائف أنْ تقتل ، كما قُتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه .

ثمّ قال له ابن عبّاس : لقد أقررت عين ابن الزبير بالخروج من الحجاز ، وهو اليوم لا ينظر إليه أحدٌ معك ، والله الذي لا إله إلاّ هو ، لو أعلم أنّك إذا أخذت بشعري وأخذت بناصيتك حتّى يجتمع علينا النّاس أطعتني وأقمت ، لفعلت ذلك ، ثمّ خرج ابن عبّاس من عنده ، فمرّ بابن الزبير ، فقال : قرّت عينك يا ابن الزبير ، ثمّ قال :

يا لك مِن قنبرةٍ بمعمر

خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أنْ تنقّري

١٢٦

هذا حسين يخرج إلى العراق ويخلّيك والحجاز ) (١) .

فمن هذا يظهر خبث باطن ابن الزبير ، وشدّة عدائه لأهل البيتعليهم‌السلام ، وإلاّ لكان الإمام الحسينعليه‌السلام أحبّ النّاس إليه ، وبقاؤه في مكّة أقرّ لعينه ، ولكنّه كان بالعكس ، فقد كان الإمام الحسين في مكّة أثقل النّاس إليه ، وكان يقول له بلسانه غير ما كان بقلبه ، ويبدي له خلاف ما يخفي عليه... والإمامعليه‌السلام عارفٌ بواقع أمره وحقيقة سرّه ، وكذلك فهم ابن عبّاس ، حتّى قال للإمام الحسين لمّا عزم على الخروج : لقد أقررت عين ابن الزبير... فلو كان له أدنى حظٍّ من الإيمان وأقلّ قسط من الإيقان لما صار قريرَ العين بمسير الحسين ، بل بكى دماً وذاب ألماً ، وصار قلبه مجروحاً وعينه مقروحاً ، وأطال الحزن والكآبة ومني بالشجى والسآمة ، وهل يسرّ بالفراق إلاّ الشامت الكاشح والمُبغض غير الناصح...

وكان الخبر في رواية الجلال السيوطي في كتاب( تاريخ الخلفاء ) حيث قال :

( فلمّا مات معاوية بايعه ـ يعني يزيد ـ أهل الشام ، ثمّ بعث إلى أهل المدينة مَن يأخذ له البيعة ، فأبى الحسين وابن الزبير أنْ يُبايعاه ، وخرجا من ليلتهما إلى مكّة ؛ فأمّا ابن الزبير فلم يُبايع ولا دعا إلى نفسه ، وأمّا الحسين فكان أهل الكوفة يكتبون إليه ، يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية وهو يأبى ، فلمّا بويع يزيد أقام على ما هو مهموماً ، يجمع الإقامة مرّة ويريد المسير إليهم أُخرى .

فأشار عليه ابن الزبير بالخروج .

ـــــــــــــــــــ

(١) إتحاف الورى بأخبار أُمّ القرى ـ حوادث السنة ٦٠ .

١٢٧

وكان ابن عبّاس يقول له : لا تفعل .

وقال له ابن عمر : لا تخرج ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة وإنّك بضعةٌ منه ، ولا تنالها ـ يعني الدنيا ـ واعتنقه وبكى وودّعه ، فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسينٌ بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة .

وكلّمه في ذلك أيضاً جابر بن عبد الله وأبو سعيد وأبو واقد الليثي وغيرهم فلم يُطع أحداً منهم .

وصمّم على المسير إلى العراق ، فقال له ابن عبّاس : والله إنّي لأظنّك ستُقتل بين نسائك وبناتك كما قُتل عثمان ، فلم يقبل منه ، فبكى ابن عبّاس وقال : أقررت عين ابن الزبير .

١٢٨

ولمّا رأى ابن عبّاس عبد الله بن الزبير قال له : قد أتى ما أحببت ، هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز ، ثمّ تمثّل :

يا لك من قنبرةٍ بمعمر

خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقري ) (١) .

أحاديث في ذمّ بُغض عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام

وإذْ ظهر بُغض عبد الله بن الزبير وعداؤه لأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين ، كان من المناسب إيراد نصوص روايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذمّ بُغض عليّ أمير المؤمنين وأبنائه وأهل البيت ، والمُبغض لهم... عن كتب أهل السنّة وبأسانيدهم :

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الخفاء : ١٦٤ ـ ١٦٥ .

١٢٩

 ( أخرج الطبراني عن عليّ كرّم الله وجهه قال : ( إنّ خليلي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا عليّ ، إنّك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيّين ، ويقدم عليه عدوّك غضباناً مقمحين ) ، ثمّ جمع عليٌّ يده إلى عنقه يريهم الإقماح .

وأخرج الدليمي عن ابن عمررضي‌الله‌عنه ما ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( عليّ بن أبي طالب بابُ حطّة فمَن دخل منه كان مؤمناً ، ومِن خرج منه كان كافراً ) .

وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن زر بن حبيش قال: قال عليٌّ كرّم الله وجهه:والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبي الاُمّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق.

وأخرج أحمد والترمذي ـ وحسّنه ـ عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : ( قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يحبّ عليّاً منافق ولا يبغضه مؤمن ) .

وفي رواية ابن أبي شيبة عنها بلفظ :( لا يبغض عليّاً مؤمن ولا يحبّه منافق ) .

وعند الطبراني في الكبير عنها :( لا يحبّ عليّاً إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق ) .

وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري والبزّار والطبراني في الأوسط ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قالا : كنّا نعرف المنافقين ببغضهم عليّاً .

وأخرج الطبراني في الكبير عن سلمانرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ :( محبّك محبّي ، ومبغضك مبغضي ) .

وأخرج عبد الرزاق الرسعني عن أنَسرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ :( كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغضك ) .

وأخرج الطبراني في الكبير عن أُمّ سلمة رضي الله عنها ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( من أحبّ عليّاً فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّ الله ، ومَن أبغض عليّاً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ) .

وأخرج ابن عدي عن سلمانرضي‌الله‌عنه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب فخذ عليّ بن أبي طالب وصدره ، وسمعته يقول :( مُحبّك مُحبّي ، ومُبغضك مُبغضي ، ومُبغضي مُبغض الله ) .

١٣٠

وأخرج الحاكم والخطيب عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ بن أبي طالب فقال :( أنت سيّدٌ في الدنيا والآخرة ، مَن أحبّك فقد أحبّني ، وحبيبي حبيبُ الله ، وعدوّك عدوّي ، وعدوّي عدوّ الله ؛ فالوليل لمن أبغضك بعدي ) .

وأخرج الطبراني في الكبير والحاكم والخطيب عن عمّار بن ياسررضي‌الله‌عنه قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا علي ، طوبى لِمَن أحبّك وصدَق فيك ، وويلٌ لِمَن أبغضك وكذب فيك ) .

وأخرج ابن مردويه عن أنَسرضي‌الله‌عنه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن حسَد عليّاً فقد حسدني ، ومَن حسدني فقد كفر ) .

وأخرج أبو يعلى والبزّار عن سعد بن أبي وقّاصرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من آذى عليّاً فقد آذاني )) (١) .

وفي( مفتاح النجا ) أيضاً :

( وأخرج الحاكم عن جابررضي‌الله‌عنه : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( عليٌّ إمام البررة وقاتل الفجرة ، منصورٌ من نصره ، مخذولٌ من خذله ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط .

١٣١

وأخرج الطبراني في الكبير عن عمرو بن شراحيلرضي‌الله‌عنه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( اللّهمّ انصر مَن نصر عليّاً ، اللّهمّ أكرم مَن أكرم عليّاً ، اللّهمّ اخذل مَن خذل عليّاً ) .

وأخرج عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( اللّهمّ أعنه وأعن به ، وارحمه وارحم به ، وانصره وانصر به ، اللّهمّ وال مَن والاه وعادِ من عاداه ) ـ يعني عليّاً .

وأخرج عبد الرزاق الرسعني عن عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذ بيد علي وهو يقول :( الله وليّي وأنا وليّك ومعادي من عاداك ومسالم من سالمك ) .

واخرج الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمان الجوال الشيرازي في كتاب( ألقاب الرجال ) ، وابن النجّار في تاريخه عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( اللهمّ اشهد لهم ، اللهمّ قد بلّغت ، هذا أخي وابن عمّي وصهري وأبو ولدي ، اللهمّ كبّ من عاداه في النّار ) .

وأخرج ابن عدي عن جابررضي‌الله‌عنه ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ :( يا عليّ ، لو أنّ أُمّتي أبغضوك ، لكبّهم الله على مناخرهم في النّار ) .

وأخرج الديلمي عن الحسينرضي‌الله‌عنه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لو أنّ عبداً عَبَدَ الله مثل ما أقام نوحٌ في قومه ، وكان له مثل أُُحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ، ومُدَّ في عُمره حتّى يحجّ ألف عام على قدميه ، ثمّ قُتِل مظلوماً بين الصّفا والمروة ، ثمّ لم يُوالِك يا علي ، لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها ) .

وأخرج ابن مردويه عن عطيّة بن سعد قال : دخلنا على جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه وهو شيخٌ كبير ، فقنا : أخبرنا عن هذا الرجل عليّ بن أبي طالب .

فرفع حاجبيه ثمّ قال :( ذاك مِن خير البشر فقيل له : ما تقول في رجل يبغض عليّاً ؟ فقال : ما يبغض عليّاً إلاّ كافر ) .

وأخرج عن سالم بن أبي الجعد قال : تذاكروا فضل عليٍّ عند جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه ، فقال : وتشكّون فيه ؟ فقال بعض القوم : إنّه أحدث قال :( وما يشكّ فيه إلاّ كافرٌ أو منافق ) .

١٣٢

وأخرج عن عطا قال : سألتُ عائشة عن عليّرضي‌الله‌عنه ما ، فقالت :( ذاك مِن خير البريّة ، ولا يشكّ فيه إلاّ كافر ) .

وأخرج أحمد والبزّار وأبو يعلى وابن عدي والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة ، عن عليّ كرّم الله وجهه قال :( دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ فيك مثلاً مِن عيسى ، أبغضته اليهود حتّى بهتوا أُمّه ، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ، ألا وإنّه يهلك فيّ اثنان : محبّ مفرط يقرظني بما ليس فيّ ، ومُبغضٌ يحمله شنآني على أنْ يبهتني )) (١) .

ومن مساوئه في كتب التاريخ والحديث

وقد ذكر القوم مساوئ أخرى له ، في كتبهم التاريخيّة والحديثيّة ، نورده باختصار :

قال ابن عبد البرّ في( الاستيعاب ) :

( قال عليّ بن زيد الجدعاني : كان عبد الله بن الزبير كثير الصّلاة ، كثير الصّيام ، شديد البأس ، كريم الجدّات والأُمّهات والخالات ، إلاّ أنّه كانت فيه

ـــــــــــــــــــ

(١) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط  

١٣٣

خلال لا تصلح معها الخلافة ؛ لأنّه كان بخيلاً، ضيّق العطاء ، سيّئ الخُلق ، حسوداً ، كثير الخلاف ، أخرج محمّد بن الحنفيّة ، ونفى عبد الله بن عبّاس إلى الطائف ) (١) .

وقال ابن خلّكان في( وفيّات الأعيان ) :

( ولمّا دعا ابن الزبير إلى نفسه وبايعه أهل الحجاز بالخلافة ، دعا عبد الله ابن عبّاس ومحمّد بن الحنفيّة ـ رضي الله عنهما ـ إلى البيعة ، فأبيا ذلك وقالا : لا نُبايعك حتّى تجتمع لك البلاد ويتّفق الناس ، فأساء جوارهم وحصرهم وآذاهم وقال لهما : والله ، لئن لم تُبايعا أحرقتكما بالنّار) (٢) .

وذكر التنوخي في كتاب( الفرج بعد الشدّة ) :

( كتب محمّد بن الحنفيّة إلى عبد الله بن عبّاسرضي‌الله‌عنه ، حين سيّره عبد الله بن الزبير مِن مكّة إلى الطائف كتاباً نسخته :

أمّا بعد ؛ فقد بلغني أنّ عبد الله بن الزبير سيّرك إلى الطائف ، فأحدث الله لك بذلك أجراً وحطّ به عنك وزراً ، يا ابن عم ، إنّما يُبتلى الصالحون ، وتعدّ الكرامة للأخيار ، ولو لم تُؤجر إلاّ فيما تحبّ لقلّ الأجر ، وقد قال الله تعالى :( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) الآية ، عزم الله لنا ولك بالصبر على البلاء والشكر على النعماء ، ولا أشمت بنا الأعداء ، والسلام) (٣) .

وقال ابن حجر العسقلاني في كتاب التفسير من( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ : ٩٠٦/ ١٥٣٥ .

(٢) وفيات الأعيان ٤ : ١٧٢/ ٥٥٩ .

(٣) الفرج بعد الشدّة : ٤٢ .

١٣٤

 ( وكان محمّد بن عليّ بن أبي طالب المعروف بابن الحنفيّة وعبد الله بن عبّاس مُقيمين بمكّة ، مذ قتل الحسين ، فدعاهما ابن الزبير إلى البيعة له فامتنعا وقالا : لا نُبايع حتّى يجتمع الناس على خليفة ، وتبعهما على ذلك جماعة ، فشدّد عليهم ابن الزبير وحصرهم ، فبلغ المختار ، فجهّز إليهم جيشاً ، فأخرجوهما واستأذنوهما في قتال ابن الزبير ، فامتنعا وخرجا إلى الطائف فأقاما بها ، حتّى مات ابن عبّاس سنة ثمان وستّين ، ورحل ابن الحنفيّة بعده إلى جهة رضوى ـ جبل بينبع ـ فأقام هناك ، ثمّ أراد دخول الشام فتوجّه إلى نحو أيله ، فمات في آخر سنة ثلاث أو أوّل سنة أربع وسبعين ، وذلك عقب قتل ابن الزبير ، على الصحيح ، وقيل : عاش إلى سنة ثمانين أو بعد ذلك ، وعند الواقدي أنّه مات بالمدينة سنة إحدى وثمانين ، وزعمت الكيسانيّة أنّه حيٌّ لم يمت ، وأنّه المهدي ، وأنّه لا يموت حتّى يملك الأرض ، في خرافات لهم كثيرة ليس هذا موضعها ، وأنا لخّصت ما ذكرته من طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وغيرهما لبيان المراد .

وروى الفاكهي من طريق سعيد بن محمّد بن جُبير بن مطعم عن أبيه قال : كان ابن عبّاس وابن الحنفيّة بالمدينة ، ثمّ سَكَنا مكّة ، فطلب منهما ابن الزبير البيعة فأبيا حتّى يجتمع النّاس على رجل ، فضيّق عليهما ، فبعثا رسولاً إلى العراق ، فخرج إليهما جيش في أربعة آلاف ، فوجدوهما محصورين وقد اُحضر الحطب فجعل على الباب يخوّفهما بذلك ، فأخرجوهما إلى الطائف ، وذكر ابن سعد أنّ هذه القصّة وقعت بين ابن الزبير وابن عبّاس في سنة ست وستّين) (١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح البخاري ٨ : ٢٦٢ .

١٣٥

رواية موضوعة عن ابن عبّاس في مدح ابن الزبير

هذا ، والعجب أنّهم قد وضعوا عن ابن عبّاس كلاماً في مدح عبد الله بن الزبير ، ورواه البخاري في كتابه المشهور( الصحيح ) حيث قال :

( حدّثني عبد الله بن محمّد ، قال : حدّثني يحيى بن معين قال : حدّثنا حجّاج قال ابن جريح : قال ابن أبي مليكة ـ وكان بينهما شيء ـ فغدوت على ابن عبّاس فقلت : أتريد أنْ تُقاتل ابن الزبير فتحلّ حرم الله ؟ فقال : معاذ الله ، إنّ الله كتب ابن الزبير وبني أُميّة محلّين ، وإنّي والله لا أُحلّه أبداً .

قال : قال الناس بايع لابن الزبير فقلت : وأين بهذا الأمر عنه ، أمّا أبوه فحواري النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يريد الزبير ـ وأمّا جدّه فصاحب الغار ـ يريد أبا بكر ـ وأُمّه فذات النطاق ، يُريد أسماء ، وأمّا خالته فأُمّ المؤمنين ، يُريد عائشة ، وأمّا عمّته فزوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يُريد خديجة ، وأمّا عمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجدّته ، يُريد صفيّة ، ثمّ عفيفٌ في الإسلام ، قارئٌ للقرآن ، والله إنْ وصلوني وصلوني مِن قريب ، وإنْ ربوني ربوني أكفّاء كرام ، فآثر التوتيات والآسامات والحميدات ، يُريد : أبطُناً من بني أسد بني تويت وبني أُسامة وبني أسد ، إنّ ابن أبي العاص برز يمشي القدميّة يعني عبد الملك بن مروان ، وإنّه لوى ذنَبه يعني ابن الزبير) (١) .

وفي( فتح الباري ) :

( قوله : قال ابن أبي مليكة : وكان بينهما شيء ، كذا أعاد الضمير بالتثنية على غير مذكور اختصاراً ، ومراده ابن عبّاس وابن الزبير ، وهو صريح في

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٦ : ٨٣ كتاب التفسير ـ سورة براءة .

١٣٦

الرواية الأُولى .

قوله : محلّين ، أي أنّهم كانوا يبيحون القتال في الحرم ، وإنّما نسب ابن الزبير إلى ذلك ـ وإنْ كان بنو أُميّة هم الذين ابتدؤوه بالقتال وحصروه ، وإنّما بدا منه أوّلاً دفعهم عن نفسه ـ لأنّه بعد أنْ ردّهم الله عنه حصر بني هاشم ليبايعوه ، فشرع فيما يؤذن بإباحته القتال في الحرم ، وكان بعض النّاس يُسمّي ابن الزبير المحلّ لذلك...

قوله : لا أحلّه أبداً ، أي لا أبيح القتال فيه ، وهذا مذهب ابن عبّاس أنّه لا يقاتل في الحرم ولو قوتل فيه .

قوله قال : قال الناس : القائل هو ابن عبّاس ، وناقل ذلك عنه ابن أبي مليكة فهو متّصل ، والمراد بالنّاس من كان من جهة ابن الزبير .

وقوله : بايع ، بصيغة الأمر .

وقوله : وأين بهذا الأمر عنه ، أي الخلافة ، أي ليست بعيدة عنه ، لماله من الشرف بأسلافه الذين ذكرهم ، ثمّ صفته التي أشار إليها بقوله : عفيف في الإسلام قارئ القرآن .

قوله : وإنّه لوى ذنبه ، يعني ابن الزبير ، لوى بتشديد الواو وبتخفيفها أي ثناه ، وكنّى بذلك عن تأخّره وتخلّفه عن معالي الأُمور ، وقيل : كنّى به عن الجبن وإيثار الدعة ، كما تفعل السباع إذا أرادت النوم ، والأوّل أولى .

قال الداودي : المعنى أنّه وقف فلم يتقدّم ولم يتأخّر ، ولا وضع الأشياء مواضعها ، فأدنى الناصح وأقصى الكاشح) (١) .

وكأنّ واضع هذا الكلام قصد أداء شيء من حقوق ابن الزبير عليه من

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ : ٢٦٣ ـ ٢٦٥ .

١٣٧

أجل عدائه لأهل البيتعليهم‌السلام ، وإلاّ ، فإنّ مَن وصفه العلماء بأوصافٍ قالوا إنّه لا تصلح للخلافة ، كيف يصحّ لمثل ابن عبّاس أنْ يراه أهلاً للخلافة ويمدحه بمثل هذا الكلام ؟

ولكنّ واضعه لم يُحسن الوضع ، فإنّ ما جاء في أوّل العبارة من( إنّ الله كتب...) يدلّ على كون ابن الزبير وبني أُميّة سلكوا طريق إحلال الحرم وهتكوا حرمة البيت الحرام ، وأيضاً : فما جاء في آخرها من قوله :( لوى ذنبه ) تهجين لابن الزبير إذ شبّهه بالبهائم ، وهو كناية عن الجبن وإيثار الدعة ، أو كما قال بعض الشرّاح : يريد أنّه لم يتّزن لاكتساب المجد وطلب الحمد ولكنّه زاغ وتنحّى ، أو كما قال غيره : إنّه مَثَل لترك المكارم والإعراض عن المعروف وإيلاء الجميل ، ويجوز أنْ يكون كنايةً عن التخلّف .

بين عائشة وابن الزبير

وقد أساء ابن الزبير الأدب مع عائشة وتطاول عليها ، حتّى نذرت أنْ تهجره ولا تكلّمه أبداً ، وقد أخرج البخاري الخبر في كتاب الأدب من ( الصحيح )(١) .

وقال الحافظ السمهودي في( جواهر العقدين ) :

( وفي الصحيح أيضاً : قول عائشة : عليَّ نذر أنْ لا اُكلّم ابن الزبير أبداً قال ابن عبد البر : التقدير عليَّ نذر إنْ كلّمته انتهى وهو موافق للرواية الأُخرى : لله عليّ نذر إنْ كلّمته ، فالنذر معلَّق على كلامها له ؛ لأنّها نذرت ترك كلامه ، وجعلت الترك قربةً تلزم بالنذر ، وقصّتها في ذلك : أنّها رأت أنّ ابن

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٨ : ٢٥ كتاب الأدب ـ باب الهجرة...

١٣٨

الزبير قد ارتكب أمراً عظيماً حيث قال : أما والله لتنتهيّن عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرنّ عليها ، وكانت لا تمسك شيئاً ممّا جاءها من رزق بل تتصدّق به ، فرأت أنّ قوله ذلك جرأة عليها وتنقيصاً لقدرها ، بنسبتها إلى ارتكاب التبذير الموجب لمنعها من التصرّف ، مع كونها أُمّ المؤمنين وخالته أُخت أُمّه ، ولم يكن أحد عندها في منزلته ، فرأت ذلك منه نوع عقوق ، فجعلت مجازاته ترك مكالمته ) (١) .

ومن الغرائب : احتجاج بعض فقهاء القوم بهذه الزلّة الكبيرة الصّادرة من ابن الزبير ، ولذا بادر ابن حزم إلى التشنيع عليه، فقال في( المحلّى ) :

( وأمّا الرواية عن ابن الزبير فطامّة الأبد ، لا ندري كيف استحلّ مسلم أنْ يحتجّ بخطيئة ووهلة وزلّة كانت من ابن الزبير ، والله تعالى يغفر له ، إذ أراد مثله ـ مع كونه مِن أصاغر الصحابة ـ أنْ يحجر على مثل أُمّ المؤمنين ، التي أثنى الله تعالى عليها أعظم الثناء في نصّ القرآن ، وهو لا يكاد يتجزى منها في الفضل عند الله تعالى ، وهذا خبر رويناه من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عوف بن الإرث ابن أخي عائشة أُمّ المؤمنين لاُمّها : إنّ عائشة أُمّ المؤمنين حدّثت أنّ عبد الله بن الزبير قال في بيعٍ أو عطاءٍ أعطته : لتنتهينّ عائشة أو لأحجرنّ عليها فقالت عائشة : أوَ قال هذا ؟ قالوا : نعم ، فقالت عائشة : هو لله عليَّ نذر أنْ لا اُكلّم ابن الزبير كلمةً أبداً .

ثمّ ذكر الحديث بطوله وتشفّعه إليها وبكاؤه لعبد الرحمان بن الأسود بن عبد يغوث والمسور بن مخرمة الزهريين ، حتّى كلّمته ، وأعتقت في نذرها أنْ لا تكلّمه أربعين رقبة .

قال أبو محمّد : قد بلغت به عائشة رضي الله عنها [من] الإنكار حيث

ـــــــــــــــــــ

(١) جواهر العقدين : ٢١٥ ـ ٢١٦

١٣٩

بلغته، فلا يخلو الأمر من أنْ يكون ابن الزبير أخطأ وأصابت هي وهو كذلك بلا شك ، فلا يحتجّ بقولٍ أخطأ فيه صاحبه ، أو يكون ابن الزبير أصاب وأخطأت هي ، ومعاذ الله من هذا ومن أنْ تكون أُمّ المؤمنين تُوصف بسفهٍ وتستحق أنْ يحجر عليها ، نعوذ بالله من هذا القول فصحّ أنّ ابن الزبير أخطأ في قوله ) (١) .

فمن كلام ابن حزم والسمهودي يفهم أنّ ما صدر من ابن الزبير بحقّ عائشة كان طعناً عظيماً وقدحاً جسيماً ، يمنع منه الكتاب والسنّة ، ويقبّحه العقل ويذمّ عليه العقلاء... فكيف يجوز هذا عندهم وهم لا يجوّزون صدور معشاره من أحدٍ من الشيعة بالنسبة إلى عائشة ؟

محاولة التأويل

ولشدّة قبح ما كان بين ابن الزبير وعائشة ، وأنّه يستوجب الطعن في كليهما أو أحدهما في الأقل ، وهو ما لا يحتمَّل... حاول بعضهم تأويل الخبر ، ففي( الكواكب الدراري ) بشرحه :

( قال ابن بطال : فإنْ قلت : لِمَ هجَرَت عائشة ابن الزبير أكثر مِن ثلاثة أيّام ؟

قلت : معنى الهجرة ترك الكلام عند التلاقي ، وعائشة رضي الله عنها لم تكن تلقاه فتعرض عن السلام عليه ، وإنّما كانت مِن وراء الحجاب ، ولا يدخل عليها أحد إلاّ بالإذن ، فلم يكن ذلك من الهجرة ، ويدلّ عليه لفظ ( يلتقيان فيعرضِ ) إذ لم يكن بينهما لقاء فإعراض .

ـــــــــــــــــــ

(١) المحلّى في الفقه ٨ : ٢٩٢ ـ ٩٢٣ .

١٤٠