استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 456
المشاهدات: 209617
تحميل: 7048


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209617 / تحميل: 7048
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أنس بن مالك

أمّا أنَس بن مالك ، فهذه عدّةٌ من مطاعنه المُسقطة له عن العدالة ، والمُوجبة له العار والخسران وعذاب النيران :

كتمانه الشهادة

فمنها : كتمانه الشهادة بحديث الغدير ، مع أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ناشده به ، وطلب منه الشهادة ، ودعا عليه لمّا كتم ، فقد ذكر السيّد جمال الدين المحدّث الشيرازي في كتاب( الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ) في بيان تواتر حديث الغدير :

( ورواه زر بن حبيش فقال : خرج عليّعليه‌السلام من القصر ، فاستقبله ركبان متقلّدي السيف ، عليهم العمائم ، حديثي عهد بسفر فقالوا : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا مولانا .

فقال عليّعليه‌السلام بعدما ردّ السلام :( مَن هاهنا مِن أصحاب رسول الله ) ؟

فقام اثنا عشر رجلاً منهم : خلد بن زيد أبو أيّوب الأنصاري ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وثابت بن قيس بن شماس ، وعمّار بن ياسر ، وأبو الهيثم بن التّيهان ، وهاشم بن عتبة بن أبي وقّاص ، وحبيب بن بديل بن ورقاء ، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول :( مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه ) الحديث .

فقال عليّ لأنَس بن مالك والبرّاء بن عازب :( ما منعكما أنْ تقوما فتشهدا ، فقد سمِعتُما كما سمع القوم ) ؟

فقال :( اللّهمّ إنْ كانا كتماها معاندةً فأبلهما ) ؛ فأمّا البرّاء فعمي ، فكان يُسأل عن منزله فيقول : كيف يرشد مَن أدركته الدعوة ، وأمّا أنس فقد برصَت قدماه ، وقيل : لمّا استشهده عليّعليه‌السلام على قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه ) واعتذر بالنسيان فقال :( اللّهمّ إنْ كان كاذباً فأبلهِ ببياضٍ لا تواريه العمامة ) ، فبرص وجهه ، فسدل بعد ذلك برقعاً على وجهه ) .

١٦١

تحريف الحديث

وقد حرّف بعض علمائهم هذا الحديث ، فوضع بدل الاسم الصريح كلمة ( رجل ) تستّراً على أنَس بن مالك ، وخَجَلاً ممّا كان منه... فقد روى أبو نعيم الحافظ في( حلية الأولياء ) :

( حدّثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن كيسان ، ثنا إسماعيل ابن عمرو البجلي ، ثنا مسعر بن كدام ، عن طلحة بن مصرف ، عن عُميرة بن سعد قال : شهِدْت عليّاً على المنبر ناشداً أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وأنَس بن مالك ، وهم حول المنبر وعليّ على المنبر ، وحول المنبر اثنا عشر رجلاً هؤلاء منهم ، فقال عليّ : نشدتّكم بالله ، هل سمعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه ) ؟

فقاموا كلّهم فقالوا : اللّهمّ نعم ، وقعد رجل ، فقال :( ما منعك أنْ تقوم ) ؟

قال : يا أمير المؤمنين ، كبرت ونسيت .

فقال :( اللّهمّ إنْ كان كاذباً فاضربه ببلاءٍ حسن ) .

قال : فما مات حتّى رأينا بين عينيه نكتةً بيضاء لا تواريها العمامة .

غريبٌ مِن حديث طلحة ، تفرّد به مسعر عنه مطوّلاً ، ورواه ابن عائشة عن إسماعيل مثله ، ورواه الأجلح وهاني بن أيّوب عن طلحة مختصراً) (١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ٥ : ٢٧/ ٢٩٣ .

١٦٢

الكذب

ومنها : أنّه قد كذَب في قضيّة الطائر المشويّ المشهورة ، وفي بعض الروايات : إنّه قد تكرّر ذلك منه :

قال الحاكم في( المستدرك ) في الحديث :

( فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أنَس ، اُنظر من على الباب ؟ فقلت : اللّهمّ اجعله رجلاً مِن الأنصار ، فذهب فإذا عليٌّ بالباب ، فقلت : إنّ رسول الله على حاجة ) )(١) .

وفي( كنز العمّال ) :

( عن عمرو بن دينار ، عن أنَس قال : كنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بستان ، فأُهدي لنا طائر مشويّ ، فقال : اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك ، فجاء عليّ بن أبي طالب ، فقلت : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشغول ، فرجع ، ثمّ جاء بعد ساعة ودقّ الباب ، ورددته مثل ذلك ، ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أنَس ، افتح له ، فطالما رددته ) .

فقلت : يا رسول الله ، كنت أطمع أنْ يكون رجلاً مِن الأنصار فدخل عليّ بن أبي طالب فأكل معه من الطير ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المرء يحبّ قومه ) . كر وابن النجار )(٢) .

حضوره عند ابن زياد وهو ينكت ثنايا أبي عبد الله

ومنها : إنّه كان حاضراً عند عًُبيد الله بن زياد لمّا أُتي برأس الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد ، فجعل ينكت ثناياه ويقرعها بالقضيب ، قال

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ : ١٣٢ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) كنز العمّال ١٣ : ١٦٧/ ٣٦٥٠

١٦٣

البخاري :

( عن أنَس بن مالك قال : أُتي عُبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام ، فجُعل في طست ، فجَعل يَنكت وقال في حسنه شيئاً ، فقال أنَس : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان مخضوباً بالوسمة )(١) .

فقال العيني في ( عمدة القاري ) :

( قال سبط ابن الجوزي : أما كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنَس من الحقوق أنْ ينكر على ابن زياد فعله ويقبّح له ما وقع منه ، مِن قَرع ثنايا الحسين بالقضيب ، كما فعل زيد بن أرقم )(٢) .

طعن أبي حنيفة فيه

وأنَس بن مالك كان مطعوناً عند إمامهم الأعظم أبي حنيفة ، ذكر ذلك الزندويستي الحنفي ـ ومِن أكابر علماء القوم ، وصفه الكفوي في( كتائبه ) بأنّه : ( كان إماماً فقيهاً ورعاً )(٣) وترجم له عبد القادر في( طبقاته ) (٤) ـ حيث قال :

( رُوي عن أبي حنيفةرضي‌الله‌عنه أنّه سُئل فقيل له : إذا قلت قولاً ، وكان كتاب الله تعالى يُخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بكتاب الله تعالى ، فقيل : إذا كان خبر الرسول يُخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بخبر الرسول ، فقيل : إذا كان قول الصحابة يُخالف قولك ؟ فقال : أترك قولي بقول الصحابي ، فقيل له : إذا كان قول التابعين يُخالف قولك ؟ قال : إذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل .

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٥ : ٣٢ ـ ٣٣ كتاب المناقب ـ باب مناقب الحسن والحسين ( رضي الله عنهما ) .

(٢) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ١٦ : ٢٤١ وفيه : لكن الفحل ، بدل : كما فعل .

(٣) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط .

(٤) وذكره صاحب هديّة العارفين ١ : ٣٠٧ وأرّخ وفاته بحدود سنة ٤٠٠ .

١٦٤

ثمّ قال : أترك قولي بجميع قول الصحابة إلاّ ثلاثة منهم : أبو هريرة ، وأنَس ابن مالك ، وسمرة بن جندب .

قال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله : إنّما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنّهم مطعونون )(١) .

( وقد روى محمّد بن سليمان الكفوي في( كتائب الأعلام ) كلام أبي حنيفة حيث قال ـ بعد نقل كلام الصدر الشهيد في بيان وجه ترك أبي حنيفة أنَس بن مالك وأبا هريرة وعدم تقليدهما ـ : وأمّا سمرة فما وجدت في نسختي ثمّ ظفرت في روضة الزندويستي في الباب السابع والتسعين في فضل الصحابة قال فيه :

وتقليد الصحابة يجوز أم لا ؟ قال علماؤنا : في ظاهر الأُصول يجوز ، وأقاويل جميع الصحابة حجّة نعمل بها ، حتّى روي عن أبي حنيفة أنّه سُئل فقيل له : إذا قلت قولاً وكتاب الله يُخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بكتاب الله ، وقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقيل : إذا كان قول الصّحابة يُخالف قولك ؟ قال : أترك قولي بقول الصحابة ، فقيل : إذا كان قول التابعين يُخالف قولك ؟ قال : هُم رجال ونحن رجال .

ثمّ قال أبو حنيفة رحمه الله : أترك قولي بقول الصحابة ، إلاّ بقول ثلاثة منهم : أبو هُريرة ، وأنَس بن مالك ، وسمرة بن جندب .

قال الفقيه أبو جعفر الهندواني: وإنّما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة، لأنّهم مطعونون )(٢) .

وأيضاً : قال الكفوي في ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب نعمان المختار ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) روضة العلماء ، ذكره له صاحب كشف الظنون ١ : ٩٢٨ .

(٢) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط .

١٦٥

 ( قال الصدر الشهيد أيضاً : عن أبي حنيفة روايتان :

الأوّل : أنّه قال أُقلّد مَن كان مِن القضاة المفتين مِن الصحابة ؛ لقوله : اقتدوا باللذين مِن بعدي أبي بكر وعمر ، وقد اجتمع في حقّهما القضاء والفتوى ، فمن كان بمثابتهما مثل : عثمان وعليّ والعبادلة الثلاثة وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل ، وغيرهم ممّن كان في معناهم ، فأُقلدهم ولا أستجيز خلافهم برأيي ، وخرج عن هذا جماعة منهم : أبو أمامه وسهل بن سعد الساعدي ، وأبو حميد الساعدي ، والبرّاء ابن عازب وغيرهم .

والثاني : قال : أُقلّد جميع الحصابة ، ولا أستجيز خلافهم برأيي إلاّ ثلاثة نفر : أنَس بن مالك ، وأبو هريرة ، وسمرة بن جندب .

فقيل له في ذلك .

فقال : أمّا أنَس فقد بلغني أنّه اختلط عقله في آخر عمره ، وكان يستفتي من علقمة ، وأنا لا أُقلّد علقمة ، فكيف أُقلّد من يستفتي من علقمة ؟ )(١) .

كان يلبس الحرير

ومنها : إنّه كان يلبس الحرير كما في( الطبقات ) :

( عن عبد السلام بن شداد قال : رأيت على أنَس عمامةً حرير وجُبّة خزّ ومطرف خزّ .

فقالوا : مالك تنهانا عن الحرير وتلبسه أنت ؟

فقال : إنّ أُمراءنا يكسوناها ، فنحبّ أنْ يروه علينا )(٢) .

هذا ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في ( صحيح البخاري ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) كتائب أعلام الأخبار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط .

(٢) الطبقات الكبرى ٧ : ٢٣ ـ ٢٤ ، وفي نسخة ( الخز ) بدل ( الحرير ) .

١٦٦

 ( عن أبي ذبيان خليفة بن كعب قال : سمعت ابن الزبير يقول : سمعت عمر يقول : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة )(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قال : إنّما يلبس الحرير في الدنيا مَن لا خلاق له في الآخرة )(٢) .

تقصيره الصّلاة وتركه الصّيام مدّة سنتين

ومنها : أنّه لمّا ولّي سابور من قِبل الحجّاج ، بقي مدّة سنتين يقصّر الصلاة ، ولا يصوم شهر رمضان ، معتذراً بأنّه لا يدري مدّة بقائه هناك ، ومتى يعزل ؟

روى ذلك أبو هلال العسكري في كتاب( الأوائل ) الذي ترجم له العلماء وأثنوا عليه واعتمدوا على إخباراته... قال السيوطي في( بغية الوعاة ) :

( الحسن بن عبد الله بن سهل... كان موصوفاً بالعلم والفقه ، والغالب عليه الأدب والشعر ، وكان يتبزّز احترازاً من الطمع والدناءة ، روى عنه أبو سعد السمّان وغيره... له من التصانيف : كتاب صناعتي النظم والنثر ، مفيد جداً ، والتلخيص في اللغة ، جمهرة الأمثال ، شرح الحماسة ، مَن احتكم من الخلفاء إلى القضاء ، لحن الخاصّة ، الأوائل... قال ياقوت : لم يبلغني شيء في وفاته ، إلاّ أنّه فرغ مِن إملاء الأوائل يوم الأربعاء لعشرٍ خَلَت مِن شعبان سنة ٣٩٥)(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٧ : ١٩٤ كتاب اللباس ـ باب لبس الحرير...

(٢) صحيح البخاري ٧ : ١٩٤ كتاب اللباس ـ باب لبس الحرير...

(٣) بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنحاة ١ : ٥٠٦/ ١٠٤٦ .

١٦٧

أبو هريرة

وأمّا أبو هريرة ، فقوادحه ومطاعنه الشنيعة كثيرة ، فمنها :

مولاته عدوّ عليّ

إنّه كان من المنحرفين عن أمير المؤمنين ، ومن المؤيّدين لمعاوية رئيس الفئة الباغية ، حتّى لقد ذكّره الأصبع بن نباتة بذلك ، فلم يقل إلاّ : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فقد روى سبط ابن الجوزي في( تذكرته ) أنّه :

( قال أصبغ : فقلت له : يا معاوية ، لا تعتل بقتلة عثمان ، فإنّك لا تطلب إلاّ المُلك والسلطان ، ولو أردت نصرته [حيّاً] لفعلت ، ولكنّك تربّصت به وتقاعدت عنه لتجعل ذلك سبباً إلى الدنيا ، فغضب ، فأردت أزيده فقلت : يا أبا هريرة ، أنت صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اُقسم عليك بالله الذي لا إله إلاّ هو وبحقّ رسوله ، هل سمعت رسول الله يقول يوم غدير خم في حقّ أمير المؤمنين :( من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ) ؟

فقال : إي والله لقد سمعته يقول ذلك .

قال : فقلت : فإذن أنت يا أبا هريرة ، واليت عدوّه وعاديت وليّه ، فتنفّس أبو هريرة وقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون .

فتغيّر وجه معاوية وقال : يا هذا ، كفّ عن كلامك ، فلا تستطيع أنْ تخدع أهل الشام عن الطلب بدم عثمان ، فإنّه قُتل مظلوماً...)(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة الخواص من الأُمّة : ٨٣ ـ ٨٤ .

١٦٨

لعب القمار والشطرنج

وذكروا أنّه كان يلعب بالشطرنج ، وكان يُقامر... ففي( حياة الحيوان ) ـ في كلام له عن الشطرنج ـ :

( ورَوى الصعلوكي تجويزه عن عمر بن الخطّاب وأبي هريرة... والمروي عن أبي هريرة مِن أنّ اللعب به مشهورٌ في كتب الفقه )(١) .

وقال ابن الأثير :

( وفي حديث بعضهم قال : رأيت أبا هريرة يلعب السّدر ـ السدر لعبة يُقامر بها ـ وتُكسر سينها وتضم ، وهي فارسية معربة [عن ( سه در )] ، يعني ثلاثة أبواب )(٢) .

وفي( مجمع البحار ) : ( وحديث : رأيت أبا هريرة يلعب السّدر...)(٣) .

وقد نصَّ علماء القوم على حرمة اللعب بالشطرنج ، ونسب ابن تيميّة القول بالحرمة إلى جمهور العلماء ، قال :

( مذهب جمهور العلماء أنّ الشطرنج حرام ، وقد ثبت عن عليّ بن أبي طالب مرّ بقومٍ يلعبون الشطرنج فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ، وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عبّاس وابن عمر وغيرهم من الصحابة وتنازعوا في أنّ أيّهما أشدّ تحريماً : الشطرنج أو النرد ؟ فقال مالك : الشطرنج أشدّ من النرد ، وهذا منقول عن ابن عمر ؛ وهذا لأنّها

ـــــــــــــــــــ

(١) حياة الحيوان ( العقرب ) ٢ : ٦٢ .

(٢) النهاية في غريب الحديث ٢ : ٣٥٤ ( سدر ) .

(٣) مجمع البحار ( سدر ) .

١٦٩

تشغل القلب بالفكر الذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد وقال أبو حنيفة وأحمد : النرد أشد )(١) .

أبو هريرة في نظر الصحابة

وقد كان أبو هريرة متّهماً بالكذب والاختلاق على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الصحابة ، وعلى رأسهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان عمر وعثمان وعائشة أيضاً مِن الطاعنين عليه ، قال ابن قتيبة ـ في بحثٍ له مع بعضهم :

( فأمّا طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعليّ وعائشة له ، فإنّ أبا هريرة صحب رسول الله نحواً من ثلاثِ سنينٍ ، وأكثر الرواية عنه ، وعمَّر بعده نحواً مِن خمسين سنة ، وكانت وفاته سنة تسعٍ وخمسين... فلمّا أتى من الرواية عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما لم يأتِ بمثله من صحبه من أجلّة أصحابه والسابقين الأوّلين إليه ، اتّهموه وأنكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك ؟ ومن سمعه معك ؟ وكانت عائشة أشدّهم إنكاراً عليه لتطاول الأيّام بها وبه ، وكان عُمر أيضاً شديداً على مَن أكثر الرواية )(٢) .

والمؤيّدات لما أفاده ابن قتيبة في كُتب القوم كثيرة ، ومن ذلك : قولالشمس الخلخالي بشرح الحديث عن أبي هريرة :

( قوله : إنّكم تقولون ـ الخطاب للصحابة ـ : أكثر أبو هريرة عن النبيّ .

أي : أكثر الرواية عنهعليه‌السلام ، والله الموعد ، أي : لقاء الله موعدنا يعني مرجعنا .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٣ : ٤٣٧ ـ ٤٣٨ .

(٢) تأويل مختلف الحديث : ٤١ .

١٧٠

يعني به يوم القيامة ، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب لا محالة ؛ لأنّ الأسرار تنكشف هنالك )(١) .

فالقائلون والمتكلّمون في إكثار أبي هريرة هم ( الصحابة ) وقد كانوا يتّهمونه بالكذب ، وفي يوم القيامة يظهر الصادق والكاذب !

وقول القاري في( المرقاة ) بشرحه كذلك :

( وعنه ـ أي عن أبي هريرة ـ قال : إنّكم ، أي معشر التابعين ، وقيل : الخطاب مع الصحابة المتأخّرين ، تقولون : أكثر أبو هريرة ، أي الرواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله الموعد ، أي موعدنا ، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب ؛ لأنّ الأسرار تنكشف هنالك .

وقال الطّيبي : أي : لقاء الله الموعد ، أي موعدنا يوم القيامة ، فهو يُحاسبني على ما أزيد أو أنقص ، لا سيّما على رسول الله ، وقد قال :( مَن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّء مقعده من النّار ) )(٢) .

والحاصل : إنّ الصّحابة والتابعين كانوا يكذّبون أبا هريرة ، ولا يصدّقونه في روايته ، ولا يعتمدون عليه ولا يأخذون بها ، كما سيأتي عن عائشة .

وفي( الجمع بين الصحيحين ) عن أبي رزين قال :

( خرج إلينا أبو هريرة ، فضرب بيده على جبهته فقال : ألا إنّكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول الله...)(٣) .

وفي هذا دليلٌ واضح على أنّه كان في نظر القوم مفترياً على رسول الله...

ـــــــــــــــــــ

(١) المفاتيح في شرح المصابيح ـ مخطوط .

(٢) المرقاة في شرح المشكاة ٥ : ٤٥٨ .

(٣) الجمع بين الصحيحين ٣ : ١٢٣ / ٢٣٣٣ .

١٧١

وأمّا ما أشار إليه ابن قتيبة مِن ردود عائشة عليه ، وأنّه قد طال ذلك بينهما ، فإنّ موارد ردّها عليه كثيرة، يجدها المتتبّع في كتب القوم .

تكذيب عائشة أبا هريرة

من ذلك : حديثه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قال : مَن لَم يوتر فلا صلاة له ، فبلغ ذلك عائشة فقالت : [و] مَن سمع هذا من أبي القاسم ؟ [والله] ما بعُد العهد وما نسيت ،...)(١) .

ومن ذلك : حديثه في شرّ الثلاثة :

( ولمّا سمعَتْ أبا هريرة يروي أنّ ولد الزنا شرّ الثلاثة قالت : كيف يصحّ هذا ؟ وقد قال الله تعالى :( ... وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى... ) (٢) .

( وروي أنّ عائشة قالت لابن أُختها : ألا تعجب مِن كثرة رواية هذا الرجل ، ورسول الله حدّث بأحاديث لو عدّها عادٌّ لأحصاها )(٣) .

وهذا الحديث أبطله ابن عمر أيضاً ، والغالب على الظنّ أنّهم يُريدون بذلك الحماية عن أسلافهم وأكابرهم... فلا تغفل!! ففي( كنز العمّال ) :

( عن ميمون بن مهران : إنّه شهد ابن عمر صلّى على ولد الزنا ، فقيل له : إنّ أبا هريرة لم يصلّ عليه وقال : هو شرّ الثلاثة ، فقال ابن عمر : هو خير الثلاثة )(٤) .

ومن ذلك : حديثه إذ استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمسنّ يده في

ـــــــــــــــــــ

(١) المعجم الأوسط ٤ : ٣٩٣/ ٤٠١٢ .

(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٢٤ .

(٣) الأُصول لشمس الأئمّة السرخسي ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤١ .

(٤) كنز العمّال ٥ : ٤٦١/ ١٣٦١٧ و١١ : ٨٥/ ٣٠٧١٦ .

١٧٢

الإناء ، فقد أبطلته عائشة ووافقها ابن عبّاس(١) .

ومن ذلك : حديثه في المشي في خفٍّ واحد ، فقد روى ابن أبي شيبة ، عن ابن عيينة ، عن عبد الرحمان بن القاسم ، عن أبيه : ( إنّ عائشة كانت تمشي في خفٍّ واحدٍ وتقول : لأُخيفنَّ أبا هريرة )(٢) .

فإنّ هذا تكذيب منها لأبي هريرة ، ولا معنى له سوى ذلك ؛ لأنّه قد ادّعى سماع النهي عن المشي في خفٍّ واحدٍ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد جاء في( الجمع بين ا لصحيحين ) :

( عن أبي هريرة : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا يمشي أحدكم في نعلٍ واحدٍ ، لينعلهما أو ليخلعهما جميعاً ) . وفي رواية القعنبي : ليحفهما جميعاً أو لينعلهما جميعاً .

وأخرجه مسلم من حديث الأعمش عن أبي رزين قال : خرج إلينا أبو هريرة ، فضرب بيده إلى جبهته فقال : ألا إنّكم تحدّثون ، أنّي أكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتهتدوا وأضل ، ألا وإنّي أشهد لسمعت رسول الله يقول : إذا انقطع شِسْع أحدكم فلا يمشي في الأُخرى حتّى يصلحها )(٣) .

فهو يؤكّد على أنّه قد سمع من رسول الله ذلك... وقد كذّبته عائشة ؛ لأنّ من قال سمعته يقول كذا وكذا لا يتطرَّق إليه إلاّ التكذيب ، وهذا ما نصّ عليه ابن القيّم حيث قال : ( ومعلومٌ قطعاً ، أنّ تطرّق التكذيب إلى مَن قال سمعته يقول كذا أو أنّه لم يسمعه ، فإنّ هذا لا يتطرّق إليه إلاّ التكذيب ، بخلاف

ـــــــــــــــــــ

(١) شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب ١ : ١٨٤ .

(٢) المصنّف لابن أبي شيبة ٨ : ٢٢٩/ ٤٩٨٢ الباب ٨٤٦ .

(٣) الجمع بين الصحيحين ٣ : ١٢٣/ ٢٣٣٣ .

١٧٣

خبر مَن أخبر عمّا ظنّه من فعله وكان واهماً ، فإنّه لا يُنسب إلى الكذب ، وقد نزّه الله عليّاً وأنَساً والبَراء وحفصة عن أنْ يقول : سمعناه يقول كذا ولم يسمعوه )(١) .

ولتكنْ هذه الإفادة من ابن القيّم منك على ذكر ، فإنّها تفيد فائدةً عظيمةً في مواقع شتّى ، ثبت فيها ردّ بعض الصحابة على بعض فيما رووه من الأحاديث ، وادّعوا سماعه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن ذلك : حديثه : الشؤم في ثلاثة... إذ كذّبته عائشة وغضبت على أبي هريرة بشدّة ، قال أبو زرعة ولي الدين العراقي في( شرح الأحكام ) :

( الثالثة : اختلف النّاس في هذا الحديث على أقوال ، أحدها : إنكاره ، وإنّه عليه الصّلاة والسّلام إنّما حكاه عن معتقد أهل الجاهليّة رواه ابن عبد البر في التمهيد عن عائشة رضي الله عنها ، أنّها أخبرت أنّ أبا هريرةرضي‌الله‌عنه يحدّث بذلك عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فطارت شقّة منها في السماء وشقّه في الأرض ، ثمّ قالت :كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم ، من حدّث عنه بهذا ؟ ولكنْ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول :( كان أهل الجاهليّة يقولون : الطيرة في المرأة والدّار والدّابّة ) ، ثمّ قرأت عائشة :( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) .

فانظروا معاشر المتسنّنين ـ صانكم الله من التعصّب المُهين ـ إلى أمّكم الصدّيقة ، التي ترون أنّ خاتم النبيّين صلوات الله وسلامه عليه وأله أجمعين ،

ـــــــــــــــــــ

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ١ : ١٨٥ ما جاء عنه في الحج والعمرة ، فصلٌ في أعذار الذين وهموا في صفة حجّته .

١٧٤

قد أمر صحابته ـ فضلاً عن غيرهم ـ بأنْ يأخذوا عنها شطر الدين ، وتزعمون أنّ الفاسق عنها والمُعرّض بها والطاعن عليها من الهالكين المعاندين والخاسرين الجاحدين ، كيف ألقت جلباب الاستتار والخفاء عن انهماك أبي هريرة في الكذِب والافتراء ، حيث أبانت أنّه قد افترى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث أهل الجاهليّة الفجّار، وعزى إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هو من مقولات الكفّار وترّهات الأشرار، وصرّحت رافعةً عقيرتها بأنّه كذَب ، وهل بعد ذلك التصريح الصريح مجالٌ لريبةِ مرتاب ، أو فسحة لتأويل معاند كّذاب ؟ لا ، بل لو طاروا إلى السماء وغاروا في الغبراء ، وقاموا وقعدوا ، وتفيّروا وتربّدوا ، لما وجدوا حيل ، ولما ألفوا إلى الخلاص وسيلة ، وما زادهم التعمّق والتفكّر إلاّ انزعاجاً ، وما أورثهم الجدّ والجهد في التبرئة إلاّ اختلاجاً .

وهذا الحديث رواه ابن قتيبة أيضاً ، قال :

( حدّثني محمّد بن يحيى القطيعي قال : حدّثنا عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي حسّان الأعرج : إنّ رجلين دخلا على عائشة رضي الله عنها فقالا : إنّ أبا هريرة يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنّما الطيرة في المرأة والدابّة والدار ، فطارت شققاً ثمّ قالت : كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ، من حدّث بهذا عن رسول الله ؟ إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( كان أهل الجاهليّة يقولون : إنّ الطيرة في الدابّة والمرأة والدار ) ، ثمّ قرأت( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا... ) (١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تأويل مختلف الحديث : ٩٨ .

١٧٥

تحريف معنى الحديث

ومنهم مَن تأوّل هذا الحديث تأويلاً عجيباً ، وحرّفه تحريفاً معنويّاً ، إذ حمل ( الكذب ) على ( الغلط ) ، فقد قال أبو زرعة بعد العبارة السابقة : ( قال ابن عبد البر : و( كذب ) في كلامها بمعنى ( غلط ) وهو مردود بوجوه :

الأوّل : إنّه لم يأت له بشاهدٍ من الكتاب والسنّة ، وكلمات الفصحاء ، وأئمّة اللغة الثقات .

والثاني : إنّه خلاف المتبادر من لفظ ( الكَذِب ) ، فلو ثبت استعماله بمعنى ( الغلط ) فهو مجاز .

والثالث : إنّه خلاف السّياق ؛ لأنّ ( الغلط ) من المجتهد مأجور عليه ، فضلاً عن أنْ يستوجب الغضب والسّخط ، لكنّ عائشة لمّا سمعت هذا عن أبي هريرة طارت شقّة منها في السماء وشقّة في الأرض ، وهذا لا يتناسب مع ( الخطأ ) و( الغلط ) الذي لم تخلُ منه عائشة أيضاً .

وفي( فتح الباري ) :

( روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان : إنّ رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا : إنّ أبا هريرة قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :الطيرة في الفرَس والمرأة والدار ، فغضبت غضباً شديداً وقالت : ما قاله ، وإنّما قال :( إنّ أهل الجاهليّة كانوا يتطيّرون من ذلك ) (١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٦: ٤٧.

١٧٦

تكذيب عمر أبا هريرة

وعمر بن الخطّاب أيضاً ممّن كذّب أبا هريرة ، بل أوعده وهدّده ، قال السرخسي في كتاب( الأُصول ) :

( ولمّا بلغ عمر أنّ أبا هريرة يروي ما لا يعرف قال : لتكفّنّ عن هذا أو لألحقنّك بجبال دوس )(١) .

وفي( كنز العمّال ) :

( عن السائب بن يزيد قال : سمعت عمر بن الخطّاب يقول لأبي هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لألحقنّك بأرض دوس .

وقال لكعب : لتتركنّ الحديث أو لألحقنّك بأرض القردة كر )(٢) .

فلو لم يكن أبو هريرة يستحقُّ هذا التهديد والتحقير لكان عمر ظالماً جائراً ، ولو كان أبو هريرة صادقاً في إخباراته ورواياته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكان عمر مانعاً من إشاعة أقوال النبيّ وإرشاداته وأحكام الشّريعة وآدابها... وهذا ما لا تحتمله نفوس القوم .

عزله عن البحرين وهتكه

وأيضاً ، فقد عزله عن البحرين ، ونسبه إلى السرقة ، وهتك ناموسه وفضحه على رؤوس الأشهاد... قال الزمخشري في( الفائق ) :

( أبو هريرة : استعمله عمر على البحرين ، فلمّا قدم عليه قال له : يا عدوّ

ـــــــــــــــــــ

(١) الأُصول للسرخي ١ : ٣٤١ .

(٢) كنز العمّال ١٠ : ٢٩١/ ٢٩٤٧٢ .

١٧٧

الله وعدوّ رسوله ، سرقت من مال الله ؟! فقال : لست بعدوّ الله ولا عدوّ رسوله ، ولكنّي عدوّ من عاداهما ، وما سرقت ولكنّها سهام اجتمعت ونتاج خيل. فأخذ منه عشرة آلاف درهم ، فألقاها في بيت المال ، ثمّ دعاه إلى العمل فأبى ، فقال عمر : فإنّ يوسف قد سأل العمل ، فقال : إنّ يوسف منّي بريء وأنا منه براء ، وأخاف ثلاثاً واثنتين .

قال : أفلا تقول خمساً ؟ قال : أخاف أنْ أقول بغير حكم ، وأقضي بغير علم ، وأخاف أنْ يضرب ظهري ، ويشتم عرضي ، وأنْ يؤخذ مالي )(١) .

فكان أبو هريرة ـ في رأي عمر ـ يستحقّ العزل والإهانة والهتك ومصادرة الأموال ، حتّى خاطبه بـ( عدوّ الله وعدوّ رسوله ) ، ومن كان هذا حاله في نظر خليفتهم ، يكون أهلاً لأنْ يؤخذ منه معالم الدين من التفسير وغيره ؟

أبو هريرة عند أبي حنيفة

وكان أبو هريرة مطعوناً عند أبي حنيفة أيضاً ، كما جاء في( روضة العلماء ) في بيان وجه ترك أبي حنيفة روايات أبي هريرة وسمرة وأنَس ، حيث قال نقلاً عن أبي جعفر الهندواني :

( أمّا أبو هريرة ، فإنّه روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : مَن أصبح جنباً فلا صوم له ، قالت عائشة رضي الله عنها : أخطأ أبو هريرة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام، ثمّ يتمّ صومه وذلك في رمضان ، قال أبو هريرة : هي أعلم ، كنت سمعته من الفضل بن

ـــــــــــــــــــ

(١) الفائق في غريب الحديث ١ : ١٠٢ .

١٧٨

عبّاس ، والفضل كان يومئذٍ ميّتاً، فقد أحال خبره إلى الميّت، فصار مطعوناً )(١) .

وأورده الكفوي في( كتائب الأعلام ) كذلك...

وفيه ـ نقلاً عن الصدر الشهيد ـ في وجه عدم تقليد أبي حنيفة أبا هريرة :

( وأمّا أبو هريرة ، كان يروي كلّ ما بلغه وسمع ، من غير تأمّل في المعنى )(٢) .

أبو هريرة عند عيسى بن أبان

وفي( روضة العلماء ) أيضاً :

( وقال عيسى بن أبان : أُقلّد أقاويل جميع الصحابة إلاّ ثلاثة منه : أبو هريرة ووابصة بن معبد وأبو سنابل بن بعل )(٣) .

فلماذا يخالف الحنفيّة اليوم إمامهم في آرائه وفتاواه(٤) ؟ مع أنّ المستفاد مِن الكتب اتّباع السابقين منهم له في الطعن في أبي هريرة، ففي( المحلّى ) في مسألة الخيار :

( وأمّا احتجاج أبي حنيفة بحديث المصراة ، فطامّة من طوامّ الدهر ، وهو أوّل مُخالف له وزارٍ عليه وطاعن فيه ، ومخالف كلّ ما فيه ، فمرّةً يجعله ذو التورّع منهم منسوخاً بتحريم الربا ، وكذبوا في ذلك ، ما للربا هاهنا مدخل ، ومرّةً يجعلونه كذباً ويعرّضون بأبي هريرة ، والله تعالى يخزيهم [يجزيهم] بذلك في الدنيا والأُخرى ، وهم أهل الكذب لا الفاضل البرّ أبو هريرة رضي الله

ـــــــــــــــــــ

(١) روضة العلماء ـ مخطوط .

(٢) كتائب أعلام الأخيار ـ مخطوط .

(٣) روضة العلماء ـ مخطوط .

(٤) وهو : فقيه العراق ، تلميذ محمد بن الحسن ، وقاضي البصرة ، توفي سنة ٢٢١ كذا في سير أعلام النبلاء ١٠ : ٤٤٠ ، وتوجد ترجمته في تاريخ بغداد ١١ : ١٥٧ والجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة ١ : ٤٠١ وغيرهما .

١٧٩

عنه وعن جميع الصحابة ، وكبّ الطاعن على أحدٍ منهم لوجهه ومنخريه )(١) .

فإنّ ظاهر هذا الكلام متابعة الحنفيّة لإمامهم في رأيه حول أبي هريرة ، حتّى دعا عليهم ابن حزم وتكلّم فيهم...

ويُستفاد ذلك أيضاً مِن كلام الفخر الرازي في رسالته في( مناقب الشافعي ) إذ قال :

( وأمّا أصحاب الرأي ، فإنّ أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب ، فتارةً يرجّحون القياس على الخبر ، وتارةً بالعكس ، أمّا الأوّل فهو إنّ مذهبنا أنّ التصرية سبب مثبت للردّ ، وعندهم ليس كذلك ودليلنا : ما اُخرج في الصحيحين عن أبي هريرة...

واعلم أنّ الخصوم لمّا لم يجدوا لهذا الخبر تأويلاً البتّة ـ بسبب أنّه مفسّر في محل ّالخلاف ـ اضطرّوا إلى أن يطعنوا في أبي هريرة وقالوا: إنّه كان متساهلاً في الرواية، وما كان فقيهاً...)) .

فإنّ المراد من أصحاب الرأي هم الحنفيّة كما هو واضح .

ويُستفاد أيضاً من كلام ابن حجر في( فتح الباري ) :

( قال الحنابلة : واعتذر الحنفيّة عن الأخذ بحديث المصراة بأعذار شتّى ، فمنهم من طعن في الحديث ، لكونه من رواية أبي هريرة، ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصّحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفاً للقياس الجلي، وهو كلام آذى قائله به نفسه، وفي حكايته غنىً عن تكلّف الردّ عليه... وقال ابن السمعاني في الإصطلام : التعرّض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان

ـــــــــــــــــــ

(١) المحلّى في الفقه ٨ : ٣٧٢ .

١٨٠