استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 456
المشاهدات: 209298
تحميل: 7031


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209298 / تحميل: 7031
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فاعله، بل هو بدعة وضلالة... )(١) .

أبو هريرة عند محمّد بن الحسن

وأبو هريرة مطعون عند محمّد بن الحسن الشيباني أيضاً ، قال ابن حزم في( المحلّى ) في مسألة أحقّيّة البائع بالمتاع إذا أفلس :

( روينا مِن طريق أبي عبيد أنّه ناظر في هذه المسألة محمّد بن الحسن ، فلم يجد عنده أكثر من أنْ قال : هذا من حديث أبي هريرة .

قال أبو علي : نعم ، هو ـ والله ـ من حديث أبي هريرة البرّ الصّادق ، لا من حديث مثل محمّد بن الحسن الذي قيل لعبد الله بن المبارك : من أفقه أبو يوسف أو محمّد بن الحسن ؟ فقال : قل : أيّهما أكذب )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري ٤ : ٢٩٠ كتاب البيوع .

(٢) المحلّى في الفقه ٨ : ١٧٨ ـ ١٧٩.

١٨١

عبد الله بن عمر

وأمّا عبد الله بن عمر ، فإنّ مَن يقرأ سيرته يشهد بكونه مِن المنحرفين عن أمير المؤمنين وأهل البيت الطّاهرينعليهم‌السلام وله مساوئ غير ذلك .

إباؤه عن البيعة لأمير المؤمنين

فأوّل ما يجده هو امتناعه عن البيعة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بعد مقتل عثمان بن عفّان ، وقد بايعه جمهور المسلمين إلاّ من شذّ ، وقد جاء في الأخبار أنّ بعضهم قد ندم بعد ذلك ، ولات حين مندم ! ومِن هؤلاء عبد الله بن عمر... فإنّه روى ابن عبد البر وابن الأثير وغيرهما بترجمته بأسانيدهم ، عن حبيب بن أبي ثابت وعن غيره قال : ( قال ابن عمر حين حضره الموت : ما أجد في نفسي مِن الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية مع عليّ )(١) .

وقد نصّ ابن حجر في( فتح الباري ) على إباء ابن عمر عن البيعة مع الإمامعليه‌السلام ، وستسمع عبارته .

وقال سبط ابن الجوزي في( تذكرة خواصّ الأُمّة ) :

( قال ابن جرير : وممّن امتنع من بيعته : حسّان بن ثابت ، وأبو سعيد الخدري ، والنعمان بن بشير ، ورافع بن خديج ، في آخرين وفي زيد بن ثابت ومحمّد بن مسلمة خلاف ، وقال غير ابن جرير : لم يُبايعه قدامة بن مظعون

ـــــــــــــــــــ

(١) الاستيعاب ٣ : ٩٥٣ .

١٨٢

وعبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن عمر وسعد وصهيب وزيد بن ثابت وأُسامة بن زيد وكعب بن مالك وهرب قوم إلى الشام وهؤلاء يسمّون العثمانيّة )(١) .

بيعته ليزيد بن معاوية

لكن ابن عمر بايع يزيد بن معاوية ، كما في كتابَي ( البخاري ) و( مسلم )(٢) وغيرهما من مصادر الحديث والتاريخ... بل لقد دافع عن ذلك وحمل أهله وولده والناس على البيعة ، وإذا ثبت أنّه قد بايع ليزيد ، فقد ثبت كفره بلا ريب ؛ لأنّ الرضا بإمامٍ باطلٍ كفر ، كما نصّ عليه أئمّة القوم... قال أبو شكور محمّد بن عبد السعيد الكشفي الحنفي في( التمهيد في بيان التوحيد ) :

( ثمّ كلّ سؤال من جهة الخصم يكون مردوداً ؛ لموافقة عليّ لأبي بكر ، لأنّه وإنْ لم يُبايعه فسكت ولم يُخالفه ، وقد بيّنا أنّه بايعه بدليل ما ذكرنا ، ولو لم يصحّ خلافة أبي بكر لا يكون إماماً حقّاً ، لكان لا يجوز السكوت به والإغماض عنه ؛ لأنّ من رضي بإمامٍ باطلٍ فإنّه يكفر ) .

هذا ، وقد دافع بعض علماء الهند عن ابن عمر ، بحمل بيعته ليزيد على التقيّة والاضطرار ، لكنّهم غفلوا عمّا شنّع به أكابر طائفتهم على أهل الحق للقول بالتقيّة والعمل بها... لا سيّما في مقابلة القول بأنّ بيعة أمير المؤمنين وأصحابه مع المشايخ كانت عن تقيّةٍ واضطرار، فكيف يصحّ مع هذا حمل

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة خواصّ الأُمّة : ٦١ .

(٢) صحيح البخاري ٩ : ٧٢ كتاب الفتن ـ باب إذا قال عند قوم شيئاً ثمّ خرج فقال بخلافه ، صحيح مسلم ٣ : ١٤٧٨/ ١٨٥١ كتاب الإمارة الباب ١٣ .

١٨٣

بيعة ابن عمر مع يزيد على التقيّة ؟

وممّا يشهد بعدم كون بيعة عبد الله بن عمر هذه عن تقيّة : تعجّب الزهري من ذلك ، فيما رواه عنه سبط ابن الجوزي حيث قال : ( قال الزهري : والعجب أنّ عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقّاص لم يُبايعا عليّاً ، وبايعا يزيد ابن معاوية )(١) .

ومن هنا ، نجد أنّ بعض علماء الهند لمّا رأى ركاكة هذا العذر ، التجأ إلى إنكار البيعة مِن أصلها... لكنّ بيعته له الأُمور الثابتة غير القابلة للنفي والإنكار... كما أنّ موقفه من أهل المدينة وخلعهم يزيد بن معاوية مشهور ثابت .

قال ابن الملقّن في( شرح البخاري ) :

( بابٌ : إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه : الشرح : معنى الترجمة إنّما هو في خلْع أهل المدينة ليزيد بن معاوية ، ورجوعهم عن بيعته وما قالوا له ، وقالوا بغير حضرته خلاف ما قالوا بحضرته ، وذلك أنّ ابن عمر بايعه فقال عنده بالطاعة بخلافته ، ثمّ خشِي على بنيه وحشمه النكث مع أهل المدينة ، حيث نكثوا بيعة يزيد ، فوعظهم وجمعهم وأخبرهم أنّ النكث أعظم الغدر )(٢) .

وقال ابن حجر بشرحه :

( ووقع عند الإسماعيلي من طُرق مؤمّل بن إسماعيل ، عن حمّاد بن زيد ، في أوّله من الزيادة ، عن نافع : أنّ معاوية أراد ابن عمر على أنْ يُبايع

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة خواص الأُمّة : ٦١ .

(٢) شرح صحيح البخاري ـ كتاب الفتن ، باب : إذا قال عند قوم شيئاً...

١٨٤

ليزيد ، فأبى وقال : لا أُبايع لأميرين ، فأرسل إليه معاوية بمئة ألف درهم فأخذها ، فدّس إليه رجلاً فقال له : ما يمنعك أنْ تُبايع ؟ فقال إنّ ذاك لذاك ، يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة ، إنّ ديني عندي إذاً لرخيص ، فلمّا مات معاوية كتب ابن عمر إلى يزيد ببيعته ، فلمّا خلع أهل المدينة ، فذكره...)(١) .

وقال ابن حجر في ( باب ما كان من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُواسي بعضهم بعضاً في الزراعة والثمرة ) من كتاب المزارعة في شرح حديث نافع : ( إنّ ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، وصدراً من إمارة معاوية ) :

( قوله : وصدراً من إمارة معاوية ، أي خلافته ، وإنّما لم يذكر ابن عمر خلافة عليّ ؛ لأنّه لم يُبايعه ، لوقوع الاختلاف عليه ، كما هو مشهور في صحيح الأخبار ، وكان رأي ابن عمر أنْ لا يُبايع لِمن لم يجتمع عليه الناس ، ولهذا لم يُبايع أيضاً لابن الزبير ولا لعبد الملك ، في حال اختلافهما ، وبايع ليزيد بن معاوية ، ثمّ لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير )(٢) .

وقال الشهاب القسطلاني :

( عن نافع مولى ابن عمر أنّه قال : لمّا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ، وكان ابن عمر لمّا مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته...)(٣) .

ثمّ إنّهم رَوَوا عن ابن عمر أنّه مدح يزيد في جمعٍ مِن خلفائهم وقال :

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ : ٥٩ .

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٥ : ١٩ .

(٣) إرشاد الساري في شرح صحيح البخّاري ١٠ : ١٩٩ .

١٨٥

 ( كلّهم صالح لا يوجد مثله )... ومن رواته السيوطي في( تاريخ الخلفاء ) وهذه عبارته :

( أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمر قال : أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه ، عُمر الفاروق قرنٌ من حديد أصبتم اسمه ، ابن عفّان ذو النّورين قُتل مظلوماً يُؤتى كفلين من الرّحمة ، معاوية وابنه مَلِكا الأرض المقدّسة ، والسّفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب ، كلّهم من بني كعب ابن لؤي ، كلّهم صالح لا يوجد مثله .

قال الذهبي : له طُرق عن ابن عمر ، ولم يرفعه أحد )(١) .

فمن العجيب جدّاً ، أنْ يمتنع ابن عمر عن البيعة لأمير المؤمنين ، ثمّ يُبايع يزيد ويمدحه بمثل هذا الكلام ؟

بل إنّه كان لا يربّع بالإمامعليه‌السلام ، كما هو ظاهر الحديث المتقدّم وصريح الحديث في( كنز العمّال ) قال :

( عن عبد الله بن عمر قال : يكون على هذه الأُمّة اثنا عشر خليفة : أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفّان ذو النّورين قتل مظلوماً أُوتي كفلين من الرحمة ، ملك الأرض المقدّسة معاوية وابنه ، ثمّ يكون السفّاح والمنصور وجابر والأمين وسلام وأمير العصب ، لا يُرى مثله ولا يدرى مثله ، كلّهم من بني كعب بن لؤي... ) .

هذا، ولا يخفى أنّه في بعض نسخ ( الكتابين المذكورين ) نقل هذا الكلام عن ( عبد الله بن عمرو ) بدلاً عن ( عبد الله بن عمر )(٢) ، وسواء كان قائل

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الخلفاء : ١٦٧ ـ ١٦٨ .

(٢) كنز العمّال ١١ : ٢٥٢/ ٣١٤٢١ .

١٨٦

هذا الكلام ابن عمر أو ابن عمرو بن العاص أو كلاهما، فإنّه يدلُّ على كفر قائله وضلاله .

ابن عمر في نظر عائشة

وقد أكثرت عائشة من الردّ على عبد الله بن عمر ، وأبطلت قوله في مسائل عديدة ، فقد أخرج مسلم في ( الصحيح ) قال :

( حدّثني هارون بن عبد الله ، أخبرنا محمّد بن بكر البرساني ، أخبرنا ابن جريج قال : سمعت عطاء يخبر قال : أخبرني عروة بن الزبير قال : كنت أنا وابن عُمر مُستندين إلى حجرة عائشة ، وإنّا لنسمع ضربها بالسواك تستن .

قال : فقلت : يا أبا عبد الرحمان ! اعتمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجب ؟

قال : نعم .

فقلت لعائشة : يا أُمّتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان ؟

قالت : وما يقول ؟

قلت : يقول : اعتمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجب .

فقالتْ : يغفر الله لأبي عبد الرحمان ، لعمري ما اعتمر في رجب ، وما اعتمر مِن عمرة إلاّ وإنّه لَمَعه .

قال : وابن عمر يسمع ، فما قال لا ولا نعم ، سكت )(١) .

وقال ابن القيّم في( زاد المعاد ) :

( أمّا عذر مَن قال : اعتمر في رجب ، فحديث عبد الله بن عمر : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم بن الحجاج ٢ : ٩١٦/ ١٢٥٥ كتاب الحج الباب ٣٥ .

١٨٧

 اعتمر في رجب ، متّفقٌ عليه ، وقد غلّطته عائشة وغيرها كما في الصحيحين عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى ، قال : فسألناه عن صلاتهم ، فقال : بدعة ، قلنا له : كم اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : أربعاً ، إحداهنّ في رجب فكرهنا أنْ نردّ عليه .

قال: وسمعنا استنان عائشة أمّ المؤمنين في الحجرة ، فقال عروة : يا اُمة أو يا أُمّ المؤمنين ! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان ؟

قالت : ما يقول ؟

قال : يقول : إنّ رسول الله اعتمر أربع عُمَر ، إحداهنّ في رجب .

قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمان، ما اعتمر [رسول الله] عمرة قط إلاّ وهو شاهد ، وما اعتمر في رجب قط وكذلك قال أنَس وابن عبّاس أنّ عمره كلّها كانت في ذي القعدة ، وهذا هو الصواب )(١) .

وفي( صحيح البخاري ) :

( عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضّحى .

قال : فسألناه عن صلاتهم ؟ فقال : بدعة ، ثمّ قال له : كم اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : أربع ، إحداهنّ في رجب ، فكرهنا أنْ نردّ عليه .

قال : وسمعنا استنان عائشة أُمّ المؤمنين في الحجرة ، فقال عروة : يا أُمّاه ! يا أُمّ المؤمنين ! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان ؟

قالت : ما يقول ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ١ : ١٨٣ ـ ١٨٤

١٨٨

قال : يقول : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتمر أربع عمرات ، إحداهنّ في رجب .

قالت : يرحم الله أبا عبد الرحمان، ما اعتمر عمرةً إلاّ وهو شاهده ، وما اعتمر في رجب قط )(١) .

وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي مليكة :

( قال : توفّيت ابنة لعثمانرضي‌الله‌عنه بمكّة ، وجئنا لنشهدها ، وحضرها ابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم... فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهى عن البكاء ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه ) .

فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما : قد كان عمر يقول بعض ذلك... فذكرت ذلك لعائشة فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدّث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الله ليعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه ) .

قال : وقالت عائشة : حسبكم القرآن( ... وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى... ) .

قال ابن أبي مليكة : والله ما قال ابن عمر شيئاً )(٢) .

وأخرج الطبراني عن موسى بن طلحة :

( قال : بلغ عائشة أنّ ابن عمر يقول : موت الفجأة سخطة على المؤمنين .

فقالت [عائشة] : يغفر الله لابن عمر ، إنّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٣ : ٣ أبواب العُمرة ـ باب كم اعتمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٠١ كتاب الجنائز ـ باب قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُعذّب الميّت ببعض بكاء أهله عليه ، صحيح مسلم ٢ : ٦٤١/ ٩٢٨ كتاب الجنائز الباب ٩ .

١٨٩

: موت الفجأة تخفيفٌ على المؤمنين وسخطة على الكافرين )(١) .

وأخرج أحمد ، عن يحيى بن عبد الرحمان، عن ابن عمر ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(الشهر تسع وعشرون ) ، فذكروا ذلك لعائشة ، فقالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ، إنّما قال الشهر لم ترد يكون تسعاً وعشرين )(٢) .

وأخرج البخاري عن ابن عمر :

( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :إنّ بلالاً يؤذّن بليل ، فكلوا واشربوا حتّى يؤذّن ابن أُمّ مكتوم )(٣) .

والبيهقي ، عن عروة ، عن عائشة :

( قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ ابن أُمّ مكتوم رجلٌ أعمى ، فإذا أذّن فكلوا واشربوا حتّى يؤذّن بلال ، وكان بلال يبصر الفجر ، وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر )(٤) .

فقال ابن حجر بشرحه :

( جاء عن عائشة أيضاً أنّها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول : إنّه غلط ، أخرج ذلك البيهقي ، من طريق الدراودي ، عن هشام ، عن أبيه عنها ، فذكر الحديث وزاد : قالت عائشة : وكان بلال يبصر الفجر قال : وكانت عائشة تقول : غلط ابن عمر )(٥) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المعجم الأوسط ٣ : ٤٠٢/ ٣١٥٠ .

(٢) مسند أ؛مد بن حنبل ٧ : ٧٧/ ٢٣٧٢٦ .

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٢٢٥ كتاب الشهادات ـ باب شهادة الأعمى .

(٤) سنن البيهقي ١ : ٣٨٢ .

(٥) فتح الباري ٢ : ٨١ .

١٩٠

ابن عمر عند سائر الصّحابة

وهكذا ، فقد ردّ عليه سائر الصحابة أقواله وأبطلوا آرائه ، قال السيوطي في كتاب( الإتقان في علوم القرآن ) :

( وإنْ عبّر واحدٌ بقوله : نزلت في كذا ، وصرّح الآخر بذكر سبب خلافه ، فهو المعتمد وذاك استنباط ، مثاله : ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال : أُنزلت( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ... ) في إتيان النساء في أدبارهنّ ، وتقدّم عن جابر التصريح بذكر سبب خلافه ، فالمعتمد حديث جابر ؛ لأنّه نقل ، وقول ابن عمر استنباط منه ، وقد وهّمه فيه ابن عبّاس ، وذكر مثل حديث جابر ، كما أخرجه أبو داود والحاكم )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ١ : ١١٧

١٩١

عبد الله بن عمرو بن العاص

وأمّا عبد الله بن عمرو بن العاص ، فتفسيره كان ( ممّا يحمله عن أهل الكتاب ) كما نصَّ عليه السيوطي ، وهذا يكفي للدلالة على عدم الاعتبار بتفسيره .

وتوضيح ذلك : أنّه ذكروا أنّه قد حصل في حرب اليرموك على كتب لأهل الكتاب ، فكان ينقل عنها الأخبار الإسترائيليّات ويحدّث بها ، ولذا قسّموا الصحابي إلى مَن أخذ عن الإسرائيليّات ومَن لم يأخذ ، قال القاري :

( الذي عرف بالنظر في الإسرائيليّات ، أي مِن كتب بني إسرائيل أو مِن أفواههم... كعبد الله بن سلام وكعبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنّه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من أهل الكتاب ، وكان يُخبر بما فيها مِن الأُمور المغيَّبة ، حتّى كان بعض أصحاب رسول الله ربّما قال : حدِّثْنا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تحدّثنا من الصحيفة ذكره السخاوي)(١) .

وقال اللقاني في( الوطر مِن نزهة النظر ) :

((مثال الصحابي الذي لم يأخذ ع الإسرائيليّات : أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ .

ومثال من أخذ : عبد الله بن سلام ، وقيل : عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنّه لمّا فتح الشام ، أخذ حمل بعير من كتب أهل الكتاب وكان يحدّث منها ، فلذا اتّقاه الناس فقلَّ حديثه ، وإنْ كان أكثر حديثاً مِن أبي هريرة باعترافه ،

ـــــــــــــــــــ

(١) شرح شرح نخبة الفكر : ٥٤٩ .

١٩٢

والمراد بها قصص بني إسرائيل وما جاء في كتبهم ) .

وعلى الجملة ، فالرجل ممّن يُتّقى حديثه... فلا حاجة إلى ذكر سائر مطاعنه... ومع ذلك نذكر شيئاً منها :

خروجه لقتال الإمام في صفّين

ومن أعظم معاصيه ، بل من أكبر الأدلّة على كفره : خروجه لحرب أمير المؤمنينعليه‌السلام في صفّين ، ثمّ إنشاؤه الأشعار في التبجّح والافتخار بذلك !

فقد أخرج الحاكم في( المستدرك ) قال :

( قال له أبوه يوم صفّين : أخرج فقاتل قال : يا أبتاه ، أتأمرني أنْ أخرج فأُقاتل ، وقد كان من عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قد سمعت ، قال : أُنشدك بالله ، أتعلم أنّ ما كان من عهد رسول الله إليك أنّه أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال : أطع أباك عمرو بن العاص ؟ قال : نعم ، قال : فإنّي آمرك أنْ تقاتل ، قال : فخرج يُقاتل ، فلمّا وضعت الحرب ، قال عبد الله :

لو شهدت جمل مقامي ومشهدي

بصفّين يوم شاب منها الذوائب

عشيّة جاء أهل العراق كأنّهم

سحاب ربيع زعزعته الجنائب

إذا قلت قد ولّوا سراعاً ثبتت لنا

كتائب منم وارجحنّت كتائب

فقالوا لنا إنّا نرى أن تبايعوا

عليّاً فقلنا بل نرى أنْ تضاربوا)

وقال ابن الأثير في( أُسد الغابة ) :

( وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك ، وشهد معه أيضاً صفّين ، وكان على

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٢٧ كتاب معرفة الصحابة .

١٩٣

الميمنة ، قال له أبوه : يا عبد الله ، اُخرج فقاتل .

فقال : يا أبتاه أتأمرني أنْ أخرج فأُقاتل ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعهد إليِّ ما عهد ؟ قال : إنّي أُنشدك الله يا عبد الله ، ألم يكن آخر ما عهد إليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أخذَ بيدك ووضعها في يدي وقال :( أطع أباك ) ؟

قال : اللّهمّ بلى .

قال : فإنّي أعزم عليك أنْ تخرج فتقاتل .

فخرج وتقلّد سيفين .

وندم بعد ذلك ، فكان يقول : مالي ولصفّين ، مالي ولقتال المسلمين ، لوددت أنّي متُّ قبله بعشرين سنة )(١) .

قالوا : ولمّا عرض عمرو بن العاص على أبي موسى ابنه عبد الله بن عمرو ، قال أبو موسى : ( قد غمست يده في هذه الفتنة ، ولا يكون ذلك )(٢) .

هذا ، وقد نصّ بعض علماء القوم على أنّ محاربة الإمام أمير المؤمنين من أعظم الكبائر(٣) .

تكذيب معاوية روايته

والعجب أنّه مع ذلك ، يكذّب معاوية في روايةٍ رواها ، ويحذّر الناس من أن يقبلوها، فقد روى البخاري في ( الصحيح ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ٣ : ٢٤٦/ ٣٠٩٠ .

(٢) الفصول المهمّة : ٩٩ ، تذكرة خواصّ الأُمّة في معرفة الأئمّة : ٩٧ .

(٣) التحفة الاثنا عشريّة : ٣٨٨

١٩٤

 ( عن الزهري قال : كان محمّد بن جُبير بن مطعمٍ يحدّث أنّه بلغ معاوية ـ وهو عنده في وفدٍ مِن قريش ـ أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان .

فغضب معاوية ، فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّه بلغني أنّ رجالاً منكم يتحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله ، لا تؤثر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأولئك جهّالكم ، فإيّاكم والأماني التي تضلّ أهلها ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( إنّ هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين ) )(١) .

أقول :

فهذا مجمل أحوال المفسّرين عند القوم من الصحابة .

وإذا ثبت جرحهم ، فلا حاجة إلى التكلّم في أحوال أئمّة التفسير منهم في سائر الطبقات ، كما هو واضح .

ومع ذلك ننتقل إلى طبقة التابعين...

ـــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢١٧ ـ ٢١٨ كتاب المناقب ـ باب مناقب قريش .

١٩٥

طبقة التابعين

قال السيوطي :

( ومن ذلك طبقة التابعين .

قال ابن تيميّة : أعلم الناس بالتفسير أهل مكة ؛ لأنّهم أصحاب ابن عبّاس ، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عبّاس وسعيد بن جُبير وطاووس وغيرهم وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود ، وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم ، الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمان ابن زيد ، ومالك بن أنَس .

فمن المبرّزين منهم : مجاهد ، قال الفضل بن ميمون : سمعت مجاهداً يقول : عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة .

وعنه أيضاً قال : عرضت المصحف على ابن عبّاس ثلاث عرضات ، أقف عند كلّ آية منه وأسأله عنها ، فيم نزلت وكيف كانت .

وقال خصيف : كان أعلمهم بالتفسير مجاهد .

وقال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به .

وقال ابن تيميّة : ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم .

قلت : وغالب ما أورده الفريابي في تفسيره منه ، وما أورده فيه عن ابن عبّاس أو غيره قليل جدّاً.

ومنهم : سعيد بن جُبير ، قال سفيان الثوري : خذوا التفسير عن أربعة :

عن سعيد بن جُبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك .

وقال قتادة : كان أعلم التابعين أربعة : كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك ، وكان سعيد بن جُبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسيَر ، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام .

ومنهم : عكرمة مولى ابن عبّاس ، قال الشعبي : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله مِن عكرمة وقال سماك بن حرب : سمعت عكرمة يقول : لقد فسّرت ما بين اللّوحين ، وقال عكرمة : كان ابن عبّاس يجعل في رجلي الكبل ، ويعلّمني القرآن والسنن ، وأخرج ابن أبي حاتم عن سماك قال : قال عكرمة : كلّ شيء أُحدّثكم في القرآن فهو عن ابن عبّاس .

١٩٦

ومنهم : الحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء بن أبي سلمة الخُراساني ، ومحمّد بن كعب القرظي ، وأبو العالية، والضحاك بن مزاحم، وعطيّة العوفي ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، ومرّة الهمداني ، وأبو مالك .

ويليهم : الربيع بن أنَس ، وعبد الرحمان بن زيد بن أسلم ، في آخرين .

فهؤلاء قدماء المفسّرين ، وغالب أقوالهم تلقّوها عن الصحابة )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٠ ـ ٢٤٢ .

١٩٧

مجاهـد

أمّا مجاهد ، الذي عرفته كما نقل السيوطي ، بل نص الذهبي في( ميزان الاعتدال ) على إجماعهم على إمامته وصحّة الاحتجاج به ، وأنّه أحد الأعلام الأثبات ، ونقل الشيخ عبد الحق الدهلوي بترجمته في( رجال المشكاة ) عنه قوله : ( كان ابن عُمَر يأخذ لي في الركاب ويسوّي عليَّ ثيابي )

تفسيره من أهل الكتاب

فقد أورده الذهبي في( ميزان الاعتدال ) ، وذكر أنّ ابن حبّان أدرجه في الضعفاء ، قال : ( قال أبو بكر ابن عيّاش : قلت للأعمش : ما بال تفسير مجاهد مخالف ، أو شيء نحوه ؟ قال : أخذها من أهل الكتاب )(١)

اشتماله على المنكرات الشديدة

قال الذهبي :

( ومَن أنكر ما جاء عن مجاهد في التفسير ، في قوله :( ...عَسَى أَن يَبْعَثَكَ

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٣٩/ ٧٠٧٢ .

١٩٨

رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) قال : يجلسه معه على العرش )(١) .

فيا سبحان الله !! هذا حال تفسير أعلم التابعين بعلم التفسير ، والتفسير الذي عرض على ابن عبّاس ثلاثين مرّة !! وإذا كان هذا حاله فما ظنّك بسائر تفاسيرهم ؟

نسبته المعصية إلى يوسفعليه‌السلام

وقال الرّازي في ( تفسيره ) في قصّة يوسفعليه‌السلام :

( وأمّا الذين نسبوا المعصية إلى يوسفعليه‌السلام ، فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان أُموراً :

الأوّل : قالوا : إنّ المرأة قامت إلى صنم مكلّل بالدرّ والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال يوسف : لِمَ فعلت ذلك ؟ قالت : أستحيي من آلهي أنْ يراني على معصية ، فقال يوسف : أتستحين مِن صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحيي مِن إلهي القائم على كلّ نفسٍ بما كسبت ، فو الله لا أفعل ذلك أبداً قالوا : فهذا هو البرهان .

الثاني : نقلوا عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه تمثّل له يعقوب ، فرآه عاضّاً على أصابعه ويقول له : أتعمل عمل الفجّار وأنت مكتوب في زمرة الأنبياء ؟ قالوا : فاستحيى منه ، وهو قول عكرمة ومجاهد والحسن وسعيد بن جُبير ومقاتل وقتادة والضحّاك وابن سيرين .

قال سعيد بن جُبير : تمثّل له يعقوب ، فضرب في صدره ، فخرجت شهوته من أنامله... )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤٣٩/ ٧٠٧٢ .

(٢) تفسير الرازي ١٨ : ١٢٠ .

١٩٩

وقد نصّ الرازي على أنّ مَن نسب المعصية إلى يوسف فهو شرّ من إبليس ؛ لأنّه ـ بعد أنْ ذكر شهادة الله ، وشهادة من شهد ببراءة يوسف ، وكذا إقرار إبليس بذلك ـ قال :

( وعند هذا نقول : هؤلاء الجهّال الذين نسبوا إلى يوسفعليه‌السلام هذه الفضيحة ، إنْ كانوا مِن أتباع دين الله تعالى ، فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته ، وإنْ كانوا مِن أتباع إبليس وجنوده ، فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته ، ولعلّهم يقولون : كنّا في أوّل الأمر تلامذة إبليس ، إلى أنْ تخرّجنا عليه ، فزدنا عليه في السفاهة... )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ١٨ : ١١٧ .

٢٠٠