استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 456
المشاهدات: 209607
تحميل: 7048


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 209607 / تحميل: 7048
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فأقبل على سعد وقال : الآن ما ألوم ما كنت عندي ، والله لو سمعت هذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما زلت خادماً لعليّ حتّى أموت .

وأخرج الطبراني ـ في الأوسط والصغير ـ عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض ) .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الحقُّ مع عليّ وعليٌّ مع الحق ، لنْ يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض ) .

وأخرج الديلمي عن عمّار بن ياسر وأبي أيّوبرضي‌الله‌عنه ما ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمّار :( يا عمّار ، إنْ رأيت عليّاً قد سلَك وادياً وسلَك النّاس وادياً غيره ، فاسلك مع عليّ ودع النّاس ؛ إنّه لنْ يدلّك على الردَى ، ولنْ يُخرجك من الهدى ) .

وأخرج الحاكم عن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من أطاعني فقد أطاع الله عزّ وجلّ ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ، ومَن عصى عليّاً فقد عصاني ) .

وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمررضي‌الله‌عنه ما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن فارق عليّاً فارقني ، ومَن فارقني فارق الله ) .

٨١

وفي رواية الحاكم عن أبي ذررضي‌الله‌عنه مرفوعاً بلفظ :( مَن فارقك يا عليُّ فقد فارقني ، ومَن فارقني فقد فارق الله ) (١) .

وقال الشيخ عبد الحقّ الدهلوي في ( رجال المشكاة ) :

( ووردت أحاديثٌ كثيرةٌ في حقّانيّتهِ وعدم مفارقته للحق قطعاً .

أخرج الحاكم ـ وصحّحه ـ عن عليّرضي‌الله‌عنه قال :( بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، بعثتني [رسولاً] وأنا شابٌّ أقضي بينهم ، ولا أدري ما القضاء ؟ فضرَب في صدري ثمّ قال : اللّهمّ اهدِ قلبه وثبّت لسانه فو الذي فلق الحبّة ماشكَكْتُ في قضاءٍ بين اثنين ) .

وأخرج الحاكم ـ بسندٍ صحيح ـ عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ :( إنّكَ تُقاتل على تأويلِ القرآن ، كما قاتلتُ على تنزيله ) .

وأخرج الطبراني ـ في الأوسط والصغير ـ عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لا يفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ، الفصل ١٨ ـ مخطوط

٨٢

وأورد السيوطي في جمع الجوامع ، من رواية الحديث ، عن أنُس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنا وهذا حجّة يوم القيامة ) . يعني عليّاً .

وأورد الطبراني عن سلمان وأبي ذر معاً ، والعقيلي في الضعفاء ، وابن عدي في الكامل عن حذيفة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّ هذا أوّل من آمن بي ، وهو أوّل مَن يُصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأُمّة ؛ يفرّق بين الحقّ والباطل ، وهذا يعسوب المسلمين ، والمال يعسوب الظالمين ) ؛ قاله لعليّ .

إلى غير ذلك من الأحاديث) .

وقال الدهلوي في( إزالة الخفاء ) :

( أخرج الحاكم عن أبي ذر قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا عليّ ، مَن فارقني فقد فارق الله ، ومَن فارقك يا عليّ فقد فارقني ) .

وأخرج الحاكم عن أُمّ سلمة رضي الله عنها : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لنْ يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض ) .

وأخرج الحاكم عن عليّ قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( رحم الله عليّاً ، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار)) (١) .

وفي( كنز العمّال ) :

( تكون بين النّاس فُرقةٌ واختلاف ، فيكون هذا وأصحابه على الحقّ ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) إزالة الخفاء في تاريخ الخلفاء ، عن المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤ .

٨٣

يعني عليّاً عن كعب بن عجرة )(١) .

وفي ( مودّة القربى ) .

عن النبيّ : (أوّل ثلمة في الإسلام مخالفة عليّ ) (٢) .

وفي( الاكتفاء ) لليمَني الوصابي الشافعي :

( فصل فيما جاء من الأخبار أنّ عليّ بن أبي طالب على الحق .

عن أُمّ المؤمنين أُمّ سلمةرضي‌الله‌عنه ا قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ) . أخرجه أبو يعلى في المسند ، والضياء في المختارة .

وعن أبي سعيدرضي‌الله‌عنه ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الحقّ مع ذا ، الحق مع ذا ) ، مشيراً إلى عليّ بن أبي طالب أخرجه أبو يعلى في المسند ، والضياء في المختارة .

وعن كعب بن عجرةرضي‌الله‌عنه أنّ رسول الله قال :( سيكون بين يدَي السّاعة فُرقةٌ واختلاف ، فيكون هذا ـ مشيراً إلى عليّ بن أبي طالب ـوأصحابه على الحق ) . أخرجه الطبراني في الكبير.

وعن أبي ليلى الغفاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( سيكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه الفاروق بين الحق والباطل ) . أخرجه أبو نعيم في المعرفة.

وعن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ بن أبي طالب :( أما إنّك ستلقى بعدي جهداً قال : في سلامةٍ مِن ديني ؟ قال : نعم ) . أخرجه الحاكم في المستدرك.

٨٤

وعنه ـ يعني أنّ عليّرضي‌الله‌عنه قال ـ :

( قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أنْ تقول فيك طوائف من أُمتي ما قالت النصارى في المسيح ، لقُلتُ فيك قولاً ، ثمّ لا تمرّ بملأٍ إلاّ أخذوا مِن تراب رجليك وفضل طهورك أو يستشفون بك ، وحسبك أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وإنّك تُبرئ ذمّتي وتُقاتل على سنّتي ، إنّك في الآخرة معي ، وإنّك على الحوض خليفتي ، وإنّك أوّل من يُكسى معي ، وإنّك أوّل مَن يدخل الجنّة من أُمّتي ، وإنّ مُحبّيك على منابر من نورٍ مُبيضّةً وجوههم ، أشفع لهم ويكونوا غداً جيراني ، وإنّ حربك حربي وسلمك سلمي ، وسرّك سرّي وعلانتيك علانيتي ، وأمرك أمري وسريرة صدرك كسريرة صدري ، وإنّ ولدك ولدي ، وأنت مُنجز عداتي ، وإنّ الحقّ معك وعلى لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، والإيمان مخالطٌ بلحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وإنّه لنْ يرد على الحوض مُبغضٌ لك ، ولا يغيب عنك مُحبّ لك حتّى ترد الحوض معي ) .

قال : فخَرّ عليٌّرضي‌الله‌عنه ساجداً ثمّ قال :( الحمد لله الذي أنعم علَيّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلى خير البريّة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين ، إحساناً منه وتفضّلاً ) أخرجه ابن أُسبوع الأندلسي في كتابه الشفاء) (١) .

وقال البدخشي في( نُزل الأبرار ) وقد التزم فيه بالصحّة :

( أخرج أبو علي والضّياء عن أبي سعيدرضي‌الله‌عنه ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــــ

(١) الاكتفاء في مناقب الخلفاء ـ مخطوط .

٨٥

قال : ( الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا ) ، يعني علي بن أبي طالب ) (١) .

وفي ( كنز العمّال ) :

(الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا ، يعني عليّاً. ع ص عن أبي سعيد )(٢) .

وفي ( مودّة القربى ) :

( عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا ابن عبّاس ، عليك بعليّ ، فإنّ الحقّ على لسانه وإنّ النفاق بجانبه ، إنّ هذا قفل الجنّة ومفتاحها ، وقفل النّار ومفتاحها ، به يدخلون الجنّة وبه يدخلون النّار)) (٣) .

وقال الراغب الأصفهاني في( كتاب المحاضرات ) في فضائل سيّدنا أمير المؤمنين ( عليه الصلاة والسلام ) :

( وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ ، لنْ يزولا حتّى يردا عليّ الحوض)) (٤) .

وفي ( الصواعق المُحرقة ) :

( الحديث الحادي والعشرون : أخرج الطبراني في الأوسط والصغير ، عن أمّ سلمة قالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض )) (٥) .

وقال الحاكم النيسابوري :

( أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله الحفيد ، حدّثنا أحمد بن محمد بن

ـــــــــــــــــــ

(١) نزل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار : ٢٤ .

(٢) كنزل العمّال ١١ : ٦٢١/ ٣٣٠١٨ .

(٣) مودّة القربى : ٢٧ ، عنه ينابيع المودّة ٢ : ٣١١ .

(٤) محاضرات الأدباء ٤ : ٤٧٨ .

(٥) الصواعق المحرقة ٢ : ٣٦١ .

٨٦

نصر ، حدّثنا عمرو بن طلحة القنّاد الثقة المأمون ، حدّثنا عليّ بن هاشم بن البريد ، عن أبيه قال : حدّثني أبو سعيد التّميمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : كنت مع عليّ ( رضي‌الله‌عنه يوم الجمل ) ، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل النّاس ، فكشف الله عنّي ذلك عند صلاة الظهر ، فقاتلت مع أمير المؤمنين ، فلمّا فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيت أُمّ سلمة فقلت : إنّي والله ما جئت أسأل طعاماً ولا شراباً ولكنّي مولىً لأبي ذر ، فقالت : مرحباً ، فقصَصْتُ عليها قصّتي فقالت : أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قلت : إلى حيث كشف الله ذلك عنّي عند زوال الشمس قالت : أحسنت ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لنْ يتفرّقا حتّى يردا علّيّ الحوض ) . هذا حديثٌ صحيح الإسناد ، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ، ثقة مأمون ولم يُخرجاه .

أخبرنا أحمد بن كامل القاضي ، حدّثنا أبو قلابة ، حدّثنا أبو عتاب سهل ابن حمّاد ، حدّثنا المختار بن نافع التميمي ، حدّثنا أبو حيّان التيمي ، عن أبيه عن عليّرضي‌الله‌عنه قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله عليّاً ، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار ) . هذا حديثٌ صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه) (١) .

دلّت هذه الأحاديث المتكثّرة على أنّ الحقّ ما فارق عليّاًعليه‌السلام ولا لحظةً من حياته المباركة ، وأنّ حُروبه كلّها كانت على الحق ، وأنّ من تخلّف عنه فقد فارق الحق وكان على الباطل...

وقد خالف أبو موسى مقتضى هذه الأحاديث طلباً للحطام ومخالفة للإمامعليه‌السلام ، ومن العجب أنّ أبا موسى نفسه أيضاً مِن رواة هذا المعنى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما تقدّم... فما عذره عند الله ورسوله ممّا صنع ؟ بل الأشنع من ذلك تخذيله الناس عن الإمام ومنعه إيّاهم من نصرته ؟!

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤ كتاب معرفة الصحابة .

٨٧

وأمّا ما اعتذر به من أنّه سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( ستكون فتنة...) فيُبطله الأحاديث المتقدّمة ، لاسيّما وأنّه من الرواة فيها...

وأيضاً ، فقد أبطله وردّ عليه الصحابي العظيم عمّار بن ياسر ، فيما أخرجه أبو يعلى وابن عساكر ، والمتّقي الهندي عنهما :

( عن أبي مريم قال : سمِعت عمّار بن ياسر يقول : يا أبا موسى ، أُنشدك الله ، ألم تسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( من كذب عليَّ متعمّداً فيتبوّأ مقعده من النّار ) ؟ وأنا سائلك عن حديثٍ ، فإنْ صدقت وإلاّ بعثت عليك من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يُقررك به ، أُنشدك الله ، أليس إنّما عناك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنت نفسك فقال :( إنّها ستكون فتنة بين أُمتي ، أنت ـ يا أبا موسى ـفيها نائماً خير منك قاعداً ، وقاعداً خيرٌ منك قائماً ، وقائماً خيرٌ منك ماشياً ) ، فخصّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يعمّ النّاس ؟ فخرج أبو موسى ولم يرد عليه شيئاً ع ، كر ) أي : رواه أبو يعلى وابن عساكر(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) كنز العمّال ١١ : ٢٧٣/ ٣١٤٩٨ .

٨٨

قصّة التحكيم

وذاك موقف آخر من مواقف بغضه وعناده لأمير المؤمنينعليه‌السلام

وتخلّفه عن الحق ، وسقوطه في دركات الجحيم :

روى سبط ابن الجوزي في قضيّة التحكيم :

( فقال عمرو ـ يعني لأبي موسى ـ قد أردتك أنْ تُبايع معاوية فأبيت ، فهلمّ بنا نخلع عليّاً ومعاوية ، ونجعل الأمر شورى يختار المسلمون من شاؤوا وقيل : إنّ الذي ابتدأ بذلك أبو موسى ، فقال عمرو : نعم ما رأيت ، فأخبر النّاس إنّا قد اتفقنا على أمر فيه صلاح هذه الأُمّة ثمّ قال : يا أبا موسى ، قم فتكلّم فقال أبو موسى : قم أنت فقال : أنت صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يسعني الكلام قبلك فقال عبد الله بن عبّاس : ويحك يا عبد الله بن قيس ، والله إنّي لأظنّ ابن النابغة قد خدعتك ـ وكان أبو موسى رجلاً مغفّلاً ـ فقال : إنّا قد اتفقنا ، فقال : أيّها النّاس ، إنّا نظرنا في هذا الأمر ، فلم نرَ أصلح للأُمة من خلْع عليّ ومعاوية ، ونستقبل الأُمّة بهذا الأمر فيولّوا عليهم مَن أحبّوا ، وإنّي قد خلعتهما ، ثمّ تنحّى )(١) .

وفي ( مفتاح النجا ) :

( واتّفق الحكَمَان على أنْ يخلعا عليّاً ، ويختارا للمسلمين خليفةً رضوا به ، وتفرّق النّاس على هذا )(٢) .

وقال اليافعي في( مرآة الجنان ) في وقائع سنة سبع وثلاثين :

( روي أنّه اجتمع في رمضان أبو موسى الأشعري ومَن معه من الوجوه ، وعمرو بن العاص ومَن معه كذلك بدومة الجندل للتحكيم ، فخلا عمرو بأبي موسى وخدعه وقال له : تكلّم قبلي ، فأنت أفضل وأكبر سنّاً منّي ، وأرى أنْ

ـــــــــــــــــــ

(١) تذكرة خواص الأُمّة : ٩٧ .

(٢) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط .

٨٩

تخلع عليّاً ومعاوية ، ويختار المسلمون لهم رجلاً يجتمعون عليه ، فوافقه على هذا ولم يشعر بخدعه ، فلمّا خرجا وتكلّم أبو موسى وحكم بخلعهما ، قام عمرو بن العاص وقال : أمّا بعد ؛ فإنّ أبا موسى قد خلع عليّاً كما سمعتم ، وقد وافقته على خلعه ، وولّيت معاوية وقيل : إنّهما اتفقا على أنْ يصعد أبو موسى على المنبر ويُنادي : يا معشر المسلمين ، اشهدوا عليَّ أنّي قد خلعت عليّاً مِن الخلافة كما خلعت خاتمي هذا ، ففعل ذلك ، وأخرج خاتمه من أصبعه ورمى به إليهم ) (١) .

وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب( الإمامة والسياسة ) :

( ثمّ إنّ عمراً غدا على أبي موسى بالغد وجماعة الشهود فقال: يا أبا موسى، ناشدتك الله تعالى من أحقّ بهذا الأمر، من وفى أو من غدر ؟

قال أبو موسى : من وفى .

قال : ناشدتك بالله ، ما تقول في عثمان ؟

قال أبو موسى: قُتل [عثمان] مظلوماً .

قال عمرو : فما الحكم فيمن قتله ؟

قال أبو موسى : يُقتل بكتاب الله .

قال : فمن يقتله ؟

قال : أولياء عثمان .

قال : فإنّ الله يقول في كتابه العزيز :( وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً ) .

قال : فهل تعلم أنّ معاوية مِن أولياء عثمان ؟

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ١ : ٨٦ ـ ٨٧

٩٠

قال : نعم .

قال عمرو للقوم : اشهدوا .

قال أبو موسى للقوم : اشهدوا على ما يقول عمرو .

ثمّ قال أبو موسى لعمرو : قم يا عمرو ، فقُل وصرّح بما أجمع عليه رأيي ورأيك ، وما اتّفقنا عليه.

فقال عمرو : سبحان الله ! أقوم قبلك ، وقد قدّمك الله قبلي في الإيمان والهجرة ، وأنت وافد أهل اليمن إلى رسول الله ، ووافد رسول الله إليهم ، وبك هداهم الله وعرّفهم شرائع دينه وسنّة نبيّه ، وصاحب مغانم أبي بكر وعُمر ؟ ولكن أنت قم فقل ، ثمّ أقوم فأقول .

فقام أبو موسى ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّ خير النّاس للنّاس خيرهم لنفسه ، وإنّي لا أهلك ديني بصلاح غيري ، إنّ هذه الفتنة قد أكلت العرب ، وإنّي [قد] رأيت وعمرو أنْ نخلع عليّاً ومعاوية ، ونجعلها لعبد الله بن عمر ، فإنّه لم يبسط في هذه الحرب يداً ولا لساناً) (١) .

وقال نور الدين عليّ بن محمّد الصبّاغ الفقيه المالكي ـ وترجمته في كتاب( الضوء اللاّمع ) (٢) ـ:

( ولمّا راود عمرو بن العاص أبا موسى على معاوية وعلى ابنه عبد الله فأبى أبو موسى منه ، راود أبو موسى عمراً على تولية الخلافة لعبد الله بن عمررضي‌الله‌عنه ما، فأبى عمرو منه ، ثمّ قال له : هات رأياً غير هذا .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة : ١٣٦ ـ ١٣٧ .

(٢) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، المجلّد ٣ : ٢٨٣/ ٩٥٨

٩١

فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلين ـ يعني عليّاً ومعاوية ـ ونجعل الأمر شورى ، فيختار المسلمون من أحبّوه .

فقال عمرو : الرأي ما رأيت .

فأقبلا على النّاس بوجوههما ، وهم مجتمعون ينظرون ما يتّفقان عليه .

فقال عمرو : تكلّم يا أبا موسى ، وأخبرهم أنّ رأينا اتّفق .

فقال أبو موسى : أيّها النّاس ، إنّ رأينا قد اتّفق على أمر ، نرجو أنْ يصلح الله تعالى به أمر هذه الأُمّة ويلمّ شعثها ويجمع كلمتها .

فقال عمرو : صدق أبو موسى وبرّ فيما قال ، فتقدّم يا أبا موسى فتكلّم .

فقام إليه عبد الله بن عبّاس وقال له : يا أبا موسى ، إنْ كنت وافقته على أمر فقدّمه يتكلّم به قبلك ، فإنّي أخشى من خديعته لك ، وإنّي لا آمن أنْ يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ، فإذا قمت في النّاس خالفك .

فقال أبو موسى : قد توافقنا وتراضَينا ، وما ثمّ مخالفة أبداً .

وكان أبو موسى رجلاً سليم القلب ، فتقدّم ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :

أيّها النّاس! إنّا قد نظرنا في أمر هذه الأُمّة ، فلم نرَ أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها مِن أمرٍ قد اجتمع رأيي ورأي عمرو عليه ، وهو أنْ نخلع عليّاً ومعاوية ، وتستقبل هذه الأُمّة هذا الأمر بأنفسها ، فيولّوا عليهم من أحبّوا واختاروا ، وإنّي قد خلعت عليّاً ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم ، وولّوا عليكم مَن رأيتموه أهلاً لذلك )(١) .

وفي( تاريخ الخميس ) :

( ولمّا سئم الفريقان القتال تداعيا إلى الحكومة ، فرضي عليّ وأهل الكوفة بأبي موسى الأشعري ، ورضي معاوية وأهل الشام بعمرو بن العاص ، فاجتمع الحكَمَان بدومة الجندل ، واتّفقا على أنْ يخلعاهما معاً ، ويختارا

ـــــــــــــــــــ

(١) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ٩٩ ـ ١٠٠ .

٩٢

للمسلمين خليفة رضوا به ، وقد عيّن للخلافة الحكَمَان يومئذٍ عبد الله بن عمر ابن الخطّاب ، كذا في دول الإسلام ، ثمّ اجتمعا بالنّاس ، وحضر معاوية ولم يحضر عليّ ، فبدأ أبو موسى وخلع عليّاً ، ثمّ قام عمرو وقال : قد خلعت عليّاً كما خلعه ، وأثبتُّ خلافة معاوية ) (١) .

كلام الإمام في أبي موسى بعد التحكيم

أمّا الإمامعليه‌السلام ، فلمّا بلغه ما صنعه أبو موسى خطب قائلاً :

( الحمد لله وإنْ أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل ، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله أمّا بعد ، فإنّ المعصية تُورث الحسرة وتعقب الندامة ، وكنت أمرتُكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري فأبيتم ، ونحلتكم رأيي فما ألويتم ، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوزن :

أَمَرتُهُم أَمري بِمُنعَرَجِ الِلوى  فلم يَستَبِينُوا الرُشدَ إلاّ ضُحى الغَدِ

أمّا بعد ، فإنّ هذين الرجلين الذين قد اخترتموهما حَكَمَين ، قد نبذا حُكم القرآن وراء ظُهورهما ، وأحيَيا ما أمات القرآن ، واتّبع كلّ واحدٍ منهما هواه بغير هدىً من الله ، فحَكَما بغير حجّة ولا سنّة مضيئة ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشدا ، استعدّوا وتأهّبوا للمسير إلى الشام ) (٢) .

وفي رواية عن الشعبي :(... وكلاهما لم يرشدا ، فبرئا من الله ورسوله وصالح المؤمنين ، فاستعدّوا للجهاد...) (٣) .

وكفى بهذا شرفاً لأهل السنّة ، حيث جعلوا هذا الملوم المذموم ،

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الخميس ٢ : ٢٧٧ .

(٢) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ١٠١ .

(٣) تذكرة خواصّ الأُمّة في معرفة الأئمّة : ٩٩ .

٩٣

الخائن الفاسق ، النابذ لحكم القرآن ، المُحيي ما أماته والمُميت ما أحياه ، والتابع لهواه المُردي والتارك لهُداه المُنجي ، والحاكم بغير حجّة ، والقاضي بغير سنّة ، والبريء من الله ورسوله وصالح المؤمنين ، والتابع لإغواء الشيطان الرجيم اللّعين ، إماماً وملجأً وسنداً وكهفاً ومرجعاً ومُعتمَداً !!

وفي كلامٍ لهعليه‌السلام مخاطباً الخوارج :

( أيّها العصابة التي أخرجها عداوةُ المراءة والحجاج ، وصدّهم عن الحقّ اتّباع الهوى واللّجاج ، إنّ أنفسكم الأمّارة بالسوء سوّلت لكم فُراقي لهذهِ الحكومة ، التي أنتم بدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره ، وأنبأتكم أنّ القوم إنّما فعلوه مكيدة ، فأبيتم علَيَّ إباء المخالفين ، وعندتم عليَّ عناد العاصين ، حتّى صرفت رأيي إلى رأيكم ، وإنّي معاشرهم ـ والله ـ صغار الهام سُفهاء الأحلام ، فأجمع رؤساؤكم وكبراؤكم أنْ اختاروا رجُلَين ، فأخذنا عليهما أنْ يحكما بالقرآن ولا يتعدّيانه ، فتاها وتركا الحق وهما يبصرانه ، فبيّنوا لنا بم تستحلّون قتالنا والخروج عن جماعتنا ، ثمّ تستعرضون الناس تضربون أعناقهم ، إنّ هذا لهو الخسران المبين ) (١) .

وروى أبو الفرج ابن الجوزي في( تلبيس إبليس ) كتاب الإمام إلى الخوارج :( أمّا بعد ، فإنّ هذين الرجلين اللذين ارتضيا حكَمَين ، قد خالفا كتاب الله واتّبعا أهواءهما ، ونحن على الأمر الأوّل ) (٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ١٠٣ .

(٢) تلبيس إبليس : ١٠٨ .

٩٤

لعن النبيّ أبا موسى الأشعري

وفي حديث أخرجه ابن عساكر بتاريخه :

 ( عن أبي يحيى حكيم قال : كنت جالساً مع عمّار ، فجاء أبو موسى ، فقال : مالي و لك ! قال : ألستُ أخاك ؟

قال : ما أدري ، إلاّ أنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعنك ليلة الجمل .

قال : إنّه قد استغفر لي .

قال عمّار : قد شهدت اللّعن ولم أشهد الاستغفار )(١) .

أقول : ومراده من ( ليلة الجمل ) هي ليلة ( العقبة ) ، حيث أراد أبو موسى وأبو بكر وعمر وجماعة معهم اغتيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتنفير ناقته ، فعرفهم عمّار وحذيفة ، فقال عمّار في أبي موسى هذه الكلمة ، وقال حذيفة كلمته التي كره ابن عبد البرّ ذكرها ، وقد أوردناها هناك .

ترجمة ابن عساكر

وابن عساكر صاحب( تاريخ دمشق ) المتوفّى سنة ٥٧١ وصفه الذهبي بـ ( الإمام العلاّمة الحافظ الكبير المجوّد ، محدّث الشام ، ثقة الدين ) ثمّ قال : ( كان فهِماً حافظاً متقناً ذكيّاً بصيراً بهذا الشأن ، لا يلحق شأوُه ، ولا يُشقّ غباره ، ولا كان له نظيرٌ في زمانه ) ثمّ أطال الكلام في ترجمته ، وذكر كلمات الأعلام في مدحه وثقته )(٢) .

ثمّ إنّ هذا الحديث ، وإنْ كذّبه ابن عدي وتبعه ابن الجوزي فأدرجه في

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق ٣٢ : ٩٣/ ٣٤٦١ .

(٢) سيرة أعلام النبلاء ٢٠ : ٥٥٤ ـ ٥٧١ ، تذكرة الحفّاظ ٤ : ١٣٢٨ ـ ١٣٣٤ ، وتوجد ترجمته في سائر كتب التاريخ والرجال .

٩٥

 ( الموضوعات ) ، إلاّ أنّ السيوطي ردّ عليهما القول بوضعه ، وأثبت وثاقة راويه ، حيث قال في ( اللآلي المصنوعة ) :

( ابن عدي ، ثنا أحمد بن الحسين الصوفي ، ثنا محمّد بن عليّ بن خلف العطّار ، ثنا حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن عمران بن ظبيان ، عن حكيم أبي يحيى قال : كنت جالساً مع عمّار ، فجاء أبو موسى ، فقال له عمّار : إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعنك ليلة الجمل قال : إنّه استغفر لي قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار .

موضوع قال ابن عدي : والبلاء من العطّار لا من حسين .

قلت : العطّار وثّقه الخطيب في تاريخه) (١) .

وقال ابن حجر في( لسان الميزان ) بترجمة محمّد بن عليّ العطّار : ( قال الخطيب : قال محمّد بن المنصور : كان ثقةً مأموناً حسن العقل )(٢) .

فثبت كُفر أبي موسى الأشعري على لسان النبيّ الكريم ( صلّى لله عليه وآله وسلّم ) .

وفي حديثٍ آخر أورده الدهلوي في( إزالة الخفا عن سيرة الخلفا ) قال : أخرجه البيهقي :

( عن عليّ قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّ بني إسرائيل اختلفوا ، لم يزل اختلافهم بينهم حتّى بعثوا حكَمَين فضلاّ وأضلاّ وإنّ هذه الأُمّة مختلفة ، فلا يزال اختلافهم بينهم حتّى يبعثوا حكَمَين ضلاّ وضلّ من اتّبعهما )) .

ـــــــــــــــــــ

(١) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١: ٤٢٨.

(٢) لسان الميزان ٦ : ٣٥٨/ ٧٨٤٢ .

٩٦

قنوت علي بالدعاء على أبي موسى في جماعة

هذا ، وقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقنت في صلاته بالدعاء على جماعة أبو موسى الأشعري... روى ذلك ابن أبي شيبة ، كما في( كنز العمّال ) :

عن عبد الرحمن بن معقل قال : صلّيت مع عليّ صلاة الغداة ، فقنت فقال في قنوته :( اللّهمّ عليك بمعاوية وأشياعه ، وعمرو بن العاص وأشياعه ،... وعبد الله بن قيس وأشياعه ش ) (١) .

توقّف عمر عن قبول خبر أبي موسى

وقد اشتهر أنّ عمر بن الخطاب توقّف عن قبول خبر أبي موسى في الإستيذان ، وقد استدلّ به العلماء في مبحث خبر الواحد ، ونكتفي هنا بكلام ابن حجر في( فتح الباري ) إذ قال :

( احتجّ مَن ردّ خبر الواحد بتوقّفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبول خبر ذي اليدين ، ولا حجّة فيه ؛ لأنّه عارَض علمه ، وكلّ خبرٍ واحدٍ إذا عارض العلم لم يُقبل ، وبتوقّف أبي بكر وعمر في حديثَي المغيرة في الجدّة وفي ميراث الجنين ، حتّى شهد بهما محمّد بن مسلمة ، وبتوقّف عمر في خبر أبي موسى في الاستيذان حتّى شهد له أبو سعيد ، وبتوقّف عائشة في خبر ابن عمر في تعذيب الميّت ببكاء الحي .

وأُجيب : بأنّ ذلك إنّما وقع منهم ، إمّا عند الارتياب كما في قصّة أبيموسى ، فإنّه أورد الخبر عند إنكار عمر عليه ورجوعه بعد الثلاث وتوعّده ، فأراد عمر الاستثبات ، خشية أنْ يكون دفع بذلك عن نفسه ) (٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣: ١٩٧ ـ ١٩٨ .

(٢) كنز العمّال ٨ : ٨٢/ ٢١٩٨٩ .

٩٧

تنبيه حول كتاب الإمامة والسياسة(١)

قد يُحاول بعض المكابرين التشكيك في نسبة كتاب( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة ، بُغية التخلّص من استدلال الإماميّة بأخبار هذا الكتاب واحتجاجهم بما رُوي فيه من الحقائق التاريخيّة ، التي طالما حاول المؤرّخون والمحدّثون من كتمها وعدم نقلها .

فكان من اللاّزم علينا التأكيد على أنّ الكتاب المذكور هو من تآليف ابن قتيبة المؤرّخ المعروف والأديب الشهير...

ترجمة ابن قتيبة(٢) .

وهو : أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، وقيل : المروزي ، النَّحَوي اللغوي المؤرّخ، صاحب التصانيف الكثيرة المتنوّعة ، والمتوفّى سنة ٢٧٦ عند الأكثر .

قال ابن خلّكان : كان فاضلاً ثقةً .

وكذا قال اليافعي .

وقال الخطيب : كان ثقةً ديّناً فاضلاً .

ـــــــــــــــــــ

(١) موضوع هذا التنبيه موجود في ( عبقات الأنوار ) وفي ( استقصاء الإفحام ) وقد أضفنا إلى ما ذكره السيّد رحمه الله مطالبٌ أُخرى .

(٢) وفيات الأعيان ١ : ٣١٤ ، مرآة الجنان والعبر ـ سنة ٢٧٦ ـ لسان الميزان ٣ : ٣٥٨ ، سيرة أعلام النبلاء ١٠: ٦٢٥، الأنساب : القتيبي ، جامع الأُصول .

٩٨

وكذا قال ابن الأثير .

وقال الذهبي : صدوق ، ووصفه في موضع آخر بـ( الإمام الورع ) .

وكذا قال ابن حجر .

كتاب الإمامة والسياسة

وهذا الكتاب لابن قتيبة المذكور قطعاً ، فلقد نَقل عنه غير واحدٍ من أعلام أهل السنّة في مختلف القرون في كتبهم ، نصوصاً في موضوعات مختلفة هي موجودة في كتاب (الإمامة والسياسة ) :

١ ـ يقول ابن العربي المالكي المتوفّى سنة ٥٤٣ في كتابه( العواصم من القواصم ) الذي شحنه بُغضاً وحقداً لأهل البيتعليهم‌السلام وعناداً للحق وأهله :

( ومن أشدّ شيء على الناس جاهلٌ عاقل أو مُبتدعٌ محتال فأمّا الجاهل فهو ابن قتيبة ، فلم يُبقِ ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب الإمامة والسياسة ، إنْ صحّ جميع ما فيه )(١) .

٢ ـ ويقول أبو الحجاج يوسف بن محمّد البلوي الأندلسي المالكي المتوفّى سنة ٦٠٤(٢) في كتابه( ألف باء ) : ( ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : أنّه لمّا قدم على الحجاج سعيد بن جُبير قال له : ما اسمك ؟ قال : أنا سعيد بن جُبير فقال الحجاج : أنت شقيّ بن كسير قال سعيد : أُمّي أعلم باسمي...)(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) العواصم من القواصم : ٢٤٨ .

(٢) توجد ترجمته في معجم المؤلّفين ١٣ : ٣٣٠ وذكر كتابه في كشف الظنون ١/ ١٥٠ .

(٣) كتاب الألف باء في المحاضرات : ٤٧٨ .

٩٩

٣ ـ ويقول تقي الدين الفاسي المكّي المتوفّى سنة ٨٣٢ ، في ذكر الولاة على مكّة المكرّمة : ( ٢٤٥٨ ـ مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي أمير مكّة ذكر ولايته عليها ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ؛ لأنّه قال : ذكروا أنّ مسلمة بن عبد الملك كان والياً على أهل مكّة ، فبينا هو يخطب على المنبر ، إذ أقبل خالد بن عبد الملك القسري... )(١) .

٤ ـ وكذا يقول عمر بن فهد المكّي المتوفّى سنة ٨٨٥ ، في ذكر الولاة على مكّة كذلك ؛ لأنّه لم يذكر ولاية مسلمة بن عبد الملك عليها غير ابن قتيبة في كتابه ، كما هو ظاهر عبارة التقي الفاسي المتقدّمة ، فقد اعتمد ابن فهد أيضاً على نقل ابن قتيبة في الإمامة والسياسة فقال : ( وقال اعتمد ابن فهد أيضاً على نقل ابن قتيبة في الإمامة والسياسة فقال : ( وقال أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة : كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان والياً على أهل مكّة...)(٢) .

٥ ـ ويقول ابن حجر المكّي صاحب( الصواعق ) متضجّراً من نقل ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة ما شجر بين الصحابة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويعترض عليه ـ تبعاً لابن العربي المالكي ـ روايته لمثل هذه الأُمور :

( مع تآليف صدرت من بعض المتحدّثين كابن قتيبة ، مع جلالته القاضية بأنّه كان ينبغي له أنْ لا يذكر تلك الظواهر ، فإنْ أبى إلاّ أنْ يذكرها ، فليبيّن جريانها على قواعد أهل السنّة... )(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ٦ : ٧٢ .

(٢) إتحاف الورى بأخبار أمّ القرى حوادث سنة ٩٣ .

(٣) تطهير الجنان واللسان : ٧٢ .

١٠٠