استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٣

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 478

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 478
المشاهدات: 242786
تحميل: 6749


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 478 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242786 / تحميل: 6749
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

استخراج المرام مِن استقصاء الإفحام

للعَلَم الحجّة آية الله

السيد حامد حسين اللكهنوي

بحوث ورُدُودٌ

تأليف السيد علي الحسيني الميلاني

القسم الثَّالِثُ ـ أئمَّةُ المذاهب

١

بسم الله الرحمن الرحيم

صحيحُ أبي داود

الذي يصلح لأن يسمّى ( زبور أهل السنّة والجماعة ) ؛ لأنّهم قد شبّهوا مصنّفه بداودعليه‌السلام فقالوا : ( أُلين له الحديث كما أُلين لداود الحديد ) ، لكنّهم جعلوا سُننه كـ ( المصحف ) كما في ( فيض القدير ) قال : ( أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الشافعي أخذ عن أحمد وخَلْق ، وعنه الترمذي ومَن لا يحصى ، وُلد سنة ٢٠٢ ومات سنة ٢٧٥هـ ، قالوا : أُلين له الحديث كما أُلين لداود الحديد وقال بعض الأعلام : سُننه أُمّ الأحكام ، ولمّا صنّفه صار لأهل الحديث كالمصحف )(١) ... وعليه فهو أجلّ مِن أن يلقّب بـ ( الزبور ) !!

وترجم له النووي ، فأورد كلماتهم في مدحه والثناء على كتابه ، قال :

( أبو داود السجستاني صاحب السُنن... روى عنه : الترمذي والنسائي وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني... واتّفق العلماء على الثناء على أبي داود ، ووصفه بالحفظ التام والعلم الوافي والإتقان والورع والدين والفهم الثاقب في الحديث وغيره .

رَوَينا عن الحافظ أحمد بن محمد بن ياسين الهروي ، قال : كان أبو داود أحد حفّاظ الإسلام لحديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلمه وعِلَلَه وسنده في أعلى درجة النُسك والعفاف والورع ، ومِن فرسان الحديث .

_______________________

(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ : ٢٤ ـ ٢٥ .

٢

وقال الحاكم أبو عبد الله : كان أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة .

قال علاّن بن عبد الصمد : كان أبو داود مِن فرسان هذا الشأن .

رَوَينا عن موسى بن هارون قال : خُلِق أبو داود في الدنيا للحديث ، وفي الآخرة للجنّة .

وقال أبو حاتم ابن حبّان : أبو داود أحد أئمّة الدنيا فقهاً وعلماً وحفظاً ونُسكاً وإتقاناً ، جمع وصنّف وذبّ عن السُنن .

ورَوَينا عن إبراهيم الحربي قال : لمّا صنّف أبو داود هذا الكتاب ـ يعني كتاب السُنن ـ : أُلين لأبي داود الحديث كما أُلين لداود الحديد .

ورَوَينا عن أبي عبد الله محمّد بن مخلد قال : كان أبو داود يفي بمذاكرة ألف حديث ، فلمّا صنّف كتاب السُنن وقرأه على الناس ، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه ، وأقرّ له أهلُ زمانه بالحفظ والتقدّم فيه .

ورَوَينا عن الإمام أبي سُليمان الحربي قال : سمعت أبا سعيد ابن الأعرابي ـ ونحن نسمع منه كتاب السُنن لأبي داود ، وأشار إلى النسخة وهي بين يديه ـ يقول : لو أنّ رجلاً لم يكن عنده مِن العِلم إلاّ المصحف ثمّ هذا الكتاب ، لم يحتج معهما إلى شيء مِن العلم ألبتّة قال الخطّابي : وهذا كما قال...

قال الخطّابي : واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ كتاب السُنن لأبي داود كتاب شريف لم يُصنَّف في حكم الدين كتاب مثله ، وقد رُزق القبول مِن الناس كافّة ، فصار حكماً بين فِرَق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم ، وعليه معوَّل أهلِ العراق ومصر والمغرب وكثير مِن أقطار الأرض...

٣

ومناقب أبي داود وكتابه كثيرة مشهورة وفيما أشرتُ إليه كفاية .

وُلِد أبو داود سنة ٢٠٢هـ .

وتُوفي بالبصرة لأربع عشرة بقيت مِن شوال ، سنة ٢٧٥هـ )(١) .

وقال ابن الأثير : ( قال أبو سليمان الخطّابي : كتاب السُنن لأبي داود كتاب شريف ، لم يصنَّف في علم الدين كتاب مثله ، وقد رُزق القبول مِن كافّة الناس على اختلاف مذاهبهم ، فصار حكماً بين فِرق العلماء وطبقات الفقهاء ، فلكلٍّ فيه ورد ومنه شرب وعليه معوَّل أهلِ العراق ومصر وبلاد الغرب ، وكثير مِن مدن أقطار الأرض... وحلّ هذا الكتاب عند أئمّة الحديث وعلماء الحديث محلّ العَجَب ، فضربت إليه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل .

قال إبراهيم الحربي لمّا صنّف أبو داود هذا الكتاب : أُلين لأبي داود الحديث كما أُلين لداودعليه‌السلام الحديد وقال ابن الأعرابي عن كتاب أبي داود : ولو أنّ رجلاً لم يكن عنده مِن العلم إلاّ المصحف الذي فيه كتاب الله عزّ وجلّ ثمّ هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلى شيء مِن العلم ألبتّة )(٢) .

قدح العلماء في أحاديث سُنن أبي داود

ومع هذا كلّه ، فقد طعن علماء القوم في كثيرٍ مِن أحاديث كتاب أبي داود :

قال الذهبيّ في ( الميزان ) :

( جعفر بن سعد بن سمرة عن أبيه ، وعنه سليمان بن موسى وغيره ، له

_______________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ٢٢٤ ـ ٢٢٧ .

(٢) جامع الأُصول ١ : ١٩٢ .

٤

حديث في الزكاة عن ابن عمٍّ له ، ردّه ابن حزم فقال : هما مجهولان .

قلت : ابن عمّه هو حبيب بن سليمان بن سمرة يُجهل حاله عن أبيه ، قال القطّان : ما مِن هؤلاء مَن يعرف حاله ، وقد جَهِد المحدّثون فيهم جهدهم وهو إسناد يروي به جماعة ، قد ذكر البزّار منها نحو المائة وقال عبد الحق الأزدي : حبيب ضعيف ، وليس جعفر ممّن يعتمد عليه .

قلت : فمِمّا ورد بهذا السَند : أمرعليه‌السلام ببناء المساجد وتُصلح ضعفُها ، وحديث : أمرَنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نُخرج الزكاة مِن الذي نُعدّه للبيع ، وقالعليه‌السلام : مَن يكتم ـ فإنّه مثله .

ففي سُنن أبي داود مِن ذلك ستّة أحاديث بسند وهو : حدّثنا محمّد بن داود ، ثنا يحيى بن حسّان ، عن سليمان بن موسى ، عن جعفر ، عن ابن عمّه حبيب عن أبيه عن جدّه فسليمان هذا زهري مِن أهل الكوفة ليس بالمشهور ، وبكلّ حال ، هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم )(١) .

وقال : ( أبو عبد الرحمن الخراساني إسحاق ، مرّ ، ومِن مناكيره في سُنن أبي داود ، حدّثنا عطاء الخراساني : إنّ نافعاً حدّثه عن ابن عمر قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد ، سلّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم .

فهذا هو إسحاق بن أُسَيد ـ سكن مصر ـ روى عنه هذا الخبر حيوة بن شريح قال ابن أبي حاتم : ليس هو بالمشهور وقال أبو حاتم : لا يشتغل به )(٢) .

_______________________

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ١٣٥ / ١٥٠٦ .

(٢) ميزان الاعتدال ٧ : ٣٩٣ / ١٠٣٨٦ .

٥

الموضوعات في سُنن أبي داود

وإلى جانب تلك الأحاديث المقدوح فيها ، أحاديثٌ حَكم العلماء عليها بالوضع :

(منها ) : قال : ( حدّثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوريّ ، ثنا موسى بن عبد العزيز ، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاس : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للعبّاس بن عبد المطلّب : يا عبّاس يا عم ألا أُعطيك ، ألا أمنحك ، ألا أحبوك ، ألا أفعل بك عشر خصال ، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوّله وآخره ، قديمه وحديثه ، خطأه وعمده ، صغيره وكبيره ، سِرّه وعلانيته ؟ عشر خصالك : أن تصلّي أربع ركعات ، تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وسورة ، فإذا فرغت مِن القراءة في أوّل ركعة وأنت قائم قلت : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، خمس عشرة مرّة ، ثمّ تركع وتقولها وأنت راكع عشر مرّات ، ثمّ ترفع رأسك مِن الركوع فتقولها عشراً ، ثمّ تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً ، ثمّ ترفع رأسك مِن السجود فتقولها عشراً ، ثمّ تسجد فتقولها عشراً ، ثمّ ترفع رأسك فتقولها عشراً ، فذلك خمس وسبعون ، في كلّ ركعةٍ تفعل ذلك في أربع ركعات ، إن استطعت أن تصلّيها في كلّ يومٍ مرّة فافعل ، فإن لم تفعل ففي كلّ جمعةٍ مرّةً ، فإن لم تفعل ففي كلّ شهرٍ مرّةً ، فإن لم تفعل ففي كلّ سنةٍ مرّة ، فإن لم تفعل ففي عمرك مرّة )(١) .

_______________________

(١) سُنن أبي داود ، كتاب الصلاة ، صلاة التسبيح ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ / ١٢٩٧ .

٦

وهذا الحديث أدرجه ابن الجوزيّ في ( كتاب الموضوعات ) ، لأنّ موسى ابن عبد العزيز مجهول(١) .

وقد ترجم الذهبيّ هذا الرجل في ( الميزان ) قال :

( دق ، موسى بن عبد العزيز، أبو شعيب العدني القنباريّ ، ما أعلمه روى عن غير الحَكَم بن أبان ، فذكر صلاة التسبيح ، روى عنه بشر بن الحَكَم وابنه عبد الرحمن بن بشر وإسحاق بن أبي إسرائيل وغيرهم لم يذكره أحد في كُتُب الضعفاء أبداً ، ولكن ما هو الحجّة ؟ قال ابن معين : لا أرى به بأساً ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال ابن حبّان ، ربّما أخطأ ، وقال أبو الفضل السليماني : مُنكَر الحديث ، وقال ابن المديني : ضعيف .

قلت : حديثه مِن المنكرات ، لا سيّما والحَكَم بن أبان ليس أيضاً بالثَبْت )(٢) .

(ومنها ) قال : ( حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : أخبرني أبو بكرة بكّار بن عبد العزيز قال : أخبرَتني عمّتي كيسة بنت أبي بكرة : إنّ أباها كان ينهى أهله عن الحِجامة يوم الثلاثاء ، ويزعم عن رسول الله : أنّ يوم الثلاثاء يوم الدم... )(٣) .

وهذا الحديث أيضاً ، أورده ابن الجوزيّ في ( الموضوعات )(٤) .

(ومنها ) قال : ( حدّثنا سعيد بن منصور ، نا أبو معشر عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تقطعوا

_______________________

(١) كتاب الموضوعات ٢ : ١٤٣ .

(٢) ميزان الاعتدال ٦ : ٥٥٠ / ٨٩٠٠ .

(٣) سُنن أبي داود ٤ : ١٢٨ / ٣٨٦٢ .

(٤) كتاب الموضوعات ٣ : ٢١٣ .

٧

اللّحم بالسكّين فإنّه مِن صُنع الأعاجم ، وانهشوه نهشاً فإنّه أهنأ وأمْرَء )(١) .

قال ابن القيّم : ( وأمّا حديث عائشة الذي رواه أبو داود مرفوعاً : لا تقطعوا اللّحم بالسكّين فإنّه مِن صنيع الأعاجم ، وانهشوه نهشاً فإنّه أهنأ وأمرء فردّه الإمام أحمد بِمَ صحّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن قَطعِه بالسكّين في حديثين ، وقد تقدّما )(٢) .

وقد أورده ابن الجوزيّ في ( الموضوعات )(٣) .

(ومنها ) قال : ( حدّثنا موسى بن إسماعيل ، نا عبد العزيز بن أبي حازم ، حدّثني ـ بمنى ـ عن أبيه ، عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : القدريّة مجوس هذه الأُمة... )(٤) .

وقد أورده ابن الجوزيّ في ( الموضوعات ) فقال :

( أخبرنا ابن السمرقنديّ قال : أخبرنا ابن مسعدة قال : أخبرنا حمزة قال : حدّثنا ابن عدي قال : أنبأ أحمد بن جعفر بن محمّد البغدادي قال : حدّثنا سوار ابن عبد الله القاضي قال : جدّثنا معتمر بن سليمان قال : حدّثنا أبو الحسن ـ يعني يزيد بن هارون ، كذا كنّاه ـ عن جعفر بن الحارث عن يزيد بن ميسرة عن عطاء الخراساني عن مكحول عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إنّ لكلّ أُمّة مجوساً وإنّ مجوس هذه الأُمّة القدريّة ؛ فلا تعودوهم إذا مرضوا ، ولا تُصلّوا عليهم إذا ماتوا .

_______________________

(١) سُنن أبي داود ٤ : ٩٤ / ٣٧٧٨ .

(٢) زاد المعاد في هدْيِ خير العباد ٤ : ٣٠٤ .

(٣) كتاب الموضوعات ٢ : ٣٠٣ .

(٤) سُنن أبي داود ٥ : ٤٥ / ٤٦٩١ .

٨

قال المصنّف : وهذا لا يصحّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يحيى بن جعفر بن الحارث ليس بشيء .

وقد روى عتبان بن ناقد عن أبي الأشهب النخعي ، عن الأعمش ، وعن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحوه قال أبو حاتم الرازي : عتبان مجهول ، وهذا الحديث حديث باطل .

طريق آخر : أخبرنا علي بن عبد الواحد الدينوري قال : أنبأ علي بن عمران القزويني قال : حدّثنا محمّد بن علي بن سويد قال : ثنا أحمد بن محمّد العسكري قال : ثنا أبو الوليد عبد الملك بن يحيى بن عبد الله بن بكير قال : ثنا أبي قال : حدّثني الحسن بن عبد الله بن أبي عون الثقفي ، عن رجا بن الحارث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكونون قدريّة ، ثمّ يكونون زنادقة ، ثمّ يكونون مجوساً ، وإنّ لكلّ أُمّة مجوساً ، وإنّ مجوس أُمّتي المكذّبة بالقَدَر؛ فإن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا يُتبع لهم جنازة .

قال المصنّف : هذا حديث لا يصحّ وفيه مجاهيل قال أبو عبد الرحمن النسائي : هذا الحديث باطل كذب )(١) .

(ومنها ) قال : ( حدّثنا هارون بن عبد الله ، نا ابن أبي فديك عن الضحّاك ـ يعني ابن عثمان ـ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة إنّها قالت : أرسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأُمّ سَلَمة ليلة النَحْر ، فرَمَتْ الجمرة قبل الفجر ، ثمّ مضت فأفاضت فكان ذلك اليوم ، اليوم الذي يكون رسول الله تعني عندها )(٢) .

_______________________

(١) كتاب الموضوعات ١ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ .

(٢) سُنن أبي داود ٢ : ٣٢٩ / ١٩٤٢ .

٩

قال ابن القيّم : ( وأمّا حديث عائشة : أرسل رسول الله... رواه أبو داود ، فحديث مُنكَر أنكره الإمام أحمد وغيره وممّا يدلّ على إنكاره أنّ فيه : إنّ رسول الله أمرها أن تُوافي صلاة الصبح يوم النَحْر بمكة ، وفي رواية : تُوافيه ، وكان يومها فأحبّ أن تُوافيه ، وهذا مِن المحال قطعاً قال الأثرم : قال لي أبو عبد الله : ثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أُمّ سَلَمَة ، إنّ النبيّ أمرها أن تُوافيه يوم النَحْر بمكّة لم يسنده غيره ، وهو خطأ وقال وكيع عن أبيه مرسله : إنّ النبيّ أمرها أن تُوافيه صلاة الصبح يوم النَحْر بمكّة أو نحو هذا ، وهذا عَجَب أيضاً ، النبيّ يوم النَحْر وقت صلاة الصبح ما يصنع بمكّة ؟ يُنكر ذلك )(١) .

(ومنها ) قال : ( حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، نا حمّاد بن خالد ، نا محمّد ابن عمرو ، عن محمّد بن عبد الله ، عن عمّه عبد الله بن زيد قال : أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأذان أشياء لم يُصنع منها شيئاً ، قال : فأُري عبد الله بن زيد الأذان في المنام ، فأتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره فقال : ألقه على بلال فألقاه عليه ، فأذّن بلال ، فقال عبد الله : أنا أُريته وأنا كنت أُريده ، قال : فأقم أنت )(٢) .

وهذا الحديث كذّبه محمّد بن الحنفيّة كما في ( السيرة الحلبيّة ) :

( عن أبي العلاء قال : قلت لمحمّد بن الحنفيّة : إنّا لنتحدّث أنّ بدء هذا الأذان كان رؤيا رآها رجل مِن الأنصار في منامه ، قال : ففزِع له محمّد بن الحنفيّة فزعاً شديداً وقال : عمدتّم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم

_______________________

(١) زاد المعاد ٢ : ٢٤٩ .

(٢) سُنن أبي داود ١ : ٢٥٠ / ٥١٢ .

١٠

دينكم ، فزعمتّم أنّه إنّما كان مِن رؤيا رآها رجل مِن الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب ، وقد تكون أضغاث أحلام .

فقلت له : هذا الحديث قد استفاض في الناس .

قال : هذا ـ والله ـ هو الباطل ، ثمّ قال :

وإنّما أخبرني أبي : أنّ جبرئيلعليه‌السلام أذّن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام ، ثمّ أعاد جبرئيلعليه‌السلام الأذان لمّا عُرج بالنبيّ إلى السماء ، فسمعه عبد الله بن زيد وعمر بن الخطّاب وفي رواية عنه : إنّه لمّا انتهى إلى مكانٍ في السماء وقف به وبعث الله ملَكاً فقيل له : علِّمه الأذان ، فقال الملَك : الله أكبر ، فقال الله : صدق عبدي أنا الله الأكبر ، إلى أن قال : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة... )(١) .

وقد كذّب هذا أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أيضاً ، ففي ( المستدرك ) مثلاً :

( حدّثني نصر بن محمّد ، ثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الحافظ ، ثنا أحمد بن يحيى البجلي ، ثنا محمّد بن إسحاق البلخي ، ثنا نوح بن درّاج عن الأجلح عن الشعبي عن سفيان بن ليلى قال : لمّا كان مِن أمْر الحسن بن علي ومعاوية ما كان قِدمته على المدينة وهو جالس في أصحابه ـ فذكر الحديث بطوله ـ قال : فتذاكرنا عنده الأذان فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان رؤيا عبد الله ابن زيد بن عاصم ، فقال له الحسن بن علي :إنّ شأن الأذان أعظم مِن ذاك أذّن جبرئيل ( عليه الصلاة والسلام ) في السماء مثنىً مثنىً ، وعلّمه رسولَ الله وأقام

_______________________

(١) السيرة الحلبية ٢ : ٩٦ .

١١

مرّةً مرّةً ، فعلّمه رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

(ومنها ) الأحاديث التي كذّبها السرّاج القزويني(٢) ، وحَكَمَ بوضعها ، وهي في سُنن أبي داود ، ونقلها البغوي في المصابيح ، ومنها :

( عن عائشة قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم .

حدّثنا ابن بشّار أبو عامر وأبو داود قال : حدّثنا زهير بن محمّد حدّثني موسى بن وردان ، عن أبي هريرة ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم مَن يخالل ) .

( حدّثنا محمد بن كثير ، أنا سفيان ثنا مصعب بن محمّد بن شرحبيل ، حدّثني يعلى بن أبي يحيى ، عن فاطمة بنت حسين ، عن حسين بن علي قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للسائل حقّ وإن جاء على فرس ) .

( حدّثنا حمّاد عن محمّد بن عمرو عن أبي سَلَمَة عن أبي هريرة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى رجلاً يتبع حمامة فقال : شيطان يتبع شيطانه ) .

( حدّثنا نصر بن علي : أخبرني أبو أحمد ، ثنا سفيان ، عن الحجّاج بن فراقِصَة عن رجل ، عن أبي سَلَمَة ، وثنا محمّد بن المتوكّل العسقلاني ، ثنا عبد الرزاق ، أنا بشر بن رافع ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سَلَمَة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المؤمن غرّ كريم ، والفاجر خبّ لئيم ) .

_______________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧١ .

(٢) وهو : سراج الدين أبو حفص عمر بن عبد الرحمن القزويني ، المتوفى سنة ٧٤٥هـ .

١٢

وأمّا حُكم سراج الدين بوضع هذه الأحاديث ، فقد قال حسن بن محمود بن عبد المجدي الدجاني في ( رسالته )(١) ، التي ذكر فيها الأحاديث التي انتقدها سراج الدين على المصابيح ما هذا لفظه بنصّه :

( أخبرني الشيخ العالم سراج الملّة والدين أبو حفص عمر بن علي بن عمر القزويني ، المُقرئ عليّ ، حين قراءتي كتاب المصابيح عليه قال : وقد وقع في هذا الكتاب ـ يعني كتاب المصابيح ـ أحاديث موضوعة .

فمِن ذلك : في باب الإيمان بالقدر : صنفان مِن أُمّتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المُرجئة والقدريّة ، والقدريّة مجوس هذه الأُمّة إلى آخر الحديث .

وفي باب الأذان : اجعل بين أذانك وإقامتك قَدْرَ ما يفرغ الآكل مِن أكله إلى آخره وأمّا صدر هذا الحديث ، وهو قوله ( عليه الصلاة والسلام ) لبلال : إذا أذّنت فترَسَّل ، وإذا أقمْتَ فاحدر ، فليس بموضوع .

وفي باب التطوّع : صلاة التسبيح موضوع ، نقله الشيخ سراج الدين عن الإمام أحمد بن حنبل ، وكثير مِن الأئمّة

وفي باب البكاء على الميّت : مَن عزّى مصاباً ؛ فله مثل أجره .

وفي باب فضائل القرآن : حديثان موضوعان ، أحدهما : مَن شغله القرآن عن ذكري ، والثاني : ألا إنّها ستكون فتنة .

وفي باب الإجارة : أُعطوا السائل ، وإن جاء على فرس وأمّا صدر هذا الحديث : أُعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه، فليس بموضوع .

وفي كتاب الحدود : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ، إلاّ الحدود .

_______________________

(١) ذكر السيّد (رحمه الله) ، أنّ عنده نسخةً مِن هذه الرسالة وينقل عنها مباشرةً .

١٣

وفي باب الترجّل : يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام ، لا يجدون رائحةَ الجنّة .

وفي باب التصاوير: رأى رجلاً يتبع حمامة فقال : شيطانٌ يتبع شيطاناً .

وفي كتاب الآداب : إذا كتب أحدكم كتاباً ، فليُزيّنه ؛ فإنّه أنجح للحاجة .

وفي باب حفظ اللّسان والغيبة : لا تُظهر الشماتة لأخيك ، فيرحمه الله ويبتليك .

وفي باب المفاخرة والعصبية : حبّك الشيء يعمي ويصم .

وفي باب الحبّ في الله ومِن الله : المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم مَن يخالل .

وفي باب الحذر والتأنّي في الأُمور : لا حليم إلاّ ذو عثرة ، ولا حكيم إلاّ ذو تجربة .

وفي باب الرفق والحياء : الحياء حسن الخلق ، والمؤمن غِرّ كريم ، والمنافق خبّ لئيم ) .

صحيحُ النسائي

هذا الكتاب الذي أَطلق عليه اسم الصحيح جمعٌ كبير مِن الأئمّة ، كأبي علي النيسابوري وابن عدي والدارقطني والخطيب وغيرهم ، ووصفه الأكابر بأوصاف جليلة... ففي كتاب ( زهر الربى على المجتبى ) للحافظ السيوطي بعد كلام نقله عن الحافظ ابن حجر :

( قال الحافظ ابن حجر : وإذا تقرّر ذلك ، ظهر أنّ الذي يتبادر إلى الذهن مِن أنّ مذهب النسائي في الرجال مذهب متّسع ، ليس كذلك ، فكم مِن رجلٍ أخرج له أبو داود والترمذي تجنّب النسائي إخراج حديثه ، كما تجنّب النسائي إخراج حديث جماعةٍ مِن رجال الصحيحَين فحكى أبو الفضل ابن طاهر قال : سُئل سعد بن علي الزنجاني عن رجلٍ فوثّقه ، فقلت له : إنّ النسائي لم يحتج ، فقال : يا بنيّ إنّ لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشدّ مِن شرط البخاري ومسلم .

وقال أحمد بن محبوب الرملي : سمعت النسائي يقول : لمّا عزمت على جمع السُنن ، استخرتُ الله في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء ، فوقعتْ الخيرة على تركهم ، فتنزّلت في جملة مِن الحديث كنت أعلو فيها عنهم .

قال الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر شيخ الدارقطني : مَن يصبر على ما يصبر عليه النسائي ؟! كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمةً ترجمة ، فما حدّث منها بشيء .

١٤

قال الحافظ ابن حجر : وكان عنده عالياً عن قتيبة عنه ولم يحدّث به ، لا في السُنن ولا في غيرها.

وقال أبو جعفر ابن الزبير : أولى ما أُرشِد إليه ، ما اتّفق المسلمون على اعتماده وذلك : الكتب الخمسة ، والموطّأ الذي تقدّمها وضعاً ولم يتأخّر عنها رتبةً ، وقد اختلف العلماء فيها ، وللصحيحَين فيها شفوف ، وللبخاري لمَن أراد التفقّه مقاصد جميلة ، ولأبي داود في حصر أحاديث الأحكام واستيعابها ما ليس لغيره ، وللترمذي في فنون الصناعة الحديثيّة ما لم يشاركه غيره ، وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلّها .

وقال أبو الحسن المعافري : إذا نظرت إلى ما يُخرجه أهل الحديث ، فما خرّجه النسائي أقرب إلى الصحّة ممّا أخرجه غيره.

وقال الإمام أبو عبد الله ابن رشيد : كتاب النسائي أبدع الكتب المصنّفة في السُنن تصنيفاً وأحسنها ترصيفاً ، وكان كتابه جامعاً بين طريقي البخاري ومسلم ، مع حظّ كثير مِن بيان العلل .

وفي الجملة ، فكتاب السُنن أقلّ الكتب بعد الصحيحَين حديثاً ضعيفاً ورجلاً مجروحاً ، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي ) .

( وقال محمّد بن معاوية الأحمر الراوي عن النسائي : قال النسائي : كتاب السُنن كلّه صحيح ، وبعضه معلول إلاّ أنّه يبيّن علّته ، والمنتخب المسمّى بالمجتبى صحيح كلّه .

وذكر بعضهم : أنّ النسائي لمّا صنّف السُنن الكبرى أهداه إلى أمير الرملة فقال له الأمير : أَكلُّ ما في هذا صحيح ؟ قال : لا. قال : فجرِّد الصحيح منه فصنّف له المجتبى ، وهو بالباء الموحّدة قال الزركشي في تخريج الرافعي :

١٥

ويقال بالنون أيضاً .

وقال القاضي تاج الدين السبكي : سُنن النسائي التي هي أحد الكتب الستّة هي الصغرى لا الكبرى ، وهي التي يخرّجون عليها الرجال ويعلّمون الأطراف .

وقال الحافظ أبو الفضل ابن حجر : قد أطلق اسم الصحّة على كتاب النسائي ، أبو علي النيسابوري ، وأحمد ابن عدي ، وأبو الحسن الدارقطني ، وأبو عبد الله الحاكم ، وابن مندة ، وعبد الغنيّ بن سعيد ، وأبو يعلى الخليلي ، وأبو علي الخليلي ، وأبو علي ابن السكن ، وأبو بكر الخطيب وغيرهم .

وقال الخليلي في الإرشاد ، في ترجمة بعض الرواة الدينوريين : سمع مِن أبي بكر ابن السني صحيح أبي عبد الرحمن النسائي .

وقال أبو عبد الله ابن مندة : الذين أخرجوا الصحيح أربعة : البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي .

وقال السلفي : الكتب الخمسة اتّفق على صحّتها علماء المشرق والمغرب قال النووي : مراده أنّ معظم كُتب الثلاثة سوى الصحيحَين يُحتجّ به ) .

١٦

القدح في النسائي وكتابه

لكنّ الأئمّة الأعلام تكلّموا ـ مع هذا كلّه ـ في النسائي وكتابه وحطّوا عليه ، في مواضع كثيرة:

(منها ) : عندما تكلّم في أحمد بن صالح المصري ، فإنّهم بعدما ذكروا سبب تكلّمه فيه ، عادوا فتكلّموا في النسائي نفسه ؛ لأنّه بعد العلم بسبب ذلك ـ كما ذكروا ـ يظهر قلّة ديانة النسائي ، ومتابعته للهوى في الجرح والتعديل ، وسقوط كلماته في الرجال :

قال السبكي : ( قال الحافظ أبو يعلى في كتاب الإرشاد : ابن صالح ثقة حافظ ، واتّفق الحفّاظ على أنّ كلام النسائي فيه تحامل ، ولا يقدح كلام أمثاله فيه ، وقد نَقِم على النسائي كلامه فيه وقال ابن العربي في كتاب الأحوذي : إمامٌ ثقة مِن أئمّة المسلمين لا يؤثّر فيه تجريح ، وإنّ هذا القول ليحط مِن النسائي أكثر ممّا حطّ مِن ابن صالح ، وكذا قال الباجي )(١) .

قال : ( لا يُلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في مالك ، وابن معين في الشافعي ، والنسائي في أحمد بن صالح ، لأنّ هؤلاء أئمّةٌ مشهورون ، صار الجارح لهم كالآتي بخبرٍ غريب لو صحّ ؛ لتوفّرت الدواعي على ما نقله ، فكان القاطع قائماً على كذبه فيما قاله )(٢) .

_______________________

(١) طبقات السبكي ٢ : ٨ .

(٢) طبقات السبكي ٢ : ١٢ .

١٧

وقال العراقي : ( ثمّ إنّ الجارح ، وإن كان إماماً معتمداً في ذلك فربّما أخطأ فيه ، كما جرح النسائي أحمد بن صالح المصري بقوله : غيرُ ثقة ولا مأمون ، وهو ثقةٌ إمامٌ حافظ ، احتجّ به البخاري في صحيحه وقال ثقة ، ما رأيت أحداً يتكلّم فيه بحجّة ، وكذا وثّقه أبو حاتم الرازي والعجلي وآخرون ، وقد قال أبو يعلى الخليلي : اتّفق الحفّاظ على أنّ كلام النسائي فيه تحامل ، ولا يقدح كلام أمثاله فيه ، وقد بيّن ابن عدي سبب كلام النسائي فيه فقال : سمعت محمّد بن هارون البرقي يقول : حضر مجلس أحمد فطرده مِن مجلسه ، فحمله ذلك على أن تكلّم فيه قال الذهبي : آذى النسائي نفسه بكلامه فيه )(١) .

وقال الذهبي بترجمة أحمد بن صالح نقلاً عن ابن عدي : ( وأمّا سوء ثناء النسائي عليه ـ أي على أحمد بن صالح ـ فسمعت محمّد بن هارون البرقي يقول : هذا الخراساني يتكلّم في أحمد بن صالح ، حضر مجلس أحمد ابن صالح فطرده مِن مجلسه ، فحمله ذاك على أن يتكلّم فيه )(٢) .

وقال أيضاً بترجمة أحمد بن صالح : ( وقال ابن عدي : كان النسائي سيّئ الرأي فيه ـ أي أحمد بن صالح ـ وأنكر عليه أحاديث ، فسمعت محمّد بن هارون البرقي يقول : هذا الخراساني يتكلّم في أحمد بن صالح ، لقد حضرت مجلس أحمد بن صالح فطرده مِن مجلسه ، فحمله ذلك على أن يتكلّم فيه ـ إلى أن قال ابن عدي ـ ولولا أنّي شرطتُّ أن أذكر في كتابي كلّ مَن تكلّم فيه لكنتُ أجلّ أحمد بن صالح أن أذكره )(٣) .

_______________________

(١) شرْح الألفيّة في الحديث .

(٢) تذهيب التهذيب ، تهذيب التهذيب ١ : ٣٥ .

(٣) ميزان الاعتدال ١ : ٢٤٢ .

١٨

هذا ، ومِن الأحاديث التي أبطلوها في كتابه حديث أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طاف في حجّة الوداع طواف الزيارة بالليل ، فقد قال ابن قيّم الجوزيّة ما نصّه :

( الطائفة الثالثة الذين قالوا أخّر طواف الزيارة إلى الليل : وهم طاوس ، ومجاهد ، وعروة ، ففي سُنن أبي داود والنسائي وابن ماجة ، مِن حديث ابن الزبير المكّي عن عائشة وجابر ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخّر طواف يوم النحر إلى الليل. وفي لفظ طواف الزيارة قال الترمذي : حديثٌ حَسَن .

وهذا الحديث غلطٌ بيّن ، خلاف المعلوم مِن فِعْلِهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لا يشكّ فيه أهل العلم بحَجّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن نذكر كلام الناس فيه :

قال الترمذي في كتاب العلل له : سألتُ محمّد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث وقلت له : سمع ابن الزبير مِن عائشة وابن عبّاس ؟ قال : أمّا مِن ابن عبّاس فنعم ، وإنّ في سماعه مِن عائشة نظراً.

وقال أبو الحسن ابن القطّان : عندي أنّ هذا الحديث ليس بصحيح ، إنّما طاف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذٍ نهاراً ، وإنّما اختلفوا هل صلّى الظهر بمكّة ، أو رجع إلى مِنى فصلّى الظهر بعد أن فرغ مِن طوافه ؟ فابن عمر يقول : إنّه رجع إلى مِنى فصلّى الظهر بها ، وجابر يقول : إنّه صلّى الظهر بمكّة ، وهو ظاهر حديث عائشة مِن غير رواية أبي الزبير هذه التي فيها أنّه أخّر الطواف إلى الليل ، وهذا شيء لم يُرْوَ إلاّ مِن هذه الطريق .

وأبو الزبير مدلّس ولم يذكر هاهنا سماعاً مِن عائشة ، وقد عُهِد يروي عنها بواسطة ، ولا أيضاً مِن ابن عبّاس فقد عُهد كذلك يروي عنه بواسطة وإن

١٩

كان قد سمع منه ، فيجب التوقّف فيما يرويه أبو الزبير عن عائشة وابن عبّاس ممّا لا يذكر فيه سماعاً منهما ، لِما عُرف به مِن التدليس ولو عُرف سماعه منهما لغير هذا ، فأمّا ولم يصحّ لنا أنّه سمع مِن عائشة فالأمر بيّن في وجوب التوقّف فيه ، وإنّما تختلف العلماء في قبول حديث المدلّس ؛ إذا كان عمّن قد علم لقاؤه له وسماعه منه ، هاهنا يقول قوم يُقبل ويقول آخرون يُردّ ما يعنعنه عنهم حتّى يُبيّن في حديثٍ حديث ، وأمّا ما يعنعنه المدلّس عمّن لم يعلم لقاؤه له ولا سماعه منه ، فلا أعلم الخلاف فيه بأنّه لا يُقبل ، ولو كنّا نقول بقولِ مسلم أنّ معنعن المتعاصرين محمول على الاتصال ولو لم يعلم التقاؤهما ، فإنّما ذلك في غير المدلّسين .

وأيضاً ، فما قدّمناه مِن صحّة طواف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذٍ نهاراً ، والخلاف في ردّ حديث المدلّسين حتّى يعلم اتّصاله أو قبوله حتّى تعلم اتّصاله ، إنّما هو إذا لم يعارضه ما لا شكّ في صحّته ، وهذا فقد عارضه ما لا شكّ في صحّته انتهى كلامه .

ويدلّ على غلطه على عائشة : أنّ أبا سَلَمَة بن عبد الرحمن روى عن عائشة أنّها قالت : حَجَجْنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأفَضْنا يوم النَحْر .

وروى محمّد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أَذِنَ لأصحابه فزاروا البيت يوم النَحْر ظهيرةً ، وزار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع نسائه ليلاً ، وهذا غلط أيضاً قال البيهقي : وأصحّ هذه الروايات حديث نافع عن ابن عمر ، وحديث جابر وحديث أبي سَلَمَة عن عائشة ، يعني أنّه طاف نهاراً .

قلت : وإنّما نشأ الغلط مِن تسمية الطواف ، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٢٠