استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٣

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 478

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 478
المشاهدات: 242790
تحميل: 6749


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 478 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 242790 / تحميل: 6749
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والأفظع مِن ذلك كلّه ما رواه الحافظ الخطيب البغدادي مسنداً إلى أبي إسحاق الفزاري أنّه قال : ( كنت آتي أبا حنيفة أسأله عن الشيء مِن أمر الغزو ، فسألته عن مسألة فأجاب فيها .

فقلت له : إنّه يروى عن النبيّ كذا وكذا .

قال : دعنا مِن هذا .

وقال : وسألته يوماً آخر عن مسألة فأجاب فيها .

فقلت له : إنّ هذا يروى عن النبيّ فيه كذا وكذا .

فقال : حُكّ هذا بذَنَبِ خنزير )(١) .

ولهذه الأمور وغيرها ، فقد أطال الخطيب البغدادي الكلام بترجمة أبي حنيفة ، فذكر :

( ما قاله العلماء في أمر رأيه والتحذير عنه ) وبدأ بالطعن على مِن قال بالرأي ، وما ورد مِن الأخبار فيه ، وأورد السباب، وأنّه دجّال ، وأنّه ما وُلِد في الإسلام مولود أضرّ منه .

وهكذا سعى الخطيب في ذِكْرِ عيوب أبي حنيفة والحطّ عليه والطعن فيه... بما لا يمكن تأويله وتوجيهه وحمله ، وقد اعتذر قبل أن يشرع في ذلك بأن قال : ( قد سقنا عن أيّوب السنحتياني وسفيان الثوري وابن عيينة وأبي بكر ابن عيّاش وغيرهم مِن الأئمّة أخباراً كثيرة تتضمن تقريظ أبي حنيفة والمدح له والثناء عليه .

والمحفوظ عند نقَلَة الحديث مِن الأئمّة المتقدّمين وهؤلاء المذكورين منهم في أبي حنيفة خلاف ذلك وكلامهم فيه كثير ، لأُمور شنيعةٍ حُفظت عليه ) .

_______________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٤٠١ .

٢٤١

وقال الشيخ عبد الحقّ الدهلوي في ( تحصيل الكمال ) في ترجمة أبي حنيفة في ذكر مسنده الذي جمعه أبو المؤيّد الخوارزمي : ( ورتّبه على أبواب الفقه وذبّ عنه ما تكلّم فيه بعض الناس ، خصوصاً الخطيب البغدادي المتعصّب المكابر مع هذا الإمام العظيم الشأن ، ولقد ناقض هذا الرجل المكابر نفسه في ما ذكر مِن المطاعن والعيوب ، وتهافت كلامه في ذلك وتساقط مِن القلوب ) .

بين أبي حنيفة وسفيان الثوري

إلاّ أنّ هذا لا يجدي نفعاً ، وقد ذكر البخاري في ( التاريخ الصغير ) :

( حدّثنا نعيم بن حمّاد قال : حدّثنا الفزاري قال : كنت عند سفيان ، فنُعي النعمان فقال : الحمد لله كان ينقض الإسلام عروة عروة ، ما وُلد في الإسلام أشأم منه )(١) .

واضطرّ بعض الأعلام لأنْ ينصحوا الناس بعدم الإصغاء لمثل هذه القضايا ، فيقول السبكي :

( فإيّاك ثمّ إيّاك أن تصغي إلى ما اتّفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري ، أو بين مالك وابن أبي ذئب ، أو بين أحمد بن صالح والنسائي ، أو بين أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي ، وهلمّ جرّاً إلى زمان الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام والشيخ تقيّ الدين ابن الصلاح .

فإنّك إن اشتغلت بذلك خشيت عليّك الهلاك )(٢) .

_______________________

(١) التاريخ الصغير للبخاري ٢ : ٩٣ .

(٢) طبقات الشافعية للسبكي ٢ : ٢٧٨ ترجمة الحارث بن أسد المحاسبي .

٢٤٢

لكن ليس بين سفيان وأبي حنيفة فحسب ، فهذا الحميدي شيخ البخاري يقول فيه كما نقل البخاري حيث قال :

( قال أبو حنيفة : قدمت مكّة فأخذت مِن الحجّام ثلاث سُنن : لمّا قعدت بين يديه قال لي : استقبل الكعبة ، فبدأ بشقّ رأسي الأيمن ، وبلغ إلى العظمين .

قال الحميدي : فرجلٌ ليس عنده سُنن مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في المناسك وغيرها ، كيف يُقلّد في أحكام الله في المواريث والفرائض والزكاة والصلاة وأُمور الإسلام )(١) .

ذَكَرَه البخاريّ في الضعفاء

والبخاري نفسه... ذكر أبا حنيفة في الضعفاء... قال الرازي في ( رسالته ) :

( وأمّا البخاري ، فقد ذكر الشافعي في تاريخه الكبير فقال في باب الميم : محمّد بن إدريس الشافعي القرشي ، مات سنة أربع ومائتين ، ثمّ إنّه ما ذكره في باب الضعفاء ، مع علمه بأنّه كان قد روى شيئاً كثيراً مِن الحديث .

ولو كان مِن الضعفاء في هذا الباب لذكره ، كما ذكر أبا حنيفة في هذا الباب ) .

أبو حنيفة في كتاب المنتظم لابن الجوزي

وابن الجوزي أيضاً أورد كلمات الأئمّة في ذمّ أبي حنيفة ، ففي( المنتظم ) :

_______________________

(١) التاريخ الصغير للبخاري ٢ : ٤١ .

٢٤٣

بإسناده المتّصل إلى سعيد بن أبي مريم ، إنّه قال : سألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة قال : لا يُكتب حديثه .

وإلى عبد الله بن عليّ بن عبد الله المديني قال : سألت أبي عن أبي حنيفة فضعّفه جدّاً وقال : روى خمسين حديثاً أخطأ فيها .

وإلى أبي حفص عمرو بن عليّ قال : أبو حنيفة ليس بحافظ ، مضطرب الحديث ، واهي الحديث.

وقال أبو بكر ابن أبي داود : جميع ما روى أبو حنيفة مِن الحديث مائة وخمسون حديثاً أخطأ ـ أو قال غلط ـ في نصفها(١) .

وتكلّم في أبي حنيفة جماعة آخرون مِن الأئمّة ، قال الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) :

( النعمان بن ثابت بن زوطي ، أبو حنيفة الكوفي ، إمامُ أهل الرأي ، ضعّفه النسائي مِن جهة حفظه وابن عدي وآخرون ، وترجم له الخطيب في فصلين مِن تاريخه ، واستنوع كلام الفريقين معدّليه ومضعّفيه )(٢) .

وفي ( الميزان ) أيضاً :

( إسماعيل بن حمّاد بن النعمان بن ثابت الكوفي ، عن أبيه عن جدّه ، قال ابن عدي ثلاثتهم ضعفاء )(٣) .

وقال المناوي بشرح حديث ( إذا طلعت الثريا أمن الزرع مِن العاهة ) في ( فيض القدير ) :

_______________________

(١) المنتظم في تاريخ الأمم ٨ : ١٣٤ ـ ١٣٥ .

(٢) ميزان الاعتدال ٧ : ٣٧ ـ ٣٨ / ٩٠٩٩ .

(٣) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨٢ / ٨٦٧ .

٢٤٤

 ( وفيه شعيب بن أيّوب الصريفني ، أورده الذهبي في الضعفاء ، وقال أبو داود : أخاف الله في الرواية عنه والنعمان بن ثابت الإمام ، أورده الذهبي في الضعفاء وقال : قال ابن عدي : عامّة ما يرويه غلط وتصحيف وزيادات ، وله أحاديث صالحة )(١) .

تكلّم أحمد في أبي حنيفة

وأحمد بن حنبل أيضاً تكلّم في أبي حنيفة ، وأوضح ذلك البيهقي ، قال الرازي في الثناء على الشافعي :

( الحجّة الثالثة : إنّ أكابر علماء الحديث أقرّوا له بالفضل والقوّة في هذا العِلم رُوي أنّ أحمد بن حنبل سُئل : هل كان الشافعي صاحب حديث ؟ فقال : إي والله كان صاحب حديث ، وكرّرها ثلاثاً .

وروينا أنّه سمع الموطّأ عليه وقال : إنّه ثبْتٌ فيه .

وسئل أحمد بن حنبل عن مالك فقال : حديث صحيح ورأي ضعيف .

وسئل عن الأوزاعي فقال كذلك .

وسئل عن الشافعي فقال : حديث صحيح ورأي قويّ .

وسئل عن أبي فلان ، فقال : لا رأي ولا حديث .

قال البيهقي : وإنّما قال أحمد عن مالك ذلك ؛ لأنّه كان يترك الحديث الصحيح لعمل أهل المدينة .

وإنّما قال عن الأوزاعي ذلك ؛ لأنّه كان يحتجّ بالمقاطيع والمراسيل في بعض المسائل ثمّ يقيس عليها .

_______________________

(١) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ١ : ٣٩٩ .

٢٤٥

وإنّما قال في الشافعي ذلك ؛ لأنّه كان لا يرى الاحتجاج إلاّ بالحديث الصحيح ثمّ يقيس الفروع عليها .

وإنّما قال في أبي فلان ذلك ، لأنّه كان يقبل المجاهيل والمقاطيع والمراسيل وما وقع إليه مِن حديث بلده وإن كان ضعيفاً يترك القياس لأجله ، وما رفع إليه مِن أحاديث سائر البلاد وإن كان صحيحاً لم يقبله بل عدل إلى الاستحسان والقياس ) .

جَهْلُه بعِلْم الحديث وطلبه الرئاسة

والسبب في ذلك كلّه جهله بعلم الحديث وأصوله وقواعده ، وطلبه لعلم الفقه حبّاً للدنيا وطلباً للرياسة والشهرة ، كما ذُكر فيما رُوي بالإسناد عن أبي يوسف قال :

( قال أبو حنيفة : لمّا أردت طلب العلم جعلت أتخيّر العلوم وأسأل عن عواقبها .

فقيل لي : تعلّم القرآن .

فقلت : إذا تعلّمت القرآن وحفظته فما يكون آخره ؟

قالوا : تجلس في المجلس بالمسجد ويقرأ عليك الصبيان والأحداث ، ثمّ لا تلبث أن يخرج فيهم مَن هو أحْفَظ منك أو يساويك في الحِفظ فيذهب رياستك .

قلت : فإن سمعت الحديث وكتبته حتّى لم يكن في الدنيا أحفظ منّي ؟

قالوا : إذا كبرت وضعفت حدّثْتَ واجتمع عليك الأحداث والصبيان ، ثمّ لايأمَن أن تغلط فيرموك بالكذب ، فيصير عاراً عليك في عَقِبِك .

فقلت : لا حاجة لي في هذا .

٢٤٦

ثمّ قلت : أتعلّم النحو ، فقلت : إذا حفظت النحو والعربيّة ما يكون آخر أمري ؟

قالوا : تقعد مُعلِّماً فأكبر رزقك ديناران أو ثلاثة .

قلت : وهذا لا عاقبة له .

قلت : فإن نظرت في الشِعْر ، فلم يكن أحد أشعر منّي ما يكون أمري ؟

قالوا : تمدح هذا ، فيهب لك أو يحملك على دابّة ويخلع عليك خلعة ، وإن حرمك هجوته فصرتَ تقذف المحصنات .

فقلت : لا حاجة لي في هذا .

قلت : فإن نظرت في الكلام ما يكون آخره ؟

قالوا : لا يسلم مَن نظر في الكلام مِن مشنّعات الكلام ، فيُرمى بالزندقة ، فإمّا أن يؤخذ فيقتل وإمّا أن يسلم فيكون مذموماً ملوماً .

قلت : فإن تعلّمت الفقه ؟

قالوا : تُسأل وتُفتي الناس وتُطلب للقضاء وإن كنت شابّاً .

قلت : ليس في العلوم شيء أنفع مِن هذا فلزمت الفقه وتعلّمته )(١) .

فظهر أنّ الرجل لم يتعلّم القرآن والحديث والكلام ، ولو صرفنا النظر عن علم الكلام واعتذرنا له بترك غيره مِن علمائهم هذا العلم أيضاً ، كالشافعي الذي ذمّ الكلام بشدّةٍ ، فما العذر في ترك القرآن والحديث ؟

فضل علم الحديث

قال الكرماني في ( شرح البخاري ) :

_______________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٣١ .

٢٤٧

 ( أمّا بعد ؛ فإنّ علم الحديث بعد القرآن هو أفضل العلوم وأعلاها وأجلّ المعارف وأسناها ، مِن حيث إنّه به يعلم مراد الله تعالى مِن كلامه ، ومنه يظهر المقاصد مِن أحكامه ؛ لأنّ أحكام القرآن جلّها بل كلّها كليّات ، والمعلوم منه ليس إلاّ أُمور إجماليّات ، كقوله : ( أَقِيمُواْ الصلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ) .

فإنّ السُنّة هي المُعرِّفة بجزئيّاتها ، كمقادير أوقات الصلاة وأعداد ركعاتها وكميّاتها وكيفيّاتها وفرائضها ونوافلها وهيئاتها وآدابها وأوضاعها وصفاتها ، وهي الموضّحة لمعضلاتها كأقدار نُصُب الزكاة وأنواع ما يجب فيها وأوقات الأداء ، ومَن وجبت عليه وما وجب منها وهلمّ جرّاً .

ولذلك كان أعلى العلماء قدراً وأنورهم بدراً وأفخمهم خطراً وأنبلهم شأناً وأعظمهم عند الله منزلةً ومنزلاً وأكرمهم مكانةً ومكاناً : حملة السُنّة النبويّة وناقلوا أخبارها وحفظة الأحاديث وعاقلوا أسرارها ومحقّقوا ألفاظها وأرباب رواياتها ومدقّقوا معانيها وأصحاب درايتها ، وهم الطائفة المنصورة المشيّدة لمباني الحقّ والمسالك ، ولن يزالوا ظاهرين عليه حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك )(١) .

وما أكثر الأحاديث في فضل رواية الحديث ، وقد روى في ( كنز العمال ) :

( اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون مِن بعدي ، يَرْوون أحاديثي وسنّتي ويعلّمونها الناس طس عن عليّ .

رحمة الله على خلفائي قيل : ومَن خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال الذين يحيون سنّتي ويُعلّمونها الناس أبو نصر السجزي في الإبانة وابن عساكر عن

_______________________

(١) الكواكب الدراري في شرح البخاري ـ مقدمة الكتاب

٢٤٨

الحسن بن عليّ )(١) .

ذمّ طلب الشهرة

وما أكثر الأحاديث أيضاً في ذمّ طلب الشهرة والرياسة روى في ( كنز العمال ) :

( احذروا الشهوة الخفيّة : العالِم يُحبّ أن يُجلَس إليه فر عن أبي هريرة .

مَن ابتغى العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يُقبَل أفئدة الناس إليه ، فإلى النار ك هب عن كعب بن مالك .

مَن تعلّم علماً ممّا يُبتغى به وجه الله ، لا يتعلّمه إلاّ ليصيب عَرَضاً مِن الدنيا ، لم يجد عُرْف الجنّة يوم القيامة حم ده ك عن أبي هريرة .

مَن تعلّم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه ، أدخله الله جهنّم ه عن أبي هريرة .

مَن تعلّم صَرْف الكلام ليسبي به قلوب الناس ، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولاعدلاً د عن أبي هريرة .

لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء أو لتماروا به السفهاء أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم ، فمَن فعل ذلك فهو في النار ه عن حذيفة .

لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لتحبروا به المجالس ، فمَن فعل ذلك فالنّار النّار. ه حب ك عن جابر .

مَن تعلّم العلم لغير الله فليتبوّأ مقعده مِن النّار ت عن ابن عمر .

مَن تعلّم العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به

_______________________

(١) كنز العمال ١٠ : ٢٢١ / ٢٩١٦٧ و ١٠ : ٢٢٩ / ٢٩٢٠٩ .

٢٤٩

وجوه الناس إليه ، أدخله الله النّار. ت عن كعب بن مالك .

مَن طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء في المجالس ، لم يُرح رائحة الجنّة طب عن معاذ .

مَن طلب العلم ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف وجوه الناس ، فليتبوّأ مقعده مِن النّار أبو نعيم في المعرفة كر عن أنس .

مَن طلب علماً ليباهي به الناس فهو في النّار ابن عساكر عن أمّ سَلَمة )(١) .

ذمّ حبّ الرئاسة

هذا ، وقد حمل أبا حنيفة حبُّ الجاه وخدمة السلطان الجائر ؛ مِن أجل الوصول إلى الأغراض الدنيوية الدنيئة ، على أن يحاول إفحام الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في مسائل ، لكي يسقط مِن أعين الناس ، وقد حكى هو الخبر عن ذلك كما في كتاب ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) لقاضي القضاة الخوارزمي حيث جاء فيه :

( أبو حنيفة ، قال : جعفر بن محمّد أفقه مَن رأيت ، ولقد بعث إليّ أبو جعفر المنصور أنّ النّاس قد فُتنوا بجعفر بن محمّد ، فهيّئ له مسائل شداداً ، فلخّصت أربعين مسألة وبعثت بها إلى المنصور بالحيرة ، ثمّ أبرد إليّ ، فوافيته على سريره وجعفر بن محمّد عن يمينه ، فوجدت مِن جعفر هيبة لم أجدها مِن المنصور ، فأجلسني .

_______________________

(١) كنز العمال ١٠ : ١٨٥ ـ ٢٠٢ الأحاديث : ٢٨٩٦٥ ، ٢٩٠١٥ ، ٢٩٠٢٠ ، ٢٩٠٢١ ، ٢٩٠٢٢ ، ٢٩٠٣٢ ، ٢٩٠٣٣ ، ٢٩٠٣٥ ، ٢٩٠٣٦ ، ٢٩٠٥٦ ، ٢٩٠٥٧ .

٢٥٠

ثمّ التفت إلى جعفر قائلاً : يا أبا عبد الله ! هذا أبو حنيفة .

فقال : نعم أعرفه .

ثمّ قال المنصور : سله ما بدا لك يا أبا حنيفة .

فجعلت أسأله ويجيب الإجابة الحسنة ، ويفحم ، حتّى أجاب عن أربعين مسألة ، فرأيته أعلم النّاس باختلاف الفقهاء ؛ فلذلك أحْكُم أنّه أفقه مَن رأيت .

أخرجه الحافظ طلحة ، عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن الحسين ، عن أبي نجيح إبراهيم بن محمّد، عن الحسن بن زياد ، عن أبي حنيفة )(١) .

رأي الفيروزآبادي في أبي حنيفة

وفي المتأخرين مِن العلماء أيضاً مَن يطعن في أبي حنيفة بشدّة بل يكفّره بصراحة ، كالفيروزآبادي صاحب القاموس ، وهذا ما حمل الشيخ عليّ القاري على أن يقول في ( رسالته ) :

( وقد أبدع صاحب القاموس ، حيث ترك المروة والناموس ، وأطنب في وصف ابن عربي إلى حدٍّ يعتقد الجاهل أنّه أفضل الخلائق ، وطعن في إمام الأئمّة ومقتدى الأُمّة مولانا أبي حنيفة بل قيل : وكفّره ، لكنّه أنكره ، مع علمه بأنّ علم الإمام ملأ الخافقين ، وعلمه وزهده اشتهر بين الثقلين ، ومِن المعلوم عند صاحب الدين على وجه اليقين أنّ قلامة ظفر الإمام خير مَن ملأ الأرض مِن مثل ابن عربي فيما بين الأنام .

ولم ينكر على ابن عربي في : أنّه يبيح المكث للجُنُب والحائض في

_______________________

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ .

٢٥١

المسجد ، مصادمةً لقولهعليه‌السلام : لا أُحلّ المسجد لجُنُب ولا حائض ، وفي قوله : الرياضة إذا كملت اختلط ناسوت صاحبها باللاهوت ، مع أنّه عين مذهب النصارى .

وفي قوله : مات فرعون طاهراً مطهّراً ، مع كونه معارضاً للآيات والأحاديث الواضحات كما بيّنتُه في رسالة مستقلّة ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مَن ترك الصلاة ثلاثة أيّام عامداً متعمّداً دخل النّار خالداً مخلّداً ، وحُشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي خلف ، على مارواه الإمام أحمد وغيره .

ونقل الجزري وابن عبد السلام والسبكي عنه إنّه يقول بقِدَم العالم ، وبتحليل كلّ فرج مِن بني آدم ، وأمثال ذلك ممّا هو كفر صريح وليس له تأويل صحيح ).

٢٥٢

محمّد بن إدريس الشافعي

وقد عدّوا في الطبقة الثالثة مسند الشّافعي ، ولم يجعلوه مِن الصحاح الستّة ؛ لكونه يجمع بين الصحيح والسقيم ، والصدق والكذب ، والغثّ والسمين...

وقد أخرج مسلم وغيره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : مَن روى حديثاً يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين(١) .

وعليه ، فلا اعتبار بكتاب الشافعي ورواياته وفتاواه عند القوم ، وإنّه ليشمله كلّ ما ذُكر في كتبهم مِن الذمّ لرواية الأخبار المكذوبة ، مِن الأحاديث وكلمات العلماء ، كابن الجوزي في ( تلبيس إبليس ) .

مضافاً إلى تكلّم ابن معين في الشافعي وجرحه بصراحة ، قال الذهبي ـ فيمَن لا يضرّه قدح القادحين ـ :

( ومنهم محمّد بن إدريس الشافعي ، الإمام الذي سارت الركبان بفضائله ومعارفه ، فهو حافظ ثبْتٌ نادر الغلط ، حتّى أنّ أبا زرعة قال : ما عند الشافعي حديث غلط فيه وقال أبو داود : ما أعلم للشافعي قط حديثاً أخطأ فيه وقد رُوي أنّ ابن معين قال فيه : ليس بثقة... )(٢) .

_______________________

(١) صحيح مسلم ١ : ١٠ .

(٢) ميزان الاعتدال ، سِيَر أعلام النبلاء ١٠ : ٤٧ ـ ٤٨ .

٢٥٣

تكلّم ابن معين فيه

وقد ذكر السبكي تكلُّم ابن معين في الشافعي في كلامٍ له في تكلّم الأئمّة بعضهم في بعض... كما تقدّم نصّه سابقاً .

وقال القاضي أبو اليمن في ( مختار تاريخ بغداد ) بعد ذِكر اعتذار الخطيب مِن إيراد مطاعن أبي حنيفة : ( ما اتّفق قول الخطيب في هذا الفصل وفعله ، بل اختلفا وتباينا ، فإنّه قال : نحن معتذرون بأنّ أبا حنيفة... ولِمَ لم يذكر عند ذكره أخبار محمّد بن إدريس الشافعي في هذا الكتاب بعض ما قاله فيه الناس ، هل أورد الحسن ولم يورد القبيح ؟! ولا حكى عن يحيى بن معين ما قاله فيه ممّا لا نستجيز نحن ـ بحمد الله ـ تسطيره ، ونِعْم ما فعل الخطيب في ذلك الإمام الجليل القدر أعني الشافعي... ) .

فمِن هذا الكلام يظهر أنّ ابن معين قال القبيح في حقّ الشافعي .

ثمّ إنّ ابن معين ينصّ على أنّ كلّ مَن تكلّم هو فيه فهو كذّاب... فقد ( قال هارون بن بشير الرازي : رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة رافعاً يديه يقول : اللّهمّ إن كنتُ تكلّمت في رجلٍ ليس هو عندي كذّاباً فلا تغفر لي )(١) .

ومِن هذا الكلام يُفهم أنّه ما تكلّم في أحدٍ وكذّبه إلاّ بعد ثبوت ذلك عنده .

ترجمة ابن معين

وكما يفهم مِن هذا الكلام شدّة ورعه وقوّة علمه ، كذلك تجد

_______________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ٢ : ١٥٧ .

٢٥٤

التصريحات بحقّه مِن سائر العلماء الأعلام :

قال النووي :

( هو إمام الحديث في زمانه والمعوَّل عليه فيه...

روى عنه : أحمد بن حنبل وزهير بن حرب ومحمّد بن يحيى الذهلي ومحمّد بن سعد وأبو زرعة الرازي والدمشقي وأبو حاتم والبخاري ومسلم وأبو داود... وخلائق لا يُحْصَون .

وأجمعوا على إمامته وتوثيقه وحفظه وجلالته وتقدّمه في هذا الشأن واضطلاعه فيه .

قال الخطيب : كان إماماً ربّانيّاً عالماً حافظاً ثبتاً متقناً .

قال أحمد بن حنبل : السماع مِن يحيى بن معين شفاء لما في الصدور .

وقال عليّ بن المديني : ما رأيتُ في الناس مثله .

وقال أحمد بن حنبل : يحيى بن معين رجل خلقه الله لهذا الشأن ، يُظهر كذب الكذّابين ، وكلّ حديث لا يعرفه يحيى ليس بحديث .

وقال عبّاس الدوري : رأيت أحمد بن حنبل في مجلس روح بن عبادة يسأل يحيى بن معين عن أشياء ، يقول له : يا أبا زكريا ، كيف حديث كذا وكذا ؟ كيف حديث كذا وكذا ؟ يستثبته في أحاديث سمعوها ، فكلّ ما قال يحيى كتبه أحمد .

وقال هارون بن بشير الرازي : رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة رافعاً يده يقول : اللّهمّ إن كنتُ تكلّمت في رجل ليس هو عندي كذّاباً فلا تغفر لي .

وقال يحيى : لو لم نكتب الحديث مِن ثلاثين وجهاً ما علّقناه .

وروينا عن أحمد بن عقبة قال : سمعت يحيى بن معين يقول : كتبت

٢٥٥

بيدي هذه ستمائة ألف حديث قال ابن عقبة : وأظنّ المحدّثين كتبوا له ستمائة ألف وستمائة ألف .

وقال محمّد بن عبد الله : خلّف يحيى مِن الكتب مائة قمطراً وأربعة عشر قمطراً وأربعة حباب مملوءة كتباً .

وقال عليّ بن المديني : ما أعلم أحداً كتب مِن الحديث ما كتب يحيى ابن معين...

وذكر ابن أبي حاتم ـ في أوّل كتابه الجرح والتعديل ـ بإسناده عن أبي عبيد القاسم بن سلاّم قال : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ـ وهو أكتبهم ـ وعليّ بن المديني وأبي بكر ابن أبي شيبة...

وأحواله وفضائله ـرضي‌الله‌عنه ـ غير منحصرة واتّفقوا على أنّه توفّي بمدينة رسول الله وغُسّل على السرير الذي غسّل عليه رسول الله ، وحُمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله ونودي عليه : هذه جنازة يحيى بن معين ذابّ الكذب عن رسول الله ، والناس يبكون ، واجتمعوا في جنازته خلْق لا يُحْصَون ، ودفن بالبقيع )(١) .

وقال السمعاني :

( كان إماماً ربانيّاً عالماً حافظاً ثبتاً متقناً مرجوعاً إليه في الجرح والتعديل...

روى عنه مِن رفقائه : أحمد بن حنبل وأبو خيثمة ومحمّد بن إسحاق الصّغاني ومحمّد بن إسماعيل البخاري وأبو داود السجستاني وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهم .

_______________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٥٦ ـ ١٥٩ .

٢٥٦

وانتهى علمُ العلماء إليه حتّى قال أحمد بن حنبل : هاهنا رجل خلقه الله لهذا الشأن ، يُظهر كذب الكذّابين ـ يعني : يحيى بن معين .

وقال عليّ بن المديني : لا نعلم أحداً مِن لدن آدم كتب مِن الحديث ما كتب يحيى بن معين .

قال أبو حاتم الرازي : إذا رأيت البغدادي يحبّ أحمد بن حنبل فاعلم أنّه صاحب سنّة ، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنّه كذّاب .

... مات لسبع ليالٍ بقين مِن ذي الحجّة سنة ٢٣٣ه )(١) .

وقال الذهبي :

( هو الإمام الحافظ الجهبذ شيخ المحدّثين... أحد الأعلام...

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سُئل أبي عن يحيى فقال : إمام .

وقال النسائي : أبو زكريا أحد الأئمّة في الحديث ثقة مأمون .

وقال محمّد بن هارون الفلاّس : إذا رأيت الرجل يقع في يحيى بن معين فاعلم أنّه كذّاب يصنع الحديث ، وإنّما يبغضه لما يبيّن مِن أمر الكذّابين .

قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : كان أعلمنا بالرجال يحيى بن معين... )(٢) .

هذا ، وتوجد ترجمة يحيى بن معين في الكتب التالية أيضاً :

١ ـ الطبقات الكبرى ٧ : ٣٥٤ .

٢ ـ تاريخ بغداد ١٤ : ١٧٧ .

٣ ـ وفيات الأعيان ٦ : ١٣٩ .

٤ ـ تهذيب الكمال ٣١ : ٥٤٣ .

٥ ـ تذكرة الحفّاظ ٢ : ٤٢٩ .

٦ ـ تهذيب التهذيب ١١ : ٢٨٠ .

٧ ـ النجوم الزاهرة ٢ : ٢٧٣ .

_______________________

(١) الأنساب ٥ : ١٥٤ .

(٢) سِيَر أعلام النبلاء ١١ : ٧١ ـ ٩٦ .

٢٥٧

أحمد بن حنبل

قال السبكي في وصف مسند أحمد بترجمته :

( وألّف مسنده ، وهو أصل مِن أُصول هذه الأُمّة .

قال الإمام الحافظ أبو موسى محمّد بن أبي بكر المدينيرضي‌الله‌عنه : هذا الكتاب ـ يعني مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني قدّس الله روحه ـ أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث ، اُنتقيَ مِن حديث كثير ومسموعات وافرة ، فجُعل إماماً ومعقداً وعند التنازع ملجأً مسنداً ، على ما أخبرنا والدي وغيره : أنا المبارك بن عبد الجبار ، أنا الحسين كتب إليهما مِن بغداد قال : أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قراءة عليه ، أنا أبو عبد الله ابن محمّد بن محمّد بن حمدان بن عمر ابن بطّة قراءةً عليه ، ثنا أبو حفص عمير بن محمّد محمد بن رجاء ، ثنا موسى بن حمدون البزّار قال : قال لنا حنبل بن إسحاق : جَمَعَنا عمّي يعني الإمام أحمد لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه ـ يعني تامّاً ـ غيرنا ، وقال لنا :

إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته مِن أكثر مِن سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون مِن حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارجعوا إليه ، فإن كان فيه وإلاّ ليس بحجّة .

وقال عبد الله بن أحمد : كتب أبي عشرة ألف ألف حديث ، لم يكتب

٢٥٨

سواداً في بياض إلاّ حفظه .

وقال عبد الله أيضاً : قلت لأبي : لِمَ كرهتَ وضع الكتب وقد عملت المسند ؟ فقال : عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرجع إليه .

وقال أيضاً : خرّج أبي المسند مِن سبعمائة ألف حديث .

قال أبو موسى المديني : ولم يخرج إلاّ عمّن ثبت عنده صدقه وديانته ، دون مَن طُعن في أمانته ، ثمّ ذكر بإسناده إلى عبد الله بن الإمام أحمد قال : سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان فقال : لم أُخرج عنه في المسند شيئاً ، لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته )(١) .

( قال أبو موسى : ومِن الدليل على أنّ ما أودعه الإمام أحمد مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً ، ولم يورد فيه إلاّ ما صحّ سنده : ما أخبرنا أبو عليّ الحدّاد قال : أنا أبو نعيم قال : أنا ابن الحسين وأنا ابن المذهب قالا : أنا القطيعي ثنا عبد الله قال : حدّثني أبي ، ثنا محمّد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن أبي التيّاح قال : سمعت أبا زرعة يحدّث عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

إنّه يهلك أُمّتي هذا الحيّ مِن قريش .

قالوا : فما تأمرنا يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

قال : لو أنّ الناس اعتزلوهم .

قال عبد الله : قال لي أبي ـ في مرضه الذي مات فيه ـ : اضرب على هذا الحديث ، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعني قوله :

_______________________

(١) طبقات الشافعية ٢ : ٣١ .

٢٥٩

اسمعوا وأطيعوا .

وهذا مع ثقة رجال إسناده حيث شذّ لفظه مِن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه ، فكان دليلاً على ما قلناه )(١) .

وفي كتاب ( مناقب أحمد ) للنهرواني المدني : ( قال ابن عساكر ( أمّا بعد ، فإنّ حديث المصطفى به يعرف سُبُل الإسلام والهدى ، ويبنى عليه أكثر الأحكام ، ويؤخذ منه معرفة الحلال والحرام ، وقد دوّن جماعة مِن الأيمّة ما وقع إليهم مِن حديثهعليه‌السلام .

فكان أكبر الكتب التي جمعت فيه هو المسند عظيم الشأن والقدر ، مسند الإمام أحمد وهو كتاب نفيس يرغب في سماعه وتحصيله ويُرحل إليه ، إذ كان مصنّفه الإمام أحمد ، المقدّم في معرفة هذا الشأن ، والكتاب كبير القدر والحجم مشهور عند أرباب العلم ، يبلغ أحاديثه ثلاثين ألفاً سوى المعاد وسوى ما ألحق به ابنه عبد الله مِن أعالي الإسناد ، وكان مقصود الإمام في جمعه أن يرجع إليه في الاعتبار مَن بلغه أو رواه .

وقال ابن الجوزي : صحّ عند الإمام أحمد مِن الأحاديث سبع مائة ألف وخمسين ألفاً ـ والمراد بهذه الأعداد الطرق ـ أخرج منها مسنده المشهور الذي تلقّته الأُمّة بالقبول والتكريم وجعله حجّة يرجع إليه ويعوّل عند الاختلاف عليه .

قال حنبل بن إسحاق : جَمَعَنا عمّي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه تامّاً غيرنا ثمّ قال لنا :

هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته مِن أكثر مِن سبع مائة ألف وخمسين

_______________________

(١) طبقات الشافعية ٢ : ٣٢ .

٢٦٠