استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٣

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 478

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 478
المشاهدات: 243114
تحميل: 6757


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 478 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 243114 / تحميل: 6757
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأخبرنا أبو بكر ، ثنا محمّد بن عبد الله بن حمزة ، حدّثنا أحمد بن الخليل ، حدّثنا الأصمعي قال : جاء عمرو بن عبيد إلى عمرو بن العلاء قال : يا أبا عمرو ، أيُخلف الله ما وعده ؟ قال : لا قال : أفرأيت مَن أوعده الله تعالى على عمله عقاباً أنّه يُخْلِف الله تعالى وعيده فيه ؟ فقال أبو عمرو : مِن العجمة أتيت أبا عثمان ، إنّ الوعد غير الوعيد ، إنّ العرب لا تعدّ عيباً ولا خُلْفاً أن تعد شرّاً ثمّ لا تفعل ، بل ترى ذلك كرماً وفضلاً ، وإنّما الخُلف المحال أن تعد خيراً ثمّ لا تفعله قال : فوجد هذا في العرب ؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :

وإنّي إذا أوْعـدتُه أو وعدتُه

لَمُخلِفٌ ميعادي ومنجز موعدي

والذي ذكره أبو عمرو مذهب الكرام ، ومستحسن عند كلّ أحد خُلف الوعيد كما قال السري الموصلي :

إذا وعد السرّاء أنجز وعده

وإن أوعد الضرّاء فالعفو مانعه

وأحسن يحيى بن معاذ في هذا المعنى حيث قال : الوعد والوعيد حقّ ؛

فالوعد حقّ العباد على الله تعالى ، إذ ضمِن لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم كذا ، ومَن أولى بالوفاء مِن الله تعالى ؟ والوعيد حقّه على العباد إذ قال لا تفعلوا كذا فإنّي أُعذّبكم ، ففعلوا ، فإن شاء عفا وإن شاء أخذ لأنّه حقّه ، وأَوْلاهما العفو والكرامة لأنّه غفور رحيم )(١) .

_______________________

(١) شرح العقائد العضديّة .

٤٠١

ممّا ورد عن أهل البيت

في الصحابة

الحديث الأوّل

في قوله تعالى :( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ... ) (١) :

قال علي بن إبراهيم : ( حدّثني أبي ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن المعلّى بن خنيس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :إنّ هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمِنين عليّ بن أبي طالب ؛ فالبعوضة أمير المؤمِنين وما فوقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والدليل على ذلك قوله :( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) يعني أمير المؤمِنين كما أخذ رسول الله الميثاق عليهم ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ) فردّ الله عليهم فقال : ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) في عليّ ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) يعني مِن صلة أمير المؤمِنين والأئمّة عليهم‌السلام ( وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) )(٢) .

الحديث الثاني

في قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ... ) (٣) :

قال علي بن إبراهيم :

( وأمّا قوله :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ) الآية .

_______________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٥ .

(٢) تفسير علي بن إبراهيم القمّي ١ : ٣٥ .

(٣) سورة البقرة ، الآية ٦٣ .

٤٠٢

( كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) فقال عثمان : يا أبا ذر إنّك شيخ قد خَرِفت وذهب عقلك ، ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتُك ، فقال : كذبت يا عثمان أخبرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك ، وأما عقلي فقد بقي مِنه ما أحفظه حديثاً سمعته مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيك وفي قومك ، فقال : وما سمعتَ مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيَّ وفي قومي ؟ قال : سمعت يقولإذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلاً صيّروا مال الله دوَلاً ، وكتاب الله دخَلاً وعباده خِوَلاً والفاسقين حزباً والصالحين حرباً ، فقال عثمان : يا معشر أصحاب محمّد ، هل سمع أحد مِنكم هذا مِن رسول الله ؟ فقالوا : لا ما سمعنا هذا مِن رسول الله .

فقال عثمان : أدع علياً فجاء أمير المؤمِنينعليه‌السلام فقال له عثمان : يا أبا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذّاب فقال أمير المؤمِنين :مه يا عثمان ، لا تقل كذّاب فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق مِن أبي ذر . فقال أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صدق أبو ذر وقد سمعنا هذا مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فبكى أبو ذر عند ذلك فقال : ويلكم ، كلّكم قد مدّ عنقه إلى هذا المال ، ظننتم أنّي أكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم نظر إليهم فقال : مَن خيركم ؟ فقالوا : مَن خيرنا ؟ فقال : أنا فقالوا : أنت تقول إنّك خيرنا ؟ قال : نعم خلّفتُ حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الجبة وهو عن راض ، وأنتم قد أحدثْتُم أحداثاً كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني .

فقال عثمان : يا أبا ذر أسألك بحقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ما أخبرتني عن شيء أسألك عنه فقال أبو ذر : والله لو لم تسألني بحقّ محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً لأخبرتك .

فقال : أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها ؟ فقال : مكّة حرم الله وحرم رسول الله ، أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت .

٤٠٣

فقال : لا ولا كرامة لك .

قال : المدينة حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال : لا ولا كرامة لك .

فسكت أبو ذر .

فقال عثمان : أيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها ؟ قال: الرَبَذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام .

فقال عثمان : سِرْ إليها .

فقال أبو ذر : قد سألتني فصدقتك ، وأنا أسألك فاصدقني .

قال : نعم .

قال أخْبِرني لو بعَثْتَني في بَعْثٍ مِن أصحابك إلى المشركين فأسروني فقالوا : لا نفديه إلاّ بثلث ما تملك .

قال : كنت أفديك .

قال : فإن قالوا لا نفديه إلاّ بنصف ما تملك .

قال : كنت أفديك .

قال : فإن قالوا لا نفديه إلاّ بكلّ ما تملك .

قال : كنت أفديك .

قال أبو ذر : الله أكبر قال حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً :يا أبا ذر وكيف أنت إذا قيل لك أي البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها ؟ فتقول : مكّة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك : لا ولا كرامة لك فتقول : فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك : لا ولا كرامة لك ثم يقال لك : فأيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها ؟ فتقول : الرَبَذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام فيقال لك : سِرْ إليها فقلت : وإنّ هذا لكائن ؟ فقال : إي والذي نفسي بيده إنّه لكائن فقلت : يا رسول الله أفلا أضع سيفي هذا على عاتقي فأضرب به قُدْماً قدماً ؟ قال : لا اِسمع واُسكت ولو لعبدٍ حبشي وقد أنزل الله فيك وفي عثمان آية فقلت : وما هي يا رسول الله قال : قوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ* ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنكُم مِن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ

٤٠٤

أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) )(١) .

الحديث الثالث

في قوله تعالى :( وَمِن النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... ) (٢) .

قال عليّ بن إبراهيم :( نزلت في الثاني ويقال : في معاوية ) .

والعيّاشي عن الصادق : ( فلان وفلان ) .

وفي ( الصافي ) : ( تشمل عامّة المنافقين وإنْ نزلت خاصّة )(٣) .

الحديث الرابع

في قوله تعالى :( فمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ... ) (٤) .

قال القمّي : ( هم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم )(٥) .

_______________________

(١) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ١ : ٥٢ ـ ٥٤ .

(٢) سورة البقرة ، الآية ٢٠٤ .

(٣) الصّافي في تفسير القرآن ١ : ٢٢٠ .

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٥٦ .

(٥) تفسير القمّي ، عنه الصافي ١ : ٢٦١ .

٤٠٥

الحديث الخامس

في قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ... ) (١) .

قال عليّ بن إبراهيم : ( هم الذين سمّوا أنفسهم بالصدّيق والفاروق وذي النورين... )(٢) .

الحديث السادس

في قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ... ) (٣) .

قال القمّي : ( هم الذين أقرّوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنكروا أمير المؤمِنينعليه‌السلام )(٤) .

الحديث السابع

في قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُواْ .... ) (٥) .

القمّي : ( نزلت في الذين آمنوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إقراراً لا تصديقاً ، ثمّ كفروا لمّا كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردّوا الأمرَ في أهل بيته أبداً ، فلمّا نزلت الولاية وأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الميثاق عليهم لأمير المؤمِنينعليه‌السلام آمنوا إقراراً لا تصديقاً ، فلمّا قضى رسول الله كفروا فازدادوا كفراً .

_______________________

(١) سورة النساء ، الآية ٤٩ .

(٢) الصافي ١ : ٤٢٤ .

(٣) سورة النساء ، الآية ١٥٠ .

(٤) الصافي ١ : ٤٧٧ .

(٥) سورة النساء ، الآية ١٣٧ .

٤٠٦

والعيّاشي عن الباقرعليه‌السلام قال :هما والثالث والرابع وعبد الرحمن وطلحة ، وكانوا سبعة ( الحديث ) وذكر فيه مراتب إيمانهم وكفرهم .

وعن الصادقعليه‌السلام :نزلت في فلان وفلان وفلان ، آمنوا برسول الله في أوّل الأمر ، ثم كفروا حين عُرِضَت عليهم الولاية ، حيث قال : مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمِنين عليه‌السلام ، حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه ، ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يُقرّوا بالبيعة ، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم مَن بايعوه بالبيعة لهم ، فهؤلاء لم يبق فيهم مِن الإيمان شيء )(١) .

الحديث الثامن

في قوله تعالى :( فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء... ) (٢) .

قال عليّ بن إبراهيم : ( يعني أصحابه وقريش ومَن أنكروا بيعة أمير المؤمِنينعليه‌السلام( فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ) يعني شيعة أمير المؤمِنينعليه‌السلام )(٣) .

الحديث التاسع

في قوله تعالى :( لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ... ) (٤) .

_______________________

(١) تفسير الصافي ١ : ٤٧٣ .

(٢) سورة الأنعام ، الآية ٨٩ .

(٣) تفسير القمّي ١ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ .

(٤) سورة الإسراء ، الآية ٤ .

٤٠٧

قال في ( الصافي ) : ( وفي الكافي والعيّاشي عن الصّادقعليه‌السلام أنّه فسّر الإفسادتينبقتل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وطعْن الحسن عليه‌السلام ، والعلوّ الكبير بقتل الحسين عليه‌السلام ، والعباد أولي بأس ، بقومٍ يبعثهم الله قبل خروج القائم ، فلا يَدَعون وِتْراً لآل محمّد إلاّ قتلوه ، ووعد الله بخروج القائم عليه‌السلام وردّ الكرّة عليهم بخروج الحسين عليه‌السلام في سبعين مِن أصحابه عليهم البِيض المذهَّب ، حين كان الحجّة القائم بين أظهرهم .

وزاد العيّاشي :ثمّ يملكهم الحسين عليه‌السلام حتّى بلغ حاجباه إلى عينيه .

والعيّاشي عنهعليه‌السلام :أوّل مَن يكرّ إلى الدنيا الحسين بن عليّ ويزيد بن معاوية وأصحابه ، فيقتلهم حَذْو القِذّةِ بالقذّة ثمّ تلا هذه الآية( ثُمَّ رَدَدْنَا... ) .

وفي روايةٍ أخرى للعيّاشي عن الباقرعليه‌السلام :إنّ العباد أُولي بأس هم القائم وأصحابه عليهم‌السلام .

والقمّي :( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ) أي أعلمناهم ثم انقطعت مخاطبة بني إسرائيل ، وخاطب الله أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :( لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) يعني فلاناً وفلاناً ولأصحابهما ونقضهم العهد( وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً ) ما ادّعوه مِن الخلافة( فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا ) يعني يوم الجَمَل( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) يعني أمير المؤمِنينعليه‌السلام وأصحابه... )(١) .

_______________________

(١) تفسير الصافي ٣ : ١٧٩ .

٤٠٨

الحديث العاشر

في قوله تعالى :( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ... ) (١) :

( قال :الفلق جبٌّ في جهنّم يتعوّذ أهل النار مِن شدّة حرّه ، فسأل الله أن يأذن له أنْ يتنفّس ، فأذن له فتنفّس فأحرق جهنّم .

قال :وفي ذلك الجبّ صندوق مِن نارٍ يتعوّذ أهل الجبّ مِن حرّ ذلك الصندوق ، وهو التابوت ، وفي ذلك التابوت ستّة مِن الأوّلين وستّة مِن الآخِرين .

فأمّا الستّة مِن الأوّلين : فابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود إبراهيم الذي ألقى إبراهيم في النار ، وفرعون موسى ، والسامريّ الذي اتّخذ العجل ، والذي هوّد اليهود ، والذي نصّر النصارى .

وأمّا الستّة مِن الآخِرين ، فهو الأوّل والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم ) (٢) .

الحديث الحادي عشر

في قوله تعالى :( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ... ) (٣) .

في ( تفسير الصافي ) : ( وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام :( أَوْ كَظُلُمَاتٍ ) قال : الأوّل وصاحبه ( يَغْشَاهُ مَوْجٌ ) الثالث ( مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ ) الثاني ( بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) معاوية لعنه الله ، وفِتَن بني أُميّة ( إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ )

_______________________

(١) سورة الفلق ، الآية ١ .

(٢) تفسير القمّي ٢ : ٤٤٩ .

(٣) سورة النور ، الآية ٤٠ .

٤٠٩

المؤمِن في ظلمة فتنتهم ( لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ومَنْ لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً ) إماماً مِن وُلْد فاطمة عليها‌السلام ( فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ) يوم القيامة .

والقمّي عنهعليه‌السلام :( أَوْ كَظُلُمَاتٍ ) فلان وفلان ( فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ) يعني نعثل ( مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ ) طلحة والزبير ( بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) معاوية ويزيد لعنهم الله وفِتَن بني أُميّة ( إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ ) في ظلمة فتنتهم ( لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ومَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً ) يعني إماماً مِن ولد فاطمة عليها‌السلام ( فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ) فما له مِن إمام يمشي بنوره كما في قوله تعالى :( يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ... ) )(١) .

الحديث الثاني عشر

في ( البحار ) عن ( الأمالي ) قال :

( ابن موسى ، عن الأسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير .

عن ابن عبّاس قال :إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالساً ذات يوم ، إذ أقبل الحسن ، فلمّا رآه بكى ثمّ قال : إليَّ إليَّ يا بني ، فما زال يُدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى ، ثمّ أقبل الحسين ، فلمّا رآه بكى ثمّ قال : إليَّ إليَّ يا بني ، فمازال يُدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثمّ أقبلت فاطمة ، فلمّا رآها بكى ، ثمّ قال : إليَّ إليَّ يا بنيّة ، فأجلسها بين يديه ، ثمّ أقبل أمير المؤمِنين عليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى ثمّ قال : إليَّ إليَّ يا أخي ، فما زال يُدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن .

_______________________

(١) تفسير الصافي ٣ : ٤٣٨ .

٤١٠

فقال له الصحابة : يا رسول الله ، ما ترى واحداً مِن هؤلاء إلاّ بكيت ، أو ما فيهم مَن تسترّ برؤيته ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة : إنّي وإيّاهم لأكرم الخَلْق على الله عزّ وجلّ ، وما على وجه الأرض نَسَمَة أحبّ إليّ مِنهم :

أمّا عليّ بن أبي طالب ، فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كلّ مسلم ، وإمام كلّ مؤمِن وقائد كلّ تقيّ ، وهو وصيّي وخليفتي على أهلي وأُمّتي ؛ في حياتي وبعد موتي ، محبّه محبّي ومبغضه مبغضي ، وبولايته صارت أُمّتي مرحومة وبعداوته صارت المخالفة له مِنها ملعونة ، وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأُمّة به بعدي ، حتّى إنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي ، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربة تخضب مِنها لحيته في أفضل الشهور، شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن وهدى للناس وبيّنات مِن الهدى والفرقان .

وأمّا ابنتي فاطمة ، فإنّها سيّدة نساء العالمين مِن الأوّلين والآخِرين ، وهي بضعة منّي ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ ، وهي الحوراء الإنسيّة ، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته : يا ملائكتي اُنظروا إلى أَمَتي فاطمة سيّدة إمائي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها مِن خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أُشهدكم أنّي قد أمِنتُ شيعتها مِن النار ، وإنّي لمّا رأيتها ذكرتُ ما يُصنع بها بعدي ؛ كأنّي بها

٤١١

قد دخل الذلّ بيتها وانتُهكت حرمتها وغصبت حقّها ومُنعت إرثها وكُسر جنبها وأُسقط جنينها وهي تنادي : يا محمّداه فلا تُجاب وتستغيث فلا تُغاث ، فلا تزال محزونة مكروبة باكية تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة وتتذكّر فِراقي أُخرى ، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدتُ بالقرآن ، ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيّام أبيها عزيزة ، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذِكْرُه بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ، ثمّ يبتدئ بها الوجع فتمرض ، فيبعث الله عزّ وجلّ إليها مريم بنت عمران تمرّضها وتؤنسها في علّتها ، فتقول عند ذلك :

يا ربّ ، إنّي قد سئمت الحياة ، وتبرّمت بأهل الدنيا ، فألحقني بأبي .

فيلحقها الله عزّ وجلّ بي ، فتكون أوّل مَن يلحقني مِن أهل بيتي ، فتقدم عليَّ محزونة مكروبةً مغمومة مغصوبةً مقتولةً ، فأقول عند ذلك : اللّهمّ العن مَن ظلمها وعاقب مَن غصبها وذلّل مَن أذلّها وخلّد في نارك مَن ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين )(١) .

الحديث الثالث عشر

الطوسي في ( الأمالي ) بإسناده :

عن ابن عباس قال : (لمّا حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة بكى حتّى بلّت دموعه لحيته ، فقيل : يا رسول الله ، ما يبكيك ؟ فقال :

_______________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٧٢ ـ ١٧٣ و ٢٨ : ٣٧ ـ ٤٠ .

٤١٢

أبكي لذرّيّتي وما يصنع بهم شرار أُمّتي مِن بعدي ، كأنّي بفاطمة بنتي وقد ظُلمت بعدي وهي تنادي : يا أبتاه يا أبتاه ، فلا يعينها أحد مِن أُمّتي ، فسمعت ذلك فاطمة عليها‌السلام فبكت ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تبكينّ يا بنيّة ، فقالت : لست أبكي لما يُصنع بي بعدك ، ولكنّي أبكي لفراقك يا رسول الله ، فقال لها : أبشري يا بنت محمّد بسرعة اللّحاق ، فإنّك أوّل مَن يلحق بي مِن أهل بيتي )(١) .

الحديث الرابع عشر

في ( البحار ) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :

قال أبي : دفع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية يوم خيبر إلى عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام ، ففتح الله عليه، وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنّه مولى كلّ مؤمِن ومؤمِنة وقالعليه‌السلام له :أنت منّي وأنا مِنك ، وقال له : تقاتل على التأويل كما قاتلتُ على التنزيل ، وقال له : أنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى وقال له : أنا سِلْمٌ لمَن سالمت وحرب لمَن حاربت ، وقال له : أنت العروة الوثقى ، وقال له : أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي ، وقال له : أنت إمام كلّ مؤمِن ومؤمِنةٍ بعدي ، وقال له : أنت الذي أنزل فيه ( وَأَذَانٌ مِن اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ) ، وقال له : أنت الآخذ بسنّتي والذابُّ عن ملّتي ، وقال له : أنا أوّل مَن تنشقّ عنه الأرض وأنت معي ، وقال له : أنا عند الحوض وأنت معي ، وقال له : أنا أوّل مَن يدخل الجنّة وأنت بعدي تدخلها والحسن والحسين وفاطمة وقال له : إنّ الله أوحى إليَّ بأن أقوم بفضلك فقمتُ

_______________________

(١) الأمالي للشيخ الطوسي : ١٨٨ / ٣١٦ .

٤١٣

به في الناس وبلّغتهم ما أمرني الله بتبليغه ، وقال له : اتّق الضغائن التي في صدور مَن لا يظهرها إلاّ بعد موتي... )(١) .

الحديث الخامس عشر

في ( البحار ) : ( عن أبي سعيد الخدري قال : أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام بما يلقى بعده ، فبكى عليّعليه‌السلام وقال : يا رسول الله ، أسألك بحقّي عليكم وحقّ قرابتي وحقّ صحبتي لَما دعوت الله عزّ وجلّ أنْ يقبضني إليه ، فقال رسول الله : أتسألني أنْ أدعو ربّي لأجلٍ مؤجّل ؟ قال : فعلى ما أُقاتلهم ؟ قال : على الإحداث في الدين ) (٢) .

الحديث السادس عشر

الصدوق في كتاب ( الأمالي ) :

عن عليّ قال : (بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ التفت إلينا فبكى .

فقلت : ما يبكيك يا رسول الله ؟

فقال : أبكي ممّا يصنع بكم بعدي .

فقلت : وما ذاك يا رسول الله ؟

قال : أبكي مِن ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدّها ، وطعنة الحسن في الفخذ والسمّ الذي يُسقى ، وقتل الحسين .

قال : فبكى أهل البيت جميعاً .

_______________________

(١) بحار الأنوار ٢٨ : ٤٥ و ٣٧ : ١٩٢ .

(٢) بحار الأنوار ٢٨ : ٤٧ و ٣٤ : ٣٣٤ .

٤١٤

فقلت : يا رسول الله ، ما خَلَقَنا ربّنا إلاّ للبلاء .

قال : أبشر يا عليّ ، فإنّ الله عزّ وجلّ قد عهد إليّ أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمِن ولا يبغضك إلاّ منافق )(١) .

الحديث السابع عشر

رواه الشيخ الطوسي في ( الأمالي ) عن قيس بن سعد بن عبادة قال :

( سمعت عليّ بن أبي طالب يقول :أنا أوّل مَن يجثو بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة للخصومة )(٢) .

الحديث الثامن عشر

في ( كتاب سُلَيم بن قيس ) قال : ( سمعت سلمان الفارسي قال :

( لمّا أن قُبض النبيّ وصنع الناس ما صنعوا ، جاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجّة عليّ فقالوا : يا معشر الأنصار ، قريش أحقّ بالأمر مِنكم ؛ لأنّ رسول الله مِن قريش ، والمهاجرون خير مِنكم ؛ لأنّ الله بدأ بهم في كتابه وفضَّلهم وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمّة مِن قريش .

قال سلمان : فأتيت عليّاًعليه‌السلام وهو يُغسِّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان رسول الله أوصى عليّاً أن لا يلي غُسلَه غيره ، فقال :يا رسول الله ، فمَن يعينني على ذلك ؟ فقال : جبرائيل فكان عليّ لا يريد عضواً

_______________________

(١) كتاب الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩٧٥ ، المجلس ٢٨ رقم ٢ .

(٢) كتاب الأمالي للشيخ الطوسي : ٨٥ المجلس ٣ رقم ١٢٨ .

٤١٥

إلاّ قُلِّب له .

لما غسَّله وحنَّطه وكفَّنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فتقدَّم عليّعليه‌السلام وصفَفْنا خلفه وصلّى عليه ، وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها .

ثم أدخل عشرة مِن المهاجرين وعشرة مِن الأنصار ؛ فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون ، حتى لم يبق أحد شهد مِن المهاجرين والأنصار إلاّ صلّى عليه .

قال سلمان الفارسي : فأخبرت عليّاًعليه‌السلام ـ وهو يغسِّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بما صنع القوم ، وقلت : إنّ أبا بكر الساعة لعَلى مِنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة وإنّهم ليبايعونه بيديه جميعاً ، بيمينه وشماله !

فقال عليّعليه‌السلام :يا سلمان ، وهل تدري مَن أوّل مَن بايعه على مِنبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت : لا ، إلاّ أنّي رأيته في ظلّة بني ساعدة حين خصمت الأنصار ، وكان أوّل مَن بايعه المغيرة بن شعبة ، ثمّ بشير بن سعيد ثمّ أبو عبيدة الجرّاح ، ثم عمر بن الخطّاب ، ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل .

قالعليه‌السلام :لست أسألك عن هؤلاء ، ولكن هل تدري مَن أوّل مَن بايعه حين صعد المِنبر ؟ قلت : لا ، ولكنّي رأيت شيخاً كبيراً يتوكَّأ على عصاه ، بين عينيه سجّادة شديدة التشمير ، صعد المِنبر أوّل مَن صعد وخرَّ وهو يبكي ويقول : الحمد لله الذي لم يمتني حتّى رأيتك في هذا المكان ، ابسط يدك فبسط يده فبايعه ، ثمّ قال : يوم كيوم آدم ! ثم نزل فخرج مِن المسجد.

فقال عليّعليه‌السلام :يا سلمان ، أتدري مَن هو ؟ قلت : لا ، لقد ساءتني مقالته كأنّه شامت بموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤١٦

قال عليّعليه‌السلام :فإنّ ذلك إبليس لعنه الله .

أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياي يوم غدير خم بأمر الله ، وأخبرهم بأنّي أولى بهم مِن أنفسهم وأمرهم أن يُبلغ الشاهد الغائب فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا : إنّ هذه الأمّة أمّة مرحومة معصومة ، فمالك ولا لنا عليهم سبيل ، وقد أُعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيِّهم .

فانطلق إبليس كئيباً حزيناً .

قال أمير المؤمِنينعليه‌السلام :أخبرني رسول الله ( صلّى الله عيه وآله ) بعد ذلك وقال : يبايع الناس أبا بكر في ظلّة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقّنا وحجّتنا ثم يأتون المسجد فيكون أوّل مَن يبايعه على مِنبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمَّر يقول كذا وكذا ثمّ يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرّون سجَّداً فيقولون : يا سيِّدنا ، يا كبيرنا ، أنت الذي أخرجت آدم مِن الجنّة فيقول : أيَّ أمة لن تضلَّ بعد نبيّها ؟ كلاّ ، زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل ؟ فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به مِن طاعته وأمرهم به رسول الله ، وذلك قوله تعالى :( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلاّ فَرِيقاً مِن الْمُؤْمِنينَ ) (١) .

_______________________

(١) كتاب سُلَيم بن قيس : ١٤٣ ـ ١٤٥ ، الطبعة المحقّقة في مجلَّد واحد .

٤١٧

الحديث التاسع عشر

في ( تفسير الإمام الحسن العسكري ) في حديثٍ طويل : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(يا عليّ ، إنّ أصحاب موسى اتّخذوا بعده عِجلاً وخالفوا خليفته ، وستتّخذ أُمّتي بعدي عِجلاً ثمّ عِجلاً ثمّ عِجلاً ويخالفونك ، وأنت خليفتي على هؤلاء يضاهون أولئك في اتّخاذهم العجل ، ألا فمَن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيع الأعلى ، ومَن اتّخذ العجل بعدي وخالفك ولم يتب ، فأُولئك مع الذين اتّخذوا العجل زمان موسى عليه‌السلام ولم يتوبوا ، في نار جهنّم خالدين مخلَّدين )(١) .

الحديث العشرون

في ( كشف الغمّة ) عن جابر بن عبد الله الأنصاري :

(قال : دخلت فاطمةعليها‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو في سَكَرات الموت ـ فانكبّت عليه تبكي ، ففتح عينه وأفاق ثمّ قال :يا بنيّة ، أنت المظلومة بعدي وأنت المستضعفة بعدي ، فمَن آذاك فقد آذاني ، ومَن غاضك فقد غاضني ، ومَن سرّك فقد سرّني ، ومَن تركك فقد تركني ، ومَن جفاك فقد جفاني ، ومَن وصلك فقد وصلني ، ومَن قطعك فقد قطعني ، ومَن أنصفك فقد أنصفني ، ومَن ظلمك فقد ظلمني ؛ لأنّك منّي وأنا مِنك ، وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبيّ .

ثمّ قال : إلى الله أشكو ظالميك مِن أُمّتي .

_______________________

(١) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٤٠٩ .

٤١٨

ثمّ دخل الحسن والحسين ، فانكبّا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما يبكيان ويقولان :أنفسنا لنفسك الفداء يا رسول الله فذهب عليّ ليُنحّيهما عنه ، فرفع رأسه إليه ثمّ قال : دعهما ـ يا أخي ـ يشمّاني وأشمّهما ، ويتزوّدان وأتزوّد مِنهما، فإنّهما مقتولان بعدي ظلماً وعدواناً فلعن الله على مَن يقتلهما .

ثمّ قال :يا عليّ ، أنت المظلوم بعدي ، وأنا خصم لمَن أنت خصمه يوم القيامة )(١) .

الحديث الحادي والعشرون

في كتاب ( المحتضر ) للحسن بن سليمان ، بإسناده إلى سعيد بن جبير :

عن ابن عبّاس قال : ( كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالساً ، إذ أقبل الحسن ،فلمّا رآه بكى ثمّ قال : إليَّ يا بنيّ ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثمّ أقبلت فاطمة ، فلمّا رآها بكى ثمّ قال : إليّ يا بنيّة ، فما زال يدنيها حتّى أجلسها بين يديه ، ثمّ أقبل أمير المؤمِنين علي بن أبي طالب ، فلمّا رآه بكى ، ثمّ قال : إليّ يا أخي ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن .

فقال له أصحابه : يا رسول الله ، ما ترى أحداً مِن هؤلاء إلاّ بكيت ؟

قال :يا ابن عبّاس : لو أنّ الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه ولن يفعلوا ، يعذّبهم الله بالنار .

قلت : يا رسول الله ، هل يبغضه أحد ؟

_______________________

(١) كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ١ : ٤٩٧ .

٤١٩

فقال :يا ابن عبّاس ، نعم يبغضه قوم ، يذكرون أنّهم مِن أُمّتي ، لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً .

يا ابن عبّاس : إنّ مِن علامة بغضهم له تفضيل مَن هو دونه عليه ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ، ما خلق الله نبيّاً أكرم عليه منّي ، وما خلق وصيّاً أكرم عليه مِن وصيّي عليّ .

قال ابن عبّاس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله ووصّاني بمودّته ، وإنّه لأكبر عمل عنده .

قال ابن عبّاس ، ثمّ قضى مِن الزمان ، وحضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوفاة ، فحضرته فقلت له : فداك أبي وأُمّي يا رسول الله ، قد دنا أجلك ، فما تأمرني ؟

فقال :يا ابن عبّاس ، خالف مَن خالف عليّاً ولا تكوننّ له ظهيراً ولا وليّاً .

قلت : يا رسول الله ، فَلِمَ لا تأمر الناس بترك مخالفته ؟

قال :فبكى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أُغمي عليه .

ثمّ قال :يا ابن عبّاس ، سبق الكتاب فيهم وعلم ربّي ، والذي بعثني بالحق نبيّاً ، لا يخرج أحد ممّن خالفه وأنكر حقّه مِن الدنيا حتّى يغيّر الله ما به مِن نعمة .

يا ابن عبّاس : إن أردت وجه الله ولقائه وهو عنك راض فاسلك طريق عليّ بن أبي طالب ، ومل معه حيثما مال ، وارض به إماماً ، وعاد مَن عاداه ووال مَن والاه .

يا ابن عبّاس : احذر أن يدخلك شكّ فيه ، فإن الشكّ في عليّ كفر )(١) .

_______________________

(١) المحتضر : ١٣٠ .

٤٢٠