تفسير القمى الجزء ١

تفسير القمى0%

تفسير القمى مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 403

تفسير القمى

مؤلف: ابى الحسن على بن ابراهيم القمى
تصنيف:

الصفحات: 403
المشاهدات: 41606
تحميل: 9849


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41606 / تحميل: 9849
الحجم الحجم الحجم
تفسير القمى

تفسير القمى الجزء 1

مؤلف:
العربية

ليلة من يوم شربها فان مات في تلك الاربعين ليلة من غير توبة سقاه الله يوم القيامة من طينة خبال(١) وسمي المسجد الذي قعد فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم اكفئت المشربة مسجد الفضيخ من يومئذ، لانه كان اكثر شئ اكفئ من الاشربة الفضيخ.

واما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر، واما الانصاب فالاوثان التي كانوا يعبدونها المشركون، واما الازلام فالاقداح التي كانت تستقسم بها مشركوا العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه وشراه والانتفاع بشئ من هذا حرام من الله محرم، وهو رجس من عمل الشيطان، فقرن الله الخمر والميسر مع الاوثان، واما قوله (اطيعو الله واطيعوا الرسول واحذروا) يقول لا تعصوا ولا تركنوا إلى الشهوات من الخمر والميسر (فان توليتم) يقول عصيتم (فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين) اذ قد بلغ وبين فانتهوا، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه سيكون قوم يبيتون وهم على شرب الخمر واللهو والغناء فبينماهم كذلك اذ مسخوا من ليلتهم واصبحوا قردة وخنازير وهو قوله " واحذروا " ان تعتدوا كما اعتدى اصحاب السبت، فقد كان املي لهم حتى اثروا(٢) وقالوا ان السبت لنا حلال وانما كان حرم على اولينا وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت، فاما نحن فليس علينا حرام وما زلنا بخير منذ استحللناه وقد كثرت اموالنا وصحت اجسامنا، ثم اخذهم الله ليلا وهم غافلون فهو قوله " واحذروا " ان يحل بكم مثل ماحل بمن تعدى وعصى فلما نزل تحريم الخمر والميسر والتشديد في امرهما قال الناس من المهاجرين والانصار يا رسول الله قتل اصحابنا وهم يشربون الخمر وقد سماه الله رجسا وجعله من عمل الشيطان وقد قلت ما قلت أفيضر اصحابنا ذلك

____________________

(١) وهو الصديد يخرج من فروج الزناة.

(٢) اي عزموا على المعصية.ج-ز

١٨١

شيئا بعد ما ماتوا؟ فانزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية) فهذا لمن مات او قتل قبل تحريم الخمر، والجناح هو الاثم على من شربها بعد التحريم، قال علي بن ابراهيم في قوله (ياايها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله ابديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب) قال نزلت في غزاة الحديبية قد جمع الله عليهم الصيد فدخل بين رحائلهم ليبلونهم الله اي يختبرهم وقوله (ليعلم الله من يخافه بالغيب قبل ذلك) ولكنه عزوجل لا يعذب احدا الا بحجة بعد اظهار الفعل وقوله (ياايها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) فواجب لفظ الآية ان الفداء يجب على من قتل الصيد متعمدا وفي المعنى والتفسير يجب الجزاء على من قتل الصيد متعمدا او خطأ.

حدثني محمد بن الحسين (الحسن ط) عن محمد بن عون النصيبي قال لما اراد المأمون ان يزوج ابا جعفر محمد بن علي بن موسىعليه‌السلام ابنته ام الفضل اجتمع اليه اهل بيته الادنين منه فقالوا له ياامير المؤمنين ننشدك الله ان لا تخرج عنا امرا قد ملكناه وتنزع عنا عزا قد البسنا الله فقد عرفت الامر الذي بيننا وبين آل علي قديما وحديثا، قال المأمون اسكتوا فوالله لاقبلت من احدكم في امره، فقالوا ياامير المؤمنين أفتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله ولا يعرف فريضة ولا سنة ولا يميز بين الحق والباطل، ولا بي جعفرعليه‌السلام يومئذ عشرة سنين او احد عشرة سنة، فلو صبرت عليه حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف فرضا من سنته، فقال لهم المأمون والله انه لافقه منكم واعلم بالله وبرسوله وفرائضه وسننه واحكامه واقرأ بكتاب الله واعلم بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامة وناسخه ومنسوخه وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه فان كان الامر كما قلتم قبلت منكم في امره وان كان كما قلت علمتم ان الرجل خير منكم، فخرجوا من عنده وبعثوا إلى

١٨٢

يحيى بن اكثم واطمعوه في هدايا ان يحتال على ابي جعفرعليه‌السلام بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون اذا اجتمعوا للتزويج، فلما حضروا وحضر ابوجعفرعليه‌السلام قالوا ياامير المؤمنين هذا يحيى بن اكثم ان اذنت له ان يسأل ابا جعفرعليه‌السلام عن مسألة، فقال المأمون يايحيى سل ابا جعفرعليه‌السلام عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه، فقال يحيى يا اباجعفر اصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال ابوجعفرعليه‌السلام قتله في حل او حرم، عالما او جاهلا، عمدا أو خطأ، عبدا او حرا، صغيرا او كبيرا، مبديا او معيدا، من ذوات الطير او من غيرها، من صغار الصيد او من كبارها، مصرا عليها او نادما، بالليل في وكرها او بالنهار عيانا، محرما لعمرة او للحج؟ قال فانقطع يحيى بن اكثم انقطاعا لم يخف على اهل المجلس واكثر الناس تعجبا من جوابه، ونشط المأمون فقال نخطب يا ابا جعفر، فقال نعم يا امير المؤمنين فقال المأمون: الحمد لله اقرارا بنعمته ولا اله إلا الله اخلاصا لعظمته وصلى الله علي محمد عند ذكره وقد كان من فضل الله على الانام ان اغناهم بالحلال عن الحرام فقال وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ثم ان محمد بن علي ذكر ام الفضل بنت عبدالله وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم وقد زوجتك فهل قبلت ياابا جعفر، قال ابوجعفرعليه‌السلام نعم ياامير المؤمنين قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق ثم اولم عليه المأمون وجاء الناس على مراتبهم الخاص والعام، قال فبينما نحن كذلك اذ سمعنا كلاما كأنه من كلام الملاحين في مجاوباتهم فاذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة وفيها نسائج ابريسم مكان القلوس(١) مملوة غالية فخضبوا اهل الخاص بها ثم مروا بها إلى دار العامة فطيبوهم، فلما تفرق الناس قال المأمون ياابا جعفر ان رأيت ان تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الاصناف التي ذكرت في قتل الصيد؟ فقال ابوجعفر (ع)

____________________

(١) قلوص كفلوس جمع قلس حبل للسفينة ضخم.ج.ز

١٨٣

نعم ياامير المؤمنين ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، واذا اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، واذا قتل فرخا في الحل فعليه جمل قد فطم وليس عليه قيمته لانه ليس في الحرم، واذا قتله في الحرم فعليه الجمل وقيمته لانه في الحرم، واذا كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة وكذلك في النعامة، فان لم يقدر فعليه اطعام ستين مسكينا، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما، وان كانت بقرة فعليه بقرة فان لم يقدر فعليه اطعام ثلاثين مسكينا، فمن لم يقدر فليصم تسعة ايام، وان كان ظبيا فعليه شاة، فان لم يقدر فاطعام عشرة مساكين، فان لم يقدر فصيام ثلاثة ايام، وان كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه ان ينحره، وان كان في حج بمنى حيث ينحر الناس فان كان في عمرة ينحره بمكة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا، وكذلك اذا اصاب ارنبا فعليه شاة واذا قتل الحمامة تصدق بدرهم او يشتري به طعاما لحمامة الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم.

وكلما اتى به المحرم بجهالة فلا شئ عليه فيه الا الصيد فان عليه الفداء بجهالة كان او بعلم بخطأ كان او بعمد، وكلما اتى به العبد فكفارته على صاحبه بمثل ما يلزم صاحبه، وكلما اتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه فيه، وان كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه ليس عليه كفارة والنقمة في الآخرة، وان دل على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء، والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة، والنادم عليه لا شئ عليه بعد الفداء واذا اصاب ليلا في وكرها خطأ فلا شئ عليه الا ان يتعمده فان تعمد بليل او نهار فعليه الفداء، والمحرم بالحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس والمحرم للعمرة ينحر بمكة " فامر المأمون ان يكتب ذلك كله عن ابي جعفر (ع) ثم دعا اهل بيته الذين انكروا تزويجه عليه فقال لهم هل فيكم احد يجيب بمثل هذا الجواب؟ قالوا لا والله ولا القاضي، ثم قال ويحكم ان اهل هذا البيت خلو من هذا الخلق اوما علمتم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بايع للحسن والحسين وهما صبيان غير بالغين ولم؟ يبايع؟ طفلا غيرهما

١٨٤

او ما علمتم ان اباه عليا آمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن اثني عشر سنة وقبل الله ورسوله منه ايمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طفلا غيره إلى الايمان او ما علمتم انها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم مثل ما يجري لاولهم، فقالوا صدقت ياامير المؤمنين كنت انت اعلم به منا.

قال ثم امر المأمون ان ينثر على ابي جعفرعليه‌السلام ثلاثة اطباق رقاع زعفران ومسك معجون بماء الورد وجوفها رقاع على طبق رقاع عمالات، والثاني ضياع طعمة لمن اخذها، والثالث فيه بدر فامر أن يفرق الطبق الذي عليه عمالات على بني هاشم خاصة، والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء، والذي عليه البدر على القواد، ولم يزل مكرما لابي جعفرعليه‌السلام ايام حياته حتى كان يؤثره على ولده(١) واما قوله (او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما) فانه حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن سفين بن عيينة عن الزهري عن علي ابن الحسينعليهما‌السلام قال قال يوما يازهري من اين جئت؟ قلت من المسجد قال فيم كنتم، قلت تذاكرنا امر الصوم فاجتمع رأيي ورأي اصحابي انه ليس من الصوم شئ واجب إلا صوم شهر رمضان، فقال يازهري ليس كما قلتم الصوم على اربعين وجها، فعشرة اوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان واربعة عشر

____________________

(١) نعم.انه كان مكرما لهعليه‌السلام ايام حياته لكنه الذي قتل والده، الرضاعليه‌السلام لما اقتضت سياسته ان ينحيه عن طريق ملكه " وان الملك عقيم " دس اليه السم فقتله وممن ذكر كون المأمون قاتلا للامام علي الرضاعليه‌السلام : المسعودي في مروج الذهب ٩ / ٣٣، ابن طقطقي في الفخرى ص ١٦٣، ابن الاثير في الكامل ٦ / ١١١ الشبلنجى في نور الانصار ص ١٤٤ وكذا في روضة الصفا ٣ / ١٦ وشواهد النبوة ص ٢٠٢ ومطالب السئول ص ٢٨٨ وحبيب السير ٢ / ٥١.ج-ز

١٨٥

وجها صاحبها فيها بالخيار ان شاء صام وان شاء افطر، وعشرة اوجه منها حرام، وصوم الاذن على ثلاثة اوجه، وصوم التأديب وصوم الاباحة وصوم السفر والمرض، فقلت فسرهن لي جعلت فداك، فقال اما الواجب فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين فيمن افطريوما من شهر رمضان متعمدا، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، قال الله " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبه مؤمنة ودية مسلمة إلى اهله " وقوله " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " وصيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار لمن لم يجد العتق واجب قال الله تعالى " فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قل ان يتماسا " وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام قال الله تعالى " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم " كل ذلك متتايع وليس بمتفرق، وصيام اذى حلق الرأس واجب قال الله " او به اذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك " فصاحبها فيها بالخيار فان شاء صام ثلاثة ايام، وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي قال الله: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة " وصوم جزاء الصيد واجب قال الله تعالى " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة او كفارة طعام مساكين او عدل ذلك صياما " او تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يازهري؟ قلت لا، قال يقوم الصيد قيمته ثم تنقض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك البر اصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما، وصوم النذر واجب وصوم الاعتكاف واجب، واما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الاضحى وثلاثة ايام التشريق وصوم يوم الشك امرنا به ونهينا عنه ان يتفرد للرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس، قلت فان لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال ينوي ليلة الشك

١٨٦

انه صائم من شعبان، فان كان من شهر رمضان اجزأ عنه وان كان من شعبان لم يضره، فقلت وكيف يجزى صوم تطوع من فريضة؟ فقال لو ان رجلا صام شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم انه شهر رمضان ثم علم بعد ذلك اجزأه عنه لان الفرض إنما وقع على الشهر بعينه، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام، واما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين، وصوم أيام البيض، وصوم ستة ايام من شوال بعد شهر رمضان، وصوم يوم عرفة، وصوم يوم عاشورا كل ذلك صاحبه فيه بالخيار ان شاء صام وان شاء ترك، واما صوم الاذن فان المرأة لا تصوم تطوعا إلا باذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوعا إلا باذن سيده والضيف لا يصوم تطوعا إلا باذن صاحبه، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من نزل على قوم فلا يصوم إلا باذنهم واما صوم التأديب فالصبي يؤمر بالصوم إذا راهق تأديبا وليس بفرض، وكذلك من افطر أول النهار ثم عوفي بقية يومه أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا اكل من اول النهار ثم دخل مصره أمر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض، فاما صوم الاباحة فمن اكل او شرب ناسيا او تقيأ او قاء من غير تعمد فقد اباح الله له ذلك واجزأ عنه صومه واما صوم السفر والمرض فان العامة اختلفت في ذلك، فقال قوم يصوم وقال قوم ان شاء صام وان شاء افطر، وقال قوم لا يصوم واما نحن فنقول يفطر في الحاتين جميعا فان صام في السفر او في حال المرض فهو عاص وعليه القضاء وذلك لان الله يقول: " فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام أخر ".

وقوله (احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) وقوله (وجعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) قال ما دامت الكعبة قائمة ويحج الناس اليها لم يهلكوا فاذا هدمت وتركوا الحج

١٨٧

هلكوا واما قوله (ياايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم) فانه حدثني ابي عن حنان بن سدير عن ابيه عن ابي جعفرعليه‌السلام ان صفية بنت عبدالمطلب مات ابن لها فاقبلت فقال لها الثانى غطي قرطك فان قرابتك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنفعك شيئا، فقالت له هل رأيت لى قرطا يابن اللخناء، ثم دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال ما بال اقوام يزعمون ان قرابتي لا تنفع لو قد قربت المقام المحمود لشفعت في احوجكم، لا يسألني اليوم احد من ابواه إلا اخبرته، فقام اليه رجل فقال من ابي فقال ابوك غير الذي تدعى له ابوك فلان بن فلان، فقام آخر فقال من ابى يارسول الله؟ فقال ابوك الذي تدعى له ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما بال الذي يزعم ان قرابتي لا تنفع لا يسئلني عن ابيه، فقام اليه الثانى فقال له اعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله اعف عني عفى الله عنك فانزل الله تعالى (ياايها الذين آمنوا لا تسئلوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم - إلى قوله - ثم اصبحوا بها كافرين) واما قوله (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) فان البحيرة كانت إذا وضعت الشاة خمسة ابطن ففي السادسة قالت العرب قد بحرت فجعلوها للصنم ولا تمنع ماء‌ا ولا مرعى، والوصيلة اذا وضعت الشاة خمسة ابطن ثم وضعت في السادسة جديا وعناقا في بطن واحد جعلوا الانثى للصنم، وقالوا وصلت اخاها وحرموا لحمها على النساء، والحام كان اذا كان الفحل من الابل جدا لجد قالوا قد حمي ظهره فسموه حاما فلا يركب ولا يمنع ماء‌ا ولا مرعى، ولا يحمل عليه شئ، فرد الله عليهم فقال " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام - إلى قوله - واكثرهم لا يعقلون " وقوله (ياايها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم) قال اصلحوا

١٨٨

انفسكم ولا تتبعوا عورات الناس ولا تذكروهم فانه لا يضركم ضلالتهم إذا كنتم انتم صالحين.

وقوله (ياايها الناس آمنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم او آخران من غيركم ان انتم ضربتم في الارض فاصابكم مصيبة الموت) فانها نزلت في ابن بندي ابن ابى مارية النصرانيين، وكان رجل يقال له تميم الدارمي مسلم خرج معهما في سفر، وكان مع تميم خرح ومتاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة اخرجها إلى بعض اسواق العرب ليبيعها، فلما مروا بالمدينة اعتل تميم فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بندى وابن ابى مارية وامرهما ان يوصلاه إلى ورثته فقدما المدينة واوصلا ما كان دفعه اليهما تميم وحبسا الآنية المنقوشة والقلادة، فقال ورثة الميت هل مرض صاحبنا مرضا طويلا انفق فيه نفقة كثيرة؟ فقالا ما مرض إلا اياما قليلة، قالوا فهل سرق منه شئ في سفر؟ قالا لا، قالوا فهل اتجر تجارة خسر فيها؟ فقالا لا، قالوا فقد افتقدنا انبل شئ كان معه آنية منقوشة بالذهب مكللة وقلادة قالا ما دفعه الينا قد اديناه اليكم، فقدموهما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاوجب عليهما اليمين فحلفا واطلقهما، ثم ظهرت القلادة والآنية عليهما فاخبروا ورثة الميت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، فانتظر الحكم من الله، فانزل الله " ياايها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم او آخران من غيركم " يعني من اهل الكتاب " ان انتم ضربتم في الارض " فاطلق الله شهادة اهل الكتاب علي الوصية فقط اذا كان في سفر ولم يجد المسلم ثم قال (فاصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلوة يعني صلاة العصر (فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين) فهذه الشهادة الاولى التي احلفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال عزوجل (فان عثرا على انهما استحقا اثما) اي حلفا على كذب (فآخران

١٨٩

يقومان مقامهما) يعني من اولياء المدعي (من الذين استحق عليهم الاوليان) فيقسمان بالله اي يحلفان بالله (لشهادتنا احق من شهادتهما وما اعتدينا انا اذا لمن الظالمين) وانهما قد كذبا فيما حلفا بالله (ذلك ادنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها او يخافوا ان ترد ايمان بعد ايمانهم) فامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اولياء تميم الدارمي ان يحلفوا بالله علي ما امرهم به فاخذ الآنية والقلادة من ابن بندي وابن ابى مارية وردهما على اولياء تميم.

واما قوله (يوم يجمع الله الرسل فيقول ما اذا اجبتم) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن العلا بن العلا عن محمد عن ابي جعفرعليه‌السلام قال ماذا اجبنم في اوصيائكم يسأل الله تعالى يوم القيامة فيقولون لا علم لنا بما فعلوا بعدنا بهم.

وقوله (وإذا قال الله ياعيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك - إلى قوله - واشهد باننا مسلمون) فانه محكم، واما قوله (وإذ قال الحواربون ياعيسى بن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء) قال عيسى: (اتقو الله ان كنتم مؤمنين) قالوا كما حكى الله (نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين) فقال عيسى (اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وانت خير الرازقين) فقال الله احتجاجا عليهم (انى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فانى اعذبه عذابا لا اعذبه احدا من العالمين) فكانت تنزل المائدة عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون حتى يشبعون ثم ترفع، فقال كبراؤهم ومترفوهم لا تدع سفلتنا يأكلون منها فرفع الله المائدة ومسخوا قردة وخنازير، قوله: (وإذ قال الله ياعيسى بن مريم‌ء‌أنت قلت للناس اتخذونى وامي إلهين من دون الله) فلفظ الآية ماض ومعناه مستقبل ولم يقله بعد وسيقوله، وذلك ان النصارى

١٩٠

زعموا ان عيسى قال لهم اتخذوني وامي إلهين من دون الله، فاذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى بن مريم فيقول له‌ء‌انت قلت لهم ما يدعون عليك اتخذونى وامي إلهين، فيقول عيسى (سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب - إلى قوله - وانت على كل شئ شهيد) والدليل على ان عيسى لم يقل لهم ذلك قوله: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.

وحدثني ابى عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان عن ضريس عن ابى جعفرعليه‌السلام في قوله (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) قال اذا كان يوم القيامة وحشر الناس للحساب فيمرون باهوال يوم القيامة فلا ينتهون إلى العرصة حتى يجهدوا جهدا شديدا، قال فيقفون بفناء العرصة ويشرف الجبار عليهم وهو على عرشه(١) فاول من يدعى بنداء يسمع الخلائق اجمعون ان يهتف باسم محمد ابن عبدالله النبي القرشي العربي، قال فيتقدم حتى يقف على يمين العرش، قال ثم يدعى بصاحبكم عليعليه‌السلام ، فيتقدم حتى يقف على يسار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يدعى بامة محمد فيقفون على يسار عليعليه‌السلام ثم يدعى بنبي نبي وامته معه من اول النبيين الي آخرهم وامتهم معهم، فيقفون عن يسار العرش، قال ثم اول من يدعى للمسائلة القلم قال فيتقدم، فيقف بين يدي الله في صورة الآدميين، فيقول الله هل سطرت في اللوح ما الهمتك وامرتك به من الوحي؟ فيقول القلم نعم، يارب قد علمت انى قد سطرت في اللوح ما امرتني والهمتني به من وحيك فيقول الله فمن يشهد لك بذلك، فيقول يا رب وهل اطلع على مكنون سرك خلق غيرك، قال فيقول له الله افلحت حجتك، قال ثم يدعى باللوح فيتقدم في صورة الآدميين حتى يقف مع القلم، فيقول له هل سطر فيك القلم ما الهمته وامرته به من وحيي، فيقول اللوح نعم يارب وبلغته اسرافيل، فيتقدم مع

____________________

(١) يؤل كتاويل قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى اى استولى.ج.ز

١٩١

القلم واللوح في صورة الآدميين، فيقول الله هل بلغك اللوح ما سطر فيه القلم من وحيي؟ فيقول نعم يا رب وبلغته جبرئيل، فيدعى بجبرائيل فيتقدم حتى يقف مع اسرافيل، فيقول الله هل بلغك اسرافيل ما بلغ فيقول نعم يارب وبلغته جميع انبيائك وانفذت اليهم جميع ما انتهى الي من امرك واديت رسالتك إلى نبي نبي ورسول رسول وبلغتهم كل وحيك وحكمتك وكتبك وان آخر من بلغته رسالاتك ووحيك وحكمتك وعلمك وكتابك وكلامك محمد بن عبدالله العربي القرشي الحرمي حبيبك، قال ابوجعفرعليه‌السلام فان اول من يدعى من ولد آدم للمسائلة محمد بن عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيدنيه الله(١) حتى لا يكون خلق اقرب إلى الله يومئذ منه، فيقول الله يامحمد هل بلغك جبرئيل ما اوحيت اليك وارسلته به اليك من كتابى وحكمتي وعلمي وهل اوحى ذلك اليك؟ فيقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نعم يارب قد بلغني جبرائيل جميع ما اوحيته اليه وارسلته من كتابك وحكمتك وعلمك واوحاه الي، فيقول الله لمحمد هل بلغت امتك ما بلغك جبرئيل من كتابي وحكمتي وعلمي؟ فيقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نعم يارب قد بلغت امتي ما اوحى الي من كتابك وحكمتك وعلمك وجاهدت في سبيلك، فيقول الله لمحمد فمن يشهد لك بذلك؟ فيقول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يارب أنت الشاهد لي بتبليغ الرسالة وملائكتك والابرار من امتى وكفى بك شهيدا، فيدعى بالملائكة فيشهدون لمحمد بتبليغ الرسالة ثم يدعى بامة محمد فيسألون هل بلغكم محمد رسالتي وكتابي وحكمتي وعلمي وعلمكم ذلك؟ فيشهدون لمحمد بتبليغ الرسالة والحكمة والعلم، فيقول الله لمحمد فهل استخلفت في امتك من بعدك من يقوم فيهم بحكمتى وعلمي ويفسر لهم كتابي ويبين لهم

____________________

(١) المراد من هذا هو القرب المعنوي وإلا فالله سبحانه برئ عن الجسم والمكان وكذا المراد من اشرافه ظهور جلاله.ج.ز.

١٩٢

ما يختلفون فيه من بعدك حجة لي وخليفة في الارض؟ فيقول محمد نعم يارب قد خلفت فيهم علي بن ابي طالب اخي ووزيري وخير امتي ونصبته لهم علما في حياتي ودعوتهم إلى طاعته وجعلته خليفتي في امتي واماما يقتدي به الائمة من بعدي إلى يوم القيامة، فيدعى بعلي بن ابي طالبعليه‌السلام فيقال له هل اوصى اليك محمد واستخلفك في امته ونصبك علما لامته في حياته وهل قمت فيهم من بعده مقامه؟ فيقول له علي نعم يارب قد اوصى الي محمد وخلفني في امته ونصبني لهم علما في حياته فلما قبضت محمدا اليك جحدتني امته ومكروا بي واستضعفوني وكادوا يقتلونني وقدموا قدامي من اخرت، واخروا من قدمت ولم يسمعوا مني ولم يطيعوا امري فقاتلتهم في سبيلك حتى قتلوني، فيقال لعلي فهل خلفت من بعدك في امة محمد حجة وخليفة في الارض يدعو عبادي إلى ديني والى سبيلي؟ فيقول علي نعم يارب قد خلفت فيهم الحسن ابني وابن بنت نبيك، فيدعى بالحسن بن عليعليهما‌السلام فيسئل عما سئل عنه علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، قال ثم يدعى بامام امام وباهل عالمه فيحتجون بحجتهم فيقبل الله عذرهم ويجيز حجتهم قال ثم يقول الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم قال ثم انقطع حديث ابي جعفر عليه وعلى آبائه السلام.

سورة الانعام

مكية وهى مأة وخمس وستون آية

(بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) فانه حدثني ابي عن الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضاعليه‌السلام قال نزلت الانعام جملة واحدة ويشيعها سبعون الف ملك لهم زجل(١) بالتسبيح والتهليل والتكبير فمن قرأها سبحوا له الي يوم القيامة، واما

____________________

(١) الزجلة بالضم صوت الناس ويفتح (ق) - ج-ز

١٩٣

قوله (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن عبدالله عن مسكان عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال الاجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه والمسمى هو الذي فيه البداء(١) يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير، وحدثني ياسر عن الرضاعليه‌السلام قال ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وان يقر له بالبداء ان يفعل الله ما يشاء وان يكون في تراثه الكندر وقوله (وهو الله في السموات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) قال السر ما اسر في نفسه والجهر ما اظهره والكتمان ما عرض بقلبه ثم نسيه وقوله (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين - إلى قوله - وانشأنا من بعدهم قرنا آخرين ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا إلا سحر مبين) فانه محكم ثم قال حكاية عن قريش (وقالوا لولا انزل عليه ملك) يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون) فاخبر عزوجل ان الآية إذا جاء‌ت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا، فاستعفى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الآيات رأفة ورحمة على امته واعطاه الله الشفاعة ثم قال الله (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا والبسنا عليهم ما يلبسون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن) أي نزل بهم العذاب ثم قال لهم قل لهم يامحمد (سيروا في الارض ثم انظروا) أي انظروا في القرآن واخبار الانبياء فانظروا (كيف كان عاقبة المكذبين) ثم قال قل لهم (لمن ما في السموات والارض) ثم رد عليهم فقال قل لهم (لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة) يعني اوجب الرحمة على نفسه وقوله (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم) يعني ما خلق

____________________

(١) راجع حاشيتنا التفصيلية على البداء ص ٣٨ من هذا الكتاب ج.ز.

١٩٤

بالليل والنهار هو كله لله، ثم احتج عزوجل عليهم فقال قال لهم (أغير الله اتخذ وليا فاطر السموات والارض) اي مخترعها وقوله (وهو يطعم ولا يطعم - إلى قوله - وهو الفاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) فانه محكم، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله (قل اي شئ اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) وذلك ان مشركي اهل مكة قالوا يامحمد ما وجد الله رسولا يرسله غيرك، ما نرى احدا يصدقك بالذي تقول، وذلك في اول ما دعاهم وهو يومئذ بمكة، قالوا ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى وزعموا انه ليس لك ذكر عندهم فتأتينا من يشهد انك رسول الله، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " الله شهيد بيني وبينكم الآية " قال انكم لتشهدون ان مع الله آلهة اخرى، يقول الله لحمد فان شهدوا فلا تشهد معهم، قال (لا اشهد قل إنما هو إله واحد وانني برئ مما تشركون) واما قوله (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناء‌هم الآية) فان عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام هل تعرفون محمدا في كتابكم؟ قال نعم والله نعرفه بالنعت الذي نعت الله لنا إذا رأيناه فيكم كما يعرف احدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان والذي يحلف به ابن سلام لانا بمحمد هذا اشد معرفة مني بابنى، قال الله (الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون) وقال علي بن ابراهيم ثم قال قل لهم يامحمد " أي شئ اكبر شهادة " يعني أي شئ اصدق قولا ثم قال " قل الله شهيد بيني وبينكم واوحى الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ " قال من بلغ هو الامام قال محمد ينذر وانا نقول كما انذر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بآياته انه لا يفلح الظالمون) فانه محكم، وقوله (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم) أي كذبهم (إلا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) والدليل على ان الفتنة ههنا الكذب قوله (انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم

١٩٥

ما كانوا يفترون) أي ضل عنهم كذبهم ثم ذكر قريشا فقال (ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه) يعني غطاء (وفي آذانهم وقرا) اي صمما(١) (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤك يجادلونك) أي يخلصمونك (يقول الذين كفروا ان هذا إلا اساطير الاولين) أي اكاذيب الاولين، وقوله (وهم ينهون عنه وينؤن عنه) قال بنو هاشم كانوا ينصرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويمنعون قريشا عنه وينأون عنه اي يباعدون عنه ويساعدونه ولا يؤمنون، وقوله (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) قال نزلت في بني امية ثم قال: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) قال من عداوة امير المؤمنينعليه‌السلام (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) ثم حكى عزوجل قول الدهرية فقال (وقالواان هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) فقال الله (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) قال قال حكاية عن قول من انكر قيام الساعة فقال: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى اذا جاء‌تهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) يعني آثامهم وقوله (وما الحيوة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) محكم.

وقوله (قد نعلم انه لبحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) فانها قرئت على ابي عبداللهعليه‌السلام فقال بلى والله لقد كذبوه اشد التكذيب وانما نزل " لا يأتونك " أي لا يأتون بحق يبطلون حقك، حدثنى ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث (البخترى ط) قال قال ابوعبداللهعليه‌السلام ياحفص ان من صبر صبر قليلا وان من جزع جزع قليلا ثم

____________________

(١) الصم كغنم فقدان حاسة السمع.ج-ز

١٩٦

قال عليك بالصبر في جميع امورك فان الله بعث محمدا وامره بالصبر والرفق فقال " واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا "(١) فقال " ادفع بالتي هي احسن السيئة فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم "(٢) فصبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قابلوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره، فانزل الله " ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون "(٣) ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك فانزل الله تعالى (قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتاهم نصرنا) فالزم نفسه الصبرصلى‌الله‌عليه‌وآله فقعدوا وذكروا الله تبارك وتعالى بالسوء وكذبوه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد صبرت في نفسي واهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكرهم إلهي فانزل الله " ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون "(٤) فصبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع احواله، ثم بشر في الائمة من عترته ووصفوا بالصبر " وجعلنا منهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون "(٥) فعند ذلك قالعليه‌السلام الصبر من الايمان كالرأس من البدن فشكر الله له ذلك فانزل الله عليه " وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى اسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون "(٦) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آية بشرى وانتقام، فاباح الله قتل المشركين حيث وجدوا فقتلهم على يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واحبائه وعجل الله له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة.

وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله (وان كان كبر عليك

____________________

(١) المزمل ١٠.

(٢) حم السجدة ٣٤.

(٣) الحجر ٩٧.

(٤) ق ٣٨.

(٥) ألم السجدة ٢٤.

(٦) الاعراف ١٣٧.

١٩٧

اعراضهم (قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحب اسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف دعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يسلم فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فانزل الله (وان كان كبر عليك اعراضهم - إلى قوله - نفقا في الارض) يقول سربا، فقال علي بن ابراهيم في قوله (نفقا في الارض او سلما في السماء) قال ان قدرت ان تحفر الارض وتصعد السماء أي لا تقدر على ذلك، ثم قال: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) اي جعلهم كلهم مؤمنين وقوله (فلا تكونن من الجاهلين) مخاطبة للنبي والمعنى للناس ثم قال (إنما يستجيب الذين يسمعون) يعني يعقلون ويصدقون (والموتى يبعثهم) الله اي يصدقون بان الموتى يبعثهم الله (وقالوا لولا نزل عليه آية) اي هلا انزل عليه آية، قال (ان الله قادر على ان ينزل آية ولكن اكثرهم لا يعلمون) قال لا يعلمون ان الآية اذا جاء‌ت ولم يؤمنوا بها ليهلكوا وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله " ان الله قادر على ان ينزل آية " وسيريكم في آخر الزمان آيات، منها دابة في الارض، والدجال، ونزول عيسى بن مريمعليه‌السلام وطلوع الشمس من مغربها، وقوله (وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا امم امثالكم) يعني خلق مثلكم، وقال كل شئ مما خلق خلق مثلكم (ما فرطنا في الكتاب من شئ) اي ما تركنا (ثم إلى ربهم يحشرون) وقوله (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات) يعني قد خفي عليهم ما تقوله (من يشاء الله يظله) اي يعذبه (ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم) يعني يبين له ويوفقه حتى يهتدي إلى الطريق.

حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا جعفر بن عبدالله قال حدثنا كثير بن عياش عن ابي الجارود عن ابي جعفر صلوات الله عليه في قوله " الذين كذبوا بآياتنا صم بكم " يقول صم عن الهدى وبكم لا يتكلمون بخير " في الظلمات " يعني

١٩٨

ظلمات الكفر " من يشاء الله يظلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم " وهو رد؟ على قدرية هذه الامة، يحشرهم الله يوم القيامة مع الصابئين والنصارى والمجوس، فيقولون " والله ربنا ماكنا مشركين " يقول الله " انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون "(١) قال فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ان لكل امة مجوس، ومجوس هذه الامة الذين يقولون لا قدر ويزعمون ان المشية والقدرة اليهم ولهم اخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن اسباط عن على بن ابي حمزة عن ابي بصير عن ابى عبداللهعليه‌السلام في قوله " والله ربنا ما كنا مشركين " بولاية عليعليه‌السلام ، حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن الفضيل عن ابى حمزة قال سألت ابا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزوجل " الذين كذبوا بآياتنا صم بكم في الظلمات من يشاء الله يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم " فقال ابوجعفر نزلت في الذين كذبوا باوصيائهم، صم بكم، كما قال الله في الظلمات، من كان من ولد ابليس فانه لا يصدق بالاوصياء ولا يؤمن بهم ابدا وهم الذين اضلهم الله، ومن كان من ولد آدم آمن بالاوصياء فهم على صراط مستقيم، قال وسمعته يقول كذبوا بآياتنا كلها في بطن القرآن ان كذبوا بالاوصياء كلهم، ثم قال قل لهم يامحمد (أرأيتكم ان اتاكم عذاب الله أو اتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين) ثم رد عليهم فقال: (بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون) قال تدعون الله اذا اصابكم ضر ثم إذا كشف عنكم ذلك تنسون ما تشركون، اى تتركون الاصنام، وقوله عزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله (ولقد ارسلنا إلى امم من قبلك فاخذناهم بالبأساء والضراء

____________________

(١) الانعام ٢٤.

١٩٩

لعلم يتضرعون) يعني كي يتضرعوا ثم قال (فلولا إذ جاء‌هم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا وأغناهم عقوبة لفعلهم الردي فلما (فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون) اي آيسون وذلك قول الله تبارك وتعالى في مناجاته لموسىعليه‌السلام ، حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال كانت مناجاة الله لموسىعليه‌السلام ياموسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، واذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته، فما فتح الله على احد هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه ذلك فلا يتوب فيكون اقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه.

حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة قال سألت ابا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شئ) قال اما قوله " فلما نسوا ما ذكروا به " يعني فلما تركوا ولاية علي امير المؤمنينعليه‌السلام وقد امروا به " فتحنا عليهم ابواب كل شئ " يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها واما قوله " حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون " يعني بذلك قيام القائم حتى كانهم لم يكن لهم سلطان قط، فذلك قوله بغتة فنزلت بخبره هذه الآية على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) فانه حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن فضيل بن عياض عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال سألته عن الورع فقال الذي يتورع عن محارم الله ويجتنب الشبهات واذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه وإذا رأى المنكر ولم ينكره وهو يقدر عليه فقد احب ان يعصى الله اختيارا ومن احب ان يعصي الله فقد بارز الله بالعداوة ومن احب بقاء الظالمين فقد أحب ان يعصي

٢٠٠