تفسير القمى الجزء ١

تفسير القمى0%

تفسير القمى مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 403

تفسير القمى

مؤلف: ابى الحسن على بن ابراهيم القمى
تصنيف:

الصفحات: 403
المشاهدات: 41605
تحميل: 9849


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41605 / تحميل: 9849
الحجم الحجم الحجم
تفسير القمى

تفسير القمى الجزء 1

مؤلف:
العربية

الله ان الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين قال " فقطع دابر القوم الله ان الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين قال " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " وقوله (قل أرأيتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون) قال قل لقريش ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من يرد ذلكم عليكم إلا الله) وقوله " ثم هم يصدفون " اي يكذبون، وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم " يقول ان اخذ الله منكم الهدى من آله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون يقول يعترضون، واما قوله (قل أرأيتكم ان اتاكم عذاب الله بغتة او جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) فانها نزلت لما هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينه وأصاب اصحابه الجهد والعلل والمرض فشكوا ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فانزل الله عزوجل قل لهم يامحمد أرأيتم ان اتاكم عذاب الله بغتة او جهرة هل يهلك إلا القوم الظلمون، اى انهم لا يصيبهم إلا الجهد والضرر في الدنيا، فاما العذاب الاليم الذي فيه الهلاك فلا يصيب إلا القوم الظالمين.

وقوله (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون - ثم قال قل لهم يامحمد - لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم انى ملك ان اتبع إلا ما يوحى الي) قال ما املك لكم خزائن الله ولا أعلم الغيب واما قوله (انها من عندالله - ثم قال - هل يستوي الاعمى والبصير) اي من يعلم ومن لا يعلم (أفلا تتفكرون) ثم قال (وانذر به) يعني بالقران (الذين يخافون) اي يرجون (ان يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون).

٢٠١

واما قوله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) فانه كان سبب نزولها انه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمون اصحاب الصفة، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله امرهم ان يكونوا في الصفة يأوون اليها، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتعاهدهم بنفسه وربما حمل اليهم ما يأكلون، وكانوا يختلفون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقربهم ويقعد معهم ويؤنسهم وكان اذا جاء الاغنياء والمترفون من اصحابه انكروا عليه ذلك ويقولون له اطردهم عنك فجاء يوما رجل من الانصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده رجل من اصحاب الصفة قد لزق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحدثه، فقعد الانصاري بالبعد منهما، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقدم فلم يفعل، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلك خفت ان يلزق فقره بك فقال الانصاري اطرد هؤلاء عنك، فانزل الله " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.الخ) ثم قال: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) اي اختبرنا الاغنياء بالغناء لننظر كيف مواساتهم للفقراء وكيف يخرجون ما فرض الله عليهم في اموالهم، فاختبرنا الفقراء لننظر كيف صبرهم على الفقر وعما في ايدي الاغنياء (وليقولوا) اي الفقراء (أهؤلاء) الاغنياء (من الله عليهم من بيننا أليس الله باعلم بالشاكرين) ثم فرض الله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يسلم على التوابين والذين عملوا السيئات ثم تابوا فقال (واذا جاء‌ك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) يعني اوجب الرحمة لمن تاب والدليل على ذلك قوله (انه من عمل منكم سوء‌ا بجهالة ثم تاب من بعده واصلح فانه غفور رحيم) وقوله (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) يعني مذهبهم وطريقتهم تستبين إذا وصفناهم، ثم قال (قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواء‌كم قد ضللت إذا وما

٢٠٢

انا من المهتدين، قل انى على بينة من ربي وكذبتم به)(١) اي بالبينة التي انا عليها (ما عندى ما تستعجلون به) يعني الآيات التي سألوها (ان الحكم إلا الله يقص الحق وهو خير الفاصلين) اي يفصل بين الحق والباطل ثم قال (قل لهم لو ان عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم) يعني اذا جاء‌ت الآية هلكتم وانقضى ما بيني وبينكم وقوله (وعنده مفاتح الغيب) يعني عالم الغيب (لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) قال الورقة السقط، والحبة الولد، وظلمات الارض الارحام، والرطب ما يبقى ويحيى، واليابس ما تغيض الارحام، وكل ذلك في كتاب مبين وقوله (وهو الذي يتوفيكم بالليل) يعني بالنوم (ويعلم ما جرحتم بالنهار) يعني ما عملتم بالنهار وقوله (ثم يبعثكم فيه) يعنى ما عملتم من الخير والشر وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفرعليه‌السلام في قوله (ليقضى اجل مسمى) قال هو الموت (ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) واما قوله (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) يعني الملائكة الذين يحفظونكم ويحفظون اعمالكم (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا) وهم الملائكة (وهم لا يفرطون) اي لا يقصرون (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو اسرع الحاسبين) وقوله (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية إلى قوله (ثم انتم تشركون) فانه محكم وقوله (قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض) فقوله " يبعث عليكم عذابا

____________________

(١) مرجع به في الآية القرآن والمراد من البينة ايضا القرآن، وتذكير الضمير بتأويل القرآن.ج.ز

٢٠٣

من فوقكم " قال السلطان الجائر (او من تحت ارجلكم) قال السفلة ومن لا خير فيه (او يلبسكم شيعا) قال العصبية (ويذيق بعضكم بأس بعض) قال سوء الجوار، وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفرعليه‌السلام في قوله " وهو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم " هو الدخان والصيحة " او من تحت ارجلكم " وهو الخسف " او يلبسكم شيعا " وهو اختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض " ويذيق بعضكم بأس بعض " وهو ان يقتل بعضكم بعضا: وكل هذا في اهل القبلة كذا يقول الله (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون وكذب به قومك) وهم قريش وقوله (لكل نبأ مستقر) يقول لكل نبأ حقيقة (وسوف تعلمون) وايضا قال (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) يعني كي يفقهوا وقوله (وكذب به قومك وهو الحق) يعني القرآن كذبت به قريش (قل لست عليكم بوكيل لكل نبأ مستقر) اي لكل خبر وقت وسوف تعلمون.

وقوله (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) يعني الذين يكذبون بالقرآن ويستهزؤن، ثم قال فان انساك الشيطان في ذلك الوقت عما امرتك به (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن ايوب عن سيف بن عميرة عن عبدالاعلى بن اعين قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه امام أو يغتاب فيه مسلم ان الله يقول في كتابه " فاذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا.الخ " وقوله (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) أي ليس يؤخذ المتقون بحساب الذين لا يتقون (ولكن ذكرى) اي اذكر (لعلهم يتقون) كي يتقوا ثم قال (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحيوة الدنيا) يعني الملاهي

٢٠٤

(وذكر به ان تبسل نفس) أي تسلم (ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) يعني يوم القيامة لا يقبل منها فداء ولا صرف (اولئك الذين ابسلوا بما كسبوا) اى اسلموا باعمالهم(١) (لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون) وقوله احتجاجا على عبدة الاوثان (قل - لهم - أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد إذ هدانا الله) وقوله (كالذى استهوته الشياطين) اى خدعتهم في الارض فهو (حيران).

وقوله (له اصحاب يدعونه إلى الهدى إئتنا) يعنيي ارجع الينا وهو كناية عن ابليس فرد الله عليهم فقال قل لهم يامحمد (ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين) وقوله (واقيموا الصلوة واتقوه وهو الذى اليه تحشرون وهو الذى خلق السموات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير) فانه محكم.

ثم حكى عزوجل قول ابراهيمعليه‌السلام (واذ قال ابراهيم لابيه آزر أتتخذ اصناما آلهة انى اريك وقومك في ضلال مبين) فانه محكم واما قوله (وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقتين) فانه حدثني ابى عن اسماعيل بن ضرار (مرار ط) عن يونس بن عبدالرحمان عن هشام عن ابى عبداللهعليه‌السلام قال كشط له عن الارض ومن عليها وعن السماء ومن فيها والملك الذي يحملها والعرش ومن عليه، وفعل ذلك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنينعليه‌السلام ، وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي ايوب الخزاز عن ابى بصير عن

____________________

(١) اسلموا مبني للمفعول، ومعنى ابسل نفسه للهلاك: اسلم نفسه للهلاك ج.ز

٢٠٥

ابي عبداللهعليه‌السلام قال لما رأى ابراهيم ملكوت السموات والارض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات ثم رأى ثالثة فدعا عليهم فماتوا، فاوحى الله ياابراهيم ان دعوتك مستجابة فلا تدع على عبادي فاني لو شئت لم اخلقهم، انى خلقت خلقي على ثلاثة اصناف، صنف يعبدنى ولا يشركون بي شيئا فاثيبه، وصنف يعبدون غيري فليس يفوتني، وصنف يعبدون غيري فاخرج من صلبه من يعبدني، واما قوله (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى فلما افل) اي غاب (قال لا احب الآفلين) فانه حدثني ابى عن صفوان عن ابن مسكان قال قال ابوعبداللهعليه‌السلام ان آزر(١) ابا ابراهيم كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له انى ارى في حساب النجوم ان هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين آخر، فقال نمرود في أي بلاد يكون؟ قال في هذه البلاد، وكان منزل نمرود بكونى ربا (كوثي ريا خ ل)

____________________

(١) لا يخفى انه قد اختلف العلماء في والد ابراهيمعليه‌السلام ، قال الرازي في تفسير قوله " واذ قال ابراهيم لابيه آزر " وظاهر هذه الآية يدل على ان اسم والد ابراهيمعليه‌السلام هو آزر.

وقال الزجاج لا خلاف بين النسابين ان اسمه " تارخ " وعلى هذا فآزر كان عمه واطلاق لفظ الاب على العم في لغة العرب والقرآن شائع ومنه الحديث المعروف " عم الرجل صنو ابيه " وقال الله تعالى حاكيا عن اولاد يعقوب (ع) انهم قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق) ومن المعلوم ان اسماعيل كان عما ليعقوب، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لم نزل ننتقل من اصلاب الطاهرين إلى ارحام الطاهرات، وقال الله تعالى إنما المشركون نجس، فلا يكون احد اجداد النبي ولو بعيدا نجسا وهذا هو معقد اجماع الطائفة المحقة فتحمل الروايات المخالفة له علي التقية.ج.ز

٢٠٦

فقال له نمرود قد خرج إلى الدنيا؟ قال آزر لا، قال فينبغي ان يفرق بين الرجال والنساء، ففرق بين الرجال والنساء، وحملت ام ابراهيمعليه‌السلام ولم تبين حملها، فلما حان ولادتها قالت ياآزر انى قد اعتللت واريد ان اعتزل عنك، وكان في ذلك الزمان المرأة اذا اعتلت عتزلت عن زوجها، فخرجت واعتزلت عن زوجها واعتزلت في غار، ووضعت بابراهيمعليه‌السلام فهيئته وقمطته، ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة، فاجرى الله لابراهيمعليه‌السلام لبنا من ابهامه، وكانت امه تأتيه ووكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت ام ابراهيم بابراهيم من الذبح، وكان يشب ابراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر، حتى اتى له في الغار ثلاثة عشر سنة فلما كان بعد ذلك زارته امه، فلما ارادت ان تفارقه تشبث بها، فقال يا امي اخرجيني، فقالت له يابني ان الملك ان علم انك ولدت في هذا الزمان قتلك، فلما خرجت امه وخرج من الغار وقد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء، فقال هذا ربي فلما افلت قال لو كان هذا ربي ما تحرك ولا برح ثم قال لا احب الآفلين الآفل الغائب، فلما نظر إلى المشرق رأى وقد طلع القمر، قال هذا ربي هذا اكبر واحسن فلما تحرك وزال قال: (لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين) فلما اصبح وطلعت الشمس ورأى ضوء‌ها وقد اضاء‌ت الدنيا لطلوعها قال هذا ربي هذا اكبر واحسن فلما تحركت وزالت كشف الله له عن السموات حتى رأي العرش ومن عليه واراه الله ملكوت السموات والارض فعند ذلك قال (ياقوم اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين) فجاء إلى امه وادخلته دارها وجعلته بين اولادها.

وسئل ابوعبداللهعليه‌السلام عن قول ابراهيم هذا ربي اشرك في قوله هذا ربي؟ فقال لا من قال هذا اليوم فهو مشرك، ولم يكن من ابراهيم شرك وانما

٢٠٧

كان في طلب ربه وهو من غيره شرك، فلما دخلت ام ابراهيم بابراهيم دارها نظر اليه آزر فقال من هذا الذي قد بقى في سلطان الملك والملك يقتل اولاد الناس فقالت هذا ابنك ولدته في وقت كذا وكذا حين اعتزلت عنك، فقال ويحك ان علم الملك بهذا زالت منزلتنا عنده وكان آزر صاحب أمر نمرود ووزيره وكان يتخذ الاصنام له وللناس ويدفعها إلى ولده ويبيعونها، فقالت ام ابراهيم لآزر لاعليك ان لم يشعر الملك به، بقى لنا ولدنا وان شعر به كفيتك الاحتجاج عنه وكان آزر كلما نظر إلى ابراهيم احبه حبا شديدا وكان يدفع اليه الاصنام ليبيعها كما يبيع اخوته، فكان بعلق في اعناقها الخيوط ويجرها على الارض ويقول من يشتري ما (لا ط) يضره ولا ينفعه ويغرقها في الماء والحماة، ويقول لها كلي واشربي وتكلمي، فذكر اخوته ذلك لابيه فنهاه فلم ينته فحبسه في منزله ولم يدعه يخرج، وحاجه قومه فقال ابراهيم (اتحاجوني في الله وقد هدان) اي؟ بين؟ لي (ولا اخاف ما تشركون به إلا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما افلا تتذكرون) ثم قال لهم (وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون) اي انا احق بالامن حيث ا عبدالله او انتم الذين تعبدون الاصنام.

واما قوله (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي صدقوا ولم ينكثوا ولم يدخلوا في المعاصي فيبطل ايمانهم ثم قال (اولئك لهم الامن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم) يعني ما قد احتج ابراهيم على ابيه وعليهم.

وقوله (ووهبنا له اسحق ويعقوب) يعني لابراهيم (كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمن وايوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين واسمعيل

٢٠٨

واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم) أي اختبرناهم (وهديناهم إلى صراط مستقيم) فأنه محكم وحدثني ابي عن ظريف بن ناصح عن عبدالصمد بن بشير عن ابى الجارود عن ابى جعفرعليه‌السلام قال قال لي ابوجعفرعليه‌السلام يا ابا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين؟ قلت ينكرون علينا انهما ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال فبأي شئ احتججتم عليهم؟ قلت يقول الله عزوجل في عيسى بن مريم " ومن ذريته داود وسليمن إلى قوله وكذلك نجزي المحسنين " فجعل عيسى بن مريم من ذرية ابراهيم، قال فبأي شئ قالوا لكم؟ قلت قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب، قال فبأي شئ احتججتم عليهم؟ قال قلت احتججنا عليهم بقول الله " قل تعالوا ندع ابناء‌نا وابناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وانفسنا وانفسكم " قال فاي شئ قالوا لكم؟ قلت قالوا قد يكون في كلام العرب ابناء رجل والاخر يقول ابناؤنا قال فقال ابوجعفرعليه‌السلام والله يا ابا الجارود لاعطينك من كتاب الله انهما من صلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يردها إلا كافر، قال قلت جعلت فداك واين؟ قال من حيث قال الله " حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم الآية " إلى ان ينتهي إلى قوله " وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم " فسلهم ياابا الجارود هل حل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاح حليلتيهما؟ فان قالوا نعم فكذبوا والله وفجروا وان قالوا لا فهما والله ابناؤه لصلبه وما حرمتا عليه إلا للصلب.

ثم قال عزوجل (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا) يعني الانبياء الذين قد تقدم ذكرهم (لحبط عنهم ما كانوا يعملون) ثم قال (اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء) يعني اصحابه وقريش ومن انكروا بيعة امير المؤمنينعليه‌السلام (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها

٢٠٩

بكافرين) يعني شيعة امير المؤمنينعليه‌السلام ثم قال تأدبيا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) يامحمد ثم قال قل لقومك (لا اسئلكم عليه اجرا) يعني على النبوة والقرآن اجرا (ان هو إلا ذكرى للعالمين) وقوله (وما قدروا الله حق قدره) قال لم يبلغوا من عظمة الله ان يصفوه بصفاته (إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شئ) وهم قريش واليهود فرد الله عليهم واحتج وقال قل لهم يامحمد (من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها) يعني تقرؤن ببعضها (وتخفون كثيرا) يعني من اخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (وعلمتم ما لم تعلموا انتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) يعني فيما خاضوا فيه من التكذيب ثم قال (وهذا كتاب) يعني القرآن (انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه يعني التوراة والانجيل والزبور (ولتنذر ام القرى ومن حولها) يعني مكة وإنما سميت ام القرى لانها اول بقعة خلقت (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به) اي بالنبي والقرآن (وهم على صلاتهم يحافظون).

قوله (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوح اليه شئ ومن قال سانزل مثل ما انزل الله) فانها نزلت في عبدالله بن سعد بن ابي سرح وك

سورة الاعراف

مكية وهى مأتان وست آيه

(بسم الله الرحمن الرحيم، المص كتاب انزل اليك) مخاطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (فلا يكن في صدرك حرج منه) اي ضيق (لتنذر به وذكرى للمؤمنين)

٢١٠

حدثنى ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن محمد بن قيس عن ابي جعفرعليه‌السلام قال ان حي بن اخطب واخاه ابا ياسر بن اخطب ونفرا من اليهود من اهل نجران اتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا له أليس فيما تذكر فيما انزل اليك الم؟ قال بلى، قالوا اتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال نعم، قالوا لقد بعثت انبياء قبلك، ما نعلم نبيا منهم اخبر ما مدة ملكه وما اكل امته غيرك، قالعليه‌السلام فاقبل حي ابن اخطب على اصحابه، فقال لهم الالف واحد واللام ثلاثون والميم اربعون فهذه واحد وسبعون سنة، فعجب ممن يدخل في دينه ومدة ملكه واكل امته احد وسبعون سنة، قالعليه‌السلام ثم اقبل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له يامحمد هل مع هذا غيره؟ قال نعم، قال هاته، قال آلمص قال اثقل واطول، الالف واحد واللام ثلاثون والميم اربعون والصاد تسعون فهذه مائة واحد وستون سنة، ثم قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هل مع هذا غيره؟ قال نعم قال هات، قال الرا، قال هذا اثقل واطول، الالف واحد واللام ثلاثون والراء مائتان فهل مع هذا غيره؟ قال نعم، قال هات، قال: المرا قال هذا اثقل واطول، الالف واحد واللام ثلاثون والميم اربعون والراء مائتان، ثم قال فهل مع هذا غيره؟ قال نعم، قال لقد التبس علينا امرك فما ندري ما اعطيت، ثم قالوا عنه ثم قال ابوياسر لحي اخيه ! وما يدريك لعل محمدا قد جمع هذا كله واكثر منه، فقال ابوجعفرعليه‌السلام ان هذه الآيات انزلت منهن آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات وهي تجري في وجوه اخر على غير ما تأول به حي وابوياسر واصحابه.

ثم خاطب الله تبارك وتعالى الخلق فقال (اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء) غير محمد (قليلا ما تذكرون) وقوله (وكم من قرية اهلكناها فجاء‌ها بأسنا بياتا) اي عذابا بالليل (او هم قائلون) يعني نصف النهار وقوله (فما كان دعواهم إذ جاء‌هم بأسنا إلا ان قالوا انا كنا ظالمين) فانه محكم

٢١١

وقوله (فلنسئلن الذين ارسل اليهم ولنسئلن المرسلين) قال الانبياء، عما حملوا من الرسالة، وقوله (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) قال لم نغب عن افعالهم وقوله (والوزن يومئذ الحق) قال المجازات بالاعمال ان خيرا فخير وان شرا فشر وهو قوله (فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) قال بالائمة يجحدون وقوله (ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش) اي مختلفة (قليلا ما تشكرون) اي لا تشكرون الله وقوله (ولقد خلفناكم ثم صورناكم) اي خلقناكم في اصلاب الرجال وصورناكم في ارحام النساء ثم قال وصور ابن مريم في الرحم دون الصلب وان كان مخلوقا في اصلاب الانبياء، ورفع وعليه مدرعة من صوف، حدثنا احمد بن محمد عن جعفر بن عبدالله المحمدي قال حدثنا كثير ابن عياش عن ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " اما خلقناكم فنطقة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما، واما صورناكم فالعين والانف والاذنين والفم واليدين والرجلين صور هذا ونحوه ثم جعل الدميم والوسيم والطويل والقصير واشباه هذا، واما قوله (لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم) اما بين ايديهم فهو من قبل الآخرة لاخبرنهم انه لا جنة ولا نار ولا نشور، واما خلفهم يقول من قبل دنياهم آمرهم بجمع الاموال وآمرهم ان لا يصلوا في اموالهم رحما ولا يعطوا منه حقا وآمرهم ان يقللوا على ذرياتهم واخوفهم عليهم الضيعة، واما عن ايمانهم يقول من قبل دينهم فان كانوا على ضلالة زينتها لهم وان كانوا على اهدى جهدت عليهم حتى اخرجهم منه، واما عن شمائلهم يقول من قبل اللذات والشهوات، يقول الله ولقد صدق عليكم ابليس ظنه واما قوله (اخرج منها مذؤما مدحورا) فالمذؤم المعيب والمدحور المقصر وقوله " اخرج منها مذؤما مدحورا " اي ملقى في جهنم وقوله (ياآدم

٢١٢

اسكن انت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) وكان كما حكى الله (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوء‌اتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما) اي حلفهما (انى لكما لمن الناصحين) روي عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال لما اخرج آدم من الجنة نزل جبرئيلعليه‌السلام فقال ياآدم أليس الله خلقك بيده فنفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته وزوجك حواء امته واسكنك الجنة واباحها لك ونهاك مشافهة ان لا تأكل من هذه الشجرة فاكلت منها وعصيت الله.

فقال آدمعليه‌السلام يا جبرئيل ان ابليس حلف لي بالله انه لي ناصح فما ظننت ان احدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا، وقوله (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوء‌اتهما) حدثنا احمد بن ادريس اخبرنا احمد بن محمد عن ابن ابي عمير عن بعض اصحابه عن ابي عبداللهعليه‌السلام في قوله " بدت لهما سوء‌اتهما " قال كانت سوء‌اتهما لا تبدو لهما يعني كانت داخلة(١) وقوله: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) اي يغطيان سوء‌اتهما به (وناداهما ربهما ألم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين) فقالا كما حكى الله (ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فقال الله (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) يعني آدم وابليس (ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين) يعني إلى القيامة.

وقوله (يابني آدم قد انزلنا عليكم لباسا يوارى سوء‌اتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير) قال لباس التقوى لباس البياض وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله " يابني آدم قد انزلنا عليكم لباسا يوارى سوء‌اتكم

____________________

(١) اي مستترة.ج.ز.

٢١٣

وريشا " فاما اللباس فالثياب التي يلبسون، واما الرياش فالمتاع والمال، واما لباس التقوى فالعفاف لان العفيف لا تبدو له عورة وان كان عاريا من الثياب، والفاجر بادي العورة وان كان كاسيا من الثياب، يقول (ولباس التقوى ذلك خير) يقول العفاف خير (ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) وقوله (يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة) فانه محكم، واما قوله (واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباء‌نا والله امرنا بها) قال الذين عبدوا الاصنام، فرد الله عليهم فقال قل لهم (ان الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل امر ربي بالقسط) اي بالعدل (واقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) اي في القيامة (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) يعني العذاب وجب عليهم، وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر ع في قوله " كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " قال خلقهم حين خلقهم مؤمنا وكافرا وشقيا وسعيدا وكذلك يعودون يوم القيامة مهتديا وضالا يقول (انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون) وهم القدرية(١) الذين يقولون لا قدر ويزعمون انهم قادرون على الهدى والضلالة

____________________

(١) قال في مجمع البحرين: القدرية وهم المنسوبون إلى القدر يزعمون ان كل عبد خالق فعله ولا يرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيته وفي الحديث لا يدخل الجنة قدري وهو الذي يقول لا يكون ما شاء الله ويكون ما شاء ابليس، ويسمون " بالمفوضة " ايضا لزعمهم ان الله فوض اليهم افعالهم.

وبازاء هذه الفرقة " المجبرة " وهم الذين قالوا ليس لنا صنع ونحن مجبورون يحدث الله لنا الفعل عند الفعل وانما الافعال منسوبة إلى الناس مجازا ويسمون " بالمرجئة " ايضا فذاك افراط وهذا تفريط والحق الوسط ما ذهبت اليه الامامية وهو ما افاده الامام الصادقعليه‌السلام : لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين سئل ما الامر بين الامرين؟ قال مثل ذلك رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته، ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته انت الذي امرته بالمعصية.

وقال البصري لابي عبداللهعليه‌السلام : الناس مجبورون؟ قال لو كانوا مجبورين لكانوا معذورين، قال ففوض اليهم؟ قال لا، قال فما هم؟ فقال علم منهم فعلا فاوجد فيهم آلة الفعل، فاذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين (مجمع البحرين مادة طوع).ج.ز

٢١٤

وذلك اليهم ان شاؤا اهتدوا وان شاؤا ضلوا وهم مجوس هذه الامة وكذب اعداء الله المشية والقدرة لله " كما بدأكم تعودون " من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود اليه شقيا ومن خلقه سعيدا يوم خلقه كذلك يعود اليه سعيدا، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الشقي من شقي في بطن امه والسعيد من سعد في بطن امه(١) واما قوله

____________________

(١) لا كلام في مذهب الامامية في ان العبد ليس بمجبور في افعاله بل هو الذي يفعل حسنته وسيئته وهو المسئول عنها يوم القيامة والقول بان الله تعالى فاعل افعالهم باطل عندهم اجماعا وقد دلت عليه قبله الآيات والروايات، فاما الآيات فناهيك منها: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقوله تعالي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ومن الروايات مضافا إلى ما مضى سابقا قول الصادقعليه‌السلام حين سئل عن معنى القدر قال: ما استطعت ان تلوم العبد عليه فهو فعله وما لم تستطع ان تلوم العبد عليه فهو فعل الله تعالى، يقول الله للعبد لم عصيت ! لم فسقت ! فهذا فعل العبد ولا يقول له لم مرضت لم طلت لم قصرت ! لم ابيضضت لم اسوددت ! لانه فعل الله (الانوار النعمانية ٢ / ٢٦١) وان خطر في بال بانه ما بال تلك الاخبار التي يجنح ظاهرها إلى الجبر كاخبار الطينة وكذا قولهعليه‌السلام : من خلقه الله شقيا يوم خلقه كذلك يعود اليه إلى آخر ما في متن الكتاب. (قلنا) انه قد اجيب عنه بوجوه: الاول: ما صار اليه علم الهدى السيد مرتضى (رح) فانه قد استراح بالقول بانها اخبار آحاد مخالفة للكتاب والاجماع فوجب ردها، فلذلك طرحها كما هو مذهبه في اخبار الاحاد اينما وردت، ذلك لان الكتاب والاجماع قد دلا على ان صدور الحسنة والسيئة انما هو باختيار العبد وليس فيه مدخل للطينة بوجه من الوجوه. والثانى: ما ذهب اليه ابن ادريس (رح) من انها اخبار متشابهة يجب الوقوف عندها وتسليم امرها اليهمعليهم‌السلام . والثالث: ما صار اليه بعض المحدثين من حملها على المجاز والكناية كما يقال في العرف لمن اسدى عرفه إلى عباد الله وحسن خلقه هذا رجل قد عجنت طينته بفعل الخير وحب الكرم والتقوى. والرابع: وهو المشهور في تأويل هذه الاخبار وما ضاهاها مما ظاهره الجبر ونفي الاختيار من انه منزل على العلم الالهي، فانه سبحانه قد علم في الازل احوال الخلق في الابد وما يأتونه وما يذرونه بالاختيار منهم فلما علم منهم هذه الاحوال وانها تقع باختيارهم عاملهم بهذه المعاملة كالخلق من الطينة الخبيثة او الطينة الطيبة وحينئذ كتبت الشقاوة والسعادة في الناس قبل ان يجيئوا في حيز الوجود، وكما ان العلم بان زيدا اسود وبكرا البيض ليس علة للسواد والبياض الموجودين فيهما كدلك علم الله تعالى بكون زيد سعيدا او شقيا لا يكون علة للسعادة والشقاوة فيه بل انهما مستندتان اليه. الخامس: وهو ألطف الوجوه ما قال غواص بحار الاخبار، وطلاع جواهرها عن الاستار، جدنا السيد الجزائريرحمه‌الله في انواره من ان خلق الارواح قد كان قبل خلق عالم الذر، وقد اجج سبحانه نارا وكلف تلك الارواح بالدخول، كما سيأتي تفصيله عند تفسير الآية " وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " في هذا الكتاب فمنهم من بادر إلى الامتثال ومنهم من تأخر عنه ولم يأت به، فمن هناك جاء الايمان والكفر ولكن بالاختيار، فلما اراد سبحانه ان يخلق لتلك الارواح ابدانا تتعلق لكل نوع من الارواح نوعا مناسبا له من الابدان فيكون ما صنع بها سبحانه جزاء‌ا لذلك التكليف السابق، نعم لما مزج الطينتين اثر ذلك المزج في قبول الاعمال الحسنة وضدها، هذا ما قبل في هذه المسألة، مضافا ال ما ذكرناه سابقا في ابتداء الكتاب في حاشيتنا ص ٣٨، من اشتراط البداء في ذلك، فيتبين لك ان القول بالبداء يقلع اساس الجبرية والقدرية كلتيهما، نعم من ذهب إلى انكاره فلابد له من الاقرار بالجبر فاقروا به بل اعتنقوا به.ج.ز.

٢١٥

(خذوا زينتكم عند كل مسجد) فان اناسا كانوا يطوفون عراتا بالبيت الرجال

بالنهار والنساء بالليل، فامرهم الله بلبس الثياب وكانوا لا يأكلون إلا قوتا فامرهم الله ان يأكلوا ويشربوا ولا يسرفوا وقوله (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده) وهي الثياب (والطيبات من الرزق) وهي الحلال (قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا) اشترك فيها البر والفاجر (خالصة يوم القيامة للذين آمنوا كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) وقوله " يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " قال في العيدين والجمعة يغتسل ويلبس ثيابا بيضا، وروي ايضا المشط عند كل

٢١٦

صلاة، وقوله " قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق " وهى حكاية معناها قالوا من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق فقال الله قل لهم هى للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، قل من آمن في الدنيا فهذه الطيبات لهم خالصة عند الله يوم القيامة ثم قال قل لهم (إنما حرم ربي الواحش ما ظهر منها وما بطن) قال من ذلك أئمة الجور (والاثم) يعني به الخمر (والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) وهذا رد على من قال في دين الله بغير علم وحكم فيه بغير حكم الله فعليه مثل ما على من اشرك بالله واستحل المحارم والفواحش، فالقول على الله محرم بغير علم مثل هذه المعاني، وقوله (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها الآية) فانه محكم وقوله (فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بآياته اولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) اي ينالهم ما في كتابنا من عقوبات المعاصي وقوله (قالوا اين ما كنتم تدعون من دون اله قالوا ضلوا عنا) اي يضلوا وقوله: (قال ادخلوا في امم قد خلت من قبلكم من الجن والانس في النار كلما دخلت امة لعنت اختها حتى اذا اداركوا فيها جميعا) يعني اجتمعوا وقوله " اختها " اي التي كانت بعدها تبعوهم على عبادة الاصنام وقوله (قالت اخريهم لاوليهم ربنا هؤلاء اضلونا) يعني أئمة الجور (فآتهم عذابا ضعفا من النار) فقال الله (لكل ضعف ولكن لا تعلمون) ثم قال ايضا (وقالت اوليهم لاخريهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) قالوا شماتة بهم.

واما قوله (ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) فانه حدثني ابي عن فضالة عن ابان بن عثمان عن ضريس عن ابي جعفرعليه‌السلام قال نزلت هذه الآية في طلحة والزبير والجمل جملهم، والدليل على ان جنان الخلد في السماء قوله " لا تفتح لهم

٢١٧

ابواب السماء ولا يدخلون الجنة " والدليل ايضا على ان النيران في الارض قوله في سورة مريم " ويقول الانسان أإذا ما مت لسوف اخرج حيا أو لا يذكر الانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا " ومعنى حول جهنم البحر المحيط بالدنيا يتحول نيرانا وهو قوله " واذا البحار سجرت " ثم يحضرهم الله حول جهنم ويوضع الصراط من الارض إلى الجنان وقوله جثيا اي على ركبهم ثم قال " ونذر الظالمين فيها جثيا " يعني في الارض إذا تحولت نيرانا وقوله (لهم من جهنم؟ مهاد) اي مواضع (ومن فوقهم غواش) اي نار تغشاهم وقوله (لا نكلف نفسا إلا وسعها) اي ما يقدرون عليه وقوله (ونزعنا ما في صدورهم من غل) قال العداوة ينزع منهم اي من المؤمنين في الجنة فاذا دخلوا الجنة قالوا كما حكى الله (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله لقد جاء‌ت رسل ربنا بالحق ونودوا ان تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون) واما قوله (ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فاذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين) فانه حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابى الحسنعليه‌السلام قال المؤذن امير المؤمنين صلوات الله عليه يؤذن اذانا يسمع الخلائق كلها، والدليل على ذلك قول الله عزوجل في سورة البراء‌ة " واذان من الله ورسوله " فقال امير المؤمنينعليه‌السلام كنت أنا الاذان في الناس واما قوله (وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) فانه حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابي ايوب عن بريد (يزيد ط) عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال الاعراف كثبان بين الجنة والنار، والرجال الائمة صلوات الله عليهم، يقفون على الاعراف مع شيعتهم وقد سيق المؤمنون إلى الجنة بلا حساب، فيقول الائمة لشيعتهم من اصحاب الذنوب انظروا إلى اخوانكم في الجنة قد سيقوا (سبقوا ط) اليها بلا

٢١٨

حساب، وهو قوله تبارك وتعالى (سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) ثم يقال لهم انظروا إلى اعدائكم في النار وهو قوله (واذا صرفت ابصارهم تلقاء اصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ونادى اصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم) في النار ف‍ (قالوا ما اغنى عنكم جمعكم) في الدنيا (وما كنتم تستكبرون) ثم يقولون لمن في النار من اعدائهم أهؤلاء شيعتى واخواني الذين كنتم انتم تحلفون في الدنيا ان لا ينالهم الله برحمة ثم يقول الائمة لشيعتهم (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون) ثم (نادى اصحاب النار اصحاب الجنة ان افيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله).

حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن ابى حمزة الثمالي عن ابي الربيع قال حججت مع ابي جعفرعليه‌السلام في السنة التي حج فيها هشام بن عبدالملك، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى ابي جعفرعليه‌السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال ياامير المؤمنين من هذا الذي تكافأ عليه الناس؟ قال هذا ابن (بنى ط) اهل الكوفة محمد بن علي بن الحسين بن على بن ابى طالبعليهم‌السلام ، فقال لآتينه فلاسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي او وصي نبي، قال فاذهب اليه فاسأله لعلك تخجله، فجاء نافع حتى اتكأ على الناس فاشرف على ابى جعفرعليه‌السلام فقال يا محمد بن علي انى قرأت التوراة والانجيل والزبور والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت اسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي او وصي نبي او ابن نبي، فرفع ابوجعفرعليه‌السلام رأسه فقال سل عما بدا لك، قال اخبرنى كم كان بين عيسى ومحمدعليهما‌السلام من سنة؟ فقال اخبرك بقولك ام بقولي؟ قال اخبرني بالقولين جميعا، قال اما في قولي فخمس مائة سنة، واما في قولك فستمائة سنة، قال اخبرنى عن قول الله تعالى " واسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " من الذي سأله محمد

٢١٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة، قال فتلا ابوجعفرعليه‌السلام هذه الآية " سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا " كان من الآيات التي أراها محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث اسرى به إلى البيت المقدس انه حشر الله له الاولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم امر جبرئيلعليه‌السلام فاذن شفعا واقام شفعا(١) وقال في اقامته حي على خير العمل، ثم تقدم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال الله له: سل يامحمد من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالو نشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وانك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا، قال نافع صدقت ياابا جعفر، فاخبرني عن قول الله تعالى: " يوم تبدل الارض غير الارض والسموات " باي ارض الذي تبدل؟ فقال ابوجعفرعليه‌السلام بخبزة بيضاء يأكلون منها(٢) حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، فقال

____________________

(١) شفعت الشئ شفعا من باب نفع، ضممته إلى الفرد وشفعت الركعة جعلتهاركعتين، ومنه قول الفقهاء: الشفع ركعتان والوتر واحدة.(مجمع)

(٢) تبدل الارض يوم القيامة بخبزة بيضاء قد وردت فيه روايات كثيرة خاصة وعامة، اما الروايات الخاصة فعن الكافي عن ابى جعفرعليه‌السلام ، قال سأله الابرش الكلبي عن قول الله عزوجل " يوم تبدل الارض غير الارض " قال تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب، فقال الابرش فقلت ان الناس يومئذ لفي شغل عن الاكل، إلى آخر ما اجاب به الامامعليه‌السلام عن الايراد المذكور، عن زرارة قال سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن قوله الله عزوجل " يوم تبدل الارض.الخ " قال تبدل خبزا نقيا يأكل منه الناس حتى يفرغوا من الحساب، قال قائل انهم لفي شغل عن الاكل والشرب؟ فقال ان الله خلق ابن آدم اجوف ولا بد له من الطعام والشراب الخ، وعن ارشاد المفيد (ر ح) عن عبدالرحمن بن عبدالله الزهري، قال حج هشام بن عبدالملك فدخل المسجد الحرام متكئا على ولد سالم مولاه، ومحد بن عليعليه‌السلام جالس في المسجد، فقال له سالم مولاه، ياامير المؤمنين ! هذا محمد بن علي، قال هشام المفتونون به اهل العراق؟ قال نعم، قال اذهب اليه فقل له: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى ان يفصل بينهم يوم القيامة؟ قال ابوجعفر (ع) " يحشر الناس على مثل قرص نقي، فيها انهار متفجرة، يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب " إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة الواردة فيه واما الروايات العامة ففي روح المعاني عن ابن جبير: تبدل الارض خبزة بيضاء فيأكل المؤمن من تحت قدميه وعن افلح مولى ابى ايوب: ان الارض تكون يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ احدكم خبزته في السفر، نزلا لاهل الجنة وهو في الصحيحين " ان تبدل الارض خبزا وان كان مما تستغربه الاذهان العامة لكن شيئا من التأمل يدفعه، لان المراد منها ليس هي الخبزة التي نأكلها، بل مادة شبيهة لها كما مضى في قول الامامعليه‌السلام في الرواية " على مثل قرص نقي " هذا ثم ان الغرابة اما من جهة الاستحالة الذاتية فهي ممنوعة، أو الاستحالة العادية وهى مرتفعة بعموم قدرة الله تعالى، واما من جهة اخرى كعدم المناسبة أو عدم الداعي إلى ذلك، وقد أجاب عنه الامامعليه‌السلام من ان ابن آدم خلق اجوف فما دام فيه اثر من الحياة يحتاج إلى ما يملا جوفه، حتى في رحم الامهات وفي الجنان وجهنم كذلك، ففي يوم القيامة كيف لا يحتاج اليه مع طول مدته التي نص عليها القرآن بانه كالف سنة مما تعدون (الحج ٤٧). وقد وردت فيه روايات اخر ايضا لا تقل غرابة مما ذكره القمي كتبدل الارض فضة والسماء ذهبا ذكرها تفاسير العامة. وفي رواية السجادعليه‌السلام " تبدل الارض غير الارض " يعني بارض لم تكسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها اول مرة (الصافي) وعلى هذا التفسير لا حاجة الي تجشم الذب عنه.ج.ز.

٢٢٠