تفسير القمى الجزء ١

تفسير القمى0%

تفسير القمى مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 403

تفسير القمى

مؤلف: ابى الحسن على بن ابراهيم القمى
تصنيف:

الصفحات: 403
المشاهدات: 41607
تحميل: 9849


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41607 / تحميل: 9849
الحجم الحجم الحجم
تفسير القمى

تفسير القمى الجزء 1

مؤلف:
العربية

لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) يقول تعرف اهل الغدر والذين جلسوا بغير عذر وفي رواية علي بن ابراهيم قوله (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر - إلى قوله - ما زادوكم إلا خبالا) اي وبالا (ولا وضعوا خلالكم) اى يهربوا عنكم.

وتخلف عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوم من اهل ثبات وبصائر لم يكن يلحقهم شك ولا ارتياب ولكنهم قالوا نلحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم ابوخثيمة وكان قويا وكانت له زوجتان وعريشتان فكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه وبردتا له الماء وهيئتا له طعاما، فاشرف على عريشته، فلما نظر اليهما قال والله، ما هذا بانصاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قد خرج في الصخ(١) والريح وقد حمل السلاح مجاهدا في سبيل الله وابوخثيمة قوي قاعد في عريشته وامرأتين حسناوتين لا والله ما هذا بانصاف ثم اخذ ناقته فشد عليها رحله فلحق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر الناس إلى راكب على الطريق فاخبروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كن ابا خثيمة، فاقبل واخبر النبي بما كان منه فجزاه خيرا ودعا له.

وكان ابوذررحمه‌الله تخلف عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيام وذلك ان جمله كان اعجف(٢) فلحق بعد ثلاثة ايام به ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه علي ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كن أباذر فقالوا هو ابوذر، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ادركوه بالماء فانه عشطان فادركوه بالماء ووافى ابوذر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه اداوة فيها ماء فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا اباذر معك ماء وعطشت؟ فقال نعم يارسول الله بابي انت وامي انتهيت

____________________

(١) الداهية.

(٢) أي هزل

٢٨١

إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فاذا هو عذب بارد، فقلت لا اشربه حتى يشربه حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله: " يااباذر أرحمك الله تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، وتدخل الجنة وحدك، يسعد بك قوم من اهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك " فلما سير به عثمان إلى الربذة فمات بها ابنه ذر، فوقف على قبره فقال رحمك الله ياذر لقد كنت كريم الخلق بارا بالوالدين وما علي في موتك من غضاضة وما بي إلى غير الله من حاجة، وقد شغلني الاهتمام لك عن الاغتمام بك، ولولا هول المطلع لاحببت ان اكون مكانك، فليت شعري ما قالوا لك وما قلت لهم، ثم رفع يده فقال: اللهم انك فرضت لك عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا فاني قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فانك اولى بالحق واكرم مني.

وكانت لابي ذر غنيمات يعيش هو وعياله منها فاصابها داء يقال له النقار(١) ، فماتت كلها فاصاب اباذر وابنته الجوع فماتت اهله، فقالت ابنته اصابنا الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا فقال لي ابي يا بنية قومي بنا إلى الرمل نطلب القت وهو نبت له حب فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئا فجمع ابي رملا ووضع رأسه عليه ورأيت عينه قد انقلبت، فبكيت وقلت له ياابت كيف اصنع بك وانا وحيدة؟ فقال يا بنتي لا تخافي فاني إذا مت جاء‌ك من اهل العراق من يكفيك امري، فانه اخبرني حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة تبوك.

فقال يا اباذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك اقوام من اهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك فاذا انا مت فمدي الكساء على وجهي ثم اقعدي على طريق العراق فاذا اقبل ركب فقومي اليهم وقولي هذا ابوذر صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد توفي، قال فدخل اليه قوم من اهل الربذة فقالوا يااباذر ما تشتكي؟ قال ذنوبي قالوا فما تشتهي؟ قال رحمة ربي قالوا فهل لك

____________________

(١) النقار كالغراب داء الماشية كالطاعون.ق

٢٨٢

بطبيب؟ قال الطبيب امرضني قالت ابنته فلما عاين؟ الموت سمعته يقول مرحبا بحبيب اتى على فاقة لا افلح من ندم اللهم خنقني خناقك فوحقك انك لتعلم اني احب لقاء‌ك قالت ابنته فلما مات مددت الكساء على وجهه ثم قعدت على طريق العراق فجاء نفر فقلت لهم يا معشر المسلمين هذا ابوذر صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد توفي فنزلوا ومشوا يبكون فجاء‌وا فغسلوه وكفنوه ودفنوه وكان فيهم الاشتر فروي انه قال دفنته فيحلة كانت معي قيمتها اربعة آلاف درهم فقالت ابنته فكنت اصلي بصلاته واصوم بصيامه فبينما انا ذات ليلة نائمة عند قبره إذ سمعته يتهجد بالقرآن في نومي كما كان يتهجد به في حياته فقلت يا ابة ماذا فعل بك ربك؟ فقال يا بنية قدمت على رب كريم فرضي عني ورضيت عنه، واكرمني وحباني فاعملي فلا تغتري.

وكان مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بتبوك رجل يقال له المضرب من كثرة ضرباته التي اصابته ببدر واحد، فقال له رسول الله عد لي اهل العسكر فعددهم فقال هم خمسة وعشرون الف رجل سوى العبيد والتباع، فقال عد المؤمنين فعددهم فقال هم خمسة وعشرون رجلا، وقد كان تخلف عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق منهم كعب بن مالك الشاعر ومرادة بن الربيع وهلال بن امية الواقفي (الموافقى ط) فلما تاب الله عليهم قال كعب ما كنت قط اقوى مني في ذلك الوقت الذي خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تبوك وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم وكنت اقول اخرج غدا اخرج بعد غد فاني قوي وتوانيت وبقيت بعد خروج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اياما ادخل السوق فلا اقضى حاجة فلقيت هلال بن امية ومرادة بن الربيع وقد كانا تخلفا ايضا فتوافقنا ان نبكر إلى السوق ولم نقض حاجة فما زلنا نقول نخرج غدا بعد غد حتى بلغنا اقبال رسول الله فندمنا فلما وافى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استقبلناه نهنئه بالسلامة فسلمنا

٢٨٣

عليه فلم يرد علينا السلام واعرض عنا وسلمنا على اخواننا فلم يردوا علينا السلام فبلغ ذلك اهلونا فقطعوا كلامنا وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا احد ولا يكلمنا فجئن نساؤنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلن قد بلغنا سخطك على ازواجنا فتعتزلهم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تعتزلنهم ولكن لا يقربوكن، فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قالوا ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا اخواننا ولا اهلونا فهلموا نخزج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت، فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون وكان اهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم، فبقوا على هذا اياما كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله ان يغفر لهم فلما طال عليهم الامر، قال لهم كعب يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله قد سخط علينا واهلونا واخواننا قد سخطوا علينا فلا يكلمنا احد فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟ فتفرقوا في الليل وحلفوا ان لا يكلم احد منهم صاحبه حتى يموت او يتوب الله عليه فبقوا على هذه ثلاثة ايام كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه فلما كان في الليلة الثالثة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت ام سلمة نزلت توبتهم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله (لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) قال الصادقعليه‌السلام هكذا نزلت(١) وهو ابوذر وابوخثيمة وعمر بن وهب الذين تخلفوا ثم لحقوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال في هؤلاء الثلاثة (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) فقال العالم (ع) إنما انزل " وعلى الثلاثة الذين خالفوا " ولو خلفوا لم

____________________

(١) وفي المصحف لفظة " على النبي والمهاجرين " مكان " بالنبي على المهاجرين ".ج.ز

٢٨٤

يكن عليهم عيب (حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت) حيث لم يكلمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا اهلوهم فضاقت عليهم المدينة حتى خرجوا منها وضاقت عليهم انفسهم حيث حلفوا ان لا يكلم بعضهم بعضا فتفرقوا وتاب الله عليهم لما عرف من صدق نياتهم، وقوله في المنافقين قل لهم يامحمد (انفقوا طوعا او كرها لن يتقبل منكم انكم كنتم قوما فاسقين - إلى قوله - وتزهق انفسهم وهم كافرون) وكانوا يحلفون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انهم مؤمنون فانزل الله (ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ او مغارات) يعني غارات في الجبال (او مدخلا) قال موضعا يلتجئون اليه (لولوا اليه وهم يجمحون) اي يعرضون عنكم وقوله (ومنهم من يلمزك في الصدقات فان اعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون) فانها نزلت لما جاء‌ت الصدقات وجاء الاغنياء وظنوا ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقسمها بينهم فلما وضعها في الفقراء تغامزوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولمزوه وقالوا نحن الذين نقوم في الحرب ونغزو معه ونقوي امره ثم يدفع الصدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئا فانزل الله (ولو انهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله انا إلى الله راغبون) ثم فسر الله الصدقات لمن هي وعلى من تجب فقال (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) فاخرج الله من الصدقات جميع الناس إلا هذه الثمانية الاصناف الذين سماهم الله، وبين الصادقعليه‌السلام منهم فقال الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم مؤنات من عيالهم والدليل على انهم هم الذين لا يسألون قول الله في سورة البقرة " للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس الحافا " والمساكين هم اهل الزمانة من العميان

٢٨٥

والعرجان والمجذومين وجميع الاصناف الزمنى الرجال والنساء والصبيان " والعاملين عليها " هم السعاة والجباة في اخذها وجمعها وحفظها حتى يردوها إلى من يقسها " والمؤلفة قلوبهم " قوم وحدوا لله ولم تدخل المعرفة في قلوبهم من ان محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويعلمهم كيما يعرفوا فجعل الله لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا.

وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) قال المؤلفة قلوبهم ابوسفيان ابن حرب بن امية وسهيل بن عمرو وهو من بني عامر بن لوي وهمام بن عمرو واخوه وصفوان بن امية بن خلف القرشي ثم الجشمي الجمحي والاقرع بن حابس التميمي ثم عمر احد بني حازم وعيينة بن حصين الفزاري ومالك بن عوف وعلقمة بن علاقة، بلغني ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعطي الرجل منهم مائة من من الابل ورعاتها واكثر من ذلك واقل، رجع إلى تفسير على بن ابراهيم في قوله " وفي الرقاب " قوم قد لزمهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار وقتل الصيد في الحرم وفي الايمان وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون فجعل الله لهم منها سهما في الصدقات ليكفر عنهم " والغارمين " قوم قد وقعت عليهم ديون انفقوها في طاعة الله من غير اسراف فيجب على الامام ان يقضي ذلك عنهم ويفكهم من مال الصدقات " وفي سبيل الله " قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون، او قوم من المسلمين ليس عندهم ما يحجون به او في جميع سبل الخير فعلى الامام ان يعطيهم من مال الصدقات حتى ينفقوا به على الحج والجهاد و " ابن السبيل " ابناء الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب ما لهم فعلى الامام ان يردهم إلى اوطانهم من مال الصدقات، والصدقات تتجزى ثمانية اجزاء فيعطى كل انسان من هذه الثمانية على قدر ما يحتاجون اليه بلا اسراف ولا تقتير يقوم في ذلك الامام يعمل بما فيه الصلاح.

٢٨٦

وقوله (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) فانه كان سبب نزولها ان عبدالله بن نفيل كان منافقا وكان يقعد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين وينم عليه، فنزل جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يامحمد ان رجلا من المنافقين ينم عليك وينقل حديثك إلى المنافقين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من هو؟ فقال الرجل الاسود الكثير شعر الرأس ينظر بعينين كانهما قدران وينطق بلسان شيطان، فدعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاخبره فخلف انه لم يفعل فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قبلت منك فلا تقعد فرجع إلى اصحابه فقال ان محمدا أذن اخبره الله انى انم عليه وانقل اخباره فقبل واخبرته اني لم افعل ذلك فقبل فانزل الله على نبيه " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " اي يصدق الله فيما يقول له ويصدقك فيما تعتذر اليه في الظاهر ولا يصدقك في الباطن وقوله " ويؤمن للمؤمنين " يعني المقرين بالايمان من غير اعتقاد وقوله (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) فانها نزلت في المنافقين الذين كانوا يحلفون للمؤمنين انهم منهم لكي يرضى عنهم المؤمنين فقال الله (والله ورسوله احق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين) وقوله (يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤا ان الله مخرج ما تحذرون) قال كان قوم من المنافقين لما خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تبوك كانوا يتحدثون فيما بينهم ويقولون أيرى محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع منهم احد ابدا، فقال بعضهم ما اخلفه ان يخبر الله محمدا بما كنا فيه وبما في قلوبنا وينزل عليه بهذا قرآنا يقرأه الناس وقالوا هذا على حد الاستهزاء فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمار بن ياسر الحق القوم فانهم قد احترقوا فلحقهم عمار فقال ما قلتم قالوا ما قلنا شيئا انما كنا نقول شيئا على حد اللعب والمزاح فانزل الله (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بانهم كانوا مجرمين).

وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله " لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم " قل هؤلاء قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا وشكوا

٢٨٧

ونافقوا بعد ايمانهم وكانوا اربعة نفر وقوله " ان نعف عن طائفة منكم " كان أحد الاربعة محتبر (نحشى ط) بن الحمير واعترف وناب وقال يا رسول الله اهلكني اسمي فسماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبدالله بن عبدالرحمن فقال يا رب اجعلني شهيد حيث لا يعلم احد اين انا فقتل يوم اليمامة ولم يعلم احد اينقتل فهو الذي عفى الله عنه قال علي بن ابراهيم ذكر المنافقين فقال (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض - إلى قوله - ولكن كانوا انفسهم يظلمون) فانه محكم ثم ذكر المؤمنين فقال (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار) الآية محكمة وقوله (ياايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) قال إنما نزلت " ياايها النبي جاهد الكفار بالمنافقين " لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجاهد المنافقين بالسيف.

قال حدثني ابى عن ابن ابى عمير عن ابى بصير عن ابى جعفر (ع) قال جاهد الكفار والمنافقين بالزام الفرائض وقوله (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم) قال نزل في الذين تحالفوا في الكعبة ألا يردوا هذا الامر في بني هاشم فهى كلمة الكفر ثم قعدوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في العقبة وهموا بقتله وهو قوله " وهموا بما لم ينالوا " حدثنا(١) احمد بن الحسن التاجر قال حدثنا الحسن بن على بن عثمان الصوفى قال حدثنا زكريا بن محمد عن محمد بن على عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: لما اقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله امير المؤمنين يوم غدير خم كان بحذائه سبعة نفر من المنافقين وهم فلان وفلان وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وابوعبيده وسالم مولى ابى حذيفه والمغيره بن شعبة قال الثانى اما ترون عينه كانما عينا مجنون يعنى النبى الساعة يقوم ويقول قال لى ربى فلما قام قال ايها الناس من اولى بكم من انفسكم قالوا الله ورسوله قال اللهم فاشهد ثم قال الا من كنت مولاه فعلى مولاه وسلموا عليه بامرة المؤمنين فنزل جبرئيل واعلم رسول الله بمقالة القوم فدعاهم وسألهم فانكروا وحلفوا فانزل الله (يحلفون بالله ما قالوا الخ) ثم ذكر البخلاء وسماهم منافقين وكاذبين فقال (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله - إلى قوله اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر ع قال هو ثعلبة بن خاطب بن

____________________

(١) هذه الروايه واردة في الصافى بعينها ج ز

٢٨٨

عمرو بن عوف كان محتاجا فعاهد الله فلما آتاه الله بخل به، ثم ذكر المنافقين فقال (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجويهم وان الله علام الغيوب) واما قوله (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم) فجاء سالم بن عمير الانصاري بصاع من تمر فقال يارسول الله كنت ليلتي اجيرا لجرير حتى نلت صاعين تمرا اما احدهما فامسكته واما الآخر فاقرضه ربي، فامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ينثره في الصدقات، فسخر منه المنافقون وقالوا والله ان الله يغني عن هذا الصاع ما يصنع الله بصاعه شيئا ولكن ابا عقيل اراد ان يذكر نفسه ليعطى من الصدقات فقال: (سخر الله منهم ولهم عذاب اليم) قوله (استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) قال علي بن ابراهيم انها نزلت لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ومرض عبدالله ابن ابي وكان ابنه عبدالله بن عبدالله مؤمنا فجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابوه يجود بنفسه فقال يا رسول الله بابي انت وامي انك ان لم تأت ابي كان ذلك عارا علينا، فدخل اليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمنافقون عنده، فقال ابنه عبدالله بن عبدالله يارسول الله استغفر له فاستغفر له، فقال الثانى ألم ينهك الله يارسول الله ان تصلى عليهم او تستغفر لهم فاعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاعاد عليه فقال له ويلك انى خيرت فاخترت ان الله يقول " استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " فلما مات عبدالله جاء ابنه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال بابي انت وامي يا رسول الله ان رأيت ان تحضر جنازته فحضره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقام على قبره فقال له الثانى يا رسول الله ألم ينهك الله ان تصلي على احد منهم مات ابدا وان تقوم على قبره؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويلك وهل تدري ما قلت؟ انما قلت اللهم احش قبره نارا وجوفه نارا واصله النار، فبدا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يكن يحب.

قال ولما قدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تبوك كان اصحابه المؤمنون يتعرضون للمنافقين ويؤذونهم وكانوا يحلفون لهم انهم على الحق وليس هم بمنافقين لكي

٢٨٩

يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم فانزل الله (سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا الجزء(١١) عنهم فاعرضوا عنهم انهم رجس وماويهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) ثم وصف الاعراب فقال (الاعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مفرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر) ثم ذكر السابقين فقال (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار) وهم النقباء ابوذر والمقداد وسلمان وعمار ومن آمن وصدق وثبت على ولاية امير المؤمنينعليه‌السلام (والذين اتبعوهم باحسانرضي ‌الله‌ عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم) وقوله (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم) نزلت في ابي لبابة بن عبدالمنذر وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حاصر بني قريظة قالوا له ابعث الينا ابا لبابة نستشيره في امرنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا أبا لبابة ائت حلفاء‌ك ومواليك فاتاهم فقالوا له يا أبا لبابة ما ترى تنزل على حكم محمد؟ فقال انزلوا واعلموا ان حكمه فيكم هو الذبح واشار إلى حلقه ثم ندم على ذلك، فقال خنت الله ورسوله ونزل من حصنهم ولم يرجع إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومر إلى المسجد وشد في عنقه حبلا ثم شده إلى الاسطوانة التي تسمى اسطوانة التوبة وقال لا احله حتى اموت او يتوب الله علي، فبلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال اما لو اتانا لاستغفرنا الله له، فاما اذا قصد إلى ربه فالله اولى به، وكان ابولبابة يصوم النهار ويأكل بالليل ما يمسك به رمقه فكانت ابنته تأتيه بعشائه وتحله عند قضاء الحاجة فلما كان بعد ذلك ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت ام سلمة نزلت توبته فقال ياام سلمة، قد ناب الله على ابي لبابة، فقالت يارسول الله

٢٩٠

افأوذنه بذلك؟ فقال لتفعلن، فاخرجت رأسها من الحجرة، فقالت ياابا لبابة ابشر لقد تاب الله عليك، فقال الحمد لله فوثب المسلمون ليحلوه فقال لا والله حتى يحلني رسول الله فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا ابا لبابة قد تاب الله عليك توبة لو ولدت من امك يومك هذا لكفاك، فقال يا رسول الله أفأتصدق بمالي كله؟ قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فبثلثه قال نعم فانزل الله (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم) حدثني ابي عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبداللهعليه‌السلام في قوله (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) المؤمنون ههنا الائمة الطاهرون صلوات الله عليهم وعن محمد بن الحسن الصفار عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال ان اعمال؟ العباد تعرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كل صباح ابرارها وفجارها فاحذروا فليستحيي احدكم ان يعرض على نبيه العمل القبيح، وعنه صلوات الله عليه وآله قال ما من مؤمن يموت او كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى امير المؤمنينعليه‌السلام وهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته فذلك قوله " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " واما قوله (وآخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم) قال فانه حدثني ابي عن يحيى بن ابي عمران عن يونس عن ابى الطيار قال قال ابوعبداللهعليه‌السلام المرجون لامر الله قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة وجعفر واشباههما من المؤمنين ثم دخلوا بعد ذلك في الاسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الايمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة ولم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار فهم على تلك الحالة مرجون لامر الله

٢٩١

اما يعذبهم واما يتوب عليهم وقوله (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) فانه كان سبب نزولها انه جاء قوم من المنافقين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا يا رسول الله اتأذن لنا ان نبني مسجدا في بني سالم للعليل والليلة المطيرة والشيخ الفاني فاذن لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على الخروج إلى تبوك فقالوا يارسول الله لو اتيتنا فصليت فيه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله انا على جناح السفر فاذا وافيت ان شاء الله اتيته فصليت فيه فلما اقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من تبوك نزلت عليه هذه الآية في شأن المسجد وابي عامر الراهب وقد كانوا حلفوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انهم يبنون ذلك للصلاح والحسنى فانزل الله على رسوله (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) يعني ابا عامر الراهب كان يأتيهم فيذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه (وليحلفن ان ارادنا إلا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون لا تقم فيه ابدا لمسجد اسس على التقوى من اول يوم) يعني مسجد قبا (احق ان تقوم فيه فيه رجال يحبون ان يتطهروا والله يحب المتطهرين) قال كانوا يتطهرون بالماء وقوله (افمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير من اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال مسجد ضرار الذى " اسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم " قال علي ابن ابراهيم قوله (لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلى ان تقطع قلوبهم) إلى في موضع حتى تنقطع قلوبهم (والله عليم حكيم) فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مالك بن الدجشم (دجشم خ ل) الخزاعي وعامر بن عدي اخا بني عمرو بن عوف على ان يهدموه ويحرقوه فجاء مالك فقال لعامر انتظرني حتى اخرج نارا من منزلى فدخل فجاء بنار واشعل في سعف النخل ثم اشعله في المسجد فتفرقوا وقعد زيد ابن حارثة حتى احترقت البلية ثم امر بهدم حايطه.

٢٩٢

واما قوله (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة) قال نزلت في الائمة فالدليل على ان ذلك فيهم خاصة حين مدحهم وحلاهم ووصفهم بصفة لا يجوز في غيرهم فقال (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله) فالآمرون بالمعروف هم الذين يعرفون المعروف كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليه والناهون عن المنكر هم الذين يعرفون المنكر كله صغيره وكبيره والحافظون لحدود الله هم الذين يعرفون حدود الله صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليها ولا يجوز ان يكون بهذه الصفة غير الائمةعليهم‌السلام قال حدثني ابي عن بعض رجاله قال لقي الزهرى علي بن الحسينعليه‌السلام في طريق الحج فقال له ياعلي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته واقبلت على الحج ولينته ان الله يقول " ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " قال له علي بن الحسين انهم الائمة فقال " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين " فقال علي ابن الحسينعليه‌السلام إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم افضل من الحج وقوله (ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى) اي ولو كانوا قراباتهم وقوله (وما كان استغفار ابراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه) قال ابراهيم لابيه ان لم تعبد الاصنام استغفرت لك فلما لم يدع الاصنام تبرأ منه ابراهيم (ان ابراهيم لاواه حليم) اي دعاء، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال الاواه المتضرع إلى الله في صلاته واذا خلا في قفرة في (من خ ل) الارض وفي الخلوات.

٢٩٣

وقوله (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) يقول كونوا مع علي بن ابى طالب وآل محمدعليهم‌السلام والدليل على ذلك قول الله " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه " فهو حمزة " ومنهم من ينتظر " وهو علي بن ابى طالبعليه‌السلام يقول الله " وما بدلوا تبديلا " وقال الله تعالى " اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " وهم آل محمدعليهم‌السلام قال علي ابن ابراهيم في قوله " يا ايها آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " هم الائمةعليهم‌السلام وهو معطوف على قوله " وبشر المؤمنين " وقوله (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم عن نفسه ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ) أي عطش (ولا نصب) أي عناء (ولا مخمصة في سبيل الله) أي جوع (ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار) يعني لا يدخلون بلاد الكفار (ولا ينالون من عدو نيلا) يعني قتلا واسرا (إلا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين) وقوله (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون) قال كلما فعلوا من ذلك لله جازاهم الله عليه وقوله (ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم) يعني إذا بلغهم وفاة الامام يجب ان يخرج من كل بلاد فرقة من الناس ولا يخرجوا كلهم كافة ولم يفرض الله ان يخرج الناس كلهم فيعرفوا خبر الامام ولكن يخرج طائفة ويؤدوا ذلك إلى قومهم (لعلهم يحذرون) كي يعرفوا اليقين وقوله (يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) قال يجب على كل قوم ان يقاتلوا الذين من يليهم ممن يقرب من بلادهم من الكفار ولا يجوزوا ذلك الموضع والغلظة اي غلظوا لهم القول والقتل وقوله (واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين آمنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون

٢٩٤

واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) اي شكا إلى شكهم فهو رد علي من يزعم ان الايمان لا يزيد ولا ينقص ومثله في سورة الانفال في قوله " انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " ومثله كثير مما حكى الله من زيادة الايمان وقوله أو لا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة او مرتين) أي يمرضون (ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) وقوله (وإذا ما انزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض) يعني المنافقين (ثم انصرفوا) اي تفرقوا (صرف الله قلوبهم) عن الحق إلى الباطل باختيارهم الباطل على الحق ثم خاطب الله عزوجل الناس واحتج عليهم برسول الله فقال: (لقد جاء‌كم رسول من انفسكم) اي مثلكم في الخلقة ويقرأ من انفسكم(١) أي اشرفكم (عزيز عليه ما عنتم) أي انكرتم وجحدتم (حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ثم عطف بالمخاطبة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (فان تولوا) يا محمد عما تدعوهم اليه (فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)

سورة يونس

مكية مأة وعشر آية

(بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب الحكيم) قال الرا هو حرف من حروف الاسم الاعظم المنقطع في القرآن فاذا الفه الرسول او الامام فدعا به اجيب ثم قال: (أكان للناس عجبا ان اوحينا إلى رجل منهم) يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (أن انذر الناس وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم) قال فحدثني ابي عن حماد بن عيسى عن ابراهيم بن عمر اليماني عن

____________________

(١) اي بناء‌ا على افعل التفضيل من النفاسة.ج ز

٢٩٥

ابي عبداللهعليه‌السلام في قوله " قدم صدق عند ربهم " قال هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله (ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش - إلى قوله - لآيات لقوم يتقون) فانه محكم وقوله (ان الذين لا يرجون لقاء‌نا) اي لا يؤمنون به (ورضوا بالحيوة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون) قال الآيات امير المؤمنين والائمةعليهم‌السلام والدليل على ذلك قول امير المؤمنينعليه‌السلام " ما لله آية اكبر مني " وقوله (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم دعواهم فيها) اي تسبيحهم في الجنة (سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلم) قال بعضهم لبعض وقوله (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي اليهم اجلهم) قال لو عجل الله لهم الشر كما يستعجلون الخير لقضي اليهم اجلهم أي يفرغ من اجلهم قوله (واذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه او قاعدا او قأئما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) قال دعانا لجنبه العليل الذي لا يقدر ان يجلس او قاعدا الذي لا يقدر ان يقوم او قأئما قال الصحيح وقوله " فلما كشفنا عنه ضره مر كان لم يدعنا إلى ضر مسه " اي ترك ومر ونسي كان لم يدعنا إلى ضر مسه وقوله (ولقد اهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاء‌تهم رسلهم بالبينات) يعني عادا وثمود ومن اهلكه الله ثم قال (ثم جعلناكم خلائف في الارض من بعدهم لننظر كيف تعملون) يعني حتى نرى فوضع النظر مكان الرؤية وقوله (وإذا تتلي عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاء‌نا ائت بقرآن غير هذا او بدله قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسى ان اتبع إلا ما يوحى إلي) فان قريشا قالت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ائتنا بقرآن غير هذا فان هذا شئ تعلمته من اليهود والنصارى قال الله (قل لهم لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا ادريكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) اي لقد لبثت فيكم اربعين سنة قبل ان يوحي الي لم آتكم بشئ منه

٢٩٦

حتى اوحي الي واما قوله " او بدله " فانه اخبرني الحسن بن على عن ابيه عن حماد بن عيسى عن ابي السفاتج عن ابي عبداللهعليه‌السلام في قول الله: ائت بقرآن غير هذا او بدله يعني امير المؤمنين علي بن ابي طالبعليه‌السلام قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ان اتبع إلا ما يوحى الي يعني في علي بن ابي طالب امير المؤمنينعليه‌السلام قال علي بن ابراهيم في قوله (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) قال كانت قريش يعبدون الاصنام ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى فانا لا نقدر على عبادة الله فرد الله عليهم فقال قل لهم يامحمد (أتنبئون الله بما لا يعلم) اي ليس فوضع حرفا مكان حرف اي ليس له شريك يعبد وقوله (وما كان الناس إلا امة واحدة فاختلفوا) اي على مذهب واحد (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم) اي كان ذلك في علم الله السابق ان يختلفوا ويبعث فيهم الانبياء والائمة من بعد الانبياء ولولا ذلك لهلكوا عند اختلافهم.

قوله: (إنما مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس) فانه حدثني ابي عن محمد بن الفضيل عن ابيه عن ابي جعفرعليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك بلغنا ان لآل جعفر راية ولآل العباس رايتين فهل انتهى اليك من علم ذلك شئ؟ قال اما آل جعفر فليس بشئ ولا إلى شئ واما آل العباس فان لهم ملكا مبطنا يقربون فيه البعيد ويبعدون فيه القريب وسلطانهم عسر ليس يسر حتى إذا امنوا مكر الله وامنوا عقابه صيح فيهم صيحة لا يبقى لهم منال يجمعهم ولا (رجال تمنعهم ك) وهو قول الله حتى إذا اخذت الارض زخرفها الآية، قلت جعلت فداك فمتى يكون ذلك قال اما انه لم يوقت لنا فيه

٢٩٧

وقت ولكن إذا حدثناكم بشئ فكان كما نقول فقولوا صدق الله ورسوله وان كان بخلاف ذلك فقولوا صدق الله ورسوله تؤجروا مرتين ولكن اذا اشتدت الحاجة والفاقة وانكر الناس بعضهم بعضا فعند ذلك توقعوا هذا الامر صباحا او مساء‌ا، فقلت جعلت فداك الحاجة والفاقة قد عرفناهما فما انكار الناس بعضهم بعضا قال يأت الرجل اخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه فيه ويكلمه بغير الكلام الذي كان يكلمه قوله (والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) يعنى الجنة قوله (للذين احسنوا الحسنى وزيادة) قال النظر إلى وجه الله عزوجل(١) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله للذين احسنوا الحسنى وزيادة فاما الحسنى الجنة واما الزيادة فالدنيا ما اعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ويجمع ثواب الدنيا والآخرة ويثيبهم باحسن اعمالهم في الدنيا والآخرة يقول الله (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون) قال على بن ابراهيم في قوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة القتر الجوع والفقر والذلة الخوف.

وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم) قال هؤلاء اهل البدع والشبهات والشهوات يسود الله وجوههم ثم يلقونه يقول الله (كانما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) يسود الله وجوههم يوم القيامة ويلبسهم الذل والصغار يقول الله (اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) قال علي بن ابراهيم في قوله (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا مكانكم انتم وشركاؤكم

____________________

(١) اي إلى نور وجه الله عزوجل كما في الدعاء: بنور وجهك الذي اضاء له كل شئ.ج.ز

٢٩٨

فزيلنا بينهم) قال يبعث الله نارا تزيل بين الكفار والمؤمنين قوله (هنالك تبلو كل نفس ما اسلفت) اي تتبع ما قدمت (وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون) اي بطل عنهم ما كانوا يفترون وقوله (قل من يرزقكم من السماء والارض - إلى قوله - وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) فانه محكم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله (أفمن يهدي إلى الحق احق ان يتبع أمن لا يهدي إلا ان يهدى فما لما لكم كيف تحكمون) فاما من يهدي إلى الحق فهم محمد وآل محمد من بعده واما من لا يهدي إلا ان يهدى فهو من خالف من قريش وغيرهم اهل بيته من بعده، وقال علي بن ابراهيم في قوله (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله) اي لم يأتهم تأويله (كذلك كذب الذين من قبلهم) قال نزلت في الرجعة كذبوا بها اي انها لا تكون ثم قال: (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك اعلم بالمفسدين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله ومنهم من لا يؤمن به وفهم اعداء محمد وآل محمد من بعده " وربك اعلم بالمفسدين " والفساد المعصية لله ولرسوله.

وقال علي بن ابراهيم في قوله (وان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم - إلى قوله - ما كانوا مهتدين) فانه محكم ثم قال (واما نرنيك - يا محمد - بعض الذي نعدهم) من الرجعة وقيام القائم (او نتوفينك) قبل ذلك (فالينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله (قل أرايتم ان اتاكم عذابه بياتا) يعني ليلا (او نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون) فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة وهم يجحدون نزول العذاب عليهم قال علي بن ابراهيم في قوله (أثم إذا ما وقع آمنتم به) اي صدقتم في الرجعة فيقال لهم (الآن) تؤمنون يعني بامير المؤمنينعليه‌السلام (وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا) آل محمد حقهم (ذوقوا عذاب الخلد

٢٩٩

هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) ثم قال (ويستنبئونك) يا محمد اهل مكة في علي (احق هو) اي امام (قل اي وربي انه لحق) امام ثم قال (ولو ان لكل نفس ظلمت) آل محمد حقهم (ما في الارض جميعا لافتدت به) في ذلك الوقت يعني الرجعة وقوله (واسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) حدثني محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن احمد عن احمد بن الحسين عن صالح بن ابي عمار عن الحسن بن موسى الخشاب عن رجل عن حماد بن عيسى عمن رواه عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال سئل عن قول الله تبارك وتعالى: (واسروا الندامة لما رأوا العذاب) قال قيل له ما ينفعهم اسرار الندامة وهم في العذاب؟ قال كرهوا شماتة الاعداء وقوله (ألا ان لله ما في السموات والارض ألا ان وعد الله حق ولكن اكثرهم لا يعلمون هو يحيى ويميت واليه ترجعون) فانه محكم رجع إلى رواية علي بن ابراهيم بن هاشم قال ثم قال: (ياايها الناس قد جاء‌تكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن ثم قال قل لهم يامحمد (بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) قال: الفضل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورحمته امير المؤمنينعليه‌السلام فبذلك فليفرحوا، قال فليفرح شيعتنا هو خير مما اعطوا اعداؤنا من الذهب والفضة وقوله (قل أرأيتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله اذن لكم ام على الله تفترون) وهو اما احلته وحرمته اهل الكتاب بقوله " وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا " وقوله " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا.الآية " فاحتج الله عليهم فقال قل لهم " آلله اذن لكم ام علي الله تفترون " واما قوله (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن) مخاطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا) قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اذا قرأ هذه الآية بكى بكاء‌ا

٣٠٠