تفسير القمى الجزء ١

تفسير القمى0%

تفسير القمى مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 403

تفسير القمى

مؤلف: ابى الحسن على بن ابراهيم القمى
تصنيف:

الصفحات: 403
المشاهدات: 41622
تحميل: 9860


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41622 / تحميل: 9860
الحجم الحجم الحجم
تفسير القمى

تفسير القمى الجزء 1

مؤلف:
العربية

عليه وخافوه وكفوا عنه وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من ايديهم وتزوج لوط فيهم وولد له بنات، فلما طال ذلك علي لوط ولم يقبلوا منه قالوا له " لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين " الي لنرجمنك ولنخرجنك فدعا عليهم لوط فبينما ابراهيمعليه‌السلام قاعد في موضعه الذي كان فيه وقد كان اضاف قوما وخرجوا ولم يكن عنده شئ فنظر إلى اربعة نفر قد وقفوا عليه لا يشبهون الناس فقالوا سلاما فقال ابراهيم سلام، فجاء ابراهيم إلى سارة فقال لها قد جاء اضياف لا يشبهون الناس قال ما عندنا إلا هذا العجل فذبحه وشواه وحمله اليهم وذلك قول الله عزوجل " ولقد جاء‌ت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ فلما رأى ايديهم لا تصل اليه نكرهم واوجس منهم خيفة " وجاء‌ت سارة في جماعة معها فقالت لهم مالكم تمتنعون من طعام خليل الله فقالوا لابراهيم (لا تخف انا ارسلنا إلى قوم لوط) ففزعت سارة، وضحكت اي حاضت وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل فقال الله عزوجل (فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب) فوضعت يدها على وجهها فقالت (ياويلتئ الد وانا عجوز وهذا بعلى شيخا ان هذا لشئ عجيب) فقال لها جبرئيل (أتعجبين من امر الله ورحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد فلما ذهب عن ابراهيم الروع وجاء‌ته البشرى) باسحق اقبل يجادل كما حكى الله عزوجل (يجادلنا في قوم لوط ان ابراهيم لحليم اواه منيب) فقال ابراهيم لجبرئيل بما اذا ارسلت قال بهلاك قوم لوط فقال ابراهيم " ان فيها لوطا " قال جبرئيل نحن اعلم بمن فيها لننجيه واهله " إلا امرأته كانت من الغابرين " قال ابراهيم ياجبرئيل ان كان في المدينة مائة رجل من المؤمنين يهلكهم الله قال لا قال فان كان فيهم خمسون قال لا قال فان كان فيهم عشرة رجال قال لا قال فان كان واحد قال لا وهو قوله فما وجدنا فيها غير بيت من

٣٢١

المسلمين فقال ابراهيم ياجبرئيل راجع ربك فيهم فاوحى الله كلمح البصر (يا ابراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتاهم عذاب غير مردود) فخرجوا من عند ابراهيمعليه‌السلام فوقفوا على لوط في ذلك الوقت وهو يسقي زرعه فقال لهم لوط من انتم قالوا نحن ابناء السبيل اضفنا الليلة، فقال لهم ياقوم ان اهل هذه القرية قوم سوء لعنهم الله واهلكهم ينكحون الرجال ويأخذون الاموال فقالوا فقد ابطأنا فاضفنا فجاء لوط إلى اهله وكانت منهم فقال لها انه قد اتاني اضياف في هذه الليلة فاكتمي عليهم حتى اعفو عنك جميع ما كان منك الي هذا الوقت، قالت افعل وكانت العلامة بينها وبين قومها اذا كان عند لوط اضياف بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان بالليل توقد النار، فلما دخل جبرئيل والملائكة معه بيت لوطعليه‌السلام وثبت امرأته على السطح فاوقدت نارا فعلم اهل القرية واقبلوا اليه من كل ناحية كما حكى الله عزوجل (وجاء‌ه قومه يهرعون اليه) اي يسرعون ويعدون فلما صاروا الي باب البيت قالوا يالوط أو لم ننهك عن العالمين فقال لهم كما حكى الله (هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد).

وحدثني ابى عن محمد بن عمرورحمه‌الله في قول لوطعليه‌السلام " هؤلاء بناتي هن اطهر لكم " قال عني به ازواجهم وذلك ان النبي ابوامته، فدعاهم إلى الحلال ولم يكن يدعوهم إلى الحرام، فقال ازواجكم هن اطهر لكم (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد) فقال لوط لما يئس (لو ان لي بكم قوة او آوى إلى ركن شديد) اخبرنا الحسن بن علي بن مهزيار عن ابيه عن ابى ابي عمير عن بعض اصحابه عن ابي عبدالله (ع) قال ما بعث الله نبيا بعد لوط إلا في عز من قومه، وحدثني محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن احمد (مسلم ط) عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبدالله بن القسم عن صالح عن

٣٢٢

ابي عبدالله (ع) قال في قوله قوة قال القوة القائم (ع) والركن الشديد ثلاثمائة وثلاثة عشر قال علي بن ابراهيم فقال جبرئيل لو علم ما له من القوة، فقال من انتم؟ فقال جبرئيل انا جبرئيل، فقال لوط بماذا امرت قال بهلاكهم فسأله الساعة قال (موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) فكسروا الباب ودخلوا البيت فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فطمسها(١) وهو قول الله عزوجل " ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر " فلما رأوا ذلك وعلموا انهم قد اتاهم العذاب فقال جبرئيل يا لوط (فاسر باهلك بقطع من الليل) واخرج من بينهم انت وولدك (ولا يلتفت منكم احد إلا امرأتك انه مصيبها ما اصابهم) وكان في قوم لوط رجل عالم فقال لهم يا قوم قد جاء‌كم العذاب الذي كان يعدكم لوط فاحرسوه ولا تدعوه يخرج من بينكم فانه ما دام فيكم لا يأتيكم العذاب، فاجتمعوا حول داره يحرسونه فقال جبرئيل يا لوط اخرج من بينهم فقال كيف اخرج وقد اجتمعوا حول داري، فوضع بين يديه عمودا من نور فقال له اتبع هذا العمود ولا يلتفت منكم احد فخرجوا من القرية من تحت الارض فالتفتت امرأته فارسل الله عليها صخرة فقتلتها، فلما طلع الفجر صارت الملائكة الاربعة كل واحد في طرف من قريتهم فقلعوها من سبع ارضين إلى تخوم الارض ثم رفعوها في الهواء حتى سمع اهل السماء نباح الكلاب وصراخ الديكة ثم قلبوها عليهم وامطرهم الله (حجارة من سجيل منضودة مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) قوله " منضود " يعني بعضها على بعض منضدة وقوله " مسومة " اى منقوطة.

حدثني ابي عن سليمان الديلمي عن ابي بصير عن ابي عبداللهعليه‌السلام في قوله " وامطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة " قال ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل عمل قوم لوط إلا رماه الله كبده من تلك الحجارة تكون منيته

____________________

(١) الطموس كالدروس لفظا ومعنى.ج ز

٣٢٣

فيها ولكن الخلق لا يرونه.

ثم ذكر عزوجل هلاك اهل مدين فقال (والى مدين اخاهم شعيبا - إلى قوله - ولا تعثوا في الارض مفسدين) قال بعث الله شعيبا إلى مدين وهى قرية على طريق الشام فلم يؤمنوا به وحكى الله قولهم (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا - إلى قوله - الحليم الرشيد) قال قالوا انك لانت السفيه الجاهل فكنى الله عزوجل قولهم فقال (انك لانت الحليم الرشيد) وانما اهلكهم الله بنقص المكيال والميزان (قال يا قوم أرأيتم ان كنت علي بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما اريد ان اخالفكم إلى ما انهيكم عنه ان اريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيق إلا بالله عليه توكلت واليه انيب) ثم ذكرهم وخوفهم بما نزل بالامم الماضية فقال (ياقوم لا يجر منكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما اصاب قوم نوح او قوم هود او قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد قالوا ياشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا) وقد كان ضعف بصره (ولولا رهطلك لرجمناك وما انت علينا بعزيز - إلى قوله - اني معكم رقيب) اي انتظروا فبعث الله عليهم صيحة فماتوا وهو قوله (فلما جاء امرنا نجيبنا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا واخذت الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود).

ثم ذكر عزوجل قصة موسى (ع) فقال (ولقد ارسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين - إلى قوله - واتبعوا في هذه لعنة) يعني الهلاك والغرق (ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) اي يرفدهم الله بالعذاب ثم قال لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله (ذلك من انباء القرى) اي اخبارها (نقصه عليك - يا محمد - منها قائم وحصيد - إلى قوله - وما زادوهم غير تتبيب) اي غير تخسير (وكذلك اخذ ربك إذ اخذ القرى وهى ظالمة إن اخذه اليم شديد ان في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة

٣٢٤

ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) اي يشهد عليهم الانبياء والرسل (وما نؤخره إلا لاجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض) فهذا هو في نار الدنيا قبل القيامة ما دامت السموات والارض وقوله (واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها) يعني في جنات الدنيا التي تنقل اليها ارواح المؤمنين (ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة يكون متصلا به وهو رد على من ينكر عذاب القبر والثواب والعقاب في الدنيا في البرزخ قبل يوم القيامة وقوله (وان كلا لما ليوفينهم ربك اعمالهم) قال في القيامة ثم قال لنبيه (فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا) اي في الدنيا لا تطغوا (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) قال ركون مودة ونصيحة وطاعة (وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون) وقوله (أقم الصلاة طرفي النهار) الغداة والمغرب (وزلفا من الليل) العشاء الآخرة (ان الحسنات يذهبن السيئات) فان صلاة المؤمنين في الليل تذهب ما عملوا بالنهار من السيئات والذنوب ثم قال (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة) اي على مذهب واحد (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال في قوله: لا يزالون مختلفين في الدين إلا من رحم ربك يعني آل محمد واتباعهم يقول الله ولذلك خلقهم يعني اهل رحمة لا يختلفون في الدين قوله (وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس اجمعين) وهم الذين سبق الشقاء لهم فحق عليهم القول انهم للنار خلقوا وهم الذين حقت عليهم كلمة ربك انهم لا يؤمنون قال علي بن ابراهيم ثم خاطب الله نبيه فقال (وكلا نقص عليك من انباء الرسل اي اخبارهم (ما نثبت به فؤادك وجاء‌ك في هذه الحق) في القرآن وهذه السورة من اخبار الانبياء وهلاك الامم ثم قال (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على

٣٢٥

مكانكم انا عاملون) اي نعاقبكم (وانتظروا انا منتظرون ولله غيب السموات والارض واليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون).

سورة يوسف

مكية اياتها مأة واحدى عشر

(بسم الله الرحمن الرحيم الرا تلك آيات الكتاب المبين انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) اي كي تعقلوا ثم خاطب الله نبيه فقال (نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين) ثم قص قصة يوسف لابيه (ياابت اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن احمد قال حدثنا علي بن محمد عمن حدثه عن المنقري عن عمرو بن شمر عن اسماعيل السندي عن عبدالرحمن ابن سابط القرشي عن جابر بن عبدالله الانصاري في قول الله عزوجل " اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " قال في تسمية النجوم هو الطارق وحوبان والذيال (الدبال ك) وذو الكتفين (ذو الكنفين ط) ووثاب وقابس وعمودان وفليق (فيلق) ومصبح والصرح والفروع (والقروع) والضياء والنور يعني الشمس والقمر وكل هذه النجوم محيطة بالسماء، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال تأويل هذه الرؤيا انه سيملك مصر ويدخل عليه ابواه واخوته، اما الشمس فأم يوسف راحيل والقمر يعقوب واما احد عشر كوكبا فاخوته، فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا اليه وكان ذلك السجود لله.

قال علي بن ابراهيم فحدثنى ابي عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفرعليه‌السلام انه كان من خبر يوسفعليه‌السلام انه كان له احد عشر اخا فكان له من امه

٣٢٦

اخ واحد يسمى بنيامين وكان يعقوب اسرائيل الله ومعنى اسرائيل الله خالص الله بن اسحاق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله، فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين فقصها على ابيه فقال يعقوب (يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين) " يكيدوا لك كيدا " أي يحتالوا عليك، فقال يعقوب ليوسف (وكذلك يجبتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم واسحق ان ربك عليم حكيم) وكان يوسف من احسن الناس وجها وكان يعقوب يحبه ويؤثره على اولاده فحسده اخوته علي ذلك وقالوا فيما بينهم كما حكى الله عزوجل (إذ قالوا ليوسف واخوه احب الي ابينا منا ونحن عصبة) اي جماعة (ان ابانا لفي ضلال مبين) فعمدوا علي قتل يوسف فقالوا نقتله حتى يخلو لنا وجه ابينا فقال لاوي لا يجوز قتله ولكن نغيبه عن ابينا ونخلو نحن به فقالوا كما حكى الله عزوجل (يا ابانا مالك لا تأمنا علي يوسف وانا له لناصحون ارسله معنا غدا يرتع ويلعب) اي يرعى الغنم ويلعب (وانا له لحافظون) فاجرى الله علي لسان يعقوب (انى ليحزنني ان تذهبوا به واخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون) فقالوا كما حكى الله (لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا إذا لخاسرون) والعصبة عشرة إلى ثلاثة عشر (فلما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب واوحينا اليه لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون) اي لاخبرنهم بما هموا به.

وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله " لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون " يقول لا يشعرون انك انت يوسف اتاه جبرئيل واخبره بذلك قال علي بن ابراهيم فقال لاوي القوه في هذا الجب (يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين) فادنوه من رأس الجب فقالوا له انزع قميصك فبكى وقال يااخوتي لا تجردوني، فسل واحد منهم عليه السكين وقال لئن لم تنزعه لاقتلنك

٣٢٧

فنزعه فألقوه في اليم وتنحوا عنه فقال يوسف في الجب يا إله ابراهيم واسحق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري، فنزلت سيارة من اهل مصر، فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب فلما ادلي الدلو على يوسف تشبت بالدلو فجروه فنظروا إلى غلام من احسن الناس وجها فعدوا الي صاحبهم فقالوا يا بشرى هذا غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا فبلغ اخوته فجاؤا وقالوا هذا عبد لنا، ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر بالعبودية لنقتلنك فقالت السيارة ليوسف ما تقول قال نعم انا عبدهم، فقالت السيارة أفتبيعونه منا؟ قالوا نعم فباعوه منهم على ان يحملوه إلى مصر (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) قال الذي بيع بها يوسف ثمانية عشر درهما وكان عندهم كما قال الله تعالى " وكانوا فيه من الزاهدين) اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد ابن محمد عن ابي بصير عن الرضاعليه‌السلام في قول الله " وشروه بثمن بخس دراهم معدودة " قال كانت عشرين درهما والبخس النقص وهى قيمة كلب الصيد إذا قتل كان قيمته عشرين درهما.

وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله (وجاؤا على قميصه بدم كذب) قال انهم ذبحوا جديا على قميصه، قال علي بن ابراهيم ورجع اخوته فقالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لابينا ان الذئب اكله فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوي يا قوم ألسنا بني يعقوب اسرائيل الله بن اسحق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله أفتظنون ان الله يكتم هذا الخبر عن انبيائه، فقالوا وما الحيلة؟ قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله تعالى ان يكتم ذلك الخبر عن نبيه فانه جواد كريم، فقاموا واغتسلوا وكان في سنة ابراهيم واسحق ويعقوب انهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا احد عشر رجلا فيكون واحد

٣٢٨

منهم اماما وعشرة يصلون خلفه فقالوا كيف نصنع وليس لنا امام(١) فقال لاوي نجعل الله امامنا فصلوا وتضرعوا وبكوا وقالوا يارب اكتم علينا هذا ثم جاؤا إلى ابيهم عشاء‌ا يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم فقالوا (ياابانا انا ذهبنا نستبق) اي نعدو (وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين - إلى قوله - على ما تصفون) ثم قال يعقوب ما كان اشد غضب ذلك الذئب على يوسف واشفقه علي قميصه حيث اكل يوسف ولم يمزق قميصه.

قال فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر فقال العزيز (لامرأته اكرمي مثواه) اي مكانه (عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا) ولم يكن له ولد فاكرموه وربوه فلما بلغ اشده هوته امرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلا هوته ولا رجل إلا احبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته امرأة العزيز وهو قوله (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربى احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون) فما زالت تخدعه حتى كان كما قال الله عزوجل (ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه) فقامت امرأة العزيز وغلفت الابواب فلما هما رأى يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت عاضا على اصبعيه يقول يا يوسف ! انت في السماء مكتوب في النبيين وتريد ان تكتب في الارض من الزناة؟ فعلم انه قد اخطأ وتعدى، وحدثني ابي عن بعض رجاله رفعه قال قال ابوعبداللهعليه‌السلام لما همت به وهم بها قامت إلى صنم في بيتها فالقت عليه الملاء‌ة لها فقال لها يوسف ما تعملين؟ قالت القي على هذا الصنم ثوبا لا يرانا فانى استحيي منه، فقال يوسف فانت

____________________

(١) وذلك لان بنيامين كان في البيت فكانوا عشرا.ج.ز

٣٢٩

تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر ولا استحي انا من ربي فوثب وعدا وعدت من خلفه وادركهما العزيز على هذه الحالة وهو قول الله تعالى (واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدا الباب) فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز (ما جزاء من اراد باهلك سوء‌ا إلا ان يسجن او عذاب اليم) فقال يوسف للعزيز (هى راودتني عن نفسي وشهد شاهد من اهلها) فألهم الله يوسف ان قال للملك سل هذا الصبي في المهد فانه يشهد انها راودتني عن نفسي، فقال العزيز للصبي فانطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال (ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) فلما رأى قميصه قد تخرق من دبر قال لامرأته (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم (ثم قال ليوسف (أعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين) وشاع الخبر بمصر وجعلت النساء يتحدثن بحديثها ويعيرنها ويذكرنها وهو قوله (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) فبلغ ذلك امرأة العزيز فبعثت إلى كل امرأة رئيسة فجمعتهن في منزلها وهئيت لهن مجلسا ودفعت إلى كل امرأة اترنجة وسكينا فقالت اقطعن ثم قالت ليوسف (اخرج عليهن) وكان في بيت فخرج يوسف عليهن فلما نظرن اليه اقبلن يقطعن ايديهن وقلن كما حكى الله عزوجل (فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن واعتدت لهن متكأ) اي اترنجة (وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه اكبرنه) إلى قوله (ان هذا إلا ملك كريم) فقالت امرأة العزيز (فذلكن الذي لمتنني فيه) اي في حبه (ولقد راودته عن نفسه) اي دعوته (فاستعصم) اي امتنع ثم قالت (ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين) فما امسى يوسف في ذلك البيت حتى بعثت اليه كل امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف فقال (رب السجن احب الي مما يدعونني اليه والا

٣٣٠

تصرف عني كيدهن) اي حيلهن (اصب اليهن) اي اميل اليهن وامرت امرأة العزيز بحبسه فحبس في السجن وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) فالآيات شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها اياه على الباب فلما عصاها فلم تزل ملحة بزوجها حتى حبسه (ودخل معه السجن فتيان) يقول عبدان للملك احدهما خباز والآخر صاحب الشراب والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز، رجع إلى حديث علي بن ابراهيم قال ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه فلما دخلا السجن قالا له ما صناعتك؟ قال اعبر الرؤيا فرأى احد الموكلين في نومه كما قال الله عزوعلى (اعصر خمرا) قال يوسف تخرج وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وقال الآخر (اني أرانى احمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف انت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك، فجحد الرجل وقال اني لم أر ذلك، فقال يوسف كما قال الله تعالى (يا صاحبى السجن اما احدكما فيسقى ربه خمرا واما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الامر الذي فيه تستفتيان) فقال ابوعبداللهعليه‌السلام في قوله " انا نراك من المحسنين " قال كان يقوم على المريض ويلتمس المحتاج ويوسع على المحبوس فلما اراد من رأى في نومه يعصر الخمر الخروج من الحبس قال له يوسف (اذكرني عند ربك) فكان كما قال الله عزوجل (فانساه الشيطان ذكر ربه) اخبرنا الحسن به علي عن ابيه عن اسماعيل بن عمر عن شعيب العقرقوفي عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال ان يوسف اتاه جبرئيل فقال له: يا يوسف ان رب العالمين يقرؤك السلام ويقول لك من جعلك في احسن خلقه؟ قال فصاح ووضع خده على الارض ثم قال انت يارب، ثم قال له: ويقول لك من حببك إلى ابيك دون اخوتك؟ قال فصاح ووضع خده على الارض

٣٣١

وقال انت يا رب، قال ويقول لك: من اخرجك من الجب بعد ان طرحت فيها وايقنت بالهلكة؟ قال فصاح ووضع خده على الارض ثم قال انت يارب قال: فان ربك قد جعل لك جل عقوبة في استغاثتك بغيره فلبثت في السجن بضع سنين، قال فلما انقضت المدة واذن الله له في دعاء الفرج فوضع خده على الارض ثم قال " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بوجه آبائي الصالحين ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب " ففرج الله عنه، قلت جعلت فداك أندعو نخن بهذا الدعاء؟ فقال ادع بمثله " اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك فاني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمةعليهم‌السلام ".

قال علي بن ابراهيم ثم ان الملك رأى رؤيا فقال لوزرائه اني رأيت في نومي (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) اي مهازيل، ورأيت (سبع سنبلات خضر واخر يابسات) وقرأ ابوعبداللهعليه‌السلام سبع سنابل خضر ثم قال (ياايها الملا أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون) فلم يعرفوا تأويل ذلك، فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها وذكر يوسف بعد سبع سنين وهو قوله (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد امة) اى بعد حين (انا انبئكم بتأويله فارسلون) فجاء إلى يوسف فقال (ايها الصديق افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات) قال يوسف (تزرعون سبع سنين دأبا) اي ولاء‌ا (فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون) أي لا تدوسوه فانه يفسد في طول سبع سنين واذا كان في سنبله لا ينفسد (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن) اي سبع سنين مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع سنين الماضية قال الصادقعليه‌السلام إنما نزل ما قربتم لهن (ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)

٣٣٢

اي يمطرون، وقال ابوعبداللهعليه‌السلام قرأ رجل على امير المؤمنينعليه‌السلام ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون قال ويحك اي شئ يعصرون أيعصرون الخمر؟ قال الرجل يا امير المؤمنين كيف اقرؤها؟ قال إنما نزلت " عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون "(١) اي يمطرون بعد سنين المجاعة والدليل على ذلك قوله " وانزلنا من المعصرات ماء‌ا ثجاجا " فرجع الرجل إلى الملك فاخبره بما قال يوسف فقال الملك (إئتوني به فلما جاء‌ه الرسول قال ارجع إلى ربك) يعني إلى الملك (فسئله ما بال النسوة التي قطعن ايديهن ان ربي بكيدهن عليم) فجمع الملك النسوة فقال لهن (ما خطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص(٢) الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين ذلك ليعلم اني لم اخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين) أي لا اكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل ثم قالتالجزء(١٣) (وما أبرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء) اي تأمر بالسوء فقال الملك (إئتوني به استخلصه لنفسي) فلما نظر إلى يوسف (قال انك اليوم لدينا مكين امين) سل حاجتك (قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) يعني على الكناديج والانابير فجعله عليها وهو قوله (وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوء منها حيث يشاء) فامر يوسف ان يبنى كناديج(٣) من صخر وطينها بالكلس(٤) ثم امر بزروع مصر فحصدت ودفع إلى كل انسان حصته وترك الباقي في سنبله لم يدسه، فوضعها في الكناديج ففعل ذلك سبع سنين فلما جاء سني الجدب فكان يخرج السنبل فيبيع بما شاء، وكان بينه وبين ابيه ثمانية عشر يوما وكانوا في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما وكان يعقوب

____________________

(١) اى مبنيا للمجهول.واعصروا اى امطروا.والمعصرات السحاب.

(٢) جصحص.وضح.

(٣) جمع كندوج كصندوق شبه المخزن.

(٤) الكلس بالكسر الصاروج (النورة)

٣٣٣

وولده نزولا في بادية فيه مقل(١) فاخذ اخوة يوسف من ذلك المقل وحملوه إلى مصر ليمتاروا به وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخلوا اخوته على يوسف عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عزوعلا (وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم) واعطاهم واحسن اليهم في الكيل قال لهم من انتم؟ قالوا نحن بنو يعقوب بن اسحق بن ابراهيم خليل الله الذي القاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما، قال فما فعل ابوكم؟ قالوا شيخ ضعيف، قال فلكم اخ غيركم؟ قالوا لنا اخ من ابينا لا من امنا، قال فاذا رجعتم الي فأتوني به وهو قوله (ائتوني باخ لكم من ابيكم ألا ترون انى اوفي الكيل وانا خير المنزلين فان لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه اباه وانا لفاعلون) ثم قال يوسف لقومه ردوا هذه البضاعة التى حملوها الينا واجعلوها فيما بين رحالهم حتى اذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها رجعوا الينا وهو قوله (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى اهلهم لعلهم يرجعون) يعني كي يرجعوا (فلما رجعوا إلى ابيهم قالوا يا ابانا منع منا الكيل فارسل معنا اخانا نكتل وانا له لحافظون) فقال يعقوب (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على اخيه من قبل فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت اليهم) في رحالهم التي حملوها إلى مصر (قالوا ياابانا ما نبغي) اي ما نريد (هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير اهلنا ونحفظ اخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير) فقال يعقوب (لن ارسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا ان يحاط بكم فلما آتوه موثقهم) قال يعقوب (الله على ما نقول وكيل) فخرجوا وقال لهم يعقوب (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة

____________________

(١) المقل بالضم صمغ شجرة نافع للسعال وهش الهوام والبواسير وتنقية الرحم وتسهيل الولادة وانزال المشيمة وحصاة الكلية والرياح الغليظة مدرباه مسمن محلل للاورام ق.

٣٣٤

- إلى قوله - اكثر الناس لا يعلمون) فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصر ودخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى اخيه فعرفه فجلس منهم بالبعد، فقال يوسف انت اخوهم؟ قال نعم، قال فلم لا تجلس معهم؟ قال لانهم اخرجوا من ابي وامي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا ان الذئب اكله فآليت على نفسي ألا اجتمع معهم على امر ما دمت حيا، قال فهل تزوجت؟ قال بلى، قال فولد لك ولد؟ قال بلى، قال كم ولد لك؟ قال ثلاث بنين، قال فما سميتهم؟ قال سميت واحدا منهم الذئب وواحدا القميص وواحدا الدم، قال وكيف اخترت هذه الاسماء؟ قال لئلا انسى اخي كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت اخي، قال يوسف لهم اخرجوا وحبس بنيامين عنده فلما خرجوا من عنده قال يوسف لاخيه انا اخوك يوسف (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) ثم قال له انا احب ان تكرن عندي، فقال لا يدعوني اخوتي فان ابي قد اخذ عليهم عهد الله وميثاقه ان يرودني اليه، قال فانا احتال بحيلة فلا تنكر إذا رأيت شيئا ولا تخبرهم فقال لا، فلما جهزهم بجهازهم واعطاهم واحسن اليهم قال لبعض قوامه اجعلوا هذا الصواع في رحل هذا وكان الصواع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقفوا عليه فلما ارتحلوا بعث اليهم يوسف وحبسهم ثم امر مناديا ينادي (ايتها العير انكم لسارقون) فقال اخوة يوسف (ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم) اي كفيل فقال اخوة يوسف ليوسف (تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين) قال يوسف (فما جزاؤه ان كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله) فخذه فاحبسه (فهو جزاؤه كذلك تجزي الظالمين فبدأ باوعيتهم قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء اخيه) فتشبثوا باخيه وحبسوه وهو قوله (كذلك كدنا

٣٣٥

ليوسف) اي احتلنا له (وما كان ليأخذ اخاه في دين الملك إلا ان يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) فسئل الصادقعليه‌السلام عن قوله " ايتها العير انكم لسارقون " قال ما سرقوا وما كذب يوسف فانما عني سرقتم يوسف من ابيه، وقوله ايتها العير معناه يااهل العير ومثله قولهم لابيهم (واسئل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها) يعني اهل العير فلما اخرج ليوسف الصواع من رحل اخيه قال اخوته (ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل) يعنون يوسف فتغافل يوسف عليهم وهو قوله (فاسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال انتم شر مكانا والله اعلم بما تصفون) فاجتمعوا إلى يوسف وجلودهم تقطر دما اصفر فكانوا يجادلونه في حبسه.

وكانوا ولد يعقوب اذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤسهم دم اصفر وهم يقولون (ياايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين فاطلق عن هذا فلما رأى يوسف ذلك (قال معاذ الله ان نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) ولم يقل إلا من سرق متاعنا (انا اذا لظالمون فلما استيأسوا منه) وارادوا الانصراف إلى ابيهم قال لهم لاوي بن يعقوب (ألم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله) في هذا (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) فارجعوا انتم إلى ابيكم فاما انا فلا ارجع اليه (حتى يأذن لي ابي او يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) ثم قال لهم (ارجعوا إلى ابيكم فقولوا يا ابانا ان ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين وسئل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها) اي اهل القرية واهل العير (وانا لصادقون).

قال فرجع اخوة يوسف إلى ابيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف فكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فاقبلت تقذف بالدم وكان لا يسكن حتى يمسه بعض اولاد يعقوب، قال

٣٣٦

فكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها فلما رأى يوسف ان يهودا قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم اخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غضبه، قال فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف ثم ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا وقامت الشعرة تقذف بالدم فلما رأى ذلك يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا فتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فسكن غضبه وقال ان في البيت لمن ولده يعقوب حتى صنع ذلك ثلاث مرات، فلما رجعوا اخوة يوسف إلى ابيهم واخبروه بخبر اخيهم قال يعقوب (بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان يأتيني بهم جميعا انه هو العليم الحكيم ثم تولى عنهم وقال يا اسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن) يعني عميت من البكاء (فهو كظيم) اي محزون والاسف اشد الحزن وسئل ابوعبداللهعليه‌السلام ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال حزن سبعين ثكلى باولادها وقال إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع ومن هنا قال وا اسفا على يوسف فقالوا له (تالله تفتؤ تذكر يوسف) اي لا تفتؤ عن ذكر يوسف (حتى تكون حرضا) اي ميتا (او تكون من الهالكين) فقال (إنما اشكوا بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) حدثني ابي عن حسان بن سدير عن ابيه عن ابي جعفرعليه‌السلام قال قلت له اخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه) اكان علم انه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من البكاء عليه، قال نعم علم انه حي حتى انه دعا ربه في السحر ان يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت في اطيب رائحة واحسن صورة فقال له من انت؟ قال انا ملك الموت أليس سألت الله ان ينزلتي عليك؟ قال نعم قال ما حاجتك يا يعقوب؟ قال له اخبرنى عن الارواح تقبضها جملة او تفاريقا؟ قال يقبضها اعواني متفرقة ثم تعرض علي

٣٣٧

مجتمعة؟ قال يعقوب فاسألك بآله ابراهيم واسحق ويعقوب هل عرض عليك في الارواح روح يوسف فقال لا فعند ذلك علم انه حي فقال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيئسوا من روح الله انه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون) فكتب عزيز مصر إلى يعقوب: اما بعد فهذا ابنك قد اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة وهو يوسف واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا، فما ورد على يعقوب شئ اشد عليه من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك حتى اجيبه فكتب اليه يعقوبعليه‌السلام بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله ابن اسحق بن ابراهيم خليل الله اما بعد فقد فهمت كتابك تذكر فيه انك اشتريت ابني واتخذته عبدا وان البلاء موكل ببني آدم ان جدي ابراهيم القاه نمرود ملك الدنيا في النار فلم يحترق وجعلها الله عليه بردا وسلاما وان ابى اسحق(١) امر الله تعالى جدي

____________________

(١) قال جدي السيد الجزائريرحمه‌الله في قصص الانبياء: " اختلف علماء الاسلام في تعيين الذبيح هل هو اسماعيل او اسحق (ع) فذهبت الطائفة المحقة من اصحابنا وجماعة من العامة إلى انه اسماعيل (ع) والاخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل، وذهب طائفة من الجمهور إلى انه اسحق (ع) وبه اخبار واردة من الطرفين، وطريق تأويلها اما ان تحمل على التقية، واما حملها على ما قاله الصدوق (رح) صار ذبيحا بالنية والتمني قال الصدوق (رح) في العيون: " قد اختلفت الروايات في الذبح، فمنها ما ورد بانه اسماعيل، ومنها ما ورد بانه اسحق (ع) ولا سبيل إلى رد الاخبار متى صح طرقها وكان الذبيح اسماعيلعليه‌السلام لكن اسحق لما ولد بعد ذلك تمنى انه هو الذي امر ابوه بذبحه فكان يصبر لامر الله كصبر اخيه فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله عزوجل من قلبه فسماه بين ملائكته ذبيحا لتمنيه ذلك " ثم حملرحمه‌الله قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : " انا ابن الذبيحين " علي ذلك (اقول) ان بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فانها مصرحة بذبح اسحق حقيقة لا مجازا وفداه بكبش، فعليه لا مجال إلى ما ذهب اليه الصدوقرحمه‌الله من الحمل فاما ان تحمل هذه الروايات - كما قال جدي رح - على التقية او على تعدد الواقعة.ج.ز

٣٣٨

ان يذبحه بيده فلما اراد ان يذبحه فداه الله بكبش عظيم وانه كان لي ولد لم يكن في الدنيا احد احب الي منه وكان قرة عيني وثمرة فؤادي فاخرجوه اخوته ثم رجعوا الي وزعموا ان الذئب اكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري وكان له اخ من امه كنت آنس به فخرج مع اخوته إلى ملكك ليمتاروا لنا طعاما فرجعوا وذكروا انه سرق صواع الملك وانك حبسته وانا اهل بيت لا يليق بنا السرق ولا الفاحشة وانا اسألك بآله ابراهيم واسحق ويعقوب إلا ما مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته الي " فلما ورد الكتاب على يوسف اخذه ووضعه على وجهه وقبله وبكى بكاء‌ا شديدا ثم نظر إلى اخوته فقال (هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه إذ انتم جاهلون فقالوا ء‌انك لانت يوسف فقال انا يوسف وهذا اخي قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين) فقالوا كما حكى الله عزوجل (لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم) اي لا تعيير (يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين) قال فلما ولي الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يديه إلى السماء فقال: " ياحسن الصحبة ياكريم المعونة ياخيرا كله ائتني بروح منك

٣٣٩

وفرج من عندك " عليه جبرئيلعليه‌السلام فقال يعقوب الا اعلمك دعوات يردالله عليك بصرك وابنيك؟ قال نعم قال قل: " يامن لا يعلم احد كيف هو إلا هو يامن شيد (سد ط) السماء بالهواء وكبس الارض على الماء واختار لنفسه احسن الاسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك " قال فما انفجر عمود الصبح حتى اوتي بالقميص فطرح عليه فرد الله عليه بصره وولده قال ولما امر الملك بحبس يوسف في السجن الهمه الله تأويل الرؤيا فكان يعبر لاهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا وعبر لهما وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرنى عند ربك ولم يفزع في تلك الحالة إلى الله فاوحى الله اليه من اراك الرؤيا التى رأيتها؟ قال يوسف انت يا رب قال فمن حببك إلى ابيك؟ قال انت يا رب، قال فمن وجه اليك السيارة التي رأيتها؟ قال انت يا رب، قال فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا؟ قال انت يارب قال فمن انطق لسان الصبي بعذرك؟ قال انت يارب قال فمن الهمك تأويل الرؤيا؟ قال انت يا رب، قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي واملت عبدا من عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي وفي قبضتي ولم تفزع الي ولبثت السجن بضع سنين ! فقال يوسف: " اسئلك بحق آبائي واجدادي عليك إلا فرجت عني " فاوحى الله اليه يا يوسف وأي حق لآبائك واجدادك علي؟ ان كان ابوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي واسكنته جنتي وامرته ان لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألنى فتبت عليه، وان كان ابوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا اليهم فلما عصوا دعاني فاستجبت له واغرقتهم وانجيته ومن معه في الفلك، وان كان ابوك ابراهيم اتخذته خليلا وانجيته من النار وجعلتها بردا وسلاما، وان كان ابوك يعقوب وهبت له اثنى عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد في الطريق يشكونى إلى خلقي فاي حق لآبائك

٣٤٠