تفسير القمى الجزء ٢

تفسير القمى0%

تفسير القمى مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 454

تفسير القمى

مؤلف: ابى الحسن على بن ابراهيم القمى
الناشر: دار المرتضى للنشر
تصنيف:

الصفحات: 454
المشاهدات: 127574
تحميل: 9570


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 454 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127574 / تحميل: 9570
الحجم الحجم الحجم
تفسير القمى

تفسير القمى الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دار المرتضى للنشر
العربية

فانه حدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن ابي بصير عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال قلت له يا بن رسول الله خوفني فان قلبي قد قسا فقال: يا ابا محمد استعد للحياة الطويلة فان جبرائيل جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قاطب(١) وقد كان قبل ذلك يجئ وهو مبتسم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل جئتني اليوم قاطبا؟ فقال: يا محمد قد وضعت منافخ النار، فقال: وما منافخ النار يا جبرئيل؟ فقال: يا محمد إن الله عزوجل امر بالنار فنفخ عليها الف عام حتى ابيضت ونفخ عليها الف عام حتى احمرت ثم نفخ عليها الف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لو أن قطرة من الضريع قطرت في شراب أهل الدنيا لمات اهلها من نتنها ووان حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها، ولو أن سربالا من سرابيل اهل النار علق بين السماء والارض لمات اهل الارض من ريحه ووهجه، فبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبكى جبرئيل فبعث الله اليهما ملكا فقال لهما: إن ربكما يقرؤكما السلام ويقول قد آمنتكما ان تذنبا ذنبا أعذبكما عليه، فقال ابوعبداللهعليه‌السلام : فما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جبرئيل مبتسما بعد ذلك ثم قال: إن اهل النار يعظمون النار وان اهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم وان اهل جهنم إذا دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاما فاذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد وأعيدوا في دركها هذه حالهم وهو قول الله عزوجل: " كلما أرادوا ان يخرجوا منها..الخ " ثم تبدل جلودهم جلودا غير الجلود التي كانت عليهم فقال ابوعبداللهعليه‌السلام حسبك يا ابا محمد؟ قلت حسبي حسبي.

ثم ذكر الله ما أعده للمؤمنين فقال: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات - إلى قوله - ولباسهم فيها حرير) حدثني ابي عن ابن ابي عمير

____________________

(١) في الحديث قطب ابوعبداللهعليه‌السلام اي قبض ما بين عينيه كما يفعل العبوس.ج ز.

٨١

عن ابي بصير قال قلت لابي عبداللهعليه‌السلام جعلت فداك يا بن رسول الله شوقني فقال يا ابا محمد ان من ادنى نعيم الجنة يوجد ريحها من مسيرة الف عام من مسافة الدنيا وان ادنى اهل الجنة منزلا لو نزل به اهل الثقلين الجن والانس لوسعهم طعاما وشرابا ولا ينقص مما عنده شئ وان ايسر اهل الجنة منزلة من يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق فاذا دخل أدناهن رأى فيها من الازواج والخدم والانهار والاثمار ما شاء الله ما يملا عينه قرة وقلبه مسرة فاذا شكر الله وحمده قيل له ارفع رأسك إلى الحديقة الثانية ففيها ما ليس في الاخرى فيقول يا رب اعطني هذه فيقول الله تعالى ان أعطيتك إياها سألتني غيرها فيقول رب هذه هذه فاذا هو دخلها شكر الله وحمده قال فيقال افتحوا له باب الجنة ويقال له ارفع رأسك فاذا قد فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيما قبل فيقول عند تضاعف مسراته رب لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت علي بالجنان ونجيتنى من النيران.

قال ابوبصير فبكيت قلت له جعلت فداك زدنى قال يا ابا محمد ان في الجنة نهرا في حافته جوار نابتات إذا مر المؤمن بجارية أعجبته قلعها وأنبت الله مكانها اخرى قلت جعلت فداك زدني قال المؤمن يزوج ثمانمائة عذراء واربعة آلاف ثيب وزوجتين من الحور العين قلت جعلت فداك ثمانمائة عذراء؟ قال: نعم ما يفرش (يفترش ط يفترس ك)(١) فيهن شيئا إلا وجدها كذلك قلت جعلت فداك من اي شئ خلقن الحور العين؟ قال: من تربة الجنة النورانية ويرى مخ ساقيها من وراء سبعين حلة كبدها مرآته وكبده مرآتها، قلت جعلت فداك ألهن كلام يكلمن به اهل الجنة؟ قال نعم كلام يتكلمن به لم يسمع الخلائق بمثله، قلت ما هو؟ قال يقلن نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبوس ونحن المقيمات فلا نظعن ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن خلق لنا وطوبى لمن خلقنا له نحن اللواتي لو أن

____________________

(١) لعله تصحيف تفرس من " تفرست فيه خيرا " ج.ز.

٨٢

قرن إحدانا علق في جو السماء لاغشى نوره الابصار فهاتان الآيتان وتفسيرهما رد على من انكر خلق الجنة والنار قوله: (وهدوا إلى الطيب من القول) قال التوحيد والاخلاص (وهدوا إلى صراط الحميد) قال إلى الولاية وقوله: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء‌ا العاكف فيه والباد) قال نزلت في قريش حين صدوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن مكة وقوله: " سواء‌ا العاكف فيه والباد " قال اهل مكة ومن جاء اليهم من البلدان فهم سواء لا يمنع النزول ودخول الحرم وقوله: (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم) قال نزلت في من يلحد في امير المؤمنينعليه‌السلام وقوله: (وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت) اي عرفناه وقد كتبنا خبر بناء البيت في سورة البقرة.

واما قوله: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) يقول الابل المهزولة وقرئ " يأتون من كل فج عميق " قال ولما فرغ ابراهيم من بناء البيت امره الله ان يؤذن في الناس بالحج فقال: يا رب وما يبلغ صوتي فقال الله أذن عليك الاذان وعلي البلاغ وارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت فارتفع المقام حتى كان أطول من الجبال فنادى وأدخل اصبعيه في اذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول: ايها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم، فأجابوه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أطراف الارض كلها ومن أصلاب الرجال وأرحام النساء بالتلبية: لبيك اللهم لبيك أو لا ترونهم يأتون يلبون فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب لله وذلك قوله: " فيه آيات بينات مقام ابراهيم " يعني نداء ابراهيم على المقام بالحج.

قال: وكان؟؟؟؟؟ ونائلة رجل وامرأة زنيا في البيت فمسخا حجرين واتخذتهما قريش صنمين يعبدونهما فلم يزالا يعبدان حتى فتح مكة فخرجت منهما

٨٣

امرأة عجوز شمطاء تخمش وجهها وتدعو بالويل فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تلك نائلة يئست ان تعبد ببلادكم هذه وقوله: (ثم ليقضوا تفثهم) اي يحلقوا رؤوسهم ويغتسلوا من الوسخ (وليطوفوا بالبيت العتيق) وانما سمي عتيقا لانه أعتق من الغرق وقوله: (فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: الرجس من الاوثان الشطرنج وقول الزور: الغنا وقوله: (حنفاء لله) اي طاهرين وقوله: (في مكان سحيق) اي بعيد وقوله: (ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب) قال: تعظيم البدن وجودتها وقوله: (لكم فيها منافع إلى اجل مسمى) قال البدن يركبها المحرم من موضعه الذي يحرم فيه غير مضر بها ولا معنف عليها وإن كان لها لبن يشرب من لبنها إلى يوم النحر وهو قوله (ثم محلها إلى البيت العتيق) وقوله (فله اسلموا وبشر المخبتين) قال العابدين وقوله: (واذكروا اسم الله عليها صواف) قال تنحر قائمة (فاذا وجبت جنوبها) اي وقعت على الارض " فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر) قال القانع الذي يسأل فيعطيه، والمعتر الذي يعتريك فلا يسأل وقوله (لن ينال الله لحومها ولا دماء‌ها ولكن يناله التقوى منكم) اي لا يبلغ ما يتقرب به إلى الله ولا نحرها إذا لم يتق الله وانما يتقبل الله نحرها من المتقين وقوله: (لتكبروا الله على ما هداكم) قال التكبير ايام التشريق في الصلاة بمنى في عقيب خمس عشرة صلاة وفي الامصار عقيب عشر صلوات وقوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) قال نزلت في على وجعفر وحمزة ثم جرت، قوله: (الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق) قال الحسينعليه‌السلام حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة وقتل بالطف.

حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن مسكان عن ابي عبداللهعليه‌السلام في قوله " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا..الخ " قال: إن العامة يقولون نزلت في

٨٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أخرجته قريش من مكة وانما هي للقائمعليه‌السلام إذا خرج يطلب بدم الحسينعليه‌السلام وهو قوله: نحن أولياء الدم وطلاب الدية ثم ذكر عبادة الائمةعليهم‌السلام وسيرتهم فقال: (الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور) واما قوله: (وبئر معطلة وقصر مشيد) قال هو مثل لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: (بئر معطلة) هي التي لا يستسقى منها وهو الامام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم " والقصر المشيد " هو المرتفع وهو مثل لامير المؤمنينعليه‌السلام .

والائمة وفضائلهم لشرقة على الدنيا وهو قوله (ليظهره على الدين كله) وقال الشاعر في ذلك: بئر معطلة وقصر مشرف * مثل لآل محمد مستطرف فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى * والبئر علمهم الذي لا ينزف وقوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول الله ولا نبي - إلى قوله - والله عليم حكيم) فان العامة رووا ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في مسجد الحرام وقريش يستمعون لقراء‌ته فلما انتهى إلى هذه الآية " أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الاخرى " اجرى إبليس على لسانه " فانها للغرانيق الاولى وان شفاعتهن لترتجى " ففرحت قريش وسجدوا وكان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير فأخذ كفا من حصى فسجد عليه وهو قاعد، وقالت قريش قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزى، قال فنزل جبرئيل فقال له جبرئيل قد قرأت ما لم انزل عليك وانزل عليه " وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ".

واما الخاصة فانه روي عن ابي عبداللهعليه‌السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اصابه خصاصة فجاء إلى رجل من الانصار فقال له: هل عندك من طعام؟ فقال: نعم يا رسول الله وذبح له عناقا وشواه فلما أدناه منه تمنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان

٨٥

يكون معه علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام فجاء منافقان ثم جاء علي بعدهما فأنزل الله في ذلك " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته - يعنى فلانا وفلافا - فينسخ الله ما يلقى الشيطان " يعني لما جاء عليعليه‌السلام بعدهما (ثم يحكم الله آياته) يعني ينصر امير المؤمنينعليه‌السلام ثم قال: (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة) يعني فلانا وفلانا (للذين في قلوبهم مرض - إلى قوله - إلى صراط مستقيم) يعني إلى الامام المستقيم ثم قال: (ولا يزال الذين كفروا في مرية منه) اي في شك من امير المؤمنينعليه‌السلام (حتى تأتيهم الساعة بغتة او يأتيهم عذاب يوم عقيم) قال العقيم الذي لا مثل له في الايام ثم قال: (الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا) قال: ولم يؤمنوا بولاية امير المؤمنين والائمةعليهم‌السلام (فاولئك لهم عذاب مهين).

ثم ذكر امير المؤمنين والمهاجرين من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله - إلى قوله - لعليم حليم) وأما قوله: (ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) فهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أخرجته قريش من مكة وهرب منهم إلى الغار وطلبوه ليقتلوه فعاقبهم الله يوم بدر فقتل عتبة وشيبة والوليد وابوجهل وحنظلة بن ابي سفيان وغيرهم فلما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طلب بدمائهم فقتل الحسين وآل محمد بغيا وعدوانا وهو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

لاهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني احمد ما كان فعل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

٨٦

وقال الشاعر في مثل ذلك:

وكذاك الشيخ أوصاني به

فاتبعت الشيخ فيما قد سأل

وكان يزيد ايضا يقول والرأس مطروح يقلبه:

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر * حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به أيام بدر لكان الوزن بالقدر

فقال الله تبارك وتعالى: " ومن عاقب " يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله " بمثل ما عوقب به " يعني حسينا أرادوا ان يقتلوه " ثم بغي عليه لينصره الله " يعني بالقائم من ولده وقوله: (لكل امة جعلنا منسكا هم ناسكوه) اي مذهبا يذهبون فيه ثم احتج عزوجل على قريش والملحدين الذين يعبدون غير الله فقال: (يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله) يعني الاصنام (لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) يعني الذباب وقوله: " (الله يصطفي من الملائكة رسلا) اي يختار وهو جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ومن الناس الانبياء والاوصياء فمن الانبياء نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن هؤلاء الخمسة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الاوصياء امير المؤمنين والائمةعليهم‌السلام وفيه تأويل غير هذا.

ثم خاطب الله الائمةعليهم‌السلام فقال: (يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا - إلى قوله - وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم) يا معشر الائمة (وتكونوا) انتم (شهداء على) المؤمنين و (الناس) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله: " الذين ان مكناهم في الارض أقاموا الصلوة وآتوا الزكوة " وهذه الآية لآل محمدعليهم‌السلام إلى آخر الآية والمهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الارض ومغاربها ويظهر الدين ويميت الله به وأصحابه البدع الباطل كما أمات السفه الحق حتى لا يرى اثر للظلم واما قوله: (فكأين من قرية

٨٧

اهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها) والعروش سقف البيت وقوله: (يستعجلونك بالعذاب) وذلك ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرهم ان العذاب قد اتاهم قالوا فأين العذاب واستعجلوه فقال الله: (وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) واما قوله: (يا ايها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) فهذه خاصة لآل محمدعليهم‌السلام وقوله: (ليكون الرسول شهيدا عليكم) يعني يكون على آل محمد (وتكونوا شهداء على الناس) اي آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال عيسى بن مريم: " وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم " يعني الشهيد " وانت على كل شئ شهيد " وان الله جعل على هذه الامة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شهيدا من اهل بيته وعترته ما كان في الدنيا منهم أحد فاذا فنوا هلك اهل الارض قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الله النجوم امانا لاهل السماء وجعل اهل بيتي أمانا لاهل الارض.(١)

____________________

(١) ذكر الحديث ابن حجر ايضا في الصواعق عن مسند احمد بن حنبل: النجوم امان لاهل السماء فاذا ذهبت النجوم ذهب اهل السماء واهل بيتى امان لاهل الارض واذا ذهب اهل بيتى ذهب اهل الارض. ص.٤ مصر ج - ز

سورة المؤمنون

(الجزء ١٨) مكية آياتها مأة وثمان عشرة

(بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلوتهم خاشعون) قال الصادقعليه‌السلام : لما خلق الله الجنة قال لها تكلمى فقالت.

" قد أفلح المؤمنون " وقوله: (والذين هم في صلاتهم خاشعون) قال غضك بصرك في صلواتك وإقبالك عليها (والذين هم عن اللغو معرضون) يعنى الغناء والملاهي (والذين هم للزكوة فاعلون) قال الصادق (ع): من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة له (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم)

٨٨

يعني الاماء (فانهم غير ملومين) والمنعة حدها حد الاماء (فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون) قال من جاوز ذلك فاولئك هم العادون وقوله: (والذين هم على صلاتهم يحافظون) قال على اوقاتها وحدودها وقوله: (اولئك هم الوارثون) فانه حدثني ابي عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن ابي بصير عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: ما خلق الله خلقا إلا جعل له في الجنة منزلا وفي النار منزلا فاذا دخل اهل الجنة الجنة واهل النار النار نادى مناد يا اهل الجنة اشرفوا فيشرفون على اهل النار وترفع لهم منازلهم فيها ثم يقال لهم هذه منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموها يعنى النار قال فلو ان أحدا مات فرحا لمات اهل الجنة في ذلك ليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب، ثم ينادي مناد يا اهل النار ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فينظرون منازلهم في الجنة وما فيها من النعيم فيقال لهم هذه منازلكم التي لو أطعتم ربكم لدخلتموها قال فلو ان أحدا مات حزنا لمات اهل النار حزنا فيورث هؤلاء منازل هؤلاء ويورث هؤلاء منازل هؤلاء وذلك قول الله (اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون).

وقوله: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين) قال السلالة الصفوة من الطعام والشراب الذي يصير نطفة والنطفة أصلها من السلالة والسلالة هي من صفوة الطعام والشراب والطعام من اصل الطين فهذا معنى قوله: (من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) يعنى في الرحم (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) وهذه استحالة من أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في الرحم اربعون يوما ثم تصير علقة.

وزعمت المعتزلة إنا نخلق أفعالنا واحتجوا بقول الله أحسن الخالقين وزعموا ان ههنا خالقين غير الله عزوجل ومعنى الخلق ههنا التقدير مثل اقول الله

٨٩

لعيسى بن مريم وليس ذلك كما ذهبت المعتزلة انهم خالقون لافعالهم وقوله: خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين - إلى قوله - ثم أنشأناه خلقا آخر فهم ستة أجزاء وست استحالات وفي كل جزء واستحالة دية محدودة ففي النطفة عشرون دينارا، وفي العلقة اربعون دينارا، وفي المضغة ستون دينارا وفي العظم ثمانون دينارا، وإذا كسي لحما فمائة دينار، حتى يستهل فاذا استهل فالدية كاملة فحدثني بذلك ابي عن سليمان بن خالد عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال قلت فان خرج في النطفة قطرة دم قال في القطرة عشر النطفة ففيها اثنان وعشرون دينارا(١) قلت قطرتان قال اربعة وعشرون دينارا قلت فثلاث قال ستة وعشرون دينارا قلت فأربع قال ثمانية وعشرون دينارا قلت فخمس قال ثلاثون دينارا وما زاد على النصف فعلى هذا الحساب حتى تصير علقة فيكون فيها اربعون دينارا، قلت فان خرجت النطفة متخضخضة بالدم؟ قال: قد علقت إن كان دما صافيا اربعون دينارا ولن كان دما اسود فذلك من الجوف فلا شئ عليه إلا التعزير لانه ما كان من دم صاف فذلك الولد وما كان من دم اسود فهو من الجوف، قال فقال ابوشبل فان العلقة إذا صارت فيها شبيه العروق واللحم؟ قال اثنان واربعون دينارا العشر قال قلت فان عشر الاربعين اربعة، قال لا انما عشر المضغة انما ذهب عشرها فكلما ازدادت زيد حتى تبلغ الستين قلت فان رأت في المضغة مثل عقدة عظم يابس؟ قال: إن ذلك عظم اول ما يبتدئ ففيه اربعة دنانير(٢) فان زاد فزاد اربعة دنانير حتى تبلغ مائة قلت فان كسي العظم لحما قال كذلك إلى مائة قلت فان ركزها فسقط الصبي لا يدري أحيا كان او ميتا، قال: هيهات يا ابا شبل

____________________

(١) عشرون دينارا للنطفة وديناران لقطرة الدم وهكذا.

(٢) يعني علاوة من دية المضغة فيكون المجموع اربعة وستين دينارا ج.ز

٩٠

إذا بلغ اربعة اشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله: (ثم أنشأناه خلقا آخر) فهو نفخ الروح فيه.

وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) قال السماوات وقوله: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين) قال شجرة الزيتون وهو مثل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنينعليه‌السلام وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله: " وأنزلنا من السماء ماء‌ا بقدر فأسكناه في الارض) فهي الانهار والعيون والآبار وقوله: " وشجرة تخرج من طور سيناء " فالطور الجبل والسيناء الشجرة واما الشجرة التي تنبت بالدهن فهي الزيتون وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون) يعني السفن وفي رواية ابي الجارود في قوله (فجعلناهم غثاء‌ا) والعثاء اليابس الهامد من نبات الارض وقوله: (ثم أرسلنا رسلنا تترى) يقول بعضهم في أثر بعض وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وجعلنا ابن مريم وامه آية - إلى قوله - ومعين) قال الربوة: الحيرة وذات قرار ومعين اي الكوفة ثم خاطب الله الرسل فقال (يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا - إلى قوله - امة واحدة) قال على مذهب واحد وقوله: (كل حزب بما لديهم فرحون) قال كل من اختار لنفسه دينا فهو فرح به، ثم خاطب الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال (فذرهم) يا محمد (في غمرتهم) اي في سكرتهم وشكهم (حتى حين) ثم قال عزوجل: (أيحسبون) يا محمد (انما نمدهم به من مال وبنين) هو خير نريده بهم بل لا يشعرون ان ذلك شر لهم ثم ذكر عزوجل من يريد بهم الخير فقال (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون - إلى قوله - يؤتون ما آتوا) قال من العبادة والطاعة (وقلوبهم وجلة) اي خائفة (انهم

٩١

إلى ربهم راجعون) ثم قال (اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) وهو معطوف على قوله (أيحسبون انما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات).

وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله: (اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) هو علي بن ابي طالبعليه‌السلام لم يسبقه احد وقوله: (بل قلوبهم في غمرة من هذا) يعني من القرآن ولهم اعمال من دون ذلك (هم لها عاملون) يقول ما كتب عليهم في اللوح ما هم عاملون قبل ان يخلقوا هم لذلك الاعمال المكتوبة عاملون وقال علي بن ابراهيم في قوله: (ولدينا كتاب ينطق بالحق) اي عليكم ثم قال: (بل قلوبهم في غمرة من هذا) اي في شك مما يقولون وقوله: (حتى اذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) يعني كبراء‌هم بالعذاب (إذا هم يجئرون) اي يضجون فرد الله عليهم (لا تجئروا اليوم انكم منا لا تنصرون - إلى قوله - مستكبرين به سامرا تهجرون) اي جعلتموه سمرا وهجرتموه وقوله: (أم يقولون به جنة) يعني برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرد الله عليهم (بل جاء‌هم بالحق واكثرهم للحق كارهون) وقوله: (ولو اتبع الحق أهواء‌هم لفسدت السموات والارض ومن فيهن) قال: الحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنينعليه‌السلام والدليل على ذلك قوله: " قد جاء‌كم الرسول بالحق من ربكم " يعني بولاية امير المؤمنينعليه‌السلام وقوله: " ويستنبؤنك " اي يا محمد اهل مكة في علي " أحق هو " إمام هو " قل اي وربي انه لحق " اي لامام، ومثله كثير والدليل على ان الحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام قول الله عزوجل: ولو اتبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنينعليه‌السلام قريشا لفسدت السماوات والارض ومن فيهن، ففساد السماء إذا لم تمطر وفساد الارض إذا لم تنبت وفساد الناس في ذلك وقوله (وانك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) قال إلى ولاية امير المؤمنينعليه‌السلام قال: (وان الذين

٩٢

لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) قال عن الامام لحائدون.

ثم حكى الله عزوجل قول الدهرية: (قالواء‌إذا متنا وكنا ترابا وعظاما ء‌إنا لمبعوثون - إلى قوله - أساطير الاولين) يعني اكاذيب الاولين فرد الله عليهم فقال: (بل آتيناهم بالحق وانهم لكاذبون) ثم رد الله على الثنوية الذين قالوا بآلهين فقال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) قال: لو كان إلهين كما زعمتم لكانا يختلفان فيخلق هذا ولا يخلق هذا ويريد هذا ولا يريد هذا ويطلب كل واحد منهما الغلبة وإذا أراد أحدهما خلق إنسان أراد الآخر خلق بهيمة فيكون إنسانا وبهيمة في حالة واحدة وهذا غير موجود فلما بطل هذا ثبت التدبير والصنع لواحد ودل أيضا التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض على أن الصانع واحد وذلك قوله: (ما اتخذ الله من ولد - إلى قوله - لعلى بعضهم على بعض) ثم قال آنفا (سبحان الله عما يصفون) وقوله: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) قال ما يقع في قلبك من وسوسة الشياطين وقوله: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها) فانها نزلت في مانع الزكاة والخمس وحدثني ابي عن خالد عن حماد عن حريز عن ابي عبدالله (ع) قال ما من ذي مال ذهب ولا فضة يمنع زكاة ماله او خمسه إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر وسلط عليه سباعا تريده وتحيد عنه (فيه خ ل) فاذا علم انه لا محيص له أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل وما من ذي مال ابل او بقر او غنم يمنع زكاة ماله إلا حسبه الله يوم القيامة بقاع قفر ينطحه كل ذات قرن بقرنها ولك ذي ظلف بظلفها وما من ذي مال نخل او زرع او كرم يمنع زكاة ماله إلا طوقه الله إلى يوم القيامة ورفع أرضه إلى سبع أرضين يقلده (يقلبه ك) إياهوقوله: (ومن ورائهم برزخ

٩٣

إلى يوم يبعثون) قال البرزخ هو أمر بين امرين وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة وهو رد على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب قبل القيامة وهو قول الصادق (ع): والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ فاما إذا صار الامر الينا فنحن أولى بكم، وقال علي بن الحسينعليهما‌السلام : ان القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (ع) في قوله: (أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير)، يقول أم تسألهم اجرا فأجر ربك خير (وهو خير الرازقين) وقوله: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) فهو الجوع والخوف والقتل وقوله: (حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون) يقول آيسون واما قوله: (غلبت علينا شقوتنا) فانهم علموا حين عاينوا أمر الآخرة ان الشقى كتب عليهم علموا حين لم ينفعهم العلم قالوا ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون (قال اخسؤا فيها ولا تكلمون) فبلغني والله اعلم انهم تداركوا بعضهم على بعض سبعين عاما حتى انتهوا إلى قعر جهنم.

وقال علي بن ابراهيم في قوله: (فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون) فانه رد على من يفتخر بالانساب قال الصادقعليه‌السلام : لا يتقدم يوم القيامة أحد إلا بالاعمال والدليل على ذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (يا ايها الناس ان العربية ليست بأب وجد وانما هو لسان ناطق فمن تكلم به فهو عربي ألا انكم ولد آدم وآدم من تراب والله لعبد حبشي حين أطاع الله خير من سيد قرشي عصى الله وان اكرمكم عند الله اتقيكم " والدليل على ذلك قوله عزوجل: (فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون فمن ثقلت موازينه) يعني بالاعمال الحسنة (فاولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه) قال من الاعمال الحسنة (فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون) وقوله: (تلفح وجوههم النار) قال اي تلهب عليهم (فتحرقهم وهم فيها كالحون) اي مفتوحي الفم متربدي الوجوه وقوله: (قال كم لبثتم في الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما او بعض يوم

٩٤

فاسأل العادين) قال سل الملائكة الذين كانوا يعدون علينا الايام ويكتبون ساعاتنا وأعمالنا التي اكتسبناها فيها على الانام فرد الله عليهم فقال (قل) لهم يا محمد (ان لبثتم إلا قليلا لو انم كنتم تعلمون أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون) وقوله: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) اي لا حجة له به (فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون) وقل يا محمد (رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين)

سورة النور

مدنية آياتها اربع وستون

(بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) يعني كي تذكروا وقوله: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وهي ناسخة لقوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى آخر الآية) وقوله: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) يعني لا تأخذكم الرأفة على الزاني والزانية في دين الله (ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) في إقامة الحد عليهما.

وكانت آية الرجم نزلت: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة نكالا من الله والله عليم حكيم وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله: (وليشهد عذابهما) يقول ضربهما (طائفة من المؤمنين) يجمع لهم الناس إذا جلدوا.

وقال علي بن ابراهيم: (ثم حرم الله عزوجل نكاح الزواني فقال (الزاني لا ينكح إلا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان او مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) وهو رد على من يستحل التمتع بالزواني والتزويج بهن وهن المشهورات

٩٥

المعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل على تحصينهن، ونزلت هذه الآية في نساء مكة كن مستعلنات بالزنا سارة وحنتمة والرباب كن يغنين بهجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحرم الله نكاحهن، وجرت بعدهن في النساء من أمثالهن.

والزنا على وجوه والحد فيه على وجوه فمن ذلك انه احضر عمر بن الخطاب ستة نفر أخذوا بالزنا فأمر أن يقام على كل واحد منهم الحد وكان امير المؤمنينعليه‌السلام جالسا عند عمر فقال يا عمر ليس هذا حكمهم، قال: فأقم انت عليهم الحد، فقدم واحدا منهم فضرب عنقه وقدم الثاني فرجمه وقدم الثالث فضربه الحد وقدم الرابع فضربه نصف الحد وقدم الخامس فعزره واما السادس فأطلقه فتعجب عمر وتحير الناس، فقال عمر: يا ابا الحسن ستة نفر في قضية واحدة اقمت عليهم ست عقوبات ليس منها حكم يشبه الآخر فقال نعم اما الاول فكان ذميا زنى بمسلمة وخرج عن ذمته فالحكم فيه السيف، واما الثاني فرجل محصن زنى فرجمناه، واما الثالث فغير محصن فحددناه، واما الرابع فعبد زنى فضربناه نصف الحد، واما الخامس فكان منه ذلك الفعل بالشبهة فعزرناه وأدبناه واما السادس فمجنون مغلوب على عقله سقط منه التكليف.

واما قوله: (والذين يرمون المحصنات - إلى قوله - ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) فانه حدثني ابي عن حماد عن حريز عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال القاذف يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبدا إلا بعد التوبة او يكذب نفسه فان شهد له ثلاثة وابى واحد يجلد الثلاثة ولا يقبل شهادتهم حتى يقول اربعة رأينا مثل الميل في المكحلة، ومن شهد على نفسه انه زنى لم تقبل شهادته حتى يعيد اربع مرات.

حدثني ابي عن عبدالرحمن بن ابي بحران عن عاصم بن حميد عن ابي بصير قال قال ابوعبداللهعليه‌السلام : إنه جاء رجل إلى امير المؤمنينعليه‌السلام فقال له يا امير المؤمنين

٩٦

اني زنيت فطهرني فقال امير المؤمنينعليه‌السلام : أبك جنة؟ فقال: لا قال: أفتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم فقال له: ممن انت؟ فقال: أنا من مزنية او جهينة قال: اذهب حتى اسأل عنك فسأل عنه، قالوا: يا امير المؤمنين هذا رجل صحيح العقل مسلم، ثم رجع اليه فقال: يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني، فقال: ويحك ألك زوجة؟ قال: نعم، قال: فكنت حاضرها او غائبا عنها؟ قال: بل كنت حاضرها قال: اذهب حتى ننظر في امرك، فجاء اليه الثالثة فذكر له ذلك، فأعاد عليه امير المؤمنينعليه‌السلام فذهب ثم رجع في الرابعة، فقال: إني زنيت فطهرني، فأمر امير المؤمنين بحبسه ثم نادى امير المؤمنينعليه‌السلام : ايها الناس ان هذا الرجل يحتاج ان نقيم عليه حد الله فاخرجوا متنكرين لا يعرف بعضكم بعضا ومعكم احجاركم، فلما كان من الغد اخرجه امير المؤمنينعليه‌السلام بالغلس(١) وصلى ركعتين ثم حفر حفيرة ووضعه فيها ثم نادى: ايها الناس ان هذه حقوق الله لا يطلبها من كان عنده لله حق مثله فمن كان لله عليه حق مثله فلينصرف فانه لا يقيم الحد من الله من لله عليه الحد فانصرف الناس فأخذ امير المؤمنينعليه‌السلام حجرا فكبر اربع تكبيرات فرماه ثم اخذ الحسنعليه‌السلام مثله ثم فعل الحسينعليه‌السلام مثله فلما مات اخرجه امير المؤمنينعليه‌السلام وصلى عليه فقالوا: يا امير المؤمنين ألا تغسله؟ قال: قد اغتسل بما هو منها طاهر إلى يوم القيامة ثم قال امير المؤمنينعليه‌السلام : ايها الناس من اتى هذه الفاذورة(٢) فليتب إلى الله فيما بينه وبين الله فو الله لتوبة إلى الله في السر لافضل من ان يفضح نفسه ويهتك ستره.

____________________

(١) الغلس بالتحريك: الظلمة آخر الليل.

(٢) الفاحشة الزنا ومنه قولهعليه‌السلام : " ايها الناس اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها ".مجمع

٩٧

واما قوله (والذين يرمون أزواجهم - إلى قوله - إن كان من الصادقين) فانها نزلت في اللعان، وكان سبب ذلك انه لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غزوة تبوك جاء اليه عويمر بن ساعدة العجلاني وكان من الانصار، فقال يا رسول الله ان امرأتي زنى بها شريك بن السمحا وهي منه حامل، فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأعاد عليه القول، فأعرض عنه حتى فعل ذلك اربع مرات، فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منزله فنزلت عليه آية اللعان، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصلى بالناس العصر وقال لعويمر: إئتني بأهلك فقد انزل الله فيكما قرآنا، فجاء اليها، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوك وكانت في شرف من قومها، فجاء معها جماعة فلما دخلت المسجد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعويمر تقدما إلى المنبر والتعنا، قال فكيف أصنع؟ فقال تقدم وقل: أشهد بالله اني إذا لمن الصادقين فيما رميتها به، قال فتقدم وقالها فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعدها فأعادها ثم قال أعدها حتى فعل ذلك اربع مرات، فقال له في الخامسة عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به فقال (والخامسة ان لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) فيما رماها به ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن اللعنة لموجبة إن كنت كاذبا ثم قال له تنح فتنحى عنه، ثم قال لزوجته تشهدين كما شهد وإلا أقمت عليك حد الله، فنظرت في وجوه قومها فقالت لا اسود هذه الوجوه في هذه العشية، فتقدمت إلى المنبر وقالت: أشهد بالله ان عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني به، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعيديها فأعادتها حتى أعادتها اربع مرات فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله العني نفسك في الخامسة إن كان من الصادقين فيما رماك به فقالت في (الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فيما رماني به فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويلك ويلك انها موجبة إن كنت كاذبة ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لزوجها اذهب فلا تحل لك أبدا قال يا رسول الله فمالي الذي أعطيتها؟ قال إن كنت كاذبا فهو

٩٨

ابعد لك منه وإن كنت صادقا فهو لها بما استحللت من فرجها.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن جاء‌ت بالولد اخمش الساقين واخفش العينين جعد قطط فهو للامر السئ وإن جاء‌ت به اشهل اصهب(١) فهو لابيه فيقال انها جاء‌ت به على الامر السئ، فهذه لا تحل لزوجها وإن جاء‌ت بولد لا يرثه ابوه وميراثه لامه وإن لم يكن له ام فلاخواله وان قذفه احد جلد حد القاذف، واما قوله: (ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) فان العامة رووا انها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة واما الخاصة فانهم رووا انها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عايشة‌ء المنافقات.

حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال قال حدثنا عبدالله (محمد خ ل) بن بكير عن زرارة قال: سمعت ابا جعفرعليهما‌السلام يقول: لما مات ابراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حزن عليه حزنا شديدا فقالت عايشة ما الذي يحزنك عليه فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وامره بقتله فذهب عليعليه‌السلام اليه ومعه السيف وكان جريح القبطي في حائط وضرب عليعليه‌السلام باب البستان فأقبل اليه جريح ليفتح له الباب فلما رأى علياعليه‌السلام عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا ولم يفتح الباب فوثب عليعليه‌السلام على الحائط ونزل إلى البستان واتبعه وولى جريح مدبرا فلما خشي ان يرهقه صعد في نخلة وصعد عليعليه‌السلام في اثره فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فاذا ليس له ما للرجال ولا ما للنساء فانصرف عليعليه‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال

____________________

(١) قطط كصنم: قصير الشعر جعده ج قطون وقطاط، اشهل: يخالط سواد العين بزرقة، اصهب: تكون في الشعر حمرة او شقرة.ج.ز.

٩٩

يا رسول الله إذا بعثتني في الامر اكون فيه كالمسمار المحمى في الوتر ام اثبت؟ قال فقال لا بل اثبت، فقال والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال ولا ما للنساء فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحمد لله الذى يصرف عنا السوء اهل البيت(١) وقال علي بن ابراهيم في قوله: (إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت اذناه كان من الذين قال الله فيهم " ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة " ثم ادب الله تعالى خلقه فقال: (يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم - إلى قوله - فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) قال معناه معلما للناس (فان لم تجدوا فيها احدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام في قوله (ولا يأتل اولوا الفضل منكم والسعة ان يؤتوا اولي القربى) وهى قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا) يقول يعفو بعضكم عن بعض ويصفح فاذا فعلتم كانت رحمة من الله لكم يقول الله: (ألا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم) وقوله: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) يقول غافلات عن الفواحش وقوله: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات

____________________

(١) لا يتوهم متوهم ان هذا الخبر دال على منقصة في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث امر بقتل القبطي بدون إثبات جرمه وبدون التثبت فيه، وجوابه ان امر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتله ها هنا مشتمل على مصلحة، فانه في عاقبة هذا الامر ظهر كون القبطي عنينا ولو لم يكن هذا الانكشاف لكان دون إثبات براء‌ة مارية القبطية خرط القتاد.ج.ز.

١٠٠