حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف0%

حوار في التسامح والعنف مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 136

حوار في التسامح والعنف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: الصفحات: 136
المشاهدات: 55113
تحميل: 6858

توضيحات:

حوار في التسامح والعنف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55113 / تحميل: 6858
الحجم الحجم الحجم
حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف

مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تعالى نهانا عن الركون إليه. واتِّباعُ الفاسق وطاعتُه من الركون إليه؛ ولأنَّ الله أمرنا أن نكفر بالطاغوت ونرفضه، والحاكم الظالم هو مصداق الطاغوت، ولسنا نشكُّ في ذلك، كما لا نشكُّ في أنَّ الكفر به بمعنى رفض طاعته. ويريد ابن تيمية أن يساوي بين طاعة الله وطاعة الطاغوت، فيما إذا أمر بما يأمر به الله، ولكن بينهما فرق واضح، كما أنَّ رفض طاعة الطاغوت إذا أمر بما يأمر به الله ليس بمعنى معصية الله.

وهذه كلّها ( معادلات ) و( لا معادلات ) واضحة، لا تحتاج إلى أكثر من هذا التوضيح، والله تعالى يريد أن لا يكون للطاغوت سلطان أو سبيل على المؤمنين، وإن حاول الطاغوت أن يجعل هذا السبيل على المؤمنين من خلال القضاء ودعوة الناس إلى التحاكم إليه، أو من خلال دعوة الناس إلى إقامة الجمعة في حوزة سلطانه؛ يقول تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ) (١) ، وما أروع الوعي الذي نجده في رواية عمر بن حنظلة المعروفة عند الفقهاء ب- ( المقبولة ) : ( مَن تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل، فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنَّما يأخذه سُحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أنْ يَكْفُرْ بِهِ )(٢) .

____________________

(١) سورة النساء : الآية ٦٠.

(٢) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج١٨، ص٩٧.

٨١

فإنَّ الله تعالى أمرنا أن نكفر بالطاغوت ونرفضه، حتّى لو حكم بالحق، فإنَّ قبول حكم الطاغوت حتّى في الحقّ يدخِل المؤمنين في سلطان الطاغوت وطاعته، ويُحكِم قبضته عليهم، ويجعل له سبيلاً عليهم وهذا كلّه ممَّا نهانا الله تعالى عنه، وأمرنا برفضه.

وخامساً : إنَّ الله تعالى نهانا عن طاعة المسرفين، والمفسدين، والغافلين، وأصحاب الأهواء، والآثمين على الإطلاق في المعصية والطاعة.

يقول تعالى :( وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ ) (١) ، ويقول أيضاً :( وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) (٢) ، وكذلك قوله :( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) (٣) .

وليس من الصحيح أن نقول : إنَّ الله تعالى أمرنا بمقاطعة الظالمين والمسرفين في الظلم والإسراف؛ فإنَّ النهي عن طاعتهم نهيٌ مطلق، ولا دليل على تقييد هذا الإطلاق بخصوص الإسراف والظلم؛ فلابدّ من مقاطعتهم في الصلاح والفساد معاً، إذا كانوا ظالمين مفسدين مسرفين، وليس من عجب أن يأمرنا الله تعالى بمقاطعة الظالمين والمفسدين والمجرمين، حتّى في غير الإفساد والظلم ؛

____________________

(١) سور الشعراء : الآيات ١٥١ - ١٥٢.

(٢) سورة الكهف : الآية ٢٨.

(٣) سور الإنسان : الآية ٢٤.

٨٢

فإنَّ طاعتهم في ذلك تؤدِّي إلى إحكام قبضتهم على المؤمنين، واستحكام مواقعهم ودولتهم وسلطانهم، وهذا ما يبغضه الله ولا يرضى به.

٢ - الاحتجاج بنصوص الروايات ومناقشتها :

ويستعرض هؤلاء طائفة من الروايات لإثبات ما يذهبون إليه، من وجوب الرضوخ والطاعة للحكَّام الظلمة والمتسلِّطين على الحكم بالظلم والإرهاب، وقد جمع صاحب دراسات في ولاية الفقيه طائفة من هذه الروايات في كتابه، نستعرض بعضها فيما يلي :

روى مسلم في صحيحه بسنده عن حذيفة بن اليمان، قال : قلت : يا رسول الله، إنّا كنّا بَشرٍّ فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شرٌّ ؟ قال :( نعم ) . قلت : هل وراء ذلك الشرِّ خير ؟ قال :( نعم ) ، قلت : فهل وراء ذلك الخير شرّ ؟ قال :( نعم ) ، قلت : كيف ؟ قال :( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنُّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) . قلت : كيف أصنع - يا رسول الله - إن أدركت ذلك ؟ قال :( تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) (١) .

وروى فيه أيضاً بسنده، إنّ سلمة بن يزيد الجعفي سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقَّهم ويمنعونا حقّنا ؟ فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه، ثمَّ سأله فأعرض عنه، ثمَّ سأله في الثانية أو في الثالثة

____________________

(١) صحيح مسلم، ج٣، ص١٤٧٦، كتاب الإمارة، الباب ١٣، الباب ١٣، ح١٨٤٧.

٨٣

فجذبه الأشعث بن قيس وقال :اسمعوا وأطيعوا، فإنّما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمّلتم (١) .

وفي رواية أخرى فيه : ( فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :( اسمعوا وأطيعوا، فإنَّما عليهم ما حمّلوا وعليكم ما حمُّلتم ) (٢) .

وفيه أيضاً عن عبادة بن الصامت، قال : دعانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعناه، فكان في ما أخذ علنيا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا، ومكرهنا، وعُسرنا، ويسرنا، وأُثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال :( إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ) (٣) . قال النووي في شرحه : ( في معظم النسخ بواحاً بالواو، وفي بعضها براحاً والباء مفتوحة فيهما ومعناهما كفراً ظاهر(٤) .

وفيه أيضاً عن عوف بن مالك، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( خيار أئمتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم، ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل : يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال : لا، ما أقاموا فيكم الصلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة ) (٥) .

____________________

(١) المصدر نفسه، ج٣، ص١٤٧٤، كتاب الإمارة، الباب ١٢، ح١٩٤٦.

(٢) المصدر نفسه، ج٣، ص١٤٧٥، كتاب الإمارة، الباب ٢١، ح١٨٤٦.

(٣) المصدر نفسه، ج٣، ص١٤٧٠، كتاب الإمارة، الباب ٨، ح١٨٤٠.

(٤) شرح صحيح مسلم للنووي، ج٨، ص٣٤ ( المطبوع بهامش إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ).

(٥) صحيح مسلم، ج٣، ص١٤٨١، كتاب الإمارة، الباب ٧١، الحديث ١٨٥٥.

٨٤

وفيه أيضاً عن أمّ سلمة أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمَن عرف برئ ومَن أنكر سلَّم، ولكن مَن رضي وتابع ) . قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا، ما صلّوا(١) .

قيل : إنَّ المراد بقوله :( فمَن عرف برئ ) أنَّ مَن عرف المنكر، فله طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيّره بيده أو بلسانه أو بقلبه. وفي رواية أخرى :( فمَن كره فقد برئ ) (٢) ؛ وعليه فالمعنى واضح.

وفيه أيضاً عن ابن عبّاس، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :( مَن كره من أميره شيئاً فليصبر عليه؛ فإنّه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية) (٣) .

وفي أيضاً عن نافع، قال : ( جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع، حين كان من أمر الحَرَّة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال : اطرحوا لأبي عبد الرحمان وسادة. فقال : إنّي لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدّثك حديثاً سمعت رسول الله يقوله، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول :( مَن خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجَّة له، ومَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) (٤) .

____________________

(١) المصدر نفسه، ج٣، ص١٤٨٠، كتاب الإمارة، باب ١٦، الحديث ١٨٥٤.

(٢) المصدر نفسه، ج٣، ص١٤٨١، كتاب الإمارة، الباب ١٦. الحديث ١٨٥٤.

(٣) المصدر نفسه، ج٣، ص ١٤٧٨، الباب ١٣ من كتاب الإمارة، الحديث ١٨٤٩.

(٤) المصدر نفسه، ج٣، ص ١٤٧٨، الحديث ١٨٥.

٨٥

وفي كتاب الخراج لأبي يوسف القاضي، عن الحسن البصري، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تسبّوا الولاة؛ فإنّهم إن أحسنوا كان لهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، وإنّما هم نقمة ينتقم الله بهم ممَّن يشاء، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحميّة والغضب، واستقبلوها بالاستكانة والتضرّع ) (١) .

وفي سنن أبي داود، عن أبي هريرة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الجهاد واجب عليكم مع كلّ أمير برَّاً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برّاً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر) (٢) .

إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في وجوب التسليم لحكّام الجور، وعدم جواز الخروج عليهم.

وهذه الروايات تُشبه - بوجه - الأخبار المستفيضة الواردة بطرقنا المذكورة في الباب.

الحياة الطيِّبة : أمام هذا الكم الهائل من الروايات، كيف يمكن الحكم بجواز الخروج على الحاكم ؟

الشيخ الآصفي : هذه الروايات معارضة بطائفتين من الروايات أقوى دلالة، وأكثر وأصحّ سنداً، وهما : الراويات الآمرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآمرة بإزالة المنكر ومقارعته باليد، والروايات الناهية عن إعانة

____________________

(١) أبو يوسف، كتاب الخراج، ص١٠.

(٢) سنن أبي داود، ج٢، ص١٧، كتاب الجهاد، باب في الغزو مع أمة الجور.

٨٦

الحكَّام الظلمة، وهما تعارضان الروايات المتقدِّمة بالصراحة، وإليك هاتين الطائفتين من الروايات :

١ - وجوب الأمر بالمعروف وإزالة المنكر باليد

وهي طائفة واسعة من الروايات، صريحة في أنَّ المرتبة الأُولى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي التغيير باليد، والمرتبة الثانية باللسان، والمرتبة الثالثة بالإنكار بالقلب، وهو أضعف مراتب الإيمان، والمقصود ب- ( التغيير باليد ) هو إزالة المنكر باستخدام القوَّة.

روى الترمذي عن طارق بن شهاب قال : أوّل مَن قدّم الخطبة قبل الصلاة مروان، فقام رجل فقال لمروان : خالفت السنّة، فقال : يا فلان اترك ما هنالك، فقال أبو سعيد : أمّا هذا فقد قضى ما عليه؛ سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( مَن رأى منكراً فلينكر بيده، ومَن لم يستطع فبلسانه، ومَن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ). قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح(١) .

ونجد في هذا الحديث ( العدَّ التصاعدي ) للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أضعفها الإنكار بالقلب، وأقواها الإنكار وإزالة الظلم باليد، في مقابل الروايات التي تذكر ( العدَّ التنازلي ) للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( القاعد فيها خير من القائم )، حتّى تصل النوبة إلى المضطجع، وهي أقوى الإيمان، حتّى تستقيم للظالمين أمورهم، وتطمئنَّ قلوبهم، وتنتظم لهم البلاد والناس !!

____________________

(١) سنن الترمذي، ج٤، ص٤٩٦ - ٤٧١، كتاب الفتن، باب ما جاء في تغيير المنكر باليد.

٨٧

وروى الترمذي في السنن ، عن أبي سعيد الخدري : إنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إنَّ من أعظم الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائر )(١) .

وعن النعمان بن بشير قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء، فرفع بصره إلى السماء، ثمَّ خفض حتّى ظننا أنّه حدث في السماء أمر، فقال : ( ألا إنَّها ستكون بعدي أُمراء يظلمون ويكذِّبون، فمَن صدَّقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم فليس منّي ولا أنا منهم، ومَن لم يصدِّقهم بكذبهم، ولم يمالئهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه )(٢) .

وفي صحيح مسلم بسنده، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )(٣) .

وفيه أيضاً بسنده، عن جابر بن عبد الله، يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون عن الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة )(٤) .

وفيه أيضاً بسنده، عن جابر بن سمرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : ( لن يبرح هذا الدين قائماً يُقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم الساعة )(٥) .

وفي سنن أبي داود بسنده، عن عبد الله بن مسعود، قال : قال رسول

____________________

(١) المصدر نفسه، ج٤، ص٤٧١، ج رقم ٢١٧٤، كتاب الفتن؛ ورواه ابن ماجة في السنن، ج٢، ص١٣٢٩، ج رقم ٤٠١١.

(٢) الترغيب والترهيب، ج٣، ص١٩٥.

(٣) صحيح مسلم، ج١، ص٦٩، كتاب الإيمان، الباب ٢٠، الحديث ٤٩.

(٤) المصدر نفسه، ج٣، ص١٥٢٤، كتاب الإمارة، الباب ٥٣، الحديث ١٩٢٣.

(٥) المصدر نفسه، ج٣، ص١٥٢٤، كتاب الإمارة، الباب ٥٣، الحديث ١٩٢٢.

٨٨

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّ أوّل ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا، اتَّقِ الله ودعْ ما تصنع فإنّه لا يحلُّ لك، ثمَّ يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلمّا فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ). ثمَّ قال :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - إلى قوله : -فَاسِقُونَ ) . ثمَّ قال : ( كلاَّ والله، لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهنَّ عن المنكر ولتأخذنَّ على يد الظالم ولتأطرنَّه على الحق أطراً وتقصرنَّه على الحق قصراً )(١) .

وروى أبو داود بسنده عن قيس، قال : قال أبو بكر - بعد أن حمد الله وأثنى عليه : يا أيّها الناس، إنّكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها :( عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) . قال خالد : وإنَّا سمعنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب ). وقال عمروا عن هُشيم : وإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثمَّ يقدرون على أن يغيّروا، ثمَّ لا يغيّروا إلاّ يوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب )(٢) .

وفيه أيضاً بسنده، عن جرير، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( ما من

____________________

(١) سنن أبي داود، ج٢، ص٤٣٦، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي.

(٢) المصدر نفسه، ج٢، ص٤٣٦، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.

٨٩

رجل يكون في قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيّروا عليه فلا يغيّروا، إلاّ أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا )(١) .

وفي سنن ابن ماجه، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : ( لا تزال طائفة من أمّتي قوّامة على أمر الله لا يضرّها مَن خالفه )(٢) .

وفي ( الدرّ المنثور )، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّ رحى الإسلام ستدور؛ فحيث ما دار القرآن فدوروا به، يوشك السلطان والقرآن أن يقتتلا ويتفرّقا. إنّه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم ولهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلّوكم وإن عصيتموهم قتلوكم ). قالوا : يا رسول الله، فكيف بنا أن أدركنا ذلك ؟ قال : ( تكونوا كأصحاب عيسىعليه‌السلام : نُشروا بالمناشير ورفعوا على الخشب، موت في طاعة خير من حياة في معصية )(٣) .

وفي ( نهج السعادة ) مستدرك نهج البلاغة : قال أبو عطاء : خرج علنيا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام محزوناً يتنفّس فقال : ( كيف أنتم وزمان قد أظلَّكم ؟ تُعطَّل فيه الحدود، ويتَّخذ المال فيه دولاً، ويعادى فيه أولياء الله، ويوالى فيه أعداء الله ؟ ). قلنا : يا أمير المؤمنين، فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع ؟ قال : ( كونوا كأصحاب عيسىعليه‌السلام : نُشِّروا بالمناشير وصُلِّبوا على

____________________

(١) سنن أبي داود، ج٢، ص٤٣٧، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي.

(٢) سنن ابن ماجة، ج١، ص٥.

(٣) الدرّ المنثور، ج٢، ص٣٠١.

٩٠

الخشب، موت في طاعة الله عزّ وجلَّ خير من حياة في معصية الله )(١) .

وعن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام : ( فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم. فإن اتَّعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم، وإنَّما السبيل على الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحقّ، أولئك لهم عذاب أليم. هنالك فجاهدوهم بأبدانكم، وأبغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطاناً، ولا باغين مالاً، ولا مريدين بالظلم ظفراً، حتّى يفيئوا إلى أمر الله، ويمضوا إلى طاعته )(٢) .

والحديث واضح في أنَّ الله تعالى قد جعل للمؤمنين سبيلاً على الظالمين، حتّى يفيئوا إلى الحقّ، والسبيل هو السلطان والقوّة.

ومعنى ذلك : أنَّ الله قد أذن لهم بمواجهتهم بالقوّة - بعد النصح - حتّى يكفوا عن الظلم، ويفيئوا إلى الحقّ.

ويروي الشريف الرضي في ( نهج البلاغة ) عن الإمام عليعليه‌السلام : ( فمنهم المنكِر للمنكَر بقلبه ولسانه ويده، فذلك المستكمل لخصال الخير، ومنهم المنكِر بلسانه وقلبه التارك بيده، فذلك المتمسِّك بخصلتين من خصال الخير، ومضيَّع خصلة، ومنهم المنكِر بقلبه، والتارك بيده ولسانه، وذلك الذي ضيَّع أشرف الخصلتين من ثلاث، وتمسَّك بواحدة، ومنهم التارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده، فذلك ميِّت الأحياء، وما أعمال البرِّ كلِّها والجهاد في

____________________

(١) نهج السعادة، ج٢، ص٦٣٩.

(٢) محمد بن يعقوب الكليني، فروع الكافي، ١/٣٢٤.

٩١

سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عنه إلاّ كنفثة في بحر لجِّي، وإنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل، ولا ينقصان من رزق، وأفضل من ذلك كلمة عدل عند إمام جائر)(١) .

وعن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن رأى منكم منكراً فلينكر بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنّه لذلك كاره )(٢) .

ومن كلام الحسين بن علي ( صلى الله عليهما ) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : ( اِعْتَبِرُوا أَيُّهَا النّاسُ بِما وَعَظَ اللهُ بِهِ أَوْلِياءَهُ مِنْ سُوْءِ ثَنائِهِ عَلَى الأَحْبارِ إِذْ يَقُولُ :( لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ ) ، وقال :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) إلى قوله :( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ، وإِنَّما عابَ اللهُ ذلِكَ عَلَيْهِمْ؛ لأَنَّهُمْ كانُوا يَرَوْنَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِم الْمُنْكَرَ وَالْفَسادَ فَلا يَنهَونَهُمْ عَنْ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي ما كانُوا يَنالَونَ مِنْهُمْ وَرَهْبَةً مِمّا يَحْذَرُونَ، واللهُ يقولُ :( فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) ، وَقالَ :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) ، فَبَدَأَ اللهُ بِالأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ فَريضَةً مِنْهُ؛ لِعِلْمِهِ بِأَنَّها إِذَا أُدِّيَتْ وأُقيمَتْ اِسْتَقامَتْ الفَرائِضُ كُلُّها هَيِّنُها وَصَعْبُها ،

____________________

(١) نهج البلاغة، مصدر سابق، ج٤، ص٩٠.

(٢) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج١١، ص ٤٠٦ - ٤٠٧.

٩٢

وَذلِكَ أنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوف وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ دُعاءٌ إلى الإسْلامِ مَعَ رَدِّ الْمَظالِمِ وَمُخالَفَةِ الظّالِمِ، وقِسْمَةِ الْفَيء وَالْغَنائِمِ وَأَخْذِ الصَّدَقاتِ مِنْ مَواضِعِها، وَوَضْعِها في حَقِّها.

ثُمَّ أنْتُمْ - أيُّها العِصابَةُ - عِصابَةٌ بِالْعِلْمِ مَشْهُورَةٌ، وَبالْخَيْرِ مَذْكُورَةٌ، وَبالنَّصيحَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَبِاللهِ في أَنْفُسِ النّاسِ مَهابَةٌ يَهابُكُمُ الشَّريفُ، وَيُكْرِمُكُمُ الضَّعيفُ، وَيُؤْثِرَكُمْ مَنْ لا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَلا يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ، تَشْفَعُونَ فِي الْحَوائِجِ إِذا اِمْتَنَعَتْ مِنْ طُلاّبِها، وَتَمْشُونَ فِي الطَّريقِ بِهَيْبَةِ المُلُوكِ وَكَرامَةِ الأَكابِرِ، أَلَيْسَ كُلُّ ذلِكَ إِنَّما نِلْتُمُوهُ بِما يُرْجى عِنْدَكُمْ مِنَ الْقيامٍ بِحَقِّ اللهِ، وَإنْ كُنْتُمْ عَنْ أَكْثَرِ حَقِّهِ تَقْصُرُونَ، فَاسْتَخْفَفْتُمْ بِحَقِّ الأئِمَةِ، فَأَمّا حَقُّ الضُّعَفاء فَضَيَّعْتُمْ، وَأَمّا حَقُّكُمْ بِزَعْمِكُمْ فَطَلَبْتُمْ، فَلا مالَ بَذَلْتُمُوهُ، وَلا نَفْساً خاطَرْتُمْ بِها لِلَّذي خَلَقَها، وَلا عَشيرَةً عادَيْتُمُوها في ذاتِ اللهِ، أَنْتُمْ تَتَمَنَّونَ عَلَى اللهِ جَنَّتَهُ وَمُجاوَرَةَ رُسُلِهِ وَأَمانَهُ مِنْ عَذابِهِ.

لَقَدْ خَشيتُ عَلَيْكُمْ - أَيُّها المُتَمَنُّونَ عَلَى اللهِ - أَنْ تُحِلَّ بِكُمْ نِقْمَة مِنْ نَقِماتِهِ؛ لأَنَّكُمْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرامَةِ اللهِ مَنْزِلَةً فُضِّلْتُمْ بِها، وَمَنْ يُعْرَفْ باللهِ لا تُكْرِمَونَ وَأَنْتُمْ بِاللهِ في عِبادِهِ تُكْرَمُونَ، وَقَدْ تَرَوْنَ عُهودَ اللهِ مَنْقُوضَةً فَلا تَقْرَعُونَ، وَأَنْتُمْ لِبَعْضِ ذِمَمِ آبائِكُم تَقْرَعُونَ وَذِمَّةُ رَسُولِ اللهِ مَحْقُورَةٌ، وَالْعُمي وَالْبُكْمُ والزَّمِنَ فِي المَداينِ مُهْمَلَةٌ لا يُرْحَمُونَ، وَلا في مَنْزِلَتِكَمْ تَعْمَلُونَ، وَلا مَنْ عَمِلَ فيها تَعْتَبُونَ، وَبِالإِدْهانِ وَالْمصانَعَةِ عِنْدَ الظَّلمَةِ تَأْمَنُونَ، كُلُّ ذلِكَ مِمّا أمَرَكُمُ اللهُ

٩٣

بِهِ مِنَ النّهْي وَالتَّناهِي وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ، وَأنْتُم أَعْظَمُ النّاسِ مُصيبَةً؛ لِما غُلِبْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنازِل الْعُلَماءِ لَوْ كَنْتُمْ تَسْمَعُونَ.

ذَلِكَ بَأَنَّ مَجارِي الأُمُورِ وَالأحْكَامِ عَلى أَيْدِي العُلَماءِ بِاللهِ، الأُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وحَرامِهِ، فَأَنْتُمْ الْمَسْلُوبُونَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ، وَما سُلِبْتُمْ ذلِكَ إلا بِتَفَرُّقِكُمْ عَنِ الْحَقِّ وَاخْتِلافِكُمْ في السُّنَّةِ بِعْدَ الْبَيِّنَةِ الْواضِحَةِ، وَلَوْ صَبَرْتُمْ عَلَى الأذى وَتَحَمَّلْتُمْ الْمَؤُونَةَ في ذاتِ اللهِ كانَتْ أُمُورُ اللهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ، وَلكِنَّكُمْ مَكَّنْتُمْ الظَّلمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ، وَأسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللهِ في أَيْديهم يَعْمَلُونَ بِالشُّبَهاتِ، وَيَسيرُونَ في الشَّهَواتِ، سَلَّطَهُمْ عَلى ذلِكَ فِرارَكُمْ مِنَ الْمَوْتِ وَإعْجابُكُمْ بِالحَياةِ الّتِي هِيَ مُفارِقَتُكُمْ، فَأَسْلَمْتُمُ الضُّعَفاءَ في أَيْديهمْ، فَمِنْ بَيْنِ مُسْتَعْبَدٍ مَقْهُورٍ وَبَيْنَ مُسْتَضْعَفٍ على مَعيشَتِهِ مَغْلُوبٌ، يَتَقَلَّبُون فِي الْمُلْكِ بِآرائِهِمْ وَيَسْتَشْعِرُونَ الْخِزْيَ بِأهْوائِهِمْ، اِقْتِداءً بِالأشْرارِ، وَجُرْأَةً عَلَى الْجَبّارِ، في كُلِّ بَلَدِ مِنْهُمْ عَلى مِنْبَرِهِ خَطيبٌ يَصْقَعُ، فَالأرْضُ لَهُمْ شاغِرَةٌ وَأيْديهِمْ فيها مَبْسُوطَةٌ، وَالنّاسُ لَهُمْ خَوَلٌ لا يَدْفَعُونَ يَدَ لامِسٍ، فَمِنْ بَيْنِ جَبّار عَنيدٍ، وَذي سَطْوَةٍ عَلَى الضَّعَفَةِ شَديدٍ، مُطاعٍ لا يَعْرِفُ الْمُبْدِى وَالْمُعِيدَ، فَيا عَجَباً وَمالي لا أعْجَبُ !! وَالأَرْضُ مِنْ غاشٍّ غَشُومٍ ومُتَصَدِّقٍ ظَلُومٍ، وَعامِلٍ عَلَى الْمُؤْمِنينَ بِهِمْ غَيْرِ رَحيمٍ، فَاللهُ الْحاكِمُ في ما فِيهِ تَنازَعْنا، وَالْقاضِي بِحُكْمِهِ فيما شَجَرَ بَيْننا.

اللّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلْطانٍ، وَلا الْتِماساً مِنْ فُضُولِ الْحُطامِ، وَلكِنْ لِنَرَىَ الْمَعالِمَ مِنْ دينِكَ، وَنُظْهِرَ الإصْلاحَ في بِلادِكَ ،

٩٤

وَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبادكَ، وَيُعْمَلَ بِفَرائِضِكَ وَسُنَّتِكَ وَأَحْكامِكَ، فَإِنَّكُم إلاَّ تَنْصُرُونا وَتَنْصِفُونا قَوَى الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ، وَعَمِلُوا في إطْفاء نُورِ نَبيِّكُمْ، وَحَسْبُنا اللهُ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا وَإلَيْهِ أَنَبْنا وَإِلَيْه الْمَصيرُ )(١) .

وهذه الأحاديث كثيرة، وهي صريحة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد، وإزالة الظلم والظالم بالقوّة، والنهي عن ممالأة الظالم والركون إليه، والأمر بمقاومته ومقارعته بالسيف، وإقامة دولة العدل والحقّ.

وهذه الطائفة من الروايات تطابق الكتاب العزيز، وقد أُمِرْنا أن نعرض الروايات إذا تعارضت، على كتاب الله، فنأخذ بما يوافق كتاب الله، ونذر ما لا يطابقه.

وقد استعرضنا قبل هذا البحث آيات القرآن الكريم، فلا نُعيد.

٢ - تحريم إعانة الحاكم الظالم

وهذه طائفة ثانية من النصوص وردت في تحريم إعانة الحاكم الظالم، ولو بقدر مَدَّة قلم، أو تحضير دواة، وتغليظ الإنكار على ذلك، والتحذير منه، وهذه الروايات كثيرة، وواردة من طريق الشيعة وأهل السنَّة، وهي مؤكِّدة لحرمة الركون إلى الظالمين التي قرَّرها الكتاب العزيز.

ولدى التعارض بينها وبين الروايات المتقدِّمة في السكوت عن الظالمين، وقبول ولايتهم وسيادتهم وتحريم الخروج عليهم؛ فإنَّ المرجع هو القرآن، ولا شكَّ في أنَّ القرآن يحذِّر من الركون إلى الظالمين أشدَّ التحذير، وها نحن نذكر طائفة من هذه الروايات :

____________________

(١) ابن شعبة الحرَّاني، تحف العقول، ص١٦٨، بحار الأنوار، ج١٠٠، ص٧٩.

٩٥

- روى الترمذي في الفتن، عن كعب بن عجره عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :

( سيكون بعدي أُمراء، فمَن دخل عليهم فصدَّقهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس منِّي، ولست منه، وليس وارد عليَّ الحوض )(١) .

وفي مسند أحمد بن جابر بن عبد الله الأنصاري أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لكعب بن عجرة : ( أعاذك الله من إمارة السفهاء )، قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : ( أُمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، فمَن صدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منِّي، ولست منهم، ولا يردون عليَّ الحوض، ومَن لم يصدِّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك منِّي وأنا منهم وسيردون عليَّ الحوض )(٢) .

- محمد بن يعقوب، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسينعليه‌السلام في حديث قال : ( إيَّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين )(٣) .

- عن طلحه بن زيد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ( العامل بالظلم والمُعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم )(٤) .

- عن محمد بن عذافر، عن أبيه قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( يا عذافر، نُبِّئت أنَّك تُعامل أبا أيوب والربيع، فما حالك إذا نودي بك في

____________________

(١) سنن الترمذي، ج٣، ص٣٥٨ الباب ٦٢ من أبواب الفتن الحديث ٢٣٦٠.

(٢) مسند أحمد، ج٣، ص٣٢١.

(٣) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج١٢، ص١٢٨.

(٤) المصدر نفسه، ج١٢، ص١٢٨.

٩٦

أعوان الظلمة ؟ )، قال : فوجم أبي، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام لما رأى ما أصابه : ( أي عذافر، إنَّما خوَّفتك بما خوَّفني الله عزّ وجل به )، قال محمد : فقدم أبي فما زال مغموماً مكروباً حتى مات(١) .

- عن حريز قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : ( اتَّقوا الله ! وصونوا دينكم بالورع، وقوُّوه بالتقيَّة والاستغناء بالله عزّ وجل عن طلب الحوائج إلى صاحب سلطان، إنّه مَن خضع لصاحب سلطان ولمَن يخالفه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه، أهمله الله عزّ وجل ومقَّته عليه، وَوكله إليه، فإن هو غلب على شيء من دنياه فصار إليه منه شيء، نزع الله جل اسمه البركة منه، ولم يأجره على شيء منه ينفقه في حج ولا عتق ولا برّ )(٢) .

- عن أبي بصير، قال : سألت أبا جعفر عن أعمالهم فقال لي : ( يا أبا محمّد، لا ولا مَدَّة قلم، إنَّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله، أو حتّى يصيبوا من دينه مثله)(٣) .

- عن أبي يعفور قال : كنت عند أبي عبد الله، إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له : جُعلت فداك، أصلحك الله إنَّه ربَّما أصاب الرجل منَّا الضيق أو الشدَّة فيُدعى إلى البناء يبنيه، فما تقول في ذلك ؟ فقال

____________________

(١) المصدر نفسه، ج١٢، ص١٢٨.

(٢) المصدر نفسه، ج١٢، ص١٢٩.

(٣) المصدر نفسه، ج١٢، ص١٢٩.

٩٧

أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( ما أُحبُّ إنِّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء، وإنَّ لي ما بين لابتيها، لا ولا مدَّة بقلم، إنَّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار، حتّى يحكم الله بين العباد )(١) .

- وعنه عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن جهم بن حميد قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( أما تغشى سلطان هؤلاء ؟ )، قال : قلت : لا. قال : ( ولم ؟ )، قلت : فراراً بديني. قال : ( وعزمت على ذلك ؟ )، قلت : نعم. قال لي : ( الآن سلم لك دينك )(٢) .

- عن يونس بن يعقوب قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( لا تعنهم على بناء مسجد )(٣) .

- وعن صفوان بن مهران الجمال، قال : دخلت على أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام ، فقال لي : ( يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل خلا شيئاً واحداً )، قلت : جعلت فداك، أيُّ شيء ؟ قال : ( كراؤك جمالك من هذا الرجل )، يعني هارون، قال : والله، ما أكريته أشراً، ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق، يعني طريق مكة ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني. فقال لي : ( يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم ؟ )، قلت : نعم جعلت فداك، قال : ( أُتحبُّ بقاءهم حتى

____________________

(١) المصدر نفسه، ج١٢، ص١٢٩.

(٢) المصدر نفسه، ج١٢، ص١٢٩.

(٣) المصدر نفسه، ج١٢، ص١٢٩.

٩٨

يخرج كراؤك ؟ ) قلت : نعم. قال : ( مَن أحبَّ بقاءهم فهو منهم، ومَن كان منهم كان ورده النار )، قال صفوان : فذهبت فبعت جمالي عن أخرها، فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني، فقال لي : يا صفوان، بلغني أنَّك بعت جمالك ! قلت : نعم، قال : ولِمَ ؟ قلت : أنا شيخ كبير، وإنَّ الغلمان لا يفون بالأعمال. فقال : هيهات هيهات، إنِّي لأعلم مَن أشار عليك بهذا ! أشار عليك بهذا موسى بن جعفر ! قلت : مالي ولموسى بن جعفر ؟! فقال : دعْ عنك هذا، فوالله، لولا حُسن صحبتك لقتلتك(١) .

- وفي ( عقاب الأعمال )، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائهعليهم‌السلام قال، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ أين أعوان الظلمة، ومَن لاق لهم دواة أو ربط كيساً، أو مدَّ لهم مدّة قلم ؟ فاحشروهم معهم )(٢) .

- وروى ابن حجر في ( الزواجر ) باب ظلم السلاطين والأمراء والقضاة : جاء خيّاط إلى سفيان الثوري، فقال : إنّي أُخيط ثياب السلطان، أفتراني من أعوان الظلمة ؟ فقال له سفيان : أنت من الظلمة أنفسهم، ولكنَّ أعوان الظلمة مَن يبيع منك الإبرة والخيوط(٣) .

____________________

(١) وسائل الشيعة، ج١٢، ص١٣١ - ١٣٢.

(٢) وسائل الشيعة، ج١٢، ص١٣٠.

(٣) ابن حجر العسقلاني، الزواجر، ج١، ص١٣.

٩٩

وهذه الروايات كثيرة من طريق الفريقين، وإنْ كانت واردة في تحريم إعانة الظالم والتحذير عنه، حتّى لو كان بقدر مدَّة قلم، وتغليظ الإنكار على ذلك، إلاَّ أنَّ التأمّل في هذه الروايات يُفضي إلى القول بحرمة الركون للظالم والرضوخ له، والنهي عن قبول سيادته وسلطانه والاعتراف به، والنهي عن الانضواء تحت لوائه في الحرب والسلم، ولا نحتاج إلى تأمّل كثير لنخرج بهذه النتائج من التأمّل في أمثال هذه الروايات.

٣ - الإجماع ومناقشته :

يذهب أصحاب هذا الرأي، إلى أنَّ مسألة الرضوخ والانقياد للحاكم الظالم في غير معصية الله ممَّا تسالم عليه الفقهاء، وأجمعوا عليه من غير خلاف. وقد سمعنا من قبل بعض كلمات هؤلاء.

يقول النووي - في شرحه على صحيح مسلم - في التعقيب على رواية عبادة بن الصامت، التي مرَّت علينا من قبل : ومعنى الحديث : لا تُنازعوا ولاة الأُمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلاّ أن تروا منهم منكراً محقَّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحقّ حيث ما كنتم. وأمّا الخروج عليهم وقتالهم، فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين. وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنَّة لا ينعزل السلطان بالفسق. وأمّا الوجه

١٠٠