الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ0%

الشيعة في التاريخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 216

الشيعة في التاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد حسين الزين
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 62040
تحميل: 6982

توضيحات:

الشيعة في التاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62040 / تحميل: 6982
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ذئاب الاستعمار اليوم مع العرب، وخصوصاً في فلسطين المجاهدة المكلومة.

قتل المنصور (محمدَ بن عبد الله الحسني الذي غضب لمـَّا حبس المنصور ١١ رجلاً من بني الحسن في سجن ضيق حتّى ماتوا جميعاً، وقام في المدينة ضدَّ المنصور، وكذلك قام أخوه إبراهيم بن عبد الله بالبصرة، فقتل)(١) .

وقد كان المنصور (بايع محمد بن عبد الله الحسني بالخلافة مرَّتين، وكذلك بايعه إبراهيم الإِمام وأبو العبَّاس السفَّاح. إِحداهما بالمدينة، والأخرى بمكَّة في المسجد الحرام. فلمَّا خرج محمد من المسجد أَمسك له المنصور بركاب دابته، وقال له: أَمَا إنَّه إِنْ أفضى إليك هذا الأمر، نسيت لي هذا الموقف ولم تعرفه لي)(٢) . ولكن التقادير قد عاكست محمداً، وأفضت بذلك الأمر إلى المنصور الذي نسي أو تناسى ما كان في عنقه من البيعة الثنائية إلى محمد هذا. وبعبارة أخرى، راح ينكث بيعته لمحمد، ويتعمَّد قتله وقتل بقية الحسنيِّين بأنواع القتل الفظيع.

يقول ابن الأثير: (لمَّا أُتي ببني الحسن، نظر المنصور إلى محمد بن إبراهيم بن الحسن، فقال: أنت الديباج الأصفر؟ قال: نعم. قال: أمَا والله، لأقتلنك قتلة ما قتلتها أَحداً من أهل بيتك، ثُمَّ أمر به، فبني عليه إسطوانة وهو حيٌّ، فمات فيها)(٣) .

وهكذا كان مَن تخلَّف بعد المنصور؛ فإنَّهم تفنَّنوا بالوقيعة والقتل لأبناء عمِّهم العلويِّين، فدسُّوا السمَّ للإمام الرضا وأَبيه وابنه الجواد - على قولٍ، في حين أنّ الذي سمَّ الرضا كان يُحبُّ العلويِّين كثيراً ويكرمهم، وقد يكون صادقاً في حبِّه إِلاّ أنّ حبَّ المـَلك - الذي قتل في سبيله أخاه - قد غلب على ذلك الحب، وأزاله من قلبه.

وقتلوا أَيضاً الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن السبط في (فخ) بين مكَّة والطائف. (ظهر الحسين هذا سنة ١٦٩ هـ بمدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان معه جماعة من الطالبيّين، وأشتدَّ أمره وجرى بينه وبين عامل موسى الهادي العبّاسي على المدينة

____________________

(١) الصيرفي، منقريوش، تاريخ دول الإسلام، ج١، ص٨٠.

(٢) مقاتل الطالبيِّين، ص١٤٣، و١٤٥، و٢٠٣.

(٣) إِبن الأثير، ج٥، ص١٩٥، والمقاتل الطالبيِّين، ص١٤٠.

١٦١

قتالٌ عظيم، فانهزم العامل، وبايع الناس الحسين على كتاب الله وسنة رسوله للمرتضى من آل محمد. وأقام الحسين بالمدينة يتجهَّز، فجاء جماعة من العبَّاسيِّين والقوَّاد إِلى الحج، وحاربوه يوم التروية، فقتلوه وأصحابه المخلصين، وفرَّ الباقون، وكان مقتلهم بموضع يقال له: (وج). وفي ذلك يقول بعضهم:

تُركوا بوجٍّ غدوة

في غير منزلة الوطن

ولقد أرسل موسى بن عيسى العبَّاسي رجلا إِلى عسكر الحسين هذا؛ حتّى يراه ويخبره عنه، فمضى الرجل وتعرَّف عسكر الحسين، فرجع، وقال لموسى بن عيسى: ما أظنُّ القوم إِلاَّ منصورين، فقال: وكيف ذاك يا ابن الفاعلة؟ قال الرجل: لأنِّي ما رأيت فيهم إِلاّ مصلِّياً أو مبتهلاً أو ناظراً في مصحف أو مُعدَّاً للسلاح. فضرب موسى يداً على يد وبكى، ثُمَّ قال: هم والله أكرم خلق الله، وأحقُّ بما في أيدينا منَّا، ولكن الملك عقيم، لو أنَّ صاحب هذا القبر (يعني النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم) نازعنا الملك، ضربنا خيشومه بالسيف)(١) .

وقتلوا يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن السبط، وأخاه إِدريس الذي فرَّ بعد مقتل أخيه إِلى بلاد فاس وطنجة، فأرسلوا إليه مَن سمَّه(٢) .

(ظهر يحيى المذكور بالديلم سنة ١٧٦ هـ واشتدَّت شوكته فيها، فجهَّز الرشيد إليه الفضل بن يحيى البرمكي، فخدعه بالأمان. ولمَّا وصل يحيى إِلى بغداد، أخذ الرشيد صكَّ الأمان من يحيى ومزَّقه، ثُمَّ حبس يحيى في حبس مظلم ضيق، وكان يخرجه كلِّ يوم ويضربه مائة سوط، وينقص مِن طعامه وشرابه حتّى مات، وقيل: أنَّه دسَّ إِليه في الليل مَن خنقه، وقيل: أنَّه سقاه سمَّاً،

____________________

(١) تاريخ أبي الفداء، ج٢، ص١١، ومقاتل الطالبيِّين، ص٣٠٣.

(٢) بلغ الرشيد خبر إتِّباع البربر لإِدريس هذا، فغمَّه، وشكى ذلك إِلى يحيى بن خالد البرمكي، فقال يحيى: أنا أكفيك أمره، فحمل سليمان بن جرير - أحد متكلمي الزيدية

البترية - على سمِّه، ووعده بكلِّ ما أحبَّ على أن يحتال لإِدريس، فيقتله. فذهب سليمان واحتال عليه وسمَّه. انظر ذلك مفصَّلاً: مقاتل الطالبيِّين، ص٣٢٦.

١٦٢

وقيل: أنّه أجاع السباع، ثُمَّ ألقاه إِليها، فأكلته. ولقد ظهرت ليحيى مكرمة عظيمة أَمام الرشيد حينما تناظر يحيى مع عبد الله بن مصعب الزبيري وحلفه يحيى يميناً عظيمة، فما برح الزبيري من موضعه حتّى أصابه الجذام؛ فتقطَّع ومات. ولمَّا وضعوه في قبره، انخسف وخرجت منه غبرة عظيمة، فصاح الفضل بن الربيع: التراب، التراب. فجعلوا يطرحونه على القبر وهو يهوي، فدعا بأحمال الشوك فطرحوها فهوت. فأمر أن يُسقف القبر بالخشب ومضى منكسراً)(١) .

وقتلوا غير هؤلاء من آل أبي طالب، وطاردوهم في البلدان حتّى أنّ ابن المعتز العبَّاسي (كان يقول: إِنْ ولاَّني الله، لأفنينَّ جميع آل أبي طالب. فبلغ ذلك وِلْد عليّ، فكانوا يدعون عليه)(٢) .

وكان أشدَّ العبَّاسيِّين عداوة - بعد المنصور والرشيد - المتوكِّل؛ (فإِنّه أمر سنة ٢٣٦ هـ بهدم قبر الحسين بن عليّ(رض) وهدم ما حوله من المنازل، ومنع الناس من إِتيانه. وكان المتوكِّل شديد البغض لعليِّ بن أبي طالب ولأهل بيته. وكان من جملة ندمائه عبادة

المخنث؛ كان يشدُّ على بطنه مخدة ويكشف رأسه - وهو أصلع - ويرقص، ويقول: قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين (يعني: عليَّاً)، والمتوكِّل يشرب ويضحك. وفعل ذلك يوماً بحضرة المنتصر، فقال له: يا أمير المؤمنين، إِنَّ عليَّاً ابن عمِّك، فكلْ أنت لحمه إذا شئت، ولا تُخلِ هذا الكلب وأمثاله يطمع فيه. فقال المتوكِّل للمغنين: غنُّوا:

غار الفتى لابن عمه

رأس الفتى في حَرِ أمه

وكان يجالس مَن اشتهر ببغض عليّ؛ مثل: ابن الجهم الشاعر، وأبي السمط من ولد مروان بن أبي حفصة)(٣) .

(ولمـَّا هدم المتوكِّل قبر الحسين(رض)، قال الشاعر المعروف بالبسَّامي:

____________________

(١) مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج، ص٣١٨؛ ( بتلخيص).

(٢) تاريخ أبي الفداء، ج٢، ص٢٩.

(٣) تاريخ أبي الفداء، ج٢، ص٣٨؛ (بتلخيص).

١٦٣

تاالله إِنْ كانت أُميَّة قد أتت

قتل ابن بنت نبيِّها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما(١)

ولولا نُصب المتوكِّل، لَمَا (سَلَّ لسان الإِمام في اللغة ابن السكِّيت من قفاه حتّى مات من ساعته؛ لأنَّه غضَّ من ابني المتوكِّل وذكر الحسنين بما هما أهله)(٢) . وقد بلغ النصب بالمتوكِّل إِلى أنْ (كتب سنة ٢٣٦ هـ إِلى مصر: بإِخراج آل أبي طالب منها. فأُخرجوا وقدموا العراق، فاخرجوا منها إِلى المدينة. ولمـَّا مات المتوكِّل، قام من بعده ابنه محمد المستنصر(٣) ، فكتب إِلى مصر: بأن لا يقبل علوي ضيعة ولا يركب فرساً، وأنْ يمنعوا من اتخاذ العبيد. ومَن كان بينه وبين أحد من الطالبيِّين خصومة، قُبِل قول خصمه من سائر الناس فيه، ولم يُطالب ببيِّنة. وكتب إِلى العمال بذلك)(٤) .

وأنت تعلم أَنَّ الضغط كثيراً ما يُولد الانفجار، ويوجب كراهية عيش الذلَّة، ويُحبب الموت تحت ظلال الأسنَّة. فمن الطبيعي آنئذ أن ينهض الشيعة وأن ينفجر بركان غيظهم المختبئ في الصدور. ومن الطبيعي أَيضاً أن يبالغ العبَّاسيُّون في مطاردتهم وترويع أئمَّتهم الأَطهار؛ ولو كانوا في عزلة عن الخلق مُتَّجهين نحو عبادة الخالق ومناجاته عزَّ اسمه.

(وجَّه المتوكِّل إِلى عليّ الهادي بعدَّة من الأتراك ليلاً، فهجموا عليه في منزله على غفلة، فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر وعلى رأسه ملحفة من صوف، وهو مستقبل القبلة يترنَّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد،

____________________

(١) تاريخ أبي الفداء، ج٢، ص٦٨.

(٢) وفيَّات الأعيان، ج٢، ص٣١٠، وتاريخ أبي الفداء، ج٢، ص٤٠.

(٣) الموجود في التاريخ أنَّ الذي قام بعد المتوكِّل هو إبنه المسمَّى بالمنتصر، لا المستنصر، وهو - كما مرَّ في معارضته لأبيه في استماع قول عبادة الأثيم - من محبِّي سيِّد الطالبيِّين عليّ(ع)، فما السرُّ في كتابته هذه إِلى مصر بشأن الطالبيِّين؛ هل هو قيامه مقام أبيه أم غيره؟ الله أعلم.

(٤) خطط المقريزي، ج٤، ص١٥٣.

١٦٤

ليس بينه وبين الأرض بساط إِلا ّالرمل والحصى.

فأخذ على الصورة التي وُجد عليها في جوف الليل، فمثل بين يدي المتوكِّل؛ والمتوكِّل يستعمل الشراب وفي يده كأس. فلمَّا رآه، أعظمه وأجلسه إِلى جانبه، ولم يكن في منزله شيء ممَّا قيل للمتوكِّل عنه، ولا حجَّة يتعلَّل عليه بها، فناوله المتوكِّل الكأس، فقال: ياأمير المؤمنين: ما خامر لحمي ودمي قط، فأعفاه منه)(١) .

نعم، كان من الطبيعي أن يبالغ العبَّاسيِّون في ذلك؛ لأنَّ غايتهم الوحيدة، الإِمرة والتربُّع على أسرة المـُلك، وهي - في الغالب - إذا خامرت قلباً نزعت من صاحبه الأناة والرحمة، ولوَّثته بموبقات الأعمال في سبيل الوصول إليها.

ولذا قَتل بعض العبَّاسيِّين في سبيلها أخاه، وبعضٌ عمَّه، وبعض أباه؛ ولذا نقض كثير منهم لأجلها العهود ونكث الأيمان، وقرَّب الفاسق وأبعد الناسك، وأغدق عطاءه لمـَن انتقد في مجلسه زعماء العلويِّين، ولفَّق له الأدلَّة على أنَّ العبَّاس أحقَّ بالخلافة من ابن أخيه عليّ (عليهما السلام)؛ وأنَّها وراثية والعبَّاس أولى بالتراث وأحقَّ به.

ولا أخال أنَّ أحداً من المسلمين يعتقد أنَّ الخلافة وراثية؛ لأنَّهم على الغالب بين قائل: إِنَّها لا تكون إِلا بالنصِّ والأفضلية. وقائل: إنَّها تكون بالانتخاب والاختيار من الأمَّة، أو مِن خليفة لآخر، أو من خمسة من أهل الحلِّ والعقد. لكن للشعراء الأقدمين مذاهب طريفة وطرقاً خاصَّة في الكذب والتزلُّف، كانوا يسلكونها للتوصُّل إِلى مجالس الأمراء والارتزاق منهم ومن ولاتهم.

وإِليك هذه القصِّة عن أبان بن عبد الحميد، فإِنَّها تُطلعك على طرق أُولئكم الشعراء وعلى نفوسهم الواطئة الأمَّارة بالسوء وعلى رخص الضمير والوجدان، وتريك كرم الرشيد في سبيل الدعاية ضدَّ أَهل البيت العلوي، وتبرهن

____________________

(١) وفيَّات الأعيان، ج١، ص٣٢٢، وتاريخ أبي الفداء، ج٢، ص٤٤.

١٦٥

لك على نُصب بعض البرامكة الذين يعدُّهم البعض من الكتَّاب والمؤرِِّخين في زمرة الشيعة الموالين لآل علي(ع).

قال أبو بكر الصولي: (عاتب أبانُ البرامكة في إِعطاء الرشيد الأموال للشعراء وفقره مع خدمته لهم وموضعه منهم، فقال له الفضل: إِن سلكت مذهب مروان ابن أبي حفصة (وكان من مذهبه هجاء آل أبي طالب وذمِّهم) أوصلتَ شعرك وبلَّغتك إِرادتك. قال أبان: والله، ما استحل ذلك. فقال له الفضل: كلُّنا يفعل ما لا يحلُّ له، ولك بنا وبسائر الناس أسوة. فقال أبان:

نشدتُ بحقِّ الله مَن كان مسلماً

أَعُمُّ بما قد قلته العجم والعرب

أعَمُّ نبيِّ الله أقرب زلفة

إِليه أم ابن العمِّ في رتبة النسب؟

وأيُّهما أولى به وبعهده

ومَن ذا له حقُّ التراث بما وجب؟

فإن كان عبَّاس أحقُّ بتلكمُ

وكان عليٌّ بعد ذاك على سبب

فأبناء عبَّاس هُمُ يرثونه

كما العمُّ لابن العمِّ في الإرث قد حجب

... إِلى آخر الأبيات، ثُمَّ جاء بها إِلى الفضل، وقال له: قد اقترحت، فوفِّر عليَّ الجاري. فقال الفضل: ما بقيت. وما يرد على أمير المؤمنين اليوم شيء أعجب إليه من أبيانك. فركب أبان وأنشدها الرشيد، فأمر له بعشرين ألف درهم. وأتصل به بعدها(١) .

____________________

(١) الأوراق، ص١٤. وذكر ذلك أيضاً أبو الفرج، الأغاني، ج٢٠، ص٧٥.

١٦٦

الفصل الخامس(* )

براءة الشيعة من الغلو والغلاة

١ - معنى الغلو وتاريخه. ٢ - بعض أقوال الغلاة. ٣ - كلمات أئمَّة الشيعة في البراءة من الغلاة. ٤ - السرُّ في في عدِّ هذه الفِرق الغالية من الشيعة. ٥ - القرامطة، وموجز تاريخهم. ٦ - كلمة في الإسماعيلية والغاية من الطعن في الفاطميِّين ونسبهم.

١ - معنى الغلو وتاريخه:

(قال الله سبحانه وتعالى:(لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ) .

قالوا في تفسيره: أي لا تجاوزوا الحدَّ؛ بأن ترفعوا عيسى إِلى أن تدَّعوا له الإِلهية. يقال: غلا في الدين غلواً، من باب قعد؛ تصلّب وتشدَّد حتَّى تجاوز الحدَّ والمقدار (...).

وفي الحديث:((كونوا النمرقة الوسطى؛ يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي)) . فالغالي: مَن يقول في أهل البيت ما لا يقولون في أنفسهم؛ كمن يدَّعي فيهم النبوة والإِلهية. والتالي: المرتاد؛ يريد الخير ليبلغه ويؤجر عليه.

وفيه:((إنَّ فينا أهل البيت، في كلِّ خلف، عدولاً ينفون عنَّا تحريف الغالين)) أي الذين لهم غلوٌ في الدين)(١) .

وقد تكرَّر في الفصول السابقة أنَّ عقيدة التشُّيع التي غرسها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حقل الإسلام الخصيب، وتعهَّدها في حياته الثمينة حتّى نمت وتدَّين بها رهط من أجلِّة الصحابة على ما حدَّدها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ من الموالاة لأخيه عليّ(ع) والتمسُّك بالثقلين؛ الكتاب والعترة، وما شاكل ذلك.

وبقيت على صبغتها وحدِّها الذي وضعت فيه، لا تتعدَّاه ولا تتجاوزه أبداً، إِلى أن تولَّى أمير المؤمنين منصب الإمامة، فظهر في أيَّامه قومٌ أرادوا إِخراجها من قالب

____________________

(*) نُشر بعضه في: مجلَّة (الحضارة) النجفية الغرَّاء، مجلَّد ١.

(١) مجمع البحرين في اللُّغة، ص٦٣؛ [بتلخيص].

١٦٧

(الموالاة والتمسُّك) إِلى قالب التأليه لعليّ(ع) (ولمَّا بلغه عنهم ذلك، أنكره أشدَّ الإنكار، وحرق بالنار جماعة ممَّن غلا فيه)(*) .

والظاهر أنَّ عبد الله بن سبأ لم يكن وقتئذ على هذه المقالة الغالية، ولا شمله الإِحراق، وهذا ما يراه ابن أبي الحديد بقوله: (استترت هذه المقالة سنة أو نحوها، ثُمَّ ظهر عبد الله بن سبأ(...) بعد وفاة على أمير المؤمنين(ع)، فأظهرها، وأتَّبعه قوم فسُموا: السبئيَّة)(١) .

ويوافقه الشهرستاني بقوله: (وإِنَّما أظهر ابن سبأ هذه المقالة بعد انتقال

عليّ عليه السلام)(٢) . ولكن الاسترآبادي يخالفهما بما رواه من: (أنّ عبد الله بن سبأ كان يدَّعي النبوة ويزعم أنَّ أمير المؤمنين(ع) هو الله تعالى، فبلغ أمير المؤمنين ذلك، فدعاه، وسأله فأقر، وقال: نعم، أنت هو. فقال له أمير المؤمنين: (قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا وتب، ثكلتك أمَّك. فأبى، فحبسه ثلاثة أيَّام، فلم يتب، فأحرقه بالنار)(٣) . ولا يبعد أن يكون الأرجح ما قاله ابن أبي الحديد: من أن ابن سبأ لم يشمله الإِحراق، وأنّه أظهر تلك المقالة بعد وفاة أمير المؤمنين(ع). ووافقه الشهرستاني على ذلك، وإن قال قبله: (إنَّ ابن سبأ قال لعليّ(عليه السلام): أنت أنت؛ يعني أنت الإِله. فنفاه إِلى المدائن)(٤) ولا يُنافي هذا القول قوله الأخر؛ إِذ من المحتمل قريباً أَن يكون ابن سبأ قد قال لعلي: (أنت أنت)، لكنَّه قد أخفاه في حياة عليّ(ع) أيّام منفاه وبعدها إِلى أن تُوفّي عليّ(ع)، فأظهره بعد ذلك بسنة أَو بأقل.

وعلى كلِّ حال... فإِنَّ الرجل؛ أي ابن سبأ، كان في عالم الوجود وأظهر الغلو، وإِنْ شكَّ بعضهم في وجوده وجعله شخصاً خياليَّاً شخصته الأغراض الشخصية. أمّا نحن - بحسب الاستقراء الأخير - فلا نشكُّ بوجوده وغلوِّه،

____________________

(١) شرح النهج، مجلَّد ٢، ص٣٠٩.

(٢) المِلل، مجلّد ١، ص١٠١.

(٣) منهج المقال، ص٢٠٣.

(٤) المِلل، مجلَّد ١، ص.

(*) [المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج٢، ٣٥٠].

١٦٨

وإنَّما نشكُّ شكَّاً قويَّاً في تصوير البعض لهذا الرجل متغلِّباً على أبي ذر الغفاري(رض) حتّى قوَّله بالإشتراكية الجائرة ( ومسيطراً على عمَّار بن ياسر ورهط كبير من دهاة الصحابة (رضي الله عنهم) حتّى حملهم على خذلان عثمان(رض) والطعن عليه).

وبعبارة ثانية؛ جعلوا له قوَّة في البيان الساحر الجذَّاب فوق كلِّ قوَّة حتّى أنَّه استطاع بتلك القوَّة أن يتغلَّب على إرادة (آلهة عليّ؟) ويمنعه من قبول الصلح يوم الجمل(١) .

نعم، غلا ابن سبأ في دينه وتسرَّبت بدعته هذه إلى أفكار جماعة غير قليلة قد سُمِّيت

باسمه، وأخذت بعد ذلك بالتطوُّر السريع حتّى تجاوزت عن القول بإلهيَّة فرد من المخلوقين إلى القول بإِلهيَّة اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو أكثر من أهل

البيت (عليهم السلام)، كما تجاوزت إلى القول بإِلهية غيرهم من الناس: فالراوندية ألَّهوا المنصور العبَّاسي، والبنانية ألَّهوا بنان بن سمعان، والرزامية ألَّهوا أبا مسلم الخراساني.

وكما كان الغلو في القول بإِلهية جماعة من المخلوقين كان في القول بنبوَّة جماعة منهم بعد خاتم الأنبياء محمد (صلَّّّى الله عليه وآله وسلّم). فالخابية زعموا أنَّهم كلُّهم أنبياء، وكذلك المنصورية كما سترى بيانه. وقد حكم المقريزي: (بأنَّ الغالية ليسوا بمسلمين، ولكنَّهم أهل ردَّة وشرك)(٢) ، ومع ذلك عدَّهم في عداد الشيعة. وهكذا فعل الشهرستاني، كما سترى قريياً، وهكذا فعل ابن خلدون، رغم قوله: (وقد كفانا مؤنة الغلاة أئمَّةُ الشيعة؛ فإنَّهم لا يقولون بها ويبطلون احتجاجاتهم عليها)(٣) .

____________________

(١) انظر: تاريخ ابن خلدون، مجلَّد ٢، ومحاضرات الخضري المصري، وفجر الإِسلام، وخطط المقريزي، مجلَّد ٤، تجد كلَّ هذه الأعمال العظيمة منسوبة إلى هذا الرجل الحقير.

(٢) الخطط، مجلَّد ٤، ص١٦٤.

(٣) المقدِّمة، ص١٣٩.

١٦٩

ولا غرابة من هؤلاء الأعلام إِذا قالوا ذلك في تلك العصور السالفة التي كانت تنوء بالتعصُّبات المذهبية والنعرات الطائفية، ولكن من الغرابة جدَّاً أن يقوم رحَّالة من بلاد مصر المثقَّفة، ويقتفي (في قرن العشرين؛ الموصوف بالابتعاد عن التعصُّب، وبالتحرِّي للحقيقة؟) أثر السابقين من مؤلِّفي تلك العصور الوسطى، ويضرب على وترهم المعروف، فيقول في كلامه عن النجف الأشرف وأهلها الحاليِّين: (ومن فِرق الشيعة من يقول بأن الصحابة كلُّهم كفروا بعد موت النبيِّ؛ إِذ جحدوا إِمامة علي، وأنَّ عليَّاً نفسه كفر لتنازله لأبي بكر، لكنَّه عادله إِيمانه لمـَّا تولَّى الإِمامة؛ وهذه الإِمامية(١) . ومن الشيعة قسم أوجب النبوَّة لعليّ بعد النبي؛ فقالوا: إِنَّ الشبه بين محمد وعليّ كان قريباً لدرجة أنَّ جبريل أخطأَ، وتلك فئة الغالية أو الغلاة. ومنهم من قال بأن جبريل تعمَّد ذلك، فهو إذن ملعون كافر.

ومن الشيعة طائفة الاثني عشرية الذين يُقدِّسون الأئمَّة الاثني عشر(٢) . ومنهم: الإسماعيلية والباطنية الذين مرَّ عليهم الكلام في الشام. ثُمَّ القرامطة الذين تقوُّوا حول الخليج الفارسي، ويعرف عنهم الإباحة في النساء، وقد أحلُّوا أنفسهم من كلِّ عبادة.. وكانوا ممَّن يعملون على هدم الإسلام.

وفي مصر قام الحاكم بأمر الله بعد المعزِّ(٣) ينشر مذهب الشيعة ويدرِّسها في دار الحكمة. وكان أساسها أنَّ الشرائع خاضعة للعقل والعلم، وأنَّ الأنبياء رجال عاديُّون وغاية ما في الأمر أنَّهم فلاسفة، وقد ألَّهه الدروز، وقالوا بأنَّه رفع

____________________

(١) هذه الفِرقة من الغلاة، لا من الإِمامية، وقد عدَّهم الشهرستاني في الغلاة وأسماهم: الكاملية، كما سترى قريباً.

(٢) كان عليه - وهو في صدد الكلام عن النجف - أن ينبِّه على أنَّ النجفيِّين هم من هذه الطائفة، وعلى أنَّ النجف هي العاصمة الدينية (من عدَّة قرون) للاثني عشرية في جميع الأقطار الإِسلامية، وأن يشير إلى مشهوري علمائها ومجتهديها وأدبائها، ويذكر ما امتازت به من الصنائع وتفرَّدت به من الاجتهاد بالفقه الإسلامي وأصوله.

(٣) الذي قام بعد المعزِّ هو العزيز إِبنه، وبعده قام الحاكم، لا بعد المعزِّ.

١٧٠

إِلى السماء وسيعود لتطهير الأرض كما أسلفنا. ويرى جميع(١) الشيعة أنَّ الإِمامة ليست مصلحة عامَّة تناط باختيار الناس)(٢) انتهى.

هذه خلاصة ما نسبه رحَّالة مصر إِلى الشيعة.

نحن لا نريد أن نقنع بقول: إِنَّه أخطأ وخبط خبط عشواء، ولا أن ندع الحقيقة مغطَّاة بما حيك حولها من زخرف القول وأضاليل الكلام؛ لأنَّ مثل هذا العمل لا يقع في الغالب إِلاَّ من أُولئكم الذين لا تتوفَّر لديهم الأدلَّة ولا يستطيعون قرع الحجَّة بالحجَّة. وإِنَّما نريد أن نبحث في المواضيع المعنونة في صدر هذا الفصل، مستندين في ذلك كلِّه إلى الدليل الصريح، لا إِلى الهوى والغرض والتشهيات النفسية؛ لتظهر لك أيُّها القارئ الكريم الحقيقة بأجلى مظهر، وتحكم (حقَّاً) بخطأ الرحَّالة الذي أساء (بكلامه هذا، وبدسِّه هذه الفِرق الغالية

في الشيعة) إلى الحقِّ والحقيقة، والى الوحدة الإسلامية التي أمست اليوم هدف المصلحين من الطائفتين، وكانت من قبل هدف أجدادنا في عهد الراشدين، فجنوا منها أطيب الأثمار، فما يعيقنا نحن من الوصول إليها في هذا العصر العصيب والاجتناء منها؟ حتّى لا ينطبق علينا قول شاعر العراق:

إِنَّا بما نجني وهم فيما جنوا

بئس البنون ونِعمَّت الأجداد

ولنعد الآن إلى ما نحن بصدده، بادئين بذكر:

٢ - بعض أقوال الغلاة وعقائدهم:

الكامليَّة:

هم أصحاب أبي كامل، كفَّر جميع الصحابة، بتركهم بيعة عليّ(عليه السلام)، وطعن في عليّ أيضاً بتركه طلب حقِّه، ولم يعذره في القعود، وكان يقول بتناسخ الأرواح الإِلهية في

الأئمَّة(٣) .

____________________

(١) لا يرى جميع الشيعة هذا الرأي؛ لانَّ بعض الزيدية؛ كالسليمانية والبترية والصالحية، يوافقون السنَّة في إِناطة الإِمامة باختيار الناس، ويخالفون الشيعة في إِناطة الإِمامة بالنصِّ والأفضليَّة. انظر: مِلل الشهرستاني، ج١، ص٩٠.

(٢) الجولة، ص١٥٠.

(٣) مِلل الشهرستاني، ص١٠١، وخطط المقريزي، ج٤، ص١٧٥.

١٧١

الغرابيَّة:

زعموا أنّ جبريل أَخطأ؛ فإنَّه أُرسل إِلى عليّ، فجاء إِلى محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وجعلوا شعارهم إِذا اجتمعوا أن يقولوا: العنوا صاحب الريش؛ يعنون - لعنهم الله - جبريل (عليه السلام)(١) .

السبئيَّة:

أتباع عبد الله بن سبأ كان من اليهود، يقول في يوشع بن نون مثل قوله ذلك في

عليّ. وزعم أنَّ عليَّاً لم يقتل، وأنَّه حيٌّ لم يمت، وأنَّه في السحاب، والرعد صوته والبرق سوطه، وأنَّه ينزل إلى الأرض بعد حين(٢) . ويقول الشهرستاني: (إِنَّ السبئية أوَّل فِرقة قالت بالغيبة والرجعة، وبتناسخ الروح الإِلهي في الأئمَّة بعد عليّ) إِلى أن قال: (وهذا المعنى ممَّا كان يعرفه الصحابة، وإِن كانوا على خلاف مراده؛ فهذا عمر بن الخطَّاب(رض) كان يقول فيه - أي في عليَّ - حين فقأ عين واحد في الحرم: ماذا أقول في يد الله، فقأت عيناً في حرم الله. فأطلق عمر اسم الإِلهية عليه لمـَّا عرف منه ذلك(٣) .

المـُغيريَّة:

أصحاب المـُغيرة بن سعيد العجلي؛ كان مولى لخالد بن عبد الله القسري وادَّعى الإِمامة لنفسه، وبعد ذلك ادَّعى النبوَّة، وغلا في حقِّ عليٍّ غلواً قبيحاً لا يعتقده عاقل، وزاد على ذلك قوله بالتشبيه. ولمَّا قُتل المـُغيرة (سنة ١١٩ هـ)، اختلف أصحابه؛ فمنهم مَن قال بانتظاره ورجعته، ومنهم مَن قال بانتظار محمد بن عبد الله الخارج بالمدينة(٤) .

المنصوريَّة:

أصحاب أبي منصور العجلي. عزا نفسه إِلى محمد الباقر، فلمَّا تبرَّأ منه الباقر وطرده، زعم أنَّه هو الإِمام ودعا الناس إِلى نفسه. ولمَّا توفّي الباقر، قال: انتقلت إِليه الإِمامة، وتظاهر بذلك.. وزعم العجلي أنَّه هو الكسف الساقط من السماء، وزعم أنَّه عرج إليها ورأى معبوده، فمسح بيده رأسه، وقال له: يا بُني، انزل فبلِّغ عنِّي.

____________________

(١) انظر: خطط المقريزي، ج٤، ص١٧٥.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المِلل، ج١، ص١٠١.

(٤) انظر: المِلل، ج١، ص١٠٢.

١٧٢

وزعم أنَّ الجنَّة رجل أُمرنا بموالاته، والنار رجل أُمرنا بمعاداته، واستعمل أصحابه قتلَ مخالفيهم، وأخذ أموالهم، واستحلال نسائهم؛ وهم صنف من الخُرَّمية(١) .

البنانيّة:

أصحاب بنان بن سمعان؛ وهو من الغلاة القائلين بإِلهيَّة أمير المؤمنين (عليه السلام).. ثُمَّ ادَّعى بنان أنَّه قد انتقل إِليه الجزء الإِلهي بنوع من التناسخ ومع هذا الخزي الفاحش كتب إِلى محمد الباقر ودعاه إِلى نفسه. وفي كتابه: أسلم تسلم، وترتقي إِلى سلم. فأمر الباقر أن يأكل الرسول الكتاب الذي جاء به، فأكله، فمات في الحال. وكان اسمه عمر بن عفيف(٢) .

الخطَّابيَّة:

أصحاب أبي الخطَّاب محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي؛ عزا نفسه إِلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، فلمَّا وقف الصادق على غلوِّه الباطل في حقِّه، تبرَّأ منه ولعنه وخبر أصحابه بالبراءة منه، وشدَّد القول في ذلك، وبالغ في التبرِّي منه واللعن عليه، فلمَّا اعتزل عنه الصادق ادَّعى الأمر لنفسه. زعم أبو الخطَّاب أنَّ الأئمَّة أنبياء، ثُمَّ آلهة. وقال بإِلهيَّة جعفر بن محمد وآبائه؛ وأنَّ الإِلهيَّة نور في النبوَّة، والنبوَّة نور في الإِمامة، ولا يغلو العالم من هذه الأنوار... وقُتل بسبخة الكوفة، ولمَّا قُتل افترقت أصحابه:

فزعمت طائفة: أنَّ الإِمام بعده بزيغ؛ كان يزعم أنَّ في أصحابه مَن هو أفضل من جبريل وميكائيل. وتسمَّى هذه الفرقة البزيغية.

وقالت فِرقة: أنَّ الإِمام بعد أبي الخطَّاب رجل يقال له: مُعمَّر، دانوا به وزعموا أنَّ الدنيا لا تفنى، واستحلُّوا الخمر والزنا وسائر المحرَّمات. وتُسمى هذه الفِرقة معمَّرية.

وأُخرى زعمت: أنَّ الإِمام بعد أبي الخطَّاب عمير بن بنان العجلي، وقالوا كما قالت الثانية إِلاَّ أنَّهم اعترفوا بأنَّهم يموتون. وكانوا قد نصبوا خيمة بكناسة الكوفة يجتمعون فيها على عبادة الصادق، فرفُع أمرهم إِلى يزيد بن عمر بن

____________________

(١) راجع: المِلل، ج١، ص١٠٣، والخطط، مجلَّد ٤، ص١٢٦.

(٢) المصدر نفسه، فراجع.

١٧٣

هبيرة، فأخذ عميراً فصليه بالكناسة. وتُسمَّى هذه الطائفة العجلية.. وقد تبرَّأ من هؤلاء كلِّهم جعفر الصادق ولعنهم(١) .

العليائية:

(أصحاب العلياء بن ذارع الدوسي، وقيل: الأسدي. كان يُفضِّل عليَّاً على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). زعم أنَّه الذي بعث محمداً وسمَّاه إِلهاً. وكان يقول بذم محمد؛ زعم أنَّه ليدعو إِلى عليّ، فدعا لنفسه. وسمَّون هذه الفِرقة الذميمة.

ومنهم مَن قال بإِلهيتهما جميعاً، ومنهم مَن يقول بإِلهيَّة خمسة أشخاص؛ وهم أصحاب الكساء، وقالوا: خمستهم شيء واحد، والروح حلَّت فيهم بالسويَّة، لا فضل لواحد على الآخر. وكرهوا أن يقولوا: فاطمة. فقالوا: فاطم. وفي ذلك يقول شاعرهم:

تولّيت بعد الله في الدين خمسة

نبياً وسبطيه وشيخاً وفاطماً(٢)

النصيرية:

أصحاب محمد بن نصير النميري، أَو الفهري، كان من أصحاب الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا. فلمَّا مات الحسن، ادَّعى وكالةً لابن الحسن الذي تقول الإِمامية بإِمامته، ففضحه الله تعالى بما أظهره من الإلحاد والغلو والقول بتناسخ الأرواح، ثُمَّ ادَّعى أنَّه رسول الله ونبيّ الله، وأنَّه أَرسله محمد بن الرضا، وجحد إِمامة الحسن العسكري وإِمامة ابنه، وادَّعى بعد ذلك الربوبية، وقال: بإِباحة المحارم.

وللغلاة أقوال كثيرة طويلة عريضة(٣) أعرضنا عن ذكرها؛ لأنَّا لسنا بصدد ذلك، وإِنَّما ذكرنا هذه النبذة المختصرة من عقائد تسع فِرق من أكبر فِرق الغلاة؛ لتقابل بما أجملناه في (الفصل الثاني)

____________________

(١) الخطط المقريزية، مجلَّد ٤، ص١٧٤، والمِلل، ج١، ص١٠٣.

(٢) مِلل الشهرستاني، ج١، ص١٠٢، وخطط المقريزي، ج٤، ص١٧٦؛ [بتلخيص وتصرُّف]. ولا يخفى ما في استشهادهما بهذا البيت؛ فإنَّه عكْس مرادهما، لأنَّه يدلَّ بصراحة على أنَّ هؤلاء لا يؤلِّهون أهل الكساء، بل يتولُّونهم بعد الله، وهذا لبُّ الإيمان، وضدِّ الغلو. وحذف التاء من لفظ فاطمة، للترخيم، كثير في كلام العرب.

(٣) شرح النهج، مجلَّد ٢، ص٣١٠.

١٧٤

من عقائد الشيعة، ويُعرف بُعد الشُقَّة، بين عقائد الغلاة وبين عقائد الشيعة، وعدم اجتماعهما في أصل من الأصول، وليُعلم أيضاً ما في نسبة الغلاة إِلى التشيَّع، وما في إِطلاق اسم الشيعة عليهم، من التسامح الفاحش، المقصود وغير المقصود.

وكيف يُعدُّ الغلاة من الشيعة؟ وقد خالفوا أصول المذهب الشيعي الأساسية، وأَنكروا أركانه القويمة حتّى تبرَّأ منهم - لأجله - الشيعة بأمر من أئمَّتهم الأطهار (عليهم السلام). وإليك:

٣ - كلمات أَئمَّة الشيعة في البراءة من الغلو والغلاة:

كان الأئمَّة من أهل البيت(ع) يدأبون في تأديب الشيعة وسائر المسلمين بآداب الإِسلام وتعاليمه، ويحثُّونهم على اتِّباع كتاب الله الكريم وسنَّة نبيِّه العظيم، ويُحذِّرونهم من أهل الزيغ والضلال، ويأمرونهم بالابتعاد عنهم، والتبرِّي منهم. وكان الشيعة يتلقّون تلك الأوامر الشريفة بالقبول والامتثال ويدوِّنونها في كتبهم حتّى تجمَّع لديهم من روايات الجرح والتعديل ما ملأ صفحات الكتب المؤلَّفة في علم الرجال، وقد حوت هذه الكتب طائفة كبيرة من أَقوال الأَئمَّة (عليهم السلام) وأقوال علماء الشيعة الأعلام في البراءة من الغلو والغلاة، ورجالات الغالية بالخصوص، اقتطفنا منها هذه الكلمات الشديدة في؛

البراءة من السبئيَّة:

الذين علمت أنَّهم أوَّل الغلاة بعد أمير المؤمنين (عليه السلام)؛

(روى أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول:((لعن الله عبد الله بن سبأ؛ إِنَّه ادَّعى الربوبية في أمير المؤمنين(ع)، وكان - والله - أمير المؤمنين عبد الله طائعاً. والويل لمـَن كذب علينا، إِنِّي ذكرت عبد الله بن سبأ، فقامت كلُّ شعرة في جسدي، لقد ادَّعى أمراً عظيماً، ماله لعنه الله؟ كان علي - والله - عبد الله صالحاً، ما نال الكرامة من الله إِلاَّ بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)

١٧٥

الكرامة من الله إِلاَّ بطاعته لله)) (١) . واتَّفق علماء الشيعة على أنَّ: (عبد الله بن سبأ؛ بالسين المهملة، غال ملعون)(٢) .

البراءة من المـُغيريَّة والمنصوريَّة والبنانيَّة:

روي عن هشام بن الحكم أنَّه سمع أبا عبد الله الصادق(ع) يقول:((لا تقبلوا علينا حديثاً إِلاّ إذا وافق القرآن والسنَّة وتجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدِّمة. فإِن المـُغيرة بن سعيد - لعنه الله - قد دسَّ في كتب أصحاب أبي أحاديث كثيرة لم يحدِّث بها أبي. فاتقوا الله، ولا تقبلوا ما خالف قول ربِّنا وسنَّة نبيِّنا - صلّى الله عليه وآله وسلّم)) .

وعن هشام أيضاً أنَّه سمع الصادق(ع) يقول:((كان المـُغيرة يتعمَّد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه ويدسُّ فيها الكفر والزندقة، ويسندها إِلى أبي، ثُمَّ يدفعها إِلى أصحابه ويأمرهم أن يبثُّوها في الشيعة. فكل ما كان في كتب أبي من الغلو، فذاك ممَّا دسَّه المغيرة بن سعيد - لعنه الله)) .

وروي عن عبد الرحمن بن كثير أنَّه قال: قال أبو عبد الله(ع) يوماً لأصحابه:((لعن الله المغيرة بن سعيد، لعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلَّم منها السحر والشعبذة والمخاريق. إِنَّ المغيرة كذب على أبي، وإنَّ قوماً كذبوا عليَّ. مالهم أذاقهم الله حرَّ الحديد؟ فوالله، ما نحن إِلاَّ عبيد خلقنا الله واصطفانا، ما نقدر على ضرٍّ ولا نفع إِلاَّ بقدرته. إِن رحمنا فبرحمته، وإِن عذَّبنا فبذنوبنا. لعن الله مَن قال فينا ما لا نقوله في أَنفسنا، ولعن الله مَن أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا وإِليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا)) (٣) .

وعن حصين بن عمرو النخعي، قال:كنت جالساً عند أبي عبد الله(ع)، فقال له رجلٌ: جُعلت فداك، إِنَّ أبا منصور حدَّثني أنَّه رُفع إِلى ربِّه، فمسح

____________________

(١) انظر منهج المقال في الرجال ص٢٠٣ (٢) انظر ص١١٤ من الخلاصة في الرجال للعلامة الحلي وهكذا ذكر النجاشي في رجاله وغيره (٣) راجع المنهج ص٢٤٠ وص٣٥٠.

١٧٦

فمسح على رأسه، وقال له بالفارسيَّة: يا يسر. فقال أَبو عبد الله: حدثني أَبي عن جدِّي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، أنَّه قال: إِنَّ إبليس اتَّخذ عرشاً فيما بين السماء والأرض، فإذا دعا رجلاً إليه فأجابه ووطأ عقبه، تراءى له ورُفِع إليه. وإِنَّ أبا منصور كان رسول إبليس. لعن الله أبا منصور، لعن الله أبا منصور، ثلاثاً)) .

وعن زرارة أنَّه قال: سمعت أبا جعفر الباقر(ع) يقول:((لعن الله بُنان البنان. وإِنَّ بناناً كان يكذب على أبي، وأَشهد أنَّ أبي عليَّ بن الحسين(ع) كان عبداً صالحاً)) . وعن هشام بن الحكم، قال: قال أبو عبد الله(ع):((إِنَّ بناناً والسري وبزيغاً - لعنهم الله - تراءى لهم الشيطان في أَحسن صورة من قرنه إِلى سرَّته، قال: فقلت إِنَّ بناناً يتلو هذه الآية: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) ويقول: إِنَّ إِله الأرض غير إِله السماء. فقال الصادق (ع): والله، ما هو إِلاّ الله وحده لا شريك له، إِله مَن في السموات والأرض. كذب بنان - عليه لعنة الله - لقد صغَّر الله جلَّ جلاله وصغَّر عظمته)) (١) .

البراءة من الخطابية وأشياعهم:

عن أبي عبد الله الصادق(ع) قال:((إِنَّا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذَّاب يكذب علينا عند الناس؛ يريد أن يسقط صدقنا، بكذبه علينا)) . ثُمَّ ذكر المغيرة، وبزيغ(٢) الحائك، والسري، وأبا الخطَّاب، ومعمَّر، وبشَّار الأشعري، وحمزة اليزيدي، وصائد النهدي، وغيرهم، فقال:((لعنهم الله أجمع، وكفانا مؤنة كلِّ كذَّاب)) (٣) .

وعن حمدويه، قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله(ع) وميسرة عنده،

____________________

(١) المنهج، ص٧٢.

(٢) قال الأسترآبادي - صاحب منهج المقال: إِنَّ البزيغيَّة - أصحاب بزيغ هذا - أقرُّوا بنبوَّته، وزعموا أنَّهم كلّهم أنبياء لا يموتون، ولكن يُرفعون إِلى السماء، وزعم بزيغ: أنَّه رُفع إلى السماء ومسح الله على رأسه ومجَّ في فيه. وعن ابن أبي يعفور، قال: دخلت على أبي عبد الله(ع)، فقال لي: ((ما فعل بزيغ؟)) قلت: قُتل ، قال: ((الحمد لله؛ أمَا إِنَّه ليس لهؤلاء شيء خير من القتل)) .

(٣) المنهج، ص٦٧.

١٧٧

ونحن في سنة ١٣٨ هـ، فقال له ميسرة: جعلت فداك، عجبت لقوم كانوا يأتون إِلى هذا الموضع فانقطعت أخبارهم وآثارهم وفنيت آجالهم. قال(عليه السلام):((ومَن هم؟)) قلت: أبو الخطَّاب وأصحابه. فقال - وكان متَّكئاً فجلس ورفع ببصره إِلى السماء :((على أبي الخطَّاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فأشهد بالله أنَّه كافر فاسق مشرك، وأنَّه يحشر مع فرعون في أَشدِّ العذاب، أَمَا والله، إنَّي لأنفس على أجساد أُصيبت

معه النار)) (١) .

وروي أيضاً أنَّ أبا عبد الله(ع) ذكر أصحاب أبي الخطَّاب والغلاة، فقال:((لا تُقاعدوهم، ولا تواكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تصافحوهم، ولا توارثوهم)) . وقال(ع):((إِنَّ من الغلاة مَن يكذب حتّى إن الشيطان ليحتاج إِلى كذبه)) . وقال(ع) لمرازم:((قلْ للغالية: توبوا إِلى الله؛ فإِنَّكم فسَّاق كفَّار مشركون)) . وقال لأبي بصير:((يا أبا محمد، اِبرأ ممَّن يزعم إنَّا أرباب، وابرأ ممَّن يزعم أنَّا أنبياء)) (٢) .

وعن مصارف قال: لمـَّا لبيَّ القوم الذين لبُّوا بالكوفة، دخلت على الصادق(ع) وأخبرته بذلك، فخرَّ ساجداً ودقََّ جؤجؤه بالأرض وبكى، ثُمَّ رفع رأسه ودموعه تسيل على خديه، فندمت على إِخباري إِيَّاه، وقلت: جعلت فداك، ما عليك أنت من ذا؟ فقال:((يا مصارف، إِنَّ عيسى لو سكت عمَّا قالت النصارى فيه، لكان حقَّاً على الله أن يُصمَّ سمعه ويعمي بصره، ولو سكتُ عمَّا قال فيَّ أبو الخطاب، لكان حقَّاً على الله أن يُصمَّ سمعي ويعمي بصري)) .

وقال أيضاً:((إِنَّ قوماً يزعمون أنّي لهم إِمام، والله، ما أنا لهم بإِمام؛ ما لهم لعنهم الله؟ أَقول: كذا، ويقولون: يعني به كذا، إِنَّما أنا إِمام مَن أطاعني)) . وقال:((مَن قال بأنَّنا أنبياء فعليه لعنة الله، ومَن شكَّ في ذلك فعليه لعنة الله)) (٣) .

هذا قول الصادق(ع) في أبي الخطَّاب والخطَّابيَّة وبقيَّة الغلاة، وإليك

____________________

(١) انظر: منهج المقال، ص٣٢٤.

(٢) راجع: المنهج، ص٣٢٥.

(٣) المصدر نفسه.

١٧٨

قول علماء الرجال من الشيعة:

قال صاحب منهج المقال: (محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي الأجدع،

أبو الخطَّاب - لعنه الله - غالٍ ملعون، ويكنَّى: أبو زينب الزراد). قال ابن الغضائري: إِنَّ أبا الخطَّاب - لعنه الله - أمره مشهور، وأرى ترك ما يقوله أصحابنا: حدَّثنا أبو الخطَّاب في حال استقامته(١) . وهكذا قال النجاشي في (رجاله)، والعلاّمة الحلِّي في (خلاصته).

البراءة من العليائيَّة:

(عن أبي عبد الله(ع) قال:((لعن الله بشَّار الشعيري، إِنَّه قال قولاً عظيماً، فإِذا قدمت - يا مرازم - الكوفة، فأته وقل له: يقول لك جعفر بن محمد: يا كافر، يا فاسق، يا مشرك، أنا بريء منك. قال مرازم: فلمَّا قدمت الكوفة، قلت له: يقول لك جعفر بن محمد: يا كافر، يا فاسق، يا مشرك، أنا بريء منك. قال بشار: وقد ذكرني سيدي؟ قلت: نعم، ذكرك بهذا، قال: جزاك الله خيراً)) .

ومقالة بشَّار هي مقالة العليائية؛ أصحاب العلياء بن ذراع الدوسي، يقولون: إنّ علياً(ع) رب وظهر بالعلوية الهاشمية. ووافقوا أَصحاب أبي الخطَّاب في أربعة أشخاص: علي، وفاطمة، والحسنين(ع)، وأنَّ الأشخاص الثلاثة تلبيس، وأنَّهم في الحقيقة شخص علي؛ لأنَّه أوَّل هذه الأشخاص في الإِمامة.

وأنكروا شخص محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلّم)، وزعموا أنَّ بشّار الشعيري لمـَّا أنكر ربوبية محمد وجعلها في علي وجعل محمداً ع ع، وأنكر رسالة سلمان مسح في صورة طيرٌ يقال له: علياء، يكون في البحر؛ فلذلك سمّوهم العليائية)(٢) .

وعن إسحاق بن عمَّار قال: قال أبو عبد الله لبشَّار الشعيري لمـَّا دخل عليه:((أخرج عني، لعنك الله، والله لا يظلني وإِيَّاك سقف أبداً، فلمَّا خرج قال (عليه السلام): وَيْلَه ما صغَّر الله تصغير هذا الفاجر أحد، إِنّه شيطان بن شيطان، خرج ليغوي أصحابي وشيعتي، فاحذروه، وليبلغ الشاهد الغائبَ أنّي عبد الله وابن

____________________

(١) انظر: المنهج، ص٣٢٣؛ [بتلخيص].

(٢) المصدر نفسه، ص٦٨.

١٧٩

أمته، ضمَّتني الأصلاب والأرحام. وإِنّي لميِّت ومبعوث، ثُمَّ مسؤول، والله لأسألن عمَّا قال فيَّ هذا الكذاب وادَّعاه)) (١) .

البراءة من محمد بن نصير وجميع الغلاة أيضاً:

(روي عن أبي محمد الحسن العسكري(ع) أنّه كتب ابتداءً منه إلى أحد مواليه:((إنَّي أبرأ إِلى الله من ابن نصير الفهري، وابن بابا القمِّي فابرأ منهما. وإِنّي مُحذِّرك وجميع مواليَّ، ومخبرك أنِّي ألعنهما، عليهما لعنة الله، فتَّانين مؤذيين آذاهما الله. يزعم ابن بابا أنِّي بعثته نبيَّاً، وأنَّه باب، ويَْله - لعنه الله - سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن الله من قبل منه ذلك، يا محمد، إِن قدرت أن تشدخ رأسه، فافعل)) .

وابن الفهري هو: محمد بن نصير. قالت فِرقة بنبوَّته؛ وذلك أنّه ادَّعى النبوَّة وأنَّ علي بن محمد أرسله، وكان يقول بالتناسخ وبإِباحة المحارم، وكان محمد بن موسى بن الحسن بن فرات يُقوِّي أسبابه ويعضده)(٢) .

وعن سهل بن زياد قال: كتب بعض أصحابنا إِلى أبي الحسن العسكري(ع): جعلت فداك يا سيدي، إِنَّ علي بن حسكة يدَّعي أنَّه من أوليائك وأنَّك أنت الأوَّل القديم، وأنَّه بابك ونبيُّك أمرته أن يدعو إِلى ذلك، ويزعم أنَّ الصلوة والزكاة والحجَّ والصوم كُلُّ ذلك معرفتك، ومال إِليه ناس كثير. فإِن رأيت أن تمنَّ على مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة، قال فكتب (عليه السلام):((كذب ابن حسكة عليه لعنة الله، ويحك إِنّي لا أعرفه من مواليَّ. ويله لعنه الله، فوالله ما بُعث محمدٌ والأنبياء قبله إِلاّ بالحنفيَّة والصلوة والزكاة والصيام والحجِّ، وما دعا محمدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلاّ إِلى الله وحده لا شريك له، وكذلك نحن الأوصياء من وِلده عبيد الله لا نشرك به أحدا.. اِبرأ إِلى الله من قول ابن حسكة، وانتفى إلى الله منه، واهجره وأتباعه لعنهم الله وألجأهم إِلى ضيق، وإن وجدت منهم أحداً فاشدخ رأسه)) (٣) .

____________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) المصدر نفسه، ص١٠٧.

(٣) المصدر نفسه، ص٢٢٩.

١٨٠